ولهذا تواردت النُّصوص الشَّرعية على الأمر بحفظِه وإمساكِه وكفِّ شرِّه، وأنَّه أعظم ما يجب أن تُتقَّى سقطاتُه، فعن سفيان الثَّقفي ررر قال: "يَا رَسُولَ الله ! أَخْبِرْنِي بِأَمْرٍ فيِ الإِسْلاَم لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَداً بَعْدَكَ: قَالَ: قُلْ: آمَنْتُ بالله، ثُمَّ اسْتَقِمْ، قَالَ: يَا رَسُولَ الله فَأَيِّ شَئ أَتَّقِي ؟ قَالَ: فَأَشَارَ بِيََدِهِ إلَى لِسَانِهِ"
وقد أكثر النَّاس قديمًا وحديثًا النَّظم والتَّأليف في أدب الصَّمت وفضل السُّكوت وحفظ اللِّسان، وترك فُضول الكَلام، والحثِّ على تعلُّم الصَّمت، ففي مكارم الأخلاق للخَرائطي (327هـ) عن أبي الدَّرداء ررر كان يقول: "تعلَّمُّوا الصَّمتَ كما تتعلَّمونَ الكَلامَ، فإنَّ الصَّمتَ حكمٌ عظيمٌ، وكُن إلى أنْ تَسمَعَ أحرَصَ منكَ إلى أن تتكلَّم في شئ لا يَعنيك، ولا تكن مِضحَاكًا مِن غير عَجَب، ولا مشَّاء إلى غير أَرَبٍ أي إلى غير حاجة".
ونحنُ اليوم أحوج إلى امتثال هذه النَّصيحة الذَّهبيَّة بعد أن راجت بينَنا وسائل الاتِّصال المتنوِّعة الَّتي تسمح لمن شَاء بقَول ما شاء، وتأذنُ لكلِّ أحد أن يكتبَ ما أراد، بلا رقيب ولا حسيب، حتَّى أضحى النَّكرة معلِّمًا وموجِّهًا، وبات الغَمْر ناقدًا وناصحًا، ناهيك عن الفتاوى الشَّاذة والآراء الغَريبة والتَّصوُّرات الباطلة، والنِّقاش العَقيم، مع سوء أدب وتطاول وتجرُّؤ، وافتئات على أهل العلم الكبار، والإعجاب بالرَّأي وحسن الظَّنِّ بالنَّفس والإغتِرار، وعدم المبالاة بالعواقب والمآلات، ممَّا أفرز ضلالةً كبيرة وهي تحقير العُلماء الكبار، وتعظيم الأدعياء الصِّغار!