حياة الإرادة والهمة (يتبع)
وعليه فإن حياة القلب بالعلم والإرادة والهمة ودوام الذكر وترك الذنوب، ولكن الغفلة الجاثمة على القلب والتعلق بالرذائل والشهوات المنقطعة عن قريب يضعف هذه الحياة، ولا يزال الضعف يتوالى عليه حتى يموت كما قال عبد الله بن المبارك رحمه الله:رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها وهل أفسد الدين إلا الملو ك وأحبار سوء ورهبانها وباعوا النفوس ولم يربحوا ولم يغل في البيع أثمانها فقد رتع القوم في جيفة يبين لذي اللب خسرانهاوعلامة موته أنه لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، كما قال عبد الله بن مسعود: أتدرون من ميت القلب الذي قيل فيه: "ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء؟" قالوا: ومن هو؟ قال: الذي لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا.والرجل هو الذي يخاف موت قلبه لا موت بدنه، إذ أكثر هؤلاء الخلق الذين تعلقت قلوبهم بالدنيا يخافون موت أبدانهم ولا يبالون بموت قلوبهم، ولا يعرفون من الحياة إلا الحياة الطبيعية البهيمية، فأصابهم الوهن وتداعت عليهم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، وهذه الحياة الطبيعية شبيهة بالظل الزائل والمنام الذي يخيل كأنه حقيقة، فإذا استيقظ النائم ذهب ذلك الخيال، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو أن الحياة الدنيا من أولها إلى آخرها أوتيها رجل واحد ثم جاءه الموت لكان بمنزلة من رأى في منامه ما يسره ثم استيقظ فإذا ليس في يده شيء، وهذا موضع لا يفهمه إلا ألباء الناس وعقلاؤهم ولا يعمل بمقتضاه إلا أهل الهمم العلية والنفوس الزكية الأبية.والحمد لله رب العالمين.