وجوب ذكر الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل مجلس.....

ذكر الشيخ الألباني رحمه الله تعالى تحت هذا العنوان الأحاديث الآتية في صحيحته :

74 – ( ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه و لم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة فإن شاء عذبهم و إن شاء غفر لهم ) (1 ).

75 – ( ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة و تغشتهم الرحمة و نزلت عليهم السكينة و ذكرهم الله فيمن عنده ) ( 2).

76 – ( ما قعد قوم مقعدا لم يذكروا فيه الله عز وجل و يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة و إن دخلوا الجنة للثواب ) ( 3).

قلت : و رواه سهيل بن أبي صالح عن أبيه بلفظ :

77 – ( ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا على مثل جيفة حمار
و كان عليهم حسرة يوم القيامة
) ( 4).

و منهم سعيد بن أبي سعيد المقبري و لفظه :

78 – ( من قعد مقعدا لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة و من اضطجع مضجعا
لا يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة
) (5 ) .

و منهم أبو إسحاق مولى الحارث و لفظه :

79 – ( ما جلس قوم مجلسا فلم يذكروا الله فيه إلا كان عليهم ترة و ما من رجل مشى طريقا فلم يذكر الله عز و جل إلا كان عليه ترة و ما من رجل أوى إلى فراشه فلم يذكر الله إلا كان عليه ترة) (6 ).

80 – ( ما من قوم جلسوا مجلسا لم يذكروا الله فيه إلا رأوه حسرة يوم القيامة ) (7 ).

فقه الحديث :
لقد دل هذا الحديث الشريف و ما في معناه على وجوب ذكر الله سبحانه و كذا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل مجلس و دلالة الحديث على ذلك من وجوه :
أولا - قوله : " فإن شاء عذبهم ، و إن شاء غفر لهم " فإن هذا لا يقال إلا فيما كان فعله واجبا و تركه معصية .

ثانيا - قوله : " و إن دخلوا الجنة للثواب " . فإنه ظاهر في كون تارك الذكر و الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، يستحق دخول النار و إن كان مصيره إلى الجنة ثوابا على إيمانه .

ثالثا : قوله : " و إلا قاموا على مثل جيفة حمار " . فإن هذا التشبيه يقتضي تقبيح عملهم كل التقبيح و ما يكون ذلك - إن شاء الله تعالى - إلا فيما هو حرام ظاهر التحريم . و الله أعلم .

فعلى كل مسلم أن يتنبه لذلك و لا يغفل عن ذكر الله عز و جل و الصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم في كل مجلس يقعده و إلا كان عليه ترة و حسرة يوم القيامة .

قال المناوي في " فيض القدير " فيتأكد ذكر الله و الصلاة على رسوله عند إرادة القيام من المجلس ، و تحصل السنة في الذكر و الصلاة بأي لفظ كان ، لكن الأكمل في الذكر " سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك و في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما في آخر التشهد " .

قلت : و الذكر المشار إليه هو المعروف بكفارة المجلس و قد جاء فيه عدة أحاديث
أذكر واحدا منها هو أتمها : و هو كفارة المجلس :

81 – ( من قال : سبحان الله و بحمده سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك ، فقالها في مجلس ذكر كانت كالطابع يطبع عليه و من قالها في مجلس لغو كانت كفارة له ) (8 ) .

"السلسلة الصحيحة" ( ج1_ص 156_ص164) القسم الأول .

__________________

(1 ) أخرجه الترمذي ( 2 / 242 ) ، و الحاكم ( 1 / 496 ) ، و إسماعيل القاضي في " فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ( رقم 54 طبع المكتب الإسلامي ) و ابن السني في " عمل اليوم و الليلة " ( رقم 443 ) ، و أحمد ( 2 / 446 ، 453 ،481 ، 484 ، 495 ) و أبو نعيم في " الحلية " ( 8 / 130 ) عن سفيان الثوري عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعا . و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح و قد روي من غير وجه عن أبي هريرة مرفوعا " . ثم رواه من طريق أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم عن أبي هريرة و أبي سعيد معا مرفوعا قال : " مثله " ، و لم يسق لفظه .
كذا قال : " مثله " ، و عندي وقفة في كون حديث الأغر مثله ، فقد أخرجه مسلم ( 8 / 72 ) و ابن ماجه ( 2 / 418 ) . بلفظ ......
(2 ) و السياق لابن ماجه و رواه الترمذي قبل حديث الباب بحديثين و قال : " حسن صحيح " و قوله : " مثله " . فالله أعلم . فإني في شك من ثبوت ذلك عن الترمذي و إن كان ورد ذلك في بعض نسخ كتابه . فقد أورد السيوطي في " الجامع الصغير " هذا الحديث من رواية الترمذي و ابن ماجه عن أبي هريرة و أبي سعيد معا . و في عزوه لابن ماجه نظر أيضا ، فإني لم أجد عنده إلا اللفظ الثاني الذي رواه مسلم . و العلم عند الله تعالى . و لم يقع في نسخة " السنن " التي عليها شرح " تحفة الأحوذي " سوق هذا الإسناد الثاني عقب حديث الباب . و لهذا اللفظ عنده طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ : " .... و ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله و يتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة ... " و الباقي مثله . وهو طرف من حديث رواه مسلم وغيره وهو مخرج في "تخريج علم أبي خيثمة "(113/71 ), "وصحيح أبي داود" (1308) .
( 3) رواه أحمد ( 2 / 463 ) ، و ابن حبان في " صحيحه " ( 2322 - موارد ) ، و الحاكم ( 1 / 492 ) ، و الخطيب في " الفقيه و المتفقه " ( 237 / 1 ) ، من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا . و إسناده صحيح . و قال الهيثمي ( 10 / 79 ) : " رواه أحمد و رجاله رجال الصحيح " . و أخرجه ابن الجوزي في " منهاج القاصدين " ( 1 / 72 / 2 ) لكن وقع عنده عن أبي سعيد الخدري ، بدل " أبي هريرة " ، فلعله وهم من بعض رواته .
( 4) رواه أبو داود ( 4855 ) ، و الطحاوي ( 2 / 367 ) ، و أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " ( 229 ) ، و ابن بشران في " الأمالي " ( 30 / 6 / 1 عام 3927 ) ،و ابن السني ( 439 ) و الحاكم ( 1 / 492 ) و أبو نعيم ( 7 / 207 ) و أحمد ( 2 / 389 ، 515 ، 527 ) . و قال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم " . و وافقه الذهبي ، و هو كما قالا . وصححه النووي أيضا . وأخرجه ابن حبان (1/397/589) من هذا الوجه نحوه بلفظ: " من غير ذكر الله ,والصلاة على النبي r " . فزاد فيه " الصلاة على النبي r " لكن فيه عنده مؤمل بن إسماعيل , وهو سيء الحفظ .
وقول المعلق على الإحسان (2/351_ طبع مؤسسة الرسالة) :"..... قد توبع": وهم من أوهامه الكثيرة _ وما أظنه من شعيب !_ فإن مؤملاَ لم يتابع على هذا الزيادة الهامة في هذا الإسناد ,لكنها قوية بما تقدم ويأتي من الطرق والشواهد خلافاً لبعض المتعالمين !
(5 ) رواه أبو داود ( 4856 ، 5059 ) . و الحميدي في " مسنده " ( 1158 ) الشطر الأول و ابن السني ( 743 ) الشطر الثاني فقط من طريق محمد بن عجلان عنه .
قلت : و هذا إسناد حسن . و عزاه المنذري في " الترغيب " ( 2 / 235 ) لأبي داود بهذا اللفظ و بزيادة : " و ما مشى أحد ممشى لم يذكر الله فيه ، إلا كان عليه من الله ترة " ثم قال : " و رواه أحمد و ابن أبي الدنيا و النسائي و ابن حبان في " صحيحه " كلهم بنحو أبي داود " .
و لي عليه ملاحظتان :
الأولى : أن الزيادة المذكورة ليست عند أبي داود في الموضعين المشار إليهما من كتابه و إنما هي عند ابن حبان ( 2321 ) : و عنده بدل قضية الاضطجاع : " و ما أوى أحد إلى فراشه و لم يذكر الله فيه إلا كان عليه ترة " .
الثانية : أن أحمد لم يروه من هذا الطريق باللفظ المذكور ، و إنما رواه من طريق أخرى باللفظ الآتي :
( 6) رواه أحمد ( 2 / 432 ) ، و ابن السني ( 375 ) ، و الحاكم ( 1 / 550 ) عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي إسحاق به .و قال أحمد : " عن إسحاق " و قال الحاكم : " عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث "و قال : " صحيح على شرط البخاري " و قال الذهبي : " على شرط مسلم " .
قلت : و في كل ذلك نظر ، فإن إسحاق هذا إن كان ابن عبد الله بن الحارث كما وقع لدى الحاكم فليس من رجال البخاري و لا مسلم و لكنه ثقة روى عنه جماعة . و إن كان أبا إسحاق مولى الحارث فلا يعرف كما قال الذهبي ، و إن كان إسحاق غير منسوب فلم أعرفه. و في " المجمع " ( 10 / 80 ) : " رواه أحمد و أبو إسحاق مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل لم يوثقه أحد ، و لم يجرحه أحد و بقية رجال أحد إسنادي أحمد رجال الصحيح " . و له شاهد من حديث ابن عمرو بلفظ:
( 7) أخرجه أحمد ( 2 / 124 ) بإسناد حسن . و قال الهيثمي : " رواه أحمد و رجاله رجال الصحيح " . شاهد ثان : أخرجه الطيالسي ( 1756 ) عن جابر بسند على شرط مسلم و له شاهد آخر عن عبد الله بن مغفل مثله . أخرجه ابن الضريسي في " أحاديث مسلم بن إبراهيم الفراهيدي " ( 8 / 1 - 2 ) بسند لا بأس به في المتابعات و الشواهد ، رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " و رجالهما رجال الصحيح و البيهقي كما في " الترغيب " ( 2 / 236 ) .
( 8) أخرجه الطبراني ( 1 / 79 / 2 ) و الحاكم ( 1 / 537 ) من طريق نافع بن جبير ابن مطعم عن أبيه مرفوعا . و قال : " صحيح على شرط مسلم " و وافقه الذهبي و هو كما قالا . و عزاه المنذري ( 2 / 236 ) للنسائي و الطبراني قال : " و رجالهما رجال الصحيح " . و قال الهيثمي ( 10 / 142 و 423 ) : " رواه الطبراني و رجاله رجال الصحيح " .
قلت : و في رواية للطبراني زيادة : " يقولها ثلاث مرات " و قد سكت عليها الهيثمي و ليس بجيد ، فإن في سندها خالد بن يزيد العمري و قد كذبه أبو حاتم و يحيى ، و قال ابن حبان : " يروي الموضوعات عن الأثبات " .
فهذه الزيادة واهية لا يلتفت إليها .
وقد رويت من طريق أخرى لكن فيها من كان اختلط وبيانه في التعليق الرغيب (2/237) .
وفي الباب عن جمع من الصحابة منهم عائشة وسيأتي حديثها إن شاء الله تعالى في المجلد السابع برقم (3164)
.

__________________