شاركونا في إخراج مشاهد ومعاني الإيمان من اسم الله: (الرفيق):
شاركونا في إخراج مشاهد ومعاني الإيمان من اسم الله: (الرفيق):
إن الله تعالى رفيق بعباده، وهو رفيق في أفعاله: خلق المخلوقات كلها بالتدريج شيئًا فشيئًا بحسب حكمته ورفقه، مع أنه قادر على خلقها دفعة واحدة وفي لحظة واحدة، ومن تدبر الشرائع كيف يأتي بها شيئًا بعد شيء وجدها شاهدًا على رفقه سبحانه.
وهو سبحانه رفيق لا يعجل؛ لأنه إنما يعجل من يخاف الفوت، فأما من كانت الأشياء قبضته وملكه فليس يعجل فيها.
قال ابن القيم:
وهو الرفيق يحب أهل الرفق بل ... يعطيهم بالرفق فوق أمان
الله (الرفيق) عز شأنه
وهو من الأسماء الحسنى الثابتة في السنة، روى البخاري في (صحيحه) عن عروة ،عن عائشة –رضي الله عنها – قالت:
(استأذن رهط من اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا :السام عليك، فقلت: بل عليكم السام واللعنة، فقال: (يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)، قلت : أو لم تسمع ما قالوا ؟ قال: (قلت :وعليكم).
...ففي الحديث التصريح بتسمية الله بالرفيق و وصفه بالرفق ،و أن له من هذا الوصف أعلاه و أكمله وما يليق بجلاله وكماله سبحانه .
والرفق: اللين والسهولة و التأني في الأمور والتمهل فيها، وضده العنف والتشديد، فهو مأخوذ من الرفق الذي هو التأني في الأمور، والتدرج فيها، والله سبحانه رفيق في قدره و قضائه وأفعاله ،رفيق في أوامره و أحكامه و دينه وشرعه.
ومن رفقه سبحانه في أفعاله:
أنه سبحانه خلق المخلوقات كلها بالتدرج شيئًا فشيئا، بحسب حكمته ورفقه ،مع أنه قادر على خلقها بدفعة واحدة، وفي لحظه واحده، وهو دليل على حلم الله وحكمته وعلمه ولطفه، وقد ورد عن الصحابة رضي الله عنهم حمدهم لله عز وجل على رفقه في الخلق، وتصريفه الدائم للمخلوقات، وأنه لم يجعل الخلق ثابتا على هيئة واحدة.
ومن رفق الله بعباده:
رفقه سبحانه بهم في أحكامه و أمره ونهيه، فلا يكلف عباده ما لا يطيقون ،وجعل فعل الأوامر قدر الاستطاعة، و أسقط عنهم كثير من الأعمال بمجرد المشقة رخصة لهم ورفقًا بهم و رحمة، ولم يأخذ عباده بالتكاليف دفعة واحدة، بل تدرّج بهم من حال إلى حال؛ حتى تألف النفوس وتلين الطباع ويتم الانقياد.
ومن رفقه سبحانه إمهاله راكب الخطيئة، ومقترف الذنب، وعدم معاجلته بالعقوبة؛ لينيب إلى ربه و ليتوب من ذنبه وليعود إلى رشده.
...ومن رفقه سبحانه:
أن دينه كله رفق ويسر و رحمة، و أمر عباده بالرفق، و يعطيهم على الرفق ما لا يعطي على الشدة، ولا يكون في شيء من الأمور إلا زانه ،ومن حرمه؛ حرم الخير.
ولذا ينبغي على كل مسلم أن يكون رفيقا في أموره كلها، و أحواله جميعها، بعيدا عن العجلة والتسرع والتهور والاندفاع، فإن العجلة من الشيطان، ولا يبوء صاحبها إلا بالخيبة والخسران، وكفى بالرفق نبلا وفضلا أنه حبيب للرحمن، فهو سبحانه رفيق يحب الرفق.
...و واجبنا أن نتحلى بالرفق في شأننا كله، والله وحده الموفِق لا شريك له .
______________________________ _
المصدر: فقه الأسماء الله الحسنى للشيخ عبدالرزاق البدر
شاركونا في إخراج مشاهد ومعاني الإيمان من اسم الله: (الودود):
الودود معناه: المحب لخلقه والمحبوب لهم، جاء في لسان العرب: الوَدُودُ في أَسماءِ الله عز وجل المحبُّ لعباده من قولك وَدِدْتُ الرجل أَوَدّه ودّاً ووِداداً وَوَداداً، قال ابن الأَثير: الودود في أَسماءِ الله تعالى فَعُولٌ بمعنى مَفْعُول من الودّ: المحبة، يقال وددت الرجل إِذا أَحببته، فالله تعالى مَوْدُود أَي مَحْبوب في قلوب أَوليائه، قال: أَو هو فَعُول بمعنى فاعل أَي يُحبّ عباده الصالحين.
وفي تفسير التحرير والتنوير: والودود: فَعول بمعنى فاعل مشتق من الودّ وهو المحبة فمعنى الودود: المحبّ وهو من أسمائه تعالى، أي إنه يحب مخلوقاته ما لم يحيدوا عن وصايته.
وفي تفسير القرطبي: الْوَدُودُ: أي المحب لأوليائه، وروى الضحاك عن ابن عباس قال: كما يود أحدكم أخاه بالبشرى والمحبة، وعنه أيضا: الودود: أي المتودد إلى أوليائه بالمغفرة.
وجاء في تفسير السعدي: ومعنى الودود، من أسمائه تعالى، أنه يحب عباده المؤمنين ويحبونه، فهو فعول بمعنى فاعل، وبمعنى مفعول.. والودود الذي يحب أنبياءه ورسله وأتباعهم، ويحبونه، فهو أحب إليهم من كل شيء، قد امتلأت قلوبهم من محبته، ولهجت ألسنتهم بالثناء عليه، وانجذبت أفئدتهم إليه ودا وإخلاصا وإنابة من جميع الوجوه.
وجاء في شرح الأسماء الحسنى: فالله عز وجل هو الودود الذي يَوَدُّ عبَادَهُ الصالحين فيحبهم ويقربهم ويرضى عنهم ويتقبَّلُ أعمالَهم، وهذه محبة خاصة بالمؤمنين، أما المحبة العامة فالله هو الودود ذو إحسان كبير لمخلوقاته من جهة إنعامه عليهم..
فمعنى أن الله عز وجل ودود يعني حبيب قريب سميع مجيب، وقد ورد هذا الاسم في موضعين من القرآن الكريم، هما قول الله تعالى: إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ { سورة هود، الآية :90} وقوله تعالى: وهو الغفور الودود {سورة البروج، الآية :14}.
فإذا عرف العبد معنى هذين اسم الله الودود كان لذلك الأثر البالغ في عقيدته وتفكيره وسلوكه وفي حياته كلها ونظرته للكون من حوله؛ فيعيش سعيدا مطمئنا إلى ولاية الله تعالى لعباده ومودته لهم، فيحب الخير لجميع خلق الله، ويعمل ما استطاع لتعبيد العباد لخالقهم، فيحب للكافر الهداية وللعاصي التوبة والمغفرة، وللمطيع الثبات ورفعة المنزلة.. وبذلك يكون ودودا محبوبا لعباد الله فيعفو عمن أساء إليه، ويلين مع البعيد كما يلين مع القريب وبذلك ينال ولاية الله تعالى ومحبته ووده.. فقد قد قال النَّبِي صلى الله عليه وسلم: إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِى جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاَنًا، فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ. رواه البخاري.
والله أعلم.
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Optio n=FatwaId&Id=185683
الله (الودود) سبحانه وتعالى
قال ابن القيم رحمه الله في النونية:
وهو الودود يحبهم ويحبه
أحبابه والفضل للمنان
وهو الذي جعل المحبة في قلو
بهم وجازاهم بحب ثان
هذا هو الإحسان حقاً لا معا
وضة ولا لتوقع الشكران
لكن يحب شَكورهم وشُكورهم
لا لاحتياج منه للشكران
* الثمرات(1):
من ظهر له اسم (الودود) وكشف له عن معاني هذا الاسم ولفظه، وتعلقه بظاهر العبد وباطنه: كان الحال الحاصل له من حضرة هذا الاسم مناسبا له، فكان حال اشتغال حب وشوق، ولذة، ومناجاة، لا أحلى منها، وأطيب، بحسب استغراقه في شهوده معنى هذا الاسم وحظه من أثره، ولهذا كان سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم يلازم سؤال ربه الودود، أن يرزقه محبته التي هي أعظم المحاب، فكان من دعائه:
((...اللهم وأسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك))، ومن دعائه أيضا: ((اللهم ارزقني حبك، وحب من ينفعني حبه عندك...)).
وينبغي للمؤمن أن يتودد إلى الله تعالى، بالاشتغال بالأسباب التي تقضي محبته تعالى، من الأقوال والأفعال، وأعظهما، طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}، فمن اتبع رسوله فيما جاء به وصدق في اتباعه، فذلك الذي أحب الله، وأحبه الله، وأن لا يواد من حاد الله ورسوله، ولو كانوا من أهله، قال تعالى:{لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الأخر يوآدون من حاد الله ورسوله ولو كانوا ءاباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم}.
____________________
(1) أسماء الله الحسنى لماهر مقدم.
شاركونا في إخراج مشاهد ومعاني الإيمان من اسم الله: (الحليم):
الله (الحليم) عز شأنه
قال تعالى:{والله غني حليم}.
المعنى اللغوي: الحليم: من أبنية المبالغة، على وزن فعيل، جاء بصيغة المبالغة، لكثرة حلمه تعالى على عباده.
والحلم: ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب، ويدل على الأناة والتمهل، ومعالجة الأمور بصبر، وعلم وحكمة، وربنا كذلك.
المعنى الشرعي: الله عز وجل هو الحليم الذي لا أحلم منه:
(1) الذي له الحلم الكامل، الذي وسع حلمه أهل الكفر والفسوق والعصيان، ومنع عقوبته أن تحل عاجلا بأهل الظلم والطغيان، فهو يمهلهم، ولا يهملهم.
(2) وهو سبحانه الحليم ذو الصفح والأناة، الذي لا يستفزه غضب، ولايستخفه جهل جاهل، ولا عصيان عاص، مع كمال القدرة، والانتقام.
(3) ومن كمال خلمه تعالى: أنه يدر نعمه الظاهرة، والباطنة على العاصين، كما يدر نعمه على الطائعين.
(4) ومن سعة حلمه أنه العبد يسرف على نفسه والله قد أرخى عليه حلمه، فإذا تاب العبد وأناب، فكأنه ما جرى منه جرم.
(5) فهو تعالى يمهل عباده الطائعين، ليزدادوا من الطاعة والثواب، ويمهل العاصين لعلهم يرجعوا إلى الحق والصواب.
(6) أنه لولا حلمه عن الجناة، ومغفرته للعصاة، لما استقرت السموات والأرض في أماكنهما، وتأمل قوله تعالى:{إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا}.
* الثمرات: ينبغي للمؤمن أن يتعبد ربه الأعلى بمقتضى هذا الاسم الكريم، فإنه تعالى يحب من تعبد بأسمائه الحسنى، قال صلى الله عليه وسلم:(إن الله يحب الغني الحليم، المتعفف..) [صحيح الترغيب والترهيب(819)]، فمن عبوديته لهذا الاسم أن يحلم هو على من خالف أمره، فإنه تعالى مع كمال قدرته وقوته حليم، فمن باب أولى بالعبد العاجز الضعيف، فكما تحب أن يحلم عند مالكك، فاحلم أنت عمن تملك.
المصدر:أسماء الله الحسنى لماهر مقدم.
ورد هذا الاسم في القرآن الكريم إحدى عشرة مرة، من ذلك:
قوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة:235].
وقول الله تعالى: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة:263].
ومن ذلك قوله في سورة الأحزاب: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا} [الأحزاب:51].
وقوله في سورة فاطر: {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [فاطر:41].
معنى الاسم في اللغة:
* الحليم من الحِلم، والحِلم -بالكسر- معناه في اللغة: الأناة والعقل. ويُجمع على أحلام وحُلُوم. وأحلام القوم: أي حُلماءهم. والحِلمُ نقيض السفه، أما الحُلمْ والحُلُمْ: فهو الرؤيا، والجمع أحلام، يُقال: حلم يحْلُم إذا رأى في المنام.* الحِلمُ.. معناه الأناة والعقل. قال الراغب الأصفهاني: "الحِلْمُ ضبط النفس والطبعِ عن هيجان الغضب".
قال تعالى: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا} [الطور من الآية:32]: أي.. عقولهم، فجاءت من هنا حَلُمَ: أي ضبط نفسه وسيطر عليها.. وهذا هو المعنى اللغوي.
أما هذا المعنى في حق الله سبحانه وتعالى.. فيقول العلماء:
الحليمُ.. أي الذي لا يعجُل على عباده عقوباتهم بذنوبهم.. حليمًا عمن أشرك وكفر به من خلقه فيترك تعذيبه أو تعجيل عذابه له..حليمًا فهو ذا صفحٍ وأناة لا يستفزه غضب ولا يستفزه جهل جاهل ولا عصيان عاصٍ.. فلا يستحق الصافح مع العجز اسم الحِلمْ.. إنما الحليم الذي يصفح مع القدرة والمُتأني الذي لا يعجل بالعقوبة..وقد أنعم بعض الشعراء بيان هذا المعنى فقالوا:لا يدركُ المجد أقوامٍ وإن كَرَموا *** حتى يذلوا وإن عزُّو الأقوام
ويُشتموا فترى الألوان مُسفرة *** لا صفح ذلٍ ولكن صفح أحلام
يقول الغزالي رحمه الله: "الحليم هو الذي يُشاهد معصية العصاة ويرى مُخالفة الأمر ولايستفزُه غضب ولا يعتريه غيظ ولا يحمله على المُسارعة على الانتقام مع غاية الاقتدار ولا يحمله عجلة وطيش"، ألا ترى قول الله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [النحل:61]، لكن الله سبحانه حليم.. فلو كان غير هذا لعجَّل بعقوبته على العصاة والمذنبين..
واسمع إلى قول الله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [يونس:11].
وقوله: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا} [الكهف:58].
وقوله: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} [فاطر:45].
كُل هذه الآيات تُشير إلى هذا المعنى وهو حلمُ الله تعالى على عباده.
قِيل: "حلم الله.. تأخيره العقوبة عن المُستحِق لها.. فيؤخر العقوبة عن بعض المستحقين ثم قد يُعذبهم وقد يتجاوز عنهم".
وقال بعضهم: حليم سُبحانه لأنه يعفو عن كثير فهو يعفو عن كثير من سيئاتهم ويُمهلهم بعد المعصية ولا يُعاجلهم بالعقوبة والانتقام بل يقبل توبتهم بعد ذلك..
يُقال: الحلمُ قرين للحكمة فلا يكون الحليمُ إلا حكيمًا لأنه يضع الأمور في مواضعها فيلزم من كونه أنه حليمًا أنه حكيمًا عليمًا قادرًا.. لأنه إن لم يكن قادرًا كان حلمه مُتلبِّسًا بالعجز والوهن والضعف.
وقالوا كذلك: الحليم عز وجل هو الصبور..
فالحِلمُ مع القدرة على الفعل ولايُشترط ذلك في الصبر.. فالحليم لا يتأثر بالمرارة ولايشعر بوجودها وقد يشترك معه في ذلك الصبر ولكن لا يُشترط وجوده فيه.فالحليم الصبور المُتصفُ بالحلم يتمهل ولا يتعجَّل بل يتجاوز عن الزلات ويعفو عن السيئات فهو سُبحانه وتعالى يُمهلُ عباده الطائعين ليزدادوا من الطاعة والثواب ويُمهل العاصين لعلهم يرجعون للطاعة والصواب ولو عجَّل لعباده الجزاء ما نجى أحدًا من العقاب ولكن الله هو الحليم ذو الصفح والأناة استخلف الإنسان في أرضه واسترعاه في مُلكه واستبقاه إلى يومِ موعود وأجلٌ محدود فأجَّل بحِلمه عقاب الكافرين وعجٍّل بفضله ثواب المؤمنين.وخُلاصة المعاني في تفسير الحليم:
أنه الذي لا يتعجٍّلُ بالعقوبة والانتقام ولا يحبسُ عن عباده بذنوبهم الفضل والإنعام بل يرزقُ العاصي كما يرزُق المطيع وإن كان بينهما تفاضُل على مُقتضى الحكمة لكنه سبحانه وتعالى ذو الصفح مع القدرة على العقاب.
فلا شك أنه ذا اسم جميل.. وسيحتاج منَّا إلى نظرٍ وتأمّل وتمعُّن وتدبّر.. ونُريد أن نتخلَّق بهذا الخُلق العظيم.. هذا الخُلق خُلق الحلم.. فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم للأشجع بن القيس.. قال: «إنَّ فيكَ لَخَصْلَتينِ يحبُّهُما اللَّهُ الحِلمُ والأناة» (رواه مسلم).
فالحِلمُ شرفه أنه سبب لمحبة الله سبحانه وتعالى وكفى بها من منقبة لهذا الخُلقُ العظيم فهو صفة تُكسِبُ المرء محبة الله ورضوانه وهو دليلٌ على كمال العقل وسعة الصدر وامتلاك النفس.. فالذي يتخلَّق بهذا الخُلق سيكون في منزلةٍ عُليا في تهذيبه وتربيته لنفسه..لذلك إذا أردت أن ترى أحدًا أين وصل مع نفسه في حدود التربية انظر إلى حلمه.. أي ضبط النفس.. فالأصل في الإنسان أن يتشفَّى لنفسه وأن يُعاجل بالعقوبة أو يرد عنه أو يجد في نفسه شيئًا.. إنما الحليم لا يُبالي بمثل ذلك، فنفسه ليست أسيرة به ولا يهمه مثل هذه الجهالات ولا يلتفت إليها.. فهو لا يلتفت إلى سفاسف الأمور وهذا دليل على الوصول إلى منزلة عليا من الإيمان ومن تهذيبه لنفسه..
والله سبحانه وتعالى يؤيد الحليم وكذلك يُلقي قدْره في قلوب العباد لكن من البداية ينبغي فهم أمرًا مهمًا وهو أن الحِلمُ لا يُستخدم مطلقًا.. فقد نحتاج لأن نخرج عنه أحيانًا لردع السفيه..فالأصل في التعامل عند تربية النفس أن تحلُم.. لكن هنا كبعض المواقف تحتاج الردع وتحتاج القوة في التعامل مع السفيه لا سيما إذا استشرى، فلو تُرك هكذا ستكون مفسدته أعظم وقد يُساء فهم الحليم في هذا الموقف.
ومن الأمور المتعلقة بالحلم أيضًا أنه لا يكون إلا مع القدرة على إنزال العقوبة وإلا سُمِّي ذلك خَوَر وضعف وذُل.. فالحليم من يقدر على الرد ولكنه يترك السفيه لجهله وذلك شرط على الحليم.. أن يقدر على إنزال العقوبة.ومن فضل الحلم كذلك أن قليل من الخلق من يتصفُ به.. فالذي يتصف بهذا الخُلق صار بمنزلهم ميزة وصار في النادر القليل وقد يكتسبه الإنسان بالتعود وبالرغبة فيما عند الله بالثواب الجزيل فإذا تحلَّم العبد وتكلفه شيئًا فشيئًا يعتاده «إنما الحلمُ بالتحلُّم» (صحّحه الألباني) وذلك إذا كان دائمًا أبدًا ينظر إلى ما عند الله ولا يلتفتُ إلى الناس.. فسيكون ذلك دافعٌ له للتخلُّق بهذا الخُلُق العظيم.الحلمُ يعمل على تآلف القلوب وينشُر المحبة بين الناس ويُزيل البغض ويمنعُ الحسد ويُميل القلوب ويستحق صاحبها لدرجات العلا والجزاء الأوفر.ولذلك فهو خُلق عظيم نحتاج لأن نفقه عنه الكثير من الأمور حتى نستطيع أن نتخلَّق بهذا الخُلق فأولًا نعرفه في حق ربنا فنزداد محبةٌ له سُبحانه فالمتأمِّل في أحوال الناس يقول: فالغني غير راضٍ عن حاله..تجده يقول: لو أن ذاك المال ليس عندي بتلك الكيفية يقصد إن حصل عليه من والده!ويقول: كُنت أريد أن أتعب في الحصول عليه ليكون الإحساس بمتعة الحصول على المال موجود! وأما الفقير فيتسخط لعدم وجوده!
فسُبحان الله العظيم.. لا يرضى عنه أحد! لا الغني راضٍ ولا الفقير راضٍ ولاالصحيح راضٍ ولا السقيم والمريض راضٍ! الكُل لا يرضى عن الله.. فما أحلمه عنا مع أنه يستحقله الغضب علينا.. فهو يُغدق على هذا بالنعم ليُحبه بها فيطغى بها! وهذا يبتليه ليرجع إليه فيتسخط ويغضب.. فما أحلم الله سبحانه وتعالى!
http://ar.islamway.net/article/42499/-37-%D8%A7%D8%B3%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%84%D9%8A %D9%85
كيفية التخلق بهذا الخُلُق؟
قالوا الأسباب الدافعة للحلم كثيرة خصٍّها الماوردي في أدب الدُنيا والدين بعشرةِ أمور، فقال:"الحلمُ من أشرف الأخلاق وأحقها بذوي الألباب لما فيه من سلامة العرض وراحة الجسد واجتلاب الحمد. والأسباب الباعثة عليه عشرة:1- الرحمة للجُهَّال:
فينظُر إليهم بعين الرحمة لعدم علمه وعدم فهمه في رحمه ويتجاوزعنه ويحلُم عليه.. وذلك من خيرٍ يُوافقُ رقه وقد قيل في مأثور الحكم من: "أوكد أسباب الحلم رحمة الجُهَّال".
2- القدرة على الانتصار:
وذلك من سعة الصدر وحُسن الثقة فيبعثُه على حلمه معرفته التامة بأنه يستطيع أن ينتصر.. ولكن يتسع صدره بحُسن ثقته في ربه وما عنده من جزيل الثواب.. وأن الله سينتصرُ للمظلوم ولو بعد حين وأن الله سيكُف عنه ذلك ويدفع عنه وذلك شيء يعرفه المؤمن من نفسه وحاله مع ربه... فيتركه ويقول لو أراد الله أن يُردُ عنى ذلك الظلم سيكون.. فذاك قدر هو لا راد له! فيمنعه ذلك من أن يتشفَّى لنفسه ويقول: يا رب كُف عني أذى المؤذين في القدرة على الانتصار.3- أنه من الأصل مُهذَّبٌ مؤدب فيترفَّع عن السباب:
فيستشعر من نفسه ومن لسانه العفة على أن ينطق بمثل السباب الموجه إليه! ويكون كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم: «لم يكن فاحشًا ولامُتَفَحِّشًا ولا صَخَّابًا في الأسواقِ، ولا يَجْزِي بالسيئةِ السيئةَ، ولكن يَعْفُو ويَصْفَحُ» (رواه الترمذي)، فيترُكه ويترفَّع عن سبابه.. قالوا: وذلك من شرف النفس وعُلو الهمة ومن الجميل هاهنا أنهم قالوا الله سُبحانه وتعالى سمَّى يحيى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بسيدًا وذلك لحِلمه.. لأنه كان حليمًا فصار سيدًا.
4- الاستهانة بالمُسيء:
وذلك فيه نظر لأنه قد يؤدي إلى نوع من الكِبر! لكن الضابط هنا العِزَّة فإن كان عزيزًا فإنه يحلُم على الجُهَّال.. فمثل ذلك -ذُكر سابقًا في اسم الله العزيز- عندما أتى سُفيان أحدُهم فقال له: إنك مُتكبر فقال: لا إنما عزيز! أي لا أحب أن يجلب لنفسه الاستصغار بأن يُنزله المستوى من يجهلُ عليه بالقول أو الفعل.. وذلك عزة نفس وليس كِبرًا.. فالكبر بطرُ الحق وغمط الناس أما عندما يعزُّ بنفسه على أمر ربه فهو كِبر!
إنما الاستهانة بالمُسيء قريبة من معنى القدرة على الانتصار..فأحذر من أن تكون العزة لديك بأن لا تخضع لأمر الله أو تستمع النصيحة من أحد أو أن تذلل له أو تذلل لمؤمنين.. بل فقط تكون عزيزًا على الكافرين والمجرمين فهنا لا تلين لهم.. أما إذا كُنت هينًا لينًا مع الناس مُتقبلًا لأمر ربك فقد نفيت عن نفسك الكبر.. ثم كُنت صعب في التعامل مع أعداء الله حتى لا يُستباح عِرضك.. فهذه عزة.يقولون: رُوي أن مُصعب ابن الزبير لمّا وُلي العراق جلس يوما لعطاء الجُند وأمر مناديه ونادى: أين عمر ابن جرموز -وهو الذي قتل أباه الزبير ابن العوام رضي الله عنهما- فقيل له: قد تباعد في الأرض فقال: أو يظن الجاهل أني أقيده بأبي عبد الله! فليظهر آمنًا ليأخذ عطاءهم وفرًا.. فقالوا استهانة بصنيعة.. فترك العقاب لله!5- الاستحياء من جزاء الجواب:
والباعثُ عليه صيانة النفس وكمال المروءة ولذلك قيل: ما أفحش حليم ولا أوحش كريم.
أي: لا يُعقل أن يقع الحليم في مثل هذا الفُحش في الكلام.. فيجب أن يصون لسانه ويترفع أن يرُد عنه وكذلك يستحي من جزاء الجواب وهو أن يزيد الفاحش فيكُف عن نفسه بسكوته هذا الأذى!
6- الكرم والتفضُّل وحُب التآلف:
فقد حُكي عن الأحنف ابن قيس أنه قال: "ما عاداني أحدٌ قط إلا أخذت في أمري بإحدى ثلاث خصال: إن كان أعلى مني عرفتُ له قدره، وإن كان دوني رفعت قدْري عنه، وإن كان نظيري تفضَّلتُ عليه".أي: لو أعلى مني أوقره امتثالًا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه: «ليس منّا من لم يوقر كبيرنا» وإن كان أدنى مني يمثل بقوله ليس منّا من لم يرحم صغيرنا وإن كان مثلي فأتميز عليه بالكرم وأتفضل عليه فأكون ذو الشأن.7- الحزم:
فيقولون إن الحليم يستنكِفُ السباب وفي نفس الوقت يُريد أن يقطع أسباب مثُل ذلك فيبعثُه الحزم على التحلُّم.قال الشعبي: "ما أدركتُ أمي فأبرها ولكن لاأسبُ أحدًا فيسُبها.. فقالوا: في إعراضك صونُ أعراضك!".وقال الشاعر:وفي الحِلمُ ردعٌ للسفيه عن الأذى *** وفي الخُرق إغراءٌ فلا تكُ أخرقًا!
فلو سفَهت ستُستباح وليس كما يُزيِّن لك الشيطان أنك لو صمت فذلك سيجعلهم يتكالبوا عليك وتزداد في الأذى بالعكس فلو كان ينبح فلا عليك به.. دع القافلةُ تسير والكلاب تنبح!
8- الخوف من العقوبة على الجواب:
بمعنى.. الخوف من العقوبة من الله سبحانه وتعالى إذا وقع في السفه فقد قالوا: الحلمُ حجاب الآفات.9- الوفاءُ وحسن العهد:
إذا كان من وقع في حقك تعرف له مكرُمة عليك فترعى له هذه اليد السالفة وتكون له عليك حُرمة لازمة.. أي تفتكر له الخير وتتغاضى له عن خطأه في لحظة الغضب.
10- بعض الناس يحلمون ويكون الباعثُ عليه المكر والدهاء -وذلك مذموم وليس من مكارم الأخلاق- فقال بعضُ العقلاء: غضب الجاهل في قوله وغضب العاقل في فعله.
قال إياس:تُعاقبُ أيدينا ويحلُم رأينا *** ونشتُمُ بالأفعال لا بالتكلم
ومثلُ ذلك: أن تترك أحدهم يشتمك ويُسيء لك أمام الناس.. فتحلُم عليه حتى يُثني على صنيعك الناس وتظهر أنت المظلوم أمامهم! فيكون الباعثُ على ذلك الدهاء وليس طلبِ رضا الله.
الفرقُ بين الحِلمُ وكظم الغيظ؟
يقول الغزالي في (الإحياء) والجاحظ في (تهذيب الأخلاق): "الحلم أفضل من كظم الغيظ لأن كظمُ الغيظ عبارة عن التحلُّم ولا يحتاج في الحلم إلى مثل ذلك..."، ففي كظم الغيظ تكلُّف أما في الحلم هو سجيَّة فلا يحتاج إلى كظم الغيظ إلا من هاج غيظه ويحتاج فيه إلى مجاهدة شديدة عندما يلحق به الأذى لكن إذا أعتاد ذلك صار ذلك اعتيادًا فلا يُهيِّجه الغيظ. وهذا الأمر يحتاجُ لأن يدرس المرء شخصية عمر رضي الله عنه من بداية إسلامه إلى أنصار أميرًا للمؤمنين.. ويدُل على ذلك مواقف منها:موقف له قبل الإسلام عندما ضرب أخته فاطمة عِداءً لله.. ثم في صُلح الحديبية بعد إسلامه عندما دخل على الرسول وهو غاضب وهو يقول: "لما نُعطي الدنيِّة في ديننا، ألسنا على الحق وهم على الباطل؟"، وكانت تلك غضبه لله.وبذلك نرى أثر الدين العظيم على شخصية عمر ابن الخطاب رضي الله عنه كيف انتقل غضبه لنفسه إلى الغضب لله وحده وذلك بمُدارسة القرآن ومُجالسته للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.. فسبحان الله جل في علاه.ومن هنا يجب أن تنتبه إلى درسٍ مهم وهو:
يجب أن يضيف لك الدين خُلق جديد، ومن ليس كذلك ففي التزامه مشكلة، لأن الإيمان يزيد وينقص فإن لم يكن يزيد فإنه ينقص.. فتبحث دائمًا عن أثر الإيمان عليك.. لأن الله شكور فإذا لم تجد للعبادة بعدها سعادة وانشراح فأعلم أن هذا العمل مدخول.
الحلمُ في السنة:
ورد ذكر ذلك الخُلق العظيم على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أحاديث كُثُر ومنها:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التَّأَنِّي مِنَ اللهِ، والعَجَلَةُ مِنَ الشيطانِ، وما أحدٌ أكثرُ مَعَاذِيرَ مِنَ اللهِ، وما من شيءٍ أحبَّ إلى اللهِ مِنَ الحَمْدِ» (حسّنه الألباني) وهنا نرى حلم الله.. إنهم ليدعون له الولد سُبحانه ويعذرهم ويدعوهم إلى التوبة!انظر إلى حلمه وهو يقول: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج:10]، فقد آذوا أولياءه ويظهر هذا إن وضعت نفسك في نفس الموقف إن آذى أحدهم أقاربك أو عائلتك وأصبحت المسألة ثأر! لو عاقبتهم فلك الحق ولا لوم عليك حتى لو عاقبتهم بمثل ما عاقبوك به! أما الله فيُؤذون أولياءه ويدعوهم للتوبة فإذا لم يتوبوا يستحقون حينذاك العقاب الشديد منه سبحانه.. فما أحلم سبحانه فما أحد أكثر معاذيرًا من الله.والنبي صلى الله عليه وسلم ضرب لنا أعظم المثل في سيرته في هذا الخلق، ففي الحديث: "أنَّ رجلًا أَتَى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يتقاضاهُ فأَغْلَظَ فهَمَّ بهِ أصحابُهُ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «دَعُوهُ، فإنَّ لصاحِبِ الحقِّ مقالًا». ثم قال: «أعطوهُ سِنًّا مثلَ سِنِّهِ». قالواْ: يا رسولَ اللهِ لا نجدُ إلا أمثلَ من سِنِّهِ، فقال: «أعطوهُ، فإنَّ من خيرِكُمْ أحسنُكُمْ قضاءً» (رواه البخاري).شرح الحديث:
فقد جاء ذلك الرجل للرسول صلى الله عليه وسلم يختصم إليه وينال من عدله فأغلظ له قائلًا ما أعطيتني حقي! فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم لما همَّ الصحابة أن يُنكِّلوا بهذا الرجل فقال: دعوه فإن لصاحب الحق مقال هو خيركم أحسنكم قضاءً صلى الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه يقول: "كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًا من الأنبياء ضربه قومه فأدمَوهُ وهو يمسح الدمع عن وجهه ويقول: «ربي اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» (رواه البخاري).وكأن هذا حدث بعد أُحد.. فكأنه يحكي هذا عن نبي من الأنبياء ضربه قومه فأدموه فقال: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.وعن أنس أنه قال : "كُنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه بُردٌ نجراني غليظ الحاشيه فأدركه أعرابي فجبذه برداءه جبذه شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثرت بها حاشية البُرد فقال: يا محمد مُر لي من مال الله الذي عندك فالتفت له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ضحك ثم أمر له بعطاءه" (رواه مسلم).وهذا من شدة حلمه صلى الله عليه وسلم.. فتخيل نفسك مكانه وأنت تمشي ثم شدك أحدهم من قميصك وقال لك دونما أي مقدمه: أنت! فكيف ستتصرف معه! أما النبي صلى الله عليه وسلم فإذا به يضحك للأعرابي.. فلميسكُن حتى.. إنما نظر إليه ثم ضحك ثم أمر له بأن يعطوه عطاءه.وكذلك حديث عائشة رضي الله عنها: "أنه استأذن رهط من اليهود فقالوا: السام عليك فقلتُ: بل عليكم السام واللعنة فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة إن الله رفيق يُحب الرفق في الأمر كُله». فقلت: أولم تسمع ما قالوا؟! فقال: «قُلت: وعليكم»" (رواه البخاري)، صلى الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.ومنها ما حدث في أحد أيضًا حينما قالت عائشة رضي الله عنها للرسول صلى الله عليه وسلم: "هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد؟ فقال: «لقد لقيتُ من قومك ما لقيت وكان أشدُ ما لقيتُ منهم يوم العقبة إذ عرضتُ نفسي على ابن عبد ياليل ابن عبد كلال فلم يُجبني إلى ما أردتُ فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قدأظلتني فنظرت فيها فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني وقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث الله لك ملك الجبال لتأمره ما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم عليَّ ثم قال: يا محمد، فقال: ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟»، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبُد الله وحده ولا يُشرك به شيئًا» (رواه البخاري).التعليق على الحديث:
يُقال: أنه صلى الله عليه وسلم عرض نفسه على القبائل من يأويني؟ من ينصرني؟! وفي أحد الأحداث وهو يعرض نفسه صلى الله عليه وسلم فأتاه سيدُ القبيلة التي يكلمها وبعد أن ركب النبي صلى الله عليه وسلم على ناقته، فجذبه فوقع صلى الله عليه وسلم على الأرض وكان قد بلغ أكثر من خمسين عامًا! ويقال أن الارتفاع من الناقة إلى الأرض حوالي خمسة أمتار..فانظر إلى ما لقي النبي الشريف الكريم عظيم الخُلق صلى الله عليه وسلم.. وانظر إلى ردّه عندما قال له ملك الجبال مُرني ما شئت.. ولكن ذلك هو نبينا الحليم محمد صلى الله عليه وسلم.إذا الحلم خُلق عظيم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديدُ الذي يملك نفسه عند الغضب» (رواه البخاري).وأوصانا بأن لا نغضب ثلاثًا وقال: «طوبى لمن ملك لسانه ووسعه بيته وبكى على خطيئته» (حسّنه الألباني).وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: «السمتُ الحسن والتُؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءً من النبوة» (رواه الترمذي).وكأنه يقول للدعاة وكل من يسير في دربها.. أن هذه شروط لازمة لأي داعية لأنها جزء من أربعة وعشرين جزءً من النبوة والمفترض أن العلماء والدعاة إلى الله هم ورثة الأنبياء فينبغي أن يكون ذلك الأساس عندهم:أولًا: هو السمْت الحسن.. بمعنى السمْت الظاهري، بأن يكون مظهره حسن وذلك ليس لشخصه ولا تلك قضيته بل لأنه يحمل راية الإسلام. وسمته أيضًا السلوكي والخُلُقي.. فلا ينبغي لطالب علم أو داعية أو من بلغ منزلة عظيمة في العلم أن لا يتوافق سمْته الخُلقي والظاهر يمثل أن يلبس الملابس المُشجرة وغيرها! أما الأخلاق فهو أول شيء يُعلَّم للدعاة.ثانيًا: التٌؤدة.. فلايصلُح العجلة.. فتجد من يدخل في سلك الدعوة من الشباب تجده متهور.. وهذا لا يصح! الأمر يحتاج للصبر والأخذ من خبرة السابقين ليعرف كيف يسير في هذا الأمر فلا تُصبح لديه القضية قضية حماس سرعان ما ينجلي.. فلا بُد من التُؤدة والحكمة.ثالثًا: الاقتصاد ما بين الأمرين.. فلا يغلو ولا عنده تفريط.. فلا يتعبد الناس بالرُخص ولا بالعزائم طيلة الأمر.. فلا بد أن يعرف من يقول له هذا ومن يقول له الأمر الآخر.. فلا بُد أن يقتصد..
فلمَّا يخرج أحدهم ويكون لديه شيء من الغلو يتسبب في خروج جيل فيه شيء من الشدة.. ويظُن في نفسه أنه أكثر الناس التزامًا.. والأمر ليس كذلك. فالأمر ليس بالغلو وليس بأن يأخذ الناس بشديد وغليظ الأقوال.. وحتى في خاصة نفسك فقد يؤدي ذلك لنتائج عكسية فالقلب إناء يوجد فيه جزء مُضيء وآخر مُظلم.. والجزء المضيء هو الجزء الذي يدفعك وهو الذي يمدك بقوة في النفس فإذا أخذت تلك الطاقة وأخرجتها مرةً واحدة كما يفعل الذين يغلون في الدين.. فإذا أردت فعل المزيد من الطاعات ستجد أن الطاقة الإيمانية قد استُنفذت.. فيجب على الإنسان الملتزم المتزن أن يُخرج طاقته شيئًا فشيئًا مثلما يفعل الرياضيين من تمارين الإحماء قبل القيام بأي رياضة.. فيتدرج في الطاعات شيئًا فشيئًا إلى أن يعلو الإيمان في قلبه شيئًا فشيئًا فيُحقق بذلك الاقتصاد.
بعض تطبيقات السلف في الحلم:
قالوا: أن مفتاح الحلم العلم، قال عمر رضي الله عنه: "تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والحلم".
كان معاوية رضي الله عنه يقول: "لا يبلُغُ العبد مبلغ الرأي حتى يبلُغُ حلمُه جهله وصبره شهوته ولا يبلُغ ذلك إلا بقوة العلم".وقال ابن عباس رضي الله عنهما لرجل سبَّه: "يا عكرمة هل لرجلٍ حاجة فنقضيها فنكَّس الرجل رأسه واستحى من حلم ابن عباس به".ومن المواقف التي نختم بها أن علي ابن الحُسين سبَّه رجل فأتاه عليٌ بخميصة كانت عليه وأمر له بألف درهم فقال بعضهم: جمع في ذلك الموقف خمسً خصال محموده:أولًا: الحلم.
ثانيًا: إسقاط الأذى.
ثالثًا: تخليص الرجل مما يُبعده عن الله.رابعًا: حمله على الندم والتوبة.
خامسًا: رجوعه إلى مدح بعد الذم فاشترى بجميع ذلك بشيءٍ يسير من الدنيا.
فينبغي علينا أن نلاحظ مثل هذه الأمور جيدًا.. فصفة عباد الرحمن أنهم رُحماء إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا.وتذكر دائمًا أن الله سُبحانه وتعالى يُعامل الحليم بالحلم فكلما ازددت حلمًا ازداد حلم الله بك وكلنا يحتاج لمثل ذلك فكلنا أصحاب ذنوب ومعاصي ونخشى من عاجل العقوبة، وذلك حلًا في كبيرة العقوق والبغي، فيُقال له: عليك أن تتعود الحلم لأن الحديث يقول قال صلى الله عليه وسلم: «ما من ذنبٍ أعجل عقوبة من البغي والعقوق».. فحلها حتى يدفع العقوبة عنه أن يحلُم على بعض الناس ليُعامله الله بذلك حتى لا يُعجِّل الله له العقوبة.
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله : إن دعوة الرسل تدور على ثلاثة أمور :
- تعريف الرب المدعو إليه بأسمائه وصفاته وأفعاله،
- الأصل الثاني: معرفة الطريفة الموصلة إليه، وهي ذكره وشكره وعبادته التي تجمع كمال حبه وكمال الذل له.
- الأصل الثالث: تعريفهم ما لهم بعد الوصول إليه في دار كرامته من النعيم الذي أفضله وأجله رضاه عنهم، وتجليه لهم ورؤيتهم وجهه الأعلى، وسلامه عليهم، وتكليمه إياهم.
____________________
الصواعق المرسلة ( ١٤٨٩/٤)
كتاب فقه الأسماء الحسنى ص 15-16
للشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
قال السعدي في توضيح الكافية الشافية: (صـ 123): (اللطيف: الذي لطف علمه حتى أدرك الخفايا، والخبايا، وما احتوت عليه الصدور، وما في الأراضي من خفايا البذور. ولطف بأوليائه، وأصفيائه، فيسرهم لليسرى وجنبهم العسرى، وسهل لهم كل طريق يوصل إلى مرضاته وكرامته وحفظهم من كل سبب ووسيلة توصل إلى سخطه، من طرق يشعرون بها، ومن طرق لا يشعرون بها، وقدر عليهم أمورا يكرهونها لينيلهم ما يحبون، فلطف بهم في أنفسهم فأجراهم على عوائده الجميلة، وصنائعه الكريمة، ولطف لهم في أمور خارجة عنهم لهم فيها كل خير وصلاح ونجاح، فاللطيف متقارب لمعاني الخبير، الرؤوف، الكريم).
قال السعدي في: (الحق الواضح المبين: (صـ 61 - 62): (وهذا من آثار علمه وكرمه ورحمته، فلهذا كان معنى اللطيف أنه الخبير الذي أحاط علمه بالأسرار والبواطن والخبايا والخفايا ومكنونات الصدور ومغيبات الأمور، وما لطف ودقَّ من كل شيء. النوع الثاني: لطفه بعبده ووليه الذي يريد أن يتم عليه إحسانه، ويشمله بكرمه ويرقيه إلى المنازل العالية فييسره لليسرى، ويجنبه العسرى، ويجري عليه من أصناف المحن التي يكرهها وتشق عليه وهي عين صلاحه، والطريق إلى سعادته، كما امتحن الأنبياء بأذى قومهم وبالجهاد في سبيله وكما ذكر الله عن يوسف عليه السلام وكيف ترقت به الأحوال ولطف الله به وله بما قدره عليه من تلك الأحوال التي حصلت له في عاقبتها حسن العقبى في الدنيا والآخرة. وكما يمتحن أولياءه بما يكرهونه لينيلهم ما يحبون، وكم لله من لطف، وكرم لا تدركه الأفهام ولا تتصوره الأوهام، وكم استشرف العبد على مطلوب من مطالب الدنيا من ولاية ورياسة أو سبب من الأسباب المحبوبة فيصرفه الله عنها ويصرفها عنه رحمة به لئلا تضره في دينه، فيظل العبد حزينا من جهله وعدم معرفته بربه، ولو علم ما ادخر له في الغيب وأريد إصلاحه لحمد الله وشكره على ذلك، فإن الله بعباده رؤوف رحيم، لطيف بأوليائه. وفي الدعاء المأثور: (اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب، وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب)، اللهم الطف بنا في قضائك وبارك لنا في قدرتك حتى لا نحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت).
قال السعدي في: (المواهب الربانية من آيات القرآن): (صـ 146 - 155): (واعلم أن اللطف الذي يطلبه العباد من الله بلسان المقال، ولسان الحال هو من الرحمة بل هو رحمة خاصة فالرحمة التي تصل العبد من حيث لا يشعر بها أو لا يشعر بأسبابها هي اللطف فإذا قال العبد: يا لطيف الطف بي أو لي وأسألك لطفك فمعناه تولني ولاية خاصة بها تصلح أحوالي الظاهرة، والباطنة وبها تندفع عني جميع المكروهات من الأمور الداخلية والأمور الخارجية. فالأمور الداخلية لطف بالعبد. والأمور الخارجية لطف للعبد فإذا يسر الله عبده وسهل طريق الخير وأعانه عليه فقد لطف به وإذا قيض الله له أسبابا خارجية غير داخلة تحت قدرة العبد فيها صلاحه فقد لطف له ولهذا لما تنقلت بيوسف عليه السلام تلك الأحوال، وتطورت به الأطوار من رؤياه، وحسد إخوته له، وسعيهم في إبعاده جدا، واختصامهم بأبيهم ثم محنته بالنسوة ثم بالسجن ثم بالخروج منه بسبب رؤيا الملك العظيمة، وانفراده بتعبيرها، وتبوؤه من الأرض حيث يشاء، وحصول ما حصل على أبيه من الابتلاء، والامتحان ثم حصل بعد ذلك الاجتماع السار وإزالة الأكدار وصلاح حالة الجميع والاجتباء العظيم ليوسف عرف عليه السلام أن هذه الأشياء وغيرها لطفٌ لطف الله لهم به فاعترف بهذه النعمة فقال: إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [يوسف: 100] أي لطفه تعالى خاص لمن يشاء من عباده ممن يعلمه تعالى محلا لذلك وأهلا له فلا يضعه إلا في محله. الله أعلم حيث يضع فضله فإذا رأيت الله تعالى قد يسر العبد لليسرى، وسهل له طريق الخير، وذلل له صعابه، وفتح له أبوابه، ونهج له طرقه، ومهد له أسبابه، وجنبه العسرى فقد لطف به. ومن لطفه بعباده المؤمنين أنه يتولاهم بلطفه فيخرجهم من الظلمات إلى النور من ظلمات الجهل، والكفر، والبدع، والمعاصي إلى نور العلم والإيمان والطاعة، ومن لطفه أنه يرحمهم من طاعة أنفسهم الأمارة بالسوء التي هذا طبعها وديدنها فيوفقهم لنهي النفس عن الهوى ويصرف عنهم السوء والفحشاء فتوجد أسباب الفتنة، وجواذب المعاصي وشهوات الغي فيرسل الله عليها برهان لطفه ونور إيمانهم الذي مَنَّ به عليهم فيدعونها مطمئنين لذلك منشرحة لتركها صدورهم. ومن لطفه بعباده أنه يقدر أرزاقهم بحسب علمه بمصلحتهم لا بحسب مراداتهم فقد يريدون شيئًا وغيره أصلح فيقدر لهم الأصلح وإن كرهوه لطفًا بهم، وبرًا، وإحسانًا (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ) [الشورى: 19] (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) [الشورى: 27].شاركونا في إخراج مشاهد ومعاني الإيمان من اسم الله: (اللطيف):
ومن لطفه بهم أنه يقدر عليهم أنواع المصائب، وضروب المحن، والابتلاء بالأمر والنهي الشاق رحمة بهم، ولطفًا، وسوقًا إلى كمالهم، وكمال نعيمهم (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216].
ومن لطيف لطفه بعبده إذ أهله للمراتب العالية، والمنازل السامية التي لا تدرك بالأسباب العظام التي لا يدركها إلا أرباب الهمم العالية، والعزائم السامية أن يقدر له في ابتداء أمره بعض الأسباب المحتملة المناسبة للأسباب التي أهل لها ليتدرج من الأدنى إلى الأعلى ولتتمرن نفسه ويصير له ملكة من جنس ذلك الأمر وهذا كما قدر لموسى ومحمد وغيرهما من الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - في ابتداء أمرهم رعاية الغنم ليتدرجوا من رعاية الحيوان البهيم وإصلاحه إلى رعاية بني آدم ودعوتهم وإصلاحهم. وكذلك يذيق عبده حلاوة بعض الطاعات فينجذب ويرغب ويصير له ملكة قوية بعد ذلك على طاعات أجل منها وأعلى ولم تكن تحصل بتلك الإرادة السابقة حتى وصل إلى هذه الإرادة والرغبة التامة.
ومن لطفه بعبده أن يقدر له أن يتربى في ولاية أهل الصلاح، والعلم، والإيمان وبين أهل الخير ليكتسب من أدبهم، وتأديبهم ولينشأ على صلاحهم وإصلاحهم كما امتن الله على مريم في قوله تعالى: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا) [آل عمران: 37]، إلى آخر قصتها، ومن ذلك إذا نشأ بين أبوين صالحين وأقارب أتقياء أو في بلد صلاح أو وفقه الله لمقارنة أهل الخير وصحبتهم أو لتربية العلماء الربانيين فإن هذا من أعظم لطفه بعبده فإن صلاح العبد موقوف على أسباب كثيرة منها بل من أكثرها وأعظمها نفعا هذه الحالة.
ومن ذلك إذا نشأ العبد في بلد أهله على مذهب أهل السنة والجماعة فإن هذا لطف له وكذلك إذا قدر الله أن يكون مشايخه الذين يستفيد منهم الأحياء منهم والأموات أهل سنة وتقى فإن هذا من اللطف الرباني ولا يخفى لطف الباري في وجود شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أثناء قرون هذه الأمة وتبيين الله به وبتلامذته من الخير الكثير والعلم الغزير وجهاد أهل البدع والتعطيل والكفر ثم انتشار كتبه في هذه الأوقات فلا شك أن هذا من لطف الله لمن انتفع بها وأنه يتوقف خير كثير على وجودها فلله الحمد والمنة والفضل.
ومن لطف الله بعبده أن يجعل رزقه حلالًا في راحة وقناعة يحصل به المقصود ولا يشغله عما خلق له من العبادة والعلم والعمل بل يعينه على ذلك ويفرغه ويريح خاطره وأعضاءه ولهذا من لطف الله تعالى لعبده أنه ربما طمحت نفسه لسبب من الأسباب الدنيوية التي يظن فيها إدراك بغيته فيعلم الله تعالى أنها تضره وتصده عما ينفعه فيحول بينه وبينها فيظل العبد كارهًا ولم يدر أن ربه قد لطف به حيث أبقى له الأمر النافع وصرف عنه الأمر الضار ولهذا كان الرضى بالقضاء في مثل هذه الأشياء من أعلى المنازل.
ومن لطف الله بعبده إذا قدر له طاعة جليلة لا تنال إلا بأعوان أن يقدر له أعوانا عليها ومساعدين على حملها قال موسى عليه السلام: (وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا) [طه: 29-34].
وكذلك امتن على عيسى بقوله: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّين َ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ) [المائدة: 111].
وامتن على سيد الخلق في قوله (هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِ ينَ) [الأنفال: 62] وهذا لطف لعبده خارج عن قدرته ومن هذا لطف الله بالهادين إذا قيض الله من يهتدي بهداهم ويقبل إرشادهم فتتضاعف بذلك الخيرات والأجور التي لا يدركها العبد بمجرد فعله بل هي مشروطة بأمر خارجي. ومن لطف الله بعبده أن يعطي عبده من الأولاد، والأموال، والأزواج ما به تقر عينه في الدنيا، ويحصل له السرور، ثم يبتليه ببعض ذلك ويأخذه، ويعوضه عليه الأجر العظيم إذا صبر واحتسب فنعمة الله عليه بأخذه على هذا الوجه أعظم من نعمته عليه في وجوده وقضاء مجرد وطره الدنيوي منه وهذا أيضا خير وأجر خارج عن أحوال العبد بنفسه بل هو لطف من الله له قيض له أسبابًا أعاضه عليها الثواب الجزيل والأجر الجميل.
ومن لطف الله بعبده أن يبتليه ببعض المصائب فيوفقه للقيام بوظيفة الصبر فيها فينيله درجات عاليه لا يدركها بعمله وقد يشدد عليه الابتلاء بذلك كما فعل بأيوب عليه السلام ويوجد في قلبه حلاوة روح الرجاء وتأميل الرحمة وكشف الضر فيخف ألمه وتنشط نفسه. ولهذا من لطف الله بالمؤمنين أن جعل في قلوبهم احتساب الأجر فخفت مصائبهم وهان ما يلقون من المشاق في حصول مرضاته. ومن لطف الله بعبده المؤمن الضعيف أن يعافيه من أسباب الابتلاء التي تضعف إيمانه وتنقص إيقانه.
كما أن من لطفه بالمؤمن القوي تهيئة أسباب الابتلاء والامتحان ويعينه عليها ويحملها عنه ويزداد بذلك إيمانه ويعظم أجره فسبحان اللطيف في ابتلائه وعافيته وعطائه ومنعه.
ومن لطف الله بعبده أن يسعى لكمال نفسه مع أقرب طريق يوصله إلى ذلك مع وجود غيرها من الطرق التي تبعد عليه فييسر عليه التعلم من كتاب أو معلم يكون حصول المقصود به أقرب وأسهل وكذلك ييسره لعبادة يفعلها بحالة اليسر والسهولة وعدم التعويق عن غيرها مما ينفعه فهذا من اللطف.
ومن لطف الله بعبده قدر الواردات الكثيرة والأشغال المتنوعة والتدبيرات والمتعلقات الداخلة والخارجة التي لو قسمت على أمة من الناس لعجزت قواهم عليها أن يمن عليه بخلق واسع وصدر متسع وقلب منشرح بحيث يعطي كل فرد من أفرادها نظرا ثاقبا وتدبيرا تاما وهو غير مكترث ولا منزعج لكثرتها وتفاوتها بل قد أعانه الله تعالى عليها ولطف به فيها ولطف له في تسهيل أسبابها وطرقها وإذا أردت أن تعرف هذا الأمر فانظر إلى حالة المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله بصلاح الدارين وحصول السعادتين وبعثه مكملاً لنفسه ومكملاً لأمة عظيمة هي خير الأمم ومع هذا مكنه الله ببعض عمره الشريف في نحو ثلث عمره أن يقوم بأمر الله كله على كثرته وتنوعه وأن يقيم لأمته جميع دينهم ويعلمهم جميع أصوله وفروعه ويخرج الله به أمة كبيرة من الظلمات إلى النور ويحصل به من المصالح والمنافع والخير والسعادة للخاص والعام مالا تقوم به أمة من الخلق. ومن لطف الله تعالى بعبده أن يجعل ما يبتليه به من المعاصي سببا لرحمته فيفتح له عند وقوع ذلك باب التوبة والتضرع والابتهال إلى ربه وازدراء نفسه واحتقارها وزوال العجب والكبر من قلبه ما هو خير له من كثير من الطاعات.
ومن لطفه بعبده الحبيب عنده إذا مالت نفسه مع شهوات النفس الضارة واسترسلت في ذلك أن ينقصها عليه ويكدرها فلا يكاد يتناول منها شيئا إلا مقرونا بالمكدرات محشوا بالغصص لئلا يميل معها كل الميل، كما أن من لطفه به أن يلذذ له التقربات ويحلي له الطاعات ليميل إليها كل الميل. ومن لطيف لطف الله بعبده أن يأجره على أعمال لم يعملها بل عزم عليها فيعزم على قربة من القرب ثم تنحل عزيمته لسبب من الأسباب فلا يفعلها فيحصل له أجرها فانظر كيف لطف الله به فأوقعها في قلبه وأدارها في ضميره وقد علم تعالى أنه لا يفعلها سوقا لبره لعبده وإحسانه بكل طريق. وألطف من ذلك أن يقيض لعبده طاعة أخرى غير التي عزم عليها هي أنفع له منها فيدع العبد الطاعة التي ترضي ربه لطاعة أخرى هي أرضى لله منها فتحصل له المفعولة بالفعل والمعزوم عليها بالنية وإذا كان من يهاجر إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت قبل حصول مقصوده قد وقع أجره على الله مع أن قطع الموت بغير اختياره فكيف بمن قطعت عليه نيته الفاضلة طاعة قد عزم على فعلها وربما أدار الله في ضمير عبده عدة طاعات كل طاعة لو انفردت لفعلها العبد لكمال رغبته ولا يمكن فعل شيء منها إلا بتفويت الأخرى فيوفقه للموازنة بينها وإيثار أفضلها فعلا مع رجاء حصولها جميعها عزما ونية.
وألطف من هذا أن يقدر تعالى لعبده ويبتليه بوجود أسباب المعصية ويوفر له دواعيها وهو تعالى يعلم أنه لا يفعلها ليكون تركه لتلك المعصية التي توفرت أسباب فعلها من أكبر الطاعات. كما لطف بيوسف عليه السلام في مراودة المرأة. وأحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: (إني أخاف الله رب العالمين).
ومن لطف الله بعبده أن يقدر خيرًا وإحسانًا من عبده ويجريه على يد عبده الآخر ويجعله طريقًا إلى وصوله إلى المستحق فيثيب الله الأول والآخر.
ومن لطف الله بعبده أن يجري بشيء من ماله شيئا من النفع وخيرا لغيره فيثيبه من حيث لا يحتسب فمن غرس غرسا أو زرع زرعا فأصابت منه روح من الأرواح المحترمة شيئًا آجر الله صاحبه وهو لا يدري خصوصًا إذا كانت عنده نية حسنة وعقد مع ربه عقدًا في أنه مهما ترتب على ماله شيء من النفع فأسألك يا رب أن تأجرني وتجعله قربة لي عندك، وكذلك لو كان له بهائم انتفع بدرها وركوبها والحمل عليها، أو مساكن انتفع بسكناها ولو شيئًا قليلًا، أو ماعون ونحوه انتفع به، أو عين شرب منها، وغير ذلك ككتاب انتفع به في تعلم شيء منه، أو مصحف قرئ فيه، والله ذو الفضل العظيم.
ومن لطف الله بعبده أن يفتح له بابًا من أبواب الخير لم يكن له على بال، وليس ذلك لقلة رغبته فيه وإنما هو غفلة منه وذهول عن ذلك الطريق فلم يشعر إلا وقد وجد في قلبه الداعي إليه والملفت إليه ففرح بذلك وعرف أنها من ألطاف سيده وطرقه التي قيض وصولها إليه فصرف لها ضميره ووجه إليها فكره وأدرك منها ما شاء الله وفتح).
شاركونا في إخراج مشاهد ومعاني الإيمان من اسم الله: (التواب):
قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى:
"وليس للخلق محبة أعظم ولا أكمل ولا أتم من محبة المؤمنين لربهم وليس في الوجود ما يستحق أن يحب لذاته من كل وجه إلا الله تعالى".
علينا تعليم أنفسنا وأبناءنا على معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته، حيث أن معرفة الله تعالى تدعو إلى محبته وخشيته وزيادة الإيمان وإخلاص العمل له.
الدور الفعال لترسيخ أسماء الله وصفاته عند الأبناء
تعْليمُ طِفْلك أسماءَ الله - عزَّ وجلَّ - وصفاته، وترسيخ مفهومِها عنده، يعني تعريفه بالله، ويعني كذلك بناء العلاقة بيْنه وبين الله تعالى، وهذا من أنفع ما يَنشأ عليه الطّفل المسلم، ومِن أعْظم ما يكفل للمربِّي النَّجاح في مهمَّته التَّربويَّة.
وترْسيخ أسماء الله وصِفاته عند الطفل، له أثر فعَّال في تنشِئة الطِّفْل على الاستِقامة وحبِّ الخير؛ إذ بتعْريف الطِّفْل أسماءَ الله - عزَّ وجلَّ - وصفاته يحبُّ الطِّفل الله - تعالى - ويَعمل على إرضائِه منذ صغره، فيسْهل بعد ذلك توْجيهه وإرْشاده.
وكان ترسيخ أسماء الله وصفاته عند الأنبياء من هدْيِهم في ترْبية الأبناء، كما كان يعقوب يعلِّم يوسف - عليْهِما السَّلام - فيقول له: ﴿ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [يوسف: 5 - 66]، وهكذا يعلّم الأب ابنَه أنَّ الله عليمٌ بأحواله الظَّاهرة والباطنة، وكذلك عليمٌ بأحوال مَن حوله، وأنَّه - تعالى - حكيم؛ إذ قدَّر الأمور وهيَّأها وَفق حكمةٍ بالغة، قد لا نعْلمها في العاجل.
لَم ينس الابن هذا التَّعليم الجليل بعد أنِ انقضت السِّنون الطَّويلة, كما قال - تعالى -: ﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 99 - 1000]، فيستحْضر يوسف نفس الاسْمين والصِّفَتين اللَّذين علَّمهما أبوه في صِغَره، تمامًا كما ينسب يوسفُ الشرَّ إلى الشَّيطان كما علَّمه يعقوب - عليْهما السَّلام.
وكان هذا هو نفس نهج النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - في تربية النَّشء؛ فيقول لابن عباس - رضي الله عنْه -: ((يا غلام، إنّي أعلّمك كلمات، احفظ الله يَحفظك، احفظ الله تَجده تجاهَك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ بالله، واعْلمْ أنَّ الأمَّة لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ لَم ينفعوك إلاَّ بشيءٍ قد كتبَه الله لك، ولوِ اجْتمعوا على أن يضرُّوك بشيءٍ لَم يضرّوك بشيء إلاَّ قد كتبه الله عليك، جفَّت الأقلام ورُفِعت الصّحف))؛ رواه أحمد والترمذي والحاكم من حديث ابن عبَّاس، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع".
فيعرِّفه - صلى الله عليه وسلم - بالله، وأنَّه - تعالى - الحافظ لعباده إذا حفِظوه، والمعين لهم إذا استعانوه، والمستجيب والنَّاصر لهم إذا دعَوه، وأنَّ قَدَره - تعالى - نافذ لا رادَّ له، فيعي ابنُ عبَّاس - رضي الله عنه - وصيَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويبلغها النَّاس جميعًا، ثمَّ يقول فيه طاوس - رحمه الله - وهو من تلاميذه: "ما رأيت أحدًا أشدَّ تعظيمًا لحرمات الله من ابن عبَّاس".
المحبَّة والخوف والرَّجاء والمراقبة:
وإذا كان لترْسيخ معاني الأسماء والصّفات أكبر الأثر في نفوس النَّشء في كِبَرهم، فإنَّ أوَّل هذه المقامات الَّتي يجب أن ترسَّخ وتغْرَس في الأطفال هي مقامات حبّ الله والخوف منْه، ورجاء ما عنده ومراقبته - تعالى - في ظواهر الأمور وبواطنِها.
فيُعلَّم الطّفل أنَّ الله هو الرزَّاق وهو المنَّان، وأنَّه - تعالى - اللَّطيف والجميل، فيُثمر هذا كلّه عند الطّفل حبَّ الله تعالى، ويعلَّم أنَّه - عزَّ وجلَّ - عزيز ذو قوَّة وانتقام، فيُثمر هذا في قلبه الخوف من الله تعالى، ويعلَّم أنَّه - تعالى - المُعطي والمانع والقابض والباسط، فلا يرجو سواه، ولا يرغب في غيره، ويُعلَّم أنَّه - تعالى - الرَّقيب الخبير السَّميع البَصير، فيراقبه في كلِّ حالاتِه.
كيف نرسّخ في نفوس النَّشء معاني الأسْماء والصّفات؟
كان بعضُهم يقول للطّفل: يا بني، قُل قبل أن تنام: الله يسمعُني، الله يرانِي، الله مطَّلع عليَّ، ثمَّ يقول له بعد ذلك: يا بُني، مَن علم أنَّ الله يراه ويسمعُه ومطَّلع عليه، لم يعْصِه.
وبالإضافة إلى التَّعليم التَّنظيري بالشَّكل والأسلوب المناسب لعقليَّة الطّفل، فإنَّ في حياتنا اليوميَّة من المواقف ما يُمكن الاستِفادة منه في ترْسيخ هذه المعاني في القلوب، وفي التصوّرات، وفي السلوكيَّات العمليَّة.
فإذا كان من مقوّمات التَّربية الصَّحيحة ترغيب الطّفل وترهيبه ومتابعته، فإنَّنا يمكننا ربْط هذه المقوّمات بأسماء الله - تعالى - في المواقف المختلفة، فنرغّب الطّفل بما عند الله - عزَّ وجلَّ - إذِ الله هو الرزَّاق وهو المعطي في الحقيقة لا نحن، وكذلك يكون أصْل التَّرهيب والتَّخويف بالله - تعالى - وتكون المتابعة أو المراقبة نابعة من كون الله - تعالى - يراه ويسمعُه.
أمثلة:
• فإذا أحسن الطّفل، فإنَّه يستحقّ أن يُجازى على إحسانه، وهُنا نربطه بالله - تعالى - وأنَّه مصدر الإعطاء، وأنَّه - تعالى - سيُجازيه يوم القيامة جزاءً أعظم وأوْفى، وبِهذا يتعلم الطفل أن الله هو الرزَّاق ويرجو الله وحْده.
• وإذا أساء الطفل، فإنَّه يُعاقب، ونربط معاقبته كذلك بالله؛ إذْ هو الآمر بالعقاب، ثمَّ إنَّ الله - تعالى - يُجازي المخطئين يوم القيامة؛ لأنَّه - تعالى - المنتقم والجبَّار.
• وإذا اعتدى الطّفل على أحدٍ من إخْوانه الصِّغار أو من الحيوانات الضَّعيفة، فإنَّه يعلَّم أنَّ هذا منافٍ للرَّحمة الَّتي هي صفة الله - تعالى - الَّتي حثَّ عبادَه على التخلُّق بها.
• وإذا اعتاد الطفل الخطأ في غيابِنا، وجَّهناه بأنَّنا وإن لم نرَه، فإنَّ الله - تعالى - السَّميع البصير يراه ويسمعه، وبهذا نغرس فيه مقام المُراقبة.
• وإذا وقع بالطِّفْل مكروه من مرَض أو ما شابه، ثمَّ عافاه الله - تعالى - فإنَّه يعلَّم أنَّ هذا من لُطف الله - تعالى - بعباده الضُّعفاء.
• وإذا كرِه الطِّفل وضعًا معيَّنًا أو شقَّ عليْه، علَّمناه أنَّ كلَّ أمر كوني أو شَرْعي في هذه الحياة وإنْ كرِهَتْه نفوسنا، فإنَّما وقع لحكمة الله الَّتي قد نعلمها وقد تغيب عنا، فيرسخ عند الطفل معنى صفة الله - تعالى - الحكمة.
وهكذا يخلص المربي من كلّ موقف يمرُّ بالابن لفائدة مهمَّة تربطه بالله - تعالى - وأسمائه وصفاته، فترسخ عند الطّفل هذه المعاني مع الوقْت وبالتّكرار.
وكذلك يُمكننا استخدام أسلوب القصص المُحبَّب إلى الأطفال في ترْسيخ معاني أسماء الله - تعالى - وصفاته؛ إذ هي لا تَخلو من مواقف يسهل توظيفها في التَّعليم والتَّوجيه.
وإذا كانت قضيَّة معرفة الله باستحضار معاني أسمائه - تعالى - وصفاته لها أثرها في سلوك كلّ أحد كان، إلاَّ أنَّ أثرها في النشء إذا تعلَّموها على وجه صحيح أكبرُ وأعظم، فمع كون التَّعليم في الصِّغَر أسهل في كلّ شيء، فإنَّه كذلك أنفع في واقع الملامسة في الحياة.
والحمد لله ربِّ العالمين، وصلِّ اللهُمَّ وسلِّم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/72271/#ixzz4W8bxBqUP