تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 4 من 9 الأولىالأولى 123456789 الأخيرةالأخيرة
النتائج 61 إلى 80 من 172

الموضوع: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

  1. #61
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (60)


    المراد بالمحبة في هذا البحث:

    هو محبة الله تعالى، فهي أعلى أنواع المحبة، وهي كالرأس بالنسبة للطائر يقوده في مسيره ومسبحه في الهواء.
    وهذه المحبة هي مصدر التعبد لله تعالى وهي محرك مسيرة الحياة، وهي أعلى درجات الإيمان لقوله ﷺ: «ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون
    الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما، وأن يحبّ المرءَ لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار» (1).
    ويقول عليه الصلاة والسلام: «كان من دعاء داود يقول: اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك والعمل الذي يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أحب
    إلي من نفسي وأهلي ومن الماء البارد» (2).
    وهذه المحبة ليست اختيارية، بل هي واجبة ومن أوجب الواجبات، توعد الله على تركها فقال: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ
    وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوه َا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّـهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
    الْفَاسِقِينَ}(3) .
    ويستشعر المسلم هذه المحبة من خلال الأمور التالية:
    أ – يتمثل عظمة الله تعالى من خلال الكون وما فيه من الآيات الباهرة، والسنن المنظمة، والكائنات المتكاملة في البر والبحر والسماء، وفوق كل ذلك
    القوة التي تديرها والحكمة التي تكتنفها، كل ذلك من دواعي محبة الله تعالى وعبادته والتقرب إليه، قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ
    اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُون َ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا
    سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(4) .
    ب – يتمثل نعم الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى ابتداء بخلقه وسجود الملائكة له وانتهاء بإرسال الرسل إليه وهدايته إلى سواء السبيل، وما بين هذا وذاك
    من النعم والنجاحات والنصر والتمكين صور من إحسان الله تعالى بعبده ورحمته عليه، فهو القائل: {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّـهِ لَا
    تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}(5)، فكل ذلك من عوامل المحبة لله تعالى.
    ويقول عليه الصلاة والسلام: «أحبّوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني لحب الله إياي» (6).
    يقول ابن القيم رحمه الله: «تنشأ المحبة من الإحسان، ومطالعة الآلاء والنعم، فإن القلوب جُبلت على حب من تحسن إليها، وبغض من أساء إليها، ولا أحد أعظم إحسانًا من الله سبحانه» (7).
    ----------------------------
    (1) سبق تخريجه.


    (2) أخرجه الترمذي (ص796، رقم 3490) كتاب الدعوات، باب اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك. والحاكم (2/433، رقم 3621) وقال صحيح الإسناد.
    (3) سورة التوبة، الآية 24.
    (4) سورة آل عمران، الآيتين 190-191.
    (5) سورة إبراهيم، الآية 34.
    (6) أخرجه الترمذي (ص859، رقم 3789) كتاب المناقب، باب مناقب أهل بيت النبي ﷺ. وقال: هذا حديث حسن غريب.

    (7) تقريب طريق الهجرتين، ص 444.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #62
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)


    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (61)


    المراد بالمحبة في هذا البحث:
    الجزء الثانى

    ج – كما يستشعر المؤمن هذه المحبة حين يتلمس رحمة الله تعالى بعباده المذنبين، فهو الرحمن الرحيم، وهو العفو الغفور، وباب التوبة والاستغفار عنده لا
    يُغلق ولا يسد، ومتى شعر الإنسان بخطئه وأناب إلى الله تعالى فإن رحمته قريبة منه، ولا ينقص ذلك من ملكه شيء، فهو القائل في محكم التنزيل: {وَمَن
    يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا}(8).
    ويقول عليه الصلاة والسلام: «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» (9).
    د – إن معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، من الأسباب التي تولد المحبة عند العبد، كالعلم والرحمة والمغفرة والقدرة والكرم، كلها عوامل تزيد من قرب الإنسان
    بربه ومحبته له وتقديم العمل الصالح بين يديه، فعلى سبيل المثال حين يتقرب المؤمن إلى الله تعالى بطاعة أو عمل صالح، فإنه يجازيه أضعافًا مضاعفة، كرمًا
    وتفضلاً منه جل وعلا، فهو القائل: {إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}(10)، وهو القائل: {مَن جَاءَ
    بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ۖ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}(11).
    فهذه المعرفة بالله تعالى وصفاته تصنع المحبة وتزيدها، يقول ابن تيمية رحمه الله: «وأصل المحبة هو معرفة الله سبحانه وتعالى، ولها أصلان: أحدهما، وهو الذي
    يقال له محبة العامة لأجل إحسانه إلى عباده، والثاني: هو محبته لما هو له أهل، وهذا حب من عرف من الله ما يستحق أن يحبه لأجله» (12).
    -------------------------------------------


    (8) سورة النساء، الآية 110.
    (9) أخرجه مسلم (ص1196، رقم 2759) كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن كثرت الذنوب والتوبة.
    (10) سورة النساء، الآية 40.
    (11) سورة الأنعام، الآية 160.
    (12) مجموع الفتاوى 10/ 84-85.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #63
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (62)

    مقتضيات محبة الله تعالى:
    إن محبة الله تعالى ليست مجرد ادّعاء بالقول، أو بعض العواطف والعبرات، وإنما مجموعة من الالتزامات والواجبات العملية تدل على صدق هذه المحبة وقوتها،
    ومن أهم المقتضيات التي تلازم هذه المحبة ما يلي:
    1- تقتضي هذه المحبة اتّباع شرع الله تعالى فيما أمر به وما نهى عنه، فإذا لم تترجم هذه المحبة على الواقع في المحافظة على الفروض والطاعات، والسلوك
    والأخلاق، فإنها تبقى مجرد ادّعاء، وصدق الشاعر حين قال:
    هذا محال في القياس بديع *** إن المحب لمن يحب مطيع
    تعصي الإله وأنت تزعم حبه *** لو كان حبك صادقًا لأطعته
    2- تقتضي محبة الله تعالى، حبَّ رسوله ﷺ، وحبّ سنته والعمل بها، لقوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ
    غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(1).
    كما تقتضي هذه المحبة الذود عن النبي صلى الله عليه ومناصرته بكل الإمكانات والوسائل، لا سيما في هذه الفترة التي كثرت فيها حملات الإساءة إلى
    شخصه الطاهر عبر بعض الوسائل الإعلامية الغربية، الأمر الذي يفرض على الأمة بذل الجهود والأوقات لصدّ مثل هذه الهجمات المغرضة، حتى يتحقق
    معنى المحبة له ﷺ، فهو القائل: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» (2).
    3- تقتضي محبة الله تعالى، حب القرآن الكريم، بحفظه في الصدور، وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، والعمل به وإقامة حدوده، يقول عثمان بن عفان
    رضي الله عنه: «لو سلمت منا القلوب ما شبعت من كلام الله، وكيف يشبع المحب من كلام محبوبه وهو غاية مطلوبة».
    وأما إهمال القرآن ووضعه على الرف وعدم تلاوته إلا في المناسبات، وعدم التحاكم إليه في أمور الحياة والخصومات، فإنه يناقض محبة الله تعالى ومقتضياتها،
    بل يعدّ ذلك من الهجران الذي أخبر عنه الله في قوله: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}(3).
    4- تقتضي محبة الله تعالى، إدامة ذكره وذكر آلائه ونعمه، وكذلك شكره والثناء عليه، لأن المحبّ الصادق ينشغل جلّ أوقاته بمحبوبه، فكيف إذا كان هذا
    المحبوب هو الله تعالى، خالق الكون والإنسان، الرحمن الرحيم؟!! وقد أثنى الله تعالى على عباده المؤمنين المحبين له فقال: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا
    وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُون َ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(4) .
    5- تقتضي محبة الله تعالى محبةَ عباده الصالحين، وبغض العصاة والفاسدين والظالمين، لقوله ﷺ: «أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله».
    وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن من أسباب النجاة والتظلل في ظل الله تعالى في ذلك الموقف العصيب هو الحب في الله تعالى، فقال: «سبعة يظلهم الله
    في ظله يوم لا ظل إلا ظله... ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه» (5).
    ولا تنافي محبة الله تعالى محبة الآخرين، بل هي تقتضيها وتحث عليها ما دامت على المنهج السليم ووفق الضوابط الشرعية، بحيث لا تكون في معصية أو
    فساد أو ظلم أو غير ذلك من المحرمات.
    6 – كما تقتضي محبة الله العمل الصالح، الذي أمر به والمسارعة بقيامه، وعدم التكاسل أو الفتور عنه.
    --------------------------------
    (1) سورة آل عمران، الآية 31.

    (2) سبق تخريجه.


    (3) سورة الفرقان، الآية 30.

    (4) سورة آل عمران، الآية 191.

    (5) أخرجه البخاري (ص107، رقم 659) كتاب الأذان، باب من جلس في المسجد بعد الصلاة. ومسلم (ص415، رقم 1031) كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #64
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (63)

    من يحبّهم الله تعالى؟
    إن الله تعالى يحب عباده المؤمنين الصادقين، الذين يأتمرون بأوامره وينتهون عن نواهيه، كل حسب مستوى إيمانه وما يقدمه بين يديه من الطاعة والعمل
    الصالح، ولا يمكن بحال الإشارة إلى جميع الأصناف التي يتحلون بهذه التعاليم والصفات، ولكن يمكن الإشارة إلى بعضهم الذين ذكرهم الله تعالى بشأنهم
    التعبير الصريح في الدلالة على محبته لهم، وكذلك ما أشار إليهم الرسول صلى الله عليه في بعض أحاديثه، وهؤلاء هم:
    1- التوّابون الصادقون الذين ينيبون إلى الله تعالى بعد الغفلة والعصيان، وكذلك المتطهرون من جميع الأدران والأنجاس النفسية والجسدية والفكرية، لقوله
    تعالى: {إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِي نَ}(1) .
    2- المتبعون لهدي النبي ﷺ، لقوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(2) .
    3- الصابرون في البأساء والضراء، لقوله تعالى: {وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}(3).
    4 – المحسنون إلى الناس في الأفعال والأقوال، لقوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(4).
    5 – المتوكلون على الله حق توكله، لقوله تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِي نَ}(5).
    6 – المتّقون الله تعالى في السر والعلن، لقوله تعالى: {بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}(6).
    7 – المقسطون والعادلون في الحكم بين الناس، لقوله تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}(7)، وقوله تعالى: {يُرِيدُونَ
    لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّـهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(8) .
    8 – المجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، لقوله تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّـهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(9).
    9 – الشاكرون لنعم الله وآلائه التي لا تعد ولا تحصى، لقوله ﷺ: «أفلا أكون عبدًا شكورًا» (10).
    10 – الكرماء من الناس، والطيبون والنظيفون، ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «إن الله جميل يحب الجمال» (11)، وفي
    حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ رأى رجلاً وسخة ثيابه فقال: «أما وجد هذا ما ينقي ثيابه» (12).
    11 – الحامدون المثنون على الله تعالى، لقوله ﷺ: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها» (13).
    12 – المتْقنون لأعمالهم التعبدية والدنيوية، لقوله ﷺ: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه» (14).
    13 – الرفقاء مع الناس وجميع الأشياء، لقوله ﷺ لعائشة رضي الله عنها: «يا عائشة، إن الله عز وجل يحبّ الرفق في الأمر كله» (15).
    14- المتسامحون في البيع والشراء، لقوله ﷺ: «إن الله يحب سمح البيع سمح الشراء سمح القضاء » (16).
    ---------------------------
    (1) البقرة [ 222].

    (2) آل عمران [31].
    (3) آل عمران [ 146]
    (4) البقرة [195].
    (5) آل عمران [159].
    (6) آل عمران [76].
    (7) المائدة [42].
    (8) الحجرات [9].

    (9) الصف [4].
    (10) أخرجه البخاري (ص856، رقم 4836) كتاب التفسير. ومسلم (ص1227، رقم 2819) كتاب صفات المنافقين، باب إكثار الأعمال.
    (11) أخرجه مسلم (ص54، رقم 91) كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه.
    (12) أخرجه أبو يعلى (4/23، رقم 2026) وهو حديث صحيح.
    (13) أخرجه الترمذي (ص428-429، رقم 1816) كتاب الأطعمة، باب ما جاء في أكل الجراد. وقال: هذا حديث حسن.
    (14) أخرجه أبو يعلى في مسنده (7/349، رقم 4386).


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #65
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (64)

    من يبغضهم الله؟
    إن الله تعالى يبغض جميع الذين لا يأتمرون بأمره ولا ينتهون عما نهى عنه، ويتفاوت هذا البغض حسب المعصية والمخالفة التي يرتكبها العبد، ولكنه جلّ وعلا أشار في كتابه العزيز إلى بعض الأصناف إشارة صريحة في بغضهم وعدم الرضى عنهم، وبعض هؤلاء هم:
    1– الكفار والمشركون، وهم الذين كفروا بالإسلام واتخذوا من دون الله أندادًا من البشر أو الحجر أو الشجر أو المذاهب والأفكار، لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ
    كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِين َ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَـٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}(1).
    2– الظالمون المتجبرون، لقوله تعالى: {وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}(2).
    3– الذين يجهرون بالسوء من القول، لقوله تعالى: {لَّا يُحِبُّ اللَّـهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}(3).
    4– المعتدون على حرمات الله تعالى وحرمات الناس، لقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم ْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(4).
    6– الخائنون للعهود والمواثيق لقوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}(5).
    7– المفسدون في الأرض الذين ينشرون الشرّ والخبائث بين الناس ويمنع نشر الخير والفضيلة، لقوله تعالى: {وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}(6).
    8– المتكبرون الذين يتعالون على عباد الله وعلى الحق والهداية، لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}(7).
    9– المسرفون للأموال والطاقات في غير مواضعها، لقوله تعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}(8).
    10 – الفرحون الغافلون عن ذكر الله، لقوله تعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ
    إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ}(9).
    ----------------------------------

    (1) البينة، الآية 6.
    (2) آل عمران، الآية 57.

    (3) النساء، الآية 148.
    (4) البقرة، الآية 190.
    (5) الأنفال، الآية 58.
    (6) المائدة، الآية 64.
    (7) النساء، الآية 36.

    (8) الأنعام، الآية 141.
    (9) القصص، الآية 76.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #66
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (65)

    آثار محبة الله تعالى:
    إنَّ لمحبة الله تعالىٰ آثارًا إيجابية كثيرة في الدنيا والآخرة، منها:
    1 – البلوغ إلى أعلى المنازل وهو مصاحبة الرسول ﷺ في الجنة، لحديث أنس رضي الله عنه: «أن رجلا من أهل البادية أتى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله
    متى الساعة قائمة؟ قال: ويلك وما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله قال: إنك مع من أحببت. فقلنا: ونحن كذلك؟ قال: نعم
    ففرحنا يومئذ فرحًا شديدًا» (1).
    2 – بلوغ أعلى درجات الإيمان لقوله ﷺ: «من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان» (2).
    3 – التوفيق والتسديد في الحياة، والنجاة والفلاح في الآخرة، لما ورد في الحديث القدسي: «يقول الله تعالى: من عادى لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة، وما
    تقرّب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرّب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به،
    ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره
    الموت وأنا أكره مساءته» (3).
    4 – إن محبة الله تعالى من أسباب استجابة الدعاء، كما ورد في الحديث السابق: «وإن سألني لأعطينه».
    5 – إن محبة الله تعالى تحفظ صاحبها من الشرور الشيطانية والنفسية، كالخوف واليأس والقنوط والهم، والوسوسة وغيرها، كما جاء في الحديث القدسي
    السابق: «ولئن استعاذني لأعيذنه». وهو تصديق لقوله تعالى: {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ۖ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ}(4).
    6 – بلوغ أعلى الصفات الخُلقية ونيل الطموحات العالية، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ
    أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(5).
    7 – إن محبة الله تعالى تجلب محبة أهل السماء والأرض لحديث أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحببه،
    فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض» (6).
    8 – إن محبة الله تعالى تحقق لصاحبها بشارة في الدنيا، حيث توضع له إشارته في الدنيا قبل الآخرة لحديث أبي ذر رضي الله عنه قال: «قيل لرسول الله
    ﷺ: أرأيت الرجلَ يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال: تلك عاجل بشرى المؤمن» (7).
    كانت تلك بعض الآثار المترتبة على محبة الله تعالى في حياة المؤمن وبعد مماته، ولكن تمتد هذه الآثار وتتعدد لتشمل جميع أنواع الحفظ والتوفيق والنجاة
    لصاحبها، الأمر الذي يدفع الإنسان للاجتهاد والسعي من أجل الوصول إلى هذه المحبة بمفهومها الصحيح، والعمل بمقتضياتها.
    ---------------------------------------

    (1) أخرجه البخاري (ص618، رقم 3688) كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر. ومسلم (ص1149، رقم 2639) كتاب فضائل الصحابة، باب المرء مع من أحب.
    (2) أخرجه أبو داود (ص661، رقم 4681) كتاب السنة، باب في الدليل على زيادة الإيمان. وهو حديث صحيح.
    (3) أخرجه البخاري (ص1127، رقم 6502).

    (4) سورة آل عمران، الآية 111.
    (5) سورة المائدة، الآية 54.
    (6) أخرجه البخاري (ص536، رقم 3209) كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة. ومسلم (ص1148، رقم 2637) كتاب البر والصلة، باب إذا أحب الله عبدًا أمر جبريل فأحبه وأحبه أهل السماء.
    (7) أخرجه مسلم (ص1151، رقم 2642) كتاب البر والصلة، باب إذا أثني على الصالح فهي بشرى ولا تضره.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #67
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (66)


    وأخيرًا المحبة وأثرها النفسي وقاية وعلاجًا:
    فإن محبة الله تعالى من مقتضيات الإيمان به جلّ وعلا، حيث يزداد الإيمان وينقص بمدى قوة هذه المحبة وضعفها، ومن أجل ديمومة هذه المحبة وقوتها، لا بد
    من الحصول على أسبابها، من المحافظة على الفروض والواجبات وأدائها في أوقاتها بأحسن أداء، وكذلك الإكثار من الدعاء والذكر وتلاوة القرآن
    والاستغفار، إضافة إلى التأمل والتفكر في الكون وما فيه من آيات وآلاء، لأن ذلك من الأسباب التي تقرّب العبد إلى خالقه، وتقوي أواصر العلاقة به جل
    شأنه، وبالتالي تنشأ محبة الله في نفس العبد بأجلى صورها وأقوى معانيها، الأمر الذي يجعل حياته كلها سعادة وحبورا، ونجاحًا وتوفيقًا، وطمأنينة وسكينة،
    وهي من أسمى الغايات التي يسعى المؤمن لتحقيقها في في الدنيا.
    فإذ كان ذلك كذلك تهون عند الإنسان مصائب الدنيا، بل يعلو عليها ويراها صغيرة، وكلما تذكرها زادته قوة وحيوية وسيطرة على العوارض النفسية،

    أرأيت كيف يبذل المحب لمن أحب من والد وولد، وزوجة وقريب، كيف يبذل لهم الغالي والنفيس ويسترخصه، وذلك لحبهم لهم، فكيف إذا أحب العبد
    ربه؟ لا شك أن الأمر أعظم وأجلّ، فلنحقق هذا في جميع شؤون حياتنا وأحوالها.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #68
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (67)

    الخوف من الله تعالى
    الخوف من الله وعقابه، ورجاء رحمته، عبادتان متقابلتان لا يجوز أن تنفك واحدة عن الأخرى، ولا تتم آثارهما الإيجابية إلا باجتماعهما كجناحي الطائر
    حال طيرانه، فلا يستطيع الطيران إلا بهما، ومن هنا نتناولهما جميعًا، نبدأ بالخوف من الله.
    ومنطلق هذا البحث هو حديثان رواهما الترمذي رحمه الله:
    الأول: قَال حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ المُهَاجِر،ِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ مُوَرِّقٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله ﷺ:
    «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لله وَالله لَوْ تَعْلَمُونَ مَا
    أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى الله لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ» (1).
    الثاني: قَال حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي النَّضْرِ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْر،ِ حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو فَرْوَةَ يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ التَّمِيمِيُّ، حَدَّثَنِي بُكَيْرُ بْنُ فَيْرُوزَ قَال
    سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ الله غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ الله الجَنَّةُ» (2).
    حقيقة الخوف:
    الخوف المقصود به هنا هو الخشية من الله تعالى وعذابه وعقابه ووعيده، وليس الخوف بمعناه العام الذي يدخل فيه الخوف الجبلي، أو الخوف من الأشخاص والأشياء.
    علاقة الخوف بالرجاء:
    فقد سبق أوضحنا في افتتاحية هذا العنصر، أن عمل الإنسان يجب أن يأخذ مساري الخوف والرجاء معًا، في التعامل مع الله تعالى، لأن طغيان أحدهما
    على الآخر يدخل صاحبه في دوامة القلق والاضطراب وعدم الاستقرار وبالتالي الضعف والخمول في سائر أعماله، وإن الاستسلام للخوف وحده والغفلة
    عن الرجاء من الله تعالى أمر في غاية الخطورة على سلامة الإنسان عقديًا، لأن الله تعالى أمر عباده بالرجاء والخوف معًا، ووصف أولئك الذين يسلكون
    هذين المسلكين بقوله تعالى: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}(3).
    ويمثّل الخوف الجناح الآخر للطائر كما وصف ابن القيم رحمه الله الإنسان َ به بقوله: «الإنسان مثل الطائر، الرأس هو المحبة، والجناحان أحدهما الرجاء
    والآخر الخوف» (4).
    --------------------------------
    (1) أخرجه الترمذي (ص530، رقم 2312) كتاب الزهد، باب قول النبي ﷺ: لو تعلمون ما أعلم. وأحمد (5/173، رقم 21555).


    (2) أخرجه الترمذي (ص558، رقم 2450) كتاب صفة القيامة، باب في ثواب الإطعام والسقي.
    (3) سورة السجدة، الآية 16.
    (4) مدارج السالكين (2/ 36).


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #69
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (68)

    الأدلة على الخوف من الله


    أقسام الخوف:

    يمكن تقسيم الخوف إلى عدة أقسام، منها:
    الأول: الخوف من الله تعالى:
    والخوف من عقابه وعذابه عند التقصير في العبادات والفرائض وهو مطلب ضروري للإنسان في الحياة، وهو من صفات المؤمنين الصادقين، لقوله تعالى:
    {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}(1). لأن الشعور بالخوف من الخالق جل وعلا
    يوصل الإنسان إلى تحقيق العبودية الصحيحة له جلّ وعلا، وبالتالي يؤثر على سلوكه وأخلاقه وقيمه فيقوّمها نحو البرّ والخير.
    بل إن الخوف من الله تعالى واللجوء إليه فطرة في النفس الإنسانية، يتحرك بين الظهور والاختفاء، حسب حال الإنسان وإيمانه وعقيدته، ولكنه يظهر
    بوضوح عند الشدائد والمحن والأزمات، لا سيما إذا تعرضت حياة الإنسان للخطر المحدق أو لمصيبة كبيرة، يقول تبارك وتعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا
    اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}(2).
    الأدلة على خوف الله:
    وردت آيات كثيرة في كتاب الله تأمر الناس بالخوف من خالقهم وترك ما دون ذلك من أنواع الخوف كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ
    أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}(3) وقوله جلّ وعلا {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}(4) وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ}(5) وغيرها من
    الآيات القرآنية.
    --------------------------
    (1) الأنفال [2].

    (2) العنكبوت [65].
    (3) آل عمران [175].
    (4) البقرة [40].
    (5) المؤمنون [57].



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #70
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (69)

    عوامل تقوية الخوف من الله:
    ولعل من أهم العوامل والأسباب التي تولد الخوف من الله تعالى بالصورة التي يريدها الله تعالى هو:
    1- معرفة هذا الخالق في صفاته وأسمائه واستشعار عظمته جل وعلا، وذلك من خلال التفكر في كونه وخلائقه وصنعة إبداعه في ذلك والنظام الذي
    يسير كل عالَم من هذه العوالم عليه من غير خلل أو اضطراب، وهذا الاستشعار يولد في النفس رهبة هذا الخالق وعظمته، وكلما أدرك الإنسان هذه العظمة
    كلما ازداد إيمانًا ويقينًا بالله تعالى وازداد قربًا وعبادة وطاعة له جل ثناؤه، ومن أجل ذلك كان العلماء أشدّ خشية لله، لأنهم عرفوا الحقائق الكونية
    والإبداعية لخالقهم أكثر من غيرهم، يقول تبارك وتعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}(1).
    2 – تدبر آيات الوعيد التي توعد الله العصاة والمعتدين، لما في هذه الآيات من تقريع وتخويف للنفس، حيث تقربّها من الطاعة وتبعّدها من المعصية، كقوله
    تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ}(2) .
    3 – العلم بالله تعالى وبرسوله ﷺ، وبدينه وكتابه وشريعته، التي يعرف العبد من خلالها العبد الحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والطيب والخبيث، وجميعها
    من الأسباب التي تزيد من خوف العبد من الله تعالى.
    4– تأمل أحوال الكفار والعصاة الذين ذكرهم الله في كتابه من الأمم السابقة، كما في قوله تعالى في عاد وثمود: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ
    وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّـهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ. فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ
    عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ ۖ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ. وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا
    كَانُوا يَكْسِبُونَ}(3) .
    5– تدبّر النار وشدة عذابها، كما جاء في قوله تعالى: {إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}(4)، وفي قوله تعالى: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ
    جَهَنَّمَ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ. تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ۖ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ. قَالُوا بَلَىٰ قَدْ
    جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّـهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ}(5).
    ----------------------------------------------
    (1) سورة فاطر، الآية 28.

    (2) سورة طه، الآية 124.
    (3) سورة فصلت، الآيات 15-17.
    (4) سورة الفرقان، الآية 12.
    (5) سورة الملك، الآيات 6-9.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #71
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (70)



    الخوف الجبلي
    وهذا النوع من الخوف مباح، لأن الإنسان مفطور عليه، وهو أمر جبلي خارج عن كسبه وإرادته، وهو ملازم لجميع البشر، كلٌّ حسب حالته النفسية والشعورية، وحسب حالة الشيء المخيف الذي يختلف أثره من إنسان لآخر، فربما يخاف إنسان من شيء ما، ويكون هذا الشيء طبيعيًا عند الآخر، ولهذا لا يمكن حصر الأشياء التي يخاف منها الإنسان جبليًا، وقد ذكر الله تعالى في كتابه المبين هذا الخوف الذي أصاب نبيه موسى عليه السلام فقال: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ}(1).
    وقد تعرض لهذا النوع من الخوف أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين خرج مع النبي ﷺ في الهجرة، واتبعهم المشركون إلى باب الغار، فكان يقول رضي الله عنه للنبي ﷺ: يا رسول الله والله لو أن أحدهم نظر إلى قدمه لرآنا، فيقول له عليه الصلاة والسلام: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما.
    وقد جعل الله تعالى هذا الخوف نوعًا من الابتلاء لبعض عباده ليميز الصادقين من غيرهم، وليمحص إيمانهم هل يصبرون؟ يقول تبارك وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّ كُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}(2).
    وإذا خرج هذا الخوف عن حدوده الجبلية والفطرية يتحول إلى مرض نفسي وحالة غير طبيعية تحتاج إلى معالجة ومتابعة، كالخوف من الفقر أو المرض أو الموت أو أو من بعض الأصوات أو من بعض المشاهد التمثيلية وغيرها.
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــ
    (1)
    [القصص: 21]

    (2)
    [البقرة: 155]



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #72
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (71)


    الخوف السلبي
    وهو الخوف الذي يمنع الإنسان من فعل الطاعات وعمل الخير والإحسان وغيره، أو الخوف الذي يدفع الإنسان لاقتراف المعاصي واستحقاق سخط الله تعالى وغضبه، مثل الخوف من الأصنام أو من السحرة أو من الدجالين الذين يتعاملون مع الشياطين، فيأمرون الناس بالمعاصي والكبائر كالكفر بالله أو رمي المصحف في أماكن قذرة أو غيرها من أعمالهم الكفرية.
    ويعدّ هذا النوع من الخوف شركًا بالله تعالى، لأن الإنسان يعتقد من خلاله أن النفع والضر بيد هؤلاء السحرة والدجالين، فيستسلم لأفعالهم وأوامرهم، والله تعالى يقول: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}(1).
    * * *
    ويدخل في الخوف السلبي المجاملات المقيتة في الأمور الشرعية، كأن لم يصلِّ خوفًا من مسؤوله أو مجاملة لصديقه أن يقول عنه ملتزم أو غير متحضر، أو متشدد، وهو أمر في بالغ الخطورة حيث يقول عليه الصلاة والسلام: «من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكَّله الله إلى الناس«(2).
    ويرجع سبب هذا الخوف إلى ضعف الإيمان عند صاحبه وقلة العبادة والذكر لديه، وكذلك الجهل بأمور الدين وأحكامه.
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ
    (1)
    [المائدة: 4]

    (2)
    أخرجه الترمذي (ص550، 2414) كتاب صفة القيامة، باب عافية من التمس رضا الناس بسخط الله. وابن حبان في صحيحه (1/511، رقم 277). وهو حديث صحيح



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #73
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)


    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (72)


    علاج الخوف السلبي
    إذا تعرض الإنسان للخوف السلبي أو كان على وشك الإقبال عليه فإن عليه بالدواء الذي وصّى به كتاب الله تعالى وسنة نبيه ﷺ، وذلك بالأمور التالية:
    1-
    تقوية الإيمان بالله تعالى وقدرته وأنه قادر على كل شيء وقاهر له، وأن ليس للإنسان أمامه حول ولا قوة، لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}(1).

    2- التوكل على الله تعالى وجعله حسيبًا في جميع الأمور والشؤون، والإكثار من قول: «حسبنا الله ونعم الوكيل»، يقول ابن عباس رضي الله عنه: «حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار وقالها محمد ﷺ حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل»(2).
    3- استشعار قضاء الله وقدره في النفس وفي الكون، واليقين التام بأن ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه وأنّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه.
    4- دراسة سبب الخوف، فقد يكون لموقف مفاجئ، مثل لحظة حزن أو ترويع أو صدمة لخبر جلل، أو ما شابه ذلك، وكلها مداخل للشيطان إلى النفس إذا لم يستعذ الإنسان من الشيطان أثناءها، لذا؛ ينبغي أن يضع في الحسبان في عملية المعالجة لهذا الخوف أن يُبدأ بالقرآن والذكر والدعاء ومراجعة أهل العلم الشرعي وكذلك المختصين من الأطباء النفسانيين.
    5- التدرب والتمرن شيئًا فشيئًا على التفاعل مع أسباب الخوف ومواقفه، وهو ما يحرر الإنسان من الخوف وأوهامه، لأن كثيرًا من الناس يجدون الخوف في بعض المواقف العادية والمألوفة لدى العامة، وهذا يحتاج إلى خوض المواجهة معها، مثل الذي يخاف ركوب الطائرة، عليه محاولة ركوبها مرات كثيرة حتى يعتاد عليها ويكسر حاجز الخوف عنده، أو مثل الذي يخاف من الموت فعليه أن يكثر من زيارة القبور وحضور الجنائز والصلاة عليها، ليتفهم حقيقة الحياة وسنة الله تعالى في هذا الكون، ليكون على استعداد مع الموت وعدم الخوف منه. وهكذا التعامل مع سائر المواقف المخيفة.
    6- عدم الانزواء وهجر الحياة والناس، لأن العزلة تزيد المرض تفاقمًا وشدة، وعلى العكس فإن الاجتماع والاختلاط يخفف من وطأته وأثره على النفس.
    7- الدعاء، وهو لب العبادة، وهو الحبل الذي يوصل الإنسان بربه من غير وسيط، يبث معه شكواه ومرضه إلى خالقه جلّ وعلا ويطلب منه الشفاء، وإزاحة همّ الخوف عنه، ومنحه الشجاعة والجرأة لخوض الحياة وصعابها.
    وبذلك يتغلب المؤمن على كربة الخوف من الأشخاص والسحرة والأوهام وغيرها، ويتخلص من آثاره على العقل والنفس والجسد.
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــ
    (1)
    [فصلت: 30].

    (2)
    أخرجه البخاري (ص777، 4563) كتاب التفسير، باب إن الناس قد جمعوا لكم



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #74
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (73)



    آثار الخوف من الله تعالى على الإنسان

    للخوف من الله تعالى آثار إيجابية كثيرة ومتعددة على الإنسان، منها:

    1- إنه يبعث في النفس الشجاعة، فلا يجد الإنسان مقابل الخوف من الله تعالى خوفًا آخر من غيره، وكذلك في سائر الشؤون الحياتية، حيث يستند المؤمن إلى قوة عظيمة وركن متين، وحينها يكفيه الله تعالى أذى الشياطين وأوليائهم، وهو ما أشار إليه الرسول ﷺ بقوله: «من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكَّله الله إلى الناس«(1).

    2- إنه يبعث في النفس روح المواجهة مع المشكلات والعقبات، فتهون لديه كل ما يعترضه في حياته الشخصية ومسيرته الحياتية والدعوية، لأنه على علم ويقين أن الحياة دار فناء وأن ما عند الله تعالى هو دار القرار، وهو التصوّر الذي تربى عليه الجيل الأول من الصحابة، حين استصغروا الدنيا واستهانوا بها جاءتهم سعيًا بين أيديهم، فخضعت الجبابرة وخارت قواهم أمام تلك الجموع الضعيفة التي خرجت من الجزيرة العربية.

    3-
    إنه يبعث في النفس الاعتبار والتذكر في آيات الله، وفيما يجري من أقدار الله، فتلين القلوب وتخشع لذكر الله: {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَىٰ . سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ}(2).


    4- إنه يمنع الإنسان من مقارفة المعاصي، والخوض في أعراض المسلمين والاعتداء عليهم وأكل الحقوق والظلم وغيره، فالإنسان الذي يخاف عاقبة الغيبة والسخرية والاستهزاء، لن يقبل على هذا الفعل أبدًا، وكذلك سائر الأعمال الممنوعة.

    5- إنه يقود إلى عفو الله تعالى: {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ ۖ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ}(3)، ويقول النبي ﷺ: «من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة»(4).

    6-
    إنه يقوي الإيمان: {إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}(5).


    7-
    إنه يمنع الخوف السلبي والمذموم، لما يترتب على الخوف السلبي من عقوبة زاجرة، لا سيما إذا صار في دائرة الشرك التي سبق ذكرها، فإن الخوف من الله تعالى يردع الإنسان من ذلك ويجعل خوفه دائمًا من الله وحده دون سواه، وهو ما عبّرت عنه الآية القرآنية: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}(6).


    8- إنه يقود صاحبه إلى الجنة لقوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}(7) وقوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ}(8).

    * * *

    وأخيرًا:

    على الإنسان أن يكون على دراية ويقين أنه أمام جبروت الله تعالى وقوته وعظمته، وأنه لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه، وأن الأمر في الأول والآخر يؤول إليه، فلا داعي للخوف من غيره من الإنس أو الجان، أو من أي مخلوق آخر، ثم إن استشعار هذه القوة الإلهية يجعل المرء في حالة ترقب دائمة مع نفسه، فيمنعها من اقتراف المعاصي وجلب أسباب غضب الله وسخطه، بل يدفعه أن يقدم بين يدي ربه من العبادات والطاعات وأفعال الخير المختلفة، وجميع ما تستقيم عليه حاله، ثم إن هذا الاستشعار يحرر الإنسان من القلق والاضطراب والهم والحزن، ويدفع عنه وساوس الشياطين وهمزاتهم.

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــ

    (1)
    سبق تخريجه


    (2)
    [الأعلى: 9، 10]


    (3)
    [يس: 11]


    (4)
    سبق تخريجه


    (5)
    [آل عمران: 175]


    (6)
    [المائدة: 4]


    (7)
    [الرحمن: 46]


    (8)
    [النازعات: 40]



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #75
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)


    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (74)



    الرجاء

    سبق معنا في مبحث شعيرة الخوف أن الخوف والرجاء شعيرتان متقابلتان، يجب أن يسير معهما العبد مثل مسيرة الطائر حال طيرانه بجناحين لا يغني أحدهما عن الآخر، وقد سبق الحديث عن الخوف، وندخل في الرجاء مستفتحين بما رواه الإمام الترمذي رحمه الله بسنده – وهو من أعظم أحاديث الرجاء-:

    عن أنس بن مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله ﷺ يَقُولُ:»قَالَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي. يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِ ي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي. يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَة«(1).

    مفهوم الرجاء:

    في اللغة: رَجاه رَجْوًا، ورُجُوًا، ورَجاءً، ورَجاةً، ورَجاءَةً، ورَجاوَةً، ومَرْجاةً: أمَّله. فهو راج، والشيءُ مَرْجُوٌّ. وهي مَرْجوَّةٌ. وفي التنزيل: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}(2)(3).

    في الاصطلاح:

    هو العمل في الحياة بالمنهج الذي رسمه الشرع، والطمع في قبوله عند الله تعالى وما يترتب عليه من الجزاء الأخروي.

    وهذا يعني أن الرجاء يستند إلى ركنين أساسيين: الأول: العمل، والثاني: الطمع في تحقق المطلوب.

    مثل المريض حين يراجع الطبيب طلبًا للشفاء والمعافاة. وكذلك المؤمن الذي يقوم بمقتضيات توحيد الله تعالى ويعمل صالحًا لينال النجاة والجنة في الآخرة.

    * * *

    علاقة الرجاء بالخوف:

    لا يستقيم عمل الإنسان، ولا تستقر نفسه في الحياة إلا إذا عمل ضمن مجال الرجاء والخوف معًا، بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، فهما خطان متوازيان في حياة الإنسان، إذا أخذ الإنسان بأحدهما دون الآخر فإنه يضلّ عن سواء السبيل، ويهتز استقراره النفسي، لأن الإنسان حينما يترك جانب الخوف من الله تعالى ومن عذابه، ويبرر كل أعماله وسلوكياته المنحرفة برحمة الله وعفوه، بأنه الرحمن الرحيم، يتجاوز عن عباده بتلك الرحمة، فإن هذا التصور وما تنطوي عليه من المعاصي والمنكرات، يجعل حياة صاحبه ضربًا من التخبط واللاوعي مع دين الله تعالى، وإلا فلماذا أرسل الله نبيه ﷺ بهذا الدين، أليس من أجل التعبد به والسير على ما شرعه من أمر ونهي؟

    وكذلك الحال بالنسبة للإنسان الذي ينتهج مسلك الخوف من الله تعالى وحده في وجوده في الحياة، فإنه أيضًا يضطرب ويصيبه الهلع الدائم من نتائج أعماله في الحياة ويتصور عذاب الله لاحق به لا محاله من جراء ما يقع فيه من الخطايا وما يقترف من منكرات، دون أن يضع في الحسبان رحمة الله وعفوه وغفرانه وتجاوزه عن عباده المؤمنين، وبهذا فإنه يضع نفسه في زاوية ضيقة ومظلمة لا يرى فيها سعادة ولا راحة سوى القلق والخوف.

    أما التصور الإسلامي الصحيح نحو الرجاء والخوف، هو تلازم هذين الجانبين في حياة الإنسان، لأن الله تعالى الذي وصف نفسه بأنه شديد العقاب على الكافرين وعلى العصاة المنغمسين في محاربة دينه وأوليائه، فإنه في الوقت نفسه رؤوف رحيم بعباده المؤمنين الذين يؤدون ما فُرض عليهم من الواجبات، وينتهون عما نُهوا عنه من المعاصي والموبقات، وهو ما عبّر عنه الله تعالى بقوله: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}(4).

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــ

    (1)
    أخرجه الترمذي (ص806-807، رقم 3540) كتاب الدعوات، باب الحديث القدسي: إنك ما دعوتني. وأحمد (5/ 167، رقم 21510). وحسنه الألباني.


    (2)
    [نوح: 13]


    (3)
    المعجم الوسيط 1/ 333 مادة (رَجَاهُ).


    (4)
    [السجدة: 16]





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #76
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)


    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (75)


    أقسام الرجاء: الرجاء المحمود

    الرجاء قسمان: المحمود والمذموم.

    أولاً: الرجاء المحمود (المطلوب):

    وهذا الرجاء هو الذي يتوافر فيه عنصرا العمل والتوبة، والعمل من لوازم وجود الإنسان في الأرض، لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(1)، والمؤمن الذي يعرف هذه الحقيقة لا يتوانى من القيام بالعمل الصالح المكلف به من الله لينال رضوانه وثوابه في الآخرة، لقوله تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}(2)، وقوله تبارك وتعالى في الصلاة مثلاً: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ}(3).

    ولكن من فطرة الإنسان في هذه الحياة أن يقع في بعض الأخطاء والمعاصي، وعندها يأتي دور العنصر الثاني وهو التوبة إلى من هذه الأخطاء، وطلب المغفرة من منه جلّ وعلا، لقوله ﷺ: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم»(4) .

    وأما النصوص الواردة في كتاب الله تعالى في هذا الباب، فكثيرة جدًا نذكر منها:

    قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(5) وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}(6). وقوله جل ذكره: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(7).

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ

    (1)
    [الذاريات: 56]


    (2)
    [الكهف: 110]


    (3)
    [هود: 114]


    (4)
    أخرجه مسلم (ص1191، رقم 2749) كتاب التوبة، باب سقوط الذنوب بالاستغفار


    (5)
    [الزمر: 53]


    (6)
    [الشورى: 25]



    (7)
    [الأنعام: 54]





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #77
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)


    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (76)

    من وسائل تكفير السيئات (الجزء الاول)
    توجد وسائل عملية لتكفير السئيات، وهي تتعلق بعباداته اليومية، ليدرك الإنسان مدى رحمة الله تعالى حين يقبل على عبادته ويأتمر بأوامره، وينتهي عن نواهيه، ومن هذه الوسائل:
    1- الوضوء:
    سبب من أسباب رفع الخطايا ومحو الذنوب، لقوله ﷺ: «من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره» (1).

    2- الصلوات الخمس وصلاة الجمعة:
    الصلاة التي هي خمس فرائض في اليوم والليلة وكذلك صلاة الجمعة فضلاً عن النوافل وسنن القيام وغيرها، كلها مسببات لمحو الأخطاء التي يقع فيها ابن آدم، لقوله عليه الصلاة والسلام: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط» (2). وقوله ﷺ: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر» (3).
    3- الحج والعمرة:
    وأما ركن الحج الواجب أداؤه في العمر مرة واحدة، وكذلك نسك العمرة، فإنهما من أسباب مغفرة الذنوب وغسل الأدران عن الإنسان، لقوله عليه الصلاة والسلام: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» (4). وقوله: «من حجّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» (5).
    4- حسن الخلق:
    بالإضافة إلى ما ذكر من العبادات والطاعات، فإن هناك جبلة بشرية أخرى نابعة من العقيدة الصحيحة، وهي حسن الخلق والسلوك مع الناس والتحلي بآداب الإسلام، وهذا الأمر له وجوه كثيرة ومتعددة لا يمكن إحصاؤها، لأنها تتعلق بوجود الإنسان وحركته وتعامله مع الآخرين، وعلى سبيل المثال لا الحصر:
    الأخوة الصادقة التي تنشأ عن الحب في الله تعالى، فإنه من المكفرات للذنوب كما قال عليه الصلاة والسلام: «ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا» (6).
    العفو والصفح مع الناس سبب لمغفرة الذنوب لقوله تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(7) والأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة.
    ------------------------
    (1) أخرجه مسلم (ص121، رقم 245) كتاب الطهارة، باب خروج الخطايا مع الوضوء.


    (2) أخرجه مسلم (ص123، رقم 251) كتاب الطهارة، باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره.
    (3) أخرجه مسلم (ص117، رقم 233) كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة.
    (4) أخرجه البخاري (ص285، رقم 1773) كتاب الحج، أبو العمرة. ومسلم (569، رقم 1350) كتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة.
    (5) أخرجه البخاري (ص293، رقم 1819) كتاب المحصر، ومسلم في الموضع السابق.
    (6) أخرجه أبو داود (ص731، رقم 5212) كتاب الأدب، باب المصافحة. والترمذي (ص618، رقم 2727) كتاب الاستئذان، باب المصافحة. وهو حديث صحيح.
    (7) سورة النور، الآية 22.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #78
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (77)

    من وسائل تكفير السيئات (الجزء الثانى)


    5- الذكر والاستغفار:
    الأذكار بصورة عامة مكفرات للذنوب والخطايا، وقد أخبر النبي ﷺ بذلك في أحاديث كثيرة، منها قوله عليه الصلاة والسلام: «من قال سبحان الله
    وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» (1).
    6- حسن الظن:
    إن من أهم العوامل والأسباب التي تؤدي إلى غسل الأدران عن الإنسان وتطهير نفسه من وزر الآثام هو حسن الظن بالله تعالى، والذي يُعدّ محور الرجاء
    مع الله تعالى، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: «إن الله يقول: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني» (2).
    7- اجتناب الكبائر:
    إن عفو الله تعالى ورحمته تنزل بالعبد في معظم أوقاته ما دام مؤمنًا ومؤديًا ما فُرض عليه من الفروض والواجبات، وما دام بعيدًا عن اقتراف كبائر الذنوب
    والموبقات، لقوله تعالى: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا}(3).
    8- من أ عظم الرجاء أن باب التوبة مفتوح:
    ما دام في الإنسان روح تسري، فإن باب التوبة مفتوح له، والله يتقبل منه توبته في كل حين، يقول عليه الصلاة والسلام: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» (4).
    ويقول عليه الصلاة وسلام في حديث آخر: «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» (5).
    في هذا النوع من الرجاء يتكوّن الإنسان السوي المعتدل، المعافى نفسيًا من القلق والاضطراب والخوف، لأنه يسير على المنهج الصحيح، في القيام بالأعمال
    الصالحة والطمع في الجزاء العظيم المترتب عليه، وكذلك لا يستغني عن التوبة والاستغفار بصورة دائمة عما تصدر منه من أخطاء وذنوب، وهذه هي الصورة
    المثالية للإنسان المسلم الذي عرف حقيقة الرجاء وعمل بمقتضاها.
    وهو مضمون قوله عليه الصلاة والسلام السابق ذكره: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم» (6).
    -----------------------
    (1) أخرجه البخاري (ص1112، رقم 6405) كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح. ومسلم (1171، رقم 2691) كتاب الذكر والدعاء.

    (2) أخرجه مسلم (ص1171، رقم 2675) كتاب الذكر والدعاء، باب الحث على الذكر الله. والترمذي (ص544، رقم 2388) كتاب الزهد، باب ما جاء في حسن الظن بالله.
    (3) سورة النساء، الآية 31.
    (4) أخرجه الترمذي (ص806، رقم 3537) كتاب الدعوات، باب إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. وابن ماجه (ص619، رقم 4253) كتاب الزهد، باب ذكر التوبة.
    (5) أخرجه مسلم (ص1196، رقم 2759) كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت.
    (6) سبق تخريجه.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #79
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (78)



    آثار الرجاء المحمود (1-2)

    إذا كان عمل المسلم قائمًا على أساس الرجاء المحمود، من غير إفراط أو تفريط، فإن ذلك سيثمر نتائج وآثارًا إيجابية كثيرة تعود بالفائدة على صاحبه أولاً، ثم على المجتمع والأمة قاطبة ثانيًا، ومن أبرز تلك النتائج الخيرة للرجاء المحمود، بما يلي:

    1- قبول العمل:

    إن المسلم حين يقوم بأداء رسالته في الحياة، على النحو الذي رسمه الله تعالى له، ضمن دائرة الأمر والنهي المنصوص عليها في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وما يترتب على ذلك من آداب وأخلاق، فإنه يرجو تحقيق رضوان الله تعالى والفوز بالقرب منه والإقامة في جنته، فإن هذا التصور وحسن الظن بالله تعالى بالجزاء على تلك الأعمال، فإن الله توعد نفسه ووعده الحق بأنه سيكون عند حسن ظن عبده به، لقوله في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني«(1).

    وهذه القناعة تدخل المسلم في السعادة الحقيقية، من طمأنينة النفس، وراحة البال، وعدم الخوف من المستقبل، الأمر الذي يسدّ الأبواب أمام وساوس الشياطين وهمزاتهم.

    2-رفع الخطايا ومحو الذنوب:

    إن الرجاء المحمود سبب في محو السيئات والذنوب عن صاحبه، ما دام هذا الإنسان يقوم بما يملي عليه كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، وقد سبق ذكر النصوص الوارد في هذا الشأن، كقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}(2). وقوله ﷺ: «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها«(3).

    3- الإيجابية والإنتاج:

    إن الرجاء المحمود، يعطي الإنسان قوة نحو العمل الجاد والإنتاج المفيد في الحياة، فلا يتوانى ولا يتكاسل عن أداء واجبه بأكمل صورة في الحياة، سواء كانت أداء الفرائض لله تعالى، أو حسن الخلق والتعاون ونشر الخير مع الناس، أو أعماله اليومية في العبادة أو المدرسة أو الوزارة أو المصنع أو غيرها من ميادين العمل المختلفة، وبذلك يتكوّن في المجتمع لبنة قوية تثبت أركانه وقواعده وتحميه من عوامل الانهيار والخراب، وهو ما عبّر عنه الله تعالى في قوله: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}(4).

    4- الفأل المستمر:

    وذلك أن الرجاء المحمود، يكوّن الإنسان المتفائل بالخير والنجاح بشكل دائم، فلا يعرف هذا الإنسان التحسر على فقدان أي شيء في الحياة، لأنه كلما فقد شيئًا تفاءل بأحسن منه، لأنه في حالة حسن الظن بربه في ذلك، فإذا كان مريضًا فإنه يرجو من الله تعالى الشفاء والمعافاة ويعيش على هذا الرجاء فترة مرضه، فلا يصيبه اليأس أو القنوط من رحمة الله تعالى أو بتأخير نزول الشفاء عليه، وإذا فقد منصبًا أو وظيفة أو مكانة فإنه يسعى إلى أفضل منها بتفاؤل وأمل في الله تعالى بأنه أرحم عليه من الناس، وهكذا، وهذا التصور والشعور المتجدد لدى الإنسان المسلم، يقضي على كل أسباب اليأس والقنوط التي إذا حلّت بالنفس جعلتها غير مستقرة وغير مطمئنة.

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــ

    (1)
    سبق تخريجه.


    (2)
    [الشورى: 25]


    (3)
    سبق تخريجه


    (4)
    [الكهف: 110]




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #80
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (79)



    آثار الرجاء المحمود (2-2)


    1-قوة العقل والجسم:

    الرجاء يعطي فاعلية في قوة العقل للإبداع والابتكار، لأن صاحبه معافى من الخمول الفكري واضطرابه الناجم عن الخوف على النفس وعلى المصالح والأموال والتجارة والمنصب والوظيفة وغيرها من متاع الدنيا، وكذلك فإن هذا الرجاء يجعل صاحبه في حالة نشاط وحركة مستمرة، ربما يسعى أن يقطع آلاف الأميال ويتغرب عن أهله وذويه، ويقضي في ذلك جلّ عمره في سبيل أن يؤدي عملاً يرضي به خالقه، أو ينفع به مجتمعه وأمته، كما كان السلف الصالح من هذه الأمة، فقد انطلقت جيوش المسلمين ودعاتهم من الجزيرة العربية إلى الشرق والغرب لنشر هذا الدين وتبليغه إلى الناس، إلى وصلوا أقاصي الأرض، وهم لا يملكون إلا وسائل النقل البدائية من الخيول أو الجمال، لم يدفعهم إلى ذلك إلا رضا الله تعالى والطمع فيما عنده.

    وكذلك المتأمل في حال علماء الأمة سيجد العجب من جلدهم وصبرهم في سبيل الحصول على خبر أو حديث عن النبي ﷺ، أمثال أئمة الحديث المعروفين، البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم، جابوا الأرض وقطعوا السهول والهضاب، وتعرضوا للخطوب والصعاب، من أجل أن يقدموا للأمة كنوز السنة النبوية، لينهل منها المسلمون إلى قيام الساعة، ويأخذوا منها أحكامهم وتشريعاتهم ويتطلعوا من خلالها إلى سيرة نبيهم ﷺ، ولم يدفع هؤلاء الجهابذة إلى هذا العمل العظيم إلا أملهم ورجاؤهم في رضى خالقهم والقرب منه يوم القيامة.

    2-الطموح الدائم نحو الخير:

    وهذا الأثر يتحقق في كل عمل صالح يقوم به المسلم، سواء كانت العبادات المفروضة أو الأعمال الاعتيادية اليومية، لأنه حينما يقوم بأي عمل فإنه يرجو الله تعالى قبوله والثواب عليه، وهذا الشعور يجعله يسعى إلى ما بعد ذلك من الأعمال، وهكذا، كأن يصلي إحدى الصلوات ويرجو قبولها فينتظر التي تليها ليلقى معها ذلك القبول، وكذلك الحال مع جميع الأعمال والسلوكيات الأخرى التي يقوم بها في حياته، حتى وإن كان على فراش الموت، يقول عليه الصلاة والسلام: «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها، فليفعل«(1).

    وهذه حال المؤمنين الصادقين الذين جاء وصفهم في كتاب الله تعالى بالخيرية: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}(2).

    3-الراحة الطمأنينة وعدم القلق:

    الرجاء عامل مهم في بناء النفس واستقراره، لأنه يُربط صاحبه بالله تعالى في السراء والضراء، وفي السر والعلن، ومن كان هذا شأنه فإن الطمأنينة النفسية والراحة والسكينة ستنزل عليه من كل جانب، فلا يخاف من أي تهديد بشري مهما أوتي من قوة، لأنه يحس حماية الله تعالى له وأنه ناصره لا محال، وقد بيّن رسول الله ﷺ هذه الحقيقة لصاحبه أبي بكر رضي الله عنه في غار ثور، حينما وقف المشركون على باب الغار «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما«(3).

    والرجاء بصورة عامة يهيأ المسلم نفسيًا لمواجهة الحياة بمصاعبها وأخطارها، لأن النفس هي نقطة الانطلاق لكل شيء، فالإنسان الذي تحتضنه نفس سوية ومستقرة هو الإنسان الصالح في الحياة، يسعى لإعمار الكون بكل قوة ونشاط، أما الذي تحتويه نفس مليئة بالوساوس والأمراض فإنه أفشل كائن في الحياة، يسعى لخرابها ودمارها من كل جانب.

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ

    (1)
    أخرجه أحمد (3/191، رقم 13012). والطيالسي (1/275، رقم 2068). وهو حديث صحيح


    (2)
    [آل عمران: 110]


    (3)
    أخرجه البخاري (ص613، رقم 3653) كتاب فضائل أصحاب النبي ﷺ، باب مناقب المهاجرين وفضلهم. ومسلم (ص1049، رقم 2381) كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أبي بكر



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •