أنساك الحج وأيها أفضل
أجمع الفقهاء على أنه يصحُّ الحج بكل نُسُك من أنساك ثلاثة: التمتع، والقِران، والإفراد، لكل مكلَّف على الإطلاق.
وصفةُ التمتع أن يُحرِم بالعمرة في أشهر الحج، فإذا فرغ منها، ولم يكن معه هَدْيٌ، أقام بمكة حلالًا، حتى يُحرِمَ بالحج من مكةَ يومَ التروية.
وصفة القِران أن يجمع في إحرامه بين الحج والعمرة، أو يُهِلَّ بالعمرة ثم يُدْخِل عليها الحج قبل الطواف، ثم يقتصر على أفعال الحج وحده عند الإمام مالك والشافعي وأحمد، إلا أبا حنيفة، فإنه لا تتداخل أفعال العمرة عن الحج عنده، بل تقدم العمرة ثم يتبعها أفعال الحج، وإنما يشتركان عنده في الإحرام خاصة.
وصفة الإفراد أن يُحرِم بالحج، ثم يفرَغ منه، ثم يخرج إلى أدنى الحِلِّ فيُحرم بالعمرة؛ [تحفة الفقهاء (393/ 1/ 394)، الكافي لابن عبدالبر (1/ 381)، اللباب (1/ 196)، المغني (3/ 238).
ثم اختلفوا أيُّها أفضل، الإفراد أم القران أم التمتع؟ على ثلاثة أقوال.
أقوال الفقهاء:
القول الأول للحنفية؛ وهو أن القران أفضل، ثم التمتع، ثم الإفراد للأفاقي، والأفاقي: من كان خارج المواقيت المكانية للحرم، ولو كان من أهل مكة؛ [معجم لغة الفقهاء (1/ 36)، الهداية (1/ 150).
القول الثاني: الإفراد أفضل؛ والقائل به الإمام مالك والإمام الشافعي في أحد قوليه؛ [الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/ 468)، المهذب (1/ 200).
القول الثالث؛ وهو قول للإمام الشافعي: أن التمتع أفضل من الإفراد؛ [الإقناع للماوردي (1/ 83)، المهذب (1/ 200).
أدلة الفقهاء:
أدلة القول الأول: على أن القران أفضل ثم التمتع ثم الإفراد للأفاقي؛ استدلوا بالكتاب والسنة والمعقول.
أولًا: من الكتاب:
قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196].
وجه الدلالة: في الآية تعجيل الإحرام، واستدامة إحرامهما من الميقات إلى أن يفرغ منهما، وليس كذلك التمتع، فكان القران أولى منه؛ (الهداية شرح البداية (1/ 150) ].
ثانيًا: من السنة:
قوله عليه الصلاة والسلام: «يا آل محمد، أهِلُّوا بحجة وعمرة معًا»؛ (رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (8/ 424)، ط: دار القبلة، ورواه الإمام أحمد في مسنده باب: حديث أم سلمة (44/ 172).
وجه الدلالة: دلَّ الحديث على تفضيل القران؛ (عمدة القارئ (9/ 176).
ثالثًا: من المعقول:
أن فيه جمعًا بين العبادتين؛ فأشبه الصوم مع الاعتكاف، والحراسة في سبيل الله مع صلاة الليل؛ (الهداية شرح بداية المبتدئ (1/ 150).
أدلة القول الثاني على أن الإفراد أفضل:
استدلوا بالمعقول.
1- أن الثابت من حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان مُفْرِدًا؛ روته عائشة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر.
2- ولأن المفرد يأتي بالحج في أشهره على الكمال، ثم يأتي بالعمرة في غير أشهر الحج على الكمال، فكان أفضل من القران؛ لأن المفرد يقتصر على عمل نسك واحد، فكان أفضل من التمتع والقران؛ لأن المتمتع والقارن يأتيان بالعمرة في أشهر الحج، وذلك رخصة.
3- ولأن الدم الواجب بالقران والتمتع جبرانٌ للنقص؛ لأنه دم متعلق بالإحرام، أو يختص وجوبه بالإحرام، فأشبه الجزاء ونسك الأذى، ولأنه دم يجب بترك الميقات، فكان الواجب أنه للجبران، كالدم بمجاوزة الميقات، وإذا ثبت أنه دم نقص وجبران، فالإتيان بالعبادة على وجه ليس له نقص ولا جبران أفضل؛ (الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/ 469).
أدلة القول الثالث: استدل لأصحاب القول الثالث على أن التمتع أفضل بما يلي:
أولًا: من الكتاب:
قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أن الله تعالى نصَّ على التمتع في القرآن الكريم في كتابه العزيز؛ كما قال عمران: ((نزلت آية التمتع في كتاب الله، وأمرنا بها رسول الله، ثم لم تنزل آية تنسخها، ولم ينْهَ عنها حتى مات)؛ (متفقٌ عليه) ].
ثانيًا: من السنة:
قول ابن عمر في الصحيحين: ((وتمتع رسول الله في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج).
ثالثًا: من المعقول:
أن المتمتع يفعل أعمال العمرة والحج كاملة مع زيادة الهَدْيِ.
والراجح أن يختار الحاجُ الأيسر عليه؛ لأن الحج بطبيعته شاق، وكلما خَفَّف الحاج على نفسه بالأمور المشروعة، وفَّر طاقته البدنية والنفسية لأداء المناسك على أفضل ما يمكن، والله أعلم.
______________________________ ____________________ ________
الكاتب: د. لمياء عبدالجليل سيد