في حكم الأخذ من الشعر والظفر لمن أراد أن يضحي
روى مسلم في صحيحه من طريق سعيد بن المسيب، قال:
سمعت أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة، فلا يأخذن من شعره، ولا من أظفاره شيئًا حتى يضحي».
وروى الطحاوي في مشكل الآثار (14/ 142)، قال: حدثنا إبراهيم بن مرزوق، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا هشام بن أبي عبد الله، عن قتادة، أن كثير بن أبي كثير سأل سعيد بن المسيب: أن يحيى بن يعمر يفتي بخراسان - يعني كان يقول -: إذا دخل عشر ذي الحجة، واشترى الرجل أضحيته، فسماها لا يأخذ من شعره وأظفاره، فقال سعيد: قد أحسن، كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون ذلك أو يقولون ذلك.
وإسناده صحيح.
وروى الحاكم في المستدرك من طريق عبد الرحمن بن مهدي، ثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث قال: جاء رجل من العتيك فحدث سعيد بن المسيب أن يحيى بن يعمر يقول: من اشترى أضحية في العشر فلا يأخذ من شعره وأظفاره. قال سعيد: نعم فقلت: عن من يا أبا محمد؟ قال: عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فذهب المالكية في المعتمد، والشافعية في المعتمد أن ذلك مكروه قياسًا على الهدي، ولا تستريح النفس لقياس الأضحية على الهدي لاختلاف أحكامهما.
كما أنه أضعف من مذهب المالكية والشافعية مذهب الحنفية القائلين بعدم الكراهة مطلقًا.
والقول الصحيح من أقوال أهل العلم أن الإمساك واجب، والأخذ حرام، لكن السؤال متى تترتب أحكام الأضحية على المضحي، هل تترتب بمجرد النية، أو إذا لزمت الأضحية، ولا تلزم الأضحية إلا بالتعيين.
وإذا كانت الأضحية نفسها لا تلزم بمجرد النية فكيف تترتب أحكامها بمجرد النية وقبل لزومها؟
وكل العبادات لا تترتب أحكامها بمجرد النية، فالإحرام في الحج وفي العمرة، مع أن الإنسان يدخل فيه بمجرد النية، ومع ذلك ما لم ينو الشروع في النسك لا تترتب أحكام الإحرام، فلو لبس إحرامه، وركب سيارته أو طائرته، وتجرد من ثيابه ولبس الإحرام لا تترتب عليه أحكام الإحرام حتى ينوي الدخول في النسك.
وهذا الصيام الذي هو عبادة قائمة على النية المحضة، بلا أي فعل، لا تترتب أحكام الصيام على الصائم بمجرد النية إلا إذا كان مع النية الشروع في الصيام، وقل مثل ذلك في سائر العبادات، فالصلاة لا تنعقد بمجرد النية، وإذا خرجت عن العبادات فالأمر أكثر وضوحًا، فالطلاق لا يلزم المطلق بمجرد النية، والبيع لا ينعقد بالنية وحدها.
والقول بأن أحكام الأضحية لا تترتب قبل تعيين الأضحية هو قول في مذهب المالكية، وأحد الوجهين في مذهب الشافعية.
قال الماوردي في الحاوي (15 /75): اختلف أصحابنا في أول زمان الكراهة لأخذ شعره وبشره بعد استهلال ذي الحجة على وجهين:
أحدهما: إذا عزم على أن يضحي ولم يعينها كره له أن يمس من شعره وبشره حتى يضحي.
والوجه الثاني: إنه لا يكره له حتى يشتريها أو يعينها من جملة مواشيه، فيكره له بالشراء والتعيين أخذ شعره وبشره ولا يكره بالعزم والنية قبل التعيين، والله أعلم.
وقد ذكر ابن رشد في البيان والتحصيل (17 /315) أربعة أقوال في المسألة هذا أحدها.
سؤال:
هل رواية مسلم: (من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره)، هل هذه الرواية معارضة للرواية الأخرى: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك).
فالجواب: لا تعارض بينهما، بل الرواية الأولى تفسر الرواية الثانية، وأن المراد ليس مجرد النية تجب على المضحي أحكام الأضحية بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس المتفق عليه (هن لهن، ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة...).
فلو أنه مر بالمواقيت مريدًا للحج أو العمرة، ولم يتلبس بالنسك لم يدخل فيه بمجرد النية.
فالخلاصة:
وجوب أحكام الأضحية فرع عن وجوب الأضحية، فإذا لم تجب الأضحية لم تجب أحكامها، والعكس صحيح.
______________________________ ________
المؤلف: دبيان محمد الدبيـان