المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الشهري
جزاكم الله خيرا. والمثال مفترض في طفل تعلم كلمة "أسد" ويعرف ما هو "الأسد" ، ولكن لم يتعلم بعد استعمالاً أكثر تعقيداً يمكنه من التعبير عن قيمة "الشجاعة" بواسطة كلمة " أسد" ، ولذلك عندما قلت أنت : فالذي يفهمه من اللغة هو ما تعلمه دون غيره ، نجد أنفسنا أمام سؤال آخر: لماذا إذاً يتعلم الطفل المستوى "الحقيقي" قبل المستوى "المجازي" أصلاً ؟ وبمعنى آخر: لماذا نجد التربويين قاطبة ، في كل اللغات ، يعلمون الأطفال المعاني الحقيقية قبل المعاني المجازية للفظ من الألفاظ ؟ تخيل ماذا سيحصل للطفل لو علموه أن "أسد" تعني "شجاع" في المراحل الأولى من تكوينه اللغوي ، قبل أن يعلموه أنها تعني "ذلك الحيوان المفترس" وهكذا سائر الألفاظ : صخرة (قوي) ، برق (سريع) ، الخ ، لو تعلم من محيطه أن المعنى الثاني - بين قوسين - هو الأصل فإن الحقائق ستصبح مشوهة عنده ، وستختلط عنده المفاهيم على نحو فاحش ، وتضطرب قدرته على الاتصال السليم والتعبير الصحيح عن الأشياء.
لا مناص من القول بأن اللفظ له معنى أصيل ومعان زائدة على هذا المعنى الأصيل.
تتميماً لهذا الذي ذكرته ، يقول بن الوزير اليماني رحمه الله:
((اعلم أن اللغات بأسرها ما وضعت إلا لبيان المقاصد وإيضاحها وأن المجاز لو صح على الإطلاق من غير شرط ولا دليل عليه
لبطلت الفوائد الماخوذة من القرآن والسنة ، بل لبطل فهم بعضنا من بعض ، وإذا أردت أن تعلم أن الأمر في ذلك غير ملتبس لولا الأهواء والعصبيات فانظر إلى أشعار الفصحاء وخطب البلغاء كيف يبين فيها المجاز من الحقيقة من غير لبس ، فكيف يقع اللبس الشديد في كلام المعصوم من التلبيس على المخلوقين المبعوث رحمة للعالمين بل في كلام الله جل جلاله الذي جعله شفاء لما في الصدور ونورا لا يطفأ إذا طفئ كل نور، فقد وصفه الله أصدق الواصفين بما يجزي الصادين عنه والمتشككين من الأحكام والفصل والفرقان والنور والهدى والتبيين
والعقل يدرك هذا لو لم يرد منصوصا في القرآن المبين.فإذا عرفت هذا فاعلم أن شرط الحسن في المجاز أن يكون معلوما عند السامعين غير ملتبس بمقاصد المتخاطبين، ألا ترى أنه لا يلتبس المجاز في قوله تعالى: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} ولا الحقيقة في قوله تعالى: {ولا طائر يطير بجناحيه} وقوله تعالى: {أولي أجنحة} وكذلك لا تخفى عليك في قوله تعالى: {إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا} وعدم التجوز في قوله {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} وكذلك لا يخفى التجوز في قوله {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} ولا الحقيقة في قوله {ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها} أو أمثال ذلك مما لا حاجة إلى استقصائه من غير تعلم لعلوم المعاني والبيان ولا تقليد لعلماء هذا الشأن، بل لبقاء سامع هذه النصوص على الفطرة، وعدم ثبوت الفهم السليم بما يعمي عن البصيرة ويورث الحيرة، فهذا الأصل هو المعتمد عليه الجملي، ولذلك يفرق العامة بين قولك زيد أسد وبين قولك من غير قرينة: إن الأسد عدا على الناس ومتى قال القائل: دخلت على الملك ورأيت البلاد في يده لم يشك من لم يسمع بعلم المعاني أنه مجاز ومتى قال: دخلت على الملك فرأيت كتابا في يده أو سيفا أو خاتما لم يشك المبرز في علم المعاني أنه عنى الحقيقة)).
ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان ، 189 - 190 .