تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 7 1234567 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 130

الموضوع: سلسلة حلقات ردّ الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر

  1. #1

    Exclamation سلسلة حلقات ردّ الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحلقة الأولى

    أيها الإخوة السلام عليكم ورحمة الله
    وقفتُ على مقال منشور في هذا الموقع الطيب (الألوكة) بعنوان ((فك الشفرة الجزائرية وفتح الأيقونة الباريسية)) كتبه محمد المبارك . وهذا المقال منشور في كثير من المواقع الإسلامية ، والغرض منه الحديث عن شخصية الأمير عبد القادر الجزائري ، ولكن بطريقة ومضمون لم يسبق إليهما ، وطبعًا لا يُقرُّ عليهما!
    وقبل أن أبدأ بالرد على مغالطات صاحب المقال ، أود أن أبدأ بمسألة ذكَرَها صاحب المقال معتمدًا عليها ؛ ويذكرها بعضُ من خاض في عرض الأمير عبد القادر ويظنون أنها ثابتة أو صحيحة ويبنون عليها أحكامهم ، ويبالغ بعضهم كاذبًا فيقول إنها متواترة!! ويحاول البعض أن يدلّس على الناس فيوهمهم أنّ بعض علماء الحديث الكبار في عصرنا هذا ؛ قد أثبتها!!
    وهذه المسألة هي ما رواه عبد الرحمن الوكيل في المقدمة التي كتبها لكتاب الإمام برهان الدين البقاعي رحمه الله (تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي) نقلاً عن الصفحة الأولى من نسخة الشيخ محمد نصيف الذي أهدى هذا الكتاب إلى الشيخ محمد حامد الفقي ليطبعه حيث قال: وقد كتب الشيخ الجليل محمد نصيف على نسخته ما يأتي : "أقول أنا محمد نصيف بن حسين بن عمر نصيف: سألت السائح التركي ولي هاشم عند عودته من الحج في محرم سنة 1355هـ عن سبب عدم وجود ما صنفه العلماء في الرد على ابن عربي ، وأهل نحلته الحلولية والاتحادية من المتصوفة ؟ فقال: قد سعى الأمير السيد عبد القادر الجزائري بجمعها كلها بالشراء والهبة ، وطالعها كلها ، ثم أحرقها بالنار ، وقد ألف الأمير عبد القادر كتاباً في التصوف على طريقة ابن عربي . صرّح فيه بما كان يلوّح ابن عربي ، خوفاً من سيف الشرع الذي صرع قبله:" أبو الحسين الحلاج " ، وقد طبع كتابه بمصر في ثلاث مجلدات ، وسماه المواقف في الواعظ والإرشاد ، وطبع وقفاً ، ولا حول ولا قوة إلا بالله" .انتهى [ص14]
    وأقول : إذا كان ما رواه الوكيل عن الشيخ محمد نصيف صحيحًا ، فإننا مع احترامنا للشيخ محمد نصيف ولمنزلته ، لا يمكن أن نقبل هذا الكلام لأنه كلام غير مقبول أبداً وليس علمياً ولا منطقياً!! والذين يقبلونه هكذا على علاّته عندهم مشكلة ولا ريب ، ونحن مسلمون نكتب في منتدى أهل الحديث ، فيجب علينا أن نقتفي طريقة أهل الحديث في قبول الروايات وردّها ، فما بالك برواية عجيبة كهذه؟!
    أوّلاً ـ لماذا لم يترجم الشيخ نصيف لشخصية السائح التركي ولي هاشم؟ من هو ، وما منزلته العلمية ، ومتى ولد ، وما عمله واختصاصه ، وعَمَّن تلقى تلك الرواية عن الأمير؟ أسئلة كثيرة يجب أن تُعرف قبل القبول برواية شخص مجهول الحال!
    ثانياً ـ من المعروف أن الشيخ محمد نصيف من أشهر أصحاب المكتبات في مدينة جُدّة والمهتمّين بالكتب ، فما حاجته إلى سؤال أحد السّائحين الأتراك عن تلك الكتب؟ وهل ذلك التركي أعلم بالكتب والمخطوطات من الشيخ نصيف؟ وقد ذكر عبد الرحمن وكيل ص13 أنّ السيد أحمد زكي أهدى صورة مخطوط (تنبيه الغبي) للشيخ محمد نصيف سنة (1352هـ) أي قبل اجتماعه بالسائح التركي بثلاث سنوات!! إذن عمَّ كان يسأله والكتاب عنده؟!
    ثالثاً ـ إنّ سؤال الشيخ نصيف غريب ، فما هي الكتب التي صُنّفت في الرد على ابن عربي؟ نحن لم نسمع أو نقرأ عن كتاب صنّف لأجل الرّد على ابن عربي غير كتاب الإمام البقاعي (تنبيه الغبي) ، فلماذا لم يذكر لنا الكتب المفقودة التي صنّفت في الرد على ابن عربي؟ وجواب السائح التركي أغرب منه فقد زعم أنّ الأمير اشترى جميع (انتبه جميــع) تلك الكتب والمخطوطات وأحرقها!!
    ونحن نرى أنّ كتاب البقاعي كان موجوداً عند الشيخ نصيف وقد طُبع! إذن فالمخطوط لم يُحرق والحمد لله ، وكذلك كتب التراجم التي ترجمت لابن عربي وانتقدته ، مثل (ميزان الاعتدال) و(لسان الميزان) و(سير أعلام النبلاء) و(العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين) وغيرها من الكتب كلّها موجودة ومطبوعة ، إذن فمخطوطاتها لم تحرق والحمد لله ، فعن أي كتب يسأل الشيخ نصيف؟ وأيّ جواب هذا الذي افتراه السائح التركي؟!!
    رابعاً ـ إنّ الأمير عبد القادر توفي سنة (1300هـ)! ، والشيخ نصيف من مواليد (1302هـ)!( ) أي بعد وفاة الأمير بسنتين ، والسائح التركي لا نعرف من هو ولا تاريخ مولده ، ولكنّ اللقاء جرى بينه وبين الشيخ نصيف سنة (1355هـ) !!! أي بعد وفاة الأمير بخمس وخمسين سنة! فمن أين لهذا السائح التركي تلك المعلومات ؟ شراء جميع تلك المخطوطات أو استيهابها ثمّ الاطلاع على ما فيها وبعد ذلك إحراقها!!
    إنّ واحدة من تلك المعلومات تحتاج من راويها أن يكون معاصراً للأمير ومخالطاً له ومطلعاً على أعماله واتصالاته ، فما بالها غابت عن كل من خالط الأمير واجتمع به وعاش معه من العلماء والوجهاء والأدباء والأعيان الذين ترجموا له وكتبوا عن سيرته ، وظفر بها السائح التركي المجهول والذي يفتقر إلى كل تلك الصفات؟!
    خامساً ـ إن حادثة مثل هذه (إحراق مخطوطات) هي حادثة كبيرة جداً ، ومن الغريب والمستبعد جداً ألاّ يعلم بها أحدٌ من أهل الشام على مختلف طبقاتهم ، فكل من ترجم للأمير عبد القادر ، وهم من تيارات مختلفة : ففيهم الصوفي وفيهم السلفي وفيهم الكافر وفيهم المسلم وفيهم المستشرق والمغرض وفيهم المؤرخ الحر وفيهم الأدباء ، كل هؤلاء لم يذكروا هذه الحادثة أو يشيروا إليها لا من قريب ولا من بعيد!! فكيف علم بها السائح التركي وحده؟ وكيف قَبِل منه هذا الخبر الشيخ محمد نصيف؟!
    وهؤلاء العلماء ذكروا ما للأمير وما عليه بإنصاف وعدل .
    سادساًـ من المعلوم عند أهل العلم أن السلطان سليم العثماني هو من أشد الناس تعظيماً وتقديساً لابن عربي ، وبعد دخوله إلى الشام أسرع وأمر ببناء مقام للشيخ ابن عربي بصالحية دمشق في أعلى الجبل وفق إشارة الشيخ ابن عربي في أحد كتبه!![انظر (منتخبات التواريخ لدمشق) للحصني 2/573] (وكان يعبّر عن هذه الإشارة بعض شيوخ المتصوفة بقولهم : إذا دَخَلَت السِّين في الشين ظَهَرَ مقام محيي الدين! إذن فلتكن السين هي رمزٌ للسلطان سليم والشين رمزٌ للشام)
    ومن المعلوم أيضاً عند أهل العلم أن السلطان سليم قام بمصادرة مخطوطات الحديث والسنة من الشام ومصر وألقاها في أقبية الآستانة (وهذا قبل أن يولد أجداد الأمير عبد القادر)، وآخر من اطلع على هذه المخطوطات من العلماء المشاهير الحافظ ابن حجر العسقلاني ،رحمه الله ، فلماذا لم يذكر أحد من أهل التواريخ أن السلطان سليم أحرق الكتب التي ترد على ابن عربي؟ ولماذا لم يقم بهذا الفعل أصلاً مع تعصبه الشديد لابن عربي؟ [والدليل على ما قاله أهل العلم من المؤرخين هو عثور الأستاذ أحمد زكي على مخطوط (تنبيه الغبي) في خزائن القسطنطينية (استنبول)!! . انظر مقدمة عبد الرحمن الوكيل ص13
    فائدة :[الأستاذ أحمد زكي باشا والملقّب بشيخ العروبة كان من أصدقاء الأمير سعيد الجزائري حفيد الأمير عبد القادر]
    سابعاً ـ إنّ الدولة العثمانيّة في كلّ أطوارها كانت ترسّخ التصوّف وتشجّعُ عليه في كلّ أرجاء دولتها ، وهي التي أنشأت الأضرحة والقباب والمقامات والزوايا وأجرت لها الأوقاف ، وعيّنت كبار شيوخ التصوف مُتَولِّين على الأوقاف الإسلامية . وكما نعلم فإنّ المتصوفة يعظّمون ابن عربي ويقدّسونه فهل يريد منا الشيخ نصيف أن نقبل أن جميع هؤلاء المتعصبين لابن عربي من السلطان سليم وباقي السلاطين والولاة مروراً بمشيخة الطرق والأضرحة لم يتعرّضوا للكتب الرادة على ابن عربي عبر تلك القرون كلها وحافظوا عليها واعتنوا بها ، وتركوا التفكير بإحراقها ، حتى إذا أهلَّ زمان الأمير عبد القادر ؛ ذلك القائد الفذ والأديب الشريف ، أقدم على التفكير بهذه الطريقة وقام بتنفيذها؟!!!
    إنّ هذا حقاً لأمر عجيب ولا يمكن القبول به عند العقلاء .
    وألفت الانتباه إلى أنّ السيوطي نفسه ؛ وهو الذي ردّ على كتاب الإمام البقاعي ؛ كان يعتقد بولاية ابن عربي ولكن كان يقول بحرمة قراءة كتبه!
    وجلّ شيوخ التصوف كان هذا مذهبهم ينهون أتباعهم عن نسخ كتب ابن عربي أو قراءتها مع إقرارهم بولايته!! ويقولون للناس إن الفقهاء الذين ينتقدون ابن عربي لم يفهموا كلامه ونحن نعذرهم فهم أهل الظاهر وابن عربي من أهل الباطن!!
    إذن فما الحاجة إلى إحراق كتب العلماء التي انتقدت ابن عربي؟
    ليس هناك حاجة طبعاً سوى أن مختلق هذه القصّة (السائح التركي!) أراد أن يشوّه صورة الأمير عبد القادر فحسب ، فالأمير صوفي المشرب في الأصل وهذا يكفي عند البعض لأن يكون مباح العرض والدم فيفترى عليه بالباطل وتلصق به التهم.
    ثامناً ـ أنا أعلم أنّ الأمير عبد القادر كان صوفيّ المشرب وقرأ "الفتوحات المكيّة" ، ولكن هذا لا يسمح لي أن أجزم من عند نفسي بأنّه كان موافقاً لابن عربي في كلّ شذوذاته وانحرافاته ، كيفَ لي ذلك وأنا أقرأُ في كتاب المواقف ؛ الذي نَسَبه الشيخ محمد نصيف للأمير!(وليس له)؛ قولَ الأمير : "وما يُنسَبُ لسيدنا خاتم الولاية محيي الدين مِنَ الكتب المؤلّفة في علم التدبير والكيمياء ، ولغيره من الأولياء الدّاعين إلى الله تعالى ؛ فزورٌ وافتراء ، فإنّه مُحالٌ أنْ يَدُلَّ وليٌ من أولياء الله ، عبادَ الله على ما يقطعهم عن الله تعالى ... وكذا ما يُنسَبُ لسيدنا محيي الدين ، من الكتب المؤلّفة في الملاحم والجِفْر كالشّجرة النعمانيّة وغيرها .. وكذا الفتاوى المنسوبة إليه ، كذبٌ وزور".انتهى [المواقف 2/709]
    فكما ترون فإنّ الأمير عندما اطّلَعَ على كلامٍِ يُنسبُ للشيخ ابن عربي ووجَدَه مخالفاً للشريعة أسرعَ فنفاه عنه وذلك في كتابه الخاص بعلوم القوم ، والسبب في ذلك أنّ الأمير نشَأ على محبّة من يُسمّونهم أولياء الله ، ومنهم ابن عربي . فمن باب حُسنِ ظنّه به نفى عنه ما رآه مخالفاً للشرع .
    ولَسْتُ هنا في معرض تصويب أو تخطئة كلام الأمير في نفي تلك الكتب أو إثباتها ، ولكنّ الذي أُريد بيانه أنّ الأمير صرَّح بعدم موافقته على الكلام المخالف للشرع الذي نُسِبَ لابن عربي ، فكيفَ يسمح البعض لأنفسهم أن يجزموا بأنّ الأمير كان على معتقد الشيخ ابن عربي من الحلول والاتحاد؟!
    كما فعل الشيخ محمد نصيف الذي لم يكتف بذلك بل قال : ((وقد ألف الأمير عبد القادر كتاباً في التصوف على طريقة ابن عربي . صرّح فيه بما كان يلوّح ابن عربي)) . سبحان الله!
    وانظروا إلى تحذير الأمير من ذلك عندما كان يشرحُ بعض إشارات الصوفيّة قال في آخر كلامه :
    " واحذر أن ترميَني بحلولٍ أو اتّحاد أو امتزاج أو نحو ذلك ، فإني بريء من جميع ذلك ومِنْ كل ما يُخالف كتابَ الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم .. ".انتهى [المواقف 2/869]
    وانظروا إلى قوله : "... فإنّ هلاكه أقرب ، ونجاته أغرب ، إذ للشيطان فيه مدخلٌ واسع وشبهة قويّة فلا يزال أبو مُرّة (يعني إبليس) معه يستدرجه شيئاً فشيئاً يقول له : الحقُّ ـ تعالى ـ حقيقَتُكَ ، وما أنتَ غيرُه ، فلا تُتْعِب نفسك بهذه العبادات ، فإنّها ما وُضعت إلا للعوام الذين لم يصلوا إلى هذا المقام ، فما عرفوا ما عَرَفت ، ولا وصلوا إلى ما إليه وصلت. ثمّ يُبيحُ له المحرّمات، ويقول له : أنتَ ممَّن قال لهم : اعملوا ماشئتم فقد وجبت لكم الجنّة ، فيُصبِحُ زنديقاً إباحيّاً حلوليّاً ، يمرقُ من الدِّين كما يمرق السهم من الرميَّة".
    انتهى [المواقف 3/1043]
    يقول شارل هنري تشرشل : ((إن العرب ينسبون نجاح وحظّ عبد القادر السعيد إلى تعضيد سميّه العظيم (يقصد بسميّه الشيخ عبد القادر الجيلاني) ، ولكن كلّما سُئلَ عبد القادر عن عقيدته في هذه الخرافة ، أجاب بلا تغيير ، مُشيراً بإصبعه إلى السماء ، "إنّ ثقتي في الله وحده")) .انتهى [(حياة الأمير عبد القادر) ترجمة أبي القاسم سعد الله ص46]
    وهذا نصٌّ واضح يرويه هنري تشرشل (البريطاني المسيحي) مباشرة عن الأمير ـ فقد لازمه مدة خمسة أشهر في دمشق سنة 1860م يسأله عن حياته العائلية ووقائعه في الجزائرـ وبعد أن سأله مراراً عن عقيدته فيما يعتقده بعض المتصوفة من أنّ نجاح الأمير كان بسبب عناية الولي الجيلاني به ومساندته له ، كان جواب الأمير ثابتًا دائماً ، كان يُشير بإصبعه إلى السماء ويقول :"إنّ ثقتي بالله وحده"!! وهذه النصوص التي سقتها لكم هي نصوص ظاهرة الدلالة يصرّح فيها الأمير عن معتقده ، فلا يجوز أن يُتغافل عنها ويُصار إلى الكلام عنه بالتخرّص والتوهّم!! بل يتعيّن الاعتماد عليها وطرح ما يخالفها.
    وسيأتي مزيدٌ لبيان فكر وعقيدة الأمير عبد القادر عند الحديث على كتاب المواقف إن شاء الله .
    أعتقد أنّ هذه الأشياء التي ذكرتها لكم تبيّن بوضوح عدم صحة الرواية التي أوردها الشيخ محمد نصيف عن السائح التركي ، على جميع الصُعد ، فهي لا تصح سنداً ولامتناً ولا مقبولة عقلاً ، ومتعارضة مع الحقيقة والواقع ، فقد زعم راويها أنّ الأمير اشترى كل تلك الكتب وأحرقها ، وها نحن نرى اليوم جميع تلك الكتب موجودة ومحفوظة! فالأخذ بهذه الرواية ليس من الدّين في شيء .
    وأعجب من ذلك أنّ بعض الذين أوردوا هذه الرواية فهموا منها شيئاً لم يُذكر فيها! وصاغوه كما يروق لهم ، فقالوا : إن الأمير عبد القادر من ألد أعداء دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية وكان يُحرق كُتبه وكتب ابن القيّم!!
    ودليلهم على ذلك هو الرواية التي ساقها الشيخ محمد نصيف .
    ولا أدري من أين ظهر لهم اسم شيخ الإسلام ابن تيمية في كل تلك الرواية؟!
    لعلّهم ظنوا أنّ الإمام ابن تيميّة ، رحمه الله ، كان الوحيد الذي يُنكر على ابن عربي ، ومِنْ ثَمَّ فالكتب التي أحرقها الأمير عبد القادر هي كتب الإمام ابن تيميّة ، ومن هنا استشفّوا العداوة بين الرجلين!
    وهذا والله أمرٌ عجيب! أيكون الحكم على العلاقات بين الرجال بهذه الطريقة السقيمة؟!
    توهّمٌ أوّل مضافٌ إلى توهّمٍ ثان والتوهمان مبنيان على رواية باطلة ، وبعد ذلك الخروج بحكم ما أنزل الله به من سلطان . ثم "نحن أهل الإسلام وأهل الحديث!!"
    إنّ الواجب على الذي يدّعي هذا الكلام أن يأتي بالبرهان والدليل على كلامه ، وإلاّ فهو ساقط الرواية وليس بثقة ؛ هذا في الدنيا ، وأما في الآخرة فالموقف عصيب والدّيان شديد العقاب .
    وأنبّه هنا إلى أمر هام وهو أنّ علماء عصرنا الذين ترجموا لابن تيمية وابن القيم وكذلك المحققين الذين تولوا إخراج تراثهما المكتوب ، لم يشيروا لا من قريب ولا من بعيد إلى حادثة إحراق كتبهما . وتفرّد بذكر هذه الحادثة صاحب مقال فك الشيفرة وأمثاله من الذين يلقون أوهامهم هنا وهناك في (الإنترنت) ، وهم ليسوا من أهل العلم بل وغير معروفين .وليس لهم أي مستند أو برهان لما ذكروه وافتروه!!
    والأمير له بعض الكتب والرسائل ، لا يوجد في أي منها تعريض بشيخ الإسلام أو بغيره .
    وبعد مطالعتي لتراث الأمير عبد القادر لم أقف على شيء يدل على نفور الأمير من ابن تيمية. ولكنني وقفت على بعض النصوص ، التي كتبها السيد أحمد بن محيي الدين الحسني الأخ الأصغر للأمير عبد القادر وتلميذه النجيب وهو صوفي المشرب أيضًا (وهو من أصفياء العلاّمة جمال الدين القاسمي)، هي أقوى في الدلالة وأظهر من تلك التي اعتمد عليها أدعياء العداوة بين الرجلين ؛
    1ـ جاء في كتاب (نثر الدر وبسطه) لأحمد بن محيي الدين الحسني (وهو مطبوع سنة 1324هـ) في الصفحة 102 : (( .. ثمّ إنّ مما يُستغرب منه ويُتعجّب ما كنتُ سمعته من بعض طلبة وقتنا ، وهو أنّ العلاّمة المحقق الشيخ ابن تيميّة رحمه الله تعالى ألّف كتاباً حاول فيه تعليل المسائل الفقهيّة التي عجز فحول العلماء عن تعليلها ، واستنبطَ لها جميعها تعليلات مقبولة ، فاستبعدتُ ذلك منه كل البعد ، وعددته من الأشياء المحالة أو الشبيهة بالمحال ، إذ لا يمكن للإنسان أن يلتمس لتلك الأشياء تعليلاً مقبولاً إلاّ أن يكون بقوة كشفيّة أو ملكة وهبيّة . فلربما يصحّ ذلك لمن أطلعه الحق تعالى على ما هنالك وتخرج وقتئذ عن كونها تعبّديّة ..)) انتهى
    إذن فالسيد أحمد الأخ الأصغر للأمير وتلميذه المخلص إذا أورد اسم شيخ الإسلام قال عنه : ((العلاّمة المحقق الشيخ)) ثمّ يقول ((رحمه الله تعالى)) ، مع أنّ الكلام الذي سيسوقه إنما هو في معرض الرد والمخالفة ، فهل يمكن أن يُفهم من كلامه أنّه من ألدّ أعدائه؟
    وانظروا إلى ما قال الهيتمي بحق شيخ الإسلام ابن تيمية عندما سُئل عنه فأجاب بقوله : ((ابن تيمية عبدٌ خذَلَه الله وأضلّه وأعماه وأصمّه وأذله وبذلك صرّح الأئمة الذين بينوا فساد أحواله وكذب أقواله)).انتهى [انظر فتاوى الهيتمي ص114].
    بمقارنة بسيطة بين كلام السيد أحمد الحسني وبين كلام الهيتمي يستطيع العاقل أن يميّز بين من هو مبغضٌ وعدوّ ، وبين من يحترم الآخر مع مخالفته له في المذهب الفقهي . ومِِنْ ثَمَّ يستطيع القول إنّ الهيتمي مبغضٌ وعدوٌ لابن تيميّة ، ولكنه لا يستطيع أن يقول ذلك أبداً عن السيد أحمد ، وغرضي من هذا أن موقف السيد أحمد هو بالضرورة يعبّر عن موقف أخيه وأستاذه الأمير عبد القادر .
    2ـ وجاء في كتاب السيد أحمد بن محيي الدين الحسني (نُخبة ما تُسرُّ به النواظر) وهو مخطوط موجود عندي ، وقد قدَّم له العلاّمة جمال الدين القاسمي ؛ يقول السيد أحمد في الصفحة 173
    : (( .. وما أحسن قول العلاّمة محمد بن أبي بكر المعروف بابن القيّم الدمشقي الحنبلي في وصف الحور العين في نونيّته المشهورة رحمةُ الله عليه ....)) .انتهى ، ثم أورد (32) بيتاً منها .
    أهذا وصف الأعداء الألداء بعضهم لبعض؟! وابن القيّم هو من أخص تلاميذ ابن تيميّة ووارث منهجه .
    إذن أستطيع أن أرى من خلال هذين النصين أن من زعم أنّ الأمير يكره ابن تيميّة وابن القيم هو متخرّص ومتكلّم بغير علم ولا تقوى .
    وللفائدة فإن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم يكن مكروهاً من قِبَل العلماء ولا الناس ولا المتصوفة ؛ لا في عصره ولا بعد ذلك ، وإنما كان له بعض المنافسين الذين حاولوا أن ينالوا منه ، ولكن هذا لم يكن له أي أثر عند الناس ، وفقهاء المذاهب الأربعة المتأخرون نقلوا عنه واستشهدوا بكلامه في كتبهم ؛ ولم يظهر التحامل على ابن تيمية والتعريض به على نحو عريض إلاّ في هذا العصر وذلك لأسباب أظن أنني غير محتاج إلى ذكرها في هذا المقام . والشيء نفسه يُقال بحق ابن القيّم رحمه الله.
    وإنني أشهد أنني رأيت أناساً من المتصوفة ، بل ومن غلاتهم يقفون على قبر الشيخ ابن تيمية في دمشق خلف مشفى التوليد الجامعي وفي حرم كلية طب الأسنان القديمة ، ومدخل رئاسة جامعة دمشق ، ويقرؤون له الفاتحة كما هي عادتهم إذا زاروا القبور . (وقبره مع قبر صاحبيه) هي القبور الوحيدة المتبقّية من مقابر الصوفية! (المقبرة التي دُفن فيها ابن تيمية اسمها مقابر الصوفية) .
    والآن سآتي على بيان فساد الادعاء الثاني ، وهو توهّم أن الأمير أحرق كتب ابن تيمية .
    إن شيخ الإسلام لم يتعرّض فيما أعلم لتأليف جزءٍ خاص في الرد على ابن عربي ، وإنما هو ذكره في فتاويه ورسائله خلال حديثه عن انحرافات الصوفية . وكان يذكر عباراته التي في (فصوص الحكم والفتوحات) وينتقدها ويصفها بما تستحق من الضلال إلى الكفر ، ولكنّه لم يتعرّض لتكفير شخص ابن عربي مباشرة ، بل انظروا ماذا قال عنه في الفتاوى : ((..المَقَالَةُ الأُولَى مَقَالَةُ ابنِ عَرَبِيٍّ صَاحِبِ فُصُوصِ الحكم. وَهِيَ مَعَ كَونِهَا كُفْرًا فَهُوَ أَقْرَبُهُم إلَى الإِسلامِ لِمَا يُوجَدُ فِي كَلامِهِ مِنْ الكَلامِ الجَيِّدِ كَثِيرًا وَلأَنَّهُ لا يَثبُتُ عَلَى الاتِّحَادِ ثَبَاتَ غَيرِهِ بَل هُوَ كَثِيرُ الاضْطِرَابِ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ قَائِمٌ مَعَ خَيَالِهِ الوَاسِعِ الَّذِي يَتَخَيَّلُ فِيهِ الحَقَّ تَارَةً وَالبَاطِلَ أُخرَى . وَاَللَّهُ أَعلَمُ بِمَا مَاتَ عليه)) انتهى.[مجموع الفتاوى 1/141]
    وقال : ((وَهُوَ قَوْلُ بَقِيَّةِ الاتِّحَادِيَّة ِ لَكِنَّ ابنَ عَرَبِيٍّ أَقْرَبُهُم إلَى الإسلام وَأَحسَنُ كَلامًا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فَإِنَّهُ يُفَرِّقُ بَينَ الظَّاهِرِ وَالمَظَاهِرِ فَيُقِرُّ الأَمرَ وَالنَّهيَ وَالشَّرَائِعَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيهِ وَيَأْمُرُ بِالسُّلُوكِ بِكَثِيرِ مِمَّا أَمَرَ بِهِ الْمَشَايِخُ مِن الأَخْلاقِ وَالعِبَادَاتِ وَلِهَذَا كَثِيرٌ مِن العِبَادِ يَأخُذُونَ مِن كَلامِهِ سُلُوكَهُم فَيَنتَفِعُونَ بِذَلِكَ وَإِن كَانُوا لا يَفقَهُونَ حَقَائِقَهُ وَمَن فَهِمَهَا مِنهُم وَوَافَقَهُ فَقَد تَبَيَّنَ قَولَهُ)) . انتهى [مجموع الفتاوى 1/ 196]وفي الجزء الثاني من مجموع الفتاوى ص464 : ((وإنما كنتُ قديماً ممن يُحسن الظن بابن عربي ويُعظّمه : لِمَا رأيت في كتبه من الفوائد مثل كلامه في كثيرٍ من "الفتوحات" ، و"الكُنْه"( ) ، و"المحكم المربوط" ، و"الدرة الفاخرة" ، و"مطالع النجوم" ، ونحو ذلك . ولم نكن بعد اطلعنا على حقيقة مقصوده ، ولم نطالع الفصوص ونحوه ، وكنا نجتمع مع إخواننا في الله نطلب الحق ونتبعه ، ونكشف حقيقة الطريق، فلما تبيّن الأمر عرفنا نحن ما يجب علينا ...)) ثمّ ذكرَ طامّات من أقوال ومعتقدات غلاة الصوفية الفلاسفة وختمها بقوله : ((وهذه المعاني كلها هي قول صاحب الفصوص (يعني ابن عربي) والله تعالى أعلم بما مات الرجل عليه ، والله يغفر لجميع المسلمين والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات {ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم})). انتهى [مجموع الفتاوى2/ 469]
    فهل في هذا الكلام ما يحمل على الحقد على ابن تيميّة؟ وهل في كلام ابن تيمية أي رائحة شدّة وتعسّف أو حقد على ابن عربي؟
    وروى الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة ابن عربي ، قال : وقد حكى العلامة ابن دقيق العيد شيخُنا أنه سمع الشيخ عز الدين ابن عبد السلام يقول عن ابن العربي : ((شيخ سوء كذّاب ، يقول بقدم العالم ولا يحرِّم فرجاً)).انتهى
    وقال تقي الدين السبكي : ((ومَنْ كان مِنْ هؤلاء الصوفية المتأخرين كابن عربي وغيره ، فهم ضُلال جهالٌ ، خارجون عن طريقة الإسلام ، فضلاً عن العلماء)). انتهى . قال ذلك في باب الوصية من شرح المنهاج ونقله الكمال الدَّميري والتقي الحصني .
    إننا إذا قارنا بين ما قاله الإمام العز بن عبد السلام أو السبكي وأبو حيان الأندلسي والبقاعي وغيرهم في ابن عربي وبين ما قاله ابن تيميّة ، تبيَّن لنا كم كان الإمام ابن تيميّة متلطفاً في العبارة ، ورعاً في الوصف مع الجرأة في بيان الحق ودحض الباطل . والشيء نفسه يُقال بحق ابن القيّم .
    إذن فإحراق كتب هؤلاء أولى من إحراق كتب ابن تيمية وابن القيم!
    ومع ذلك أقول للذين يصرّون بغير حق على اتهام الأمير بحرق كتب ابن تيميّة وابن القيّم .
    هل تدرون أين وُجِدَت كُتب شيخ الإسلام ابن تيمية؟ وهل تدرون أين كانت تُحفظ وتتعهد بالرعاية ؟ إلى أن يسّر الله طبعها ونشرها .
    لقد وُجد مجموع فتاوى ابن تيمية بتمامه تقريباً في دمشق ، موطنِ الأمير عبد القادر ومكان نفوذه وسلطته ، في المكتبة الظاهريّة غير البعيدة عن دار الأمير عبد القادر! فكيف يزعمون أنه أحرقها؟
    أم أنهم سيقولون إنها فاتته ، إذن ماذا كان يحرق؟!
    وكيف لم يستحوذ عليها كما ادّعى السائح التركي ، مع أنها تحت يده في دمشق؟
    وإليكم ما قاله الشيخ محمد بن عبد الرحمن العاصمي ، في مقدّمة مجموع الفتاوى المطبوع ، قال : ((إن أباه الشيخ عبد الرحمن العاصمي الحنبلي رحمه الله بدَأَ بجمع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميّة في نجد سنة 1340 هـ(انتبه للتاريخ) فوجد منها ثلاثة مجلّدات عند الشيخ محمد بن عبد اللطيف ثمّ قال :" وكانت نجدٌ وما زالت ـ بحمد الله ـ أسعد الأقاليم بالانتفاع بمؤلّفات شيخ الإسلام ، وتداولها وتدريسها"
    [طبعاً هذا الكلام بعد وفاة الأمير عبد القادر وقبل قصّة الشيخ نصيف مع السّائح التركي فتنبَّه!]
    ثمّ استخرَج من مكتبة الحرم المكي عدداً منها ؛ كما تحصّل على مسائل من بعض العلماء الأفاضل . وأمّا فَرَحُه الكبير فقد كان عندما عَثَرَ في المكتبة الظّاهريّة بدمشق على الكمّ الأكبر من الفتاوى قال :" .. ثمّ تصفّحتُ ((المجاميع)) وهي تزيد على (150) مجموعة ، وقد اشتَمَلَت على مسائل ونبذٍ لا توجد في غيرها ، وهي بخطوط قديمة ، وفيها من خطّ شيخ الإسلام بيده ما يزيد على (850) صحيفة . ومن تلك المجاميع ((مجموعة مسودة)) كلّها بخطّه ، لا يوجد شيء منها في المكاتب ، ولا غيرها عدد صفحاتها ( 664).."
    ويتابع الحديث عن بحثه في المكتبات الأهليّة (الخاصّة) بدمشق فيقول : " فوجدتُ عند الشيخ حسن الشطي كتابين في الوقف ضمن مجاميع لشيخ الإسلام ، وعند محمد حمدي السفرجلاني مسائل في التراويح والإمامة وغيرها ..وعند أحمد عبيد وإخوانه مسائل ..." .انتهى انظر مقدّمة مجموع الفتاوى بقلم الشيخ محمد بن عبد الرحمن العاصمي النجدي الحنبلي.
    إذن بعض كتب شيخ الإسلام كانت في بلاد الحرمين قديماً ، ولكن عُثر على معظم تراثه في دمشق! حيث كان يعيش الأمير عبد القادر ، وحيث كانت دار الكتب الظاهرية التي أنشأها ومدّها بالمخطوطات والكتب أحدُ ألمع تلامذة الأمير عبد القادر والمقرّبين منه إنه الشيخ طاهر الجزائري السمعوني السَّلَفي ، والأمير كان يمدّه بالمال والمخطوطات ، ومعظم المخطوطات التي كانت عند الأمير أعطاها للشيخ طاهر ، والمكتبة الظاهرية أُسِّسَت سنة 1879م يعني قبل وفاة الأمير بخمسة أعوام . والشيخ طاهر يُجلّ الأمير كثيرًا ورثاه بمرثيّة من أبدع ما قيل.
    والذي أرشد الشيخ عبد الرحمن العاصمي إلى مجموع فتاوى ابن تيميّة ، هو الأمير عبد المجيد حفيد الأمير عبد القادر ، الذي كان أمينًا للمكتبة الظاهرية قرابة أربعين سنة! وللفائدة فإن الأمير عبد المجيد هو الذي كان يقدم التسهيلات للشيخ المحدّث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله ، أثناء وجوده في المكتبة الظاهرية . وكان الأمير عبد المجيد يأخذ برأي الإمام ابن تيمية في بعض المسائل!
    وبالمناسبة فإن هواة الطعن في الرجال بالتشهي يتّهمون الشيخ طاهر الجزائري بالماسونية
    !
    إذن على طريقتهم فإنّ الماسون هم الذين حافظوا على تراث شيخ الإسلام ابن تيمية! وحسبنا الله ونعم الوكيل .
    أعتقد أن في هذا القدر من التوضيح والبيان كفاية لمن يريد الحق .
    وفي المشاركة القادمة إن شاء الله سأبدأ بالرد على التهم والتخرصات التي ساقها صاحب فك الشيفرة الجزائريّة . وسأجعل الرد مقسمًا على حلقات أتناول فيها التهم واحدة إثر أخرى .
    والحمد لله ربّ العالمين
    خلدون بن مكّي الحسني
    للبحث صِلة
    هناك ملف منسق يمكن تحميله من المرفقات

  2. #2

    افتراضي رد: الرد على الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    هل هذه السلسلة هي نتاج مداخلتك عبر قناة المستقلة ؟

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    479

    افتراضي رد: الرد على الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري

    الأخ الكريم خلدون الحسني الجزائري : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وحياكم الله في هذا الموقع مفيداً لإخوانك ، مستفيداً منهم ، بورك فيك ...

    وأرجو من إدارة الموقع السماح له بطرح ما عنده حول موضوع الأمير عبد القادر الجزائري ، وللعلم فإن الأخ خلدون من أحفاد الأمير ، وهو صاحب كتاب ( إلى أين أيها الحبيب الجفري ؟ ! ) ، وقد كانت له مشاركة متميزة عبر قناة " المستقلة " قبل شهور حول حياة الأمير عبد القادر ...

  4. #4

    افتراضي رد: الرد على الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري

    السلام علييكم ورحمة الله
    أخي عبد القادر الحلقات التي سأنشرها إن شاء الله بدأت بكتابتها منذ أشهر ، أي قبل مشاركتي في قناة المستقلة
    وأشكر الأخ فريد المرادي على لطفه واهتمامه.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    752

    افتراضي رد: الرد على الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري

    بارك الله فيكم أستاذي لي ملاحظة حول صياغة بعض الحجج حيث يغلب عليها الطابع النظري المنطقي البرهاني بعيدا عن استقراء الواقع التاريخي فمثلا استدلالكم على نفي التضييق على كتب شيخ الاسلام بكون التضييق لم يطل كتب الامام السبكي مع انهما يقولان بنفس المقولة في الاتحادية فبما أن السبكي كان نقده أشد من نقد بن تيمية و السبكي لم تصادر كتبه و لم يضيق عليها اذن كتب ابن تيمية لم يضيق عليها و معلوم أن استعمال البرهان المنطقي في دراسة التاريخ يفضي الى كوارث لأنه يفيد العلم بالامكان الذهني للشيء فقط لا وقوعه خارجا و هو ما يلمس في قضيتنا لأن كل من تابع الاشارات التاريخية حول مسار كتب شيخ الاسلام يلمس التضييق الذي مورس عليها من مختلف العصور من لدن شيخ الاسلام الى عهد قريب و كون غيره ممن هو محل تعظيم من غلاة المتصوفة و الأشاعرة و المقلدة قد انتقد مثل ما انتقده هو لا يعني ان كل رؤوس هؤلاء-بله عوامهم- قد أحاطوا به علما و من أحاط منهم به علما فقد يكتمه ككتمان أهل الكتاب لتناقض انكارهم للحق مع تصديق كتبهم و كتب ائمتهم له أو يعرض عنه أو يتأول له و قد وقع امثالها في التاريخ كثيرا كالتي حكاها شيخ الاسلام نفسه أثناء كلامه عن الفتن بين الحنابلة و الأشاعرة و تضييق هؤلاء على أولئك ثم لما ابرز لهم كلام الامام الأشعري وجد موافقا لما يقوله الحنابلة و معبرا عنه بكلام أفضل من كلام الامام الموفق و غيره ...بل و الواقع التاريخي قد يشهد بان كثيرا من القوم كانوا يضيقون على كتب شيخ الاسلام و يرغبون في كتب الامام ابن القيم مثلا مع أنهما يصدران من مشكاة واحدة فلو طبقنا البرهان المنطقي في التأريخ لقلنا أن الامام ابن القيم يعادي ابن عربي كشيخه ابن تيمية و الامام ابن القيم كانت كتبه مرغوبة عند الطوائف و لم يضيق عليها اذن كتب شيخ الاسلام لم يضيق عليها أو يقال مثلا أن الامام ابن عابدين كان يعظم شيخ الاسلام و الامام بن عبد الوهاب لم يخرج عن ما خطه شيخ الاسلام اذن الامام ابن عابدين كان يعظم دعوة الامام بن عبد الوهاب....و هكذا ..

  6. #6

    افتراضي رد: الرد على الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري

    الأخ ابن الرومية السلام عليكم ورحمة الله ، وشكرًا لمشاركتك الواضح فيها أنك تقرأ بإمعان ونصيحتك على الرأس والعين.
    وجوابًا على ماذكرت ؛ أقول : كلامك صحيح فيما يخص إثبات الوقائع التاريخية بالاستدلال النظري المنطقي، وهذا ما أميل إليه وأعتمده. وأنا لم أعتمد في ردي لدعوى إحراق كتب ابن تيمية والذي هو موضوع بحثي على البرهان النظري الفلسفي!
    والمثال الذي ضربتُه إنما كان بعد إنتهائي من الرد العلمي العملي الملموس الذي يثبت بطلان تلك الحادثة، وكان جوابًا على الذين أوجدوا تلك التهمة بالطريقة النظرية البحتة ، فأجبتهم في نهاية كلامي بمثل ما افترضوا!
    إذن الذين يتهمون الأمير بحرق كتب ابن تيمية هم الذين يستعملون التوهم أو الربط النظري الفلسفي ، في إثبات حدث تاريخي هام لم يذكره أحد من المؤرخين أو العلماء!!!
    وأما أنا فلم أستعمل ذلك الأسلوب أبدًا في نفي ذلك الحدث . والبحث أمامك يا أخي!
    وأنا لم أتطرّق لموضوع التضييق على كتب شيخ الإسلام ، وليس هذا غرض بحثي ، وإنما أخاطب الذين افترضوا تلك الحادثة بالتوهم المحض حين زعموا دون أي مستند ولو منطقي أنه يلزم من مقولة السائح التركي العجيبة ـ والتي ليس فيها أي ذكر لابن تيمية أو ابن القيّم ـ أنّ المقصود بالكتب المحرقة كتب ابن تيمية وابن القيّم!!! فأخبرتهم أنه يلزمهم بحسب طريقة تفكيرهم أن يصرفوا ذلك الفهم إلى كتب السبكي أو البقاعي أو الآخرين ، فهي أقرب للاستدلال النظري، وهذا مرفوض طبعًا!
    وأما أنا فلا أعتمد إلاّ على الأدلة الواضحة والروايات الثابتة في إثبات أي واقعة تاريخية.
    وإذا سمحت لي أخي الكريم ووسعني صدرك الرحب إن شاء الله ، فإنني أجد كلامك في الحديث عن مسألة التضييق على كتب ابن تيمية يعتمد على الاستدلال النظري المنطقي! فأنت لم تأت بأي شاهد أو بيّنة تاريخيّة تثبت أنّ القوم أو غيرهم كان يضيّق على كتب ابن تيمية!
    والواقع المشاهد يثبت أنّ كتبه كانت موجودة ومتوافرة ولم تُفقد ، بدليل أنّ العلماء المتأخرين عنه على مختلف مذاهبهم نقلوا عنه من كتبه ، وكذلك بدليل وجود عدة نسخ من كتبه بين أيدي الناس في دمشق حيث مقام ابن عربي وأتباعه ، كما ذكر الشيخ العاصمي في مقدمة الفتاوى ، بل وأكثر من ذلك بقاء جزء كبير من كتبه بخطه هو ، يعني حتى نسخته الأصلية محافظ عليها ، والذي أودعها في المكتبة الظاهرية هو الشيخ طاهر الجزائري تلميذ الأمير وبعلمه وحضوره وهو في حينها صاحب النفوذ الأكبر في الشام!!!
    وأنا لم أقرأ لأحد من علماء الإسلام المتأخرين ما يفهم منه التضييق على كتب ابن تيمية . طبعًا لا أزعم أنني استقصيت هذا الأمر بسعة.
    ولكن أستطيع أن أقول مبدئيًا: إن جميع الوقائع الثابتة واليقينية التي تفيد العلم ، تثبت خلاف ما تقول! فما رأيك؟

    وأعود إلى صلب بحثي في هذه الحلقة ، فأقول إن الزعم بأن الأمير عبد القادر أحرق كتب ابن تيمية ، هو زعم باطل ولا يستند إلى مستند علمي صحيح ولا إلى مستند نظري منطقي .
    وأضم صوتي إليك أخي ابن الرومية فأقول إنّ الذين يثبتون تلك الحادثة التاريخية وغيرها من الوقائع التاريخية إنما يُحْدِثون في تاريخنا كوارث تفضي إلى مالا تحمد عقباه دنيا وآخرة .

    أرجو أن أكون قد فهمت كلامك على الوجه الذي أردتَه، وأرجو أن أكون أوضحت لك المسألة... بارك الله فيك ، والسلام عليكم.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    الدولة
    السعودية (الرياض)
    المشاركات
    1,295

    افتراضي رد: الرد على الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري

    الأخ الكريم : خلدون مكي الحسني
    أهلًا بك أخًا لنا في الله في هذا المجلس الطيّب المبارك ...
    وشكر الله لك إيرادك هذه المعلومات الهامَّة؛ ففيها مايستحق التأمل والنظر والإعتبار ...
    ونحن معك متابعون، ومنتظرون الحلقات القادمة ...

  8. #8

    افتراضي رد: الرد على الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري

    و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

    وفقك الله

    لا يوجد ملف في المرفقات

  9. #9

    افتراضي رد: الرد على الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري

    شكرًا للأخوين غالب وسراج على مشاركتهما ، وبارك الله فيكما

    ويمكنكم التحميل من هذا الرابط:

    http://www.djelfa.info/dj_img/emir_abdelkader.doc

  10. #10

    افتراضي رد: الرد على الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري

    أحسن الله إليك يا "سي خلدون" مقال ينبئ عن دراية واسعة بتراث الأمير
    لكن قولك:
    ...وأنا أقرأُ في كتاب المواقف ؛ الذي نَسَبه الشيخ محمد نصيف للأمير!(وليس له)...
    كيف توصلت إليه

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    124

    افتراضي رد: الرد على الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري

    صحيح ليت الأستاذ الفاضل خلدون يفيدنا أكثر بهذا الخصوص.
    وأما وحدة الوجود والمواقف، فبعضهم يقطع بنسبته إليه، ولحفيده الأمير "خلدون مكي الحسني" مقال بعنوان: إظهار المعارف في تبرئة الأمير عبد القادر من كتاب المواقف، وأخبرني أنه يعد كتابا في هذا الشأن (فقد استشكلت عليه بعض إشكالات في مراسلة لي معه تثبت -إن صحت- نسبة المواقف إلى الأمير؛ ففنَّدها)
    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showpo...40&postcount=2

    وبارك الله فيكم.

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    846

    افتراضي رد: الرد على الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري


    الاستاذ الفاضل خلدون الحسني حفظه الله .
    السلام عليكم و رحمةالله وبركاته

    استاذي الفاضل :
    انتم عقدتم هذا الموضوع لمناقشة ما ورد في مقال "كاتب الموضوع" من سردٍ لبعض مقالات اهل العلم و المؤرخين بشأن الامير عبدالقادر الجزائري
    و بالتالي فإن "كاتب الموضوع" يجد نفسه مدعواًّ للنقاش العلمي في هذا الموضوع ـ شاء هو ذلك أم أبى ـ .
    ===================
    و لكن تقديراً لفضلكم فإنِّي سأرجئ أي مداخلة لي في الموضوع حتى تنتهون من مشاركاتكم النافعة بإذن الله .
    و لذلك فإنِّي أرجو تقديراً لعلمكم و فضلكم ألاَّ يشطَّ بنا النقاش عن جادة البحث العلمي الموضوعي الى "الشخصنة" المرفوضة في مثل هذا المنتدى العلمي فإنَّها حيلة من لا دليل معه ، او التعصب الأسري البعيد عن ميزان العدل والانصاف .

    ============================

    كما ارجو ان نسلك منهجاً علمياً واضحاً ، فعلى سبيل المثال هل كتاب "المواقف" للأمير عبدالقادر فنحتج به ـ له أو عليه ـ ، أم أنَّه منحول و منسوبٌ اليه فنربأ بأنفسنا عن التشبُّع به .
    و في المقابل فلتعلم استاذي الفاضل اني ـ كغيري من روَّاد هذا المنتدى ـ من احرص الناس على الذب عن اي شخصية مسلمة سليمة المعتقد .
    =========================
    و لذلك فإني أجعل القُرَّاء الكرام حكماً عدلاً بيننا ـ ولا أراكم إلاَّ كذلك فاعلين ـ ، فمتى ما قامت البينة للقرَّاءالكرام ـ على عدم صحة ماورد في الموضوع عن اولئك الاعلام من نسبة الامير عبدالقادر الى الحلول و الاتحاد و التصوف المذموم ، و كذلك الماسونية او التخذيل عن مواجهة المستعمر في بلاد الشام ـ فإني ارجع عن كل ما نقلتُه عنهم ، بل و التزم بأن أراسل المنتديات المنشور فيها الموضوع لحذفه ، متى ما اتخذ النقاش الطابع العلمي الرصين الذي يليق بكم .

    بارك الله فيكم و نفع بكم .


    محبكم : "كاتب الموضوع"
    .
    صفحة الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
    www.saaid.net/Doat/almubarak/k.htm - 24k -

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    964

    افتراضي رد: الرد على الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري

    بارك الله في الأستاذ خلدون - الذي شرفنا في بيته - . وفي الأستاذ محمد المبارك . ورأيي أن ينتهي أ/ خلدون من تعقيبه ؛ ثم نستمع لرأي أ / المبارك . بعدها كلُ قارئ يدلي بدلوه ، بعدل وعلم .
    وفق الله الجميع لما يُحب ويرضى ..

  14. #14

    افتراضي رد: الرد على الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    أستاذي الكريم لقد كثر الحديث عن كتاب "المواقف" هل هو مما خطته أنامل الأمير عبد القادر - رحمه الله- أم أن الكتاب منسوب اليه ؟
    ما لمسته من حديثك عبر قناة المستقلة أنك تنفي نسبة الكتاب للأمير جملة وتفصيلا أو أن الكتاب فيه بعض كلام الأمير ولكن ليس كل مافيه هو له .
    وعند رجوعي الى ماقاله الأستاذ الكبير الدكتور أبو القاسم سعد الله - حفظه الله وأطال عمره -
    يقول :" ومن أشهر مؤلفات الأمير كتاب ( المواقف ) الذي يقع في ثلاثة مجلدات , وكان الأمير قد استغرق في التصوف منذ حجّه , وقد اختلى في غار حراء أثناء مجاورته . وفي دمشق كانت له خلوة يتعبد فيها . وفي آخر سنواته ازداد تعمقاً في هذا الباب , وكان يطالع أمهات كتب التصوف ومنها الفتوحات المكية وفصوص الحكم لابن العربي , الذي يعده شيخه الأكبر . ويبدو أنه قد تأثر به كثيراً في ( المواقف ) إذ بناها على نظريات شيخه , حسب العارفين بهذا الفن . , , , وكتاب ( المواقف ) يضم 372 موقفاً , وقد طبع مرتين أولاهما كانت في عهد ابنه محمد , اي سنة 1911 . وقد قدم الأمير كتابه بعبارات صوفية مغرقة ووشح ذلك بمقامة أدبية -خيالية عن معشوقة تشبه معشوقة ابن الفارض . وكل موقف من مواقفه تقريباً يبدأ بآية ذات معنى توحيدي أو صوفي , ثم يأخذ في شرح الآية شرحاً صوفياً يتغلب عليه الفكر الباطني الذي يعبر عنه بالأسرار والغيبة عن الشهود , وطالما عرّ ض الأمير بأهل الرسوم وعلماء الظاهر الذين لا يدركون أسرار الوجود ولا الحقيقة الإلهية . , , , وقد أورد عدداً من المرايا التي حدثت له , وجاء بأخبار و ( مواقف ) حدثت له , يقظة أو مناماً منذ كان في الجزائر , ولا سيما منذ حج ثانية . يقول الأمير في المقدمة : " هذه نفثات روحية , وإلقاءات سبوحية , بعلوم وهبية , وأسرار غيبية , من وراء طول العقول , وظواهر النقول , خارج عن أنواع الاكتساب , والنظر في كتاب , قيدتها لإخواننا الذين يؤمنون بآياتنا , , ," . ومن الواضح أنه كتب المواقف "لإخوانه" الصوفية أو الذين لهم استعدادات صوفية , مؤمنين بمبادئ أهل الباطن ذوي اللقاءات السبوحية , , , .
    آمن الأمير بوحدة الوجود تبعاً لشيخه ابن عربي . وهو يتمنى أن يكون إيمانه كإيمان العجائز .
    ومما يذكر أن الناشر للمواقف اعتمد على عدة نسخ . منها نسخة الأمير بخط يده . وقوبلت على نسخة جمال الدين القاسمي التي كانت بدار الكتب الظاهرية , ثم نسخة عبد الرزاق البيطار ( وهو صديق الأمير وتلميذه ) وكانت على هذه النسخة تعاليق بخط الأمير نفسه .

    تاريخ الجزائر الثقافي للدكتور أبو القاسم سعد الله الجزء السابع

    وحسبنا أن نذكر أستاذي الكريم أن الدكتور أبالقاسم سعد الله- وفقه الله- قد قضى ربع قرن يجمع مادة كتابه ( تاريخ الجزائر الثقافي) , داخل البلاد وخارجها في المكتبات الأوربية والأمريكية , فضلاً عن العربية والإسلامية كما ذكر هو ذلك في مقدمته , والأمثلة على ذلك كثيرة فقد ذكر في سلسلته (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر الجزء الثاني أنه عثر على النسخة المسروقة من كتاب تحفة الزائر في مآثر الأمير عبد القادر واخبار الجزائر ) .
    يقول الدكتور :" وقد استمر بحثي عنها في كل المظان الممكنة : دمشق والاسكندرية واسطانبول وباريس , وهي البلدان التي تردد عليها المؤلف والتي يوجد فيها منم يهمه موضوع الكتاب , وكانت النتائج دائماً مخيبة للأمل , ولكن اليأس لم يتطرق إلى البال , وزاد حماسي للبحث أن الطبعة الثانية للكتاب التي صدرت بعناية الدكتور ممدوح حقي لم تقدم نقداً ما لقضية النسخة المسروقة , , , وفي زيارتي إلى اسطانبول بتاريخ أغسطس 1970 , تمكنت من الاطلاع على نسخة مخطوطة من كتاب ( تحفة الزائر . . .) في احدى مكتبات اسطانبول .
    والدكتور سعد الله لا يتكلم جزافاً في المسائل التاريخية ومن قرأ أبحاثه يعلم حقيقة ما نقول , , ,
    فهو عندما تكلم عن كتاب المواقف وأثبت نسبته للأمير ذكر معه أن الكتاب قوبلت نسخته على نسخة جمال الدين القاسمي التي كانت بدار الكتب الظاهرية , ثم نسخة عبدالرزاق البيطار وكانت على هذه النسخة تعاليق بخط الأمير نفسه .
    يقول سعد الله :" إننا نرجح أن" عودة" الأمير إلى التصوف بتلك الصفة التي تدعو للدهشة كانت هروباً من محاولات استعماله في أدوار لم ير الفرصة سانحة للقيام بها , وقد كانت له همة قعساء ومروءة شماء أيضاً . فرأى أن خير ما يبتعد به هو اللجوء إلى الفتوحات المكية وفصوص الحكم لابن عربي , وغيرها من كتب الحقيقة الصوفية , , , وكثيراً ما وجدناه في ( المواقف ) يردد عبارة معينة , وهي أنه كان في حالة مشاهدة فصعق فكلمه الله وقال له : إنني أنا الله لا إله إلا أنا , وكان يحصل له , كما أخبر , بعد الرجوع إلى الحس , فرح وبشارة .
    وجاء في( المواقف) الأول قوله : " إن الله قد عودني أنه مهما أراد أن يأمرني أو ينهاني أو يبشرني أو يحذرني أو يعلمني علماً . . . إلا ويأخذني مني مع بقاء الرسم , ثم يلقي إليّ ما أراد بإشارة آية كريمة من القرآن , ثم يردني إليّ فأرجع بالآية قرير العين ملآن اليدين , ثم يلهمني ما أراد بالآية ".
    وحسبي أني قد أحلتك إلى مليئ ,, والله أعلم

  15. #15

    افتراضي تواصل

    أيها الإخوة السلام عليكم
    أولاً ؛ أشكر الأخ الشيخ سليمان على ترحيبه ولطفه ، وأنا أوافقك الرأي .

    وثاثيًا ؛ أقول للأخ محمد المبارك : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    وهذه مبادرة طيبة منك. وتصريحك بأنك إذا ظهر لك الحق ستعدل إليه وترجع عن الخطأ لهو مما يبشّر بالخير ، وهذا هو الظنّ بك . وأنا ألتزم بهذا أيضًا!
    وأنا لم أفهم ما تقصده من قولك ((الشخصنة)) في هذا المقام! فالشخصنة مثل "الأنسنة" أي جعل الشيء كالأشخاص أو كالإنسان .
    وأما حديثك عن التعصب الأسري ، فهل لمست في الحلقة الأولى شيئًا من ذلك؟
    أرجو أن لا يُعوَّل على هذه المسألة ، ولا يخاطبني بها أحد ، فهي كما قلتَ حيلة من لا دليل معه!
    ولو أنني يا أخي وجدتُ في مقالك إحالات إلى العلماء أو المؤرّخين الذين نقلتَ عنهم ما كتبت ، لكان ردّي موجهًا إليهم! ولكنني لم أجد أي إحالة سوى إحالة إلى كلام د. عبد الجليل التميمي ودون ذكر المصدر ، ومع ذلك فإنّ الكلام الذي نقلته عنه لم تقف عنده ، وإنما ذهبت تبني عليه أشياء أخرى ، لذلك وجدتني مضطرًا للرد على كلامك.أقول لك هذا لتعلم أنه لا يوجد أي شيء شخصي بيني وبينك ، فاطمئن .
    والموضوع علمي بحت لا دخل للعواطف فيه ، وأعتقد أنّك لمست من الحلقة الأولى أنني ملتزم بجادة البحث العلمي لا أحيد عنها ، وهذا هو طبعي ومذهبي .
    وأمّا ما ذكَرْتَه عن كتاب المواقف . فيا أخي أنا ملتزم بمنهج علمي واضح . وعندما استشهدت بكتاب المواقف ، كان ذلك من باب إلزام القائلين بصحة نسبته إليه بما فيه . فكل من يقول بأن الأمير هو مؤلّف المواقف يلزمه ضرورة أن يقبل احتجاجنا عليه به .
    وأمّا أنا فأنفي أن يكون الأمير مؤلّف ذلك الكتاب ، لذلك لا يُحتج عليّ بما فيه .
    وهذا ميزان علمي صحيح .
    وأرجو منك يا أخي أنّك إذا وجدت في كلامي أيّ شدة أن تتقبلها بصدر رحب من أخيك، فطبيعة الكتابة النقدية كما تعلم جافة ، بل إنّ الكتابة بحد ذاتها فيها جفاف إذا لم تكن تسمع أو ترى الكاتب ، وأنت تعلم من خلال تصدّيك للكتابة في الرجال وذكر مثالبهم والمؤاخذات عليهم ، طبيعة الكلام النقدي فمثلك أدرى به. وأنا إن شاء الله إذا رددتَ عليّ بعلم لن أغضب لنفسي ، فأرجو أن لا تغضب أنت أيضًا لنفسك ، وليكن غضبنا جميعًا لله وحده . وفي الحقيقة فإنّ ردّي ليس موجهًا إليّك ، وإنما هو لمجموع من تكلّم في عرض الأمير .
    وأما الحاكم على ما نقول فهو العلم والميزان العلمي بثوابته وقواعده ، وأما المحكّمين فهم أهل العلم وطلاّبه من القرّاء الكرام ، أما عموم القرّاء ففيهم قليل ممن لا يُلتفت إلى حكمه ، وأنت رأيت كيف بدأ بعضهم (في ملتقى أهل الحديث) يرد بكلام لا يمت إلى العلم أو الأدب والأخلاق بصلة ، بل ويستقوون بكلام أهل البدع والضلال علينا ، وذلك على مرأى من المشرفين! .

    ثالثًا ؛ أقول للأخ عبد القادر : نعم ، الأستاذ أبو القاسم سعد الله أستاذ كبير ومؤرّخ راسخ القدم
    وأنا أعتمد على الكثير من تحقيقاته وأعماله.
    ولكن يا أخي علينا أن نفرّق بين ما يحقق فيه الأستاذ ، وبين ما ينقله نقلاً فقط ، دونما أي تحقيق في الموضوع!
    فمثلاً الكلام الذي نقلتَه عنه بخصوص كتاب المواقف ، ينقله الأستاذ سعد الله بحروفه من الصفحة الأولى لكتاب المواقف ، وهذا الكلام من إنشاء الجهة القائمة على الطبع!
    والأستاذ سعد الله لم يبحث في هذا الموضوع ، وإنما اكتفى برواية ما قاله طابعو الكتاب (الذين لم تُعرف شخصياتهم إلى اليوم!!) ، وما ذكره من تحليل لأسباب انتقال الأمير إلى هذا النوع من التصوف إنما هو مبني على قراءته لكتاب المواقف . وبالطبع فإنّ كل من يقرأ كتاب المواقف سيقول مثل ذلك أو أكثر .
    على كل حال الحديث عن كتاب المواقف سيأتي في حلقة مستقلة ، فأرجو عدم فتح هذا الموضوع إلى حينها ، لأنني لن أتمكن من الإجابة عن الأسئلة بعد اليوم .
    والسلام عليكم

  16. #16

    افتراضي رد: الرد على الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري

    حيا الله أخانا الحبيب الفاضل د. خلدون بن مكي الحسني
    طبيب الأسنان الجراح البارع، وطالب العلم الجاد المحقق..
    وإن مشاركتك في الألوكة لهي إثراء للموقع ولمجلسه العلمي،
    فلا تحرمنا من بحوثك وفوائدك...
    وجزيت خيرًا على هذه المادة الطيبة التي تنبئ عن شخصية علمية أصيلة،
    وعناية بالتحقيق والتوثيق..
    بارك الله فيكم ووفقكم إلى المزيد..

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    272

    افتراضي رد: الرد على الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري

    وفَّقكم الله للهدى ... وفي انتظار ما تُسفر عنه المناقشات العلمية الهادئة .

  18. #18

    افتراضي رد: الرد على الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري

    حيّاكم الله وبيّاكم أخي أبا أحمد ، الأستاذ أيمن ذو الغنى
    شكرًا لحسن ظنكم بي
    وأسأل الله أن يسددني وإيّاكم.


    وأشكر الأخ زكرياء التوناني على مشاركته
    وإن شاء الله تكون المناقشات هادئة ، وتسفر عن خير.

  19. #19

    افتراضي رد: الرد على الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري

    الأخوين الكريمين الطاهر عمر الطاهر ، وتوبة ؛ السلام عليكم ورحمة الله
    أعتذر عن تأخري في الرد ، وإن شاء الله يأتيكم بحث مستقل في موضوع كتاب المواقف .
    وشكرًا لمشاركتكم ، ولطفكم .

  20. #20

    Exclamation الرد على الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري-الحلقة الثانية-

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحلقة الثانية
    نُشر في الكثير من المواقع الإسلامية!! مقال للأخ (محمد المبارك) بعنوان ((فك الشفرة الجزائريّة وفتح الأيقونة الباريسيّة)) والقارئ للعنوان يظن أنه سيطلع على خفايا ووثائق تكشف شيئًا عن السياسة في الجزائر وفرنسة ، ولكن سرعان ما يتلاشى هذا الظن عندما يجد القارئ نفسه أمام مقال يترجم للأمير عبد القادر فحسب!! ولكن أيّ ترجمة؟ إنها ترجمة غير مسبوقة ولا يُقرُّ الكاتب عليها ، فهي وإنْ بدأَتْ بذكر شيء من مآثره ومزاياه ، إلاّ أنها في صلبها لا تُبقي للأمير أي خصلة حميدة إلاّ جرّدته منها ، وألصقت به خصال السوء .
    كل ذلك دون ذكر أي مصادر أو مراجع أو إحالات لكتب أو علماء . اللهم ما كان من ذكر لأقوال بعض رجال الماسون ولكن أيضًا دون ذكر المصادر والإحالات!
    وإذا راجعنا تاريخ تلك الحقبة ، وترجمة الأمير عبد القادر في كتب المغاربة والمشارقة الذين عاصروه أو كانوا قريبًا من عصره ، وهم بالعشرات ، فسنجد خلاف ما ذكره صاحب المقال!
    وتحت إلحاح الكثير من الإخوة والأساتذة الكرام ، كتبتُ ردًا على ذلك المقال ، أُبيّن فيه ما وقفتُ عليه في كتب العلماء والمؤرّخين من الحقائق والوثائق ، وذلك لتجلية الموضوع وإظهار الحقيقة.
    وتشمل حلقات الرد على بعض التوضيحات التاريخية والتراجم ، إضافة إلى دفع الشُّبه والاتهامات .
    وأنا في ردي هذا إنما أنطلق من مبدأ الذَّب عن أعراض المسلمين الذي أُمِرْنا به ، فلا يجوز لي وأنا أرى ظلمًا واقعًا بأحدٍ من المسلمين ـ أيًّا كان مذهبه ـ وأعلم أنه بريء منه ، أن أسكت عنه أو أتجاهله . لا يجوز هذا لي ولا لغيري أبدًا ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ((كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه)) . [وعِرْضُ الرجل : موضع المدح والذم فيه] .
    وأنطلق من قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيح : [((انصر أخاك ظالماً أو مظلومًا)) . فقال رجل يا رسول الله أنصره إذا كان مظلومًا أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال : ((تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره))]
    وأنا ـ إن شاء الله ـ في بحثي هذا سأنتصر للأمير عبد القادر (المظلوم) والذي انتقل إلى الدار الآخرة فلا يستطيع أن ينتصر لنفسه ، وسأنصفه وأدافع عن عرضه بالحق . وذلك لأنني على اطّلاع جيد على تاريخ حياته وسيرته وآثاره . وهو في حياته لم توجه إليه أي تهمة من هذه التهم الجديدة!!
    وسأنصر الأخ محمد المبارك والإخوة الخائضين في هذا الموضوع بإبداء النصح لهم ، وذلك بعرض الحقائق والبيّنات التي لم يقفوا عليها ، وأدعوهم إلى الاعتماد على الحقائق عوضًا عن الظنون. والاطمئنان لأقوال المسلمين العدول ، والانصراف عن الأخذ بأقوال غيرهم وخصوصًا الماسون .
    يقول الله عزَّ وجلّ :{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}[الأحزاب:58]
    ويقول تعالى : {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُم ْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ}[النور:15]
    وإذا وجد الأخ محمد المبارك في خطابي شدّة فليعلم أنني لا أضمر له في نفسي بغضًا أو كرهًا ، وإنما خاطبته بلهجة النقد العلمي فحسب ، وقد ترفّقت به كثيرًا ، مع أنه في مقاله لم يترفّق بالأمير ، ولم يترك فضيلة إلاّ جرّده منها ، ولم يدع نقيصة إلاّ ووصمه بها ، حتى إن القارئ لمقاله ليظن نفسه أمام أبشع شخصية عرفتها الإنسانية .
    وأرجو أن تجد كلماتي عنده وعند الذين خاضوا خوضه ، صدرًا سليمًا ، وقبولاً حسنًا . وأسأل الله تعالى أن يرشدنا جميعًا إلى سواء السبيل وصراطه المستقيم ، وكلي أمل ألاّ نصل إلى آخر حلقات هذا البحث إلاّ وقد آب الأوّابون وانصلح الحال .
    فأقول مستعيناً بالله العظيم :
    يقول الأخ محمد المبارك في مقاله (فكّ الشفرة): ((ومما حُفِظ عن الأمير خلال تلك الحوارات قوله :" لو كان العالم يسمعني لجعلت من المسلمين والمسيحيين إخوةً ولعملنا معاً من أجل إرساء السلام في العالم"ولعلَّ هذه الجملة كانت هي البروتوكول الذي انتهجه فيما بعد الأمير و التزم به كلالالتزام)).انتهى
    يقول مما حُفظ! طيِّب ، مَنْ حفظه لنا يا أخي؟ سمِّ لنا العلماء المسلمين الذين حفظوا هذه المقولة كما ذكرتها! وأين أوردوها؟
    ويبدو أنّ الأخ كاتب المقال لم يتنبّه إلى أمر هام وهو أنه أمام جملة شرطية مبدوءة بأداة الشرط [لو]! وهي : حرفُ امتناعٍ لامتناع ، أي تدلُّ على امتناع الجواب لامتناع الشرط!!! ففي قولكَ : (لو درسَ لنجح) امتناعُ النجاح لامتناعِ الدَّرْس!
    إذن عندما يقول الأمير : ((لو أصغى إليَّ المسلمون والنصارى لرفعت الخلاف بينهم))
    فالذي يُفهم من هذا الكلام امتناع رفع الخلاف بين المسلمين والنصارى لامتناع إصغائهم!
    فكيف تكون هذه الجملة منهجًا يلتزمه الأمير وهي ممتنعة؟!!
    وللعلم فإنّ هذه المقولة أوردها عدّة أشخاص في الإنترنت وكل واحد منهم يأتي بها في صيغة مختلفة عن الأخرى ، وذلك لأنهم ينقلونها بالمعنى أو مترجمة عن لغات أخرى . ولكن أغرب ما رأيت في نقل هذه المقولة هو ما كتبه (عبد الحق آل أحمد) ؛ ولا أدري إن كان هذا اسمه الحقيقي ؛حيث قال :" قال الأمير عبد القادر الجزائري:(( لو أصغى إلي المسلمون و النصارى، لرفعت الخلاف بينهم، ولصاروا إخوانا، ظاهرا و باطنا، ولكن لا يصغون إلي)).اهـ من [ذكرى العاقل و تنبيه الغافل:ص/107]". انتهى
    والغرابة في هذا النقل أنّ كاتبه ينقله هذه المرة من مصدره الأصلي وهو رسالة ((ذكرى العاقل وتنبيه الغافل)) للأمير عبد القادر الجزائري . ولكنّه نقَلَه بعد أن سلخه عن سياق الكلام ، فحذف ما سبقه وما لحقه لكي يُظهر العبارة بوجهٍ يساعده على ما يريد . ومِنْ ثَمَّ حَكَمَ على الأمير بأنه يدعو إلى المؤاخاة مع النصارى!!!
    وأقول : إنّ رسالة (ذكرى العاقل) هي رسالة كتبها الأمير عبد القادر إلى علماء فرنسة يدعوهم فيها إلى الإسلام ؛ وقد بدأها بالكلام على ضرورة إعمال النظر وترك التقليد ، ثم بيّن فضل العلم والعلماء ، وبيان انقسام العلم إلى محمود ومذموم ، ثم بيّن فضل العلم الشرعي ، وتحدث عن ضرورة إثبات النبوة التي هي منبع العلوم الشرعية ، وتحدث عن قصور المكذبين للأنبياء ، وبرهن لهم أن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم هو خاتم الأنبياء ، ثم تحدث عن الكتابة وضرورة التصنيف .
    وبالطبع فإن هذه الرسالة موجهة إلى غير المسلمين وطريقة الخطاب فيها تراعي حال المخاطبين من أهل الكتاب ، كما أمرنا الله تعالى في قوله :{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ} [النحل:125] .
    فينبغي على القارئ لها أن يستحضر هذا الأمر ، ولا ينظر إليها بوصفها رسالة إلى علماء المسلمين في بيان عقيدة المؤلف! هذا أولاً
    وأمّا ثانيًا ؛ فهذه الرسالة المطبوعة إنما هي الترجمة العربية للنص الفرنسي المترجم عن الأصل العربي!
    فيجب على القارئ لها أن يدرك أنّ الألفاظ التي صيغت بها ليست من إنشاء المؤلِّف (الأمير) وإنما هي ألفاظ المترجِم لها من الفرنسية ، وكذلك المعاني هي ما فهمه المترجِم من النص الفرنسي!
    وكذلك يجب أن يدرك أنّ النص الفرنسي أيضًا صِيْغَ على النحو الذي فهمه المترجم الفرنسي من النص العربي!
    إذن نحن أمام نصّ تعرّض لشيء من التشويه عندما تُرجِمَ من العربية إلى الفرنسية وكذلك عندما تُرجِمَ من الفرنسية إلى العربية!!
    ليس هذا فحسب وإنما يجب على القارئ أن يعلم أنّ النص الفرنسي الموجود هو نصٌّ محرّف!! والفرنسيون يخفون الأصل العربي الذي كتبه الأمير بخطّه ، ولا يروّجون إلاّ للنص الفرنسي أو النص العربي المترجم عن الفرنسي.
    وهذا الذي أقول ليس ظنًا أو تخمينًا ، وإنما عندي دليل عليه . فقد ذكر محمد باشا في كتابه (تحفة الزائر) قصة هذه الرسالة فقال : ((إنّ علماء باريس تذاكروا في علماء الإسلام المشاهير ، وانتهى بهم الحديث إلى ذكر الأمير ومؤلفاته التي اتصلت بأيديهم ومواعظه التي كان يلقيها على من يجتمع به منهم ، وأجوبته على أسئلتهم التي كانوا يبعثونها إليه ، فوقع اتفاقهم على أن يثبتوا اسمه في ديوان العلماء من كلِّ أُمّة وملّة من أهل القرون الماضية ، فأثبتوه وكتبوا إليه يخبرونه بذلك فكتب إليهم رسالةً ضمّنها علومًا جمّة ذَكرَ في خطبتها ما نصّه : (((الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، ورضي الله تعالى عن العلماء العاملين ، أمّا بعد : فإنه بلغني أنّ علماء باريس كتبوا اسمي في ديوان العلماء ، ونَظَموني في سلك العظماء ، فحمدت الله على ستره عليَّ حتى نظر عباده بالكمال إليّ ؛ وقد أشار عليَّ بعض المحبين منهم أن أكتب إليهم بعض الرسائل ، فكتبتُ هذه العجالة، وسميّتها "ذكرى العاقل وتنبيه الغافل" ورتبتها على مقدمة وثلاث أبواب...إلخ))).انتهى
    هذا هو الأصل العربي الذي افتتح به الأمير رسالته ، وللأسف ليس لدينا إلاّ هذا الجزء الذي نقله محمد باشا . وإذا قارناه بما كُتبَ في الرسالة المطبوعة باللغة العربية المترجمة عن الفرنسية وجدنا أنه حتى في هذه الافتتاحية الصغيرة (خمسة أو ستة أسطر) وقع حذفٌ وزيادة وتحريف للنص الأصلي!!
    وإليكم النص المطبوع والمنشور (المحرّف) : (()الحمد لله ربّ العالَمين . ورضي الله تعالى عن العالِمين. أما بعد : فإنه بلغني أن علماء بريز . وفّقهم العليم الحكيم العزيز . كتبوا اسمي في دفتر العلماء . ونظموني في سلك العظماء . فاهتززت لذلك فرَحا . ثم اغتممت ترَحا . فرِحت من حيث ستر الله عليّ . حتى نظر عبادُه بحسن الظن إليّ . واهتممت من كون العلماء استسمنوا ذا ورم . ونفخوا في غير ضرم . ثم أشار عليّ بعض المحبين منهم بإرسال بعض الرسائل إليهم . فكتبتُ هذه العجالة للتشبه بالعلماء الأعلام . ورميت سهمي بين السهام .
    فتشبهوا إن لم تكونوا منهمُ ***** إن التشبه بالكرام رباحُ
    وسميتُ هذه الرسالة (ذكرى العاقل . وتنبيه الغافل) ورتبتها على مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة ...إلخ()) . انتهى
    إنّ كل قارئ يقظ وسليم الصدر ، سيرى بوضوح الفوارق الكثيرة بين النصين (الأصلي والمحرّف)!!
    لقد حذف المزور الصلاة على النبي بدايةً ـ التي وصفه فيها الأمير بخاتم النبيين لأنّ الرسالة تتضمن إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم النبيين ـ ، ثمّ حذف كلمة العلماء العاملين ، ووضع مكانها كلمة العالِمين!! ، ثم غير كلمة باريس فجعلها باريز ، وأضاف جملةً كاملة فيها دعاء وثناء على علماء باريس أتى بها مسجوعة ، وبعد ذلك حذف المزوّر الجملة التي حمِد اللهَ فيها الأمير ، ووضع مكانها جملاً ليس فيها معنى الحمد ، ثم أضاف كلامًا وشعرًا ، وكل ذلك ليس له وجود في كلام الأمير!!
    حتى بيت الشعر جاء بصيغة غير الصيغة المعروفة والتي لا تخفى على الأمير الشاعر!وهي :
    فتشبهوا إن لم تكونوا مثلَهمْ*****إن التشبه بالكرام فلاحُ
    وسيدرك القارئ الفطن أنّ المحرّفين للنص الأصلي هم من المستشرقين الفرنسيين أو من عملائهم من نصارى الشرق (لبنان) بخاصة! (وأعني بذلك أنّه كان بحوزتهم النص العربي الأصلي يستعملون ألفاظه ومبانيه ، في صياغة النص المحرّف).
    وللعلم فإنّ النص المترجم إلى العربية طُبِع أوّل مرة في لبنان دون ذكر اسم الناشر أو دار النشر!!
    وقبل أن أنقل لكم كامل الصفحة التي اقتُصّت منها تلك العبارة . سأنقل لكم بعض الجمل والعبارات التي وردت في رسالة الأمير حتى تكونوا على شيء من الاطلاع على فحوى هذه الرسالة.
    (والرسالة مطبوعة وأنا أدعو الجميع لقراءتها بأنفسهم) .
    قال الأمير عبد القادر في مقدمة الرسالة في معرض حثّ علماء فرنسة (والغرب) على إعمال عقولهم لكي يصلوا إلى الدين الحق : ((اعلموا أنه يلزم العاقلَ أن ينظر في القول ولا ينظرَ إلى قائله ، فإن كان القول حقًا قبِلَه سواء كان قائله معروفًا بالحق أو الباطل ، فإنَّ الذَّهب يُستخرج من التراب والنرجسَ من البصل والتِرياقَ من الحيّات ويُجْتنى الورد من الشوك ؛ فالعاقل يعرفُ الرجال بالحق ولا يعرف الحقَّ بالرجال)).انتهى[ص5] ، ثمّ قال : ((والمتبوعون من الناس على قسمين ، قسمٌ عالمٌ مُسْعِدٌ لنفسه ومسعدٌ لغيره وهو الذي عرف الحق بالدليل لا بالتقليد ودعا الناس إلى معرفة الحق بالدليل لا بأن يقلّدوه ، وقسمٌ مُهلِكٌ لنفسه ومهلك لغيره وهو الذي قلَّد آباءَه وأجداده فيما يعتقدون ويستحسنون وتَرَكَ النَّظرَ بعقله ودعا الناسَ لتقليده ، والأعمى لا يصلح أن يقود العميان ؛ وإذا كان تقليد الرجال مذمومًا غيرَ مرضيّ في الاعتقادات فتقليد الكُتب أولى وأحرى بالذم ، وإنّ بهيمةً تُقاد أفضل من مقلِّدٍ يَنْقَاد . وإن أقوال العلماء والمتدينين متضادّةٌ في الأكثر واختيارُ واحد منها واتِّبَاعُه بلا دليل باطلٌ لأنّه ترجيحٌ بلا مرجِّح فيكون مُعارَضًا بمثله)).انتهى[ص6ـ7] ؛ وفي معرض كلامه على فضل العلم والعلماء قال : ((ويُدرَكُ شرفُ العلم مطلقًا من حيث هو علمٌ بشيئين ، أحدهما شرف الثمرة والثاني قوة الدليل . وذلك كعلم الأحكام الدينية الشرعية وعلم الطب ، فإن ثمرة علم الدين السلامة في الدارة الآخرة وهي الحياة الأبدية . وثمرة الطب السلامة في الدنيا وهي سلامة بدنية منقطعة . فيكون علم الدين أشرف لأنه سببٌ لسلامة أبدية لا تنقطع)).انتهى[ص22] ؛ وقال : ((وأشرفُ العلوم النافعة معرفةُ الله تعالى ومعرفة حكمته في أفعاله وفي خلق السموات والأرض وما فيهما وما بينهما)).انتهى[ص33] ؛ وفي معرض كلامه عن الفرق بين الإنسان وغيره من المخلوقات قال : ((ولما كان المقصود الأعظم من خلق الإنسان هو معرفة خالقه وعبادته أكرمَ اللهُ الإنسان وميّزه بصفة أخرى أشرفَ من الكل وهي العقل ، فبه يعرف الإنسان خالقَه ويدرك المنافع والمضار في الحال والمآل)).انتهى[ص35ـ36] ؛ وفي معرض نقده لعلماء فرنسة قال : ((وقد اعتنى علماء افرنسا ومن حذا حذوهم باستعمال العقل العملي وتصريفه فاستخرجوا الصنائع العجيبة والفوائد الغريبة فاقوا بها المتقدمين وأعجزوا المتأخرين ، رقوا بها أعلى المراقي ، وحصل لهم بها الذكر الباقي ، فلو استعملوا مع هذا العقلَ النظري في معرفة الله وصفاته وفي معرفة حكمته في خلق السموات والأرض وما يلزم للإله من الكمال وما يتقدس عنه من النقص وما يمكن في حقّه أن يفعله وأن لا يفعله لكانوا حازوا المرتبة التي لا تدرك والمزية التي لا تُشرَك ، ولكنهم أهملوا استعمال هذه القوة النظرية حتى إنهم لا يُسمَع منهم لها ذاكر ولا يعثر عليها في كتبهم ناظر)).انتهى[ص40] ؛ وقال : ((وأقلّ أحوال من يقصد بعلم النجم الاطلاعَ على المغيبات أنه خوض في فضول لا ينفع ، فإن المقدورَ واقعٌ والاحتراز منه غير ممكن ، وأحكام النجوم ظنٌ خالصٌ والحكم بالظن حكمٌ بجهل)).انتهى[49] ؛ وقال ((اعلموا وفّقكم الله أنَّ العقل وإن بلغ من الشرف والاطلاع على حقائق الأشياء ما بلغ فثَمَّ علوم لا يصل إليها ولا يهتدي إلى الاطلاع عليها إلاّ بتصديق الأنبياء واتباعهم والانقياد إليهم)).انتهى[ص50] ؛
    وقال : ((فالذي يدعو الناس إلى التقليد المحض مع عزل العقل جاهل ، والمكتفي بمجرد العقل عن العلوم الشرعية مغرور ، فإياكم أن تكونوا من أحد الفريقين وكونوا جامعين بينهما ، فإن العلوم العقلية كالأغذية والعلوم الشرعية كالأدوية ، وقلوب الخلق كلها مرضى ولا علاج لها إلاّ بالأدوية التي ركّبها الأنبياء ، وهي وظائف العبادات ، فمن اكتفى بالعلوم العقلية تضرر بها كما يتضرر المريض بالغذاء . كما وقع لبعض الناس فإنهم قالوا الإنسان إذا حصل له المعقول وأثبتَ للعالم صانعًا وصل إلى الكمال المطلق فتكون سعادته على قدر علمه وشقاوته على قدر جهله ، وعقلُه هو الذي يوصله إلى هذه السعادة . وإيّاكم أن تظنوا أنّ العلوم الشرعية مناقضةٌ ومنافرةٌ للعلوم العقلية ، بل كلُّ شيء جاء عن الأنبياء مما شرعوه للناس لا يخالف العقول السليمة ؛ نعم يكون في شرائع الأنبياء ما تستبعده العقول لقصورها عنه ، فإذا عرفتْ طريقَه عرفتْ أنه الحقُّ الذي لا ينبغي العدول عنه . مثاله في شرع الإسلام الذهب والفضة فإن الشرع يمنع من اختزانهما من غير إعطاء بعضها للفقراء والمساكين ، ويمنع من اتخاذ الأواني للأكل والشرب منها ، ويمنع من بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة بزيادة ، فإذا قيل لإنسان أعطِ بعضها للفقراء وإلاّ تُحرق بالنار! يقول أنا تعبت وجمعتُها فكيف أعطيها مَنْ كان نائمًا مستريحًا هذا خارج عن العقل؟ وإذا قيل له لا تأكل ولا تشرب في أواني الذهب والفضة وإلاّ تُحرق بالنار! يقول أنا أتصرف في ملكي ولا ينازعني فيه أحدٌ فكيف أُعاقب على التصرف في ملكي هذا خارج عن العقل؟ وإذا قيل له لا تبعْ الذهب بالذهب ولا الفضة بالفضة بزيادة وإلاّ تُحرق بالنار! يقول أنا أبيع وأشتري بِرِضًا مني ومن الذي أتعامل معه ولولا البيع والشراء لخربت الدنيا وتعطلت المنافع هذا شيء خارج عن العقل. وكلامه هذا صحيح فإن العقل غير مدركٍ للعقاب على هذه الأمور ، فيحتاج العقل إلى التعريف ، فيُقال له الحكمة التي خلق الله الذهبَ والفضة لأجلها هي أنّ قِوامَ الدنيا بهما وهما حجران لا منفعة في أعيانهما إذ لا يرُدَّان حرًّا ولا بردًا ولا يُغذيان جسمًا ، والخلق كلهم محتاج إليهما من حيث أنّ كل إنسان محتاج إلى أشياء كثيرةٍ في مطعمه وملبسه ، وقد لا يملك ما يحتاج إليه ويملك ما يستغني عنه كمن يملك القمح مثلاً وهو محتاج إلى فرس ، والذي يملك الفرس قد يستغني عنه ويحتاج إلى البُرّ فلا بدّ بينهما من معاوضة ولابُدَّ من تقدير العِوَض إذ لا يعطى صاحب الفرس فرسَه بكل مقدار من البُر ، ولا مناسبة بين البُر والفرس حتى يُقال يُعْطَى منه مثلَه في الوزن أو الصورة فلا يدري أن الفرس كم يسوى بالبُر فتتعذر المعاملات في هذا المثال وأشباهه . فاحتاج الناس إلى متوسط يحكم بينهم بالعدل فخلق الله الذهب والفضة حاكمين بين الناس في جميع المعاملات ، فيُقال هذا الفرس يسوى مئة دينار وهذا القَدر من البُر يسوى مثلَه ؛ وإنما كان التعديل بالذهب والفضة لأنه لا غرض في أعيانهما وإنما خلقهما الله لتتداولهما الأيدي ويكونا حاكمين بالعدل ، ونسبتهما إلى جميع الأموال نسبة واحدة ، فمن ملكهما كأنه ملَكَ كلَّ شيء ، ومن ملك فرسًا مثلاً فإنه لا يملك إلاّ ذلك الفرس ، فلو احتاج إلى طعام ربما لم يرغب صاحب الطعام في الفرس لأنّ غرضه في ثوبٍ مثلاً فاحتيج إلى ما هو في صورته كأنه ليس بشيء وهو في معناه كأنه كل الأشياء . والشيء إنما يستوي نسبته إلى الأشياء المختلفات إذا لم تكن له صورة خاصّة ؛ كالمرآة لا لون لها وتحكي كل لون . فكذلك الذهب والفضة لا غرض فيهما وهما وسيلتان إلى كل غرض ؛ فكل من عمل فيهما عملاً لا يليق بالحكمة الإلهية فإنه يُعاقب بالنار إن لم يقع السّماح)).انتهى[54ـ57] .
    وفي معرض كلامه على إثبات النبوّة واحتياج كافة العقلاء إلى علوم الأنبياء قال : ((وإذا ثبت أنّ اللهَ تعالى فاعلٌ مختار لا عِلّةٌ موجبة وثبت أن إرسال الأنبياء ممكن غير محال في حقه ، وجاءت الأنبياء بما يصدقهم من المعجزات الخارقة للعادة لزم تصديقهم)).انتهى[ص65] ؛ ثم قال : ((ولو أن قائلاً قال إن هذا الإبريق تكوّن بنفسه من غير قصد قاصدٍ حكيم ، ولا فعلِ فاعلٍ بل اتفق تكوُّنه بنفسه كما اتفق تشكل هذه القطعة بهذا الشكل الخاص من غير قصد قاصد حكيم ولا جعل جاعل ، لشهدت الفطرة السليمة بأن هذا القول باطل محال ؛ ومتى ثبت القول بالفاعل المختار ثبتَ حدوث العالم ، ومن عرف هذا سهل عليه معرفة النبيّ)).انتهى[ص67] ؛ وقال : ((فإذا قال قائل إن هذا المنقول عنهم (يعني الأنبياء) خرافات وكذب! فنقول له ما بال الناس لا ينقلون نقلاً متواترًا عن غير الأنبياء مثلَ ما نقلوا عن الأنبياء؟)).انته [ص68]
    وقال : ((وأساس الديانة وأصولهُا لا خلاف فيها بين الأنبياء من آدم إلى محمد ، فكلّهم يدعون الخلقَ إلى توحيد الإله وتعظيمه واعتقاد أن كل شيء في العالم صُنعه . وإلى حفظ النفس والعقل والنسل والمال ، فهذه الكلّيات الخمس لا خلاف فيها بين الأنبياء ، وجميعُ الشرائع متفقة عليها ، وحاصلها يرجع إلى تعظيم الإله والشفقة على مخلوقاته ، وطريان النسخ على هذه الكلّيات الخمس مُحال ، وإنما النسخ يمكن في الشرائع الوضعية ، وهي الأشياء التي يجوز ويصح أن لا تكون مشروعة ، دون الأحكام العقلية كتوحيد الإله وما ذكرنا معه من الكلّيات)).انتهى[ص71] .
    والآن إليكم النص الذي وردت فيه عبارة الأمير التي يُراد من اجتزائها وتدليسها الطعن فيه بغير حق. وقد وردت في معرض احتجاجه على النصارى بأن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين قال : ((والنسخُ في الحقيقة ليس هو إبطال وإنما هو تكميل....واليهود هم الذين اعتدوا في السبت فمسخهم الله قردةً وخنازير . وقال المسيح ما جئتُ لإبطال التوراة بل جئتُ لأكملها ، قال صاحب التوراة "النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والجروح قصاص" وأنا أقول "إذا لطمك أخوك على خدّك الأيمن فضع له خدك الأيسر. وجوابُ النصارى لليهود هو جواب المسلمين للنصارى ، والذي قاله المسيح قاله محمد ، فإنه قال "ما جئتُ لأُبطل الإنجيل والتوراة وإنما جئتُ لأكملهما . ففي التوراة أحكام السياسة الظاهرة العامة ، وفي الإنجيل أحكام السياسة الباطنة الخاصة ، وأنا جئتُ بالسياستين جميعًا ، جئتُ بالقصاص {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } وهو إشارة إلى السياسة الظاهرة العامة ، وجئتُ بالعفو {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} وهو إشارة إلى السياسة الباطنة الخاصة . وهذا دليلٌ على أنّ محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ؛ لأن النبوّة حكمةٌ ، والحكمةُ إمّا عملية أو علمية أو جامعة بينهما ، وحكمة موسى كانت عمليةً لاشتمالها على تكاليفَ شاقة وأعمال متعبة ، وحكمة المسيح كانت علمية لاشتمالها على التجرد والروحانيات والتصوف المحض ، وحكمة محمدٍ جامعةٌ بينهما ، فلا يجيءُ نبيٌّ بعده غير المسيح فإنه ينزل ثانيًا إلى الأرض لأنّ الذي يجيء بعد محمد إن كانت حكمته عملية فموسوي وإن كانت حكمته علمية فمسيحي ، وإن كانت جامعة بينهما فمحمدي ، فقد انختمت عليه النبوّة بالضرورة . فالدين واحدٌ باتفاق الأنبياء ، وإنما اختلفوا في بعض القوانين الجزئية ، فهم كرجالٍ أبوهم واحد وأمهاتهم متعددة ؛ فتكذيب جميعهم أو تكذيب البعض وتصديق البعض قصورٌ ؛ ولو أصغى إليَّ المسلمون والنصارى لرفعتُ الخلاف بينهم ولصاروا إخوانًا ظاهرًا وباطنًا ، ولكن لا يصغون إليّ لِمَا سبق في علم الله أنه لا يجمعهم على رأي واحد ؛ ولا يرفعُ الخلافَ بينهم إلاّ المسيح عند نزوله ولا يجمعهم لمجرَّد كلامه مع أنه يحيي الموتى ويبرئُ الأكمه والأبرص ، ولا يجمعهم إلاَّ بالسيف والقتل ، ولو جاءَني مَنْ يريد معرفة طريق الحق وكان يفهم لساني فهمًا كاملاً لأَوصلته إلى طريق الحق من غير تعب لا بأن يُقلّدني بل بأن يَظْهَرَ الحقُّ له حتى يعترف به اضطرارًا.
    وعلوم الأنبياء من حيث خطابهم للعامة دائرةٌ على ما يصلح الناس في معاشهم ومعادهم ، وما جاؤوا ليجادلوا الفلاسفة ولا لإبطال علوم الطب ولا علوم النجم ولا علوم الهندسة وإنما جاؤوا باعتبار هذه العلوم على وجهٍ لا يناقض التوحيد ، ونسبة كل ما يحدث في العالم إلى قدرته وإرادته سبحانه ..)).انتهى[ص75ـ78] .
    هذا ما قاله الأمير عبد القادر ، والقارئ يرى بوضوح الاختلاف الكبير بين إيراد تلك المقولة ضمن سياقها ، وبين سلخها عن سياقها! . فالأمير يتحاور مع العلماء النصارى ويبيّن لهم الحقائق بطريقة تتناسب مع طبائعهم وتفكيرهم ، فضرب لهم المثل بداية باليهود وكيف اعترضوا على النصارى وأنكروا نبوّة المسيح ، ورفضوا مبدأ النسخ والتكميل في الشرائع .. إلى غير ذلك من الاعتراضات . ثم ذكّرهم بما ردّت به النصارى على اليهود! ثم قال لهم لقد اعترضتم على المسلمين بمثل ما اعترض عليكم اليهود ، ونحن نجيبكم بمثل ما أجبتم اليهود! فإذا كنتم تعدّون أنفسكم على الحق وأنّ ما رددتم به على اليهود حق ، فيلزمكم من ذلك أن تقبلوا ردّنا عليكم وتُقِرّوا بأنّ الإسلام هو آخر الشرائع وأنّ محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء . ولا يليق بكم أن تعترضوا علينا بما اعترض به اليهود عليكم ، لأنكم في ردّكم عليهم بيّنتم بطلان أصل اعتراضهم .
    والقارئ يلاحظ أن الأمير لم يقل : لو أصغى إليّ المسلمون واليهود!! وإنما قال والنصارى ، إذن نحن لسنا أمام فكرٍ يدعو إلى توحيد الأديان أو إزالة الفوارق بين المسلمين والكافرين ، كما يتوهّم البعض ، وإنما نحن أمام محاورة يُجْرِيها مسلمٌ مع أهل الكتاب من النصارى حصرًا ـ لأنّهم تعرّضوا لمثل ما تعرّض له المسلمون ـ يحاولُ فيها إلزامهم بالقواعد العقلية التي استندوا إليها في صراعهم مع اليهود .
    ومع ذلك أعود فأقول إنّ العبارة ليس فيها الإشكال الذي يظنه البعض . فالجملة صدّرها الأمير بحرف الشرط (لو) ، وهو كما يعرف دارسو العربية : حرفُ امتناعٍ لامتناع ، أي يدلُّ على امتناع الجواب لامتناع الشرط!!! ففي قولك : (لو درسَ لنجح) امتناعُ النجاح لامتناعِ الدَّرْس!
    إذن عندما يقول الأمير : ((لو أصغى إليَّ المسلمون والنصارى لرفعت الخلاف بينهم))
    فإنّ العربي يفهم من هذا الكلام امتناعَ رفعِ الخلاف بين المسلمين والنصارى لامتناع إصغائهم!
    ومع ذلك فإنّ الأمير أوضح العبارة كي لا تلتبس على أحد ، فقال : ((ولكن لا يُصغون إليّ لِمَا سبق في علم الله أنه لا يجمعهم على رأي واحد ؛ ولا يرفعُ الخلافَ بينهم إلاّ المسيح عند نزوله ولا يجمعهم لمجرَّد كلامه مع أنه يحيي الموتى ويبرئُ الأكمه والأبرص ، ولا يجمعهم إلاَّ بالسيف والقتل)).انتهى
    فهل يبقى بعد هذا البيان أي غموض في العبارة؟ لقد قرر الأمير ما استقرّ في عقيدة كل مسلم أنّ النصارى ـ في مجموعهم ـ لن يصغوا إلى المسلمين ولن يعترفوا بالإسلام إلاّ بعد نزول المسيح عليه السلام ، ليس هذا فحسب ، بل إنهم حتى بعد نزول المسيح لن يستعملوا عقولهم ولن يصغوا بآذانهم وقلوبهم ، وإنما سيدفعهم المسيح إلى ذلك بالسيف والقتل!!
    فهل في هذا الكلام أي مطعن في عقيدة الأمير الإسلامية؟! .
    وما كان الأمير ليتودد إلى النصارى ولو ظاهرًا ، وهو عندما كان في أَسْرِهم وفي متناولهم ، وسمع من بعض أعيانهم ورجالاتهم كلامًا ينتقصون فيه دين الإسلام ، كتبَ كتابًا يرد فيه عليهم ووضع له عنوانًا جريئًا قويًا لا يهابُ فيه أحدًا منهم مع أنه يعلم أنه تحت سلطانهم ، ولكنّه الإيمان الراسخ بالله وحده، والعزّة بدين الإسلام ، والقوة في الدفاع عن هذا الدين . وعنوان الكتاب :
    [المقراضُ الحادّ لقطع لسان منتقص دين الإسلام بالباطل والإلحاد] ؛وهو مطبوع
    وحتى لا أدع أيّ مجال للمشككين أقول : لقد صرّح الأمير عبد القادر ـ بكل اطمئنان وبأوضح بيان ـ بعقيدته في اليهود والنصارى وذلك في رسالته الجوابية إلى مفتي الشام السيد محمود أفندي الحمزاوي ، الذي سأله عن بعض الطوائف والأديان . وقد أثبتَ هذه الرسالة محمد باشا في تحفة الزائر وهي من آخر رسائل وفتاوى الأمير!! ؛ جاء فيها : ((... وأمّا قولك أنّ منطوق الآية الشريفة في سورة الحج أنّ المشركين ليسوا هم النصارى([1]) .. الخ . فاعلم أنّ النصارى هم أتباع المسيح عليه السلام، وأُمَّته ممن كان تابعًا للمسيح قبل ظهور محمد عليه السلام فهو من أفضل الخلق وأعلاهم درجة ، وبعد ظهور محمد عليه السلام مَنْ آمن به فله أجران ويحشر مع الناجين الآمنين ومَنْ كفرَ بما جاء به محمد من النصارى وغيرهم فيُسمّى كافرًا لا مشركًا ، إلاّ من قال في المسيح عليه السلام أنه ابن الله ومن اليهود في عُزير أنه ابن الله فهو مشرك والنصارى الحقيقيون هم الذين يعتقدون أن المسيح عليه السلام روحُ اللهِ وكلمتُه ألقاها إلى مريم العذراء البتول عليها السلام وأنه رسول الله إلى بني إسرائيل بشرعٍ ناسخ لبعض شرع موسى عليه السلام والإنجيل المُنزّل عليه كلام الله تعالى حقيقةً لا مجازًا . وفِرَقُ النصارى واعتقاداتهم المختلفة أنتَ أعلم بها فلا نطيل الكلام بذكر مذاهبهم وفِرَقهم . وبالجملة فالنصارى أجهل الناس بالمعقول والإلهيات . والكفرُ : إمّا كفر إنكار ، وهو أن يكفر بقلبه ولسانه ، وإما كفر جحود وهو أن يعرف الحق بقلبه ولا يقرّ بلسانه ، وإما كفر عناد وهو أن يعرف بقلبه ويقر بلسانه ولا يدين به ، وكفر نفاق وهو أن يقر بلسانه ولا يعتقد بقلبه، والجميع سواء في أنه من لقيَ اللهَ تعالى بواحد منهم لا يُغفر له . فقد بان لك أنّ أهل الكتاب لا يُقال فيهم مشركون وإنما يُقال لهم كفّار ؛ فإنّ الكافر اسمٌ لمن لا إيمان له بمحمد وبما جاء به من الشرائع والأحكام ، ومَنْ أخفى الكفرَ وأظهر الإيمان فهو المنافق ، وإن طرأَ عليه الكفر بعد الإيمان فهو المرتد، وإن كان متدينًا ببعض الأديان والكتب المنسوخة فهو الكتابي ، وإن قال بقدم الزمان والدهر ونسبَ الحوادث له فهو الدّهريّ ، وإن كان لا يُثبتُ الباري تعالى فهو المعطّل ، وإن كان يجعل مع الله إلهًا آخر فهو المشرك ؛ وشريعة محمدٍ عليه السلام نسخت الشرائع المتقدمة كلّها ، فلا يقبل الله تعالى دينًا اليوم من أحدٍ ولو عبدَ اللهَ بعبادة الثّقلين ؛ الإنس والجن ؛ إلاّ مَنْ عبدَ اتّباعًا بمحمدٍ عليه السلام)) .انتهى[تحفة الزائر2/246]
    وبعد فإنني أعتقد أنّ الأمر أصبح جليًا لا لبسَ فيه .
    وأُذكّرُ كل من يتسرّع في اتّهام الآخرين ويُطلق عليهم أحكام الردة والكفر وموالاة الكفرَة ، بقول الله تعالى : {ستُكتَبُ شهادتهم ويُسْألون}[الزخرف :19]
    ([1]) في قوله تعالى :{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج :17]



    وهناك أمر هام جدًّا أريد أن أنبّه عليه : وهو أنّ بعض الأوربيين قرؤوا أو سمعوا عبارات وكلمات من الأمير عبد القادر ففهموا منها معنىً ما ، ثمّ ترجموها إلى لغاتهم بحروفهم وأدبيّاتهم ، ثمّ جاء بعد ذلك بعض العرب ليقرؤوها ويفهموا منها فهمًا جديدًا قريبًا من المعنى الأجنبي ثمّ بعد ذلك يعيدوا ترجمتها إلى العربيّة . فماذا تكون النتيجة؟ النتيجة أننا نقرأ كلامًا بعيدًا عن الأصل في المعنى . أو لا وجود له ، وسأضرب بعض الأمثلة :
    استمعَ شارل هنري تشرشل (البريطاني) لخطبة من خطب الأمير عبد القادر وكان من ضمن الخطبة استشهادٌ بآيات من القرآن ، فانظروا كيف ترجم تشرشل الآيات التي قرأها الأمير :
    1ـ الآية الأولى : يقول تشرشل نقلاً عن الأمير : (( ..فأنتم تعلمون ما نصّ عليه القرآن الكريم من أنّ {النمل يغلب الفيلة وأنّ الجرذان تقتل الأسود}.انتهى [حياة الأمير لتشرشل ص150]
    2ـ الآية الثانية :{دع الظلم يسقط على رأس صاحبه}.انتهى[المرجع السابق ص168]
    3ـ الآية الثالثة :{من الأفضل أن تكون مظلومًا من أن تكون ظالماً}.انتهى [المرجع السابق ص168]
    4ـ الآية الرابعة يقول تشرشل : (( وألقى خطبة كان موضوعها آية قرآنية يلوم فيها محمدٌ صهره عليًا على قتل خمسمئة كافر بعد أن استسلموا)).انتهى [المرجع السابق ص207]
    5ـ الآية الخامسة {أنا لا أوجّه الطلقة بل الله هو الذي يوجّهها}.انتهى [المرجع السابق ص146].
    أرأيتم كيف تتحرّف الأشياء! هل سمعتم بتلكم الآيات؟ هل يظن عاقلٌ أن الأمير (الحافظ لكتاب الله) يقول تلك الآيات وعلى مسمعٍ من المسلمين أيضًا؟!
    الواضح تمامًا أن تشرشل البريطاني فهم معنىً ما من الآيات التي ذكرها الأمير ثم ترجمه للغته ثم أتى المترجم العربي ففهم معنى آخر من الترجمة الأجنبية فصاغه بالعربية على النحو الذي رأيناه .
    وقد قال الأستاذ أبو القاسم سعد الله عن ترجمة الآية الأولى : ((ولعل الأقرب إلى هذا المعنى قوله تعالى :{كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله} ، وقال عن الآية الثانية : والأقرب إلى هذا المعنى هو قوله تعالى :{ولا يحيق المكر السيئ إلاّ بأهله} )).انتهى .
    وأما الآية الخامسة فالمقصود ولا ريب قوله تعالى :{ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} .
    هكذا يفعل العقلاء والمنصفون.
    وهناك أمثلة أخرى كثيرة وأظن أن ما أوردته يكفي لتوضيح الفكرة .
    والحمد لله رب العالمين
    خلدون بن مكيّ الحسني
    للبحث صِلَة إن شاء الله

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •