أحسن الله إليكم
كلما رجعت إلى صحيح الإمام رحمه الله بالدرس والتدبر أو المراجعة والبحث بدا لي من تصرفاته ما لا أفهمه _ويكثر ذلك في صنعته الحديثية ثم الفقهية ثم باقي علومه التي بثها في هذا اللغز المحيِّر والسِفْر العظيم (الجامع المسند الصحيح المختصر) _ فإذا ذهبت لأبحث عن تفسير العلماء والشراح لها وتوجيهها
لم أجدهم تطرقوا لها أصلا أو انتبهوا لها
وبعضها كلامهم فيها لا يشفي العليل ولا يروي الغليل
فأرجع حزينا متلهفا متشوقا لحلها ومعرفة وجهها
نعم
اشتُهر قولهم: ( شرح البخاري كان دينا على الأمة فوفاه الحافظ ابن حجر رحمه الله) وفي الرسالة المستطرفة (والعيني)
لكن _في نظري الضعيف_ أن في الصحيح مواضع كثيرة _ليست قليلة_ ملغزة محيرة لم يحلها الشراح وبعضها لم يعرجوا عليها ويتنبهوا لها
وأن فيه نكتا لطيفة وفوائد جليلة إسنادية حديثية ومتنية فقهية منهجية وغير منهجية ما زالت أبكارا لم تُفضّ ببنات أفكار الأذكياء وإعمال قرائح النجباء
فالذي أنصح به أو أردت التنبيه عليه أن قولهم _رحمهم الله وجزاهم عنا كل خير_ السابق وقولهم "لا هجرة بعد الفتح"
لا ينبغي أن يكون صارفا للطالب المجتهد والعالم المدقق عن:
إعادة النظر في كثير من تصرفات البخاري التي يُظن أن الشراح _الحافظ أو غيره_ قد أشبعوا الكلام فيها أو بينوا مجملها وحلّوا مشكلها
تدقيق النظر في كثير من تصرفاته _وخاصة الإسنادية منها_ ومحاولة فهمها على وفق:
* ربطها بمنهج أهل عصره أو تلك العصور التي تسمى العصور الذهبية للسنة النبوية أو عصر النقاد وعدم محاكمتها إلى منهج غيره ممن خالفه فيه سواء تقدم زمنا أو تأخر
* ربطها بتصرفاتهم في كتبهم _خاصة كتب تلامذته وخرّيجي مدرسته كالترمذي والعقيلي_ وأجوبتهم على أسئلة تلامذتهم خاصة كلام علي وأحمد ويحيى وإسحاق والرازيان
* ربطها بتصرفاته في باقي مصنفاته وخاصة التاريخ الكبير والأدب المفرد
* ضم النظير إلى نظيره من تصرفاته بعد تتبعه ومحاكمة ما شذ إليه
والتنبيه على هذه الطرق يختلف ويتسع ويضيق من باحث لآخر بحسب توفيق الله أولا وخبرته بكتب البخاري وأقرانه ثانيا
فالذي توصلت إليه واقتنعت به أن:
"صحيح البخاري كان دينا في عنق الأمة فوفَّي بعضه الحافظ ابن حجر وبقي بعضه الآخر لم يوفَّ بعدُ"
فالله الله بهذا السِفْر العظيم والاعتناءَ به والتدبر فيه والتدقيق في تصرفات واضعه
فكأني به والله يصرخ _ولا أبالغ_ "أيضيع دقيق علمي الذي أودعته في هذا السفر ولم يكتشفه أحد بعد
أتقوم الساعة ولم تفض أبكاره وتحل مشكلاته ومعضلاته وتبرز فوائده
هل من مجتهد متمرس حاد القريحة يتصدى لذلك"
وأنا إذ أبوح بما تقدم لا أقلل من جهد الشراح _وخاصة الحافظ_ حول الصحيح وصاحبه
بل أقف عاجزا شاكرا منبهرا من جميل صنيعهم ودقيقه
ولكن الجامع الصحيح روح مؤلفه وسمير فؤاده ومشروع حياته الذي أودع فيه علمه وإبداعاته ومكث في تصنيفه السنوات الطوال
فلا بد من الحث على تدقيق النظر فيه وفي كلام شراحه فكم ترك الأول للآخر
فكيف إذا أضيف إلى ذلك أن صاحبه وضعه على طريقة الغموض والإلغاز في كثير منه
فهو المولع بالخفيات عن الجليات وبالغامضات عن الواضحات
أسأل الله لي ولكم التوفيق والزيادة من كل خير