السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
( حتى الشِّسْع )
كثير من الناس لا يلجؤون إلى الله ، ولا يتضرعون إليه إلا إذا نزلت بهم عظائم الأمور وشدائدها من نحو المصائب الكبيرة كفقد الأحبة ،وخسارة الأموال الطائلة ، أو نزول الأمراض المستعصية ، وما جرى مجرى هذه الأمور .
أما ما عدا ذلك فلا يخطر ببالهم الدعاء ، والتضرع إلى الله ؛ لظنهم أنها أمور يسيرة لا تستدعي الانقطاع إلى الله .
ولا ريب أن ذلك خطأ يجدر بالمسلم تجنبه ؛ إذ اللائق به أن يعلِّق رجاءه بربه ، وأن يسأله كل صغيرة وكبيرة من أمره ؛فَتَكَدُّر الوالدين على الولد ، وسوء خلق الزوجة ، ونفور الأولاد ، وجفاء الأصحاب ،وتكاسل مَنْ يعمل تحت يد الإنسان ، وتَعكُّس بعض الأمور عليه ، ونحو ذلك مما شاكله وجرى مجراه ، كل ذلك من البلاء الذي يحتاج إلى دعاء وإنابة .
ويرشد إلى ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "سلوا الله كل شيء حتى الشِّسع ؛ فإن الله _عز وجل_ لو لم ييسره لم يتيسر" (1)
والشسع : هو أحد سيور النعل ،وهو الذي يُدْخل بين الأصبعين ، ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل .
فقوله - صلى الله عليه وسلم- : " حتى الشسع " :- إشارة إلى أن ما فوقه أولى وأولى ، وأن الإنسان لا غنى له عن ربه - جل وعلا - .
والمقصود من ذلك أنَّ على العبد أن يتوجه إلى ربه في جميع حوائجه ؛ فالله - عز وجل - يحب أن يُسألَ ، ويُرْغَبَ إليه في الحوائج ، ويُلَحَّ في سؤاله ودعائه ، بل إنه - تبارك وتعالى - يغضب على من لا يسأله ،ويستدعي من عباده سؤاله ، وهو قادر على إعطاء خلقه سُؤْلَهم من غير أن ينقص من ملكه شيء ؛ فلا يحسن بالعبد - والحالة هذه - أن يدع الدعاء في دقيق أمره وجليله .
وقد جاء في أثر إسرائيلي أن موسى - عليه السلام - قال : "يا ربِّ إنه لَتَعْرِضُ لي الحاجةُ من الدنيا ؛ فأستحيي أن أسألك إياها يارب " ،فقال الله – تعالى - يا موسى : " سلني حتى مِلْحَ عجينتك، وعلف شاتك " .
وكان بعض السلف - كما يقول ابن رجب - يسأل الله في صلاته كل حوائجه ، حتى ملح عجينته ، وعلف شاته .
ولقد أحسن الشيخ المَكُّوْدي - رحمه الله - إذ يقول :
إذا عرضت لي في زماني حاجــة *** وقد أشكلت فيها عليَّ المقاصدُ
وقفت بباب الله وقفةَ ضـــارعٍ *** وقلت إلهي إنني لك قاصدُ
ولست تراني واقفاً عند بابِ مَـنْ *** يقول فتاه: سيديْ اليوم راقدُ
فإذا اعتاد الإنسان دعاء ربه ، وسؤاله كلَّ شأن من شؤونه ، كان حريَّاً بالإجابة ، جديراً بالعزة و الكرامة .
________________
(1) أخرجه الترمذي 2924 ، وابن السني في عمل اليوم والليلة (356) ، وضعفه الألباني في الضعيفة (1362)
ولكن الحديث صحيح موقوفاً من قول عائشة موقوفاً عليها - رضي الله عنها - .
انظر مسند أبي يعلى ( 4560 ) وعمل اليوم والليلة ( 357 )
قال الهيثمي في الحديث : "رجاله رجال الصحيح غير محمد بن عبيد الله وهو ثقة " انظر المجمع 10/150 .
كتبه الشيخ .د. / محمد بن إبراهيم الحمد