مجاذبة الأشواق
عباس توفيق

ببابكَ قد وضعْتُ الرّحلَ لمّا *** أتاني من جنابكَ مَن دعاني
وصرتُ أنازعُ الدنيا بهجْرٍ *** وإقبالٍ وأجهلُ ما اعتراني
فحيناً لكَ يجري الشوقُ فيضاً *** وحيناً تخلبُ الدنيا جَناني
ووقتَ الشوق أسْراري وقلبي *** بأسْرار الوجودِ يُتيّمانِِ
أرى ما لا يراهُ سوايَ نُعمى *** ولذْعُ المرّ حلوٌ في اللسانِ
أرى نفسي تخِفُّ إلى انطلاقٍٍ *** كعصفورٍ تسرِّحُهُ يدانِ
ومِن أُنْسٍ أتُوهُ فما دراني *** أإنّي طائرٌ أم في مكاني
ألاقي حيثما يمّمتُ قوماً *** ولم يكُ لي بهمْ أيُّ اقترانِ
وأشْهَدُ مَن رماهُ الموتُ سهماً *** ومن لم يدْنُ بعْدُ من السّنانِ
أرى الماضي يعانقُ كلَّ آتٍ *** وكنتُ أظنّ لا يتلاقيانِ
فأعْلمُ أن نهرَ العمرِ ضحْلٌ *** وأن مداهُ أقصرُ من ثوانِ
وإمّا شدّت الدنيا كياني *** أخالطْها بوجْدٍ وافتتانِ
وأرشف حُسْنها سرّاً وجهْراً *** توارى أو تغافل أو رآني
وأنّى رُحْتُ أنهلْ منه ذكرىً *** كأني لا أغيبُ عن العيانِ
أحُوكُ لها خيوطاً من حريرٍ *** لقنْص متاعها حدَّ التفاني
وأسلكُ في سبيلِ القصْدِ ما لا *** أحاذرهُ وإنْ خطرٌ دهاني
ونفسٍ ليس يلجِمُها اختلاجٌ *** ودنياً لستُ أتركها لثانِِ
أعودُ إليكَ منكسِراً جزوعاً *** حييّاً من غوايات التواني
فدعْ قلبي لعزّكَ مستكيناً *** وخذْ بيدي إلى برّ الأمانِِ
إلهي ليس لي إلاكَ عَونٌ *** فكنْ عوني على هذا الزمانِ