حُسْن الخلق - لا يأتي إلا بخير
حُسْنُ الخُلُق
بقلم: محمد عادل فارس
للأخلاق في الإسلام مكانة عليا، فالأخلاق جزءٌ من هذا الدين العظيم، وهي الغاية من بعثة النبي ?، وهي النسُغ الذي يتخلل كل عبادة وكل سلوك للمسلم، وهي المعيار لقرب العبد من ربه، ومنزلته في الجنة.
أعظم ثناء على النبي صلى الله عليه وسلم هو ما أثنى عليه الله تعالى في قوله: ?وإنّك لعلى خُلق عظيم? سورة القلم: 4. ومما قاله المفسرون في معنى هذه الآية: وإنّك لعلى دين عظيم.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبين الغاية الأولى من بعثته، فيقول: "إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق" رواه مالك.
والصلاة التي هي الركن العملي الأول في هذا الدين، كان لها مضمون خُلقيّ رفيع. قال تعالى: ?وأقمِ الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر? العنكبوت: 45.
والزكاة كذلك، فهي تنقية للنفس وترقية لها. قال سبحانه وتعالى: ?خذْ من أموالهم صدقة تُطهّرهم وتزكّيهم بها? التوبة: 103.
والصوم تدريب على فطم النفس عن شهواتها وتشذيبها من جنوح القول والفعل.
ففي الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "مَن لَم يدَعْ قول الزور والعملَ به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان يوم صوم أحدِكم فلا يرفُثْ ولا يصخب. فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إنّي صائم" رواه البخاري.
والحج ليس مجرد سفر إلى البقاع المقدسة، وليس مجرد إحرام وطواف وسعي، إنه كذلك سُمُوّ أخلاقي. قال جل جلاله: ?الحجّ أشهر معلومات فمن فرضَ فيهنّ الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ? البقرة: 197.
وهكذا تتباين العبادات في شكلها، وتلتقي في جوهرها: إخبات إلى الله، وخُلُق حسن.
ويرتبط الإيمان والخُلُق والسلوك بوشائج قوية:
ذُكِر أمام الرسول صلى الله عليه وسلم أن امرأة تُذكَر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال: "هي في النار" وأن فلانة تذكر من قلّة صلاتها وصيامها (لا تكاد تصلّي وتصوم غير الفريضة) وأنها تتصدق بالأثوار من الإقط (القطع من الجميد) ولا تؤذي جيرانها، قال: "هي في الجنة" رواه أحمد.
ويبين النبي صلى الله عليه وسلم أن أعمال الخير والبر وحسن الخلق... كلها صدقات (قُرُبات)، فقال صلى الله عليه وسلم: "كلّ سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلُع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقة، وتُعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة" متفق عليه.
وفي حديث آخر رواه البخاري: "تبسّمك في وجه أخيك صدقة، وأمرُك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال صدقة، وإماطتك الأذى والشوك والعظم عن الطريق صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة".
وعلى عكس ذلك، فإن سوء الخُلُق يُهلك الحسنات. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "... المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتَمَ هذا، وقذف هذا، وأكل مالَ هذا، وسفك دم هذا، وضَرَب هذا... فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أُخِذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار" رواه مسلم.
"الحياء والإيمان قرناء جميعاً، فإذا رُفع أحدهما رفع الآخر" حديث شريف رواه الحاكم والطبراني.
وفي حديث متفق عليه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، قال: "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحّشاً". وكان يقول: "إن من خياركم أحسَنَكم أخلاقاً".
أخرج مسلم وغيره من حديث النواس بن سمعان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البرُّ حُسْن الخُلُق".
وأخرج أبو داود والترمذي. وقال حديث صحيح. وغيرهما، من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق".
وأخرج الترمذي وغيره من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من أحبكم إليّ وأقربكم منّي مجلساً يوم القيامة أحسنُكم أخلاقاً".
وأخرج الترمذي والحاكم. وقال حديث صحيح. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من أكمل المؤمنين أحسنكم خُلُقاً"
وروى الترمذي. وقال حديث حسن صحيح. من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حُسن الخلق".
وروى الترمذي. وقال حديث حسن صحيح. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخل الناسَ الجنة، قال: "تقوى الله وحسنُ الخُلُق".
وروى الترمذي عن ابن المبارك في تفسير حسن الخلق: هو طلاقة الوجه، وبذل المعرووف، وكفّ الأذى.