الاستفادة من المهارات القيادية في الدعوة إلى الله (٣)
قانون السقف وتوظيفه في القيادة الدعوية
يمكن تطبيق قانون السقف بفعالية في مجال الدعوة إلى الله من خلال وضع الداعية وطالب العلم نصب أعينهما هدف توسيع دائرة التأثير على الآخرين مع السعي لزيادة قــدراتهـمــا ومهــاراتهـما للوصول إلى ذلك
يجب الاعتراف بأهمية دور الشباب في تخطيط برامج الدعوة وتنفيذها لضمان تلبية احتياجاتهم واهتماماتهم بما يجعل البرامج أكثر صدى وتأثيراً في نفوسهم
الدعوة إلى الله تعالى تتطلب أكثر من مجرد نقل الرسالة بل تحتاج إلى منهجية واضحة ومهارات قيادية متقنة لتحقيق أقصى فائدة وتأثير أكبر
قانون السقف أحد القواعد الأساسية في دراسة القيادة، ويُعد إدراك هذا المبدأ أمرًا ضروريًا لتطوير القدرات القيادية والإلمام بالمفاهيم ذات الصلة، ويوضح هذا القانون أن مستوى قيادة الفرد يؤثر مباشرة على حدود قدراته وإمكانياته الشخصية، عبر تعزيز القائد لمهاراته وتنمية قدراته القيادية، ما يؤدي إلى زيادة فرص النجاح وتحقيق تأثير أكبر.
من هذا المنطلق، يمكن تطبيق قانون السقف بفعالية في مجال الدعوة إلى الله، فالداعية وطالب العلم، اللذان يضعان نصب أعينهما هدف توسيع دائرة التأثير على الآخرين، يجب عليهما السعي لزيادة قدراتهما ومهاراتهما؛ فهذه التطورات تعد من العوامل المادية الضرورية للداعية إلى الله، ومع ذلك، يبقى إخلاص النية لله -تعالى- وتوفيقه الأساس في نجاح الدعوة، لكن الإسلام يحثنا على استغلال مختلف الوسائل والإمكانات المتاحة لنشر دين الله، والارتقاء بالأداء على المستويين الشخصي والمجتمعي، بهدف تعزيز رسالة الإسلام. وإليكم بعض الاستراتيجيات التي يمكن اعتمادها لرفع السقف في الدعوة إلى الله على الصعيدين الشخصي والمؤسسي: أولا: تنمية مهارات القيادة لدى الدعاة
دراسة حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسير الصحابة والتابعين، فضلا عن علماء الإسلام والمجاهدين في تاريخ الأمة الإسلامية، تكشف عن امتلاكهم لخصائص قيادية متميزة، هذه الخصائص ساهمت في ترك بصمة دائمة عبر الأجيال. فالخلفاء الراشدون والعشرة المبشرون بالجنة، إلى جانب آخرين من الصحابة، قد خلّد التاريخ أفعالهم البطولية وإنجازاتهم التي ما زالت آثارها باقية حتى العصر الحالي، وعلى سبيل المثال، انظر إلى إسهامات شيخ الإسلام ابن تيمية في الأمة، فهي تفوق بمراحل تأثير غيره من العلماء، وذلك يعود إلى ما كان يتمتع به ابن تيمية من مهارات قيادية، وشخصية قوية، ومعرفة واسعة، وإرادة صلبة، ونظرة ثاقبة للمستقبل، وقدرة على تحمل الصعاب، الأمر الذي جعله يتفوق على أقرانه، تغمده الله برحمته الواسعة.
ولتحقيق هذا القانون لابد للداعية العمل على مجالات عدة:
(1) التركيز على المهارات الشخصية التركيز على المهارات الشخصية للداعية وتوظيفها في قانون السقف في القيادة، يعد استراتيجية فعّالة لتعزيز قدرات القيادة وزيادة الأثر الإيجابي للدعوة، فقانون السقف، الذي يُشير إلى الحد الأقصى للقدرة القيادية التي يمكن أن يصل إليها فرد أو مؤسسة، يؤدي دورًا حاسمًا في تحديد مدى نجاح الجهود الدعوية والتأثير في المجتمع. وفيما يلي بعض الطرائق التي يمكن من خلالها استغلال المهارات الشخصية للداعية لرفع هذا السقف وتحقيق النجاح في القيادة:
(2) تطوير مهارات الاتصال القدرة على التواصل بفعالية هي من أهم المهارات الشخصية لأي داعية. تشمل هذه المهارة الاستماع الفعّال، والتعبير عن الأفكار بوضوح، والتواصل العاطفي مع الجمهور؛ فمن خلال تحسين مهارات الاتصال، يمكن للداعية رفع سقف القيادة بتوسيع قاعدة المتابعين وزيادة تأثير الرسائل الدعوية.
(3) بناء العلاقات القدرة على بناء علاقات إيجابية ومستدامة تعد ركيزة أساسية في القيادة. يمكن للداعية من خلال بناء شبكة قوية من العلاقات أن يؤمن الدعم اللازم لمبادراته الدعوية، ويعزز من فرص نجاحها.
(4) التعلم المستمر والتطوير الذاتي يعد التعلم المستمر والسعي لتطوير الذات من أهم العوامل التي تساعد الداعية على تجاوز الحدود الشخصية ورفع سقف القيادة. من خلال اكتساب معارف ومهارات جديدة، يستطيع الداعية مواكبة التغييرات ومعالجة التحديات بكفاءة أكبر. ثانيا: اكتساب المعرفة الشرعية
ترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، باب الاغتباط في العلم والحكمة، وقال عمر- رضي الله عنه -: تفقهوا قبل أن تسودوا أو تسوَّدوا أي اكتسبوا الفهم والعلم قبل أن تتقلدوا المسؤوليات أو تُكلفوا بها، اطلبوا العلم قبل أن تصبحوا قادة؛ وذلك لأن القيادة قد تحول دون استمراركم في التعلم، من هنا، تبرز أهمية الوعي الواسع والتعلم المستمر في مسار العلم، وكما قيل الذي يقود ولا يتعلم، يكون مثل شجرة بلا جذور. هذه العوامل تساعد في تحفيز الإلهام للتأثير الإيجابي على الآخرين، وتمكن القائد من التعرف على التحديات واستغلال الفرص المتوفرة، كما أنها تشكل درعاً حامياً للداعية من الانحراف والخطأ، وتضمن ثباته على منهج الدعوة الصحيح لنفسه وللآخرين. ثالثا: إتاحة فرص القيادة للدعوة
وذلك من خلال تشجيع الشباب على المشاركة في العمل الدعوي وإعطائهم فرصة لقيادة مشاريع دعوية في عصرنا الحاضر، يبرز دور الشباب بقوة في مختلف المجالات، ومن ضمنها مجال الدعوة والعمل الاجتماعي والثقافي، لا شك أن إشراك الشباب في هذا القطاع يعد خطوة حيوية لضمان استمرارية الأنشطة الدعوية وفعاليتها؛ مما يتطلب منا تبني استراتيجيات محددة تساعد في تحقيق هذا الهدف، ومنها: - الاعتراف بأهمية دور الشباب في تخطيط برامج الدعوة وتنفيذها، لضمان تلبية احتياجاتهم واهتماماتهم بما يجعل البرامج أكثر صدى وتأثيراً في نفوسهم؛ فيعزز لديهم شعوراً بالمسؤولية والانتماء، ويحفزهم على المشاركة الفعالة والمستمرة في تنفيذ هذه البرامج. - تقدير جهود الشباب وإنجازاتهم يعد ركناً أساسياً في هذا السياق، فمن خلال التعبير عن الشكر والامتنان لمساهماتهم، نوفر لهم بيئة داعمة تشجعهم على الاستمرار في العطاء والإبداع. - استخدام أساليب دعوية تتوافق مع اهتمامات الشباب وتوجهاتهم في هذا العصر الرقمي، وتأتي وسائل التواصل الاجتماعي أداة فعالة في الوصول إلى الشباب وتفاعلهم، كما أن تنظيم الأنشطة والبطولات الرياضية يعد وسيلة محببة للشباب تجمع بين المتعة والفائدة. - يجب أن تكون الدعوة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحياة الشباب واهتماماتهم اليومية. - يتعين على الجهات الدعوية الاهتمام بتوعية الدعاة بأهمية القيادة، وذلك من خلال إطلاق برامج تدريبية مكثفة تستهدف بناء دعاة قادرين على التعامل مع التحديات الراهنة والمستقبلية. تعزيز قانون السقف في العمل الدعوي
كما تتضمن الاستراتيجيات الدعوية جوانب أساسية لتعزيز قانون السقف في العمل الدعوي والتربوي ومنها: إقامة شراكات مع مؤسسات أخرى لتبادل الخبرات؛ مما يوسع نطاق الجمهور المستهدف ويعزز استدامة البرامج الدعوية وتأثيرها، كذلك تنظيم لقاءات مع خبراء وعلماء لنقل المعرفة التخصصية وتبادل الخبرات العملية والرؤى المستقبلية، وأيضا المشاركة في المؤتمرات والندوات الدعوية لتعزيز الدور التعليمي للمؤسسة وتوفير فرص للتواصل والحصول على أفكار جديدة، ثم الاطلاع على الدراسات والأبحاث الدعوية السابقة ودراسة حالة الشخصيات المؤثرة في التاريخ الإسلامي لتحقيق فهم أعمق للعمل الدعوي. ختامًا: يُعدّ قانون السقف أداة قوية يمكن توظيفها بفعالية في الدعوة إلى الله، من خلال تنمية مهارات القيادة لدى الدعاة، وبناء فرق دعوية قوية، وإتاحة فرص القيادة للدعوة، وتأكيد أهمية القيادة في الدعوة، واستخدام قانون السقف لتحفيز الدعاة.
اعداد: منذر المشارقة