بوزون هيجز وإله الملحدين
تقرير علمي عن نظرية بيتر هيجز وعلاقتها بفرضية الإله


ربما ترتسم علامات التعجب والدهشة على أوجه قراءنا الكرام من العنوان، الذي قد يبدوا غريبا في شقيه، ولكننا لن نترك تلك العلامات تدوم كثيرًا، حيث سيتضح المراد بعد سطور..


ودعونا نبدأ مع شقه الأول و بوزون هيجز، وهو جسيم أولي - افتراضي ثقيل، تبلغ كتلته نحو 200 مرة كتلة البروتون - يُظن أنه المسؤول عن اكتساب المادة لكتلتها. رُصدت إشارات عملية له في عام 2011 في مصادم الهادرونات الكبير، حيث أعلن مختبر سرن في 4 يوليو 2012 أن وجوده تم التأكد منه بنسبة 99.999% فعليًا.


وكان قد تنبأ عالم الفيزياء النظرية البريطاني "بيتر هيجز" عام 1964 بوجوده في إطار النموذج الفيزيائي القياسي، الذي يفترض أن القوى الأساسية – قوى الكون الأربعة - قد انفصلت عند الانفجار العظيم، وكانت قوة الجاذبية هي أول ما انفصل، ثم تبعتها بقية القوى.


ويُعتقد طبقا لهذه النظرية أن البوزون هو المسؤول - من خلال ما ينتجه من مجال هيجز -عن حصول الجسيمات الأولية كتلتها، مثل الإلكترون والبروتون والنيوترون وغيرها. وتمكن العلماء من رصده عمليا بواسطة مصادم الهادرونات الكبير (LHC) الموجود في مختبر سرن، حيث تصل فيه سرعة البروتونات إلى سرعة الضوء تقريبا.


ولعل المثير للدهشة أنه في المصادم يصوب شعاعي بروتونات كل منهما بسرعة مقاربة لسرعة الضوء ضد بعضهما رأسيا، ثم تُدرس نتائج هذا الاصطدام الذي يماثل ظروف الانفجار العظيم على مستوى مصغر. و لتمثيل ظروف اللحظة الزمنية 10−35 من الثانية الأولى بعد الانفجار العظيم، والتي يُعتقد أن بوزونات هيجز تكونت عندها، يتطلب تخليقها ظروفا قد تصل إلى 5000 مليار إلكترون فولت. [1]


طبقا للنموذج العياري لا يعد جسيم هيجز مشحونا، حيث أن عزمه المغزلي مساويا للصفر ولذلك فهو يعتبر من ضمن البوزونات. وطبقا لحسابات مختبر فيرميلاب الأمريكي عام 2006؛ فمن المفترض أن تبلغ كتلته بين 117 و 153 جيجا إلكترون فولت /c² ( محسوبة على أساس كتلة البوزون-دبليو ).


في مطلع عام 2011 حصل العلماء على أول نتائج التجارب الجارية في مصادم الهادرونات الكبير التابع للوكالة الأوروبية للأبحاث النووية (سيرن). وقاموا بنشرها في المجلات العلمية، وبأنها تشير إلى وجود جسيم هيجز في عدة من الكتل بدرجة عالية من التأكد. وطبقا لتلك القياسات تبلغ كتلة جسيم هيجز بين 116 - 130 جيجا إلكترون فولت/c² (تجربة أطلس) أو بالتالي بين 115–127 جيجا إلكترون فولت/c² (تجربة لولب مركب للميون).


- تصور هيجز : .
يتكون تصور هيجز للأمر في مجالا يسمى "مجال هيجز" ينشأ عن وجود جسيمات هيجز، وأن هذا المجال يعتبر غليظا بحيث تجد فيه الجسيمات مقاومة تحت تأثيره، ويعمل هذا التأثير على ظهور ما نسميه كتلة الجسيم. فالإلكترون مثلا يلاقي في مجال هيجز مقاومة صغيرة فيكون له كتلة صغيرة، أما جسيم آخر مثل البروتون فيجد - طبقا لنظرية هيجز - مقاومة (يمكن تشبيهها بلزوجة السوائل) أكبر في هذا المجال، فيظهر البروتون وله كتلة كبيرة.


في مصادم الهادرونات الكبير، تتصادم بروتونات تدور في حلقة المصادم بسرعة مقاربة لسرعة الضوء في اتجاهين متضادين، حيث تبلغ طاقة البروتونات المعجلة نحو 5و3 ترليون إلكترون فولت . ولكي يتم التصادم فيعمل الفيزيائيون على تدوير فيضا من البروتونات في المعجل في اتجاه ، وتدوير فيضا ثانيا من البروتونات أيضا في اتجاه عكسي ولها نفس سرعة بروتونات الفيض الأول ويدعونهما للاصطدام بطاقة تبلغ عندئذ ضعف طاقتيهما (أي 7 ترليون إلكترون فولت في وسط عداد كبير . تلك الطاقة تحاكي ما كان موجودا من طاقة خلال الانفجار العظيم ولكن في إطار صغري . أي تسمح تلك الطاقة وما يتولد منها من جسيمات (طبقا لتكافؤ المادة والطاقة لأينشتاين ) من متابعة الجسيمات التي ظهرت عقب حدوث الانفجار العظيم مباشرة . دراسة تلك الجسيمات الناتجة تساعدنا على فهم نشأة المادة ونشأة الكون . يقوم العداد الكبير بتسجيل كل ما ينشأ من جسيمات وإشعاعات (أنظر تجربة أطلس).


من ناحية أخرى فلا يتضمن النموذج العياري للجسيمات تفسيرا واضحا لوجود الجاذبية وهي قوة أساسية في الكون. وكذلك لا يقول النموذج شيئا عن الطاقة المظلمة ولا عن المادة المظلمة واللتان تشكلان نحو 80 % من الكون، ويأمل الفزيائيون أن يتوصلوا عن طريق مصادم الهادرونات الكبير إلى اكتشافات تفسر لنا تلك الألغاز.


كيف ينظر الملحد للأمر ؟!


يدعي الملحد دائمًا أن منهجه في فهم الأمور منهج علمي وأن أدلته التي يطلبها دائما هي علمية ولا يقبل حتى بالأدلة العقلية (رغم أن العلمي فرع عن العقلي) وأن أطاره الذي يدور فيه دائما هو إطار المادة ولا يقبل مطلقا بأي من السياقات الماورائية. ولكن هذا الادعاء لا يلبس أن يتبدد أمام الممارسات المستمرة من إلصاق أي اكتشاف علمي حديث، بفرضية الإله. فكلما رأوا اكتشافا علميا حديثا في أي مجال، يهرول القوم ليملئوا الدنيا صراخا، لم نعد بحاجة إلى وجود إله !!


- استحال الأمر إلى هاجس، كلما ظهرت حفرية جديدة، قالوا لم نعد بحاجة إلى وجود إله، كلما توصل العلم المادي التجريبي إلى اكتشاف، قالوا انتهت حجج المؤمنين بوجود إله، وإن دل هذا فلا يدل على عقلانية أو فكر خالص أو أي شيء من هذا القبيل، بل هي حاجة نفسية داخلية تسعى دائما لما يطمئنها بعدم وجود إله.


والحقيقة التي لا ينبغي أبدا إغفالها هو أن الملحد لا يستطع أبدا الإفلات من الأيمان بإله، ولكنه لا يقبل أن يكون هذا الإله، هو الإله الحكيم المدبر الخالق، ولكن لا يجد أي غضاضة في أن يكون إلهه (الصدفة)، (العشوائية) أو (الطبيعة الأم Mother Nature).


- بعد خبر التأكد من وجود الجسيم شاعت الآراء بتسميته "جسيم الإله" للدلالة على أنه يقوم مقام الإله في الكون. ولا ندري أين البرهان في هذا الاكتشاف أن الله غير موجود؟ فهذا الجسيم في حد ذاته يحتاج إلى تفسير وسؤالات كثيرة.


من وضع قوانين هذا الجسيم؟ من منحه هذه القدرة لتشكيل كتلة؟ وأين كانت هذه الكتلة التي انفجرت قبل الانفجار العظيم ؟ ومن أين وجدت ؟ كيف يمكن الجزم أن الطبيعة أوجدتها؟ من هي هذه الطبيعة القوية القادرة على أيجاد هذه الكتلة ؟ ماذا كان يوجد قبل وجود هذه الكتلة ؟


إن عدم الإجابة على هذه الأسئلة وعدم مقدرتهم على إيجاد مخرج منها، يدل أنهم - و حتى الآن - لم يستطيعوا أن يؤكدوا حتى لأنفسهم عن عدم وجود الخالق.


هل هذا حق أم هوى؟!!


هل صدق مع النفس أم تكبر للتهرب من قبول فكرة إله وتعاليم و الزامات وعبادات وحرام وحلال ؟!!


كيف ينظر المؤمن للأمر ؟!


كل اكتشاف جديد يُتوصَل إليه في هذا الكون إنما هو دليل جديد على عظمة الله تعالى "الذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ".


يخبرنا الله تعالى بأنه ليس هناك شيء لا في حجم الذرة ولا حتى (أصغر) منها أو أكبر في السماء ولا في الأرض، إلا وعنده تعالى علمها ويعلم مستقرها ومستودعها.


وهذا هو العلم المادي حتى مطلع القرن العشرين، لا يعرف أصغر من الذرة، فالذرة بالنسبة له هي أصغر شيء، ومنها تتكون الجزيئات ثم الأجسام، فهي بالنسبة له وحدة تكوين المادة، ولكن كان للقرآن رأي آخر وليس في هذا اليوم أو ذلك القرن.


- لا أدري صراحة لم يصر ملاحدة اليوم على إدخال – الجسيم - في معادلة وجود الإله وعدمه. كما فعلوا من قبل - ويفعلوا - بالاستدلال على أزلية المادة بقانون بقاء الطاقة، ثم تأتي نظرية الانفجار الكوني العظيم (BIG BANG ) لتهدم هذا كله وتضعهم في مأزق لم يخرجوا منه، وما زال بعضهم يتحفنا بإيمانه بأزلية المادة.


وقد فرح بعض الملاحدة بهذا الكشف لأنهم علقوا أنظارهم على اسمه الجسيم الإله أو جسيم الإله، وقد بينا سبب تسميته بذلك الاسم، وظنوه الجسيم الذي يقوم مقام الإله في تفسير وجود الكون...وقد أُصيبوا بخيبة أمل ويظهر ذلك في تصريح أحدهم.....حيث يقول الملحد :دانيال ساريويتز (بعد اكتشاف جسيم هيجز )


أحيانًا.. ينبغي للعلم أن يفسح مجالًا للدين

المراجع:
1- بوزون هيغز - ويكيبديا العربية.
2- دانيال ساريويتز، أحيانًا.. ينبغي للعلم أن يفسح مجالًا للدين، مجلة نيتشر - الطبعة العربية.
3- إبراهيم الرماح (@IAlrammah)، جُسَيم الرب: آية للمؤمنين وفتنة للملحدين، <twitmail.com/email/377779858/1/3>.

كتبه: مصطفى نصر قديح.
ومنقول من مجلة (براهين).