"أخذ الناس أماكن من وقت الضحى للمجلس بعد العصر وكانت هناك دكاك فأكريت، حتى إن الرجل كان يكتري موضعا لنفسه بقراطين وثلاثة.
قال: وكنت أتكلم أسبوعا، وأَبُو الخير القزويني أسبوعا، وجمعي عظيم وعنده عدد يسير. ثم شاعَ أن أمير المؤمنين لا يحضر إلا مجلسي، وذلك في الأشهر الثلاثة.
قال: ثم تقدم إليَّ بالجلوس بباب بدر يوم عرفة، فحضر الناس من وقت الضحى. وكان الحر شديدا، والناس صيام.
قال: ومن أعجب ما جرى أن حمالا حمل على رأسه دار بونة من وقت الظهر إلى وقت العصر ظلل بها من الشمس عشرة أنفس، فأعطوه خمس قراريط، واشتريت مراوح كثيرة بضعف ثمنها، وصاح رجل يومئذ: قد سرق مني الآن مائة دينار في هذه الزحمة، فوقع له أمير المؤمنين بمائة دينار.
قال: وفي هذه السنة عقدت المجلس بجامع المنصور يوم عاشوراء، وحضر من الجمع ما حرز بمائة ألف، وجرى في سنة تسع مثل ذلك أيضا.
قال: وسألني أهل الحربية أن أعقد عندهم مجلسا للوعظ ليلة. فوعدتهم ليلة الجمعة سادس ربيع الأول - يعني سنة تسع - وانقلبت بغداد، وعبر أهلها عبورا زاد على نصف شعبان زيادة كبيرة، فعبرت إلى باب البصرة فدخلتها بعد المغرب، فتلقاني أهلها بالشموع الكثيرة، وصحبني منها خلق عظيم فلما خرجت من باب البصرة رأيت أهل الحربية قد أقبلوا بشموع لا يمكن إحصاؤها، فأضيفت إلى شموع أهل باب البصرة، فحزرت بألف شمعة. وما رأيت البرية إلا مملوءة بالأضواء. وخرج أهل المحال والنساء والصبيان ينظرون وكان الزحام في البرية كالزحام بسوق الثلاثاء، فدخلت الحربية وقد امتلأ الشارع وأكريت الرواشين من وقت الضحى. ولو قيل: إن الذين خرجوا يطلبون المجلس وسعوا في الصحراء بين باب البصرة والحربية مع المجتمعين في المجلس كانوا ثلاثمائة ألف، ما أبعد القائل"
ذيل طبقات الحنابلة 2/ 470- 472