تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123
النتائج 41 إلى 53 من 53

الموضوع: شبهات وإعتراضات حول صفة العلو والرد عليها

  1. #41
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    122

    افتراضي رد: شبهات وإعتراضات حول صفة العلو والرد عليها

    الشبهة الثانية ‏‎:‎قولهم بأن الليل ينتقل من مكان إلى مكان ‏
    قال أحد الأحباش(( ويلزم من حديث النزول أن يكون الله فيما بين النصف الثاني من الليل والفجر ‏مستمراً في النزول والصعود، وذلك أن الليل يختلف باختلاف البلاد، فنصف الليل في بلد هو أول النهار في ‏بلد آخر)).‏

    والجواب عليه ‏‎:‎
    قال الحافظ "وقد استشكل ذلك (الحديث) وهو أنه يستلزم استغراق الزمان كله في ‏ذلك لاتصال الصلاة والسلام عليه ‏الصلاة والسلام‏ في أقطار الأرض ممن لا يحصى كثرة، وأجيب ‏بأن أمور الآخرة لا تُدرك بالعقل، وأحوال البرزخ أشبه بأحوال الآخرة"(2).‏

    فإذا كان العقل لا يدرك كيفية رجوع الروح إلى جسد النبي فمن باب أولى أن لا ‏يدرك كيفية نزول الله. ولكن أهل البدع يتناقضون: فتارة يقدّمون العقل على النقل وتارة ‏يقدمون النقل على العقل وتارة يجوّزون عقلاً ما لا يجوز شرعاً وتارة يجوّزون شرعاً ‏ما لا يجوز عقلاً.‏
    وهذا المثال يظهر به ما تعانيه نفوسهم من مرض التشبيه، وحيازتهم لأدواء ‏فاسدة يسمونها التأويل يظنون أن بها شفاءهم.‏
    والحجة الدامغة في ذلك أن أفاضل هذه الأمة رووا هذا الحديث وكتبوه في كتبهم ‏وسئلوا عن معناه فلم يعارضوه بعقولهم ولم يضربوا له مثل السوء الذي ضربتموه، بل ‏المعروف عنهم عدم التعرض لأحاديث الصفات بما يعرض للعقول من وساوس.‏
    ولهذا أجاب الحافظ ابن رجب(3) على من قال "إن ثلث الليل يختلف باختلاف ‏البلدان فلا يمكن أن يكون النزول في وقت معين" فقال رحمه الله "معلوم بالضرورة قبح ‏هذا الاعتراض وأن رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم‏ وخلفاءه الراشدين لو سمعوا من يعترض به لما ‏ناظروه، بل بادروا إلى عقوبته وإلحاقه بزمرة المخالفين المنافقين المكذبين".‏
    وقد رد على هذه الشبهة السخيفة شيخ الإسلام ابن تيمية فقال ‏‎: ‎‏ ((ومن هنا يظهر عما ذكره ابن حزم ‏وغيره في حديث النزول حيث قال النبي ‎صلى الله عليه وسلم "‎ينزل ربنا‎ ‎كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ‏ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من‎ ‎يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له ‏حتى يطلع الفجر‎".
    فقالوا: قد ثبت أن الليل‎ ‎يختلف بالنسبة إلى الناس فيكون أوله ونصفه وثلثه بالمشرق قبل ‏أوله ونصفه وثلثه‎ ‎بالمغرب قالوا فلو كان النزول هو النزول المعروف للزم أن ينزل في جميع ‏أجزاء الليل‎ ‎إذ لا يزال في الأرض ليل قالوا أو لا يزال نازلا وصاعدا وهو جمع بين‎ ‎الضدين‎.
    وهذا إنما قالوه لتخيلهم من نزوله ما يتخيلونه من نزول أحدهم وهذا عين‎ ‎التمثيل ثم إنهم ‏بعد ذلك جعلوه كالواحد العاجز منهم الذي لا يمكنه أن يجمع من‎ ‎الأفعال ما يعجز غيره ‏عن جمعه وقد جاءت الأحاديث بأنه يحاسب خلقه يومالقيامة كل‎ ‎منهم يراه مخليا به ويناجيه ‏لا يرى أنه متخليا لغيره ولا مخاطب لغيره, وقد قال‎ ‎النبي‎صلى الله عليه وسلم: "‎إذا قال العبد الحمد لله رب ‏العالمين يقول الله حمدني عبدي وإذا قال‎ ‎الرحمن الرحيم قال الله أثنى علي عبدي‎".
    فكل من الناس يناجيه والله تعالى يقول‎ ‎لكل منهم ذلك ولا يشغله شأن عن شأن, وذلك ‏كما قيل لابن عباس كيف يحاسب الله تعالى‎ ‎الخلق في ساعة واحدة فقال: كما يرزقهم في ‏ساعة واحدة‎.
    ومن مثل مفعولاته التي‎ ‎خلقها بمفعولات غيره فقد وقع في تمثيل المجوس القدرية فكيف بمن ‏مثل أفعاله بنفسه أو‎ ‎صفاته بفعل غيره وصفته‎.
    يقال لهؤلاء أنتم تعلمون أن الشمس جسم واحد وهي متحركة‎ ‎حركة واحدة متناسبة لا ‏تختلف ثم إنه بهذه الحركة الواحدة تكون طالعة على قوم‎, ‎وغاربة عن آخرين, وقريبة من ‏قوم وبعيدة من آخرين؛ فيكون عند قوم عنها ليل وعند قوم‎ ‎نهار وعند قوم شتاء وعند قوم ‏صيف وعند قوم حر وعند قوم برد؛ فإذا كانت حركة واحدة‎ ‎يكون عنها ليل ونهار في ‏وقت واحد لطائفتين وشتاء وصيف في وقت واحد لطائفتين فكيف‎ ‎يمتنع على خالق كل ‏شيء الواحد القهار أن يكون نزوله إلى عباده ونداه إياهم في ثلث‎ ‎ليلهم, وإن كان مختلفا ‏بالنسبة إليهم وهو سبحانه لا يشغله شأن عن شأن ولا يحتاج أن‎ ‎ينزل عن هؤلاء ثم ينزل ‏على هؤلاء بل في الوقت الواحد الذي يكون ثلثا عند هؤلاء‎ ‎وفجرا عند هؤلاء يكون نزوله ‏إلى سماء هؤلاء الدنيا وصعوده عن سماء هؤلاء الدنيا‎ ‎فسبحان الله الواحد القهار سبحان ‏ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد‎ ‎لله رب العالمين‎".

  2. #42
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    122

    افتراضي رد: شبهات وإعتراضات حول صفة العلو والرد عليها

    الشبهة الثالثة ‏‎:‎‏احتجاجهم بما رواه النسائي في(عمل اليوم والليلة‎)(‎أن ‏الله عز وجل يمهل‎ ‎حتى يمضي شطر الليل ثم يأمر ‏مناديا ينادي فيقول هل من داع فيستجاب له‎ )).‎



    والجواب على ذلك:‏

    أولاً: أن هذه الرواية لا ذكر فيها: لا لنزول الله ولا نزول الملك، فمن أين ‏حكمت بأن النزول هو نزول الملك بأمره؟ فالتعويل على هذه الرواية يلغي موضوع ‏النزول برمته.‏
    ثانياً: أنه تفرد بهذه اللفظة حفص بن غياث (38) وهو ‏ممن تغير حفظه قليلا بأخرة,وخالفه غير‎ ‎واحد من ‏الثقات ,مثل:شعبة ومنصور بن المعتمر وفضيل بن ‏غزوان ومعمر بن راشد,فرووه‎ ‎بلفظ((إن‎ ‎الله يمهمل ‏حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول ,نزل إلى السماء‎ ‎الدنيا,فيقول:ه من مستغفر‎....)).
    فروايته السابقة شاذة وإن صحت فلها وجه‎ ‎وهو‎:‎
    الثالث ‏‎:‎‏ إن هذا إن كان ثابتا عن النبي صلى الله عليه ‏وسلم فإن الرب يقول ذلك,..ويأمر مناديا‎ ‎فينادي...لا ‏أن المنادي يقول((من يدعوني فاستجيب له)) ومن ‏روى عن النبي صلى الله‎ ‎عليه وسلم أن المنادي يقول ‏ذلك فقد علمنا أنه يكذب على رسول الله صلى الله عليه‎ ‎وسلم فإنه-مع أنه خلاف اللفظ المستفيض المتواتر ‏الذي نقلته الأمة خلفا عن‎ ‎السلف-فاسد في ‏المعقول,يعلم أنه من كذب بعض المبتدعين,كما روى ‏بعضهم((يُنزِّل ‎)) ‎بالضم وكما قرأ بعضهم(وكلم اللهَ ‏موسى تكليما))(39) ونحو ذلك من تحريفهم للفظ‎ ‎والمعنى‎ .‎

    الرابع ‏‎:‎‏ أن الرواية على ضعفها خبر آحاد وتمسككم ينقض ما زعمتم ‏التزامه وهو عدم الاحتجاج بحديث الآحاد في العقائد.‏
    الخامس ‏‎:‎‏ أن تحريفكم هذا يحقق حكم أبي الحسن الأشعري فيكم أنكم من ‏أهل الزيغ والضلالة. فقد روى الحافظ ابن عساكر عن أبي الحسن الأشعري أن الله هو ‏الذي "يقول (هل من سائل هل من مستغفر) خلافاً لما قاله أهل الزيغ والضلالة(40)‏
    وقال "ومما يؤكد أن الله عز وجل مستو على عرشه دون الأشياء كلها، ما نقله ‏أهل الرواية عن رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم‏ قال: ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى السماء الدنيا(41)‏
    فاعدد: كم من المسائل خالفت بها الأشعري ووافقت بها المعتزلة.‏




    الشبهة الرابعة ‏‎:‎‏ قولهم((هل يستلزم نزول الله عز ‏وجل أن يخلو العرش منه أو لا؟))‏.

    والجواب ‏‎:‎
    ‏((علينا أن نثبت النزول على الوجه الذي يليق بالله، ومع كونه ‏استوى على العرش، فهو‎ ‎ينزل كما يليق به عز وجل ليس كنزولنا، إذا ‏نزل فلان من السطح خلا منه السطح، وإذا‎ ‎نزل من السيارة خلت منه ‏السيارة فهذا قياس فاسد له؛ لأنه سبحانه لا يقاس بخلقه، ولا‎ ‎يشبه ‏خلقه في شيء من صفاته. كما أننا نقول استوى على العرش على ‏الوجه الذي يليق به‎ ‎سبحانه، ولا نعلم كيفية استوائه، فلا نشبهه ‏بالخلق ولا نمثله، وإنما نقول استوى‎ ‎استواء يليق بجلاله وعظمته، ‏ولما خاض المتكلمون في هذا المقام بغير حق حصل لهم بذلك‎ ‎حيرة ‏عظيمة حتى آل بهم الكلام إلى إنكار الله بالكلية، حتى قالوا: لا داخل ‏العالم‎ ‎ولا خارج العالم، ولا كذا ولا كذا، حتى وصفوه بصفات معناها ‏العدم وإنكار وجوده‎ ‎سبحانه بالكلية، ولهذا ذهب أصحاب رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم وأهل السنة والجماعة‎ ‎تبعاً لهم فأقروا بما جاءت ‏به النصوص من الكتاب والسنة، وقالوا لا يعلم كيفية صفاته‎ ‎إلا هو ‏سبحانه، ومن هذا ما قاله مالك رحمه الله: (الاستواء معلوم، والكيف ‏مجهول،‎ ‎والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) يعني عن الكيفية، ‏ومثل ذلك ما يروى عن أم سلمة‎ ‎رضي الله عنها عن ربيعه بن أبي عبد ‏الرحمن شيخ مالك رحمهما الله: (الاستواء غير‎ ‎مجهول، والكيف غير ‏معقول، والإيمان بذلك واجب)، ومن التزم بهذا الأمر سلم من شبهات‎ ‎كثيرة ومن اعتقادات لأهل الباطل كثيرة عديدة، وحسبنا أن نثبت ما ‏جاء في النصوص وأن‎ ‎لا نزيد على ذلك، وهكذا نقول يسمع ويتكلم ‏ويبصر، ويغضب ويرضى على وجه يليق به‎ ‎سبحانه، ولا يعلم كيفية ‏صفاته إلا هو، وهذا هو طريق السلامة وطريق النجاة، وطريق‎ ‎العلم ‏وهو مذهب السلف الصالح، وهو المذهب الأسلم والأعلم والأحكم، ‏وبذلك يسلم‎ ‎المؤمن من شبهات المشبهين، وضلالات المضللين، ‏ويعتصم بالسنة والكتاب المبين، ويرد‎ ‎علم الكيفية إلى ربه سبحانه ‏وتعالى، والله سبحانه ولي‎ ‎التوفيق‎.‎‏)) من فتوى للشيخ ابن باز رحمه ‏الله.‏


    الشبهة الخامسة ‏‎:‎قولهم بأن النزول يقتضي الحركة ‏والإنتقال وهذا من خصائص الأجسام.‏


    والجواب من عدة أوجه ‏‎:‎



    الأول ‏‎:‎‏ إن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق ‏بالحق ,وأنصح الخلق للخلق,وأفصح الخلق في بيان ‏الحق,وأحرص الخلق في هداية الخلق,فما بينه من ‏أسماء الله وصفاته هو الغاية في هذا الباب"فإن كان ‏كذلك كان المتحذلق والمنكر عليه من أضل الناس ‏‏,وأجهلهم وأسوئهم أدبا,بل يجب تأديبه ‏وتعزيره,ويجب أن يصان كلام رسول الله صلى الله ‏عليه وسلم عن الظنون الباطلة,والإعتق دات ‏الفاسدة"(42)‏
    ولفظ(الحركة) لم يثبت لا في الكتاب ولا في‎ ‎السنة ‏وبالتالي هو لفظ مجمل يجب الإستفصال في معناه في ‏إن كان حق قبلناه وإن كان‎ ‎باطلا رددناه‎ .
    فإن كان‎ ‎قصدكم بالحركة أن الله إستوى العرش وكلم ‏موسى وينزل كل ليلة في الثلث الأخير وأنه‎ ‎خلق ‏السموات وخلق الخلق وأنه أنزل الله الكتب وأنه يجيء ‏يوم القيامة ليحاسب العباد‎ ‎فهذا المعنى حق دل عليه ‏الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة‎ ((‎واتفق أهل‎ ‎السنة ‏على القول بمقتضى ما دل عليه الكتاب والسنة من ‏ذلك غير خائضين فيه ، ولا‎ ‎محرفين للكلم عن ‏مواضعه، ولا معطلين له عن دلائله . وهذه النصوص ‏في إثبات الفعل ،‎ ‎والمجيء ، والاستواء ، والنزول ‏إلى السماء الدنيا إن كانت تستلزم الحركة لله‎ ‎فالحركة ‏له حق ثابت بمقتضى هذه النصوص ولازمها ، وإن ‏كنا لا نعقل كيفية هذه‎ ‎الحركة‎))(1).
    أما‎ ‎إذا كنتم تقصدون بلفظ(الحركة) أن الله يماثل أحد ‏مخلوقاته في شيء من صفاتهم فهذا‎ ‎المعنى باطل ‏ننكره والإمام الدارمي ينكره كذلك‎ .
    لكن اللفظ حادث وموقف أهل السنة من الألفاظ الحادثة‎ ‎هو‎:
    ‎-‎إما نفيها تماما‎ ‎والوقوف على الألفاظ الواردة فقط‎
    ‎-‎إما إثبات المعنى الصحيح منها وترك المعنى‎ ‎الخاطئ وإبقاء اللفظ(وهذه طريقة الدارمي‎)
    ‎-‎إما إثبات المعنى الصحيح والوقف عن اللفظ‎ ‎وعدم ‏القول به( وهذه طريقة بعض السلف وطريقة ابن ‏تيمية رحمه‎ ‎الله‎).‎



    الثاني ‏‎:‎‏ إن الإنتقال إن لزم من إثبات ما أثبته الله تعالى ‏ورسوله صلى الله عليه وسلم ,فلا بد من إثباته ‏ضرورة ,إذ لا زم الحق حق,وإن لم يكن ذلك لازم ‏له,فأنتم معترضون على الرسول صلى الله عليه وسلم ‏كاذبون عليه,متقدمون بين يديه,فبطل إلزامك إن صح.‏
    قال ابن رجب رحمه الله ‏‎:‎‏(لا نسلم لزومه,فإن نزوله ‏ليس كنزول المخلوقين)(43)‏

    وقال الحافظ الذهبي ‏‎‎‏ ((الصواب في حديث النزول ‏ونحوه ما قاله مالك وأقرانه يُمر كما جاء بلا كيفية , و لازم ‏الحق حق , و نفي‎ ‎الإنتقال و إثباته عبارة ‏محدثة , فإن ثبتت في الأثر ‏رويناها و نطقنا‎ ‎بها , و ان نفيت ‏في الأثر نطقنا بالنفي , و إلا ‏لزمنا السكوت‎ ‎و آمنا‎ ‎بما ثبت في الكتاب و السنة ‏على مقتضاه " اهـ(44)‏
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ‏‎:‎‏ (( والأحسن في هذا ‏الباب مراعاة ألفاظ النصوص.فالألفاظ التي جاء بها ‏الكتاب والسنة في الإثبات تثبت ,والتي جاءت في ‏النفي تنفى .والألفاظ المجملة كلفظ(الحركة) ‏و(النزول) و(الإنتقال) يجب أن يقال فيها ‏‎:‎أنه منزه ‏عن مماثلة المخلوقين من كل وجه,لا يماثل المخلوق ‏لا في نزول,ولا في حركة ولا انتقال ولا زوال ولا ‏غير ذلك(45).وهذه سبيل من اعتصم بالعروة ‏الوثقى(46)))‏.

    الثالث ‏‎:‎‏ يقال لهم ‏‎:‎رب العالمين إما أن يقبل الاتصاف ‏بالإئتيان والمجيء والنزول وجنس الحركة,وإما أن لا ‏يقبله,فإن لم يقبله كانت الأجسام التي تقبل الحركة ولم ‏تتحرك أكمل منه,وإن قبل ذلك ولم يفعله كان ما ‏يتحرك أكمل منه,فإن الحركة كمال للمتحرك,ومعلوم ‏أن من يمكنه أن يتحرك بنفسه أكمل ممن لا يمكنه ‏التحرك ,وما يقبل الحركة أكمل ممن لا يقبها(47)‏
    قال ابن القيم رحمه الله ‏‎:‎‏ ((ومن نزهه عن نزوله كل ‏ليلة إلى السماء الدنيا,ودنوه عشية عرفة من أهل ‏الموقف,ومجيئه يوم القيامة للقضاء بين عباده فرار ‏من تشبيهه بالأجسام,فقد شبهه بالجماد الذي لا ‏يتصرف ولا يفعل ولا يجيئ ولا يأتي ولا ‏ينزل))(48)‏.

    الرابع ‏‎:‎قولكم أن هذه الأمور كالمجيئ والإتيان ‏والنزول من خصائص أجسام قول باطل قطعا لأن ‏الأعراض كذلك توصف بذلك فيقال ‏‎:‎جاء البرد ,جاء ‏الحر,جاء الصيف ,وجاءت الحمى...فهل هذه أجسام ‏عندكم؟وبالتال قولكم هذا من الهذيان والهراء والحمد ‏لله .‏
    الخامس ‏‎:‎‏ أن يقال ‏‎:‎المجيء والإتيان والصعود ‏والنزول توصف بها روح الإنسان التي تفارقه ‏بالموت,وتسمى النفس,وتوصف به الملائكة .وليس ‏نزول الروح وصعودها من جنس نزول البدن ‏وصعوده,فإن روح المؤمن تصعد إلى فوق السموات ‏ثم تهبط إلى الأرض فيما بين قبضها ووضع الميت في ‏قبره .وهذا زمن يسير لا يصعد البدن إلى فوق ‏السماوات ثم ينزل إلى الأرض في مثل هذا الزمن.‏
    وإذا كانت الروح تعرج إلى السماء مع أنها في البدن، علم أنه ليس عروجها من جنس عروج البدن الذي يمتنع هذا فيه. وعروج الملائكة ونزولها من ‏جنس عروج الروح ونزولها، لا من جنس عروج البدن ونزوله. وصعود الرب عز وجل فوق هذا كله وأجل من هذا كله؛ فإنه تعالى أبعد عن مماثلة ‏كل مخلوق من مماثلة مخلوق لمخلوق.‏
    فتدبر أيها القارئ اللبيب.‏

  3. #43
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    122

    افتراضي رد: شبهات وإعتراضات حول صفة العلو والرد عليها

    الشبهة السادسة ‏‎:‎‏ هل النزول يستلزم أن تكون السماء الدنيا تقله ، والسماء ‏الثانية فوقه ؟‎

    والجواب ماقاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح العقيدة السفارينية :272‏‎ :‎‏ ‏‎ ‎لا يلزم ‏، بل نعلم أنه لا يمكن ، وذلك لأنه لو أقلته السماء الدنيا لكان محتاجاً‎ ‎إليها ، ولو أقلته ‏السماء الثانية لكانت فوقه ، والله سبحانه وتعالى له العلو‎ ‎المطلق أزلاً وأبداً ، إذاً فليست ‏السماء الدنيا تقله ولا السماء الأخرى تظله‏‎ .

    المبحث الثالث : هل إذا نزل إلى السماء الدنيا يخلو منه العرش أو لا يخلو‎ ‎؟‎
    في هذا ثلاثةُ أقوال لعلماء السنة‎ :
    ‎•‎فمنهم من قال : إن العرش يخلو منه‎ .
    ‎•‎ومنهم من قال : إن العرش لا يخلو منه‎ .
    ‎•‎ومنهم من توقف‎ .
    فأما الذين‎ ‎قالوا : إن العرش يخلو منه ، فقولهم باطل ، لأن الله أثبت أنه استوى على العرش ‏بعد‎ ‎خلق السموات والأرض ، ولم ينفِ هذا الاستواء في الحديث حين قال الرسول صلى ‏الله‎ ‎عليه وسلم : (( ينزلُ ربنا إلى السماء الدنيا ) ، فوجب إبقاء ما كان على ما كان ،‎ ‎وليس الله عز وجل كالمخلوقات ، إذا شغل حيزاً فرغ منه الحيز الآخر ، نعم ، نحن إذا‏‎ ‎نزلنا ‏مكاناً خلا منا المكان الآخر ، أما الله عز وجل فلا يقاس بخلقه . فهذا القول‎ ‎باطل لا شك ‏فيه‎ .
    ويبقى النظر في القولين الآخرين ، وهما : التوقف ، أو أن نقول‎ : ‎إنه لا يخلو منه العرش‎ .
    فذهبت جماعة من العلماء رحمهم الله إلى التوقف ،‏‎ ‎وقالوا : ما لنا ولهذا السؤال أصلاً . ولا ‏ينبغي أن نورد هذا السؤال ؛ لأننا لسنا‎ ‎أشد حرصاً على العلم بالله من الصحابة رضي الله ‏عنهم ، ولم يسألوا الرسول عليه‎ ‎الصلاة والسلام عن هذا ، فنقول : هذا السؤال من أصله ‏غير وارد ، ونقول لمن أورده‎ : ‎أنت مبتدع ودعنا من هذا‎ .
    وعندي أن هذه الطريقة أسلم طريقة ؛أن لا نسأل عن شيء‎ ‎لم يسأل عنه الصحابة رضي الله ‏عنهم ، وأن نلقم من سأل عنه حجراً ، فإذا قال قائل‎ : ‎أنا أريد المعقول ، قلنا : اجعل ‏عقلك في نفسك ، وفكر في نفسك ، أما في مثل هذا‎ ‎الأمر فلا تفكر فيه ما دام لم يأتك خبر ‏عنه‎ .
    وللأسف فإن بعض الناس يجادل ويقول‎ : ‎دعوني أتصور النزول حقيقة حتى أتبين هل خلا ‏منه العرش أم لا ؟ ، فنقول : سبحان‎ ‎الله ! ألا يسعك ما وسع الصحابة رضي الله عنهم ؟ ‏اسكت واترك هذا الكلام الذي لم‎ ‎يقله الصحابة رضي الله عنهم للرسول صلى الله عليه ‏وسلم ، وهم أشد الناس حرصاً على‏‎ ‎العلم بالله ، وأعلم الناس بالله‎ .
    وذهب جماعة من العلماء إلى أنه لا يخلو منه‎ ‎العرش ، لأن الله تعالى ذكر أنه استوى على ‏العرش حين خلق السموات والأرض ، ولم يذكر‎ ‎النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا نزل خلا ‏منه العرش ، فالواجب بقاء ما كان على ما‎ ‎كان ، فهو سبحانه استوى على العرش ، ولم ‏يزل مستوياً عليه ، وينزل إلى السماء‎ ‎الدنيا في هذا الوقت ، والله على كل شيء قدير ، ‏وهو سبحانه لا يقاس بخلقه‎.
    كما‎ ‎إننا نقول جزماً : إنه إذا نزل إلى السماء الدنيا لم يكن نازلاً على المخلوقات ، بل‎ ‎هو ‏فوق كل شيء ، وإن كان نازلاً إلى السماء الدنيا ؛ لأن الله لا يقاس بخلقه ، والى‎ ‎هذا ذهب ‏شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن العرش لا يخلو منه. ولكني أميل إلى‎ ‎ترجيح القول ‏الثاني وهو التوقف وألا يورد هذا السؤال أصلا ، وإذا كان الإمام مالك‎ ‎رحمه الله لما قال له ‏القائل : الرحمن على العرش استوى ، كيف استوى ؟ قال : السؤال‎ ‎عن هذا بدعة ، فإننا ‏نقول في هذا : السؤال عنه بدعة‎ .‎
    الشبهة السابعة ‏‎:‎نسبتهم التأويل للإمام مالك رحمه الله
    قال الحبشي "فقد ثبت التأويل عن مالك في حديث النزول أنه قال: نزول رحمة لا نزول نقلة"(49)


    وقوله هذا مردود من وجوه عديدة:‏


    أولاً: أن هذه الرواية إن صحت (وهي ضعيفة السند) تعارض رواية مالك الصحيحة المشهورة في الاستواء.‏
    والأشاعرة تتناقض موافقهم ففي حديث العلو يحتجون بقول مالك (وكيف عنه مرفوع) وفي حديث النزول يجعلون الكيف معقولاً ومؤولاً بنزول ‏الرحمة.‏
    ففي حين ينهى مالك عن إعطاء كيفية للاستواء يجيز حسب هذه الرواية إعطاء تكييف للنزول بأنه رحمة لا نقلة. وكان بإمكانه أن يقول في الاستواء ‏‏(علو مكانة لا علو جهة وتحيز). فكيف ينهى مالك عن طلب الكيفية في الاستواء ثم يفصل النزول بكيفية نزول؟ هذا تناقض!‏
    ثانياً: أن المعتمد عند الحبشي وعند عامة الأشاعرة والماتريدية أن السلف فوضوا آيات الصفات ولم يتأولوها وإنما كان التأويل بدعة الخلف. فكيف ‏يذهب مالك إلى قول الخلف؟
    ثالثاً: أن الرواية عن مالك لم تصح، فيها حبيب بن أب حبيب قال أحمد "كان يكذب" وقال أبو داود "كان من أكذب الناس" وقال ابن حبان "أحاديثه كلها ‏موضوعة، كان يُدخل على الشيوخ الثقات ما ليس من حديثهم"(50).‏
    وقال الحافظ ابن عبد البر شيخ المالكية في عصره عن رواية حبيب "وأنكره آخرون فقالوا: هذا ليس بشيء لأن أمره ورحمته لا يزالان ينزلان أبداً في ‏الليل والنهار". وشكك الذهبي في صحة الروية عن حبيب(51).‏
    وفيها محمد بن علي الجبلّي فقيل إنه كان رافضياً شديد الرفض(52).‏


    وفيها جامع بن سوادة "ضعيف"(53) ومطرف بن عبد الله بن مطرف اليساري أبو مصعب المدني ابن أخت الإمام مالك: كان مضطرب الحديث وكان ‏يحدث عن مالك وغيره بالمناكير فلعل هذا من مناكيره(54).‏
    فرواية الاستواء قد تلقاها سائر أهل العلم بالقبول وتواترت عندهم. أما رواية النزول فهي واهية معلولة لو صحت لكانت شاذة فكيف وقد ثبت ضعفها!‏
    رابعاً: أن الثابت عن مالك خلاف ذلك، فقد ذكر البيهقي صفات الفوقية والنزول والإتيان، ثم روى بسنده عن الوليد بن مسلم قال: سئل الأوزاعي ومالك ‏والثوري والليث بن سعد عن هذه الأحاديث فقالوا "أمرّوها كما جاءت"(55).‏
    هكذا أثبته الصابوني عنهم في كتابه عقيدة السلف وأصحاب الحديث، وأثبته ابن عبد البر عن مالك: وهو أعلم بمذهب مالك من غيره.‏
    ولذا حكى الشيخ عبد القادر الجيلاني عقيدة أهل السنة وذكر منها إيمانهم بأنه تعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء وكما شاء، ونسب تأويل ‏النزول بنزول الرحمة إلى الأشاعرة والمعتزلة(56).‏
    خامساً: أن مالكاً لم يتأول صفة الاستواء حين سأله السائل عن كيفية الاستواء، وإنما اكتفى بالقول: الاستواء معلوم والكيف مجهول. ولو كان متأولاً ‏شيئاً من صفات الله لتأول صفة الاستواء من باب أولى. وسئل أبو حنيفة عن النزول فقال "ينزل بلا كيف" فأثبت أبو حنيفة النزول ولم يبطله بنزول ‏الملك بأمره أو نزول رحمته. وليس من العقل الجمع بين النقيضين كأن نقول: ينزل، ولكن ينزل الملك بأمره!‏
    ـ أن تأويل النزول بنزول الرحمة باطل فإن الرحمة لا ينقطع نزولها. وتأويلها بنزول الملائكة أكثر بطلاناً فإن الملائكة لا تزال تنزل بالليل والنهار ‏وليس في الثلث الأخير من الليل فقط.‏


    ـ وقولهم ينزل أمره باطل ومتناقض فإنه ليس عندهم في السماء شيء فمن أين ينزل أمره؟ أليس ينزل الأمر ممن هو فوق؟.‏
    ـ ومن المعلوم عند أهل الكلام أن الرحمة صفة، وأن الصفة لا تقوم بنفسها بل لا بد لها من محل، وهي لا تتكلم بنفسها ولا تقول أنا الله، فالقائل هو الله ‏حقيقة والفاعل هو الله حقيقة. ثم إذا نزلت الرحمة إلى السماء الدنيا ولم يتنزل إلينا فأي منفعة لنا في ذلك؟
    سابعاً: أنه إذا ثبت عن مالك وأحمد وغيرهما تأويل شيء في موارد النزاع فهو تنازع يُرَدّ إلى الكتاب والسنة. وهو تنازع مسبوق بتنازع الصحابة في ‏تفسير القرآن وغيره. فقد اختلف ابن عباس وابن مسعود في قوله تعالى {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} قال ابن عباس "هو دخان يجيء قبل ‏يوم القيامة، بينما قال ابن مسعود "هو ما أصاب قريشاً من الجوع.‏
    ـ وروى البخاري عن الفضيل بن عياض أنه قال "إذا قال لك الجهمي أننا لا نؤمن بربٍ ينزل عن مكانه فقل له أنت: أنا أؤمن بربٍ كيف يشاء"(57).‏
    وسئل ابن المبارك عن حديث النزول – كيف ينزل؟ فأجابك "ينزل كيف يشاء"(58).‏
    ـ فلماذا الميل إلى تأويل صفة النزول؟ أخوفاً من التشبيه، فإنه لا يعتبر تشبيهاً إلا عند أهل الوسوسة. فكما أنهم يؤمنون بإرادةٍ لله ليست كإرادتنا وبكلام ‏ليس ككلامنا: فما الذي يمنعهم أن يؤمنوا بنزول ليس كنزولنا وباستواء ليس كاستوائنا؟!‏

    وأما احتجاجهم بقول الحافظ ابن حجر أن "المشبهة حملوا النزول على ظاهره"(59).‏
    والجواب: أننا نحتج عليكم وعلى الحافظ رحمه الله بقوله هو "أن المعتزلة والجهمية تذرّعوا بالذريعة عينها فقالوا من أثبت هذه الصفات فهو مشبّه. ثم ‏نقل عن الجويني ارتضاؤه في نهاية المطاف ترك 60(().‏
    ونقول: نعم، من حمله على ظاهره من غير الضابط الحاسم للنزاع وهو {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فهو مشبه حقاً، أما أهل السنة والجماعة فإنهم يراعون هذه ‏الآية دائماً عند إثبات كل صفة أثبتها الله لنفسه.‏

    -----


    ‎(‎‏25‏‎)‎التب صير في معالم الدين 'ص142-147) طبعة دار العاصمة‎ 1416
    ‎(‎‏26‏‎)‎الاس تذكار(8/148‏‎).‎

    ‎(‎‏27‏‎)‎تذكر ة‎ ‎الحفاظ(2/728‏‎).

    ‎(‎‏28‏‎) ‎أخرجه مسلم (758)من حديث‎ ‎أبي هريرة رضي الله عنه‎.
    ‎(‎‏29‏‎)‎أخرج ه النسائي في(اليوم والليلة)(475‏‎) ‎والدارمي(1481و1482 ) وأحمد(4/16-‏‏17)(16265و16268) وصححه الألباني‎ .
    ‎(‎‏31‏‎)‎مجمو ع‎ ‎الفتاوى(5/416‏‎).
    ‎(‎‏32‏‎) ‎نقضه على المريسي(1/500‏‎).
    ‎(‎‏33‏‎9)‎سير أعلام‎ ‎النبلاء(7/451‏‎).
    ‎(‎‏34‏‎)‎التم هيد(7/44‏‎)
    ‎(‎‏35‏‎1)‎سنن أبي‎ ‎داود(4/243)(4733‏‎)
    ‎(‎‏36‏‎)‎رواه البيهقي في الأسماء والصفات(949) بسند صحيح

    ‏(37) بيان تلبيس الجهمية (2|229‏‎)‎
    ‏(38) وقد حكم بضعف اللفظة المذكورة الشيخ الألباني في ‏السلسلة الضعيفة(3897‏‎)‎

    ‏(39) النساء164 وتوجيه التحريف نصب لفظ الجلالة ‏على أنه مفعول ورفع موسى على أنه الفاعل‎ ‎وهذا من ‏تحريفات المعتزلة‎..‎
    ‏(40) تبيين كذب المفتري ص 161 الإبانة 25.‏
    ‏(41) الإبانة 88 وانظر مقالات الإسلاميين 290-291.‏
    ‏(42)مجموع الفتاوى(18/129-130).‏
    ‏(43) الذيل على طبقات الحنابلة(4/34).‏

    ‏(44) المهذب في اختصار السنن الكبير ( 2 / 470‏‎ )‎
    ‏(45)مجموع الفتاوى(16/426)‏
    ‏(46) مجموع الفتاوى(16/432)‏
    ‏(47)مجموع الفتاوى(8/23).‏
    ‏(48) طريق الهجرتين ص295‏

    ‏(49) الدليل القويم 49.‏
    ‏(50) تهذيب التهذيب 2/181 وانظر التقريب (1087).‏
    ‏(51) التمهيد 7/143 سير أعلام النبلاء 8/105.‏
    ‏(52) انظر ترجمته: تاريخ بغداد 3/101-103 والمنتظم لابن الجوزي 8/135 وميزان الاعتدال 3/657 ولسان الميزان 5/343 ترجمة رقم ‏‏(7805).‏
    ‏(53) ميزان الاعتدال 1/387 لسان الميزان 2/119 ترجمة رقم (1896).‏
    ‏(54) الكامل لابن عدي 6/2374 ميزان الاعتدال 4/124 تهذيب التهذيب 10/175.‏
    ‏(55) الأسماء والصفات 569.‏
    ‏(56) الغنية لطالبي طريق الحق 57.‏
    ‏(57) رواه البخاري في خلق أفعال العباد ص 17 وشرح اعتقاد أهل السنة للالكائي 3/452 وعقيدة السلف للصابوني 1/118 واحتج بها الشيخ عبد ‏القادر الجيلاني في كتابه الغنية لطالبي الحق (ص 58) وانظر الأسماء والصفات للبيهقي 569 أو 2/197 تحقيق حيدر.‏
    ‏(58) رواه البيهقي في الأسماء والصفات 569 نسخة حيدر 2/198-199 وهذا القول من ابن المبارك يبطل تحريف الأشاعرة لقول السلف (بلا ‏كيف).‏
    ‏(59) مجلة منار الهدى 11/28.‏
    ‏(60) فتح الباري 13/ 407.‏


  4. #44
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    122

    افتراضي رد: شبهات وإعتراضات حول صفة العلو والرد عليها

    لا تعارض بين النزول والعلو

    لا تعارضَ بينَ نزولهِ تعالى إلى السَّماءِ الدُّنيا في الثلثِ الأخيرِ منْ كلِّ ليلةٍ مع اختلافِ الأقطارِ، وبينَ استوائهِ عزَّ وجلَّ على العرشِ؛ لأنَّهُ سبحانهُ لا يشبهُ خلقهُ في شيءٍ منْ صفاتهِ، ففي الإمكانِ أن ينزلَ كمَا يشاءُ نزولًا يليقُ بجلالهِ في ثلثِ الليلِ الأخيرِ بالنسبةِ إلى كلِّ قطرٍ، ولا ينافي ذلكَ علوَّهُ واستواءهُ على العرش، لأننا في ذلكَ لا نعلمَ كيفيَّةَ النزولِ، ولا كيفيَّةَ الاستواءِ، بلْ ذلكَ مختصٌّ بهِ سبحانهُ، بخلافِ المخلوقِ فإنَّهُ يستحيلُ في حقِّهِ أنْ ينزلَ في مكانٍ ويوجدُ بمكانٍ آخر في تلكَ اللحظةِ كمَا هو معلومٌ، إلَّا الله عزَّ وجلَّ، فهوَ على كلِّ شيءٍ قدير. ولا يقاسُ ولا يمثَّلُ بهم لقوله عزَّ وجلَّ: {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} [النحل: 74]، وقولهِ سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11][1].
    قال إسْحاق بنُ راهويه رحمه الله (238هـ): دخلتُ على ابنِ طاهرٍ فقال: ما هذه الأحاديث؟ تروونَ أنَّ الله ينْزلُ إلى السَّماءِ الدُّنيا؟ قلتُ: نعمْ، رواها الثقاتُ الذينَ يروونَ الأحْكامَ. فقالَ: ينْزلُ ويدعُ عرْشهُ؟ فقلتُ: يقْدرُ أنْ ينزلَ منْ غيرِ أنْ يخلوَ منهُ العرشُ؟ قال: نعمْ. قلتُ: فلمَ تتكلَّم في هذَا[2].
    قال شيخُ الإسلامِ رحمه الله: وعبدُ الله بنُ طاهرٍ - وهوَ منْ خيارِ منْ وليَ الأمرَ بخراسان - كانَ يعْرفُ أنَّ اللهَ فَوْقَ العَرْشِ، وأشْكلَ عليهِ أنَّهُ ينزلُ لتوهمهِ أنَّ ذلكَ يقْتضي أنْ يخْلوَ منهُ العرشُ، فأقرَّهُ الإمامُ إسحاقُ على أنَّهُ فوقَ العرشِ، وقالَ لهُ: يقدرُ أنْ ينزلَ منْ غيرِ أنْ يخلوَ منهُ العرشُ؟ فقالَ لهُ الأميرُ: نعمْ. فقالَ لهُ إسْحاق: لمَ تتكلَّمْ في هذا؟
    يقولُ: فإذا كانَ قادرًا على ذلكَ لمْ يلزمْ من نزولهِ خلوُّ العرشِ منهُ، فلا يجوزُ أنْ يعترضَ على النزولِ بأنَّه يلْزمُ منهُ خلوُّ العرشِ، وكان هذا أهْونَ من اعْتراضِ منْ يقولُ: ليسَ فوقَ العرشِ شيءٌ، فينكرُ هذا وهذا[3].
    وممَّا ذكرنا يتضحُ لكَ أنَّهُ لا تعارضَ بينَ نزولِ الله تبارك وتعالى واستوائهِ على العرشِ.

    --------------------------------------------------------------------------------
    [1] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (3/136)، فتوى رقم (1643).
    [2] أخرجه الذهبي في «العلو» (ص1125)، وصحّح إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية في «شرح حديث النزول» (ص152).
    [3] مجموع الفتاوى (5/377).

  5. #45
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    122

    افتراضي رد: شبهات وإعتراضات حول صفة العلو والرد عليها

    الإعتراض التاسع: إعتراضهم على دليل الإسراء والمعراج في إثبات العلو:
    قال ابن جهبل: ((ولم يرد في حديث المعراج أن الله فوق السماء أو فوق العرش حقيقة ولا كلمة واحدة واحدة من ذلك)) .
    ومثل ذلك ذكره السقاف واحتج بحديث نقله عن الزبيدي وهو((( لا تفضلوني على يونس بن متى )) وادعى أن قرب النبي صلى الله وسلم في المعراج لا يختلف عن قرب يونس في بطن الحوت.


    والجواب عليهما من أوجه:

    الوجه الأول: لقد أقام السقاف الحجة على نفسه بنفسه حيث قال في ص62((وفي صحيح مسلم (1 / 161) عن أبي ذر قال : سألت رسول الله هل رأيت ربك ، قال : " نور أنى أراه " . وفي البخاري (8 / 606) ومسلم (1 / 159) عن مسروق قال : قلت لعائشة رضي الله عنها : يا أمتاه هل رأى محمد ربه ؟ فقالمت : لقد قف شعري مما قلت ! ! أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب : من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب . ثم قرأت * (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير) * . * (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب))

    ومن هنا تأتي حجتنا فلم يسأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم (( هل رأيت ربك )) بعدما علموا أنه عرج به إلى السماء ؟
    الجواب : أنهم يعتقدون أن الله في السماء فلما علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم عرج به إلى السماء فكروا في احتمال رؤيته لربه فتأمل .
    الوجه الثاني: إن ألفاظ الحديث تهدم تأويلاتكما وإنكاركما للعلو مثل قوله((ودنى الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أوأدنى)) ومنها قوله((ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال يا محمد ماذا عهد إليك ربك قال عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة قال إن أمتك لا تستسطع ذلك فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كأنه يستشيره فأشار إليه جبريل أي نعم إن شئت فعلا به إلى الجبار فقال وهو مكانه يارب خفف عنا) الحديث .
    فياليت شعري ماذا يقولان في تردد النبي صلى الله عليه وسلم بين موسى وربه صعودا وهبوطا؟.
    الوجه الثالث: أما الإستدلال بحديث(لا تفضلوني على يونس بن متى) فلا دلالة فيه على إنكار العلو كما حاول أن يفعل السقاف وهنا نقول: لا ذكر في الحديث للعرش ولا للعلو ولا للسماء لا نفيا ولا إثباتا!
    و هذا الحديث بهذا اللفظ لم يروه أحد من أهل الكتب التي يعتمد عليها، وإنما اللفظ الذي في الصحيح {لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى} وفي رواية {من قَالَ: إني خير من يونس بن متى فقد كذب}
    وقد اختلف العلماء في فهم هذا الحديث، فبعض العلماء فهم من هذا أنه يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أي: لا أحد يقول: إنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير من يونس.
    والبعض الآخر قالوا: إن المقصود من قوله: إني -أي المتكلم- خير من يونس بن متى، فقد كذب، ويقول الحافظ ابن حجر : الرواية الأخرى {من قَالَ: أنا خير من يونس بن متى فقد كذب} هي في صحيح البُخَارِيّ وتدل عَلَى أن المقصود من قوله "إني" أي المتكلم، لأنه يقول: من قال "أنا"، فأي أحد من النَّاس يقول: أنا خير من يونس بن متى فقد كذب، لكن يُقال له:
    وعَلَى فرض أنها ثبتت، فإن هذا المعنى الذي فهمه بعض العلماء، ليس عَلَى إطلاقه، لكن عَلَى فرض ذلك فلا يكون تفسيره بأن قرب مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ربه ليلة الإسراء والمعراج مثل قرب يونس، وهو في بطن الحوت، هذا المعنى باطل؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لما اختص الملائكة قَالَ: وَمَنْ عِنْدَهُ [الأنبياء:19] وقَالَ: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّب [فاطر:10].

    فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما عرج به إِلَى السماء كَانَ في موضع التكريم، وهناك ما يدل عَلَى أن العلو كلما كَانَ أكثر، كلما كَانَ فيه تكريم، وقرب من الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عنده، ولهذا سمى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الملأ الأعلى بهذا الإسم، لأنهم أعلى من أهل الدنيا لقربهم منه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وكما جَاءَ في الحديث الآخر {وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه} .
    فالشاهد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما وصل إِلَى ذلك المقام الأعلى الذي لم يصل ولن يصل إليه مخلوق قط، كَانَ هذا تكريماً له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو في هذه الحالة وبهذا العمل أفضل من كل النَّاس الذين لم يصلوا إليه وكذلك الأَنْبِيَاء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لم يحظوا بأن يصلوا إِلَى هذه الدرجة وإلى هذه المكانة، فهذا تعظيم للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو أفضل من يونس بن متى عليهما الصلاة والسلام.
    فقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا يقل أحد: إني خير من يونس بن متى} ليس فيه منع تفضيل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يونس عَلَيْهِ السَّلام، وإنما الذي فيه النهي بأن أحداً لايجوز له أن يفضل نفسه عَلَى يونس عَلَيْهِ السَّلام، بأن يقول: إن يونس فعل ما يلام عليه، وأنا لم أفعل ما ألام عليه، ومع ذلك فإن يونس عَلَيْهِ السَّلام قد استغفر وتاب، وقَالَ: سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87]. وفي قوله هذا دليل عَلَى أنه فعل ما يلام عليه، كما خاطب الله تَعَالَى نبيه بقوله: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ [القلم:48].
    فالرد على هذا التأويل أن الحديث عام وتخصيصه بهذا الأمر تحكم مكشوف والمعنى الصحيح أن منع التفضيل من حيث النبوة والرسالة قال تعالى (( لا نفرق بين أحد من رسله )) ويدخل في ذلك غير الأنبياء من باب أولى
    فمنع التفضيل -عليه الصلاة والسلام- وهذا محمول على حالة واحدة وهي:إذا ما اقتضى المقام تنقص المفضل عليه، إذا اقتضى المقام تنقص المفضول، يقال: لا تفضلوا الأنبياء، وإلا فالتفضيل بين الأنبياء في منطوق الكتاب العزيز تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [(253) سورة البقرة] والمنع من تفضيل الأنبياء((لا تفضلوا بين الأنبياء)) معروف أنه حينما يقتضى هذا التفضيل التنقص للمفضول كما هو ظاهر في قوله: ((لا تفضلوني على يونس بن متى))، لأن ما حصل من يونس -عليه السلام- قد يتطاول عليه بعض السفهاء الذي لا يعرف منازل الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، الذي يقرأ عنه قد يقع في نفسه شيء من التنقص، لكن الله -جل وعلا- أنجاه {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [(143- 144) سورة الصافات] {لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [(87) سورة الأنبياء] دعوة أخي ذو النون، وليست خاصة به بل له ولغيره ممن يقولها في هذه المضايق {وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} [(88) سورة الأنبياء] ليست خاصة بيونس، على كل حال إذا اقتضى التفضيل تنقص المفضول منع وحسمت مادته ((لا تفضلوا بين الأنبياء))، وإلا فالأصل أن التفضيل واقع وثابت في منطوق القرآن.


    الوجه الرابع: أن يقال :ما الذي يمنع من أن يكون الله فوق العرش عال على خلقه ويكون أقرب إلى عباده ؟ فلا تعارض بين علو الله تعالى على خلقه وبين قربه إلى عباده كما يشاء لأننا لا نعلم لا كيفية العلو ولا كيفية القرب فالأولى إثباتهما معا بدلا من ضرب بعضهما ببعض
    ف(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).

  6. #46
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    122

    افتراضي رد: شبهات وإعتراضات حول صفة العلو والرد عليها

    الإعتراض العاشر:إعتراضهم على دليل فطرة
    قالوا:لا يمكن الإستدلال بالفطرة في إثبات العلو لأن الإنسان يولد ولا يعرف شيء.

    والجواب على هذه الشبهة من أوجه:
    الأول:
    إن أول من عرف عنه إنكار المعرفة بالفطرة هم أهل الكلام الذين اتفق السلف على ذمهم من الجهمية والقدرية , وهم عند سلف الأمة من أضل الطوائف وأجهلهم .
    "مجموع الفتاوى" ( 16/340)
    وهو كذلك قول المعتزلة

    الثاني:قد رجح العلماء بأن الفطرة هي الإسلام
    قال ابن حجر :
    وأشهر الأقوال أن المراد بالفطرة الإسلام قال ابن عبد البر : وهو المعروف عند عامة السلف.
    وأجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى: { فطرة الله التي فطر الناس عليها } الإسلام
    واحتجوا بقول أبي هريرة في آخر حديث الباب : اقرؤوا إن شئتم {فطرة الله التي فطر الناس عليها } .
    وبحديث عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: إني خلقت عبادي حنفاء كلهم فاجتالتهم الشياطين عن دينهم . الحديث .
    وقد رواه غيره فزاد فيه : حنفاء مسلمين , ورجحه بعض المتأخرين بقوله تعالى :{ فطرة الله } لأنها إضافة مدح , وقد أمر نبيه بلزومها فعلم أنها الإسلام .
    وقال ابن جرير : قوله : {فأقم وجهك للدين} أي سدد لطاعته حنيفاً أي مستقيماً فطرة الله- أي صبغة الله - وهو منصوب على المصدر الذي دل عليه الفعل الأول أو منصوب بفعل مقدر أي الزم , وقد سبق قبل أبواب قول الزهري في الصلاة على المولود من أجل أنه ولد على فطرة الإسلام , وسيأتي في تفسير سورة الروم جزم المصنف بأن الفطرة الإسلام , وقد قال أحمد : من مات أبواه , وهما كافران حكم بإسلامه , واستدل بحديث الباب ؛ فدل على أنه فسر الفطرة بالإسلام .
    "الفتح" (3|292)
    وقال ابن حجر :قال ابن القيم : وقد جاء عن أحمد أجوبة كثيرة يحتج فيها بهذا الحديث على أن الطفل إنما يحكم بكفره بأبويه ؛ فإذا لم يكن بين أبوين كافرين فهو مسلم .
    وروى أبو داود عن حماد بن سلمة أنه قال : المراد أن ذلك حيث أخذ الله عليهم العهد حيث قال :{ ألست بربكم قالوا بلى} , ونقله ابن عبد البر عن الأوزاعي , وعن سحنون , ونقله أبو يعلى بن الفراء عن إحدى الروايتين عن أحمد , وهو ما حكاه الميموني عنه وذكره ابن بطة ...
    قال الطيبي : ذكر هذه الآية عقب هذا الحديث يقوي ما أوله حماد بن سلمة من أوجه أحدها: أن التعريف في قوله على الفطرة إشارة إلى معهود , وهو قوله تعالى {فطرة الله }ومعنى المأمور في قوله {فأقم وجهك} أي : اثبت على العهد القديم .
    ثانيها : ورود الرواية بلفظ الملة بدل الفطرة والدين في قوله للدين حنيفا هو عين الملة قال تعالى:{ دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا} , ويؤيده حديث عياض المتقدم .
    ثالثها: التشبيه بالمحسوس المعاين ليفيد أن ظهوره يقع في البيان مبلغ هذا المحسوس قال : والمراد تمكن الناس من الهدى في أصل الجبلة , والتهيؤ لقبول الدين فلو ترك المرء عليها لاستمر على لزومها , ولم يفارقها إلى غيرها لأن حسن هذا الدين ثابت في النفوس , وإنما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية كالتقليد انتهى .
    وإلى هذا مال القرطبي في "المفهم "
    فقال:" المعنى أن الله خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات ؛ فما دامت باقية على ذلك القبول , وعلى تلك الأهلية أدركت الحق ودين الإسلام هو الدين الحق , وقد دل على هذا المعنى بقية الحديث حيث قال : كما تنتج البهيمة يعني أن البهيمة تلد الولد كامل الخلقة ؛ فلو ترك كذلك كان بريئاً من العيب لكنهم تصرفوا فيه بقطع أذنه مثلاً ؛ فخرج عن الأصل , وهو تشبيه واقع ووجهه واضح , والله أعلم .
    "الفتح" (3|293)
    وانظر تفسير ابن جرير الطبري (10/183) فقد نقل عن عدة من السلف في تفسير الفطرة بالإسلام
    وقال ابن كثير رحمه الله (3/416) عند قوله تعالى : {فطرة الله التي فطر الناس عليها } : فسدد وجهك واستمر على الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية ملة إبراهيم الذي هداك الله لها, وكملها لك غاية الكمال وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة التي فطر الله الخلق عليها , فإنه تعالى فطر خلقا على معرفته وتوحيده , وأنه لا إله إلا هو كما تقدم عند قوله تعالى :{وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى }.
    ثم قال رحمه الله بعد كلام : والفطرة الإسلام .


    الثالث:أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على هذا الإشكال فقال رحمه الله:ولا يلزم من كونهم مولودين على الفطرة أن يكونوا حين الولادة معتقدين للإسلام بالفعل ؛ فإن الله أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا , ولكن سلامة القلب وقبوله وإرادته للحق الذي هو الإسلام بحيث لو ترك من غير مغير لما كان إلا مسلما , وهذه القوة العلمية العملية التي تقتضي بذاتها الإسلام ما لم يمنعها مانع هي فطرة الله التي فطر الناس عليها .
    "مجموع ا لفتاوى" (4/247)
    وقال ابن القيم - رحمه الله- : ليس المراد بقوله يولد على الفطرة أنه خرج من بطن أمه يعلم الدين لأن الله يقول :{والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا} , ولكن المراد أن فطرته مقتضية لمعرفة دين الإسلام ومحبته ؛ فنفس الفطرة تستلزم الإقرار والمحبة , وليس المراد مجرد قبول الفطرة لذلك لأنه لا يتغير بتهويد الأبوين مثلا بحيث يخرجان الفطرة عن القبول , وإنما المراد أن كل مولود يولد على إقراره بالربوبية فلو خلي ؛ وعدم المعارض لم يعدل عن ذلك إلى غيره كما أنه يولد على محبة ما يلائم بدنه من ارتضاع اللبن حتى يصرفه عنه الصارف , ومن ثم شبهت الفطرة باللبن بل كانت إياه في تأويل الرؤيا .والله أعلم
    "الفتح" (3|293)

    الرابع:إن الفطرة قطعاً دلت على علو الله تعالى علو ذات وعلو قهر وعلو منزلة سبحانه وتعالى , وعلى ذلك مذهب الأشعري وشيخه ابن كلاب .
    قال ابن القيم رحمه الله:
    الطريق الثاني : أن يقال علوه سبحانه على العالم , وأنه فوق السماوات كلها , وأنه فوق عرشه أمر مستقر في فطر العباد معلوم لهم بالضرورة كما اتفق عليه جميع الأمم إقراراً بذلك , وتصديقاً من غير تواطؤ منهم على ذلك ولا تشاعر , وهم يخبرون عن أنفسهم أنهم يجدون ذلك بالضرورة , وجميع الطوائف تنكر قول المعطلة إلا من تلقاه منهم , وأما العامة من جميع الأمم ففطرهم جميعهم مقرة بأن الله فوق العالم , وإذا قيل لهم لا داخل العالم , ولا خارجه , ولا فوقه , ولا تحته , ولا مباين لهو , ولا محايث , ولا يصعد إليه شيء , ولا ينزل منه شيء , ولا يقرب إليه شيء, ولا يقرب هو من شيء , ولا يحجب العباد عنه حجاب منفصل , ولا ترفع إليه الأيدي , ولا تتوجه إليه القلوب نحو العلو أنكرت فطرهم ذلك غاية الإنكار ودفعته غاية الدفع .
    قال أبو الحسن الأشعري في كتبه : ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء لأن الله عز وجل مستو على العرش الذي هو فوق السماوات ؛ فلولا أن الله عز وجل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو السماء كما لا يحطونها إذا دعوا نحو الأرض .
    هذا لفظه في أجل كتبه وأكبرها وهو الموجز , وفي أشهرها وهو الإبانة التي اعتمد عليها أبصر الناس له , وأعظمهم ذبا عنه من أهل الحديث أبو القاسم ابن عساكر؛ فإنه اعتمد على هذا الكتاب وجعله من أعظم مناقبه في كتاب "تبيين كذب المفتري " ثم قال في كتابه : ومن دعاء أهل الإسلام جميعاً إذا هم رغبوا إلى الله عز وجل في الأمر النازل بهم يقولون يا ساكن العرش ويقولون : لا والذي احتجب بسبع سماوات .
    وقال أبو محمد عبدالله بن سعيد بن كلاب في كتاب الصفات , وقد ذكر مسألة الاستواء ... قال : ولو لم يشهد بصحة مذهب الجماعة في هذا إلا ما ذكرنا من هذه الأمور لكان فيه ما يكفي ؛ كيف وقد غرس في بنية الفطرة , ومعارف الآدميين من ذلك ما لا شيء أبين منه , ولا أوكد لأنك لا تسأل أحدا عنه عربياً ولا عجمياً ولا مؤمناً ولا كافراً فتقول أين ربك ؟ إلا قال : في السماء إن أفصح أو أومأ بيده أو أشار بطرفه إن كان لا يفصح لا يشير إلى غير ذلك من أرض ولا سهل ولا جبل , ولا رأينا أحدا داعيا إلا رافعا يديه إلى السماء .
    وقال ابن عبدالبر إمام أهل السنة ببلاد المغرب في التمهيد لما تكلم على حديث النزول قال : هذا حديث ثابت من جهة النقل صحيح الإسناد لا يختلف أهل الحديث في صحته , وهو منقول من طرق سوى هذه من أخبار العدول عن النبي , وفيه دليل على أن الله في السماء على العرش فوق سبع سماوات كما قال الجماعة , وهو من حجتهم على المعتزلة في قولهم إن الله بكل مكان قال: والدليل على صحة قول أهل الحق قوله تعالى -وذكر عدة آيات - إلى أن قال:
    وهذا أشهر وأعرف عند العامة والخاصة من أن يحتاج إلى أكثر من حكايته لأنه اضطرار لم يوقفهم عليه أحد , ولا أنكره عليهم مسلم وهذا قليل من كثير من كلام من ذكر أن مسألة العلو فطرية ضرورية , وأما من نقل إجماع الأنبياء والرسل والصحابة والتابعين وأئمة المسلمين ؛ فأكثر من أن يذكر ولكن ننبه على اليسير منه ....
    "الصواعق المرسلة" (4|1282)
    ومن ذلك ما دار بين أبي المعالي وأبي جعفر
    قال شيخ الإسلام : الوجه الرابع أن الذين يرفعون أيديهم وأبصارهم وغير ذلك إلى السماء وقت الدعاء تقصد قلوبهم الرب الذي هو فوق , وتكون حركة جوارحهم بالإشارة إلى فوق تبعاً لحركة قلوبهم إلى فوق , وهذا أمر يجدونه كلهم في قلوبهم وجداً ضرورياً إلا من غيرت فطرته باعتقاد يصرفه عن ذلك .
    وقد حكى محمد بن طاهر المقدسي عن الشيخ أبي جعفر الهمداني أنه حضر مجلس أبي المعالي فذكر العرش , وقال : كان الله ولا عرش ونحو ذلك وقام إليه الشيخ أبو جعفر فقال : يا شيخ دعنا من ذكر العرش , وأخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا ؛ فإنه ما قال عارف قط : يا الله إلا وجد في قلبه ضرورة لطلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة , قال فضرب أبو المعالي على رأسه وقال: حيرني الهمداني .
    فأخبر هذا الشيخ عن كل من عرف الله أنه يجد في قلبه حركة ضرورية إلى العلو إذا قال : يا الله , وهذا يقتضي أنه في فطرتهم وخلقتهم العلم بأن الله فوق , وقصده والتوجه إليه إلى فوق .
    بيان تلبيس الجهمية" (2|445)


  7. #47
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    122

    افتراضي رد: شبهات وإعتراضات حول صفة العلو والرد عليها

    معنى قول بعض السلف" أمروها كما جاءت" :

    ان معنى قول السلف أمروها كما جاءت أي اعتقدوها وءامنوا بها وبما دلت عليه من المعنى دون التعرض لها بالتحريف ولا بالتأويل ولا بالتشبيه ولابالتمثيل مع عدم التعرض للكيفية .

    ولذلك فان بعض الروايات كما عند البيهقي في الاعتقاد واللالكائي في اعتقادأهل السنة والذهبي في العلو (أمروها كما جاءت بلا كيف ) وهذا نص صريح في الايمان بها وبمعناها دون التعرض للكيفية, ولو لم يكونوا يؤمنون بمعناها ما كان لتخصيص ذكر الكيفية فائدة.

    قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بعد إيراده لرواية أبو بكر الخلال عن مكحول والزهري (أمروها كما جاءت ) وفي رواية بلا كيف قال:( فقولهم رضى الله عنهم أمروها كما جاءت رد على المعطلة وقولهم بلا كيف رد على الممثلة والزهرى ومكحول هما أعلم التابعين فى زمانهم)

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( الفتوى الحموية ) ص 109 مطبعة السنة المحمدية
    (فقول ربيعة ومالك : الاستواء غير مجهول . . . موافق لقول الباقين
    (أمروها كما جاءت بلا كيف ) فإنما نفوا علم الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة .
    ولو كان القوم آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا : ( الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ) ولما قالوا : ( أمروها كما جاءت بلا كيف) فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوما بل مجهولا بمنزلة حروف المعجم
    وأيضا فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبت الصفات.
    وأيضا فإن من ينفي الصفات الجزئية - أو الصفات مطلقا - لا يحتاج إلى أن يقول ( بلا كيف ) فمن قال : ( إن الله ليس على العرش ) لا يحتاج أن يقول ( بلا كيف ) فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر فلما قالوا : بلا كيف؟
    وأيضا فقولهم ( أمروها كما جاءت ) يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه فإنها جاءت ألفاظا دالة على معاني فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال : ( أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد . أو أمروا لفظها مع اعتقاد أن من الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة ) وحينئذ تكون قد أمرت كما جاءت ولا يقال حينئذ ( بلا كيف ) إذا نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول).

    وقال صاحب التحفة المدنية:
    (قولهم رضي الله عنهم أمروها كما جاءت رد على المعطلة وقولهم بلا كيف رد على الممثلة والزهري ومكحول هما أعلم التابعين في زمانهم والأربعة الباقون هم أئمة الدين في عصر تابعي التابعين فمالك إمام الحجاز والأوزاعي إمام أهل الشام والليث إمام أهل مصر وسفيان الثوري إمام أهل العراق)

    إشكال ورده :
    قد يشكل على البعض رواية (أمروها كما جاءت بلا تفسير ) وقد يتعلق بها المفوضة في تصحيح مذهبهم مدعين ان قصد السلف بها تفويض المعنى والكيف معاً , ومثلها قول أحمد بن حنبل رحمه الله (لا كيف ولا معنى)
    فنقول أولا انه لفهم هذه النصوص لا بد من فهمها في ضوء ما يقول به قائلها في سائر نصوص الصفات , فان من روي عنه هذه المقوله هو هو الذي يؤمن بالمعنى ولا يخوض في الكيف .
    ومقصد أهل العلم من قولهم
    أمروها كما جاءت: الرد على المعطلة
    وقولهم بلا تفسير: رد على المؤوله الذين يفسرونها بغير المراد منها ويحرفون الكلم عن مواضعه كتفسير الاستواء بالاستيلاء واليد بالنعمة
    وقولهم بلا كيف : رد على الممثلة والمشبهة الذين يخوضون في الكيف ويشبهون كيفية الصفات في حق الخالق بكيفيتها في حق المخلوق.

    ولا يفهم من قولهم بلا تفسير انه بلا معرفة معناها التي دلت عليه إذا ان الائمة كمالك وربيعة وأحمد والأوزاعي وغيرهم كانوا يؤمنون بالمعنى ويفوضون الكيف ومن الأدلة على ذلك ما اخرجه الذهبي في العلو قال:
    وروى يحيى بن يحيى التميمي وجعفر بن عبد الله وطائفة قالوا جاء رجل إلى مالك فقال : يا أبا عبد الله ( الرحمن على العرش استوى ) كيف استوى ؟ قال : فما رأيت مالكا وجد من شيء كموجدته من مقالته وعلاه الرحضاء يعني العرق وأطرق القوم فسري عن مالك وقال : الكيف غير معقول والإستواء منه غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وإني أخاف أن تكون ضالا وأمر به فأخرج )
    فهذا مالك رحمه الله يصرح بان الاستواء غير مجهول المعنى وان المجهول لنا هو الكيف فقط فنفوض العلم به الى الله عز وجل.

    وقال شيخ الاسلام :
    (أمرّوها كما جاءت . يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه، وتحذير الناس من التماس معان مخالفة للمعنى المتبادر من اللفظ ، فإنها جاءت ألفاظاً دالة على معاني فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال:
    أمرّوا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة)
    مجموع فتاوى ابن تيمية 15/41

    فبهذا علم معنى قولهم بلا تفسير أي بلا تفسير المتاؤولة والمعطلة الذين يوجدون معاني وتفسيرات باطلة ويردون المعنى والتفسير الحق.

    أما قول أحمد رحمه الله (بلا كيف ولا معنى )فهو مما انفرد به حنبل عن الامام أحمد بن حنبل رحمه الله وانفراد حنبل عن أحمد ضعفة بعض الحنابلة قال شيخ الاسلام:(قال قوم: غلط حنبل في نقل الرواية، وحنبل له مفاريد ينفرد بها من الجمهور, وقد اختلف الأصحاب في مفاريد حنبل التي خالفه فيها هل تثبت روايته؟ على طريقين، فالخلال وصاحبه قد ينكرانها، ويثبتها غيرهما كابن حامد)
    ونقول وعلى فرض صحتها عن أحمد رحمه الله فانا نفهم كلامه في ضوء سائر معتقده فانه قصد بلا كيف ردا على المشبهة والممثلة
    وقصد بقوله بلا معنى ردا على على المعطلة والمؤوله الذين يثبتون معان فاسدة ويعطلون المعنى الحقيقي.
    ويؤكد هذا رسالة السنة التي رواها عبدوس بن مالك العطار عن أحمد أن من السنة الإيمان بالقدر والتصديق بالأحاديث فيه والإيمان بها، لا يقال: لِمَ وكيف ومثل ؟والكلام فيه بدعة والحديث عندنا على ظاهره، وحديث الرؤية كما جاء عن النبي نؤمن به كما جاء على ظاهره ولا نناظر فيه أحداً، والإيمان بالميزان يوم القيامة كما جاء » طبقات لحنابلة 1/ 179 – 180 واللالكائي 1/156

    وهذا القول شبيه بقوله في نصوص الرؤية كما عند الخلال:
    (سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروى(إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا) و( أن الله يُرى )و ( إن الله يضع قدمه) وما أشبهه؟ فقال: نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معنى…) طبقات الحنابلة 1/143
    فقوله (لا كيف) رد على المشبهة.
    وقوله (ولا معنى) رد على المعطلة الذين ينفون المعنى الصحيح بإيراد معانٍ باطلة لا سلف لهم بها

    فالإمام أحمد يسوق الكلام في نصوص الوعيد والقدر والصفات والقيامة سوقاً واحداً، ولم يعرف عن أحمد تفويض معاني نصوص القدر والميزان والرؤية.
    ويجب فهم كلام أحمد مقيداً بموقفه الفعلي من الصفات كما يدل عليها كتابه (الرد على الجهمية) الذي اثبته له الحافظ في الفتح حيث رد فيه معاني الجهمية الباطلة ولم يقف عند هذا الحد بل بيّن المعنى الصحيح لها، ولم يقل لا معنى لها .

    وبهذا تبين ان نصوص السلف الواردة عنهم تدل على اثباتهم المعنى وتفويضهم الكيف مع نهيهم عن تفسير نصوص الصفات على تفسير غير تفسيرها الصحيح بالتأويلات الباطلة والمتعسفة ))(1).


    -----
    (1) نقلا عن الأخ هيثم عبد اللطيف حمزه

  8. #48
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    122

    افتراضي رد: شبهات وإعتراضات حول صفة العلو والرد عليها

    الرد على من يقول:الله لا داخل العالم ولا خارج عنه.

    اعلم أرشدك الله تعالى إلى الحق : أن قول مصنف حسن المحاججة ( بأن الله تعالى لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل بالعالم ولا منفصل عنه ولا فوق العالم ولا تحته ولا يمين العالم ولا شماله ولا أمام العالم ولا خلفه ) .

    قول باطل من وجوه :

    الأول : أنه مصادم لنصوص الكتاب والسنة الصحيحة , فقد تقدم أن نصوص الكتاب والسنة تواترت على أن الله تعالى فوق العالم عالٍ على خلقه فوق عباده مستوٍ على عرشه .

    فول كانت هذه العقيدة من العقائد الإسلامية – لجاء النص عليها في كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نرى نصوصاً لا تعد ولا تحصى ضد هذه العقيدة فكيف تجعل هذه العقيدة هي العقيدة الصحيحة ؟! .

    ولم يأت نص واحد لا في الكتب السماوية ولا في أحاديث الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام , على أن الله تعالى لا داخل العالم ولا خارجه إلى آخر هذا الهذيان .

    الوجه الثاني : أن هذه العقيدة مخالفة لعقيدة الأنبياء والمرسلين وعقيدة الصحابة والتابعين وعقيدة أئمة هذا الدين , فقد تقدم أن بني آدم كلهم أجمعوا على أن الله تعالى فوق العالم وأنه عال على عرشه وأن هذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة الطائفة المنصورة الفرقة الناجية أصحاب الحديث في القديم والحديث ولم يخالف في ذلك إلا الفلاسفة والجهمية المعطلة فكيف تعد هذه العقيدة عقيدة لأهل السنة والجماعة , بل هي من أعظم عقائد أهل البدع والتعطيل والتحريف .

    الوجه الثالث : أن قول صاحب كتاب حسن المحاججة ( إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل به ولا منفصل عنه , ولا فوقه ولا تحته ... ) مصادم لعقيدة جميع أئمة الإسلام ونصوص أعلام هذا الدين فقد صرح أئمة الإسلام بأن الله تعالى فوق عرشه عالٍ على خلقه بائن عن العالم كما تقدم بيانه .

    الوجه الرابع : أن قول صاحب حسن المحاججة ( إن الله تعالى لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل بالعالم ولا منفصل عنه ولا فوق العالم ولا تحته ... )

    قول مستلزم لأن يكون الله تعالى معدوماً بل ممتنعاً , لأن بداهة العقول تشهد شهادة لا تقبل النقيض أن أي شيء يكون هذا صفته – فهو معدوم بل ممتنع البتة .

    لأن أي موجود إما أن يكون داخلاً في هذا العالم أو خارجاً عنه أو متصلاً بالعالم أو منفصلاً عنه أو فوق العالم أو تحته , ولا يمكن أن يكون شيء موجوداً لا متصلاً بالعالم ولا منفصلاً عنه ولا داخلاً في العالم ولا خارجاً عنه ولا فوق العالم ولا تحته .

    فإن يكن هذا : فلا يكون شيئاً معدوماً بل ممتنعاً , هكذا صرح كثير من أئمة الإسلام على هؤلاء الجهمية أن قولهم هذا : مستلزم لكون الله تعالى معدوماً بل ممتنعاً , وإليكم نماذج من نصوص بعض أئمة الإسلام لتكون فيها عبرة .

    1-قول كثير من أهل العلم في هؤلاء المعطلة والممثلة لعلو الله تعالى ولكلامه ( المعطل يعبد عدماً والمثل يعبد صنماً , والمعطل أعمى والممثل أعشى , ودين الله بين الغالي فيه والجافي عنه ) .

    2-الإمام محمد بن الحسن الشيباني ( 189 هـ ) فقد قال ( ... فمن قال بقول الجهم فقد فارق الجماعة , لأنه قد وصفه بصفة لاشيء )([10]) .

    3-إمام أهل السنة أحمد بن حنبل ( 241 هـ ) فقد قال في شرح عقيدة من أنكر علو الله تعالى ( فعند ذلك يتبين للناس أنهم لا يؤمنون بشيء )([11]) .

    4-الإمام عبدالعزيز الكناني ( 240 هـ ) قال ( قال لي أحد الجهمية : أقول : إن الله في كل مكان لا كالشيء في الشيء , ولا كالشيء على الشيء , ولا كالشيء خارجاً عن الشيء , ولا مبايناً للشيء , فقلت : فقد دللت بالقياس والمعقول على أنك لا تعبد شيئاً )([12]) .

    5-أقول : لقد ذكر شيخ الإسلام هذا النص عن الكناني ثم علق عليه بقوله ( فهذا عبدالعزيز يبين أن القياس والمعقول يوجب أن ما لا يكون في الشيء ولا خارجاً عنه – فإنه لا يكون شيئاً , وأن ذلك صفة معدوم )([13]) .

    6-وقال الإمام ابن كلاب إمام الكلابية والأشعرية جميعاً ( 240 هـ ) في الرد على المعطلة ( وأخرج([14]) من النظر والخبر قول من قال : إن الله لا في العالم ولا خارج منه , فنفاه نفياً مستوياً , لأنه لو قيل له : صفه بالعدم , ما قدر أن يقول فيه أكثر منه ... ,
    فإن قالوا لا فوق ولا تحت , أعدموه , لأن ما كان لا تحت ولا فوق فعدم ,
    فإذا قيل لهم : فهو لا مماس للعالم ولا مبائن للعالم , قيل لهم : فهو بصفة المحال ... ,
    قيل لهم فأخبرونا عن معبودكم ؟ مماس هو أم بائن ؟
    فإذا قالوا : يوصف بهما .
    قيل لهم : فصفة إثبات خالقنا كصفة عدم المخلوق , فلم لا تقولون صريحاً : إن الله
    عدم ...)([15]) .


    7-السلطان العادل كاسر الأصنام محمود بن سبكتكين ( 421 هـ ) لما سمع ابن فورك الأشعري ينفي فوقية الله على خلقه قال له ( فلو أردت أن تصف المعدوم كيف تصفه بأكثر من هذا ؟ ) , وقال هذا السلطان في الرد على ابن فورك أيضاً ( فرق لي بين هذا الرب الذي تصفه وبين المعدوم )([16]) .

    8-حافظ المغرب الإمام ابن عبدالبر ( 463 هـ ) قال ( وهم ] أي المعطلة [([17]) نافون للمعبود ]يلاشون أي يقولون : لا شيء [([18]) , والحق فيما قاله القائلون ربما نطق به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهم أئمة الجماعة )([19]) .

    9- شيخ الإسلام ابن تيمية ( 728 هـ ) فقد رفع إليه سؤال في حق الأشعرية و الماتريدية والجهمية :

    يا منكراً أن الإله مبائن *** للخلق يا مقتون بل فاتن
    هب قد ضللت فأين أنت فإن تكن *** أنت المباين فهو أيضاً بائن
    أو قلت : لست مبائناً قلنا إذن *** بالاتحاد أو الحلو تشاحن
    أو قلت : ما هو داخل أو خارج *** هذا يدل بأن ما هو كائن
    إذ قد جمعت نقائصاً ووصفته *** عدماً بها هل أنت عنها ضاعن
    ([20])

    فارجع وتب من قال مثلك إنه *** لمعطل والكفر فيه كامن([21])

    أن الذي يقول : إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا تحت ولا مبائن عنه ولا متصل به – فقد جعل الله تعالى معدوماً بل ممتنعاً , وهذا اللازم ولا محيد له منه .

    10- الإمام الذهبي ( 748 هـ ) فقد قال ( مقالة السلف وأئمة السنة بل الصحابة والله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين : وأن الله فوق سماواته ... , ومقالة الجهمية الأولى أنه في جميع الأمكنة , ومقالة متأخري المتكلمين من المعتزلة والماتريدية و الأشعرية أن الله تعالى ليس في السماء ولا على العرش ولا على السماوات ولا في الأرض ولا داخل العالم ولا خارج العالم ولا هو بائن عن خلقه ولا هو متصل بهم ... , قال لهم أهل السنة والأثر : فإن هذا السلوب نعوت المعدوم تعالى الله جل جلاله عن العدم , بل هو متميز هن خلقه موصوف بما وصف به نفسه في أنه فوق العرش بلا كيف )([22]) .

    أقول : أرجو أن يتدبر كلام هذا الإمام فقد ذكر في مسألة علو الله ثلاثة مذاهب :

    الأول : مذهب أهل السنة والجمعة أصحاب الحديث : وهو أن الله فوق العالم بائن من خلقه عال على العرش وأن هذا هو قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وجميع المؤمنين .
    الثاني : قول أصحاب جهم بن صفوان وهو أن الله تعالى في كل مكان , وهو قول الحلولية الصوفية أيضاً .
    الثالث : قول المعطلة كالمعتزلة والماتريدية والأشعرية وهو : أن الله تعالى لا فوق العالم ولا تحته ولا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل بالعالم ولا مفصل عنه وهو قول الفلاسفة أمثال ابن سينا والفارابي والطوسي وغيرهم من الملاحدة والزنادقة .
    فقول صاحب كتاب حسن المحاججة إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق العالم ولا تحته ولا متصل بالعالم ولا منفصل عنه بعينه قول هؤلاء الفلاسفة ومن سائرهم من المعتزلة والأشعرية والماتريدية .

    11- الإمام ابن القيم – رحمه الله – ( 751 هـ ) فقد قال :
    فاحكم على من قال ليس بخارج *** عنها ولا فيها بحكم بيان
    بخلافة الوجهين والإجماع والـ *** عقل الصريح وفطرة الرحمن
    فعليه أوقع حد معدوم وذا *** حد المحال بغير ما فرقان
    يا للعقول إذا نفيتم مخبراً *** ونقيصه ؟ هل ذاك في إمكان
    إذا كان نفي دخوله وخروجه *** لا يصدقان معا لذي الإمكان
    إلا على عدم صريح نفيه *** متحقق ببداهة الإنسان([23])

    12- 15 وهكذا نرى الإمام ابن أبي العز الحنفي ( 792 هـ ) والشوكاني ( 1250 هـ ) , ومحمود الآلوسي ( 1270 هـ ) , وحفيده محمود شكري ( 1342 هـ ) قد صرحوا بأن عقيدة هؤلاء المعطلة من قولهم : إن الله لا داخل العالم ولا خارجه , مستلزم لكون الله تعالى معدوماً بل ممتنعاً .

    الحاصل : أنه ثبت أن صاحب كتاب حسن المحاججة مخالف لعقيدة أئمة الإسلام .

    الوجه الخامس : تبين أن قول صاحب كتاب حسن المحاججة ( بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه ) ليس قول أهل الإسلام أهل السنة والجماعة بل هو قول المعطلة والفلاسفة من الذين تفلسفوا في الإسلام ولعبوا به كما لعب بولس بالنصرانية , أمثال ابن سينا ( 428 هـ ) فقد قال ( ... , إن التحقيق الذي ينبغي أن يرجع إليه في صحة التوحيد عن الإقرار بالصانع موحداً عقد ساعي الكم والكيف والأين والمتى والوضع والتغير , حتى يعبر الاعتقاد به , به أنه ذات واحدة لا يمكن لها شريك في النوع أو يكون لها جزء وجودي كمي أو معنوي , ولا يمكن أن يكون خارجة عن العالم أو داخله فيه , ولا بحيث تصح الإشارة إليه أنه هناك . ممتنع إلقاؤه إلى الجمهور )([24]) .

    أقول الشاهد من كلام ابن سينا هذا هو قوله ( أن تكون خارجة العالم أو داخلة فيه , وبحيث تصح الإشارة إليه أنه هناك ) .
    الوجه السادس : أن قول صاحب كتاب حسن المحاججة ( إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا متصل به ولا منفصل عنه ) رفع للنقيضين , ورفع النقيضين باطل بإجماع العقلاء .

    ولقد صرح كثير من أئمة الإسلام أن قول : إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا متصل به ولا منفصل عنه قول برفع النقيضين([25]) .

    الوجه السابع : أن قول صاحب كتاب حسن المحاججة ( إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل به ولا منفصل عنه ولا فوق العالم ولا تحته ) قول مخالف لبداهة العقول , كما أنه مخالف للعقل الصحيح والفطرة السليمة والإجماع إجماع أهل السنة والجماعة أن الله تعالى لما خلق هذا العالم هل خلقه داخل ذاته أو خلقه خارجاً عنها فإن قالوا خلقها في داخل ذاته كفروا , وإن قالوا قد خلقه خارج ذاته فقد اعترفوا بالحق الذي أنكروه وهو أن الله خارج عن هذا العالم وفوقه ولأن الله تعالى موجود في الخارج , والموجود في الخارج لا بد إما أن يكون داخلاً في هذا الكون أو أن يكون خارجاً عنه وكذا إما أن يكون متصلاً بالعالم أو منفصلاً عنه .

    أما أن يكون بحيث لا يكون لا داخل في العالم ولا خارجاً عنه فهذا شيء مخالف لبداهة العقول([26]) .

    ولتحقيق أن قول صاحب كتاب حسن المحاججة مخالف لبداهة العقل الصريح – يقول الإمام ابن القيم :
    وسل المعطل عن مسائل خمسة *** تردى قواعده من الأركان
    قل للمعطل هل الهنا الـ *** معبود حقا خارج الأذهان
    فإذا نفى هذا فذاك معطل *** للرب حقا بالغ الكفران
    وإذا أقر به فسله ثانياً *** أتراه غير جميع ذى الأكوان
    فإذا نفى هذا وقال بأنه *** هو عينها ما ههنا غيران
    فقد ارتدى بالاتحاد مصرحا *** بالكفر جاحد ربه الرحمن
    حاشا النصارى أن يكونوا مثله *** وهم الحمير وعابدوا الصلبان
    هم خصصه بالمسيح وأمه *** وأولاء ما صانوه عن حيوان
    وإذا أقر بأنه غير الورى *** عبد ومعبود هما شيئان
    فاسأله هل هذا الورى في ذاته *** أم ذاته فيه هنا أمران
    وإذا أقر بواحد من ذينك الـ *** أمرين قبل خده النصراني
    ويقول أهلا بالذي هو مثلنا *** خشداشنا وحبيبنا الحقاني
    وإذا نفى الأمرين فاسأله إذا *** هل ذاته استغنت عن الأكوان
    فلذاك قام بنفسه أم قام بالـ *** أعيان كالأعراض والأكوان
    فإذا أقر وقال : بل هو قائم *** بالنفس فاسأله وقل ذاتان

    إلى آخر كلامه القيم رحمه الله تعالى([27]) .

    فيقال لصاحب كتاب حسن المحاججة وأمثاله : هل الله تعالى عندكم موجود ذهني أم موجود خارجي ؟

    فإن قلتم : هو موجود وبوجود خارجي , نقول لكم : هل الله تعالى عين هذا الكون أم غيره .

    فإن قلتم : هو عين هذا الكون – فقد بحتم بعقيدة الاتحادية .

    وإن قلتم : هو غير هذه الأكوان : نقول لكم : هل الله تعالى في هذه الأكوان أم الأكوان في الله تعالى أم الله تعالى خارج عن هذه الأكوان ؟

    فإن قلتم : إن الله في هذه الأكوان , فقد قلتم بعقيدة الحلولية , الذي هم أكفر من النصارى .

    وإن قلتم : إن الأكوان في الله تعالى فقد ارتكبتم كفراً آخر حيث جعلتم الله محلاً للمخلوقات وطرفا لها .

    وإن قلتم : إن الله تعالى خارج عن هذه الأكوان فقد اعترفتم بالحق وهدمتم بنيانكم .

    وإن قلتم : إن الله تعالى لا داخل العالم ولا خارجه – فقد كابرتم بداهة العقول وخالفتم العقل والنقل والإجماع والفطرة في آن واحد , والله المستعان وعليه التكلان .

    هذا وللإمام ابن أبي العز الحنفي ( 792هـ ) والمفسر الآلوسي ( 1270هـ ) , وابنه نعمان الآلوسي (1317هـ ) وحفيده محمود شكري الآلوسي ( 1342هـ ) كلام قيم مهم إلى الغاية في إبطال قول القائلين بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه وقطع دابرهم وبيان أنهم مناقضون للنقل والعقل وأن قولهم هذا مخالفة لبداهة العقول الضرورية , وأنه ( قد علم العقلاء ملهم بالضرورة : أن ما كان وجوده كذلك – أي خارج الأذهان في الواقع – فهو إما داخل العالم وإما خارج عنه , وإنكار ذلك إنكار ما هو أجلى وأظهر من الأمور البديهيات الضرورية بلا ريب )([28]) .


    --------------------------------------------------------------------------------
    [1] ) الفقه الأبسط رواية أبي مطيع البلخي بتحقيق الكوثري 49-52 , ومع شرحه للسمرقندي 17 .
    [2] ) رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 4/401 , وذكره البخاري معلقاً في خلق أفعال العباد 24 , 5 .
    [3] ) رواه عبدالله بن أحمد في السنة 1/111 , 307 , والدرامي في الرد على الجهمية 33 , وفي الرد على المريسي 24 , 103 , والبيهقي في الأسماء والصفات 427 , ورواه الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث وابن قدامة في العلو 117-118 , والذهبي في العلو 110 وصححه , وذكره البخاري مستدلاً به على علو الله تعالى وعلى أنه في عقيدة أهل السنة والجماعة انظر خلق أفعال العباد 15 وصحح شيخ الإسلام في الحموية 56 , وضمن مجموع الفتاوى 5/184 .
    [4] ) رواه أبو داود في مسائله 262 , وعبدالله بن أحمد في السنة 1/119-120 , وصححه الذهبي وابن القيم والألباني في العلو 118 واجتماع الجيوش 214-215 , ومختصر العلو 169-171 , وقال شيخ الإسلام ( رواه أبي حاتم وغيره بأسانيد ثابتة ) انظر المراكشية 22 , ومجموع الفتاوى 5/184 .
    [5] ) رواه ابن أبي حاتم كما في درء التعارض 6/265 , والحموية 53 , ومجموع الفتاوى 5/49 , والعلو للذهبي 123 ومختصر 181 , ورواه في ذم الكلام ( ق 120/أ ) كما في مختصر العلو للألباني 181 .
    [6] ) اجتماع الجبوش الإسلامية والعلو .
    [7] ) راجع تلبيس الجهمية 2/38 , والعلو للذهبي 128 , واجتماع الجيوش 231 .
    [8] ) رواه ابن أبي حاتم في أصل السنة واعتقاد الدين 66/أ –169 مخطوط الظاهرية بدمشق رقم ( 11 ) والمطبوع في مجلة الجامعة الإسلامية ببنارس في الهند سنة 1403 هـ , وأصل السنة 37-43 ط دار الفرقان , ورواه من طريقه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/176-182 وعن طريقه ابن قدامة في العلو 125-126 والذهبي في العلو 137-138 , وقال شيخ الإسلام ( هذا مشهور عن الإمام عبدالرحمن ابن أبي حاتم في معتقده ) انظر تلبيس الجهمية 2/41 , وانظر تهذيب السن لابن القيم 7/144 .
    [9] ) رواه الحاكم في معرفة علوم الحديث 84 ومن تاريخ نيسابور كما قال الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث 20 , ورواه الصابوني عنه في عقيدة السلف أصحاب الحديث 20-21 , والهروي في ذم الكلام 6/124/2 كم قاله الألباني في مختصر العلو 226 , ورواه ابن قدامة في العلو , وصححه شيخ الإسلام في الحموية 56 , ومجموع الفتاوى 5/52 , وتنظر درء التعارض 6/264 .
    [10] ) رواه اللالكائي فيشرح أصول الاعتقاد 3/432-433 , وانظر الحموية 54 ومجموع الفتاوى 5/50 .
    [11] ) انظر الرد على الجهمية للإمام أحمد 105-106 .
    [12] ) درء التعارض 6/118-119 , ومجموع الفتاوى 5/317 , وبيان تلبيس الجهمية .
    [13] ) درء التعارض 6/118-119 , ومجموع الفتاوى 5/317 , وبيان تلبيس الجهمية .

    [14] ) هكذا في الأصول , ولعل الصواب : ( وخرج ) من اللازم لا من المتعدي .
    [15] ) درء التعارض 6-119-121 , ومجموع الفتاوى 5/317-319 , والصواعق المرسلة 4/1241 , واجتماع الجيوش 282-283 من كتاب " المجرد " لابن فورك .
    [16] ) مجموع الفتاوى 3/37 , درء التعارض 6/253 , والصواعق المرسلة 4/1287 .
    [17] ) الزيادة مني للإيضاح .
    [18] ) الزيادة من الصواعق المرسلة 4/1289 , ولم أجدها في التمهيد المطبوع .
    [19] ) التمهيد لابن عبد البر 7/145 .
    [20] ) هكذا في الأصل ولم أجد مادة ( ضعن ) في اللغة , بالضاد المعجمة والعين المهملة ولعله ( ظاعن ) بالظاء المعجمة والعين المهملة , بمعنى ( السير ) أو ( ضاغن ) بالضاد والغين المعجمتين , بمعنى الميل راجع القاموس 1564 , 1566 .
    [21] ) انظر مجموع الفتاوى 5/267-320 .
    [22] ) العلو 107 , 195 , ومختصر العلو 146-147 , 287 .
    [23] ) النوينة 55 وشرحها توضيح المقاصد 1/386-389 , وشرحها للهراس 1/176-177 , وتوضيح الكافية الشافية
    للسعدي 58 .

    [24] ) الرسالة الأضحوية في أمر المعاد 44-51 تحقيق سليمان دنياط , دار الفكر العربي بالقاهرة , مطبعة الاعتماد بمصر 1368هـ , 1949 الطبعة الأولى , والرسالة الأضحوية 97-103 تحقيق حسن عامي ط. الموسوعة الجامعية للدراساة – بيروت الطبعة الثانية 1407 هـ , 1987 , وانظر نص ابن سينا في درء التعارض 510-18 , والصواعق المرسلة 3/1097-1105 , ومختصر الصواعق 1/154-156 .
    [25] ) مجموع الفتاوى 3/39-40 , 4/60-61, ونقض المنطق 51 , والقصيدة النونية 55 , وتوضيح المقاصد 1/386/389 , وتوضيح الكافية 58-59 , وشرح الهراس للنونية 1/176-177 .
    [26] ) انظر الصواعق المرسلة 4/1241-1422 , 1279-1309 , 339 , وانظر الرد على الجهمية للإمام أحمد 138-139 , ومجموع الفتاوى 5/267-320 , والقصيدة النونية 54-55 , 56 , 57 , وتوضيح المقاصد 1/385-386 , وشرحها للهراس 1/173-176 .
    [27] ) القصيدة النونية 56-57 , وشرحها توضيح المقاصد 1/393-396 , وشرح النونية للهراس 1/181-184 .
    [28] ) شرح الطحاوية 318-319 , 325 , روح المعاني 7/115 , وجلاء العينين 356-357 , 387-388 , وغاية الأماني 1/445 .

  9. #49
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    122

    افتراضي رد: شبهات وإعتراضات حول صفة العلو والرد عليها

    الرد من قال: الله في كل مكان.

    قال الإمام أحمد رحمه الله:(( فقلنا لهم أنكرتم أن يكون الله على العرش وقد قال تعالى(الرحمن على العرش استوى) طه وقال (خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش) يونس فقالوا هو تحت الأرض السابعة كما هو على العرش وفي السموات وفي الأرض وفي كل مكان ولا يخلو منه مكان ولا يكون في مكان دون مكان وتلوا آية من القرآن (وهو الله في السموات وفي الأرض) الأنعام فقلنا قد عرف المسلمون أماكن كثيرة ليس فيها من عظم الرب شيء فقالوا أي مكان فقلنا أجسامكم وأجوافكم وأجواف الخنازير والحشوش والأماكن القذرة ليس فيها من عظم الرب شيء وقد أخبرنا أنه في السماء فقال (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) الملك (أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا) الملك وقال (إليه يصعد الكلم الطيب) فاطر وقال (إني متوفيك ورافعك إلي) آل عمران وقال (بل رفعه الله إليه) النساء ، وقال (وله من في السموات والأرض ومن عنده) الأنبياء وقال (يخافون ربهم من فوقهم) النحل وقال (ذي المعارج) المعارج وقال (وهو القاهر فوق عباده) الأنعام وقال (وهو العلي العظيم) البقرة، فهذا خبر الله أخبرنا أنه في السماء ووجدنا كل شيء أسفل منه مذموما يقول الله جل ثناؤه (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) النساء (وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين) فصلت ، وقلنا لهم أليس تعلمون أن إبليس كان مكانه والشياطين مكانهم فلم يكن الله ليجتمع هو وإبليس في مكان واحد وإنما معنى قول الله جل ثناؤه (وهو الله في السموات وفي الارض) يقول هو إله من في السموات وإله من في الأرض وهو على العرش وقد أحاط علمه بما دون العرش ولا يخلو من علم الله مكان ولا يكون علم الله في مكان دون مكان فذلك قوله (لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما) الطلاق.
    ومن الإعتبار في ذلك: لو أن رجلا كان في يديه قدح من قوارير صاف وفيه شراب صاف كان بصر ابن آدم قد أحاط بالقدح من غير أن يكون ابن آدم القدح فالله وله المثل الأعلى قد أحاط بجميع خلقه من غير أن يكون في شيء من خلقه.
    وخصلة أخرى: لو أن رجلا بنى دارا بجميع مرافقها ثم أغلق بابها وخرج منها كان ابن آدم لا يخفى عليه كم بيت في داره وكم سعة كل بيت من غير أن يكون صاحب الدار في جوف الدار فالله وله المثل الأعلى قد أحاط بجميع خلقه وعلم كيف هو وما هو من غير أن يكون في شيء مما خلق قالوا إن الله معنا وفينا فقلنا الله جل ثناؤه يقول (ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض) المجادلة ثم قال (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم -يعنى الله بعلمه- ولا خمسة إلا هو -يعني الله بعلمه- سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا وهو معهم -يعني بعلمه فيهم- أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم) المجادلة، يفتح الخبر بعلمه ويختم الخبر بعلمه ويقال للجهمي إن الله إذا كان معنا بعظمة نفسه فقل له هل يغفر الله لكم فيما بينه وبين خلقه فإن قال نعم فقد زعم أن الله بائن من خلقه دونه وإن قال لا كفر ، إذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله حين زعم أن الله في كل مكان ولا يكون في مكان دون مكان فقل أليس الله كان ولا شيء فيقول نعم فقل له حين خلق الشيء خلقه في نفسه أو خارجا من نفسه فإنه يصير إلى ثلاثة أقوال لا بد له من واحد منها:
    1إن زعم أن الله خلق الخلق في نفسه كفر حين زعم أن الجن والإنس والشياطين في نفسه .
    2 وإن قال خلقهم خارجا من نفسه ثم دخل فيهم كان هذا كفرا أيضا حين زعم أنه دخل في مكان وحش قذر رديء .
    3وإن قال خلقهم خارجا من نفسه ثم لم يدخل فيهم رجع عن قوله أجمع وهو قول أهل السنة.
    إذا أردت أن تعلم أن الجهمي لا يقر بعلم الله فقل له الله يقول (ولا يحيطون بشيء من علمه) البقرة وقال (لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه) النساء وقال (فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله) هود قال (وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) فصلت فيقال له تقر بعلم الله هذا الذي وقفك عليه بالأعلام والدلالات أم لا، فإن قال ليس له علم كفر، وإن قال لله علم محدث كفر حين زعم أن الله قد كان في وقت من الأوقات لا يعلم حتى أحدث له علما فعلم، فإن قال لله علم وليس مخلوقا ولا محدثا رجع عن قوله كله وقال بقول أهل السنة وهذا على وجوه:
    قال الله جل ثناؤه لموسى (إنني معكما طه يقول في الدفع عنكما وقال (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) التوبة يقول في الدفع عنا وقال (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) البقرة يقول في النصر لهم على عدوهم وقال (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم) محمد في النصر لكم على عدوكم وقال (ولا يستخفون من الله وهو معهم) النساء يقول بعلمه فيهم وقال (فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين) الشعراء يقول في العون على فرعون فلما ظهرت الحجة على الجهمي بما ادعى على الله أنه مع خلقه قال هو في كل شيء غير مماس لشيء ولا مباين منه فقلنا إذا كان غير مباين أليس هو مماس قال لا قلنا فكيف يكون في كل شيء غير مماس لشيء ولا مباين فلم يحسن الجواب فقال بلا كيف فيخدع جهال الناس بهذه الكلمة وموه عليهم فقلنا له أليس إذا كان يوم القيامة أليس إنما هو في الجنة والنار والعرش والهواء قال بلى فقلنا فأين يكون ربنا فقال يكون في كل شيء كما كان حين كان في الدنيا في كل شيء فقلنا فإن مذهبكم إن ما كان من الله على العرش فهو على العرش وما كان من الله في الجنة فهو في الجنة وما كان من الله في النار فهو في النار وما كان من الله في الهواء فهو في الهواء فعند ذلك تبين كذبهم على الله جل ثناؤه.)) كتاب الرد على الجهمية والزنادقة.

  10. #50
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    122

    افتراضي رد: شبهات وإعتراضات حول صفة العلو والرد عليها

    فصل

    تعقيبات على بعض تفسيرات الإمامين النووي وابن حجر

    إنّ الذي دعاني إلى عقد هذا الفصل هو أنني رأيت كثيراً من أهل الكلام يتمسكون ببعض زلات كبار الحفاظ والعلماء خاصة الحافظ النووي وابن حجر رحمهما الله لأن هؤلاء قد وقعوا في بعض الأخطاء في تفسير آيات الصفات فتمسك بها الكثير من الجهمية واعتبروها حجة بالغة يوالون ويعادون عليها ,وكلما جئتهم بالنصوص الناقضة لكلامهم يأتوك بكلام النووي وابن حجر فمن أجل هذا وذاك ارتئيت أن أنقل تعقيبات أهل العلم لما وقع فيه الحافظين من أخطأء في المسألة كسرا لحاجز العصمة الذي أصبح عائق كبيرا يحول بين الجهمية وبين الرجوع إلى الحق ,وقبل أن أنقل تعقيبات أهل العلم لا بد من مسألة مهمة ألا وهي:
    أن هناك فرقا بين إنسان جعل التأويل الباطل منهجا وطريقة يناضل ويجادل عليه، وبين عالم أخطا خطأ وزل زلة؛ فالأول جعل التأويل الفاسد عقيدة يسير عليها، ونبذ الكتاب والسنة وراء ظهره، ولم يرجع إلى فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين كي يعينو على فهم النصوص، ولم يتحر الصواب في الوصول إلى الحق، إنما لجأ في تحرير المسائل إلى فهوم علماء الكلام والضلال؛ كالجعد بن درهم، والجهم بن صفوان، والمريسي، والرازي، وجهمي العصر الكوثري؛ فمثل هذا يلحق بأحد الطوائف المبتدعة أو المارقة، والثاني لا يرى التأويل الباطل ولا التحريف مطلقا، ويتوخى الحق، ويستعين على فهم الكتاب والسنة بعلوم السلف وفهومهم، ولكنه زل زلة، فأول آية أو حديثا؛ لشبهة قامت عنده: إما لضعف الحديث عنده، وإما لعدم فهمه للمسألة على وجهها، وإما لغير ذلك؛ ففي هذه الحالة خطؤه مغفور له، ولكن يجتنب خطؤه ويبين، ولا يتابع عليه؛ لأنه ليس كل من أخطأ يكون كافرا أو مبتدعا؛ فقد عفا الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان.
    قال الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) في ترجمة ابن خزيمة (14/ 376): ((ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده مع صحة إيمانه وتوخيه لإتباع الحق أهدرناه وبدعناه؛ لقل من يسلم من الأئمة معنا)).
    وهذا ظاهر، وكلام علماء السلف يدل على ذلك.

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية(((( إذا رأيت المقالة المخطئة قد صدرت من إمام قديم، فاغتفرت لعدم بلوغ الحجة له، فلا يغتفر لمن بلغته الحجة ما اغتفر للأول، فلهذا يبدع من بلغته أحاديث عذاب القبر ونحوها إذا أنكر ذلك ، ولا تبدع عائشة ونحوها ممن لم يعرف بأن الموتى يسمعون في قبورهم ، فهذا أصل عظيم، فتدبره فغنه نافع )) .
    وقال بعد أن ذكر الفرقة الناجية واعتقادها، والدليل على نجاتها :
    (( وليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد يجب أن يكون هالكاً، فإن المنازع قد يكون مجتهداً مخطئاً يغفر الله خطأه ،وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة )) .
    وأوضح أنه ربما يكون العالم من المتأولين ومن أهل الاجتهاد، ومن ذوي فضل وصلاح ن وحرص على إتباع الشريعة ، واقتفاء آثار الرسول ، ولكنه أخطأ في فهم النصوص، وغلط في اجتهاده ،ن ووهم فيما ذهب إليه من تأويل ، وبين أن هذا الصنف مأجور ومعذور، ولكن لا يجوز إتباعه في غلطه، فقال :
    (( فمن ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله، أو أوجبه بقوله أو بفعله من غير أن يشرعه، فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله ، ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذه شريكاً لله ، شرع ما لم يأذن به الله، نعم، قد يكون متأولاً في هذا الشرع ن فيغفر له لأجل تأويله،إذا كان مجتهداً الاجتهاد الذي يعفي معه عن المخطئ ، ويثاب أيضاً على اجتهاده ، لكن لا يجوز إتباعه في ذلك ، كما لا يجوز إتباع سائر من قال أو عمل قولاً أو عملاً قد علم الصواب في خلافه، وإن كان القائل أو الفاعل مأجوراً أو معذوراً)).
    ومع هذا فلا يتساوى من وقع في شيء من هذا لسبب من الأسباب،فقد يُغظُ على بعض دون بعض ، وهذا ما استخرجه شيخ الإسلام باستقراء النصوص الشرعية، والأحوال السلفية، وخلص إلى القول:
    (( فإذا رأيت إماماً قد غلظ على قائل مقالته أو كفرهن فلا يعتبر هذا حكماً عاماً في كل من قالها، إلا إذا حصل فيه الشرط الذي يستحق به التغليظ عليه ، والتكفير له )) .


    فمن سوّى بين الأول والثاني؛ فقد جار في حكمه، ولم يعدل في قوله؛ فكيف يسوى بين رجلين: أحدهما: تحرى الحق والصواب، واجتهد في ذلك، مع حسن قصده، ولم يصبه؛ لشبهة قامت عنده. والآخر: نظر في كلام المتكلمين واتبعه، وأخذ يجادل عن الباطل، ونبذ نصوص الكتاب والسنة وراء ظهره؛ فالمعروف عنده الرد على علماء السلف وتسفيههم والطعن فيهم، وبيّن له الحق والصواب ولم يرجع، وأنكر أمورا معلومة من الدين بالضرورة، وكثر عثاره، وطال شقاقه وعناده، وكثر تحريفه للنصوص وجداله، ويسب علماء السلف وخيار هذه الأمة، ويسمي التوحيد شركا والشرك توحيدا؟!
    فمن سوى بين من كانت هذه حاله وبين الأول؛ فقد أبعد النجعة، وقفا ما لا علم له به، وخالف الكتاب والسنة، وما عليه سلف الأمة وأئمتها.

  11. #51
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    122

    افتراضي رد: شبهات وإعتراضات حول صفة العلو والرد عليها

    تعقيبات على الإمام النووي رحمه الله(أ):

    قال الإمام النووي فى شرح قول النَّبي صلى الله عليه و سلم للجارية : (( أين الله ؟)) . فقالت : في السماء . قال : (( من أنا ؟)). قالت : أنت رسول الله . قال : (( أعتقها فإنها مؤمنة (1) )) قال ما نصه ( 5 / 24-25 ) :
    (( هذا الحديث من أحاديث الصفات ، و فيها مذهبات تقدم ذكرهما مرات فى كتاب الإيمان :
    أحدهما: الإيمان به من غير خوض فى معناه : مع اعقاد أن الله - تعالى - ليس كمثله شىء ، و تنزيهه عن سمات المخلوقات . هل هي موحدة تقر بأن الخالق المدبر الفعال هو الله و حده ، و هو الذي إذا دعاهُ الداعي استقبل السماء ، كما إذا صلى المصلي استقبل الكعبة و ليس ذلك لأنه منحصر فى السماء كما أنه ليس منحصراً فى جهة الكعبة : بل ذلك لأنَّ السَّماي قبلة الدَّاعين ، كما أنَّ الكعبة قبلة المصلِّين ، أو هيَ من عبدة الأوثان العابدين للأوثان التي بيم أيديهم ؟ فلمَّا قالت : في السماء ، أنَّها موحَّّدة , و ليست عابدة للأوثان (2) .
    قال القاضي عياض : لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم و محدِّثهم و متكلِّمهم و نظَّارهم و مقلِّدهم أن الظَّواهر الواردة بذكر الله فى السماء , كقوله تعالى : (( أأمنتم من في السماء أني يخسف بكم الأرض )) ( 3) و نحوه ، ليست على ظاهرها , لا متأوَّولة عند جميعهم , فمن قال بإثبات جهة فوق من غير تحديد ولا تكييف من المحدِّثين و الفقهاء و المتكلِّمين و أصحاب التنزيه بنفي الحج و استحالة الجهة فى حقه سبحانه و تعالى ، تأولها تأويلات بحسب مقتضاها و ذكر نحو ما سبق .

    قال : و يا ليت شعري ! ما الذي جمع أهل السنة و الحق كلهم على وجوب الامساك عن الفكر فى الذات كما أمروا ، و سكتوا لحيرة العقلو و اتفقوا على تحريم التكييف و التشكيل ؟، و أن ذلك من وقوفهم و إمساكهم غير شاك في الوجود و الموجود ، و غير قادح فى التوحيد , بل هو حقيقته ثم تسامح بعضهم بإثبات الجهة حاشياً من مثل هذا التسامح
    و هل بين التكييف و إثبات الجهات فرق ؟ لكن إطلاق ما أطلقه الشرع من أنه ( القاهر فوق عباده ) (4) و أنه استوى على العرش، مع التمسك بالآية الجامعة للتَّنزيه الكُلي الذي لا يصح فى المعقول غيره و هو قوله تعالى : (( ليس كمثله شيء )) عصمة لمن وفقه الله - تعالى - و هذا كلام القاضي - رحمه الله تعالى - )) .


    التعقيب:
    تصرف النووي - رحمه الله - فى كلام القاضي عياض ، و هذا نص كلام القاضي عياض بحروفه :
    (( و المسألة بالجملية ، و إن كان تساهل في الكلام فيه بعض الأشياخ المقتدى بهم من الطائفتين ، فيه من معوصات مسائل التوحيد ، ويا ليت شعري ما الذي جمع أراء كافة أهل السنة و الحق على تصويب القول بوجوب الوقوف عن. لتفكر فى الذات كما أمروا ، و سكتوا لحيرة العقول و هناك , و سلموا , و أطبقوا على تحريم التكييف و التخييل و التشكيل , و أن ذلك من وقوفهم و حيرتهم غر شك فى الوجود أو جهل بالموجود , و غير قادح فى التوحيد , بل هو حقيقة عندهم ,ثم تسانح بعضهم فى فصل منه بالكلام في إثبات جهة تخصه أو يشار إليه بحيز يحاذيه ، و هل بين التكييف من فرق , أو بين التحديد فى الذات و الجهات من بون ، لكن إطلاق ما أطلقه الشرع من أنه (( القاهر فوق عباده )) و أنه استوى على عرشه ، مع التمسك بالآية الجامعة للتنزيه الكلي الذي لا يصح فى معقول سواه (( لأيس كمثله شىء و هو السميع البصير )) عصمة لمن وفقه الله - تعالى - و هداه )) (5)
    و قد و قع فى كلام النووي ما يستحق أن يقف عنده ، و أن يُنبه إله الطلبة ،فهذه مسألة من المسائل المهمة التي ينبغي أن تكون واضحة وضوح الشمس من غير أدنى لبس أو عموض ، و الكلام المذكور آنفا لا يفي بشىء من ذكل ، بل عليه مؤاخذات ، و لما كان هذا الشرح سار فى الاقطار ، فى سائر الاعصار , لا بد من الوقوف على ما في هذا الكلا لمناصرة الحق ، و الوقوف على العقيدة السلفية فنقول :
    أولاً : قول النووي (( من غير خوض فى معناه )) ليس مذهب السلف و إنما السلف يعلمون المعنى و يمسكون عن الخوض فى الكيفية ، و ما رآه النووي من أن مذهب السلف هو تفويض المعني ليس بصحيح كما بيناه فى الباب الأول .
    ثانياً : قوله نقلاً عن القاضي عياض : (( إن الظواهر الواردة بذكر الله - تعالى - فى السماء .... ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم ، فمن قال بإثبات جهة فوق من غير تحيد ولا تكييف من المحدثين و الفقهاء و المتكلمين تأول (( فى السماء )) أي : على السماء )) فما ينبغي أن يذكر هنا :
    الفرق الكبير بين تفسير السلف الذي هو عين مقتضى اللفظ و تأويل الخلف المخالف لمقتضى اللفظ ، فالتفصير المذكور ، أعني (( على السماء )) هو التفسير السلفي للآية ، و ليس فيه إخراج للفظ عن ظاهره , و هو المراد من قوله صلى الله عليه و سلم (( ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء )) (6) فكما هو مقرر في الأذهان ، و مشاهد في العيان أن الناس على الأرض ، و هو المراد من قوله صلى الله عليه و سلم : (( ارحمو من في الأرض )) فكذلك المراد من قوله (( يرحمكم من في السماء )) فتأمل ولا تكن من الغافلين .
    ثالثاً : تفرقة النووي بين قبلة الداعي و قبلة المصلي مما لا دليل عليه ، فلا قبلة للمسلم إلا واحدة و حمله جواب الجارية لرسول الله صلى الله عليه و سلم و قولها : (( في السماء )) على قبلة الداعين بعيد ، يعوزه الدليل(وقد تقدم الرد على هذا التفريق) .
    رابعاً : عقيدة السلفة القائمة على الكتاب و السنة : أن الله - عز و جل - مستو على عرشه ، بائن من خلقه ، أخبر الله - عز و جل - بذلك فى مواضع كثيرة من القرآن الكريم , منها :
    قوله تعالى : (( ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيراً )) (7) . فان هذه الآية تدل دلالة واصحة أن الله وصف نفسه بالاستواء ، خبير بما وصف به نفسه ، لا تخفى عليه الصفة اللائقة من غيرها ، و يفهم منه أن الذي ينفي عنه صفة الاستواء ليس بخبير ، نعم ، و اله هو ليس بخبير (8) .
    و الادلة النقلية العقلية على هذه المسألة كثيرة و شهيرة ، و نقول السلف حافلةبها ، و هذه الأدلة و النقول مسطرة في كتب التوحيد (9) ، و أخص منها :
    ما كتب مفرداً في هذا الباب(10) ، من مثل كتاب الامام الذهبي (( العلو للعلي الغفار )) وكتاب ابن قدامة المقدسي (( إثبات صفة العلو )) و كتاب ابن القيم (( اجتماع الجيوش الاسلامية )) فإنه ألفه للرد على من أول الاستواء بمعني يخالف ما عليه سلف الأمة ، من مثل المعتزل و الجهمية ، و من سار على منهجهم فى التأويل
    خامساً : و من بين الأمور التي وقعت في كلام الإمام النووي السابق و تحتاج إلى توضيح نسبة الجهة و المكان لله - عز و جل- ولإزالة الغموض في هذه المسألة ، أحب أن أبين ما يلي :
    أن لفظ الجهو فيه إجمال و تفصيل ، فنحن نوافق على نفيه عن الله - تبارك و تعالى - و من وجه آخر ، ذلك أنه قد يراد بنفي الجهة أن الله - سبحانه و تعالى - منزه عن أن يكون في شيء من مخلوقاته ، و إن كان المقصود بنفي الجهة العدمية التي هي عبد عن أن اله - سبحانه و تعالى - فوق خلقه فهذا الامر مرفوض تماماً لأنه لا يجوز أن يقال أن - سبحان و تعالى - ليس فى جهة قصد نفي علوه و فوقيته على خلقه ، و بناء على ما تقدم فإن الجهة قسمنا :
    الأول : جهة يجب أن ينز الله - تبارك و تعالى - عنها و هي هذا العالم

    الوجودي فأن الله - تبارك و تعالى - ليس حالاً في شىء من مخلوقاته ، و على هذا مضى سلف الأمة
    الثاني : جهة ثانية و هي عدم محض ، و هي ما فوق العالم ، فإثبات جهة لله تبارك و تعالى بمعنى أنه فوق العالم مستو على عرشه بائن من خلقه فهذا واجب شرعاً ، مع مراعاة عدم التشبيه و التكييف ، لأن هذه الجهة ثابتة لله تبارك و تعالى بما تواتر من نصوص القرآن الكريم و السنة المطهرة و إجماع سلف الأمة ، بل جميع الاديات السمواي و الكتب المنزل ، فمن قال أن الله تبارك و تعالى فوق العالم لم يقل بجهة وجودية بل بجهة عدمية أثبتها الشرع , و أثبتتها الفطرة , و أثبتها العقل كذلك .
    يقول شيخ الاسلام ابن تيمية موضحاً هذا المعنى :
    (( فإذا كان سبحان فوق الموجودات كلها ، و هو غني لم يكن عنده جهة وجودية يكون فيها فضلاً عن أن يحتاج إليها ، و إن أريد بالجهة ما فوق العالم ليس بشىء ولا هو أمر وجودي ، و هؤلاء أخذوا لفظ الجهة بالاشتراك ، و توهموا و أوهموا إذا كان فى جهة كان في شىء غيره ، كما يكون الأنسان في بيته ، ثم رتبوا على ذلم أن يكون الله محتاجاً إل غيره والله تعالى غني عن كل ما سواه )) (11)
    وجملة القوة في الجهة إن أريد بها أمر وجودي فهذا ينبغي نفيه لأن الله تبارك و تعالى لا يحصره ولا يحيط به شيء من خلقه ، فهو سبحانه و تعالى فوق عرشه بائن من خلقه و هو معهم بعلمه ، و إن أريد بالجهة أمر عدمي و هو ما فوق العالم فهذا ينبغي اثباته لأنهي ليس هنالك فوق العالم إلا الله و حده .




    -----------------
    (أ) التعقيب على النووي نقلته عن كتاب ((الردود والتعقيبات على ما وقع للإمام النووي في شرح صحيح مسلم من التأويل في الصفات وغيرها من المسائل المهمات )) للشيخ مشهور حسن آل سلمان .

    (1) خرجته و بينت طرقه فى تعليقي على رسالة ابن رشد (( الرد على من ذهب إلى تصحيح علم الغيب من جهة الخط )) ( 23 - 30 ))
    (2) هذا معنى كلام المازري فى (( المعلم )) ( 1/ 275- 276)
    (3) الملك : 16
    (4) الأنعام 18 ، 61
    (5) (( إكمال العلم )) ( ق 206 /ب).
    (6) الحديث صحيح راجع (( السلسلة الصحيحة )) رقم ( 920)

    (7) الفرقان : (59)
    (8) (( منهج و دراسات لآيات الصفات )) (26).
    (9) من مثل : (( إبطال التأويلات )) ( 1/232) لأبي يعلي الفراء ، و (( التوحيد )) (101) لبن خزيمة و (( الرد على الجهمية )) (18 ) لعثمان بن سعيد الدرامي ، و (( شرح أصول اعتقاد أهل السنة )) ( 3 / 387و ما بعدها ) للالكائي و (( الابانة )) (36) لأبي الحسن الأشعري ، و (( مختصر الصواعق المرسلة )) (2/126 ) لابن القيم , و (( درء تعارض العقل و النقل )) ( 6 / 258 ) لابن تيمية و كتبه حافلة في بيان هذه المسألة و (( التمهيد )) ( 7 /128) لابن عبد البر القرطبي و (( عقيدة عبد الغني المقدسي )) (40) و (( شرح العقيدة الطحاوية ))
    325) ، و غيره كثير
    (10) و قد صنف فيها كثير من المحدثين مثل : أسامة القصاص - رحمه الله تعالى - و عبد الله السبت ، و الأخ سليم الهلالي و عوض منصور
    (11) انظر (( نقض تأسيس الجهمية )) ( 1/ 520 ) و (( التدمرية )) ( ص 45 ) ،و (( مختصر العلو )) ( 286 - 287 )
    ، و (( منهاج الأدلة )) ( 178 ) , و (( البيهقي و موقفه من الألهيات )) ( 353 ) و (( ابن جرير و دفاعه عن عقيدة السلف )) ( 475 - 476 )


  12. #52
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    122

    افتراضي رد: شبهات وإعتراضات حول صفة العلو والرد عليها

    تعقيبات على الحافظ ابن حجر:

    1 - قال الحافظ في المقدمة ص 136 :
    قـــوله " استوى على العرش " هو من المتشابه الذي يفوض علمه إلى الله تعالى ، ووقع تفسيره في الأصل .اهـ

    التعقيب:

    قال الشيخ البراك : قولــه : " هو من المتشابه ... الخ " إن أراد ما يشتبه معناه على بعض الناس فهذا حق ؛ فإن نصوص الصفات ومنها الاستواء قد خفي معناها على كثير من الناس ، فوقعوا في الاضطراب فيها وعلِم العلماء من السلف وأتباعهم معانيها المرادة منها، فأثبتوها، وفوضوا علم حقائقها وكيفياتها إلى الله تعالى؛ كما قال الإمام مالك وشيخه ربيعة لما سـئل عن الاستواء: " الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب" وهذه قاعدة يجب اتباعها في جميع صفات الله تعالى ، وقد فسر السلف الاستواء: بالعلو والارتفاع والاستقرار.
    وإن أراد بالمتشابه: (ما لا يفهم معناه أحد، فيجب تفويض علم معناه إلى الله تعالى) فهذا قول أهل التفويض من النفاة المعطلة ، وهو باطل؛ لأنه يقتضي أن الله سبحانه خاطب عباده بما لا يفهمه أحد ، وهذا خلاف ما وصف الله به كتابه من البيان والهدى والشفاء.
    وهذا الاحتمال الثاني هو الذي يقتضيه سياق الحافظ عفا الله عنه.

    2-قال الحافظ ابن حجر 1/508: "وفيه الرد على من زعم أنه على العرش بذاته "
    [أي:حديث : إن ربه بينه وبين القبلة]

    التعقيب:

    قال الشيخ البراك : وقوله: "وفيه الرد على من زعم أنه على العرش بذاته...الخ": هذا صريح في أن الحافظ ـ عفا الله عنه ـ ينفي حقيقة استواء الله على عرشه ؛ وهو علوه وارتفاعه بذاته فوق عرشه العظيم.
    وهذا مذهب المعطلة من الجهمية والمعتزلة، بل ومذهب كل من ينفي علو الله على خلقه؛ ومنهم الماتريدية ومتأخرو الأشاعرة ؛ وهو مذهب باطل مناقض لدلالة الكتاب والسنة والعقل والفطرة.
    ومذهب سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الدين وجميع أهل السنة والجماعة: أن الله عز وجل فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه؛ أي ليس حالاً في مخلوقاته، ولا ينافي ذلك أنه مع عباده أينما كانوا، وأنه تعالى يقرب مما شاء متى شاء كيف شاء. وكذلك لا ينافي علوه واستواؤه على عرشه ما جاء في هذا الحديث من أنه سبحانه قِِبل وجه المصلي، أو بينه وبين القبلة؛ فالقول فيه كالقول في القرب والمعية؛ كل ذلك لا ينافي علوه ولا يوجب حلوله تعالى في شيء من المخلوقات؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
    "ولا يحسب الحاسب أن شيئا من ذلك يناقض بعضه بعضا ألبتة; مثل أن يقول القائل: ما في الكتاب والسنة من أن الله فوق العرش يخالفه الظاهر من قوله: { وهو معكم أين ما كنتم }، وقوله صلى الله عليه وسلم: { إذ قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قبل وجهه }، ونحو ذلك؛ فإن هذا غلط؛ وذلك أن الله معنا حقيقة وهو فوق العرش حقيقة كما جمع الله بينهما في قوله سبحانه وتعالى: { هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بماتعملون بصير }؛ فأخبر أنه فوق العرش يعلم كل شيء وهو معنا أينما كنا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الأوعال: { والله فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه }؛ وذلك أن كلمة (مع) في اللغة إذا أطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة من غير وجوب مماسة أو محاذاة عن يمين أو شمال، فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى؛ فإنه يقال: ما زلنا نسير والقمر معنا أو والنجم معنا، ويقال: هذا المتاع معي لمجامعته لك; وإن كان فوق رأسك. فالله مع خلقه حقيقة وهو فوق عرشه حقيقة.... وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
    { إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قبل وجهه فلا يبصق قبل وجهه } الحديث. حق على ظاهره وهو سبحانه فوق العرش وهو قبل وجه المصلي، بل هذا الوصف يثبت للمخلوقات؛ فإن الإنسان لو أنه يناجي السماء أو يناجي الشمس والقمر لكانت السماءوالشمس والقمر فوقه وكانت أيضا قبل وجهه. وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل بذلك - ولله المثل الأعلى - ولكن المقصود بالتمثيل بيان جواز هذا وإمكانه، لا تشبيه الخالق بالمخلوق؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: { ما منكم من أحد إلا سيرى ربه مخليا به} فقال له أبو رزين العقيلي: كيف يا رسول الله وهو واحد ونحن جميع ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : {سأنبئك بمثل ذلك في آلاء الله؛ هذا القمر: كلكم يراه مخليا به وهو آية من آيات الله ; فالله أكبر } أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم". [مجموع الفتاوى 5 / 102 – 107 باختصار].

    3-قال الحافظ 6 / 291 على حديث رقم ( 3194) قوله: ( فهو عنده فوق العرش ) ، قيل: معناه دون العرش، وهو كقوله تعالى: " بعوضة فما فوقها " والحامل على هذا التأويل استبعاد أن يكون شيء من المخلوقات فوق العرش، ولا محذور في إجراء ذلك على ظاهره؛ لأن العرش خلق من خلق الله. ويحتمل أن يكون المراد بقوله: " فهو عنده " أي ذكره أو علمه، فلا تكون العندية مكانية، بل هي إشارة إلى كمال كونه مخفيًا عن الخلق مرفوعًا عن حيز إدراكهم ".

    التعقيب:
    قال الشيخ البراك : ما نقله الحافظ في شرح هذا الحديث تخبط الحامل عليه نفي علو الله بذاته على خلقه واستوائه على عرشه؛ فإن من ذهب إلى ذلك من الأشاعرة وغيرهم ينفون عن الله عز وجل عندية المكان، فليس بعض المخلوقات عنده دون بعض لأنه تعالى بزعمهم في كل مكان فلا اختصاص لشيء بالقرب منه، فلذا يتأولون كل ما ورد مما يدل ظاهره على خلاف ذلك؛ كقوله تعالى: "إن الذين عند ربك"، وكقوله في هذا الحديث: " فهو عنده فوق العرش"، فجرهم الأصل الفاسد إلى مثل هذه التأويلات المستهجنة التي ذكرها الحافظ وتعقب بعضها، وأهل السنة المثبتون للعلو والاستواء يجرون هذا الحديث وأمثاله على ظاهره، وليس عندهم بمشكل، فهذا الكتاب عنده فوق العرش، والله فوق العرش كما أخبر به سبحانه عن نفسه، وأخبر به أعلم الخلق به .))).
    قال ابن خزيمة ‏‎:‎((فالخبر دال على ربنا جلا وعلا فوق عرشه الذي كتابه-أن ‏رحمته غلبت غضبه-عنده) كتاب التوحيد ص105‏
    وقال صديق حسن خان رحمه الله ‏‎:‎‏ وهذا يدل على العندية والعلو ‏والفوقية.ونحن نؤمن به,بلا كيف ولا تمثيل,ولا ننكره,ولا نؤوله كأهل ‏الكلام.وهذا هو سبيل السلف في مسائل الصفات.‏
    والحديث ‏‎:‎‏ دليل على سبق لرحمة وغلبتها على الغضب والسخط.وهذا هو ‏اللائق بشأن أرحم الراحمين.ولولا ذلك لكنا جميعا خاسرين هالكين.نعوذ بالله من ‏غضب الله ونتوب إليه من سخطه ونرجوا رحمته وكرمه وفضله ولطفه.وما ‏أحقه بذلك)السراج الوهاج(11/22-23).‏
    قال ابن القيم رحمه الله ‏‎:‎
    واذكر حديثا في الصحيح تضمنت***كلماته تكذيب ذي البهتان ‏
    لما قضى الله الخليقة ربنا***كتبت يداه كتاب ذي إحسان
    وكتابه هو عنده وضع***على العرش المجيد الثابت الأركان
    إني أنا الرحمان تسبق***رحمتي غضبي وذاك لرأفتي وحنان
    4-قال الحافظ 7 / 124 على حديث رقم ( 3803) قال : " وليس العرش بموضع استقرار الله.. ".
    التعقيب:
    قال الشيخ البراك: لا وجه لهذا النفي؛ فإن الله عز وجل مستو على عرشه كما أخبر سبحانه في سبعة مواضع من كتابه أنه استوى على العرش. ومن عبارات السلف في تفسير ( استوى ): استقر. ولكن نفي أن يكون العرش موضع استقرار الله مبني على نفي حقيقة الاستواء، وهو مذهب الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الأشاعرة؛ فعندهم أن الله في كل مكان، أو يقال: إنه لا خارج العالم ولا داخله، ثم الواجب عندهم في نصوص الاستواء إما التفويض وإما التأويل؛ مثل أن يقال في معنى ( استوى ): استولى. وهذا هو الغالب عليهم، فيجمعون بين التعطيل والتحريف. وكل هذا بلا حجة من عقل ولا سمع.
    ومذهب أهل السنة إثبات الاستواء بمعناه المعلوم في اللغة مع نفي التمثيل، ونفي العلم بالكيفية، كما قال الإمام مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول".
    ومعلوم أن استواء الله عز وجل على عرشه لا يستلزم حاجته سبحانه إليه؛ لأنه الغني عن كل ما سواه، وهو سبحانه الممسك للعرش وما دون العرش .

    5-قال الحافظ 7 / 156 على حديث رقم ( 3803) قال: " ومع ذلك فمعتقد سلف الأئمة وعلماء السنة من الخلف أن الله منزه عن الحركة والتحول والحلول ليس كمثله شيء ... " .
    التعقيب:
    قال الشيخ البراك: قوله: " أن الله منزه عن الحركة والتحول .... ": لفظ الحركة والتحول مما لم يرد في كتاب ولا سنة، فلا يجوز الجزم بنفيه، ونسبة نفيه إلى السلف والأئمة من أهل السنة والجماعة لا تصح. بل منهم من يجوز ذلك ويثبت معناه ويمسك عن إطلاق لفظه، ومنهم من يثبت لفظ الحركة، ولا منافاة بين القولين؛ فإن أهل السنة متفقون على إثبات ما هو من جنس الحركة كالمجيء، والنزول، والدنو، والصعود، مما جاء في الكتاب والسنة . والأولى: الوقوف مع ألفاظ النصوص.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: " وكذلك لفظ الحركة: أثبته طوائف من أهل السنة ... وقال: والمنصوص عن الإمام أحمد إنكار نفي ذلك ، ولم يثبت عنه إثبات لفظ الحركة، وإن أثبت أنواعًا قد يدرجها المثبت في جنس الحركة" الاستقامة: 1 / 71 – 72 .
    ثم ذكر قول الفضيل بن عياض: " إذا قال لك الجهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكانه. فقل : أنا أومن برب يفعل ما يشاء " الاستقامة: 1 / 77 .
    ونفي الحركة يتفق مع مذهب نفاة الأفعال الاختيارية من الأشاعرة وغيرهم، وهو الذي يقتضيه كلام الحافظ رحمه الله، وأما لفظ التحول فالقول فيه يشبه القول في لفظ الحركة. ))
    وقد تقدم الكلام عن شبهة الحركة والإنتقال في الرد على الإعتراض الثامن.

    6-قال الحافظ 7 / 412 على حديث رقم ( 4121) قال: "لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع أرقعة" وأرقعة بالقاف جمع رقيع، وهو من أسماء السماء، قيل: سميت بذلك لأنها رقعت بالنجوم، وهذا كله يدفع ما وقع عن الكرماني ( بحكم الملك ) بفتح اللام وفسّره بجبريل ؛ لأنه الذي ينزل بالأحكام.
    قال السهيلي: قوله: "من فوق سبع سماوات" معناه أن الحكم نزل من فوق ، قال: ومثله قول زينب بنت جحش: "زوجني الله من نبيه من فوق سبع سماوات" أي نزل تزويجها من فوق، قال: ولا يستحيل وصفه تعالى بالفوق على المعنى الذي يليق بجلاله، لا على المعنى الذي يسبق إلى الوهم من التحديد الذي يفضي إلى التشبيه ... ".

    التعقيب:

    قال الشيخ البراك: قول السهيلي: "ولا يستحيل وصفه تعالى بالفوق ..... ": هذا يتضمن أن الفوقية منها ما يستحيل على الرب سبحانه فيجب نفيه، ومنها ما لا يستحيل عليه فلا مانع من إثباته، وعليه يحمل ما جاء من وصف الله تعالى بالفوقية. وهذا التفصيل مبني على نفي علو الله تعالى بذاته على خلقه واستوائه على عرشه؛ فالفوقية ثلاثة أنواع: فوقية الذات، وفوقية القدر، وفوقية القهر؛ فنفاة العلو من الجهمية ومن تبعهم يثبتون فوقية القدر والقهر دون فوقية الذات، وأهل السنة والجماعة يثبتون له سبحانه الفوقية بكل معانيها؛ كما قال تعالى: "وهو القاهر فوق عباده"، كما يقولون مثل ذلك في العلو؛ فعندهم أن الله سبحانه فوق سماواته على عرشه.

    7-قال الحافظ (10 / 488) على حديث رقم 6070
    "ويدنو المؤمن من ربه أي يقرب منه قرب كرامة، وعلو منزلة".

    التعقيب:

    قال الشيخ البراك: يريد بقوله: "قرب كرامة وعلو منزلة" أن دنو المؤمن من ربه المذكور في الحديث دنو معنوي ، لا أنه دنو بقرب المكان، بحيث يكون في مكان هو فيه أقرب إلى ربه. والأصل في القرب والدنو قرب المكان، وهذا هو المعنى المتبادر من لفظ الحديث وسياقه.
    وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الله سبحانه بذاته في العلو فوق كل شيء، وأنه سبحانه يقرب من بعض خلقه إذا شاء، كيف شاء، ويدني ويقرب من عباده من شاء، وأن من الملائكة ملائكة مقربين، فهم عنده.
    وأهل السنة والجماعة يؤمنون بهذا كله لا يتأولون شيئا منه على خلاف ظاهره. وأما نفاة العلو القائلون بالحلول من الجهمية ومن وافقهم - ومنهم الأشاعرة - فعندهم أنه تعالى لا يقرب من شيء، ولا يقرب منه شيء، وأن نسبة جميع المخلوقات إليه نسبة واحدة. لذلك يلجأون إلى تأويل النصوص المخالفة لأصولهم، ومن ذلك دنو المؤمن من ربه أو إدناؤه له؛ فيؤولونه بقرب المكانة والمنزلة. وهذا هو الذي ذكره الحافظ، ومشى عليه في هذا الحديث ونحوه.

    8-قال الحافظ: "وقال الكرماني: ...النزول محال على الله؛ لأن حقيقة الحركة من جهة العلو إلى السفل، وقد دلت البراهين القاطعة على تنزيهه عن ذلك، فليتـأول ذلك بأن المراد نزول ملك الرحمة ونحوه، أو يفوض مع اعتقاد التنزيه....".
    على حديث رقم 6321

    التعقيب:

    قال الشيخ البراك : "وقال الكرماني : ... النزول محال على الله....": هذا قول منكر، وردٌّ لخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أعلم الخلق بربه، وقد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم الخبر بنزوله سبحانه إلى السماء الدنيا كل ليلة؛ فقد نقل ذلك الجم الغفير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتلقى ذلك أهل السنة والجماعة بالقبول فأثبتوا أنه سبحانه ينزل حقيقة كيف شاء، كما قالوا: إنه استوى على العرش وإنه يجيء يوم القيامة كما أخبر عن نفسه سبحانه وتعالى، فقول أهل السنة في النزول كقولهم في سائر أفعاله وصفاته سبحانه؛ وهو إثباتها مع نفي التمثيل ونفي العلم بالكيفية.
    وقول الكرماني: (النزول محال على الله) هو مذهب المعطلة من الجهمية ومن تبعهم من المعتزلة والأشاعرة، ومن مذهبهم نفي علوه سبحانه بذاته واستوائه على عرشه، ونفي قيام الأفعال الاختيارية به.
    ومن لا يثبت العلو يمتنع عليه أن يثبت النزول، والحامل لهم على هذا الباطل هو توهم التشبيه وقياس الخالق على المخلوق. وهو سبحانه وتعالى لا يقاس بخلقه، وما يثبت له من الصفات هو على ما يليق به لا يماثل صفات المخلوقين؛ فنزوله ليس كنزول المخلوق، كما أن علمه وسمعه وبصره ليس كعلم المخلوق وسمعه وبصره. وتأويل النفاة لنزوله سبحانه بنزول ملك، أو نزول الرحمة هو من تحريف الكلم عن مواضعه؛ فهل يجوز أن يقول الملك: "من يدعوني فاستجيب له، من يسألني فأعطيه"، فلفظ الحديث نص بأن الذي ينزل هو الله نفسه، وهو الذي يقول ذلك، فالذين تأولوا النزول بنزول ملك قد جمعوا بين التحريف والتعطيل فضلوا عن سواء السبيل.

    9-قال الحافظ : "ولو قال من ينسب إلى التجسيم من اليهود: لا إله إلا الذي في السماء لم يكن مؤمنا كذلك، إلا إن كان عاميًا لا يفقه معنى التجسيم فيكتفى منه بذلك، كما في قصة الجارية التي سألها النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت مؤمنة؟" قالت: نعم، قال: "فأين الله؟" قالت: في السماء، فقال: "أعتقها فإنها مؤمنة" ، وهو حديث صحيح أخرجه مسلم.... ".
    وذلك في كلامه على حديث رقم 7377 ، كتاب التوحيد، باب 2.

    التعقيب:

    قال الشيخ البراك : معناه أن اليهود يقرون بأن الله في السماء - يعني في العلو- وهذا عند المعطلة نفاة العلو تجسيم؛ أي أن الله لو كان في السماء لزم أن يكون جسمًا، ومن مذهبهم أن الله تعالى ليس بجسم، فوجب نفي ما يستلزم الجسمية، ومن ذلك العلو على المخلوقات؛ فلذلك نسبوا اليهود إلى التجسيم والتشبيه. ونسبوا كذلك إلى التجسيم أهل السنة المثبتين للعلو وسائر الصفات، لذلك هم يشَبِّهون أهل السنة باليهود.
    وإثبات اليهود للعلو هو من الحق الذي جاءهم به موسى عليه السلام، كما جاءت به سائر الرسل، وجاء به خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم ، وتنوعت أدلته في الكتاب والسنة، ودلت عليه الفطر والعقول السليمة. وكفر اليهود لا يقدح فيما يقرون به من الحق، وأما إطلاق لفظ الجسم على الله تعالى نفيًا أو إثباتًا فقد تقدم قريبًا القول فيه، وبينَّا هناك مذهب أهل السنة والجماعة في ذلك.

    10- قال الحافظ: "وليس المراد قرب المسافة؛ لأنه منزه عن الحلول كما لا يخفى، ومناسبة الغائب ظاهرة من أجل النهي عن رفع الصوت...".
    وذلك في كلامه على حديث رقم 7386، كتاب التوحيد، باب 9.

    التعقيب:
    قال الشيخ البراك: القرب في هذا الحديث هو القرب الخاص؛ وهو قربه سبحانه من عابديه وداعيه، ولا يلزم من هذا القرب حلول الرب سبحانه في شيء من المخلوقات، كما لا يلزم من نزوله سبحانه إلى السماء الدنيا كل ليلة علو سائر السماوات عليه؛ بل هو العلي الأعلى، وهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء؛ فعلوه سبحانه فوق المخلوقات من لوازم ذاته، فنزوله وقربه لا ينافي علوه، بل هو سبحانه عال في دنوه قريب في علوه، فلا يقاس بخلقه، ولا يلزم من صفاته سبحانه ما يلزم في صفات المخلوقين، وعلى هذا فقوله: "وليس المراد قرب المسافة" احتراز لا حاجة إليه، وتقييد لا موجب له؛ لأنه مبني على أن قربه يستلزم الحلول، وهو ممنوع كما تقدم .

    11-قال الحافظ: "والله منزه عن الحلول في المواضع؛ لأن الحلول عرض يفنى وهو حادث، والحادث لا يليق بالله...." .
    وقال ابن التين: "معنى العندية في هذا الحديث العلم بأنه موضوع على العرش ".
    وذلك في كلامه على حديث رقم 7405 ، كتاب التوحيد ، باب 15 .

    التعقيب:

    قال الشيخ البراك:

    قوله صلى الله عليه وسلم "وهو وَضْعٌ عنده على العرش": هذا عند أهل السنة المثبتين لعلو الله على خلقه واستوائه على عرشه ليس بمشكل، بل هذا من أدلتهم على أن الله عز وجل بذاته فوق العرش، وأن هذا الكتاب عنده سبحانه فوق العرش، ولا يلزم من ذلك محذور في حقه سبحانه؛ لا حلول ولا حصر في شيء من مخلوقاته.
    وإنما يُشْكِل هذا الحديث وأمثاله مِنْ وصْفِ بعض المخلوقات بأنها عنده على نفاة العلو والاستواء كالأشاعرة؛ فمن قال منهم بأنه سبحانه في كل مكان فقد تناقض أعظم تناقض، ومن قال منهم إنه لا داخل العالم ولا خارجه فقد وصف الله بالعدم؛ فإنه لا يوصف بذلك إلا المعدوم.
    وقول ابن بطال وابن التين في تفسير الكتاب والعندية بالعلم في هذا الحديث هو من التأويل المذموم الذي حقيقته صرف الكلام عن ظاهره بغير حجة صحيحة؛ فقد جريا في ذلك على مذهب أهل التعطيل من نفاة العلو، وهو مذهب باطل تضمن التعطيل والتحريف؛ تعطيل الله عز وجل عن ما يجب إثباته له من علوه على خلقه، وتحريف النصوص الدالة على ذلك. ومذهب أهل السنة بريء من هذا وهذا.

    12- قال الحافظ: قال ابن بطال .. وقالت الجسمية: معناه الاستقرار وقال بعض أهل السنة معناه ارتفع وبعضهم معناه علا ..
    وذلك في كلامه على كتاب التوحيد ، باب 22 .

    التعقيب:
    قال الشيخ البراك: مقصود البخاري رحمه الله بترجمة الباب تقرير علو الله بذاته على مخلوقاته واستوائه على عرشه، واكتفى بالإشارة إلى الاستواء بذكر العرش في الآية والأحاديث التي أوردها في الباب، لأن العرش متعلَّق الاستواء، وإن كان قد جاء التصريح بالاستواء على العرش في سبع آيات، وأشار إليها في نقل تفسير السلف للاستواء كأبي العالية، ومجاهد ، واكتفى من أدلة العلو خاصة بحديث أنس رضي الله عنه في شأن زينب رضي الله عنها، وقولها: "وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات" مع أن أدلة العلو في الكتاب والسنة لا تحصى كثرة، وأهل السنة يثبتون ما دلت عليه هذه النصوص ويمرونها كما جاءت بلا كيف، كما قال الإمام مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب".
    وأما المعطلة والجهمية ومن وافقهم، فإنهم ينفون علو الله على خلقه واستوائه على عرشه، ثم منهم من يقول بالحلول العام، أو أنه - تعالى الله عن قولهم - لا داخل العالم ولا خارجه، وفي هذا غاية التنقص لله تعالى، أو ما يتضمن وصفه بالعدم. ثم يضطربون في جوابهم عن هذه النصوص؛ فأكثرهم يذهب إلى التأويل المخالف لظاهر اللفظ كتأويل الاستواء بالاستيلاء، أو الملك والقدرة، أو التمام كما ذكر ذلك الحافظ فيما حكاه عن ابن بطال. وهؤلاء يجمعون بين التعطيل والتحريف. ومن نفاة العلو والاستواء من الأشاعرة من يذهب إلى التفويض؛ وهو الإمساك عن تدبر هذه النصوص لأنه لا سبيل إلى فهم معناها، مع نفي أن يكون ظاهرها مرادًا، ويزعم بعض أولئك أن هذا هو مذهب السلف في نصوص الصفات كالعلو والاستواء كما نقله الحـافظ عن إمام الحرمين بعد ذلك، وهو خطأ ظاهر وجهل بحقيـقة مذهب السلف.
    ومما يدل على فساد مذهب المفوضة أن الله عز وجل أمر بتدبر الكتاب كله، وما لا يفهم معناه لا يؤمر بتدبره ولا معنى لتدبره.
    وقد وصف الله كتابه بأنه هدى وشفاء وبيان، وما لا يفهم معناه لا يوصف بشيء من ذلك. فالمخرج من هذا الاضطراب هو الاعتصام بما دل عليه كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبما كان عليه السلف الصالح والتابعون لهم بإحسان، والله الهادي إلى الصواب.

    13-قال الحافظ: "قوله: ( كان الله ولم يكن شيء قبله) تقدم في بدء الخلق بلفظ: "ولم يكن شيء غيره" وفي رواية أبي معاوية: "كان الله قبل كل شيء" وهو بمعنى: "كان الله ولا شيء معه"، وهي أصرح في الرد على من أثبت حوادث لا أول لها من رواية الباب، وهي من مستشنع المسائل المنسوبة لابن تيمية، ووقفت على كلام له على هذا الحديث يرجح الرواية التي في هذا الباب على غيرها...".
    وذلك في كلامه على حديث رقم 7418 ، كتاب التوحيد ، باب 22.
    التعقيب:

    قال الشيخ البراك: قوله: "وفي رواية أبي معاوية: ( كان الله قبل كل شيء) وهو بمعنى: ( كان الله ولا شيء معه)... إلخ": يرجح الحافظ هاتين الروايتين على رواية الباب: (كان الله ولم يكن شيء قبله)؛ وذلك من جهة المعنى الذي يرى أنهما تدلان عليه؛ وهو أن الله تعالى كان منفردًا لم يخلق شيئًا في الأزل ثم ابتدأ الخلق، وعليه فجنس المخلوقات له بداية لم يكن قبلها شيء من المخلوقات. وهذا قول من يقول بامتناع حوادث لا أول لها، وهم أكثر المتكلمين، وهو الذي يختاره المؤلف، ولهذا رجح الروايتين المشار إليهما آنفًا بناء على أنهما تدلان على مطلوبه، ولهذا قال: "وفي رواية أبي معاوية... وهي أصرح في الرد على من أثبت حوادث لا أول لها" واستشنع من ابن تيمية القول بذلك، ولهذا ضعف ترجيح ابن تيمية لرواية: "كان الله ولم يكن شيء قبله"، وزعم أن الجمع بين هذه الروايات مقدم على الترجيح. وهذا ممنوع في الحديث الواحد الذي قصته واحدة كما في هذا الحديث؛ فإنه جاء بأربع روايات، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل إلا أحد هذه الألفاظ، والأخريات رويت بالمعنى، فتعيَّن الترجيح. وكل هذه الروايات لا تدل على مطلوب المتكلمين وهو امتناع حوادث لا أول لها. ولكن بعض هذه الروايات فيه شبهة لهم مثل رواية: "ولم يكن شيء معه"، ولهذا رجحها الحافظ على رواية الباب، ورواية الباب أرجح منها؛ لأن لها شاهدًا عند مسلم، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : "أنت الأول فليس قبلك شيء" كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى مع وجوه أخرى من الترجيح.
    ومسألة تسلسل الحوادث - أي المخلوقات في الماضي وهو معنى حوادث لا أول لها - فيها للناس قولان:
    أحدهما: أن دوام الحوادث ممتنع؛ وهو قول أكثر المتكلمين. وشبهه هذا القول هي اعتقاد أن ذلك يستلزم قدم العالم الذي تقول به الفلاسفة، وهو باطل عقلاً وشرعًا. وهذا الاعتقاد خطأ؛ فإن معنى تسلسل الحوادث في الماضي أنه ما من مخلوق إلا وقبله مخلوق إلى ما لا نهاية، ومعنى ذلك أن كل مخلوق فهو محدث بعد أن لم يكن، فهو مسبوق بعدم نفسه ، والله تعالى مقدم على كل مخلوق تقدم لا أول له، وليس هذا بقول الفلاسفة؛ فإن حقيقة قولهم أن هذا العالم قديم بقدم علته الأولى لأنه صادر عنها صدور المعلول عن علته التامة، لا صدور المفعول عن فاعله؛ فإن المفعول لا بد أن يتأخر عن الفاعل.
    القول الثاني: أن تسلسل الحوادث في الماضي ممكن، وهو موجب دوام قدرة الرب تعالى وفاعليته؛ فكل من يثبت أن الله لم يزل فعالاً لما يريد وهو على كل شيء قدير، لا بد أن يقول بأن الخلق لم يزل ممكنًا. وهذا الحد لا يمكن النزول عنه؛ فإن من قال بامتناع حوادث لا أول لها منهم من يقول: إن الله لم يكن قادرًا ثم صار قادرًا، ومن قال منهم: إن الله لم يزل قادرًا كان متناقضًا؛ فإن المقدور لا يكون ممتنعًا لذاته.
    أما كون تسلسل المخلوقات واقعًا أو غير واقع فهذا يُبنى على الدليل؛ فمن قام عنده الدليل على أحدها فعليه القول بموجبه. فالقول المنكر الذي لا شك في بطلانه هو القول بامتناع حوادث لا أول لها؛ لما يستلزمه من تعجيز الرب سبحانه في الأزل تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
    وقد حرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذه المسألة فأجاد وأفاد، فأتى بالفرقان بين الحق والباطل في هذا المقام، وقد رماه خصومه والغالطون عليه بأنه يقول بقول الفلاسفة، وهو الذي يفند قول الفلاسفة بما لم يستطعه المنازعون له. ومن رد قول الفلاسفة بالقول بامتناع حوادث لا أول لها فقد رد باطلاً بباطل، والحق في خلافهما، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
    انظر: مجموع الفتاوى 18/210- 244 ، ودرء تعارض العقل والنقل 1/121-127، 303-305، 2/344-399.

    14-قال الحافظ: "قال الكرماني: قوله: "في السماء" ظاهره غير مراد؛ إذ الله منزه عن الحلول في المكان، لكن لما كانت جهة العلو أشرف من غيرها أضافها إليه إشارة إلى علو الذات والصفات".
    وذلك في كلامه على حديث رقم 7420 ، كتاب التوحيد ، باب 22 .
    التعقيب:

    قال الشيخ البراك: وصفُ اللهِ تعالى بأنه في السماء جاء في القرآن في قوله: "أأمنتم من في السماء"، وفي السنة: قال صلى الله عليه وسلم : "وأنا أمين من في السماء"، ومن هذا قول زينب رضي الله عنها: "إن الله أنكحني في السماء". ومعنى هذا كله أن الله تعالى في السماء أي في العلو فوق جميع المخلوقات، وليس ظاهره أن الله تعالى في داخل السماوات كما ظنه الكرماني، ولهذا قال: "ظاهره غير مراد".
    وقوله: "إذ الله منزه عن الحلول في المكان": إن أراد أنه تعالى لا يحويه شيء من مخلوقاته ويحيط به فهو حق؛ فإن الله تعالى أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته.
    وإن أراد أنه ليس في العلو الذي وراء العالم، ولا هو فوق العرش بذاته فهذا باطل؛ فإن هذا هو قول الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من نفاة العلو، وأكثرهم يقول بالحلول العام؛ أي أن - الله تعالى عن قولهم - في كل مكان.
    وقول الكرماني: "لكن لما كانت جهة العلو أشرف من غيرها...": هذا يقتضي أن الله تعالى ليس بذاته في العلو، وإنما وصف بذلك للتشريف؛ لأن السماء أشرف الجهات وفي ذلك إشارة إلى علو قدره في ذاته وصفاته. وليس هذا محل النزاع مع المبتدعة نفاة العلو، وإنما النزاع معهم في علوه سبحانه بذاته فوق مخلوقاته، وهو سبحانه العلي بكل معاني العلو، وله الفوقية بكل معانيها ذاتًا وقدرًا وقهرًا. وما ذكره الحافظ عن الراغب في مفردات القرآن إنما هو استعراض لمعاني الفوقية بحسب ما أضيفت إليه في القرآن، ولم يذكر من معاني الفوقية المضافة إلى الله تعالى إلا فوقية القهر، وأهمل الإشارة إلى فوقية ذاته سبحانه كما يدل عليها نصًا قوله تعالى:"يخافون ربهم من فوقهم".
    والحافظ عفا الله عنه يكثر من النقول في هذه المسائل ولا يحررها.

    15-قال الحافظ: "ويكون معنى: "فهو عنده فوق العرش" أي ذكره وعلمه، وكل ذلك جائز في التخريج.... "الرحمن على العرش استوى" أي ما شاءه من قدرته، وهو كتابه الذي وضعه فوق العرش".
    وذلك في كلامه على حديث رقم 7422، كتاب التوحيد، باب 22 .
    التعقيب:

    قال الشيخ البراك: هذا الحديث من أدلة أهل السنة على علو الله فوق خلقه واستوائه على عرشه، وهو يدل كذلك على أن الكتاب الذي كتبه كتب فيه على نفسه أن رحمته تغلب غضبه عنده فوق العرش، وهذه العندية عندية مكان لقوله: "فوق العرش"، وهذا الكتاب يحتمل أن يكون هو اللوح المحفوظ الذي هو أم الكتاب - وهو كتاب المقادير- ويحتمل أنه غيره فهو كتاب خاص، والله أعلم.
    وعلى كل فلا يمتنع أن يكون الكتاب المذكور عند الله تعالى فوق العرش كما هو ظاهر الحديث، ولا موجب لتأويله بصرفه عن ظاهره كما صنع ذلك الخطابي عندما قال: "المراد بالكتاب أحد الشيئين... إلخ"، فنفى على كل من التقديرين أن يكون فوق العرش كتاب؛ إذ تأول الكتاب بعلم الله تعالى بما كتب على نفسه، أو أن الذي عنده ذكر الكتاب وعلمه، والحامل له على هذا التأويل إما اعتقاد أن الله ليس بذاته فوق العرش، فلا يكون شيء من المخلوقات عنده فوق العرش، وإما اعتقاد امتناع أن يكون شيء غير الله فوق العرش. والأول باطل بأدلة العلو والاستواء، والثاني لا دليل عليه. بل هذا الحديث بمجموع ألفاظه يدل على بطلانه؛ فقد دلّ الحديث على أن هذا الكتاب عند الله فوق العرش، والله تعالى أعلم بنفسه، والرسول الذي أخبر بذلك أعلم بربه، فليس لأحد أن يعارض خبره صلى الله عليه وسلم . وأما ما نقله الحافظ عن ابن أبي جمرة فهو على النقيض من قول الخطابي؛ فإنه يثبت أن فوق العرش كتابًا وهو مما اقتضته حكمته وقدرته، ولكن من المنكر في كلامه قوله: "وقد يكون تفسيرًا لقوله: "الرحمن على العرش استوى"... إلخ"؛ فإن ذلك يقتضي أن إضافة الاستواء إلى الله عز وجل مجاز، وأن المراد به كون ذلك الكتاب فوق العرش، فيؤول معنى قوله: "الرحمن على العرش استوى" إلى معنى: " كتابه على العرش استوى" وهذا ظاهر الفساد؛ فإنه تحريف للكلم عن مواضعه.
    16-قال الحافظ:" قال البيهقي: صعود الكلام الطيب والصدقة الطيبة عبارة عن القبول، وعروج الملائكة هو إلى منازلهم في السماء، وأما ما وقع من التعبير في ذلك بقوله: "إلى الله" فهو على ما تقدم عن السلف في التفويض، وعن الأئمة بعدهم في التأويل، وقال ابن بطال: غرض البخاري في هذا الباب..." .
    وذلك في كلامه على كتاب التوحيد ، باب 23 .
    التعقيب:

    قال الشيخ البراك: فيما نقله الحافظ ابن حجر في شرح هذا الباب عن البيهقي وابن بطال تخبط وحيرة في فهم النصوص والآثار الدالة على علو الله تعالى على خلقه؛ فإن كلامهما يقتضي نفي علو الله على خلقه، فعلى هذا يجب عندهم في هذه النصوص: إما التفويض؛ وهو الإعراض عن فهمها مع اعتقاد بأن الأمر بخلاف ظاهرها، وإما التأويل. ويزعمون أن التفويض هو طريقة السلف. وهذا باطل؛ فالسلف من الصحابة والتابعين يتدبرون القرآن كله ويفهمونه كما أمرهم الله، ويؤمنون بما دلت عليه الآيات والأحاديث من صفاته تعالى.
    وحقيقة التأويل - وهو طريقة أكثر النفاة - صرف الكلام عن ظاهره إلى غيره بغير حجة توجب ذلك، وهذه حقيقة التحريف، ومن ذلك قول البيهقي: "صعود الكلام الطيب والصدقة الطيبة عبارة عن القبول"، ومعنى ذلك أنه لا يصعد إلى الله شيء، وكذا قوله: "وعروج الملائكة هو إلى منازلهم في السماء"، ومعنى ذلك أنهم لا يعرجون إلى الله .
    وكذا قول ابن بطال: "وإنما أضاف المعارج إليه إضافة تشريف"، ومعناه أن الملائكة لا تعرج إليه حقيقة؛ لأن الله – عنده – ليس في السماء، وعبر عن ذلك بقوله: "وقد تقرر أن الله ليس بجسم فلا يحتاج إلى مكان يستقر فيه؛ فقد كان ولا مكان"، وهو يريد بذلك نفي أن يكون الله بذاته فوق المخلوقات ومستويًا على العرش، ولكن هذه الألفاظ الواردة في عبارته ألفاظ مبتدعة مجملة لا بد فيها من التفصيل والاستفصال؛ لأنها تحتمل حقًا وباطلاً. نعم الله سبحانه لا يحتاج إلى شيء من مخلوقاته: لا مكان ولا غيره. وإذا كان سبحانه فوق مخلوقاته على عرشه فلا يلزم من ذلك أن يكون مفتقرًا إلى العرش، ولا أنه يحيط به شيء من الموجودات، بل هو سبحانه فوق جميع الموجودات، وهو الممسك بالعرش وما دون العرش.
    وقول ابن بطال: "ومعنى الارتفاع إليه: اعتلاؤه مع تنزيهه عن المكان" كلام فيه قلق؛ فإنه فسر ارتفاع بعض المخلوقات إليه باعتلائه فأضاف إليه ما هو مضاف إلى المخلوق.
    وقوله: "مع تنزيهه عن المكان" فيه ما تقدم من الإجمال، وإرادة نفي علو الله تعالى بذاته فوق خلقه، وهذا هو المعنى الباطل المنافي لدلالة الكتاب والسنة والعقل والفطرة، والله أعلم. )).
    وقد تكلمنا عن هذا التفصيل كما في الرد على الإعتراض الخامس.

    17-قال الحافظ: " قال ابن المنير: جميع الأحاديث في هذه الترجمة مطابقة لها إلا حديث ابن عباس" إلى أن قال: "وقِدَمُه يحيل وصفه بالتحيز فيها، والله أعلم" .
    وذلك في كلامه على حديث رقم 7433، كتاب التوحيد، باب 23.
    التعقيب:


    قال الشيخ البراك: قول ابن المنير في حديث ابن عباس: "ومطابقته والله أعلم من جهة أنه نبه على بطلان قول من أثبت الجهة....إلخ": يريد مطابقة الحديث للترجمة ومناسبته لها، ويزعم أن البخاري قصد بإيراد الحديث التنبيه على بطلان قول من أثبت الجهة. ويريد بمن أثبت الجهة من أثبت علو الله تعالى بذاته فوق عرشه وجميع مخلوقاته، وفي هذا غلط قبيح على البخاري؛ فإن البخاري من أئمة السنة المثبتين لعلو الله تعالى واستوائه على عرشه، وقد عقد عددًا من التراجم لتقرير هذا الأصل، فزعم ابن المنير أن قصد البخاري الرد على من أثبت العلو والاستواء على العرش قلبٌ لمقصود البخاري، بل أراد البخاري بذكر هذا الحديث إثبات علو الله تعالى واستوائه على العرش استنباطًا من ذكر العرش حيث إنه متعلق الاستواء.
    وقول ابن المنير: "فبين – أي البخاري – أن الجهة التي يصدق عليها أنها سماء، والجهة التي يصدق عليها أنها عرش كل منهما مخلوق مربوب محدث": فيه دعوى باطلة على البخاري أنه أراد ما ذكر، وفيه دعوى أن الجهة سواء أريد بها السماء أو العرش فإنها مخلوقة، وهذه الدعوى لا تصح في السماء على الإطلاق؛ فإن السماء يراد بها السماء المبنية - وهي السماوات السبع، وهذه مخلوقة - ويراد بها العلو مطلقًا، فتتناول ما فوق المخلوقات؛ وليس فوق المخلوقات شيء موجود إلا الله تعالى. فلا يلزم من كونه في السماء الذي وراء العالم أن يكون في ظرف وجودي يحيط به تعالى؛ لأنه ليس وراء العالم شيء موجود إلا الله تعالى. بل المخلوق إذا قيل إنه في السماء بمعنى العلو لا يلزم أن يكون في ظرف وجودي؛ كما إذا قيل العرش في السماء، ومن المعلوم أن العرش فوق السماوات فالله تعالى أولى أن لا يلزم فيه ذلك. وعلى هذا فلفظ الجهة لفظ مجمل قد يراد به شيء موجود مخلوق كما إذا أريد به نفس العرش، وقد يراد به ما ليس بموجود كما إذا أريد به ما وراء العالم؛ فإنه ليس وراء العالم شيء موجود إلا الله تعالى.
    وقول ابن المنير: "وقِدَمُه سبحانه وتعالى يحيل وصفه بالتحيز فيها": إن أراد أنه مستغن عن هذه المخلوقات من العرش وغيره فهذا حق، وإن أراد أن قدمه يحيل كونه بذاته فوق مخلوقاته مستو على عرشه فهذا باطل. بل هذا عين الكمال؛ فإن له سبحانه العلو بكل معانيه ذاتًا وقدرًا وقهرًا.
    ولفظ التحيز لفظ مجمل مبتدع لا يجوز إطلاقه نفيًا ولا إثباتًا، ولا يجوز الحكم على قائله إلا بعد معرفة مراده، فإن أراد حقًا قُبِل، وإن أراد باطلاً رُدّ، وإن أراد حقًا وباطلاً لم يقبل مطلقًا، ولم يرد جميع معناه. )).
    وقد تقدم الرد على شبهة الحد والحيز والمكان والجهة.

    18-قال الحافظ: "ومنع جمهور المعتزلة من الرؤية، متمسكين بأن من شرط المرئي أن يكون في جهة، والله منزه عن الجهة، واتفقوا على أنه يرى عباده؛ فهو راء لا من جهة، واختلف من أثبت الرؤية في معناها؛ فقال قوم: يحصل للرائي العلم بالله تعالى برؤية العين كما في غيره من المرئيات، وهو على وفق قوله في حديث الباب: "كما ترون القمر" إلا أنه منزه عن الجهة والكيفية".
    وذلك في كلامه على كتاب التوحيد، باب 24 .
    التعقيب:

    قال الشيخ البراك: قوله تعالى: "وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة": هي أصرح آية في الدلالة على رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة بأبصارهم؛ فإن النظر إذا عدي بإلى اختص بنظر العين، وقد اختلف الناس في مسألة الرؤية: فذهب أهل السنة إلى أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم عيانًا من فوقهم من غير إحاطة، كما دل على ذلك الكتاب والسنة الصحيحة الصريحة كهذه الأحاديث التي ذكرها البخاري في الباب. وذهبت المعتزلة إلى نفي الرؤية وتأولوا الآيات والأحاديث بصرفها عن ظاهرها، وردّ ما أمكنهم ردّه من السنة على أصولهم. وذهب الأشاعرة إلى إثبات الرؤية بالأبصار، لكن قالوا: إن الله تعالى يُرى لا في جهة بناء على مذهبهم في نفي العلو؛ فأثبتوا رؤية غير معقولة، فخالفوا بذلك العقل والشرع، وكانوا بذلك متذبذبين بين النفاة والمثبتين، بل كانوا أقرب إلى مذهب النفاة كالمعتزلة وغيرهم.
    وكل ما ذكر الحافظ في هذا المقام ونقله عن الشراح يدور حول مذهب المعتزلة ومذهب الأشاعرة، وفيه من الحق ردّ مذهب المعتزلة، ومن الباطل نفي علو الله تعالى، ونفي أن يرى في جهة العلو بل يرى لا في جهة؛ مما أوجب لهم الحيرة والاضطراب، وظهور حجة المعتزلة عليهم. وليس لمذهب أهل السنة المحضة ذكر صريح.
    وقول ابن بطال: "وذهب أهل السنة وجمهور الأمة إلى جواز رؤية الله تعالى في الآخرة...إلخ" كلام مجمل، والظاهر أن مراده بأهل السنة: الأشاعرة. )).
    قال ابن القيم رحمه الله في نونيته ‏‎:‎
    فسل المعطلة هل يرى من تحتنا***أم عن شمائلنا أم عن أيمان
    أم خلفنا وأمامنا سبحانه ***أم هل يرى من فوقنا ببيان ‏
    يا قوم ما في الأمر شيء غير ذا***أو أن رؤيته بلا إمكان
    إذ رؤية لا في مقابلة من الر***ائي محال ليس في الإمكان
    ومن ادعى شيئا سوى ذا كان دعو***اه مكابرة على الأذهان

    19- قال: "وقال البيهقي: سمعت الشيخ الإمام أبا الطيب سهل بن محمد الصعلوكي يقول في إملائه في قوله: "لا تضامون في رؤيته" بالضم والتشديد، معناه: لا تجتمعون لرؤيته في جهة، ولا يضم بعضكم إلى بعض، ومعناه بفتح التاء كذلك، والأصل: لا تتضامون في رؤيته باجتماع في جهة. وبالتخفيف من الضيم، ومعناه: لا تظلمون فيه برؤيتكم بعضكم دون بعض؛ فإنكم ترونه في جهاتكم كلها، وهو متعال عن الجهة".
    وذلك في كلامه على حديث رقم 7436 ، كتاب التوحيد ، باب 24 .

    التعقيب:

    قال الشيخ البراك: قول الصعلوكي الذي نقله البيهقي ونقله عنه الحافظ جارٍ على مذهب الأشاعرة؛ وهو إثبات الرؤية مع نفي الجهة أي نفي العلو، ومعنى ذلك أن المؤمنين يرونه سبحانه لا من فوق ولا من أسفل، ولا من أمام ولا من خلف، ولا من يمين ولا من شمال، وتقدم قريبًا أن هذه الرؤية لا حقيقة لها في الواقع[انظر التعليق السابق]؛ فهي مع مخالفتها لنص السنة المتواترة مخالفة للعقل. وبناء على نفي الصعلوكي لعلو الله تعالى نفى أن يكون في جهة من العباد، ونفى أن يكونوا في جهة منه سبحانه حيث قال في: "تضامون" معناه: لا تجتمعون لرؤيته في جهة. وأما قوله: "فإنكم ترونه في جهاتكم كلها" فيقتضي أنهم يرونه من فوقهم ومن تحتهم ومن الجهات الأربع، وهذا يتناقض مع نفيه الجهة عن الله بقوله بعده: "وهو متعال عن الجهة"، بل يناقض المعروف من قول الأشاعرة: إن الله تعالى يرى لا في جهة؛ فإنهم ينفون الجهة عن الله مطلقًا، وما يرى من جميع الجهات هو موجود في جميع الجهات، وتقدم في التعليق قريبًا[ص314،هامش1] ما في لفظ الجهة من الإجمال، وما يجب فيه من الاستفصال.)).
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- ‏‎:‎‏ ((ومعلوم أنا نرى الشمس والقمر ‏عيانا مواجهة,فيجب أن نراه كذلك,وأما رؤية مالا نعاين ولا نواجهه فهذه ‏غير متصورة في العقل ,فضلا على أن تكون كرؤية الشمس والقمر.‏
    وأما قوله(لا تضامون) يروى بالتخفيف .أي ‏‎:‎‏ لا يلحقكم ضيم في رؤيته كما ‏يحلق الناس عند رؤية الشيء الحسن كالهلال.فإنه قد يلحقهم ضيم في طلب ‏رؤيته حين يرى,وهو سبحانه يتجلى تجليا ظاهرا فيرونه كما ترى الشمس ‏والقمر بلا ضيم يلحقكم في رؤيته.‏
    وقيل ‏‎:‎‏(لا تضامون) بالتشديد ‏‎:‎‏ أي لا ينضم بعضكم إلى بعضكما يتضام ‏الناس عند رؤية الشيء الخفي كالهلال,وهذا كله بيان لرؤيته في غاية التجلي ‏والظهور بحيث لا يلحق الرائي ضرر ولا ضيم كما يلحقه عند رؤية الشيء ‏الخفي والبعيد والمحجوب ونحو ذلك))( مجموع الفتاوى (16/85-86). ‏

    20-قال الحافظ: "وقوله: فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه، قال الخطابي: هذا يوهم المكان، والله منزه عن ذلك، وإنما معناه في داره التي اتخذها لأوليائه، وهي الجنة، وهي دار السلام، وأضيفت إليه إضافة تشريف مثل: بيت الله وحرم الله".
    وذلك في كلامه على حديث رقم 7440 ، كتاب التوحيد ، باب 24 .

    التعقيب:

    قال الشيخ البراك : قول الخطابي: "هذا يوهم المكان والله منزه عن ذلك": يقال في لفظ المكان ما يقال في لفظ الجهة بأنه لفظ مجمل؛ فإن أريد به أن الله تعالى في مكان موجود من المخلوقات يحيط به فالله منزه عن ذلك،
    وإن أريد به ما فوق جميع المخلوقات - وليس فوق المخلوقات شيء موجود إلا الله تعالى - فلا يلزم بإثبات المكان بهذا المعنى محذور.
    وقوله في الحديث: "في داره": لا ريب أن إضافة الدار إليه إضافة تشريف، ولا يلزم من ذلك أن يكون حالاً في هذه الدار؛ فإنه تعالى منزه عن الحلول في شيء من مخلوقاته. وأما المراد بهذه الدار فالله أعلم به، وإن كان المتبادر أنها الجنة.
    21-قال الحافظ: "وتأول ابن حزم النزول بأنه فعل يفعله الله في سماء الدنيا ...".
    وذلك في كلامه على حديث رقم 7494، كتاب التوحيد، باب 35 .
    التعقيب:

    قال الشيخ البراك : قول ابن حزم بأن: "النزول فعل يفعله الله في سماء الدنيا...إلخ": معناه أن النزول ليس فعلاً قائمًا بالرب، وهذا جار على مذهب نفاة الصفات، ونفاة قيام الأفعال الاختيارية به سبحانه، وهو باطل.
    وتنظير النزول في الحديث بقول القائل: نزل لي فلان عن حقه غفلة أو مغالطة؛ لأن الذي في الحديث معدّى ( بإلى ) ونوع المتعلق مختلف.

    21-قال الحافظ: "فكما قَبِلَ النزولُ التأويلَ لا يمنع قَبولُ الصعودِ التأويلَ، والتسليم أسلم كما تقدم، والله أعلم".
    وذلك في كلامه على حديث رقم 7494، كتاب التوحيد، باب 35.
    التعقيب:

    قال الشيخ البراك : الحق إمرار نصوص النزول والصعود وسائر الصفات على ظاهرها اللائق به سبحانه، ولا موجب لعقل ولا شرع لصرفها عن ذلك.

  13. #53
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المشاركات
    26

    افتراضي رد: شبهات وإعتراضات حول صفة العلو والرد عليها

    بارك الله فيك ونفع الله بك أخـي جمـال البليـدي

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •