العمل الصالح وأشرف أيامه ( أيام العشر)
محمد سيد حسين عبد الواحد
يقول رب العالمين سبحانه {(وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَ ا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى )}
وعند مسلم وغيره من حديث حنظلة بن الربيع رضي الله عنه وكان من كُتَّاب الوحى بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « لَقيَنِي أبو بكر ، فقال كيف أنتَ يا حنظَلَةُ ؟ قُلتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ قالَ أبو بكر : سبحان الله ! ما تَقُولُ قُلْتُ نكونُ عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، يُذكِّرُنا بالنَّار والجنَّةِ حتَّى كأنَّا رأيَ عَيْنٍ ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافَسْنا الأزْواج والأولاد ، والضَّيْعات ، ونسينا كثيرًا قال أبو بكر رضي الله عنه فوالله إنَّا لَنَلْقَي مثل هذا ، قال فانطَلَقْتُ أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت نَافَقَ حنظلَةُ يا رسول الله فقال النبى صلى الله عليه وسلم وما ذاك؟ قلتُ يا رسول الله نكون عندك تُذكِّرُنا بالنار والجنة حتى كأنَّا رأيَ عَيْنٍ ، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضَّيْعاتِ ، ونَسينا كثيرًا فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده ، لو تَدومُونَ على ما تكونون عندي ، وفي الذِّكرِ ، لصافَحَتْكم الملائكة على فُرُشِكُم ، وفي طُرُقِكم ، ولكن يا حنظلةُ.... ساعَةً وساعَةً ساعَةً وساعَةً ساعَةً وساعَةً)»
أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعل من أكثر ما يدور في رؤوس الناس وعقولهم هو البحث عن أسباب توفر لهم في حياتهم الأمن والرضا والسعادة مطالب يرجوها الجميع غير أنها لا تتحقق على ارض الواقع ولا نتحصل عليها إلا بشروط محددة ياتى على رأسها الإيمان بالله تعالى والعمل الصالح قالها اصدق القائلين سبحانه صريحة واضحة:
{ {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً }} هذه هى أول ثمرة من ثمار العمل الصالح التى تعجل للانسان فى الدنيا قبل الاخرة أن يحيا بالايمان بالله والعمل الصالح حياة طيبة..
المتأمل في واقع الكثيرٍ من الناس اليوم يعود جريح القلب حزين النفس غزير الدمع لما يرى من مساوئ الأعمال والأخلاق التي انتشرت فيما بينهم سرقات وظلم وغصب ومسكرات ومخدرات وإضاعة للجُمَع والجماعات وعكوف على المُلهيات والمغريات وتبرج وسفور وإبداء للزينة وقلة حياء كل هذا موجود بين الناس لا ينكره أحد هكذا زينت النفوس والاهواء..
ورحم الله من قال (النفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وان تفطمه ينفطم)
ظننا أن السعادة أن نعمل كل ما تزينه لنا أنفسنا ظننا أن السعادة أن نعمل كل ما نشتهيه وما يحلو لنا ولا نرى السعادة التى نرجوها..... وإنما نرى كثرة فى الهموم والمخاوف والحرمان ثم نتساءل من أين جاءت إلينا !!وكاننا لا نعلم ....
يقول أهل العلم إن أعظم ما يكفل للناس راحة للقلوب وطمانينة للنفوس أن يعيشوا حياتهم كعبيد لخالقهم سبحانه وتعالى يخشونه ويتقوه يشكروه ولا يكفروه يطيعوه ولا يعصوه يذكروه ولا ينسوه يُصلحون ولا يُفسدون يُعمرون ولا يُخربون عندها أبشروا وأملوا ما يسركم أيها المؤمنون...
قال الله تعالى { الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ }
قال المفسرون:-
تطمئن القلوب المؤمنة بإحساسها بالصلة بالله تأنس بجواره سبحانه وتأمن في جانبه وفي حماه قال سبحانه فى الحديث القدسي (أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني )
تأمن من كل اعتداء ومن كل شر إلا ما شاء الله مع الرضي بالقضاء والصبر على البلاء..
ذلك الاطمئنان والأمان مغروس في قلوب المؤمنين غرسا لا يعرفه ولا يذوق حلاوته إلا الذين خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم، فاتصلت بالله، لا يملكون بالكلمات أن ينقلوه إلى الآخرين لأنه إحساس لا ينقل بالكلمات،وإنما يسري في القلوب المؤمنة سريان الماء فى العود الأخضر تستروحه القلوب وتهش له وتندى به وهذه ثمرة ثانية من ثمار العمل الصالح التى تعجل للانسان فى الدنيا..
قال عزَّ وجلَّ شان الخليل إبراهيم عليه السلام : {{ وحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ }}
يذكر أصحاب السير أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له عوف بن مالك الأشجعي وكان كبير السن ضعيف وكان له ابن يقوم عليه وعلى زوجه بالنفقة وأن المشركين أخذوه وأسروه وحبسوه فكان فيهم..
وكان عوف بن مالك يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشكو إليه مكان ابنه وحاله التي هو بها وحاجته وفقره فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره بالصبر وكثرة ذكر الله عز وجل
ويقول له يا عوف بن مالك (إن الله سيجعل لك فرجًا)
فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيرًا أن انفلت ابنه من أيدي العدو فمر بغنم من أغنامهم فاستاقها فجاء بها إلى أبيه فى مدينة النبى صلى الله عليه وسلم فلما أصبح دخل عوف ابن مالك على النبى صلى الله عليه وسلم وعلى قسمات وجهه الفرح والسرور فبشره النبى صلى الله عليه وسلم بقران انزله الله تعالى يقول فيه {{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ }}
على قدر ما أنت قريب من ربك سبحانه مطيع له مؤد لما فرضه عليك غير مُتعد لحدوده ولا مُنتهك لحرماته أنت فى أمان
على قدر ما أنت كريم الاخلاق مُؤدب مُهذب خلوق فيما بينك وبين الناس انت فى أمان مُهاب يُخشى جانبك يُسمع لقولك و يُحترم رأيك ويُجلب لك الخير ويُصرف عنك الاذى:
{(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنّ َ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنّ َهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) }
من ثمار العمل الصالح التى تعجل للانسان فى الدنيا محبة توضع فى قلوب الناس له من غير سابق معرفة من غير سابق معاملة أنت محبوب بين الناس بحب الله لك..
قال النبى صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في السماء فيقول إن الله تعالى يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض..
وذلك قول الله تعالى {{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا } }
الناس ينظرون الى ما تعمل من الصالحات فيسعدون بك ويقتدون بك ويمتدحون فعلك مدحا لا ينقص من ثوابك قليلا ولا كثيرا وإنما هى بشارة ساقها الله إليك ليسرك بها يقول أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قلت له الرجل يعمل العمل لله فيحبه الناس عليه قال ذلك عاجل بشرى المؤمن.....
نسأل الله العظيم أن يرزقنا حبه وحب من يحبه وحب كل عمل يقربنا إلى حبه إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير..
الخطبة الثانية
أما بعد فيأيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الحكيم العليم سبحانه قد اختار من بيننا فى هذا العام حجاجاً وزواراً وعماراً وقد نزلوا به ضيوفاً فى هذه الأيام فما حرم الحكيم العليم أحداً من رحمته..
فإذا كان الله تعالي قد جعل لضيوفه نصيباً من رحمته فقد جعل لنا من رحمته نصيباً يرضينا ويكفينا حتى يقضى الله أمراً كان مفعولاً
ونحن اليوم علي أعتاب العشر أيام الأول من شهر ذي الحجة خير أيام الدنيا كما وصفها رسول الله صلي الله عليه وسلم دعانا ربنا فى هذه الأيام العشر والتي تبدأ بعد أيام معدودة دعانا ربنا فى هذه الأيام العشر إلى كثرة العمل الصالح صياماً وصلاة وصدقة ودعاءً واستغفارا وفعلا للخيرات وبذلا للمعروف..
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم « مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامْ» يَعْنِي الْعَشْر قَالوُا يَا رَسُوْلَ اللهِ ! وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشْيءٍ»»
إذا كان باب الحج قد أغلق دوننا هذا العام فإن أبواب الصالحات لم تغلق فصلوا وصوموا وتصدقوا وقوموا وادعوا ربكم وتوبوا إليه واستغفروه وأحسنوا فإن رحمة الله قريب من المحسنين..
كأن سائلاً سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أحب العمل إلى الله تعالى فأجابه بكثرة ذكر الله قال صلى الله عليه وسلم «( فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير )»
قلت ويشهد لهذا قول الله تعالي {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ } .
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل. ونسأله سبحانه أن يرزقنا الحج والعمرة إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير..