ما الطرق التي يستطيع بها طالب العلم أن يضبط العلم ؟ الجواب للشيخ الشنقيطي حفظه الله
السؤال الأول :
ما الطرق التي يستطيع بها طالب العلم أن يضبط العلم ؟
الجواب :
بسم الله ، الحمد لله ، والصلاة والسلام على خير خلق الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أمابعد :
ما أسهل السؤال وما أصعب الجواب ، يعني السؤال سهل أن تسأل ما هي الطرق التي يضبط بها طالب العلم ، لو نجلس إلى الفجر ، لو نجلس عشرات الدروس ما نستطيع أن نلم بهذه الطرق ، ولذلك أشفق في السؤال يعني يشفق السائل ولا يبالغ في سؤاله بكل اختصار .
أولاً : ما ذكرناه أن يكون بينك وبين الله ما يرضى الله عنك ، الطرق التي تقفي بك إلى العلم الصحيح النافع أن تبدأ بإصلاح ما بينك وبين الله .
ثانياً : عالم أخذ العلم عن أهله واتصل سنده إلى رسول الله-r- ، حتى تأخذ العلم موروثاً .
ثالثاً : أن تضبط ما تقرأه على ذلك العالم ، تضبط ضبطاً تاماً ، تقرأ قبل أن تحضر المتن مرتين ثلاثة أربعة ، حينما يجري هذا العلم في دمك وعرقك ، حينما يجري مع روحك ويصبح معك ، تعرف حلال الله وحرامه ، وتتفاعل مع هذه الأحكام كل حكم عزيز عندك ، عندها تستطيع أن تبني علماً صحيحاً ، وتعرف قيمة هذا العلم ، وتعتز به وتتمسك به لأنه من الوحي من كتاب الله وسنة النبي-r- ، فإذا بدأت تضبط وتقرأ قبل أن تجلس وتتعب المرتين الثلاثة الأربع لا تسأم ولا تمل ، فمن كانت له بداية محُرقة كانت له نهاية مشرقة ، فتتعب في طلب العلم ، ولذلك ما عَلّم الله أحداً إلا بعد أن ابتلاه واختبره-I- ، رسول الأمة-عليه الصلاة والسلام- ما أوحى إليه حتى أخذه جبريل وغطه ورأى الموت ، وقال له : اقراء ، قال : ما أنا بقارئ ، فأخذه حتى رأى الموت ثلاث مرات ثم أوحى إليه ، وكان إذا نزل الوحي على رسول الله-r- يتفصد عرقاً في شدة البرد والشتاء ، ونزل الوحي وهو على بعير فبرك البعير وكاد أن يموت البعير من شدة ما يجد-عليه الصلاة والسلام- ، وهذا بعير وهو تحت النبي-r- فما بالك برسول الأمة-r- ، وكان إذا نزل عليه الوحي كما في الصحيحين من حديث صفوان بن يعلى بن أمية-t وعن أبيه- ، أنه يغط كغطيط البكر من شدة ما يجد ، فإذا كان تمضي إلى حلق العلم وقد تعبت وسهرت وأضنيت جهدك وأنت تقرأ وتضبط ، غداً تخرج إلى الناس بنور وعلم مضبوط وأصل صحيح ، وتخرج للناس ويخرجك ربك ، لأن الله اطلع على ما كان منك تعب ، { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } أي والله لنهدينهم سبلنا ، متى إذا جاهدوا ، والجهاد التعب والاجتهاد وبذل غاية الوسع والطاقة في تحصيل الأمر ، فالعلم لا يأتي بالتشهي ولا بالتمني ، ولا يأتي بالدعاوى العريضة الشخص يحس أنه كأنه شيخ الإسلام ومفتي الأنام ، مغرور بنفسه ، لا من يأتي بجد واجتهاد وتعب ، قال ابن عباس-رضي الله عنهما- : ذللت طالباً وعززت مطلوباً ، فإذا أكثرت من قراءة العلم وأصبح العلم في ليلك ونهارك وصبحك ومساءك ، وأصبحت مسائل العلم هي أشجانك ، وهي أفكارك ، وهي أحاسيسك ووجدانك ، عندها تجد بركة هذا العلم ، وتخرج للأمة بعلم صحيح .
ثانياً : بعد أن تصلح ما بينك وبين الله وتضبط العلم بالقراءة ، تأتي إلى مجالس العلم معظماً للعلم معظماً للعلماء ، من جلس في مجالس العلم يعرف قيمة ماذا يُقال ، يقدر كل كلمة ، ويبحث عن كل شاردة ، ويفرح بكل حكمة ، عندها يكون العلم عزيزاً في قلبه ، وإذا جلس شارد الذهن يريد أن يقضي الوقت ، يريد أن يذهب عنه الوقت ، فعندها لا يبالي الله بمن لا يبالي بدينه وشرعه ، لابد أن يكون طالب العلم في مجلس العلم يحرص على كل كلمة صغيرة وكبيرة ، يبحث عن الحكمة ، كان الإمام أبو عبيدة القاسم بن سلام الجحمي-رحمه الله- آية من آيات الله في العلم والعمل ، أن نظرت إليه في التفسير فهو حجه في تفسير كتاب الله-U - ، ويستشهد بتفسيره ويعتمد قوله حتى كان رأساً في علم الفقه ، فقيها محدثاً في علم الحديث والرواية عن رسول الله-r- ، وفي علم القراءات وفي علم اللغة والشواهد ، كان آية من آيات الله-رحمة الله عليه- ، هذا العالم الجليل يذكر عن نفسه أنه كان يجد ويتعب وينصب في نهاره حتى يمسي عليه الليل ، وهو أشد ما يكون تعباً وإعياً ، حتى إذا وجد العالم ، فذكر له الحكمة الواحدة ، والفائدة الواحدة ، يقول : فأبِيت بها مسروراً قد سلا عني ما أجد ، يعني جميع التعب والنصب يذهب بهذه الحكمة لأنه يحفظ لأمة محمداً-r- دينها ، فالذي يستشعر أنه يتعامل مع هذا العلم لكي ينفع أمة محمد-r- ، ولكي يبلغ الرسالة ، ويؤدي الأمانة ، ويكون منه الخير ، يجد ويجتهد .
كذلك - أيضاً - إذا جلس في مجالس العلم يرتب وضعه ، طالب العلم المبتدئ له طريقة ، وطالب العلم المتوسط وطالب العلم المتمكن كلً منهم له منهج معين وطريقة معينة ، طالب العلم المبتدئ يأخذ القول الراجح ودليله ، ولا يدخل في التفصيلات ولا الخلافات ، ويفهم العبارات بالشرح المختصر، طالب العلم المتوسط يتوسع ، ويعتني بالقول المخالف ، دليله الجواب عن الدليل ، طالب العلم المتمكن يمحص في هذا كله ، ويراجع كل هذا ، وإذا أشكل عليه شيء يعرضه ويكتب الأسئلة المفيدة ، إذا حضر طالب العلم حرص على أنه يسمع أكثر من أنه يتكلم ، لأن الله-U - يبارك لطالب العلم متى ما أنصت للعلم ، ومفتاح العلم الإنصات له ، ولذلك قال بعض الحكماء يوصي ابنه : يا بني إذا جلست في مجالس العلماء ، فلتكن حريصا على السكوت منك على الكلام ، فيحرص طالب العلم على أن يكون منصتاً مستفيداً .
كذلك - أيضاً - بعد الانتهاء من الجلوس في مجالس العلم ، يراجع العلم الذي يقرأه ، يختار طالب علم أو طالبين أو ثلاثة بالأكثر يذاكر معهم الدرس الذي يأخذه ، فهذا كله خيرً له وبركة ، ثم بعد ذلك يستشعر من قرارة قلبه ، أن كل آية ، وكل حديث ، وكل حكم سمعه وعلمه ، أنه مسؤول أمام الله عن العمل به وتبليغه للأمة ، أن يعلم أنه مسؤول أمام الله ، وأن يعـلم أن جلوسه في مجالس العلم ليس لعبث ولا لإضاعة الأوقات ، تتعلم وتسأل الله أن يبارك لك فتعمـل ، وتسأل الله أن يبارك فتعلم غيرك ، ولا تقل من أنا هناك علماء أصبحوا أئمة وعلماء بعد سنة الخمسين ، بعد أن بلغوا خمسين سنة طلبوا العلم ففتح الله-U - عليهم وأصبحوا من الأئمة والعلماء العاملين ، والنبوة تأتي النبي نبوته بعد الأربعين ، ولا يبعث إلا بعد الأربعين ، وهذه سن متأخرة ، ولا يقل الإنسان من أنا فلا أبي ولا أخي لا والله ، { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } ، العلم ليس حكراً على قوم ، لا على لون ، ولا على جنس ، ولا على مال ، ولا على قبيلة ، ولا على جماعة ، ولكنه فضل الله يؤتيه من يشاء ، فتحرص على ضبط هذا العلم وتعلم أنك مسؤول عنه وعن تبليغه للأمة - نسأل الله العظيم ، رب العرش الكريم ، أن يجعل ما تعلمناه وعلمناه خالصاً لوجهه الكريم ، موجباً لرضوانه العظيم-.
المصدر شرح عمدة الفقه
رد: ما الطرق التي يستطيع بها طالب العلم أن يضبط العلم ؟ الجواب للشيخ الشنقيطي حفظه ال
منقول
...
يقول السائل: شيخنا الكريم وفقك الله وفتح عليك، ما هي أفضل الطرق لضبط الفقه وهل دراسة متن معين في مذهب معين من المنهجية الصحيحة لدراسة الفقه؟، وجزاك الله خيراً.
الجواب :أفضل الطرق عاد الله المستعان يا أخوان أشفقوا في السؤال والفتوى، لا يحسب أحد أن كل سؤال يعني همل بالسهل، أفضل طريقة أفضل الضوابط أفضل الأصول أفضل الكتب أفضل التفاسير أفضل كتب الفقه، هذه يحتاج أن تكون قرأت جميع كتب التفاسير، حتى تستطيع أن تشهد أمام الله أن هذا أفضله، وتكون قرأت جميع كتب العقيدة حتى تشهد أمام الله أن هذا أفضله، فإذا سأل أحد عن أفضل كتب العلم قل له كتاب الله وسنة النبي e، إذا سأل عن أفضل كتاب في الحديث قل له صحيح البخاري وصحيح مسلم، لأنها من خيار الأحاديث التي أتفق عليها، فأشفق على من تسأل قل ما هي الطريقة المعتبرة أو كذا أو نحو ذلك، على كل حال الفقه لا بد فيه من منهجية، ونحن ذكرنا غير مرة أن متون الفقهاء هي خلاصة الفقه وزبدة الفقه، المطلوب من طالب العلم ما يلي:
أولاً: قرءاه المتن أكثر من مرة، وضبط شكله فإذا قرأ المتن أكثر من مرة قبل حضور الدرس.
ثانياً : إذا أمكن وجود شرح مختصر ليس فيه إسهاب وتوسع يحضر لقراءة هذا الشرح المختصر، وإلا اقتصر على القراءة والتكرار أكثر من مرة، وكلما كرر كلما كان ذلك أضبط له في المسائل والأحكام.
الأمر الثالث: إذا حضر في مجلس العلم فالأفضل أن ينصت ويركز، هذا أفضل شيء، أنه لا يشتغل بشيء إلا الإنصات والتركيز، لأن الله ما جعل لرجل من قلبين في جوفه، فينبغي أن يستفرغ همته لأن يسمع وأن يعي، إذا أراد أن يعلق بعض الأشياء فهذا خلاف الأفضل والناس يختلفون، ولكن الأفضل له أن ينصت إنصاتاً كاملاً، ويستوعب ما يقال له.
الأمر الرابع: بعد أن ينتهي من الدرس يرجع إلى بيته ويحرص دائماً بعد مجالس العلم أن لا يشتغل بغير العلم، حتى يستصحب الخير والبركة والنعمة التي كان فيها، فإن الاشتغال باللهو بعد الذكر يذهب كثيراً من الخير، ويكون الإنسان مع الغافلين والساهين، ولذلك شرع الله بعد الصلاة الأذكار التي بين النبي e أنها معقبات لا يخيب قائلهن، وأنها توجب غفران الذنوب وإن كانت مثل زبد البحر، استتماماً للخير واستدامة له، فطالب العلم بعد الدرس يحرص على أنه يرجع ويجلس مع نفسه، أو يجلس مع طالب علم حضر المجلس، وهذه طريقة السلف الصالح رحمهم الله، فيجلس معه ويتذاكرون ماذا كان، فهذا يكمل نقص هذا وهكذا، الطريقة المعتبرة أنك أولاً معنى العبارة الموجودة في المتن ما هو المطلوب منك في قراءة المتن، معنى العبارة، تفكك هذه العبارة معناها، ثانياً الحكم المستقى منها دليل هذا الحكم، إذا فهمت معنى العبارة وعرفت الحكم المستقى منها، وعرفت دليل هذا الحكم تقتصر على هذا، لا تدخل في خلافات العلماء ولا في الردود ولا في المناقشات حتى تضبط الفقه كاملاً، ثم ترجع بعد ذلك إلى مرحلة ثانية ودرجة ثانية من الضبط، فتبدأ بسلم العلم كما ينبغي تبدأ بصغار العلم قبل كباره، المشكل لطلاب العلم اليوم أنه يجلس في الحلقة أو يسمع عالماً أو شيخاً أو مدرساً ويأخذ منه، ثم يذهب إلى شيخ آخر والله فلان رجح كذا، ما رأيكم؟، فلان أجاب بكذا، ما قولكم؟، قالوا قلنا قالوا قلنا لا يبقى معهم من العلم شيء، ولذلك تنزع منه البركة ولربما يصبح نماماً يوماً من الأيام والعياذ بالله، فهذا من أسواء مما تمحق به البركة ما كان العلماء يعرفون هذا كانوا يعرفون لكل عالم وشيخ حقه وقدره في علمه، إذا جئت تطلب العلم على شيخ تأخذ عنه علمه بالدليل وتقف بين يدي الله U بحكم بدليله، ثم تقول يا رب أعتقد هذا لقولك لقول رسولك عليه الصلاة والسلام، حتى تتم ذلك وتعيه وتفهمه، ثم تنتقل إلى من هو أعلم وأكثر ضبطاً وأكثر توسعاً، أو تنتقل إلى درجة أخرى من قراءة متون الأحاديث والدلالة منها ونحو ذلك، تبدأ من حيث بدأ العلماء والأئمة والكبار، تبدأ بصغار العلم قبل كباره رحمك الله حتى يفتح عليك وتضبط، بعض طلاب العلم يحس أن عنده طاقة بمجرد ما يقرأ الشرح يستهين بالشرح، فينتقل إلى المطولات المغني والمجموع ومنهم من يكتب شرحاً مستقلاً، ثم بعد فترة لا يمسك شيء، إن المنبت لا ظهراً أبقى ولا أرض قطع، فتبدأ بهذه الطريقة لا يستهين الشيطان بك فيقول لك أنت طالب علم وأنت مستواك أكبر ولذلك يغر طالب العلم بنفسه، لكن حينما يقول ما عندي علم والحقيقة أننا ليس عندنا علم إلا إذا ورثنا عن أهل العلم، وهذا علم الصحف والصحفي الذي يذهب ويمسك الكتب ويقرأ منها هذا ليس بعلم، لأن الله جعل العلم إتاءاً لأهل العلم، وجعله سلسلة متصلة من عالم إلى عالم حتى يتصل سندك إلى رسول الله e بأخذ العلم عن أهله، فهذا أمر مهم وينبغي على طالب العلم أن يعتني به، تكتب الخلاصة في كل مجلس ثم تراجع هذه الخلاصة وتكتبها في دفتر عندك يعتبر أصل لهذا المتن الذي تقرأه، إذا فتح الله عليك وتوسعت رجعت إلى هذه الأصول كما نرجع نحن إلى أصولنا التي كنا نتلقاها عن علمائنا ومشائخنا ووجدنا في ذلك من الخير والبركة ما الله به عليم، هذا الذي يوصى به طالب العلم، أما قراءة المذاهب فهذه مسألة مفروغ منها، لك سلف صالح تسير حيث ساروا وتأخذ من حيث أخذوا ما من عالم جهبذ من العلماء إلا وقرأ مذهباً، والذي يتلكم في المذهبية ويقول لك لا تقرأ مذهب، لو سألته عن المذاهب لكان أجهل الناس بها، فمن جهل شيئاً عاداه، وقد يكون جاهلاً ويريد أن يغطي جهله بالمذاهب فيقول لك ما تقرأ المذاهب، لأنك ستسأله تقول له ما الذي قرأت من الفقه؟، وما الذي ضبطت من متون؟، ما الذي تلقيته عن العلماء والأئمة حتى تفتي في الفقه؟، يقول لك أنا لا أعترف بالمتون الفقهية، لأنه يريد أن يستر جهله، لا يتكلم في هذه المتون إلا من يجهلها ويجهل قدر علمائها وأئمتها، لا حرج عليك أن تقرأ في المتون لكن بالدليل، الحرج التعصب وترك الحق وترك الدليل، أما أن تقرأ علم مستقى من كتاب الله وسنة النبيe يعني الأمة في ضلال وهوى تأتي هذه المتون أكثر من عشرة قرون والأمة تتلمذ عليها ساكتون عن هذا المنكر، يعني كل هذه الأمة على ضلالة إلا نحن اليوم الذي أفقنا فيه لكي نعلم ضلالتهم، على طالب العلم أن يكون مستبيناً وأن يعرف الحق وأن يأخذه عن أهله، فلا حرج في قراءة المتون ما دام أنها تدعم بالأدلة من كتاب الله وسنة النبي e، والحرج في التعصب حتى ولو قرأت في الأحاديث واستقيت من الكتاب والسنة وتعصبت فإنك على ضلال حتى تترك التعصب، لا يجوز لأحد أن يعتقد في شيخه أنه كامل مكمل لا يخطئ أبداً، بل عليه أن يعلم أنه بشر ولكن له فضله في علمه وضبطه فمتى استبان له حق عند غيره رجع إليه والله تعالى أعلم .
وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه وأفضل رسله.
من شرح عمدة الفقه \ باب الآنية
تفريغ الأخت طالبة العلم سارة
أعلى الله همتها
ملتقى أهل الحديث.
....