قال البغوي رحمه الله : (( لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } , وهم اليهود النصارى، { وَٱلْمُشْرِكِين } ، وهم عبدة الأوثان، { مُنفَكِّينَ } منتهين عن كفرهم وشركهم, وقال أهل اللغة: زائلين منفصلين، يقال: فككت الشيء فانفكَّ أي: انفصل، { حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } ، لفظه مستقبل ومعناه الماضي, أي: حتى أتتهم, الحجة الواضحة، يعني محمد صلى الله عليه وسلم, أتاهم بالقرآن فبيّنَ لهم ضلالالتهم وجهالتهم ودعاهم إلى الإيمان. فهذه الآية فيمن آمن من الفريقين، أخبر أنهم لم ينتهوا عن الكفر حتى أتاهم الرسول فدعاهم إلى الإيمان فآمنوا فأنقذهم الله من الجهل والضلالة, ثم فسَّر البينة فقال:
{ رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ يَتْلُواْ } ، يقرأ، { صُحُفاً } ، كتباً، يريد ما يتضمنه الصحف من المكتوب فيها، وهو القرآن؛ لأنه كان يتلو عن ظهر قلبه لا عن الكتاب، قوله: { مُّطَهَّرَةً } ، من الباطل والكذب والزور.
{ فِيهَا } ، أي في الصحف، { كُتُبٌ } ، يعني الآيات والأحكام المكتوبة فيها، { قَيِّمَةٌ } ، عادلة مستقيمة غير ذات عوج.
ثم ذكر من لم يؤمن من أهل الكتاب فقال: { وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتواْ ٱلْكِتَـٰبَ } ، في أمر محمد صلى الله عليه وسلم، { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } ، أي البيان في كتبهم أنه نبي مرسل. قال المفسرون: لم يزل أهل الكتاب مجتمعين في تصديق محمد صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله، فلما بُعث تفرقوا في أمره واختلفوا، فآمن به بعضهم, وكفر آخرون. وقال بعض أئمة اللغة: معنى قوله " منفكِّين " أي هالكين، من قولهم: انفك صلا المرأة عند الولادة، وهو أن ينفصل فلا يلتئم فتهلك.ومعنى الآية: لم يكونوا هالكين معذبين إلاّ من بعد قيام الحجة عليهم بإرسال الرسول وإنزال الكتاب، والأول أصح.))
وإن رجح البغوي لمعنى الأول فالمعنى الثاني أيضاً له ما يشهد له كقوله تعالى : ((وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)) وقوله (( وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون )). وبهذا يكون كفرهم بعد حصول البينة ، بدليل أنه قال بعد ذلك في السورة نفسها ((وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة )) ، قال ابن تيمية (( ..من هؤلاء من جعل تفرقهم إيمان بعضهم وكفر بعض . قال البغوي : ثم ذكر من لم يؤمن من أهل الكتاب فقال { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة } أي البيان في كتبهم أنه نبي مرسل . قال المفسرون : لم يزل أهل الكتاب مجتمعين في تصديق محمد حتى بعثه الله . فلما بعث تفرقوا في أمره واختلفوا . فآمن به بعضهم وكفر به بعضهم)).
أما الرابط في التوقيع فالموقع تحت الإصلاح. والله يرعاكم.