هذا هو عنوان لقاءنا مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم المبارك والله تعالى أسأل أن يرزقني وإياكم الحق وأن يُريِنا الحق حقاً وأن يرزقنا إتباعه وأن يُرينا الباطل باطلاً وأن يرزقنا اجتنابه إنه ولي ذلك والقادر عليه..
تعالى معي أيها الحبيب اللبيب
وأسألك بالله أعرني قلبك وسمعك فإن الموضوع الآن في ظل هذه الظروف الحرجة من الأهمية والخطورة بمكان
تعالوا لنتعرف ابتداء على هذه المفردات لا تلبسوا الحق بالباطل
ما معنى اللبس؟ وما معنى الحق؟ وما معنى الباطل؟ وما هو الميزان الدقيق الذي نزن به الحق والباطل
لأن الكل الآن يقيس بأهوائه ورغباته ونزواته واختلت الموازين في أيدي الناس إلا من رحم الله جل وعلا
فتعالوا بنا لنتعرف على الحق بحق ولنتعرف أيضاً على الباطل بغير باطل
ما هو اللبس وما هو الحق وما هو الباطل
اللبس في لغة العرب هو الخلط والمزج تقول العرب لبست الأمر عليه ألبسه أي خلطت بينه بمشكله وحقه بباطله
أرجوا أن تنتبهوا معي جيداً
العرب تقول لبست الأمر عليه ألبسه أي خلطت بيّنه بمشكله وحقه بباطله
فاللبس في لغة العرب معناه الخلط معناه المزج
ومن معانيه في لغة العرب أيضاً التغطية أي تغطية الحق بأغطية الباطل تغطية الصدق بأغطية الكذب تغطية الهدى بأغطية الضلال تغطية الخير بأغطية الشر
وهذا مأخوذ من قول الله تعالى : { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ..(187)}البقرة.
فالزوجة لباس أي غطاء لزوجها والزوج كذلك غطاء أي لباس لزوجته { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ..(187)}البقرة.
إذن اللبس في لغة العرب معناه الخلط معناه المزج معناه التغطية
فما هو الحق إذن لغة واصطلاحاً ؟
الحق كما يقول ابن منظور في لسان العربضد الباطل وهو ما يقوم على الثبات والصحة والوجوب
الحق في لغة العرب ضد الباطل وهو ما يقوم على الثبات والصحة والوجوب
فالحق هو الأمر الثابت الصحيح الواجب فعله من اعتقاد أو قول أو عمل بحكم وميزان الشرع
أسألك بالله أن تقف مع هذا المعنى لأنه سيحُل لنا الآن في ثقافة الضجيج في ثقافة الإثارة التي يحمل لوائها الآن الإعلام إلا من رحم الله
سيحل لنا هذا التأصيل اللغوي والشرعي لمعنى الحق إشكالات كثيرة جداً
فأنا أؤصل لك الآن الحق بصورة مجملة وأنت تستطيع أيها الفاضل بما من الله به عليك من علم وفهم ونور بصر وبصيرة
أسأل الله أن لا يحرمني وإياكم فضله ونعمه
تستطيع أن ترد الآن أي جزئية من الجزئيات التي يطرحها الإعلام أو تراها الآن على الساحة على أرض الواقع
تستطيع أن تردها إلى هذا الحق المجمل لتعرف الحق من الباطل ولتعرف الخير من الشر ولتعرف الهدى من الضلال
الحق هو الأمر الثابت الصحيح الواجب
الواجب فعله من اعتقاد أو قول أو فعل بحكم وميزان الشرع
فالكل الآن يتكلم ويدعي أنه على الحق
لا
تعالى أنا وأنت لنتحاكم إلى الشرع المحكم ليحكم الشرع على قولي وقولك ليحكم الشرع على فعلي وفعلك
لا ليحكم الشرع على إفراز عقلي وعقلك
فأنت معتز بعقلك وأنا معتز بعقلي ومن ثم فأنا أتعصب لقولي وأنت تتعصب لقولك وكلانا يزعم أنه على الحق وأنه هو الذي يرفع راية الحق
فتعالى معي حتى لا نختلف إن كنا معاً نريد أن نصل إلى الحق
تعالى لنزن هذا القول والفعل والحال والاعتقاد بميزان الشرع بميزان القرآن والسنة
فدين الله وهو الحق لا يمكن على الإطلاق أن يوزن بالعقول دون النقل من القرآن والسنة
لا تفهم حبيبي في الله أنني أريد الآن أن أقلل من شأن العقل أو من قدر العقل أو قيمته
فالإسلام يُزكّي العقل ويباركه ويقويه بل ويجعل للعقل مكاناً علياً { أَفَلَا يَعْقِلُونَ} {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ} { قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ (20)}العنكبوت. وما أكثر الآيات
فالإسلام لا يُقلل من شأن العقل لكن الإسلام لا يجعل من العقل حاكماً على الشرع المُحكم ولا يجعل من العقل حاكماً على صريح النقل في القرآن وصحيح النقل في السنة
علم العليم و عقل العاقل اختلفا
من ذا الذي فيهما قد أحرز الشرفا
العلم قال أنا أحرزت غايته
والعقل قال أنا الرحمن بي عرفا
بالعليم ولا بالعاقل بالعليم
فأفصح العلم إفصاحا و قال له
بأينا الله في قرأنه اتصفا
فأيقن العقل أن العلم سيده
فقبل العقل رأس العلم وانصرفا
لا يستقل العقل دون هداية بالوحي تأصيلاً ولا تفصيلاً
كالطرف دون النور ليس بمدركٍ حتى يراه بكرة وأصيلا
نور النبوة مثل نور الشمس للعين البصيرة فاتخذه دليلا
فإذا النبوة لم ينلك ضياؤها فالعقل لا يهديك قط سبيلا
طرق الهدى محدودة إلا على من أم هذا الوحي والتنزيل
فإذا عدلت عن الطريق تعمدا فاعلم بأنك ما أردت وصولاً
يا طالباً درك الهدى بالعقل دون النقل لن تلقى لذاك دليلا
فالحق هو الأمر الثابت الصحيح الواجب فعله من اعتقاد أو قول أو فعل بحكم وميزان الشرع
والباطل جنبني الله وإياكم كل باطل
هو نقيض الحق وهو ما لا ثبوت له ولا صحة له ولا وجوب له بحكم وميزان الشرع
فالباطل هو الأمر الخاسر الزائل
تقول العرب بطل الشيء يبطله طولاً وبطلانا أي خسر وضاع وحبط
{ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا(23)}الفرقان
لا وجود له ولا أصل
ذهب خُسراناً وضياعا وهباء
ومنه قول لبيد
آلا كل شيء ما خلا الله باطل
فالباطل هو ما لا ثبوت له ولا صحة ولا وجوب له بميزان شرع الله جل وعلا وبحكم الله في كتابه وبحكم سيدنا رسول الله صلى عليه وسلم في سنته الصحيحة الثابتة عنه
هذا هو الحق وهذا هو الباطل في اللغة والاصطلاح
تعالى معي أيها الحبيب اللبيب
لنتعرف على حرب الباطل على الحق وعلى كيفية نصرة الحق
لأن الكل الآن يتساءل كيف أنصر الحق؟
وكيف أتعرف عليه؟
وما الذي يجب عليّ أن أقدمه الآن لديني ولبلدي؟
حرب الباطل على الحق لها صورتان لا ثالث لهما
لبس الحق بالباطل وكتمان الحق
انتبه معي أيها اللبيب
حرب الباطل على الحق لها صورتان
لبس الحق بالباطل وكتمان الحق
واسمح لي أن ابدأ بكتمان الحق لأؤكد لحضراتكم جميعاً
أنه لا تستطيع قوة على وجه الأرض أن تكتم الحق فلو نجحت في ذلك لمدة ولو طالت فإنها لا تستطيع أن تكتم الحق وأن تحجُبهُ عن النور
لماذا؟
لأن الحق بحق
ولأن الخير بخير
والحق مهما ضعف وانزوى كأنه زائل فإنه ظاهر
والباطل مهما انتفخ وانتفش كأنه ظاهر فإنه زاهق
قال جل وعلا : { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا(81) }الإسراء.
وقال جل وعلا: { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ(18)}الأنبياء.
فلا تيأس قط ولا تقنط قط
اسمع مني الثالثة ولا تخشى طرفة عين على الحق لأن الحق هو الملك الحق
كفى الحق شرفا أنه اسماً من أسماء الملك
اسمع لربك جل وعلا : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَالْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّاللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ(62) }الحج.
اسمع لقول ربك جل وعلا : {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ..(116)}المؤمنون.
الملك الحق هو الله وحده
لا ملك بحق لأي ملك على وجه الأرض فملك الملوك على وجه الأرض إلى زوال وإن طال
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(26)}آل عمران.
قال اعرف الخلق به صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة : [لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر]
وفي رواية أحمد في المسند بسند حسن:[لا تسببوا الدهر فإن الله عز وجل يقول أنا الدهر الأيام والليالي لي أجددها وأبليها وأتي بملوك بعد ملوك فمن الملك الحق إذن]
لا يزول ملك ولا يسود ملك إلا بأمر الملك
ولا يسود حاكم ولا يزول حاكم إلا بأمر أحكم الحاكمين
فهو وحده الذي يدبر الأمر ويحكم الكون وهو يمهل فقط لكنه جل وعلا لا يهمل
[إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته]
وقرأ الحبيب قول ربه: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ(102) }هود.
فكفى الحق شرفاً
اسمع..!!
وكفى أهل الحق اطمئنانا أن الحق اسماً من أسماء الحق
فمن الذي يستطيع أن يطفئ نور الحق؟
لو اجتمعت أفواه أهل الباطل لتطفئ نور الشمس ما استطاعت
أرني يداً سدت علينا المشرق
فالحق من أسماء الله
{ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ..(116)}المؤمنون .
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ..(30)}لقمان
ولذا كان حبيبنا صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما إذا قام من الليل يصلي يقول : [اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق ووعدك حق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والساعة حق والنبيون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وبك خاصمت وإليك أنبت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت]
فلا يستطيع أحد أن يكتم الحق
يتبع إن شاء الله
