وظائف شهر شعبان (1)
الوظيفة الأولى : صيامه
في الصحيحين عن عائشة قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان , وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان
وخرج الإمام أحمد و النسائي من حديث أسامة بن زيد قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصوم الأيام يسرد حتى نقول لا يفطر , و يفطر الأيام حتى لا يكاد يصوم , إلا يومين من الجمعة إن كانا في صيامه و إلا صامهما , و لم يكن يصوم من الشهور ما يصوم من شعبان , فقلت : يا رسول الله , إنك تصوم حتى لا تكاد تفطر و تفطر حتى لا تكاد تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك و إلا صمتهما ؟, قال : أي يومين , قلت : يوم الاثنين و يوم الخميس قال : ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين, و أحب أن يعرض عملي و أنا صائم. قلت : و لم أرك تصوم من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ قال : ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب و رمضان و هو شهر ترفع الأعمال فيه إلى رب العالمين عز و جل فأحب أن يرفع عملي و أنا صائم (حديث صحيح)
ووجه صيام النبي صلى الله عليه وسلم لشعبان دون غيره من الشهور :
1) أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان , فأشار صلى الله عليه وسلم إلى أنه لما أكتنفه شهران عظيمان –الشهر الحرام وشهر الصيام- اشتغل الناس بهما , فصار مغفولا عنه!!
بل ظن كثير من الناس أن صيام شهر رجب أفضل من صيامه , لأنه شهر حرام , وليس كذلك
2) أن صيامه بالنسبة لرمضان كالسنة الراتبة القبلية للصلاة , وصيام ست من شوال كالراتبة البعدية له , فيكون صومها تكملة نقص صوم الفريضة برمضان .
وعندئذ , يتبين أن أفضل صوم التطوع = هو ما تعلق برمضان قبلا وبعدا , كما أن أفضل نوافل الصلاة ما تعلق بالفرائض قبلا وبعدا , وهي السنن الرواتب
أما حديث النبي صلى الله عليه وسلم (أفضل الصلاة بعد رمضان المحرم , وأفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل) فهو محمول على التطوع المطلق بالصلاة والصوم , وقد ذهب جمهور العلماء إلى تفضيل قيام الليل –لهذا الحديث- على التطوع المطلق دون السنن الرواتب , لتعلقها بالفرائض , فتلتحق بها من جهة الفضل.
3) أنه تنسخ فيه الآجال , وجاء في ذلك أحاديث ضعيفة –بل ذكر عامر ياسين محقق اللطائف بأنها ضعيفة جدا- كما روي عنه صلى الله عليه وسلم ( تُقطع الآجال من شعبان إلى شعبان , حتى إن الرجل لينكح , ويُولد له , ولقد خرج اسمه في الموتى)
4) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام , وربما أخر ذلك حتى يصوم شعبان. رواه الطبراني –بسند ضعيف , كما قال المحقق- ورواه غيره وزاد (قالت عائشة : فربما أردت أن أصوم فلم أطق , حتى إذا صام صمت معه) –قال المحقق : لم أقف عليه بهذا اللفظ, لكن معناه مخرج في الصحيحين-.
والنبي صلى الله عليه وسلم عمله ديمة , وكان إذا فاته شيء من نوافله قضاه , كما كان يقضي مافاته من سنن الصلاة , ومافاته من قيام الليل قضاه بالنهار , وكان إذا دخل عليه شعبان وعليه بقية من صيام تطوع لم يصمه = قضاه في شعبان , فكانت عائشة حينئذ تغتنم قضاءه لنوافله فتقضي ماعليها من فرض رمضان حينئذ لفطرها فيه بالحيض , وكانت في غيره من الشهور مشتغلة بالنبي صلى الله عليه وسلم ,فإن المراة لا تصوم وبعلها شاهد إلا بإذنه.
فمن دخل عليه شعبان وقد بقي عليه من نوافل صيامه في العام , استحب له قضاؤها فيه حتى يكمّل نوافل صيامه بين الرمضانين .
ومن كان عليه شيء من قضاء رمضان = وجب عليه قضاؤه مع القدرة , ولا يجوز له تأخيره إلى مابعد رمضان آخر لغير ضرورة.
5) وقيل: أن صيام كالتمرين على صيام رمضان , لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة , بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده , ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته , فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.
ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان , شُرع فيه مايشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن , ليحصل التاهب لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن.
· يا من فرط في الأوقات الشريفة وضيعها, وأودعها الأعمال السيئة وبئس ما استودعها!
مضى رجب وما أحسنت فيه وهذا شهر شعبان المبارك
فيا من ضيّع الأوقات جهلا بحُرْمتِها أفِقْ واحْذرْ بوارك
فسوف تفارق اللذات قهرا ويُخلي الموت كَرْها منك دارك
تداركْ ما استطعت من الخطايا بتوبة مخلصٍ واجعل مدارك
على طلب السلامة من جحيم فخيرُ ذوي الجرائمِ من تدارك

· الاختصار من كتاب (لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف) للحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله
· عبدالله الغامدي – كلية الشريعة بالرياض