مقدمة:
الحمدُ لله على ما أسدَى لنا من نِعم عظيمة، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
وبعد:
فإنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يمنُّ على الأمَّة الإسلاميَّة في كلِّ زمن بِمَن يبذلُ جهدَه في نشْر هذا الدِّين؛ فيكون لهم الأثرُ الكبير في الأمَّة، بحيث يَهدي بهم الله مَن ضلَّ عن السبيل، ويُرشد الله بهم مَن غفل عن الصراط المستقيم، ويُخرج الله بهم من الظُّلمات إلى النور، ومِن الغَواية إلى الهِداية، ومِن الجهل المطبق إلى العِلم النافع، وحسبَ ظنِّي أنَّ أبرز ما يوضِّح ذلك في هذا العصر علمُ الأصول؛ إذ بواسطته نَستخرِج أحكامَ المستجدَّات، وقد يُغيِّر الله به حالَ الأمَّة الإسلاميَّة كثيرًا، فيمسح به الجهلَ المطبِق، وقد بدأَ العِلم به ينتشرُ في الأمَّة، ومِن هنا صلح للكاتب أن يجعلَ تواريخَ العلوم الإسلاميَّة مرتبطةً به، كما جاءتْ فكرةُ هذا البحث لبيان جهود علماء العصر التي أسهموا بها في هذا العِلم.
وقددفعني للكتابة في هذا الموضوع عدد من الأسباب، من أهمها ما يأتي:
1-أنَّ كتابةَ تواريخ القرون العِلميَّة أمرٌ له أهميَّتُه، فهو يعرِّف الباحثَ بتطوُّر العِلم، واختلاف طرائق العلماء في التأليف، ممَّا يجعل المطلِع على المؤلَّفات العلميَّة في ذلك العصر عارفًا بمناهج التأليف فيه، والظروف المحيطة بزمن التأليف، ممَّا قد يكون مؤثرًا على طريقة التأليف.
2-أنَّ العصر الذي أتناولُ الكتابة عنه عصرٌ قريب من عصرنا، بل هو أقربُ العصور إلى هذا العصر، ممَّا يُعرِّفنا ببعض العوامل المؤثِّرة في مؤلَّفات هذا العصر.
3-أنَّ الباحث في أيِّ عِلم ينبغي له أن يطَّلع على الجهود السابقة في الجزئية التي يُريد بحثَها، وبالكتابة في موضوعنا، وحال هذا العِلم في هذه المدَّة يتيسَّر للباحث معرفةُ الجهود السابقة فيما يُراد بحثُه.
4-أنَّ هذا البحثَ يرصد الحركةَ العِلميَّة في زمن معيَّن، وهذا له أهميتُه في تفسير كثير من الحوادث الواقعة في ذلك الزمان.
5-أنَّ المستجدَّاتِ قد كثُرتْ في العصر الذي يُعنَى به الباحث، ممَّا تطلَّب من العلماء دراسةَ هذه المستجدَّات، واستخراجَ الحكم الشرعي المتعلِّق بها، ولا يُمكن للعالِم أن يستخرجَ هذا الحكمَ إلاَّ بمعرفة القواعد الأصوليَّة والفقهيَّة التي يُمكن استنباطُ الحكم من خلالها، فمؤلَّفات علماء هذا العصر فيها تطبيقٌ نظريٌّ للحكم على النوازل الجديدة، فعندَ إبراز هذا الجهد، وتعريف الأمَّة به يُمكنها أن تقتبس منه منهجًا للحكم على ما يَجِدُّ عليها.
6-أنَّ قُرْب عهدنا بالزمن الذي تتحدَّث عنه الدِّراسة يحصل به تقييدُ كثيرٍ من المعلومات المتعلِّقة بهذا الموضوع من الضياع والاندراس.
7-أنَّ الجهودَ التي بذلها العلماءُ في هذا العِلم جهودٌ حيَّة معاصرة، تؤتي ثمارَها إلى اليوم، فمِن الاعتراف بالفضل لأهلِه تسجيلُ هذه الجهود، والإشادةُ بها.
وهذا البحث يتعلَّق بمدة زمانيَّة محدَّدة، هي ثلاثةُ أرباع القرن الرابع عشر، تبدأ من عام 1300هـ، وتنتهي عام 1375هـ.
وليس لهذا البحث مكانٌ محدَّد، فأيُّ جهد متعلِّق بهذا العِلم فسأقوم برصْده في أيِّ مكان كان.
وليس في هذا الموضوع بذاته دراساتٌ سابقة تتحدَّث عنه - فيما أعلم - إلاَّ أنَّ هناك عددًا من المراجع التي توجد فيها معلوماتٌ متعلِّقة بهذا الموضوع، ومِن أبرزها ما يتعلَّق بكتب التراجم.