لماذا ينتشر الإسلام مع شدَّة تضييق الخناق على أتباعه؟
لقد تكفَّل الله تعالى بحفظ دينه فقال عزَّ من قائل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}ال جر(9) وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }التوبة (33) وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً }الفتح (28).
وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أنَّ هذا الدين سينتشر في جميع الأرض، فقد روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن الله زوى لي الأرض - أي ضمها وجمعها- فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها)([8]).
وجاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم:(ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله به الكفر)([9]).
وكان تميم الداري يقول: عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز ولقد أصاب من كان منهم كافرا الذل والصغار والجزية.
وبشَّر النبي صلى الله عليه وسلم أمَّته بالنصر والتمكين فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (بشر هذه الأمة بالسناء والنصر والرفعة في الدين والتمكين)([10]).
إنَّه لو أردنا أن نتتبع الأسباب الحقيقيَّة لانتشار هذا الدين رغم ما يُحيط بأهله من دوائر السوء والشر والخطر والضرر، سنرى أن خلاصتها وأعلاها وأولاها بالتقديم هو هذا القدر الإلهي، المتمثل في حفظ الله تعالى لهذا الدين وإرادته الانتشار والبقاء.
ولعلَّ من الحوادث المضحكة في ذلك ما قرأناه في وسائل الإعلام فقد ذكرت صحيفة تايمز البريطانية أنَّ قسا متقاعدا انتحر بحرق نفسه في دير بألمانيا احتجاجا على انتشار الإسلام وعجز الكنيسة البروتستانتية عن احتوائه، وذكرت الصحيفة أن القس رولاند ويزلبرغ صب علبة من البنزين على رأسه وأضرم النار فيها وذلك في دير أوغيستين في مدينة أيرفيرت، التي قضى فيها مارتن لوثر كينغ ست سنوات راهبا في بداية القرن الـسادس عشر، ونقلت الصحيفة عن ألفريدي بغريتش رئيس كنيسة أيرفرت قوله إن أرملة ويزيلبرغ أخبرته أن زوجها انتحر بسبب ذعره من انتشار الإسلام وموقف الكنيسة من تلك القضية[11].
وهذه القصًّة تجلِّي لنا بوضوح سبب الذعر والخوف الشديد من انتشار الإسلام في هذه المعمورة، ولدوافع في الأعم الأغلب ذاتيَّة لما يشاهدونه من عظمة هذا الدين، ولعلَّ من نافلة القول بعدما سبق أن نشير إلى بعض أسباب انتشار الإسلام، فمن هذه الأسباب:
(1)
(أنَّ الإسلام هو الدين الحق فهو منهج حياة، لا تعقيد فيه ولا غموض)
من المعلوم أنَّ الحق عليه علائم واضحة، وأنوار برَّاقة تظهر منه، وتنتج عنه، فهو كما قيل:
فهذا الحق ليس به خفاء *** فدعني من بنيَّات الطريق
ولو أردنا أن ننظر في ذلك من ناحية معاصرة، لاستدللنا بخير مثال يؤيد ما ذكرناه حيث ذكرت الكثير من وسائل الإعلام، وعلى رأسها شبكة المحاربون اليوم (Veterans Today) بقصة ذلك الجندي الذي أعلن إسلامه الشهر الماضي بعد أن نطق الشهادتين في مسجد كيمبل ستريت بولاية نيويورك الأمريكية بعد عام من دراسة الإسلام مع أحد أئمته.
وقد كان هذا الجندي ضمن الدفعة الأولى التي أرسلت إلى أفغانستان عام 2001، وبعدها بـ 15 شهرا أرسل ضمن أولى كتائب المارينز إلى العراق، وقد ذهب لكي يحارب الإسلام الذي اعتنقه فيما بعد، حيث تحدَّث عن نفسه بأنَّ هذه الرحلة الشاقة والأليمة إنما ساقه الله من خلالها إلى الهداية، فقال "أرسلوني إلى الأراضي البعيدة لمحاربة المسلمين.. ثم أصبحت واحدا منهم" ثمَّ صرَّح الجندي الأمريكي "مايك": "لقد أفهمني الإمام أن الإسلام ليس مجرد طقوس أؤديها.. إنه منهج حياة، يرشدني في كل أموري ليصبح كل شيء عبادة"([12]).
ونتوقف لنتأمل فيما قاله ضابط أمريكي آخر أشهر إسلامه، وهو يبكى متسائلا : ما ذنب والديه بعد أن ماتا دون أن يعلما شيئا عن الإسلام؟!!
وفي تقارير عديدة صدرت من خبراء وراصدين فقد استرعاهم وأثار انتباههم انتشار الإسلام بسرعة بين الأمريكيين من أصل إفريقي، ولم يردعهم التدقيق المتزايد الذي يتعرض له المسلمون في الولايات المتحدة منذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، ويشرح أولئك سبب إسلامهم بقولهم:(إن ما يجذبهم هو التعود على النظام والطاعة الذي تمثله الصلاة وتأكيد الإسلام على الخضوع لله وتعاطف الدين مع المقهورين)([13]).
وعند قراءة شيء من أسباب دخول المنصِّرين إلى الإسلام مثلاً ، يعزو المبشرون المسيحيون انتشار الإسلام في غرب إفريقيا والسنغال والكاميرون وساحل العاج إلى أسباب؛ منها بساطة تعاليمه وخلوها من التصورات الغيبية الغامضة المعقدة .
لقد صدر كتاب في عام 2005م بعنوان:(الإسلام والأمريكي الأسود: نظرة تجاه الإحياء الثالث) لمؤلفه: شرمان جاكسون، ذكر فيه أنَّ المسلمين السود اعتنقوا الإسلام لأنَّهم يريدون ثقافة يشعرون فيها بالملكيَّة والسيطرة ، وأنَّهم يلحظون أنَّ دين الإسلام وسط وسيط في جميع التعاملات الحياتية والاقتصاديَّة.
وهذا ما كان محفِّزاً كذلك لـ: (علي رمضان) أحد سلاطين مناطق تشاد الذي أسلم، وحينما سئل عن سبب إسلامه قال: (وجدت حلاوة الإسلام ولا أحد يشك في أنه دين المساواة والعدالة، لا فرق بين أحد وآخر ولا بين غني وفقير إلا بالتقوى كل يتوجه لله وكلهم عبيد لله.
وهذا يعطينا دلالة قوية على أن الدين ينتشر بغير جهد أبنائه أو حالتهم، وإنما هو ينتشر بقوة أخرى، هو قوة الله عز وجل الذي أنزله لعباده وأراد له البقاء، فلا يضره بعد ذلك أن تعاديه الدنيا كلها، فلن يضره هذا؛ لأن الله ناصره لا محالة، والواقع خير برهان ودليل).
(2)
(شك كثير من غير المسلمين بدياناتهم، لوجود التناقض والتعارض والقصور في عقائدهم)
إنَّ أتباع تلك الديانات يشعرون بشك في دينهم، وخلل في معتقدهم ممَّا يسوقهم ويجرُّهم بل يجذبهم كالمغناطيس للتعرف على الإسلام والدخول فيه.
بسؤال امرأة ألمانية عن كيفية دخولها إلى الإسلام، تقول سيتلانا 24 سنة: "منذ أن كان عمري 13 عاماً، كان هناك تساؤل يتبادر إلى ذهني من حين إلى آخر:ما هو الإسلام؟ ومن هو محمد؟ ولماذا نكره نحن المسيحيين الإسلام والنبي محمداً؟
سألت والديها عن الإسلام وكان الرد قاسيا وطالباها بالتوقف عن طرح مثل هذه التساؤلات وإلا سيكون العقاب شديداً، تقول : كنت لا أصدق أن الله هو المسيح كما تقول ديانتي المسيحية وعندما جئت إلى ألمانيا مع أسرتي الروسية أصبح لي زملاء وأصدقاء مسلمون من جنسيات مختلفة وجدت في تعاملهم ومعرفتهم دفئاً وحنيناً لم أجده عند الألمان، فأردت أن أتعرف أكثر على هذا الدين وعن الرسول محمد "صلى الله عليه وسلم"، وقضيت سنوات أبحث ولا أعرف كيف تكون البداية في البحث، وذهبت إلى البابا في الكنيسة وسألته عن الإسلام فلم أجد في ردوده وإجاباته غير كرهه للإسلام والمسلمين، وأنه دين عنف وإرهاب، وقضيت سنوات عديدة.. أريد أن أعرف، ولكن لا أعرف كيف؟!! وشاء الله أن أتعرف شاباً تركياً مسلماً، وأن تنشأ قصة حب بيننا، كما تعرفت على أسرته الذين رحبوا بي وأحبوني كثيراً، وأحاطوني بعطف ورعاية، واعتبروني فرداً من الأسرة، وكنت دائماً أطرح أسئلة عديدة على هذا الشاب، عن الإسلام وعن الرسول وعن الله، ولكني لم أجد أي إجابة عنده، لأنه نفسه لا يعرف شيئاً عن الإسلام غير أنه ولد مسلماً فقط.
ولكنَّها بعد بحث وتقصٍّ قرَّرت الدخول في الإسلام حينما قرأت وشاهدت النور الساطع في آياته القرآنيَّة وعظم الدعوة التي يبشِّر بها، وصدق الله تعالى إذ قال:(فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضلَّه يجعل صدره ضيقاً حرجا كأنَّما يصَّعد في السماء).
لأجل ذلك يتحدث (ايتين دينيه) عن مدى موائمة الدين الإسلامي لفطرة الناس وعدم مصادمتها حيث يقول :(لا يتمرد الإسلام على الطبيعة التي لا تغلب , وإنما هو يساير قوانينها ويزامل أزمانها , بخلاف ما تفعل الكنيسة من مغالطة الطبيعة ومصادمتها في كثير من شؤون الحياة مثل ذلك الغرض الذي تفرضه على أبنائها الذين يتخذون الرهبنة , فهم لا يتزوجون وإنما يعيشون غرباء).
(3)
(وجود الدافع الذاتي لدى الناس في التعرف على هذا الدين)
ولهذا نجد الدكتور "عبد الرحمن حمود السميط" رئيس لجنة مسلمي إفريقيا يقول بصراحة: إنه برغم عدم وجود خطط مدروسة لنشر الإسلام في القارة الأفريقية، فإن الإسلام ينتشر بالدفع الذاتي؛ مؤكدًا على أن المستقبل للإسلام في هذه القارة.
ومن يستمع إلى الشريط الجميل الذي خرج له قبل عدَّة سنوات بعنوان:(رحلتي إلى أفريقيا) في حوار الدكتور الإعلامي فهد السنيدي معه لوجد في ذلك عجباً عجاباً في إقبال الكثيرين من الأفارقة على الإسلام دون وجود إغراءات تدعوهم إلى ذلك.
و في الدول الأوروبيَّة نجد دفعاً عجيباً وتلقائياً لمحاولة التعرف من السويديين على دين الإسلام، ومن ثمَّ إعلان الكثير منهم دخولهم في الإسلام طواعيَّة، فخلال مؤتمر صحفي بالمعهد السويدي بالإسكندرية وفي ضربة موجعة للمناهضين للإسلام أعلن وفد شباب السويد المسلم اعتناق 15 ألف مواطن سويدي تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عاماً الدين الإسلامي بعد أزمة الرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وتقول عدد من التقارير الصادرة بأنَّ عدد المسلمين في السويد يبلغ الآن حوالي 120 ألف مسلم والملاحظ أن الإسلام ينتشر رغم غياب الدعاية الكافية له وبشكل خاص بين النساء من الأكاديميات والجامعيات بشكل خاص ويبرهن على احترام الإسلام للمرأة ووضعها في دور أكثر تقديراً ويحتل الإسلام المركز الثاني من حيث الانتظار هناك.
ومن خير الشواهد على انتشار هذا الدين العظيم، ما يشعر به القساوسة بالأثر البالغ والكبير الذي يدفع الغربيين للدخول في الإسلام، ما اعتبره د. حقار محمد أحمد عضو مجلس الحوار مع الكنائس والباحث المتخصص في شئون الفاتيكان وتاريخه تحذير جورج جاينزفاين السكرتير الخاص لبابا الفاتيكان مما وصفه "بأسلمة الغرب"، ودعوته لمقاومة القيم الإسلامية باعتبارها خطرا على الهوية الأوروبية تأتي على خلفية الانتشار السريع للإسلام لدى النخب والقواعد الشعبية في أوروبا.
وقال أحمد في تصريحات خاصة لموقع: (إسلام أون لاين): "هذه التصريحات جاءت نتيجة تزايد الإقبال على الإسلام في أوساط النخبة من المجتمع الأوروبي، وهي الفئة المؤثرة في الأوساط الثقافية الأوروبية، بالإضافة لتضاعف عامة الناس الذين يسلمون بعد 11 سبتمبر إلى ثلاثة أضعاف في كثير من الدول كفرنسا".
ومن شواهد ذلك ، ما طالعتنا به بعض وسائل الإعلام عن قصَّة ذلك الضابط الأمريكي ، إذ كان يقوم بحراسة مستشفى مدينة الطب بضاحية الكرخ في بغداد، وبعد محاولات تلقائيَّة منه للتعرف على الإسلام، أعلن النطق بالشهادتين، وسيتبعه الكثير في ذلك، إذ إنَّ نصاعة هذا الدين وحقائقه الكبرى في الكون والحياة لائحة لكل ذي عينين يريد الدخول في الدين الحق ويبحث عنه.
ونحن لا ننسى كذلك قصَّة الكثير من الحروب التي شنَّها أعداء الدين ومنهم التتار الذين دخلوا بلاد الإسلام لإبادة أهلها، وبعد مدة وجيزة وجدنا الكثير منهم يدخلون في الإسلام ويصبحون من أشدِّ أنصاره.
وهذا ما يعطي لجميع المسلمين حالة الشعور بروح العزَّة والمناعة لهذا الدين، وأنَّ هنالك شيئاً خفياً يقلب أذهان الكثيرين حينما يتعرَّفون على دين الإسلام.
(4)
(أنَّ حملات التشويه للإسلام تعطي مفعولا عكسيا)
إنَّ كل الإساءات السابقة والحالية وربما اللاحقة لمقدساتنا ورموزنا الدينية؛ لهي دليل على قوة الإسلام المتنامية بالغرب وتأثيره المباشر في حياة الملايين بأوروبا ، فإحصائيات حديثة صادرة عام 2008 أكَّدت أن محاولات تشويه صورة الإسلام والمسلمين وبِناءِ صورة سيئة لكل من هو مسلم باءت بالفشل وأن الإسلام مازال ينتشر في أوروبا وأمريكا، وكما قال الله تعالى:(لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم).
والكثير من الناس يدفعهم حب الفضول والاستطلاع لما يقال وينشر في الإساءة للمسلمين، فيطالعون المصحف الكريم وبعض الأحاديث النبوية، وما هي إلاَّ أيام أو أسابيع أو شهور حتَّى ينطق كل منهم بشهادة الإسلام (أشهد ألاَّ إله إلاَّ الله وأشهد أنَّ محمداً رسول الله).
هذا مع ضعف زعماء الدول الإسلاميَّة وخيانة الكثير منهم لدينه، وعدم اعتبار الدين هو الممثل الوحيد الذي يجب الدفاع عنه والذود عن حياضه، ومع جميع ذلك ينتقم الله تعالى لرسوله محمداً من الذين سخروا به واستهزؤوا برسالته، وكان في قولهم ذاك دعوة للكثير من القطاعات الغربيَّة بالدخول للإسلام، وقد قال ابن تيميَّة ـ رحمه الله ـ:(إنَّ الله منتقم لرسوله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ ممَّن طعن عليه وسبَّه ، ومظهر لدينه ولكذب الكاذب ؛ إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد)([14]).
وهو ما حدث فعلاً فقد وجدنا عقب تلك الإساءات لرسول الله ولدين الإسلام، أنَّ كيد أولئك المجرمين عاد إلى نحورهم وأنَّ هذه الحوادث أعطت للكثير من الغربيين ذرائع البحث عن هذا الدين الذي كثر ناقدوه لكي يتعرفوا عليه عن قرب، فوجدوا خلاف ما يقولون أنَّه دين الحق والعدل والحرية والسماحة والعزة.
لقد حاولت مجلة (دير شبيجل) الألمانية تقصي أسباب هذا الإقبال غير المسبوق على اعتناق الإسلام بين الألمان، مستعينة بدراسة أصدرها مجلس الوثائق الإسلامية في ألمانيا، ويؤكد فيها أن أحداث 11 سبتمبر عام 2001 والحملة الهوجاء التي قادتها الصحافة في الغرب ضد الإسلام، وما أعقبها من رسوم كاريكاتورية مسيئة للرسول - صلى الله عليه وسلم- نشرتها صحف دنمركية، ثم آراء بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر غير المنصفة حول الإسلام، لم تستطع وقف انتشار الدين الإسلامي في ألمانيا وأوروبا، بل أصبح هذا الدين أكثر قبولاً من غيره من الأديان في هذا البلد، وكان من آثار تلك الأزمات التي عصفت بالمسلمين دوراً رئيساً وجوهرياً في محاولة تعرف الكثير من الألمانيين على هذا الدين، حيث ساقهم هذا الحدث للاقتناع بالإسلام والدخول فيه!
ولقد تحدَّث إليَّ مرة فضيلة الشيخ رائد حليحل ـ حفظه الله ـ (مؤسس اللجنة الأوروبيَّة لنصرة خير البريَّة في الدنمارك) أنَّه في أعقاب أزمة الرسوم المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنمارك، والانتفاضة التي عمَّت أرجاء العالم العربي والإسلامي في الدفاع والذب عن رسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه، ما جعل الدنماركيون يستغربون من ذلك، فذهب الكثير منهم للمراكز الإسلاميَّة وسألوهم إن كان هنالك شيء يستطيعون من خلاله التعرف على هذا الدين الحنيف، فكانت المراكز تعطيهم المصحف ومعه ترجمة لآياته، وبعض الكتب التي تتحدث عن دين الإسلام ، فيرجع الكثير منهم ويعلنون في تلك المراكز أنَّهم قد دخلوا في هذا الدين، حتَّى أنه خلال عامين بعد أعقاب أزمة الدنمارك دخل من الدنماركيين في دين الإسلام أكثر من 4000 شخص! فربَّ ضارَّة نافعة!!
ويوافق ما حدَّثنيه الشيخ رائد حليحل؛ ما أكَّدته صحيفة "البوليتيكن" الدنماركية أن عدد الدنماركيين الذين يعتنقون الدين الإسلامي يتزايد يوماً بعد آخر وأن مواطناً دنماركياً واحداً علي الأقل يختار اعتناق الدين الإسلامي يومياً كما أن عدد الدنماركيين الذين تحولوا للإسلام منذ نشر الرسوم المسيئة تجاوز خمسة آلاف دنماركي.
بل أكَّدت دراسة استطلاعية في الدنمارك أن القرآن الكريم أصبح هدية مطلوبة ـ بشغف ـ بمناسبة عيد ميلاد المسيح لعام 2007م وقالت الدراسة الاستطلاعية: إن ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الدنماركية، تبوأت المرتبة الثانية لأكثر وأفضل المبيعات انتشارا في مجال الكتب المتخصصة في هذا النوع من العلوم.
ويربط الخبير الدنماركي في شؤون الإسلام: (يورجن باك) بين هذه الظاهرة وبين تلك الرسوم المسيئة لنبي الإسلام التي نشرت في الدنمارك بادئ ذي بدء، ولحظ هذا الباحث: أنه لا يمكن قراءة صحيفة في الدنمارك أو الاستماع إلى إذاعة أو مشاهدة التلفزيون إلا وكان هناك ذكر للإسلام والمسلمين. وهذا يفسر الرغبة في الاطلاع على ما يتضمنه القرآن.
والدلالة على ذلك: أنَّ المصحف ـ الذي ترجمت معانيه إلى الدانماركية ـ: أصبح هدية يتبادلها الدانماركيون بمناسبة أعياد الميلاد. وقد بيع من هذه الترجمة خمسة آلاف نسخة في شهر واحد.
ولمن لا يعلم فإنَّ بلداً غربياً مشهوراً كالدنمارك بلغ من شدَّة حقده على الإسلام أنَّ قوانين هذه البلاد لم تعترف بالدين الإسلامي، ولم تدرجه ضمن الأديان المعترف بها على أراضيها، علماً بأنَّ عدد المسلمين في الدنمارك يبلغ 250 ألف مسلم أي (ربع مليون)، من أصل 5.300 مليون نسمة، وفق الإحصاء الرسمي لعام 2005م، وفي المقابل تعترف الدولة الدنماركيَّة بديانة(السيخ) رغم أنَّ أتباعها لا يزيدون عن 170 شخصاً !
ومع هذا التجاهل والتعامي عن حقوق المسلمين بل الإساءة لهم، فإنَّه في أعقاب الحملة المسيئة لرسول الله في بلادهم تقدَّمت الدعوة إلى الأمام سنوات عديدة، وكما قال أحد الدعاة هنالك: فلو ظلَّ 100 داعية يتحدثون عن الإسلام في الدنمارك 10 أعوام، لما تركت دعوتهم هذا الأثر والنتيجة لدخول الكثير منهم إلى الإسلام كما تركت هذه الحادثة، وصدق الله تعالى إذ يقول:(وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا من المجرمين وكفى بربك هاديًا ونصيرًا) (سورة الفرقان:31).
فهذه الدينمارك والتي اندلعت فيها جريمة الرسوم المسيئة لرسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم، فإنَّه:(يتردد على مسجد كوبنهاجن وحده أزيد من عشرين شاب لإعلان إسلامهم أسبوعيا، وفي السويد أصبح مسجد ستوكهولم المركزي قبلة للشباب السويدي والشابات السويديات و غيرهما من شباب أوروبا الذين يعلنون إسلامهم بشكل يومي والأمر عينه يتكررّ في النرويج وفنلندا وإيسلندا، ويعكس هذا التوجه ما قاله الكاتب السويدي الراحل يان ساميلسون الذي أسلم في كتابه الإسلام في السويد أنّ الدين الإسلام سيكون أهم وأصعب رقم في معادلة الدول الاسكندنافية بعد عشرين سنة.
وقد أعلنت وزارة التعليم الدانماركية أنّها أصدرت مرسوما يقضي بتدريس القرآن الكريم في كل الثانويات الدانماركية, وقد عللّت وزيرة التعليم الدانماركية أولي تورناس ذلك بقولها أنّ تدريس الإسلام في المراحل الثانوية في الدانمارك سيفيد من جهتين أساسيتين أولهما معرفة الدانماركيين بالدين الإسلامي خصوصا في ظل الإقبال الكبير على دراسة الإسلام من قبل الدانماركيين وثانيهما معرفة الدانماريكيين الأصليين لأصدقائهم المسلمين الذين يعيشون معهم في الدانمارك أو أصدقائهم بتعبير الوزيرة أولي تورناس, و للإشارة فإنّ عدد المسلمين في الدانمارك يبلغ حوالي 200 ألف مسلما أغلبهم من البلاد العربية والإسلامية وإفريقيا وهذا العدد هو من أصل خمس ملايين ونصف دانماركي وقد رحبّت الجمعيات الإسلامية في العاصمة الدانماركية كوبنهاجن بهذه البادرة واعتبروها خطوة في الاتجاه الصحيح)([15]).
وإلى أمريكا وعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر ففي حديث خاص جمعني مع شيخنا الأستاذ الدكتور جعفر شيخ إدريس ـ حفظه الله ـ وقد كان لسنوات عديدة رئيس الجامعة الأمريكية المفتوحة في أمريكا، بأنَّه عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والحرب الشرسة على الإسلام من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على لسان رئيسها مجرم الحرب جورج بوش، قد دفع ذلك الأمريكان لكي يتعرفوا على الإسلام، حتَّى إنَّه خلال شهر ونصف أسلم في أمريكا ما يزيد على 27 ألف مسلم !!
كما شهدت مكتبات أمستردام إقبالاً كبيراً من الهولنديين على شراء المصاحف الإلكترونية المترجمة مما أدَّى إلى نفادها من الأسواق عقب نشر الرسوم المسيئة وعلى جانب آخر خابت آمال النائب الهولندي جيرت فيلدرز فبعد عرض فيلم فتنة أشهر ثلاثة هولنديين إسلامهم خلال أسبوع من عرض الفيلم.
وحتَّى في بلجيكا ينتشر الإسلام بسلاسة إثر الرسوم المسيئة لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنجد دراسة لصحيفة "لاليبر بلجيك" البلجكية تذكر أنَّ ثلث سكان بروكسل الآن مسلمون وأنَّ الدين الإسلامي سيصبح الدين الأول ببروكسل بعد نحو 20 عاماً من الآن وأن اسم محمد تصدر أسماء المولودين الجدد منذ عام 2001. وقالت صحيفة "روسيسيكا غازيتا" أن عدد المسلمين يتضاعف في بلجيكا خلال العشرة أعوام الأخيرة.
بل توقع خبير بلجيكي في علم الاجتماع والإحصاء أن يشكل المسلمون غالبية سكان العاصمة البلجيكية بروكسل، خلال الـ20 سنة القادمة إذا تواصلت وتيرة الهجرة ومعدل المواليد في صفوف سكانها من أصول مسلمة.
أمَّا رئيس الجمعية الإسلامية في إقليم "كتالونيا" أغنى أقاليم شمال شرق إسبانيا، فيقول كما ذكرت مجلة "عقيدتي ": إن اعتناق الإسلام يتم وينتشر على الرغم من الحملات التي يتعرض لها في الصحف ووسائل الإعلام الغربية". وتابع مستخفاً بأثر تلك الحملات: "يبدو أن اعتناق البوذية أسهل. لكنهم يختارون الإسلام !!"([16])
(5)
(وجود الحقائق العلميَّة التي تحدَّث عنها هذا الدين)
ولا يخفى علينا قصص إسلام الكثير من العلماء الغربيين حينما كانوا يستمعون لبعض محاضرات العلماء المسلمين المتخصصين في قضايا الإعجاز في الكتاب والسنة، وعلى رأسهم الشيخ الدكتور زغلول النجّار حيث ذكر الأخير أنَّ 37 عالماً أوروبياً أسلموا على يديه بناء على محاضرة ألقاها في بعض جوانب الإعجاز في القرآن والسنة.
حيث أكَّد الدكتور زغلول النجَّار - يشغل مدير أكاديمية مارك فيلد للدراسات العليا بإنجلترا، وأستاذ علوم الأرض - في محاضرته وجود السبق العلمي في القرآن والسنة لكثير من الأمور التي يعد الغربيون أنفسهم بأنَّهم أوَّل من اخترعها وابتكرها وأنًّها اكتشافات حديثة معاصرة، ما حدا بالكثير من العلماء إلى إبداء استغرابهم وإعجابهم بما في هذا الكتاب الكريم.
ويعقِّب الدكتور النجَّار على ذلك بأنَّ هذا يستدعي ضرورة توظيف العلم في فهم الإشارات الكونية لما في ذلك من فائدة للمسلمين، ودعوة لغير المسلمين، موضحاً أن القرآن الكريم كتاب هداية للبشر وليس كتاباً للعلم والمعرفة، وقال في حوار لـ (عكاظ): إن القرآن الكريم أشار في محكم آياته إلى هذا الكون ومكوناته من خلال ما يقارب ألف آية صريحة بالإضافة إلى آيات تقترب دلالتها من الصراحة، وأكد أن الاهتمام بالدعوة الإسلامية في الغرب مهم ومن أفضل أساليبه قضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، لأن القضايا الغيبية لم تعد تحرك مشاعر الغربيين فقد ملّوا القضايا الغيبية والاستماع إليها لأنَّها محرفة عندهم تحريفاً كثيراً، لكن عندما نقول لهم: إن آية قرآنية نزلت قبل 1400 سنة تشير إلى حقيقة كونية لم تعرفوها إلا منذ عشر سنين تهزهم من الأعماق.
ثمَّ شرح النجار موقفاً حصل وأسلم فيه عدد من العلماء الغربيين حيث قال: دعيت للمشاركة في مؤتمر عن الإعجاز العلمي منذ إحدى عشرة سنة، وقد ذهبت غير مستبشر ولا مستريح، وبعد أن ألقيت محاضرة عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم قام أحد كبار علماء الفيزياء هناك وقال كنت أظن أنني من النابهين البارزين في تخصصي.. فإذا أنا أمام علم أوسع وأشمل وأكبر من علمي لا أستطيع معه إلا أن أعلن شهادتي بأنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأذكر أن أربعة علماء ممن تحدثوا أعلنوا إسلامهم وتعاقب بعدهم آخرون حتى وصل عددهم إلى 37 عالماً أعلنوا إسلامهم، وأذكر كذلك أنني ألقيت محاضرة عن الجبال في القرآن الكريم في واشنطن ووصلتني بعدها آلاف الخطابات بالبريد يتساءل أصحابها كيف أن القرآن الكريم يقدم كل هذه الحقائق الجامعة المانعة عن الجبال ويذكرون كيف أن التعريف العلمي واللفظي في كل الكتب العلمية والقواميس الحديثة بجميع اللغات يتطابق مع ما جاء في القرآن الكريم تماماً.
وخير دلالة على ذلك ما وجدناه يدعو للعجب مع الفرح، حيث نقرأ خبر دخول فريق من علماء اليابان إلى الإسلام بسبب سورة التين والزيتون بعد أن تأكد هذا الفريق من إشارة ذِكر كل ما توصل إليه الفريق في القرآن الكريم منذ أكثر من 1428 عاماً.
بداية القصة تعود إلى البحث عن مادة الميثالويندز وتعد هذه المادة مهمة جداً لجسم الإنسان حيث تعمل على خفض الكولسيترول والتمثيل الغذائي وتقوية القلب وضبط النفس. ويزداد إفراز هذه المادة من مخ الإنسان تدريجياً بداية من سن 15-35 سنة ثم يقل إفرازها بعد ذلك حتى سن الستين عاماً لذلك لم يكن من السهل الحصول عليها من الإنسان، وبالنسبة للحيوان فقد وجدت بنسبة قليلة جداً لذا اتجهت الأنظار للبحث عنها في النباتات؛ حيث قام فريق من العلماء اليابانيين بالبحث عن هذه المادة السحرية التي لها أكبر الأثر في إزالة أعراض الشيخوخة فلم يعثروا عليها إلا في نوعين من النباتات (التين والزيتون) وصدق الله العظيم إذ يقول في كتابه العظيم {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}.
وإلى قصَّة أخرى حيث نجد طبيبة غربيَّة تعلن دخولها إلى الإسلام، حينما كانت تبحث عن حقيقة علميَّة معيَّنة فوجدتها في بلاد المسلمين، وهذه الطبيبة متخصصة في أمراض النساء والولادة، وكانت لها عناية خاصة بالأمراض الجنسية التي تصيب النساء، فأجْرَت عدداً من الأبحاث على كثير من المريضات اللاتي كنَّ يأتين إلى عيادتها، ثم أشار إليها أحد الأطباء المتخصصين أن تذهب إلى دولة أخرى لإتمام أبحاثها في بيئة مختلفة نسبياً، فذهَبَتْ إلى النرويج، ومكثت فيها ثلاثة أشهر، فلم تجد شيئاً يختلف عمَّا رأته في ألمانيا، فقررت السفر للعمل لمدة سنة في السعودية.
تقول الطبيبة: فلما عزمتُ على ذلك أخذت أقرأ عن المنطقة وتاريخها وحضارتها، فشعرت بازدراء شديد للمرأة المسلمة، وعجبتُ منها كيف ترضى بذُلِّ الحجاب وقيوده، وكيف تصبر وهي تُمتهَن كل هذا الامتهان..؟! ولمَّا وصلت إلى السعودية علمت أنني ملزمة بوضع عباءة سوداء على كتفيَّ، فأحسست بضيق شديد وكأنني أضع إساراً من حديد يقيدني ويشلُّ من حريتي وكرامتي (!!)، ولكني آثرت الاحتمال رغبة في إتمام أبحاثي العلمية.
لبثت أعمل في إحدى العيادات أربعة أشهر متواصلة، ورأيت عدداً كبيراً من النسوة، ولكني لم أقف على مرض جنسي واحد على الإطلاق؛ فبدأت أشعر بالملل والقلق.. ثم مضت الأيام حتى أتممت الشهر السابع، وأنا على هذه الحالة، حتى خرجت ذات يوم من العيادة مغضَبة ومتوترة، فسألتني إحدى الممرضات المسلمات عن سبب ذلك، فأخبرتها الخبر، فابتسمت وتمتمت بكلام عربي لم أفهمه، فسألتها: ماذا تقولين؟!! فقالت: إن ذلك ثمرة الفضيلة، وثمرة الالتزام بقول الله تعالى في القرآن الكريم: "وَالْحَافِظِين فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ " (سورة الأحزاب:35) هزتني هذه الآية وعرّفتني بحقيقة غائبة عندي، وكانت تلك بداية الطريق للتعرف الصحيح على الإسلام، فأخذت أقرأ القرآن العظيم والسنة النبوية، حتى شرح الله صدري للإسلام، وأيقنت أنَّ كرامة المرأة وشرفها إنما هو في حجابها وعفتها.. وأدركت أن أكثر ما كُتب في الغرب عن الحجاب والمرأة المسلمة إنما كتب بروح غربية مستعلية لم تعرف قيمة الحجاب([17]).