عاشرًا : أجر الحلق أو التقصير
عسى الله أن يشرح صدورنا لأدائه على وجه يرضى به عنا
يقـول صاحبنـا :
لمـا رميـتُ جمـرة العقبـة غـداة يـوم النحـر ،سـارعت أحلـق جميـع رأسـي ، بعـد ذبـح هـديي ، أحـدثُ نفـسي لأفعلـنّ مـا يرضـي ربّي، ومـا قـدم فـي الكتـاب ذكـره ، ومـن عبـاده الحاجين أحبّه :۞... لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَۖ ..۞ (1)
قـال المباركفوري صـاحب تحفـة الأحـوذي شـرح جامع الترمـذي :
( وظاهـر صيغـة المحلقيـن أنـه يشـرع حلـق جميـع الـرأس لأنـه الـذي تقتضيـه الصيغـة إذ لا يقـال لمـن حلـق بعـض رأسـه أنـه حلقـه إلا مجـازًا . وقـد قـال بوجوب حلـق الجميـع أحمـد ومالـك واسـتحبه الكوفيـون والشـافعي ...) ا. هـ (2)
* سـائلاً الله الأجـر والثـواب ، وأن يتكـرم - بعظيـم جـوده- فيتفضـل علـى شـديد دعائـي بالقبول و الجـواب : فيجعلنـي الرحمـن الرحيـم مـن المكروميـن ، ولا يخرجنـي - بعظيـم ذنبـي - مـن جملـة المرحوميـن :
عـن عبـد الله ابـن عمـر- رضي الله عنهما - قـال:أن رسـول الله - صلى الله عليه وسلم - قـال: (اللهـم ارحـم المحلقيـن قالـوا : والمقصريـن يـا رسـول الله ،قـال : اللهـم ارحـم المحلقيـن .قالـوا : والمقصريـن يـارسـول الله،قـال: والمقصريـن ).
وقـال الليـث:حدثنـي نافـع : رحـم الله المحلقيـن . مـرة أو مرتيـن . قـال : وقـال عبيـد الله:حدثنـي نافـع ، وقـال فـي الرابعـة : والمقصريـن .(3)
وعـن عبـد الله بـن عبـاس - رضي الله عنهما - قـال: (حلـق رجـال يـوم الحديبيـة وقصـر آخـرون فقـال رسـول الله- صلى الله عليه وسلم-: ( يرحـم الله المحلقيـن قالـوا : يـا رسـول الله والمقصريـن قـال : يرحـم الله المحلقيـن قالـوا:يـا رسـول الله والمقصريـن قـال:يرحـم اللهالمحلقيـن قالـوا : يـا رسـول الله والمقصريـن قـال: والمقصريـن قالـوا فمـا بـال المحلقيـن يا رسـول الله ظاهـرة لهـم الرحمـة قـال: لـم يشـكوا قـال : فانصـرف رسـول الله - صلى الله عليه وسلم -. (4)
سـائلاً الله بقلبـي حـال حلقـي لرأسـي :
أن يغيـث فقيـرًا ذليـلاً منـه برحمـات ، آمـلاً أن يقبـل الله الدعـوات ،فيرفعهـا إليـه بتلـكم الشَّـعرات ، متمثـلاً فرحـة الصحابـي العظيمـة ، بدخولـه فـي رحـاب دعـوات رسـولينا الكريمـة:
عـن مالـك بـن ربيعـة السـلولي قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وسلم - : ( اللهـم اغفـر للمحلقيـن اللهـم اغفـر للمحلقيـن قـال يقـول رجـل مـن القـوم والمقصريـن فقـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فـي الثالثـة أو فـي الرابعـة والمقصريـن.)
ثـم قـال : ( وأنـا يومئـذ محلـوق الـرأس فما يسـرني بحلـق رأسـي حمـر النعـم أو خطـرًا عظيمًـا.)(5)
وهنـا تواتـرت علـى قلبـي الأحاديـث فـي فضـل الحلـق ومـا لفاعلـه- إن كـان مقبـولاً- مـن أجـر نفيـس، فرغبـت النفـس وأقبلـت بحـبّ علـى العمـل ، يحدوهـا الرجـاء بالقبـول والأمـل:
ـ لمـا جـاء فـي حديـث عبـدالله ابـن عمـر - رضي الله عنهما - قـال : (... إن شـئتما أخبرتكمـا بمـا جئتمـا تسـألاني عنـه فعلـت ، وإن شـئتما أن أمسـك وتسـألاني فعلـت . فقـالا : أخبرنـا يـارسـول الله ! فقـال الثقفـي للأنصـاري : سـل . فقـال : جئتنـي تسـألني عـن مخرجـك مـن بيتـك تـؤم البيـت الحـرام ومـا لـك فيـه ، وعـن ركعتيـك بعـد الطـواف ومـا لـك فيهمـا ، وعـن طوافـك بيـن الصفـا والمـروة ومـا لـك فيـه ، وعـن وقوفـك عشـية عرفـة ومـا لـك فيـه ، وعـن رميـك الجمـار ومـا لـك فيـه ، وعـن نحـرك ومـا لـكفيـه ، مـع الإفاضـة . فقـال : والـذي بعثـك بالحـق ! لعـن هـذا جئـت أسـألك . قـال : فإنـك إذا خرجـت مـن بيتـك تـؤم البيـت الحــرام ؛ لا تضـع ناقتـك خفًـا ، ولاترفعــه ؛ إلا كتـب ( الله ) لـك بـه حسـنة ، ومحـا عنـك خطيئـة . وأمـا ركعتـاك بعـد الطـواف ؛ كعتـق رقبـة مـن بنـي إسـماعيل . وأمـا طوافـك بالصفـا والمـروة ؛كعتـق سـبعين رقبـة . وأمـا وقوفـك عشـية عرفـة ؛ فإن الله يهبـط إلـى سـماءالدنيـا فيباهـي بكـم الملائكـة يقـول : عبـادي جاؤنـي شـعثًا مـن كـل فـج عميـق يرجـون رحمتـي ، فلـو كانـت ذنوبكـم كعـدد الرمـل ، أو كقطـر المطـر ، أو كزبـدالبحـر ؛ لغفرتهـا ، أفيضـوا عبـادي ! مغفـورًا لكـم ، ولمـن شـفعتم لـه . وأمـارميـك الجمـار ؛ فلـك بكـل حصـاة رميتهـا تكفيـر كبيـرة مـن الموبقـات . وأمـا نحـرك ؛ فمدخـور لـك عنـد ربـك. وأمـا حلاقـك رأسـك ؛ فلـك بكـل شـعرة حلقتهـا حسـنة ، وتمحـى عنـك بهـا خطيئـة. وأمـا طوافـك بالبيـت بعـد ذلـك ؛ فإنـك تطـوف ولا ذنـب لـك يأتـي ملـك حتـى يضـع يديـه بيـن كتفيـك فيقـول : اعمـل فيمـا تسـتقبل ؛ فقـد غفـر لـك مـا مضـى.)(6)
وعـن عبـد الله بـن عمـر- رضي الله عنهما - قـال:قـال رسـول الله - صلى الله عليه وسلم -: (وأمـا حلاقـك رأسـك ؛ فلـك بكـل شـعرة حلقتهـا حسـنة ، وتمحـى عنـك بهـا خطيئـة.) (7)
وعـن عبـادة بـن الصامـت -رضي الله عنه - قـال : قـال رسـول الله - صلى الله عليه وسلم -: (وأمـا حلقـك رأسـك ؛ فإنـه ليـس مـن شـعرك شـعرة تقـع فـي الأرض ؛ إلا كانـت لـك نـورًا يـوم القيامـة.) (8)
والحـق أننـي لمـا انتهيـت مـن حلقـه ألبتـة ، شـعرت بخفـة مـن ثقـل شـديد ، كأنمـا ذنوبـي ذهبـت عـن كاهلـي بعيـد ، ففاضـت العيـن بالدمـوع ، وامتـلأ القلـب بجميـل الخشـوع:لـك الحمـد ربـي علـى كريـم هـداك لنفسـي بالخضـوع ، فأتـم اللهـم علـيّ نعمتـك وامتـن علـى فقيـر بعيـد قاصٍ بجميـل الدنـو إليـك والرجـوع .
إنـك بكـل جميـل كفيـل ، أنـت مولانـا ونعـم الوكيـل.
فـائــدة:
قـال ابـن حجـرفـي الفتـح :
}...والأولـى مـاقالـه الخطابـي وغيـره : إن عـادة العـرب أنهـا كانـت تحـب توفيـر الشـعر والتزيـن بـه ، وكـان الحلـق فيهـم قليـلاً وربمـا كانـوا يرونـه مـن الشـهرة ومـن زي الأعاجـم ؛ فلذلـك كرهـوا الحلـق واقتصـروا علـى التقصيـر .
ـ وفـي حديـث البـاب مـن الفوائـد : أن التقصيـر يجـزئ عـن الحلـق ، وهـو مجمـع عليـه ...
ـ وفيـه أن الحلـق أفضـل مـن التقصيـر ، ووجهـه أنـه أبلـغ فـي العبـادة وأبيـن للخضـوع والذلـة وأدل علـى صـدق النيـة ، والـذي يقصـر يبقـي علـى نفسـه شـيئًا ممـا يتزيـن بـه ، بخـلاف الحالـق فإنـه يشـعر بأنـه تـرك ذلـك لله تعالـى .
ـ وفيـه إشـارة إلـى التجـرد ، ومـن ثـم اسـتحب الصلحـاء إلقـاء الشـعور عنـد التوبـة والله أعلـم ... والتقصيـر كالحلـق فالأفضـل أن يقصـر مـن جميـع شـعر رأسـه ، ويسـتحب أن لا ينقـص عـن قـدر الأنملـة ، وإن اقتصــر علـى دونهـا أجـزأ . هـذا للشـافعية وهـو مرتـب عنـد غيرهـم علـى الحلـق ،وهـذاكلـه فـي حـق الرجـال .
ـ وفـي الحديـث أيضًـا مشـروعية الدعـاء لمـن فعـل مـا شـرع لـه ، وتكـرار الدعـاء لمـن فعـل الراجـح مـن الأمريـن المخيـر فيهمـا والتنبيـه بالتكـرار علـى الرجحـان وطلـب الدعـاء لمـن فعـل الجائـز وإن كـان مرجوحًـا...}(9)
ا . هـ . النقل بتصرف
-----------------------------------------------------------
(1) سورةالفتح / آية : (27)
(2) تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي كتاب : الحج عن رسـول الله ... / بـاب : مـا جـاء فـي الحلـق والتقصيـر / رقم 916 ص 565
(3) فتح الباري بشرح صحيح البخاري /ج3/25-كتاب الحج/ 127-بَاب الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ عِنْدَ الْإِحْلَالِ /رقم : 1727
(4) صححه الشيخ أحمد شاكر في : مسند أحمد / رقم : 5 / 107
(5) علق عليه الشيخ الألباني في : إرواء الغليل / ج 4 - 286 /كتاب الحج/باب :دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة/7- تحت حديث رقم 1084/ قائلاً : هو بمجموع الطريقين عن بريد صحيح الإسناد .
(6) علق عليه الشيخ الألباني في : صحيح الترغيب والترهيب/كتاب الحج/ الترغيب في الحج والعمرة وما جاء فيمن خرج يقصدهما فمات[/COLOR / رقم : 1112 / قائلاً : حسن لغيره .
(7) حسنه الشيخ الألباني في : صحيح الترغيب والترهيب /كتاب الحج/11- باب :الترغيب في حلق الراس بمنى/رقم : 1160
(8) حسنه الشيخ الألباني في : صحيح الترغيب والترهيب /كتاب الحج/11- باب :الترغيب في حلق الراس بمنى/رقم :
1160
(9) فتح الباري بشرح صحيح البخاري/ج3 / 25-كتاب:الحج / باب : الحلق و التقصير عند الإحلال
الحج رقم 1726 .