« ردود أهل العلم على جميل خيّاط حول قوله ببدعية صيام السّت من شوال » !
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
« ردود أهل العلم على جميل خيّاط حول قوله ببدعية صيام السّت من شوال »
1 ـ رد سماحة المُفتي العلاّمة الشَّيخ عبد العزيز بن عبد اللَّـه بن محمَّد آل الشَّيخ على شبهات جميل الخيّاط :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد :
فقد طالعت المقال المنشور في صحيفة الوطن السعودية، عدد رقم 2567، يوم الأربعاء 28/9/1428هـ، تحت عنوان (صلاة التهجد في المساجد لا أصل لها في الشرع)، للكاتب جميل يحيى خياط.
وتضمن المقال عدة نقاط منها :
الإقرار بمشروعية صلاة التراويح جماعة في المساجد.
وصف صلاة آخر الليل (التهجد) جماعة في المساجد بأنها بدعة، وأن أول من ابتدأها الشيخ عبد الله الخليفي رحمه الله قبل نحو خمسين عاما.
ذكر أن صلاة النافلة في البيت أفضل من المسجد ثم تعرض لصيام الست من شوال وذكر أنها إلى البدعة أقرب منها إلى السنة، وعلل ذلك بثلاثة أمور:
العلة الأولى: تضعيف راوي الحديث وهو: سعد بن سعيد.
العلة الثانية: أن الرسول نهى عن الصوم بعد منتصف شعبان لكيلا يختلط بصوم رمضان صوم غيره.
العلة الثالثة: أن الرسول لم يصمها، ولا أحد من الصحابة، ولا التابعين، ونقل قول الإمام مالك (ما رأيت أحداً من أهل الفقه يصومها ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وأن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته، وأن يلحق برمضان ما ليس منه).
هذا مجمل ما ورد في المقال، ونظراً لأن في المقال تجاوزاً للحدود الشرعية، وتلبيساً على الناس في أمور عباداتهم رأيت أن أكتب هذا البيان نصحاً للأمة، وبياناً للحق، وخروجاً من العهدة، فأقول مستعينا بالله:
أولا: ما ذكره الكاتب وفقه الله في شأن صلاة التراويح وأنها مشروعة في أصلها، فهذا حق وقد أصاب الكاتب في هذا.
وأما وصفه صلاة آخر الليل جماعة في المساجد في العشر الأخير من رمضان بأنها بدعة، وأن أول من ابتدأها الشيخ عبد الله الخليفي رحمه الله قبل نحو خمسين عاما، فهذا مجانب للصواب من جهتين، الجهة الأولى: وصفها بالبدعة، والثانية: رمي الشيخ عبد الله الخليفي رحمه الله بأنه هو من ابتدأها، وهذا باطل، وبيان ذلك أن نقول: إنه لا توقيت في عدد التراويح، وإن وقتها عند جميع العلماء من بعد سنة العشاء إلى طلوع الفجر، وإن إحياء العشر سنة مؤكدة، وإن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ليالي جماعة، فلا ينكر على من زاد في صلاة العشر الأواخر عما يفعله أول الشهر، فيصلي في العشر أول الليل كما يفعل في أول الشهر، أو أقل، أو أكثر، وذلك لأجل الضعيف لمن يحب الاقتصار على ذلك، ثم يزيد بعد ذلك ما يسره الله في الجماعة، ويسمى الجميع قياما وتراويح، وأما ما يجري على ألسنة العوام، من تسميتهم ما يفعل أول الليل تراويح، وما يصلى بعد ذلك قياما، فهو تفريق عامي، بل الكل قيام، وتراويح، وإنما سمي قيام رمضان تراويح، لأنهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات من أجل أنهم كانوا يطيلون الصلاة.
وسبب إنكار المنكِرِ لذلك جهله بالسنة والآثار، وما عليه الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام، وأسوق هنا طرفا منها :
ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشد المئزر )، وصلى - صلى الله عليه وسلم -ليلة من رمضان جماعة في أول الشهر، وكذلك في العشر.
وفي صحيح مسلم عن أنس قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في رمضان، فجئت فقمت إلى جنبه، فجاء رجل آخر فقام أيضا، حتى كنا رهطا. فلما أحس أنا خلفه جعل يتجوز في الصلاة. ثم دخل رحله فصلى صلاة لا يصليها عندنا، فقلت له حين أصبح: فطنت لنا الليلة؟ قال: نعم، ذلك الذي حملني على ما صنعت ).
وعن عائشة قالت : ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فصلى بصلاته أناس كثير. ثم صلى من القابلة فكثروا, ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة، فلم يخرج إليهم، فلما أصبح قال: قد رأيت صنيعكم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا خشية أن يفرض عليكم )، وذلك في رمضان، أخرجاه في الصحيحين.
وفي السنن عن أبي ذر رضي الله عنه قال : ( صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم بنا حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل. ثم لم يقم بنا في السادسة، وقام في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلنا: لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه؟ فقال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة. ثم لم يقم بنا حتى بقي ثلاث من الشهر، فصلى بنا في الثالثة، ودعا أهله ونساءه، وقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قيل: وما الفلاح؟ قال السحور )، صححه الترمذي، واحتج الإمام أحمد وغيره بهذا الحديث أن فعل التراويح جماعة أفضل،
وقال شيخ الإسلام تقي الدين، رحمه الله: وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( من قام مع الإمام حتى ينصرف، كتب له قيام ليلة ) ترغيب في قيام رمضان خلف الإمام، وذلك أوكد من أن يكون سنة مطلقة، وكان الناس يصلونها جماعات في المسجد على عهده صلى الله عليه وسلم، وإقراره سنة منه صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وفي الموطأ عن السائب بن يزيد، قال : ( أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميما الداري، أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، وكان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر) .
وفي الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر، قال: سمعت أبي يقول : ( كنا ننصرف في رمضان من القيام، فنتعجل الخدم بالطعام مخافة فوت السحور).
وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن طاووس، قال : ( سمعت ابن عباس يقول: دعاني عمر أتغدى عنده، قال أبو بكر: يعني السحور في رمضان، فسمع هيعة الناس حين خرجوا من المسجد، قال ما هي؟ قال: هيعة الناس حين خرجوا من المسجد، قال: ما بقي من الليل خير مما ذهب منه ).
وروى ابن أبي شيبة عن ورقاء، قال: كان سعيد بن جبير يؤمنا في رمضان، فيصلي بنا عشرين ليلة ست ترويحات، فإذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد، فصلى بنا سبع ترويحات.
فتبين بذلك، أن الصحابة والتابعين كانوا يمدون الصلاة إلى قريب طلوع الفجر، وبهذا يعلم مشروعية صلاة آخر الليل جماعة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من صلاها، وأن عمر رضي الله عنه أخبر لما انصرف الناس عن الصلاة أول الليل أن التي ينامون عنها أفضل، وأن سعيد بن جبير رحمه الله، وهو من كبار فقهاء التابعين ومن أصحاب ابن عباس رضي الله عنهما، كان يصليها العشرين الأولى من رمضان ست ترويحات، فإذا كان العشر الأخير زاد واحدة، كل هذا يدل على أن هذه الصلاة مشروعة، وأن اتهام الشيخ الخليفي رحمه الله باطل، وإنما هو رحمه الله مستن في فعله ذلك لا مبتدئ ولا مبتدع.
وهذه المسألة قد أثيرت زمن الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله المتوفى عام 1282، وأجاب عنها بجواب طويل نافع، مفاده رد هذه الشبهة.
أما ما ذكره عن صلاة النافلة في البيت وكونها أفضل فهذا حق، ونحن نقول به ونحث عليه، إلا أن صلاة التراويح في رمضان لها خصوصيتها، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أفضلية أدائها مع الجماعة يقول عليه الصلاة والسلام : (من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) ولفعل النبي صلى الله عليه وسليم، وفعل عمر رضي الله عنه بعده، كما تقدم.
وأما ما ذكره الكاتب وفقه الله عن صيام الست من شوال، فقد خالف الصواب أيضا،
فأولا: تضعيفه لراوي الحديث سعد بن سعيد.
ويجاب عنه بأن سعد بن سعيد الأنصاري وإن ضعفه بعض الأئمة فقد وثقه غيرهم، فروى عنه شعبة وسفيان الثوري وابن عيينة وابن جريج وسليمان بن بلال، وهؤلاء أئمة هذا الشأن. وقال أحمد كان شعبة أمة وحده في هذا الشأن. قال عبد الله، يعني في الرجال وبصره بالحديث وتثبته، وتنقيته للرجال. وقال محمد بن سعد: شعبة أول من فتش عن أمر المحدثين، وجانب الضعفاء والمتروكين، وصار علما يقتدى به، وقال أبو حاتم الرازي عن ابن معين: سعد بن سعيد صالح، وقال محمد بن سعد، ثقة، قليل الحديث، وقال ابن أبي الحاتم: سمعت أبي يقول: كان سعد بن سعيد مؤديا، يعني أنه كان يحفظ ويؤدي ما سمع. وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، تقرب من الاستقامة، ولا أرى بحديثه بأسا مقدار ما يرويه، ومثل هذا إنما ينفي ما ينفرد به، أو يخالف به الثقات، فأما إذا لم ينفرد وروى ما رواه الناس فلا يطرح حديثه.
ثم إن هذا الحديث لم ينفرد بروايته سعد بن سعيد، بل رواه صفوان بن سليم ويحيى بن سعيد، أخو سعد المذكور، وعبد ربه بن سعيد، وعثمان بن عمر الخزاعي.
ويقال أيضا: إن الإمام مسلما قد خرج حديث سعد هذا في صحيحه، ومسلم إنما احتج بحديثه لأنه ظهر له أنه لم يخطئ فيه بقرائن ومتابعات ولشواهد دلته على ذلك، وإن كان قد عرف خطأه في غيره، فكون الرجل يخطئ في شيء لا يمنع الاحتجاج به فيما ظهر أنه لم يخطئ فيه، وهكذا حكم كثير من الأحاديث التي خرجاها، وفي إسنادها من تكلم فيه من جهة حفظه، فإنهما لم يخرجاها إلا وقد وجدا لها متابعا.
وهاهنا دقيقة ينبغي التفطن لها، وهي أن الحديث الذي روياه أو أحدهما واحتجا برجاله أقوى من حديث احتجا برجاله: ولم يخرجاه، فتصحيح الحديث أقوى من تصحيح السند.
والعلة الثانية التي ذكرها الكاتب - وفقه الله -: من أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الصوم بعد انتصاف شعبان لكيلا يختلط بصوم رمضان صوم غيره.
فالجواب عنها : أن صوم الست من شوال قد جاءت السنة به، وهذه المفسدة يمكن دفعها بتأخير صيام الست من شوال قليلا حتى يفصل بين صيام رمضان وصيام الست من شوال، وإذا أمنت المفسدة فلا بأس بصيامها بعد يوم العيد مباشرة.
أما العلة الثالثة التي ذكرها الكاتب وهي أن الرسول لم يصمها، ولا أحد من الصحابة، ولا التابعين، ونقل قول الإمام مالك (ما رأيت أحداً من أهل الفقه يصومها ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وأن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته، وأن يلحق برمضان ما ليس منه).
فالجواب عنها من وجوه :
الوجه الأول: أن يقال إن عدم النقل لا يعني نقل العدم، بمعنى أن كون ذلك لم ينقل إلينا لا يعني أنه لم يقع.
الوجه الثاني: أن طرد هذا التنظير يعني رد الجميع السنة القولية، وهذا باطل بلا شك.
الوجه الثالث: أن الأصل ثبوت الدليل، فإذ قد صح الحديث فإن العمل به مشروع وسنة، ولو لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه صلى الله عليه وسلم قد يأمر بالشيء ويحث عليه، ويترك العمل به، مخافة أن يفرض على أمته، يقول الإمام ابن خزيمة رحمه الله: باب ذكر علة قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يترك لها بعض أعمال التطوع، وإن كان يحث عليها، وهي خشية أن يفرض عليه ذلك الفعل، مع استحبابه صلى الله عليه وسلم ما خفف على الناس من الفرائض.
وساق تحت هذا الباب حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك العمل، وهو يحب أن يفعله، خشية أن يستن به، فيفرض عليهم، وكان يحب ما خف على الناس من الفرائض) وأصل الحديث في صحيح مسلم.
والنبي صلى الله عليه وسلم قد صرح بهذا، لما قام بعض الليالي في رمضان ومعه جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ثم ترك الخروج إليهم، وعلل ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : ( قد رأيت ما صنعتم ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم ) أخرجه البخاري ومسلم.
وأما ما نقله الكاتب من كلام للإمام مالك رحمه الله فقد بين العلماء معناه ووجهوا كلامه رحمه الله واعتذروا له: فإن هذا القول منه رحمه الله جار على أصله في الاحتجاج بعمل أهل المدينة وكون أهل المدينة في زمن مالك لم يعملوا به لا يوجب ترك الأمة كلهم له وقد عمل به أحمد والشافعي وابن المبارك وغيرهم. قال مطرف: كان مالك يصومها في خاصة نفسه، وقال: وإنما كره صومها لئلا يلحق أهل الجاهلية ذلك برمضان. فأما من يرغب في ذلك لما جاء فيه فلم ينهه قال ابن عبد البر: لم يبلغ مالكاً حديث أبي أيوب على أنه حديث مدني والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه والذي كرهه مالك قد بينه وأوضحه: خشية أن يضاف إلى فرض رمضان وأن يسبق ذلك إلى العامة وكان متحفظاً كثير الاحتياط للدين وأما صوم الستة الأيام على طلب الفضل وعلى التأويل الذي جاء به ثوبان فإن مالكا لا يكره ذلك إن شاء الله، وقال القاضي عياض: أخذ بهذا الحديث جماعة من العلماء، وروي عن مالك وغيره كراهية ذلك ولعل مالكا إنما كره صومها على ما قال في الموطأ: أن يعتقد من يصومه أنه فرض، وأما على الوجه الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم فجائز.
هذا ما أحببت بيانه بخصوص هذا المقال ثم إني أوجه نصيحتي لكاتب هذا المقال وغيره ممن يتصدرون للكلام في أمور الشرع: بأن يتقوا الله في أنفسهم، ويدركوا خطورة الخوض في هذه المسائل، لما يترتب على ذلك من القول على الله بلا علم، وهذا أمر خطير جداً، فإن الله تعالى يقول : (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا)، ويقول سبحانه : (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) ويقول عز وجل : (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون).
والعلم بعد توفيق الله إنما يكون بلزوم حلق العلم، والأخذ عن أهل العلم المعتبرين، لأن في ذلك مأمنا من أن ينزلق المتعلم فيما لا يدرك أبعاده من فهم خاطئ أو تصور ناقص.
ولا يؤخذ العلم من بحث سريع في مواقع إلكترونية، أو برامج حاسوبية، أو مطالعة عابرة للكتب من غير معرفة بأصول الاستدلال، ولا إلمام بكلام أهل العلم واصطلاحاتهم، ومدارك أنظارهم، ووجه انتزاعهم للدلالة من الدليل، إلى غير ذلك مما يتطلب مدة طويلة وصبراً على طريق طلب العلم.
والمقصود التنبيه على خطورة الخوض في مسائل الشريعة لغير المتأهلين لذلك، وإنما قصدت لذلك لما لاحظت كثرة من يخوض فيها بغير علم في صحف سيارة قد يغتر بكلامهم جاهل أو قليل إدراك فيعمل به، فيحمل أولئك أوزارهم وأوزاراً مع أوزارهم والعياذ بالله.
ونصيحتي للمسؤولين عن الصحف بأن يتقوا الله في صحفهم، وألا ينشروا شيئاً من أمور الشرع إلا بعد الرجوع إلى أهل العلم واستشارتهم في ذلك امتثالاً لأمر الله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعملون).
أما فتح الباب لغير أهل العلم لإبداء آرائهم، أو طرح أهوائهم في مسائل شرعية، فهذا فيه ما فيه من الخطورة، والجناية على الشريعة، مما لا ينبغي لأهل الإسلام أن يرضوا به، فضلاً عن أن يقروه وينشروه.
أسأل الله عز وجل أن يهدي الجميع لطاعته، ولزوم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والتمسك بشريعته، كما أسأله سبحانه أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، إنه سبحانه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر: (صحيفة الوطن) ؛الجمعة 8 شوال 1428هـ ؛العدد (2576) السّنة الثّامنة.
رد: « ردود أهل العلم على جميل خيّاط حول قوله ببدعية صيام السّت من شوال » !
2 ـ ردّ صاحب الفضيلة الشَّيخ سعد بن ناصر بن عبد العزيز الشَّثري ـ حفظه اللَّـهُ تعالى ـ :
ما إن انتهى موسم رمضان إلا وابتدأ موسم أشهر الحج وموطن صيام ستة أيام من شوال، واستحباب صيام ستة أيام من شوال ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه (1164) عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر ) وأخرجه أبو داود (2425) والترمذي (759) وحسنه، وصححه ابن حبان (3634) وابن خزيمة (2114).
قال ابن الملقن في البدر المنير 5/752 : "هذا الحديث صحيح حفيل جليل.. وقد روى هذا الحديث عن سعد بن سعيد تسعة وعشرون رجلا أكثرهم ثقات حفاظ إثبات، وقد ذكرت كل ذلك عنهم موضحا في تخريجي لأحاديث المهذب مع الجواب عمن طعن في سعد بن سعيد وأنه لم ينفرد به وتوبع عليه وذكرت له ثمانية شواهد".
ومشروعية صيام ستة أيام من شوال ورد فيها أحاديث أخرى غير حديث أبي أيوب، منها حديث جابر أخرجه أحمد 3/308 والبيهقي 4/292 وحديث ثوبان أخرجه ابن ماجة (1715) وابن حبان (3635) وابن خزيمة (2115) والنسائي في الكبرى (2860) والطبراني (1451). وحديث ابن عمر أخرجه الطبراني في الأوسط (8622).
وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد 3/183 حديث أبي هريرة أخرجه البزار والطبراني وحديث ابن عباس أخرجه الطبراني في الأوسط وحديث غنام أخرجه الطبراني.
وادعاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصمها ادعاء يحتاج إلى دليل لكثرة صيامه النفل فقد كان يواصل الصوم حتى يقال لا يفطر أخرجه البخاري (1868) ومسلم (1156) وعلى فرض عدم صوم النبي صلى الله عليه وسلم لها لا يدل ذلك على عدم مشروعيتها لأن السنة القولية حجة شرعية، ولذلك يشرع صوم يوم وإفطار يوم مع عدم ثبوت فعل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل ذلك أفضل الصيام كما أخرجه البخاري (1079) ومسلم (1159) ومخالفة بعض الأئمة الحديث لعذر كعدم بلوغ الحديث لهم لا يسوغ لنا ترك الحديث، فإن العبرة بالأدلة الشرعية لا بالأقوال المجردة للأئمة، ولذلك وجدنا من أتباع الإمام مالك من لا يوافقه في هذه المسألة، ويعتذر عن الإمام بعدم بلوغ النص له.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان 7/361 : "ولا شك أن مذهب مالك المدون فيه فروع تخالف بعض نصوص الوحي، والظاهر أن بعضها لم يبلغه رحمه الله ولو بلغه لعمل به، وأن بعضها بلغه وترك العمل به لشيء آخر يعتقده دليلا أقوى منه، ومن أمثلة ما لم يبلغه النص فيه: صيام ست من شوال بعد صوم رمضان، قال رحمه الله في الموطأ ما نصه: "إني لم أر أحدا من أهل العلم والفقه يصومها ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف"، وفيه تصريح مالك بأنه لم يبلغه صيام ستة من شوال عن أحد من السلف، وهو صريح في أنه لم يبلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا شك أنه لو بلغه الترغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم لكان يصومها ويأمر بصومها فضلا عن أن يقول بكراهتها".
وقال ابن عبد البر في الاستذكار 3/380 : "لم يبلغ مالكا حديث أبي أيوب.. ولو علمه لقال به"، وقال: "وأما صيام الستة الأيام من شوال على طلب الفضل وعلى التأويل الذي جاء به ثوبان رضي الله عنه فإن مالكا لا يكره ذلك إن شاء الله، لأن الصوم جنة وفضله معلوم لمن رد طعامه وشرابه وشهوته لله تعالى، وهو عمل بر وخير، وقد قال الله عز وجل "وافعلوا الخير" ومالك لا يجهل شيئا من هذا ولم يكره من ذلك إلا ما خافه على أهل الجهالة والجفاء إذا استمر ذلك وخشي أن يعدوه من فرائض الصيام مضافا إلى رمضان".
وقال القرطبي المالكي في التفسير 2/331 : "يستحب له أن يصوم من شوال ستة أيام".
وأما النهي عن صوم ست شوال خشية اختلاطها برمضان، فهذا تعليل فاسد الاعتبار لمخالفته الخبر، والرسول صلى الله عليه وسلم أعلم منا بالشرع، فلا نترك قوله لمثل هذه التوهمات.
قال الشنقيطي 7/362 : "لكنه صلى الله عليه وسلم ألغى المحذور المذكور وأهدره لعلمه بأن شهر رمضان أشهر من أن يلتبس بشيء من شوال كما أن النوافل المرغب فيها قبل الصلوات المكتوبة وبعدها لم يكرهها أحد من أهل العلم خشية أن يلحقها الجهلة بالمكتوبات لشهرة المكتوبات الخمس وعدم التباسها بغيرها، وعلى كل حال فإنه ليس لإمام من الأئمة أن يقول هذا الأمر الذي شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم مكروهاً لخشية أن يظنه الجهال من جنس الواجب، وصيام الستة المذكورة وترغيب النبي صلى الله عليه وسلم ثابت عنه، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه (1164) عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر" والطعن في هذا الحديث بأنه من رواية سعد بن سعيد لا يصح، لأن جماعة من أهل العلم وثقوه ثم قد وافقه جماعة من الرواة كصفوان بن سليم كما عند النسائي في الكبرى (2863) وكشعبة كما أشار إليه الترمذي (759) وكزيد بن أسلم عند الطحاوي في شرح المشكل 6/122 وكيحيى بن سعيد عنده أيضاً وعند أبي عوانة (2701) والطبراني (3914)، قال النووي في شرح مسلم 8/56: "إذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها وقولهم قد يظن وجوبها ينتقض بصوم يوم عرفة وعاشوراء وغيرهما من الصوم المندوب".
وجاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء ذات الرقم (4763)، "ثبت عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فذاك صيام الدهر" رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي، فهذا حديث صحيح يدل على أن صيام ستة أيام من شوال سنة، وقد عمل به الشافعي وأحمد وجماعة من أئمة العلم، ولا يصح أن يقابل هذا الحديث بما يعلل به بعض العلماء لكراهة صومها من خشية أن يعتقد الجاهل أنها من رمضان أو خوف أن يظن وجوبها أو بأنه لم يبلغه عن أحد ممن سبقه من أهل العلم أنه كان يصومها، فإنه من الظنون وهي لا تقاوم السنة الصحيحة ومن علم حجة على من لم يعلم".
وسبب إطالتي في الحديث عن هذا الموضوع هو مقال صحفي نشر يوم الأربعاء 28 رمضان في "الوطن" في صفحة نقاشات، ادعى فيه الكاتب أن "صيام الستة أيام من شوال أقرب إلى البدعة منه إلى السنة" بل وتجاوز ذلك إلى القول ببدعة صلاة التهجد جماعة في المسجد وهذه طامة أكبر من الأولى وذلك أنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في رمضان بآخر الليل وصلى معه رجال، ثم ترك هذه الصلاة خشية أن تفرض على أمته، فلما زال هذا المعنى رجعت مشروعية أداء صلاة التهجد في رمضان إلى مشروعيتها، فقد روى البخاري (5762) ومسلم (781) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة مخصفة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيها فتتبع إليه رجال وجاؤوا يصلون بصلاة ثم جاؤوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم فخرج إليهم، وقال: مازال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم.
وأخرج أبو داود (1375) وابن خزيمة (2206) وابن حبان (2547) وابن ماجة (1327) أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم ليالي من الشهر قال ثم لم يصل بنا حتى بقي ثلاثة من الشهر فقام بنا في الثالثة وجمع أهله ونساءه فقام بنا حتى تخوفنا أن يفوتنا الفلاح، قلت وما الفلاح؟ قال السحور، ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم".
ومن العجب أن يدعي الكاتب أن أول من فعل ذلك هو الشيخ عبد الله الخليفي مع ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم واستمر العمل عليه منذ الزمان الأول.
ففي مصنف عبد الرزاق (7730) أن عمر جمع الناس على الصلاة فكانوا ينصرفون عند فروع الفجر وفيه (7733) قال السائب بن يزيد: كنا ننصرف من القيام على عهد عمر وقد دنا فروع الفجر. وأخرج مالك في الموطأ (251) عن السائب بن يزيد أنه قال: أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، قال: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر.
وأخرج مالك عن عبد الله بن أبي بكر قال سمعت أبي يقول كنا ننصرف في رمضان من القيام فنستعجل الخدم بالطعام مخافة فوت السحور. وأخرج ابن أبي شيبة (7711) عن الحكم قال: كانوا ينامون نومة قبل القيام في شهر رمضان.
واسأل الله أن يتقبل من الجميع الصيام والقيام وأن يعيننا على الاستمرار بالعمل الصالح بعد رمضان وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المصدر: (صحيفة الوطن) ؛الأربعاء 6 شوال 1428هـ ؛العدد (2574) السّنة الثّامنة.
رد: « ردود أهل العلم على جميل خيّاط حول قوله ببدعية صيام السّت من شوال » !
جزاكم الله خيراً يا حامل المسك و ناثر الفوائد ...
هل سبق أحد ذلك الكاتب (!) إلى هذا القول الغريب ...
رد: « ردود أهل العلم على جميل خيّاط حول قوله ببدعية صيام السّت من شوال » !
3 ـ ردّ فضيلة الشَّيخِ خَالد بنِ قاسم الرَّدَّاديّ ـ حفظهُ اللَّـهُ تعالى ـ :
مشروعية صيام السّت من شوال حوار مع الاستاذ جميل خيّـاط
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فقد اطلعت على مقال للأستاذ جميل خياط في جريدة المدينة العدد 15185 بعنوان (صيام الستة أيام من شوال فيه أقوال..!!) ذهب فيه إلى قول مرجوح وهو عدم جواز صيام الست من شوال ،فألفيته قد أخطأ في مقاله هذا عدة أخطاء جسيمة وأوهم القراء بضعف الحديث الوارد في هذا -مع كونه أخرجه مسلم في صحيحه وغيره- فرأيت أن الرد على ماتمسك به الأستاذ لازم حتى لايغتر بكلامه وتدليسه مع الأسف مغتر ،ليس هذا فحسب بل ذهب الأستاذ -هداه الله-إلى أن صيام الست يوقع في لوثة الابتداع !!
هذا وقد كنت رددت عليه في المسألة نفسها قبل سنوات ولكن -مع الأسف- لايزال الأستاذ إلى اليوم يكرر كلامه بعينه دون امعان أو روية عقب كل رمضان !!
وكنت أود من الأستاذ وفقنا الله وإيّاه لكل خير أن يتريث وينظر في كلام العلماء قبل أن يتكلم في مثل هذه المسائل دون دراية،ولو رجع إلى رسالة الحافظ الفقيه الأصولي الشافعي المتوفى سنة 761هـ الموسومة بـ"رفع الإشكال عن صيام ست من أيام شوال" لوجد فيها جواب جميع ما أشكل عليه !
وعلى كل فالمآخذ على مقال الأخ نوجزها فيما يلي :
1- عنوان المقال : (صيام الستة أيام من شوال فيه أقوال)!
بينما لم تذكر لنا في مقالك سوى القول المرجوح الذي حاولت جاهداً الانتصار له !!
2- قال الأستاذ :"يتردد على منابر الإعلام في أوائل شهر شوال من كل عام ما نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من استحباب صيام ستة أيام من شوال..".
لم هذا التدليس وعدم ذكرك للحديث وبيان مخرجه !
فهل يقال لحديث خرّجه مسلم في "صحيحه"في كتاب الصوم باب استحاب صوم ستة أيام من شوال إتباعا لرمضان (رقم:1164) حديث منسوب !!
فهلا ذكرت الحديث وبينت من خرّجه من الأئمة في كتبهم ثم ناقشت في صحته وضعفه
!
أم أنك أعرضت عن ذكرك له حتى لايلزمك القاريء أن الحديث في مسلم ودواوين السنة المشهورة وأنت تبطله !
وهاكم نص الحديث مع تخريجه :
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأنصاري -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ " الأخرجه مسلم (رقم:1164)،وأبو داود (رقم:2433)،والترمذ (رقم:759)،والنسائي في "السنن الكبرى"(رقم:2863)،و ابن ماجه (رقم:1716)،وأحمد في "المسند"(5/417)،والطيالسي (رقم:694)،وعبد الرزاق في "مصنفه"(رقم:7918و7919 و7921)،الحميدي (رقم:381)،وابن أبي شيبة (3/97)،وعبد بن حميد (رقم:228/المنتخب)والدارم (رقم:1703)،وابن خزيمة(رقم:2114)،وا طحاوي في"مشكل الآثار"(3/118)،والطبراني في"الكبير"(4/135-136)،وفي"الأوسط"(ر م:4637)،وفي"الصغير "(رقم:664)،وابن حبان (رقم:3634)،والبيهق في"السنن الكبرى"(4/292)،و"معرفة النن والآثار"(6/292)،والبغوي في"شرح السنة"(رقم:1780).
والحديث كما تقدم أخرجه مسلم في "صحيحه" وحسبك به،وقال الترمذي:"حديث أبي أيوب حديث حسن صحيح"،وصححه ابن خزيمة وابن حبان وجماعة من أهل العلم المعتبرين،فهل بعد هذا كله يصح أن يقال عن الحدي "ما نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من استحباب صيام ستة أيام من شوال.."موهما ضعفه وبطلانه." !!
3- قال الأستاذ: "وقد أخذ بهذا الحديث الإمام أحمد ولم يأخذ به مالك ولا أبوحنيفة، واعتبرا هذا الصيام مكروهاً".
وعلى كلامه هذا مأخذان :
أ- أوهم الكاتب كعادته أن هذا الحديث لم يأخذ به سوى الإمام أحمد-رحمه الله- وهذا غير صحيح البتة ،قال ابن رجب -رحمه الله -في"لطائف المعارف"(ص389) :
"وأما العمل به -يعني حديث أبي أيوب- فاستحب صيام ستة من شوال أكثر العلماء،روي ذلك عن ابن عباس-رضي الله عنهما-وطاووس والشعبي وميمون بن مهران وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.."اهـ.
وانظر: (نيل الأوطار4/266،وسبل السلام2/167،والمهذب1/187،وشرح النووي على مسلم8/56،والمغني3/172).
ب- أن الحنفية والمالكية يرون أن كراهة صيام هذه الأيام خاص بمن يعتقد سنية الاتباع،وبمن يصومها متوالية متصلة برمضان.
قال الزرقاني المالكي-رحمه الله- في"شرح الموطأ"(2/271) :
"قال شيوخنا إنما كره مالك صومها مخافة أن يلحق الجهلة برمضان غيره، أما صومها على ما أراده الشرع فلا يكره ،وقيل لم يبلغه الحديث أو لم يثبت عنده أو وجد العمل على خلافه ويحتمل أنه إنما كره وصل صومها بيوم الفطر فلو صامها أثناء الشهر فلا كراهة وهو ظاهر قوله ستة أيام بعد الفطر من رمضان ".
وقال الخرشي المالكي-رحمه الله- :
"وهذه-الكراهة-إذا صامها متصلة برمضان،متوالية، مظهراً لها،معتقداً سنة اتصالها،وإلاّ فلا كراهة" [حاشية الخرشي على مختصر خليل2/243].
وقال الكاساني الحنفي-رحمه الله-:
"والاتباع المكروه،هو أن يصوم يوم الفطر،ويصوم بعده خمسة أيام،فأما إذا أفطر يوم العيد ثم صام بعده ستة أيام فليس بمكروه،بل هو مستحب وسنة".
[بدائع الصنائع2/980].
فهذا الذي في كتب الفقهاء المعتمدة فلا أدري لم أعرضت عنه ولم تذكره !
بدل الإيهام والتدليس !!
4- ثم قال الأستاذ:"والعلة في هذا الحديث مردها إلى سعد بن سعيد، إذ عليه مداره في الرواية. وهو-أي هذا الراوي- سيئ الحفظ، كما ذكره الحافظ في التقريب (تحفة الأحوذي 519/753). وقال عنه النسائي، كما نقله ابن القيم في شرحه للسنن (814/2431): (سعد بن سعيد ضعيف) اهـ. وقال عنه الإمام أحمد: (.. وسعد بن سعيد هو ضعيف جداً، تركه مالك وأنكر عليه هذا الحديث، وقد ضعفه أحمد. وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج بحديث سعد بن سعيد والحديث بعد ذلك مداره على عمر بن ثابت الأنصاري، ولم يروه عن أبي أيوب غيره، فهو شاذ فلا يحتج به)اهـ. فهذه علة الحديث في ذاته، أولاً..".
وعلى كلامه هذا عدة مؤاخذات :
أ-قولك أن مدار الحديث على سعد بن سعيد،فليس كذلك؛بل قد رواه صفوان بن سليم،ويحي بن سعيد القاضي-أخو سعد المذكور-عن عمر بن ثابت أيضاً.
أما رواية صفوان بن سليم:فأخرجها أبوداود(رقم:2433)، النسائي في "السنن الكبرى"(رقم:2863) وابن حبان(رقم:3634)ثلاث هم من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن صفوان بن سليم وسعد بن سعيد جميعاً عن عمر بن ثابت به.
وصفوان ثقة حجة كما في "الكاشف" و"التقريب".
ب-نقلك عن الإمام أحمد أنه قال عن سعد بن سعيد :ضعيف جداً..! غير صحيح البتة ولاأدري من أين لك هذا !!
فمصدرك الذي نقلت منه كلامك فيه خلاف هذا،وهو"حاشية ابن القيم على سنن أي داود وإليك نص كلامه(7/61-63) :
"هَذَا الْحَدِيث قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ , فَأَوْرَدَهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه . وَضَعَّفَهُ غَيْره , وَقَالَ : هُوَ مِنْ رِوَايَة سَعْد بْن سَعِيد أَخِي يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنه : سَعْد بْن سَعِيد ضَعِيف , كَذَلِكَ قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل..".
وقال أيضاً:"وَقَدْ اِعْتَرَضَ بَعْض النَّاس عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيث بِاعْتِرَاضَاتٍ , نَذْكُرُهَا , وَنَذْكُر الْجَوَاب عَنْهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . الِاعْتِرَاض الْأَوَّل:
تَضْعِيفهَا . قَالُوا : وَأَشْهَرُهَا : حَدِيث أَبِي أَيُّوب , وَمَدَاره عَلَى سَعْد بْن سَعِيد , وَهُوَ ضَعِيف جِدًّا , تَرَكَهُ مَالِك , وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيث , وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَد وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : تَكَلَّمُوا فِيهِ مِنْ قِبَل حِفْظه . وَقَالَ النَّسَائِيّ : لَيس بِالْقَوِيِّ وَقَالَ اِبْن حِبَّان : لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِحَدِيثِ سَعْد بْن سَعِيد ...".
فأنت ترى أنه ليس في كلامه البتة أن أحمد قال عنه :ضعيف جداً.وإنما ضعفه فقط !
وإليك أقوال الأئمة فيه كما في"التهذيب"لابن حجر(3/408) :
"..قال عبد الله بن أحمد عن أبيه :ضعيف ،وكذا قال بن معين في رواية ،وقال في رواية أخرى: صالح ،وقال النسائي: ليس بالقوي ،وقال بن سعد :كان ثقة قليل الحديث ،وقال بن أبي حاتم سمعت أبي يقول : سعد بن سعيد الأنصاري يؤدي يعني أنه كان لا يحفظ ويؤدي ما سمع ،وقال بن عدي :له أحاديث صالحة تقرب من الاستقامة ولا أرى بحديثه بأسا بمقدار ما يرويه، وذكره بن حبان في الثقات وقال: كان يخطىء ،قال ابن سعد وخليفة بن خياط :توفي سنة 141 هـ.
قلت وكذا أرخه بن حبان وزاد :لم يفحش خطؤه فلذلك سلكناه مسلك العدول ،وقال العجلي وابن عمار :ثقة ،وقال بن أبي حاتم في الجرح والتعديل: ذكر أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال : سعد بن سعيد الأنصاري مؤدي ،قال أبو الحسن بن القطان الفاسي :اختلف في ضبط هذه اللفظة فمنهم من يخففها أي هالك، ومنهم من يشددها أي حسن الأداء، وقال الترمذي: تكلموا فيه من قبل حفظه".
فهل مثل هذا يقال فيه:ضعيف جداً،خاصة وأن مسلماً خرّج حديثه في الصحيح،فلايقال ضعيف جداً إلا لمن كان متروكاً وضاعاً!فأما من وثقه قوم وضعفه آخرون لسوء حفظه أو لشيء قريب وقد أحتج به في الصحيح لايقال فيه ضعيف جداً !
قال ابن القيم :
"سَلَّمْنَا ضَعْفه لَكِنَّ مُسْلِمٌ إِنَّمَا اِحْتَجَّ بِحَدِيثِهِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُخْطِئ فِيهِ بِقَرَائِن وَمُتَابَعَات وَلِشَوَاهِد دَلَّتْهُ عَلَى ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ قَدْ عَرَفَ خَطَؤُهُ فِي غَيْره , فَكَوْن الرَّجُل يُخْطِئ فِيشَيْءٍ لَا يَمْنَع الِاحْتِجَاج بِهِ فِيمَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُخْطِئ فِيهِ , وَهَكَذَا حُكْم كَثِير مِنْ الْأَحَادِيث الَّتِي خَرَّجَاهَا , وَفِي إِسْنَادهَا مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ مِنْ جِهَة حِفْظه , فَإِنَّهُمَا لَمْ يُخْرِجَاهَا إِلَّا وَقَدْ وَجَدَا لَهَا مُتَابَعًا "[حاشية سنن أبي داود7/62].
والذي أعجب له أن الكاتب وفقه الله ينقل عن ابن القيم هذه الاعتراضات حتى يوهم القاريء ويلبس عليه ولايذكر من قريب ولابعيد جواب ابن القيم عنها وتفنيده لها !!!!
جـ- قولك إن الحديث مداره على عمر بن ثابت الأنصاري، ولم يروه عن أبي أيوب غيره، فهو شاذ فلا يحتج به!
فالجواب أن هذا ليس من الشاذ الذي لايحتج به،ولو كان كذلك لكانت قطعة من أحاديث الصحيحين كثيرة لايحتج بها،لتفرد رواتها بها،وليس كذلك بالاتفاق.
فهذا حديث "إنما الأعمال بالنيات"لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ عمر بن الخطاب،ولاعن عمر إلاّ علقمة بن وقاص الليثي،ولا عن علقمة إلاّ محمد بن إبراهيم التيمي،ولاعن محمد إلاّ يحي بن سعيد،وهو من أشهر الأحاديث،وأكثره ا تكراراً في الصحيحين،ومثل هذا كثير في الصحيح.
قال الإمام الشافعي-رحمه الله-:"ليس الشاذ أن يروي الثقة مالايروي غيره،إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثاً يخالف ماروى الناس".
وقد قرر هذه المسألة علماء الحديث في مصنفاتهم فهلا رجعت إليها،وانظر إن شئت: [علوم الحديث لابن الصلاح ص76،والإرشاد للنووي ص94،وفتح المغيث للعراقي ص85-86..].
ثم نقول:ليس هذا مما تفرّد به عمر بن ثابت،بل رواه أيضاً ثوبا ن مولى رسول الله صلى عليه وسلم ،وأبو هريرة ،وابن عمر رضي الله عنهم .
أما حديث ثوبان فأخرجه ابن حبان في "صحيحه" (رقم:3635) بعد حديث عمر بن ثابت قائلا:"ذكر الخبر المدحض قول من زعم أنّ هذا الخبر تفرّد به عمر بن ثابت عن أبي أيوب"،
وأخرجه أحمد(5/280)،والدارمي(2/21)،والطحاويفي"مش كل الآثار"(3/119-120)،وابن ماجه(رقم:1715).
وأما حديث أبي هريرة وابن عمر فانظرتخريجها في"الترغيب والترهيب"للمنذر (2/40-41)،و"تحفة الأحوذي"(3/388).
5- ثم قال الأستاذ:"والثاني ة أن الرسول صلى الله عليه وسلم -كما نقله ابن القيم (814/2431) -قد نهى عن الصوم بعد انتصاف شعبان حماية لرمضان أن يُخلط به صوم غيره. فكيف بما يضاف إليه بعده..؟!! ".
وهذا عجيب غريب فهلا نقلت كلام ابن القيم في الجواب عن هذا بدل الإيهام والتدليس،وإليكم أيها الإخوة كلام ابن القيم في الرد على هذا الاعتراض، قال-رحمه الله- :
"الِاعْتِرَاض الثَّالِث :
أَنَّ هَذَا الْحَدِيث غَيْر مَعْمُول بِهِ عِنْد أَهْل الْعِلْم . قَالَ مَالك فِي الْمُوَطَّأ : وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعِلْم وَالْفِقْه يَصُومهَا , وَلَمْ يَبْلُغنِي ذَلِكَ عَنْ أَحَد مِنْ السَّلَف , وَإِنَّ أَهْل الْعِلْم يَكْرَهُونَ ذَلِكَ , وَيَخَافُونَ بِدْعَته , وَأَنْ يُلْحِق بِرَمَضَان مَا لَيْسَ مِنْهُ أَهْل الْجَهَالَة وَالْجَفَاء , لَوْ رَأَوْا فِي ذَلِكَ رُخْصَة عَنْ أَهْل الْعِلْم , وَرَأَوْهُمْ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ , تَمَّ كَلَامُهُ , قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ : وَاَلَّذِي خَشِيَ مِنْهُ مَالِك قَدْ وَقَعَ بِالْعَجَمِ , فَصَارُوا يَتْرُكُونَ الْمُسَحِّرِينَ عَلَى عَادَتِهِمْ وَالنَّوَاقِيس وَشَعَائِر رَمَضَان إِلَى آخِر السِّتَّة الْأَيَّام , فَحِينَئِذٍ يُظْهِرُونَ شَعَائِر الْعِيد .
وَيُؤَيِّد هَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي قِصَّة الرَّجُل الَّذِي دَخَلَ الْمَسْجِد وَصَلَّى الْفَرْض , ثُمَّ قَامَ يَتَنَفَّل , فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَر , وَقَالَ لَهُ " اِجْلِسْ حَتَّى تَفْصِل بَيْن فَرْضك وَنَفْلِك , فَبِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلنَا , فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَصَابَ اللَّه بِك يَا اِبْن الْخَطَّاب " .
قَالُوا : فَمَقْصُود عُمَر : أَنَّ اِتِّصَال الْفَرْض بِالنَّفْلِ إِذَا حَصَلَ مَعَهُ التَّمَادِي وَطَالَ الزَّمَن ظَنَّ الْجُهَّال أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْفَرْض , كَمَا قَدْ شَاعَ عِنْد كَثِير مِنْ الْعَامَّة : أَنَّ صُبْح يَوْم الْجُمْعَة خَمْس سَجَدَات ولَا بُدّ , فَإِذَا تَرَكُوا قِرَاءَة { الم تَنْزِيل } قَرَءُوا غَيْرهَا مِنْ سُوَر السَّجَدَات , بَلْ نَهَى عَنْ الصَّوْم بَعْد اِنْتِصَاف شَعْبَان حِمَايَةً لِرَمَضَان أَنْ يُخْلَط بِهِ صَوْم غَيْره فَكَيْف بِمَا يُضَاف إِلَيْهِ بَعْده ؟
فَيُقَال : الْكَلَام هُنَا فِي مَقَامَيْنِ : أَحَدهمَا : فِي صَوْم سِتَّةٍ مِنْ شَوَّال , مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَة
وَالثَّانِي : فِي وَصْلهَا بِهِ . أَمَّا الْأَوَّل فَقَوْلكُمْ : إِنَّ الْحَدِيث غَيْر مَعْمُول بِهِ : فَبَاطِلٌ , وَكَوْن أَهْل الْمَدِينَة فِي زَمَن مَالِك لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ لَا يُوجِب تَرْك الْأُمَّة كُلّهمْ لَهُ , وَقَدْ عَمِلَ بِهِ أَحْمَد وَالشَّافِعِيّ وَابْن الْمُبَارَك وَغَيْهمْ .
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : لَمْ يَبْلُغ مَالِكًا حَدِيث أَبِي أَيُّوب , عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ مَدَنِيٌّ , وَالْإِحَاطَة بِعِلْمِ الْخَاصَّة لَا سَبِيل إِلَيْهِ , وَاَلَّذِي كَرِهَهُ مَالِك قَدْ بَيَّنَهُ وَأَوْضَحَهُ : خَشْيَة أَنْ يُضَاف إِلَى فَرْض رَمَضَان , وَأَنْ يَسْبِق ذَلِكَ إِلَى الْعَامَّة , وَكَانَ مُتَحَفِّظًا كَثِير الِاحْتِيَاط لِلدِّينِ , وَأَمَّا صَوْم السِّتَّة الْأَيَّام عَلَى طَلَب الْفَضْل , وَعَلَى التَّأْوِيل الَّذِي جَاءَ بِهِ ثَوْبَان , فَإِنَّ مَالِكًا لَا يَكْرَه ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّه , لِأَنَّ الصَّوْم جُنَّة , وَفَضْلُهُ مَعْلُومٌ : يَدَع طَعَامه وَشَرَابه لِلَّهِ , وَهُوَ عَمَل بِرّ وَخَيْر , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { وَافْعَلُوا الْخَيْر لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } وَمَالِك لَا يَجْهَل شَيْئًا مِنْ هَذَا , وَلَمْ يَكْرَه مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا خَافَهُ عَلَى أَهْل الْجَهَالَة وَالْجَفَاء إِذَا اِسْتَمَرَّ ذَلِكَ , وَخَشِيَ أَنْ يُعَدَّ مِنْ فَرَائِض الصِّيَام , مُضَافًا إِلَى رَمَضَان , وَمَا أَظُنّ مَالِكًا جَهِلَ الْحَدِيث , لِأَنَّهُ حَدِيثٌ مَدَنِيٌّ اِنْفَرَدَ بِهِ عُمَر بْن ثَابِت , وَأَظُنّ عُمَر بْن ثَابِت لَمْ يَكُنْ عِنْده مِمَّنْ يَعْتَمِد عَلَيْهِ , وَقَدْ تَرَك مَالِك الِاحْتِجَاج بِبَعْضِ مَا رَوَاهُ عُمَر بْن ثَابِت .
وَقِيلَ : إِنَّهُ رَوَى عَنْهُ , وَلَوْ لَا عِلْمه بِهِ مَا أَنْكَرَ بَعْض شُيُوخه , إِذْ لَمْ يَثِق بِحِفْظِهِ لِبَعْضِ مَا يَرْوِيه , وَقَدْ يُمْكِن أَنْ يَكُون جَهِلَ الْحَدِيث , وَلَوْ عَلِمَهُ لَقَالَ بِهِ , هَذَا كَلَامه . وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض : أَخَذَ بِهَذَا الْحَدِيث جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء . وَرُوِيَ عَنْ مَالِك وَغَيْره كَرَاهِيَة ذَلِكَ , وَلَعَلَّ مَالِكًا إِنَّمَا كَرِهَ صَوْمهَا عَلَى مَا قَالَ فِي الْمُوَطَّأ : أَنْ يَعْتَقِد مَنْ يَصُومهُ أَنَّهُ فَرْض , وَأَمَّا عَلَى الْوَجْه الَّذِي أَرَادَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَائِز .
وَأَمَّا الْمَقَام الثَّانِي : فَلَا رَيْب أَنَّهُ مَتَى كَانَ فِي وَصْلِهَا بِرَمَضَان مِثْل هَذَا الْمَحْذُور كُرِهَ أَشَدّ الْكَرَاهَة , وَحُمِيَ الْفَرْض أَنْ يُخْلَط بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ , وَيَصُومهَا فِي وَسَط الشَّهْر أَوْ آخِره , وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمَحْذُور فَدَفْعه وَالتَّحَرُّز مِنْهُ وَاجِبٌ , وَهُوَ مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام . فَإِنْ قِيلَ : الزِّيَادَة فِي الصَّوْم إِنَّمَا يُخَاف مِنْهَا لَوْ لَمْ يُفْصَل بَيْن ذَلِكَ بِفِطْرِ يَوْم الْعِيد , فَأَمَّا وَقَدْ تَخَلَّلَ فِطْر يَوْم الْعِيد فَلَا مَحْذُور . وَهَذَا جَوَابُ أَبِي حَامِد الْإِسْفَرَايِي نِي وَغَيْره . قِيلَ : فِطْر الْعِيد لَا يُؤَثِّر عِنْد الْجَهَلَة فِي دَفْع هَذِهِ الْمَفْسَدَة . لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ وَاجِبًا فَقَدْ يَرَوْنَهُ كَفِطْرِ يَوْم الْحَيْض , لَا يَقْطَع التَّتَابُع وَاتِّصَال الصَّوْم , فَبِكُلِّ حَال يَنْبَغِي تَجَنُّب صَوْمهَا عَقِب رَمَضَان إِذَا لَمْ تُؤْمَن مَعَهُ هَذَا الْمَفْسَدَة . وَاَللَّه أَعْلَم" [ حاشية سنن أبي داود7/61-63].
وختاماً هذا ما أردت التنبيه عليه في مقال الأستاذ ،ومنه يتبين أن الحديث الوارد في صيام الست من شوال ثابت صحيح ولاحجة لمن ضعفه أو حاول إعلاله وأن صيام الست من شوال من السنن التي ينبغي الحرص عليها ،وهذا مايفتي به علمائنا الأفاضل في هذه البلاد -بلاد السنة-ولله الحمد ،فلاداعي للتشغيب والتشكيك . وفق الله الجميع للعمل بالسنة والأخذ بها ،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتب
خالد بن قاسم الردادي
المدرس بالجامعة الإسلامية
المدينة النبوية
8/10/1425هـ
رد: « ردود أهل العلم على جميل خيّاط حول قوله ببدعية صيام السّت من شوال » !
الموقر العزيز / فريد المرادي :
شكر اللَّـه لكم ،ورفع قدركم ،آمين.
رد: « ردود أهل العلم على جميل خيّاط حول قوله ببدعية صيام السّت من شوال » !
4 ـ ردّ فضيلة الشَّيخ هشام بن عبد العزيز الحلاف ـ وفّقه اللَّـه تعالى ـ :
الرّدّ على من قال أن صيام السّتة من شوال بدعة !
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد :
فقد اطلعت على مقال الكاتب جميل يحيى خياط ، في صحيفة المدينة ليوم الجمعة 7 شوال ، في مقاله ( صيام الستة أيام من شوال فيه أقوال ) ، حيث ذهب إلى عدم مشروعية صيام هذه الأيام !
مستدلاً لذلك بأدلة ذكرها وستأتي مناقشتها باختصار في مقالي هذا ، وقد تعجبت من جرأة الكاتب وتسرعه في حكمه ببدعية صيام هذه الأيام ، مع كون الحديث الوارد فيها في صحيح مسلم ! ومع شهرة القول بسنيتها بين عوام الناس أيضاًَ ، فضلاً عن طلاب العلم ، فكان من اللائق لمن يخالف قولاً مشهوراً أن يتروى ويتمهل ، حتى لا يأتي بقول مهجور ، قد رده العلماء من عصور !
بنى الكاتب قوله في عدم مشروعية صيام الست من شوال على عدة أمور :
أولاً : ذهب إلى تضعيف الحديث الوارد في هذه المسألة مع أن الحديث في صحيح مسلم !!
أما حجته في ضعف الحديث في ذاته فهو أمران :
الأول : أن في إسناد الحديث أحد الرواة الضعفاء وهو سعد بن سعيد ، وقد أوهم بكلامه هذا أن الحديث ليس له إسناد إلا من طريق هذا الراوي الضعيف ، والواقع أن هذا الراوي قد توبع من جماعة من الرواة كلهم ثقات ممن يحتج بحديثهم _إلا الأخير ففيه ضعف _، فقد تابعه :
_ أخوه يحيى بن سعيد . أخرجه النسائي في الكبرى (2/163) .
_ وأخوه عبدربه بن سعيد . أخرجه النسائي في الكبرى (2/163) _ وروايته موقوفة _.
_ وصفوان بن سليم . أخرجه أبو داود (2،324رقم2433) والنسائي في الكبرى (2/163) وابن خزيمة (3/297) وغيرهم .
_ وعثمان بن عمرو الخزاعي . أخرجه النسائي في الكبرى (2/164).
فهؤلاء أربعة من الرواة كلهم وافقوا سعد بن سعيد على روايته للحديث عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ، فكيف يُضعّف الحديث لأجل راو واحد وهو مُتابعٌ كما رأيت .
وقد اعتنى ابن القيم رحمه الله في حاشيته على سنن أبي داود (7/61_68) بالكلام على طرق الحديث وبيان متابعاته وشواهده ، والجواب عن اعتراضات المخالفين له ، وأفرد العلائي الكلام على هذا الحديث بجزء مفرد وهو مطبوع .
فإن قيل : كيف أخرج مسلم إذاً حديث هذا الراوي وهو متكلم فيه ؟
فجوابه ما قاله ابن القيم وهو : ( أن مسلماً إنما احتج بحديثه لأنه ظهر له أنه لم يخطىء فيه بقرائن ومتابعات ، ولشواهد دلته على ذلك ، وإن كان قد عرف خطؤه في غيره ، فكون الرجل يخطىء في شيء لا يمنع الاحتجاج به فيما ظهر أنه لم يخطىء فيه ، وهكذا حكم كثير من الأحاديث التي خرجاها وفي إسنادها من تكلم فيه من جهة حفظه فإنهما لم يخرجاها إلا وقد وجدا لها متابعا).
الحجة الثانية عنده في ضعف الحديث في ذاته : أن مدار الحديث على عمر بن ثابت الأنصاري ، ولم يروه عن أبي أيوب غيره ، فهو شاذ ، فلا يحتج به ، كما قال .
والجواب عليه من وجهين :
الأول : هو أن عمر بن ثابت الأنصاري قد وثقه أئمة الحديث ، فمثله الأصل قبول تفرده ، ولهذا في الصحيحين أحاديث كثيرة قد تفرد بها بعض رواتها ، ومن أشهر هذه الأحاديث أول حديث في صحيح البخاري وهو حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) ، ولهذا قال ابن القيم : ( ليس هذا من الشاذ الذي لا يحتج به ، وكثير من أحاديث الصحيحين بهذه المثابة ، كحديث الأعمال بالنيات ، تفرد علقمة بن وقاص به ، وتفرد محمد بن إبراهيم التيمي به عنه ، وتفرد يحيى بن سعيد به عن التيمي ).
الثاني : أن هذا الحديث لم يتفرد به أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه ، بل تابعه عليه جمع من الصحابة ، منهم :
_ ثوبان . أخرجه أحمد (5/280) وابن ماجه (1/547) وصححه ابن خزيمة (3/298) وابن حبان (8/398) .
_ وجابر . أخرجه أحمد (3/308 ، 324، 344) والبيهقي (4/292) وغيرهم .
_ وهناك غيرهم من الصحابة ، ولم أذكرهم اختصاراً .
ولهذا ترجم ابن حبان على ذلك في صحيحه فقال بعد إخراجه حديث عمر بن ثابت : ( ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به عمر بن ثابت عن أبي أيوب ) وذكر حديث ثوبان ).
فبان من خلال مما سبق ثبوت الحديث بلاريب ، ولم يتوقف أحد من أئمة الحديث قديماً وحديثاً في تصحيح الحديث ، فممن صحح الحديث مسلم والترمذي وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي وآخرون ، ومن المتأخرين ابن القيم وابن الملقن وابن حجر وغيرهم كثير ، ولا أعلم أحداً سبق الكاتب في تضعيفه للحديث سوى الحافظ ابن دحية _ فيما نقله عنه ابن الملقن في البدر المنير (5/752)_ ، وهذا مما يدلك على تسرعه وتهوره في هذه المسألة ، وأرجو أن تكون له هذا السرعة في رجوعه للحق .
وأما علة الحديث الثانية عنده فهي : ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم -كما نقله ابن القيم (814/2431) -قد نهى عن الصوم بعد انتصاف شعبان حماية لرمضان أن يُخلط به صوم غيره. فكيف بما يضاف إليه بعده..؟!! )
والجواب هو : أن الذي نهى عن الصوم بعد انتصاف شعبان ، هو الذي شرع لنا الصوم بعد رمضان ، فلا تعارض الأحاديث ببعضها ، بل المريد للحق يتطلب الجمع بينها ، وقد أجاب عن هذه المسألة ابن قدامة رحمه الله في المغني (4/439) فقال : ( ولا يجري هذا مجرى التقديم لرمضان ، لأن يوم الفطر فاصل ).
وأما علة الحديث الثالثة عنده فهي : ( أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو ذاته لم يصم هذه الأيام من شوال. وهل يأمر الرسول عليه الصلاة والسلام أمته بما فيه معنى القربى إلى الله ثم هو ذاته لا يفعلها.؟!! ما صامها الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولم يصمها أحد من بعده في عهد الصحابة ولا عهد التابعين حتى قال الإمام مالك ( ثم أورد كلامه ) .
والجواب عليه من وجوه :
الأول : أين الدليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعون لم يصوموا هذه الأيام ؟
هل جاء بالإسناد الصحيح عنهم أنهم تركوا صيام هذه الأيام ؟! حتى يزعم ما ذكر ، لأن عدم النقل ليس نقلاً للعدم .
وأما الاحتجاج بقول مالك ( ولم أر أحدا من أهل العلم والفقه يصومها .. الخ ) فهذا على حد علمه ، وإلا قد نقل الترمذي وغيره عن جماعة من السلف أنهم استحبوا صيامها ككعب الأحبار وابن عباس وطاووس والشعبي وميمون بن مهران وبعدهم ابن المبارك والشافعي وأحمد وغيرهم ، فليس قول مالك بأولى من قول غيره ، ثم إن المثبت مقدم على النافي كما لا يخفى .
الثاني : أن مالكاً رد الحديث بعدم عمل أهل العلم _ والمقصودون هم أهل المدينة _ وما قاله ليس بصحيح ، لأن المعول هو على صحة الحديث ، وقد صح كما سبق ، ثم إن الحديث قد عمل به جماعة من أهل العلم كما سبق . قال ابن القيم : ( وكون أهل المدينة في زمن مالك لم يعملوا به لا يوجب ترك الأمة كلهم له ، وقد عمل به أحمد والشافعي وابن المبارك وغيرهم ). وقال النووي في المجموع (6/437) : (( وأما قول مالك ( لم أر أحداً يصومها ) فليس بحجة في الكراهة ، لأن السنة ثبتت في ذلك بلا معارض، فكونه لم ير لم يضر)).وبنحوه قال الشوكاني في نيل الأوطار (4/322) .
وقد اعتذر بعض علماء المالكية عن عدم عمل مالك بالحديث بأعذار متعددة :
_ فمنهم من قال بأنه كره صومها لئلا يظن وجوبها ، وقد رد هذه العلة جماعة من أهل العلم كالنووي في شرح مسلم(8/56)وفي المجموع(6/437) والشوكاني في نيل الأوطار(4/322) والصنعاني في سبل السلام (2/167) وغيرهم ، قال الشوكاني في النيل : ( واستدلا ( أي أبوحنيفة ومالك )على ذلك بأنه ربما ظن وجوبها،وهو باطل لا يليق بعاقل فضلا عن عالم نصب مثله في مقابلة السنة الصحيحة الصريحة،وأيضا يلزم مثل ذلك في سائر أنواع الصوم المرغب فيها ولا قائل به) .
_ ومنهم من قال بأنه كره صومها خوفاً من إلحاقها برمضان ، ولذلك نص القرافي في الذخيرة (2/350) وابن شاس في عقد الجواهر الثمينة (1/369) _وهما من المالكية_ على أن مالكاً يستحب صيامها في غير شوال،وإنما عينها الشرع في شوال للخفة على المكلف بسبب قربه من الصوم .
ولذا قال مطرف : كان مالك يصومها في خاصة نفسه !
_ وما أحسن ما قاله أبوعمر ابن عبدالبر في الاستذكار (3/380) : ( لم يبلغ مالكاً حديث أبي أيوب ، على أنه حديث مدني ! والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه ، والذي كرهه له مالك أمر قد بينه وأوضحه وذلك خشية أن يضاف إلى فرض رمضان وأن يستبين ذلك إلى العامة ، وكان - رحمه الله - متحفظاً كثير الاحتياط للدين ) . ثم قال أيضاً : ( وأما صيام الستة الأيام من شوال على طلب الفضل وعلى التأويل الذي جاء به ثوبان - رضي الله عنه - فإن مالكا لا يكره ذلك إن شاء الله .. ).
وانظر أخي القارئ _ رعاك الله _ إلى إنصاف الإمام ابن عبدالبر _ وهو مالكي _ ، وكذا فعل مثله أيضاً جماعة من المالكية _ منهم ابن رشد في بداية المجتهد (2/600) _ فإنهم صرحوا بثبوت الحديث وبالعمل به ، وهذا من الإنصاف الذي يجب أن يتحلى به طلاب العلم جميعاً ، فهل يكون الكاتب ( جميل خياط ) منصفاً مثلهم ؟!
أسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه : هشام بن عبدالعزيز الحلاف
المحاضر بقسم الكتاب والسنة بجامعة أم القرى
رد: « ردود أهل العلم على جميل خيّاط حول قوله ببدعية صيام السّت من شوال » !
5 ـ ردّ الشَّيخِ الفَاضلِ عَلي رضا بنِ عبدِ اللَّـهِ :
(( الرد على الخياط الذي ضعف حديث الست من شوال وقال ببدعيته ))
من أعجب ما وقفت عليه من الجهل بهذا العلم الشريف ؛ بل من التعالم فيه وفي فقه : ما كتبه الأستاذ جميل خياط في جريدة المدينة ليوم الجمعة 7 شوال 1425 هـ عنونه بقوله : ( صيام الست من شوال فيه أقوال ..!! )
وقد ذهب الخياط في هذا المقال إلى ضعف الحديث الذي نصه : ( من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصوم الدهر ) .
بل استنتج في كلامه الأخير عن هذا الحديث أنه من البدع !
وأقول : هذا ردي على الخياط الذي يظهر فيه جلياً موقع هذا الرجل من العلم :
(( حديث صيام الست من شوال صحيح جداً وما كتبه الخياط مردود ))
قرأت ما كتبه الأستاذ جميل خياط في زاوية ( فقهيات ) في الصفحة الإسلامية من جريدة المدينة ليوم الجعة 7 شوال 1425هـ عن صيام الست من شوال وأن الحديث الوارد فيه بلفظ : ( من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر) : ضعيف لوجود : سعد بن سعيد في
سنده ، وقد نقل ذلك عن العلامة ابن قيم الجوزية في كتابه (( شرح سنن أبي داود )) ( 814/2431 ) ،
وأن علته الثانية هي : أنه قد ثبت النهي عن الصيام بعد انتصاف شهر
شعبان حماية لرمضان من أن يُخلط فيه صوم غيره ، فكيف بما يُضاف إليه بعده !!؟
أما العلة الثالثة : فهي كونه عليه الصلاة والسلام لم يصم هذه الست ، ولم يصمها أحد من بعده في عهد الصحابة ولا عهد التابعين حتى إن مالكاً
رحمه الله قال : ( ما رأيتُ أحداً من أهل العلم الفقه يصومها ، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف ، وإن أهل العلم يكرهون ذلك ، ويخافون بدعيته، وأن يلحق برمضان ما ليس منه ) .
وأقول أنا علي رضا :
يا ليت الأستاذ الخياط ترك مجال الكتابة في أمور الحديث والفقه .
فقد كنت بينت أنه ممن يخطيء في الحديث والفقه معاً ؛ وذلك في إحدى حلقات زاويتي ( لا تكب عليه متعمداً ) صلى الله عليه وآله وسلم .
وها هو الآن يقع في نفس الغلط ؛ ولكن بصورة أشد من تلك الأولى .
فإن الحقيقة التي يجب أن يعرفها القراء هي في النقل المبتور والخاطيء لكلام ابن القيم ؛ مما سبب لكثير من الناس
اضطراباً وتردداً في صيام هذه الأيام الست من شوال ؛ بل قد اتصل علي بعض الإخوة من جدة وطلبوا مني رداً قاسياً على هذا الخطأ العظيم من الأستاذ الخياط ؛ ولكني إنما سأبين للجميع الأخطاء العلمية الكبيرة عند الأستاذ ، دون تعرض لشخصه رعاه الله وهداه .
أولاً : النقل عن ابن القيم غير صحيح ؛ بل هو في ميزان النقد العلمي تزوير ونوع من الغش أو الخيانة العلمية إن كان الأستاذ قد تعمد ذلك ؛ غير أني أبريء الأستاذ من تعمد الغش والكذب ؛ فلم يبق إلا القول بعدم أهلية الأستاذ للكتابة في هذه الجوانب لما سيأتي بيانه :
ابن القيم رحمه الله تعالى أراد الرد على الذين ضعفوا حديث الست من شوال فرد عليهم رداً مطولاً يقع في صفحات كثيرة ( من ص86 إلى ص 98 ) من الكتاب ؛ وأثبت أن الحديث صحيح لا محالة ولا ريب في ذلك ؛
فجاء الأستاذ الخياط فقلب الصواب خطأ والخطأ صواباً ؛ فجعل شبهة القائلين بضعف هذا الحديث من قول ابن القيم رحمه الله تعالى ؛ بينما الصواب الذي لا مرية فيه أنه ليس من كلام ابن القيم وإنما هو من كلام المضعفين للحديث أوره ابن القيم ليرد عليه بالتفصيل ؛ فغاب كل ذلك عن الأستاذ لعدم تخصصه في هذا الفن الشريف ؛ فوقع في عدة محاذير أهونها التقول على ابن القيم بما لم يقله ؛ بل بضد ما أراد ابن القيم تماماً !
ولهذا فقد خفي على الأستاذ عبارة ابن القيم الصريحة في كونه يصحح الحديث ويرد على من ضعفه ؛ وذلك في قول : ( وقد اعترض بعض الناس على هذه الأحاديث باعتراضات ، نذكرها ، ونذكر الجواب عنها إن شاء الله تعالى ) ثم ذكرها رحمه الله تعالى بالتفصيل .
وإليكم عبارات ابن القيم في تصحيح الحديث :
قال رحمه الله تعالى في ص87 : ( فالحديث صحيح ) !
ثم قال عن شاهده من حديث ثوبان رضي الله عنه :
( وهذا إسناد ثقات كلهم ) !
ورد ابن القيم على الذين ضعفوا الحديث بسبب الشذوذ - الذي نسبه الخياط لابن القيم ! - فقال عن الحديث : ( ليس هذا من الشاذ الذي لا يحتج به ؛ وكثير من أحاديث الصحيحين بهذه المثابة ...) !
والمصيبة الكبيرة عند كثير ممن يكتبون في مجال الحديث والفقه وغيرهما من علوم الشريعة هو في النقل المبتور من الكتب ؛ لكون الناقل حاطب ليل.
وهكذا يُقال في نقل الأستاذ عن ابن حبان أنه ضعف هذا الحديث !
فهذا تقول على ابن حبان ؛ لأنه إنما ضعف رواية سعد بن سعيد ؛ وليست
هي في كتابه ( صحيح ابن حبان ) ؛ ثم رواه رحمه الله تعالى عن ثوبان
وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال مترجماً للباب الذي أورده فيه :
( ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به ..... ) !
أما زعم الأستاذ أن ابن القيم قال بأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يصم
هذه الأيام ؛ بل لم يثبت عن الصحابة والتابعين صيام هذه الست من شوال ؛
وأن الحديث غير معمول به عند أهل العلم !!
فهذا من نفس الباب الذي أُتي منه الخياط : ألا وهو النقل المبتور من الكتب ؛ بل النقل الذي يقلب الحق باطلاً والباطل حقاً !
فأما أنه عليه الصلاة والسلام لم يصمه فهذا من كيس الأستاذ ، وليس هو من كلام المضعفين للحديث أيضاً !
ولا يلزم من كونه عليه الصلاة والسلام لم يُنقل إلينا صيامه هذه الست أن يُضعف الحديث لأجله !
وقد رد ابن القيم رحمه الله كذلك على هذه الشبة بقوله :
( باطل ، وكون أهل المدينة في زمن مالك لم يعملوا به لا يوجب ترك الأمة كلهم له ، وقد عمل به أحمد والشافعي وابن المبارك وغيرهم . قال ابن عبد البر : لم يبلغ مالكاً حديث أبي أيوب ، على أنه حديث مدني ، والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه .... ) .
قلت : لم يصب الخياط في تضعيف هذا الحديث من عدة أوجه :
أولاً : سعد بن سعيد هذا حتى لو كان على قول أحمد فيه :
((ضعيف جداً )) ، وأن مالكاً تركه ، وأنكر عليه هذا الحديث .
بل إن ابن حبان قال : لم يروه عن أبي أيوب غيره ، فهو شاذ فلا يُحتج به : نقل ذلك الأستاذ الخياط عن ابن القيم ؛ وقد علمنا فيما تقدم أن هذا من التقول على ابن حبان !
فهذا كله غير صحيح ؛ والبيان لهذا هو أن نقول :
إن مدار هذه الرواية التي هي عند مسلم في (( صحيحه )) برقم ( 1164 ) هو سعد بن سعيد ؛ لكنه لم يتفرد بهذا الحديث
؛ فقد تابع سعد بن سعيد على رواية هذا الحديث عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه
كل من :
1- صفوان بن سليم ( وهو ثقة مُفتٍ كما في كتاب ((التقريب ))
للحافظ ابن حجر العسقلاني برقم 2949) .
2- زيد بن أسلم ( وهو ثقة عالم كما في التقريب برقم 2129 ) .
3- يحيى بن سعيد الأنصاري ( وهو ثقة ثبت كما في التقريب برقم
7609 ) .
4- عبد ربه بن سعيد الأنصاري ( وهو ثقة كما في التقريب برقم 3810 ) .
روى هذه الطرق كلها الحافظ الطحاوي في كتابه القيم (( مشكل الآثار ))
6 / 122 – 124 برقم ( 2343 – 2347 ) .
فلو لم تكن إلا رواية أحد هؤلاء الثقات لهذا الحديث لكفت في إثبات صحة السند ؛ فكيف وهم أربع من الثقات !!
فلو اعتبرنا أن حديث سعد بن سعيد هذا لم يروه أحد أصلاً ؛بل لا وجود له في شيء من كتب الحديث ؛ لكفانا رواية أحد أولئك
الثقات ؛ فكيف بهم جميعاً وفيهم ثقة ثبت كيحي بن سعيد الأنصاري ؟!!
وهذا يجعلني أقول :
إن ما ذكرته في الحوار الذي أجراه معي الأستاذ الفاضل محمد خضر من كون علم الحديث لا بد فيه من النظر والبحث والتنقيب عن الطرق والشواهد لمعرفة بعض الأحاديث التي قد تكون ضعيفة عند بعض العلماء والأئمة - كما هو الحال هنا في الإمام مالك - لخير شاهد على ما قد ذكرته هناك .
فهذا الحديث الذي لم يقف الإمام مالك على سند آخر له عن عمر بن
ثابت عن أبي أيوب الأنصاري ؛
فقال بما علمه رحمه الله تعالى ؛ لكن جاء من الأئمة والحفاظ من بعده من
أثبت ( وهو الحافظ الطحاوي الفقيه المحدث ) خطأ من ضعف الحديث ؛ لكونهم
لم يقفوا على الروايات الأخرى الصحيحة لهذا الحديث ؛ بل لم يقفوا على
شاهده من رواية صحابي آخر : ألا وهو ثوبان رضي الله عنه :
أخرج ذلك : الإمام أحمد في (( المسند )) 5/280 ، و ابن ماجة في ( السنن ) برقم ( 1715 ) ، والدارمي في (( المسند )) 2/21 ، وابن حبان في (( صحيحه )) برقم ( 3635 ) والطحاوي في (( مشكل الآثار ))برقم ( 2348 ) ، وابن خزيمة في (( صحيحه )) برقم ( 2115 ) ،والطبراني في (( المعجم الكبير )) برقم ( 1451 ) ، والبيهقي في(( السنن الكبرى )) 4 / 293 من طرق متعددة صحيحة بلفظ :
(( صيام رمضان بعشرة أشهر ، وصيام ستة أيام بشهرين ، فذلك صيام السنة )) .يعني رمضان وستة من شوال .
وهناك شواهد أخرى ذكرها الحافظ المنذري رحمه الله في كتابه (( الترغيب والترهيب )) ( 2 / 110 – 111 ) عن أبي هريرة ، وابن عمر رضي الله عنهم جميعاً .
بل هناك شواهد أخرى عن شداد بن أوس ، وأبي هريرة ، وجابر رضي الله عنهم كلها تزيد الحديث قوة إلى قوته ، وقد ذكرها ابن القيم رحمه الله في كتابه ص88 وفصل القول فيها .
ثانياً : النهي عن الصيام بعد انتصاف شعبان حديثه حسن ؛ لكنه لا يعارض حديث الستة أيام أصلاً ؛ والعلة التي نسبها الأستاذ لابن القيم من كونه
قال : ( بل نهى عن الصوم بعد انتصاف شعبان حماية لرمضان أن يخلط به صوم غيره فكيف بما يضاف إليه بعده ؟ ) !!
فهذا من النقل العجيب الغريب حقاً ؛ فإن هذا اعتراض الذين ردوا حديث الست وضعفوه ؛ وليس هو من قول ابن القيم أصلاً ؛ فالمسألة كلها من جهة النقل الخطأ الذي ترتب عليه كل ما سبق من أخطاء بعضها إثر بعض !
ثم هب أن حديث انتصاف شعبان ثابت - وهو كذلك ؛ فإنه حديث حسن -
فكيف يُعارض به حديث صحيح لا شك في صحته .
على أننا نقول لا تعارض بحمد الله تعالى بين حديث النهي عن الصوم بعد انتصاف شعبان مع حديث الست من شوال ؛ فهذا له حكمه وذاك له حكمه ؛
فنمنع الصيام بعد انتصاف شعبان ونصوم الست من شوال ؛ فأي تعارض بينهما ؟
ثالثاً : ما ذكره الإمام مالك من الكراهة عن أهل العلم ، وأنه لم يبلغه عن الصحابة ولا التابعين صيام الست من شوال ؛ فهذا كله داخل فيما ذكرته في ( أولاً ) من كون بعض أهل العلم لا يصلهم الحديث إلا بسند واحد ضعيف ، أو لا يصلهم فيه أي سند آخر للحديث ؛ فيفتون بحسب علمهم ؛
وهذا كله هو ما اعتذر به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن الأئمة الأعلام أحمد ومالك وأبي حنيفة والشافعي في كتابه العظيم – الذي أوصاني به شيخنا الألباني من أول لقاء به رحمه الله تعالى – (( رفع الملام عن الأئمة الأعلام )) .
وأختم بقاعدة أصولية قيمة لأهل العلم تنفع في هذا المجال وهي :
(( عدم العلم بالشيء لا يعني العلم بالعدم )) !
فمن لم يعلم الحديث الفلاني أو المسألة الفلانية فلا يعني ذلك أن عدم علمه
يعني ويلزم منه أن لا يكون ذلك الحديث وتلك المسألة موجودة معلومة عند غيره .
وأخيراً أعلنها بصوت عال :
يجب أن يكون في كل جريدة من جرائدنا زاوية لنشر الحديث الصحيح للعمل به ، والضعيف للتحذير منه كما كنت
أقوم بذلك بحمد الله تعالى في جريدة ( المدينة ) قبل سنوات .
وكتب محقق التراث / علي رضا بن عبد الله
رد: « ردود أهل العلم على جميل خيّاط حول قوله ببدعية صيام السّت من شوال » !
6 ـ ردّ فضيلة الدُّكتور نَايف بن أحمدَ الحَمد ـ وفّقه اللَّـهُ تعالى ـ :
رد على من قال ببدعية صيام ست من شوال وصلاة التهجد
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد فقد اطلعت على المقالة التي كتبها جميل يحيى خياط في جريد الوطن عدد (2567) في 28/9/1428هـ المتضمنة إفتاءه ببدعية صلاة التهجد في رمضان وأن الذي ابتدعها الشيخ عبد الله الخليفي رحمه الله تعالى وأنه لا أصل لها في الشرع وكذا قوله أن صيام الست من شوال أقرب إلى البدعة منها إلى السنة فأقول مستعينا بالله :
أولا : أما صلاة التهجد جماعة في رمضان فلا شك في مشروعيتها فعن عائشةَ رضيَ الله عنها : أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم خَرَجَ ليلةً مِن جَوفِ الليلِ فصلَّى في المسجدِ، وصلَّى رجال بصلاتهِ، فأصْبحَ الناسُ فتَحدَّثوا، فاجتمع أكثر منهم، فصلَّى فصلّوا معَهُ، فأصْبحَ الناسُ فتَحدثوا فكثُرَ أهلُ المسجدِ منَ الليلةِ الثالثةِ، فخرَجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم فصُلِّيَ بصلاتهِ، فلمّا كانتِ الليلةُ الرابعةُ عَجَزَ المسجدُ عن أهلهِ حتى خَرَجَ لصلاةِ الصبح، فلمّا قضَىَ الفجر أقبلَ على الناس فتشهدَ ثمَّ قال: أما بعدُ فإِنهُ لم يَخْفَ عليَّ مَكانُكم. ولكِنِّي خَشِيتُ أن تُفرَضَ عليكم فتعجزِوا عنها. رواه البخاري(1988) ومسلم (1734)
وعن أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: «صُمْنَا مَعَ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُصَلِّ بِنَا حتى بَقِيَ سَبْعٌ مِنَ الشَّهْرِ فقامَ بِنَا حتَى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا في السَّادِسَةِ وقَامَ بِنَا في الخَامِسَةِ حتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ، فَقُلْنَا له يا رسولَ الله لو نفَّلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ؟ فَقَالَ إنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الإمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ. ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ بِنَا حَتى بَقِيَ ثَلاَثٌ مِنَ الشهْرِ وصَلَّى بِنَا في الثَّالِثَةِ وَدَعَا أَهْلَهُ ونِسَاءَهُ فَقَامَ بِنَا حَتَّى تَخَوَّفْنَا الفَلاَحَ، قُلْتُ لَهُ: ومَا الفَلاَحُ؟ قالَ: «السُّحورُ»رواه أحمد (21038) والنسائي(1606) والترمذي (800) وقال حديث حسن صحيح . كما صححه ابن حبان (2522)وغيره ولو أن إماما من الأئمة الآن صلى بالناس كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه من بعد العشاء حتى قرب السحور لأُقيمت الدنيا ولم تُقعد لفعله استنكارا له بدعوى أن هذا تنفير وما علمنا أن هذه هي الصفة الصحيحة لصلاة التراويح وهي ليست كالفرض من ناحية وجوب تخفيفها .
أما صلاة التهجد على الصفة الموجودة الآن في المسجد الحرام وغيره فإنه لما ضعفت همة الناس وضعف إقبالهم على الطاعة خففوا الصلاة وأطالوا الفصل بينها فقد كان الفصل بين تسليمات التراويح موجودا وقد سميت التراويح بذلك لأنهم كانوا يستريحون بعد كل تسليمتين قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى " والتراويح جمع ترويحة وهي المرة الواحدة من الراحة كتسليمة من السلام سميت الصلاة في الجماعة في ليالي رمضان التراويح لأنهم أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين وقد عقد محمد بن نصر في «قيام الليل» بابين لمن استحب التطوع لنفسه بين كل ترويحتين ولمن كره ذلك، وحكي فيه عن يحيى بن بكير عن الليث أنهم كانوا يستريحون قدر ما يصلي الرجل كذا وكذا ركعة " ا.هـ فتح الباري 4/777 وانظر : شرح الزرقاني على الموطأ 1/237 فنلاحظ هنا طول الفصل بين كل صلاة وهو بقدر ما يصلي الرجل كذا وكذا ركعة وهذا الركعات على الصفة التي يصلونها لا كما نصليها والله المستعان .
أما ما ذكره الأخ الكاتب من أن الذي ابتدع ذلك هو الشيخ عبد الله الخليفي إمام المسجد الحرام رحمه الله تعالى فليس صحيحا البتة فقد ذكر هذه الصفة العلماء قديما قبل ولادة الخليفي بمئات السنين قال ابن قدامة رحمه الله تعالى " فصل: فأما التعقيب : وهو أن يصلي بعد التراويح نافلة أخرى جماعة أو يصلي التراويح في جماعة أخرى. فعن أحمد : أنه لا بأس به، لأن أنس بن مالك قال: «ما يرجعون إلا لخير يرجونه أو لشر يحذرونه، وكان لا يرى به بأساً، ونقل محمد بن الحكم عنه الكراهة إلا أنه قول قديم. والعمل على ما رواه الجماعة. وقال أبو بكر : الصلاة إلى نصف الليل أو إلى آخره لم تكره رواية واحدة. وإنما الخلاف فيما إذا رجعوا قبل النوم. والصحيح أنه لا يكره. لأنه خير وطاعة فلم يكره كما لو أخره إلى آخر الليل. " ا.هـ المغني 2/515 وانظر : الكافي 1/154 المبدع 2/16 والتعقيب المكروه هو أن أن يتطوع بعد التراويح والوتر جماعة كما في الإنصاف 2/142 شرح منتهى الإرادات 1/245 والناس اليوم لا يصلون التهجد بعد الوتر بل لا يوترون إلا في التهجد فزالت الكراهة عند من يقول بها لأنهم كرهوا الصلاة جماعة بعد الوتر لا قبله .
ثانيا: صيام الست من شوال :
لا شك أن صيامها سنة ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم فعن أَبِي أَيوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتّاً مِنْ شَوال كَانَ كَصِيَامِ الدهْرِ» رواه أحمد (23149) ومسلم (2711)
وصححه النووي رحمه الله تعالى في شرحه لصحيح مسلم 8/47
قال الشيخ الجزري : حديث أبي أيوب هذا لا يُشك في صحته ولا يُلتفت إلى كون الترمذي، جعله حسناً ولم يصححه . مرقاة المفاتيح 4/544
وقد أطال ابن القيم رحمه الله تعالى في تخريجه وذكر طرقه وشواهده ثم قال " وهذه العلل ـ وإن منعته أن يكون في أعلى درجات الصحيح ـ فإنها لا توجب وهنه، وقد تابع سعداً ويحيى وعبد ربه عن عمر بن ثابت: عثمان بن عمرو الخزاعي عن عمر، لكن قال عن عمر عن محمد بن المنكدر عن أبي أيوب. ورواه أيضاً صفوان بن سليم عن عمر بن ثابت ذكره ابن حبان في صحيحه وأبو داود والنسائي، فهؤلاء خمسة: يحيى، وسعيد، وعبد ربه، بنو سعيد، وصفوان بن سليم، وعثمان بن عمرو الخزاعي كلهم رووه عن عمرو. فالحديث صحيح " ا.هـ تهذيب السنن 6/87
وقال المناوي رحمه الله تعالى " قال الصدر المناوي: وطعن فيه من لا علم عنده وغره قول الترمذي حسن والكلام في راويه وهو سعد بن سعيد، واعتنى العراقي بجمع طرقه فأسنده عن بضعة وعشرين رجلاً رووه عن سعد بن سعيد أكثرهم حفاظ أثبات " ا.هـ فيض القدير 6/161
وقال السبكي رحمه الله تعالى " قد طعن في هذا الحديث من لا فهم له مغتراً بقول الترمذي إنه حسن يريد في رواية سعد بن سعيد الأنصاري أخي يحيى بن سعيد ... وقد اعتنى شيخنا أبو محمد الدمياطي بجمع طرقه فأسنده عن بضعة وعشرين رجلا رووه عن سعد بن سعيد وأكثرهم حفاظ ثقات منهم السفيانان، وتابع سعداً على روايته أخوه يحيى وعبد ربه وصفوان بن سليم وغيرهم ورواه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلّم ثوبان وأبو هريرة وجابر وابن عباس والبراء بن عازب وعائشة ولفظ ثوبان «من صام رمضان فشهره بعشرة ومن صام ستة أيام بعد الفطر فذلك صيام السنة» رواه أحمد والنسائي. " ا.هـ سبل السلام 2/897
وبهذا يتبين لنا عدم تفرد سعد بن سعيد بروايته .
أما ما ذكره الكاتب من رد الإمامين أبي حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى لمشروعية صيامها فجوابه :
أولا : أن هذا رواية عن أبي حنيفة وليست مذهبا للحنفية قال ملا علي القاري الحنفي رحمه الله تعالى في شرح الوقاية " ولا يُكْرَهُ عندنا، وعند الشافعي إِتْبَاعُ عيدِ الفطر بِسِت من شوّال، لقوله صلى الله عليه وسلم «مَنْ صَامَ رمضانَ ثُم أَتْبَعَهُ سِتاً من شوال كانَ كَصِيامِ الدهْرِ». رواه مسلـم وأَبو داود. وكَرِهَهُ مالكٌ، وهو رِوَايةٌ عن أَبـي حنـيفة وأَبـي يوسف، لاشْتِمَالِهِ علـى التشَبهِ بأَهل الكتاب فـي الزيادة علـى الفروض، والتشبّه بهم مَنْهِي عنه، وعَامةُ الـمُتَأَخِّرِي نَ لـم يَرَوْا به بَأْساً. واختلفوا فـيما بـينهم، فقـيل: الأَفضلُ وَصْلُهَا بِـيَوْمِ الفِطْرِ لظاهر قوله: «ثُم أَتْبَعَهُ سِتاً»، وقـيل: تَفْرِيقُهَا " ا.هـ
وقال المرغيناني الحنفي رحمه الله تعالى " صوم ست من شوّال عن أبي حنيفة وأبي يوسف كراهته وعامة المشايخ لم يروا به بأساً واختلفوا فقيل : الأفضل وصلها بيوم الفطر وقيل : بل تفريقها في الشهر , وجه الجواز أنه قد وقع الفصل بيوم الفطر، فلم يلزم التشبه بأهل الكتاب ووجه الكراهة أنه قد يفضى إلى اعتقاد لزومها من العوام لكثرة المداومة، ولذا سمعنا من يقول يوم الفطر نحن إلى الآن لم يأت عيدنا أو نحوه فأما عند الأمن من ذلك فلا بأس لورود الحديث. اهـ البداية 2/331 ومرقاة المفاتيح 4/531
وقال المباركفوري رحمه الله تعالى : " قلت: قول من قال بكراهة صوم هذه الستة باطل مخالف لأحاديث الباب، ولذلك قال عامة المشايخ الحنفية بأنه لا بأس به " ا.هـ تحفة الأحوذي 3/403 فهذه أقوال علماء المذهب الحنفي فقد ذكروا أن ذلك رواية عن أبي حنيفة وعامة مشايخ المذهب على خلافها .
ثانيا : أما الإمام مالك رحمه الله فقد قال ": إنني لَمْ أرَ أَحَداً مِن أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ يَصُومُهَا وَلَمْ يَبْلُغْنِي ذلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السلَفِ وَإنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ ذلِكَ وَيَخَافُونَ بِدْعَتَهُ وَأَنْ يُلْحِقَ بِرَمَضَانَ مَا لَيْسَ مِنْهُ أَهْلُ الْجَهَالَةِ وَالْجَفَاءِ لَوْ رَأَوْا فِي ذلِكَ رُخْصَةً عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرَأَوْهُمْ يَعْمَلُونَ ذلِكَ " الموطأ 2/202 هذا قوله وتعليل نهيه واضح فيه وهو خشية أن يُلحقه أهلُ الجهل برمضان من ناحية الوجوب والحرمة وقد وقع ذلك من بعض الناس قال ملا علي القاري رحمه الله تعالى " ووجه الكراهة أنه قد يفضى إلى اعتقاد لزومها من العوام لكثرة المداومة، ولذا سمعنا من يقول يوم الفطر نحن إلى الآن لم يأت عيدنا أو نحوه فأما عند الأمن من ذلك فلا بأس لورود الحديث. اهـ مرقاة المفاتيح 4/544 والناس الآن قد أمنوا ذلك فلا أعرف أحدا يقول بوجوب صيامها فزال المحظور .
ومع ذلك فقد كان مالك يصومها قال مطرف رحمه الله تعالى وهو من علماء المالكية الكبار ( كان مالك يصومها في خاصة نفسه. قال: وإنما كره صومها لئلا يلحق أهل الجاهلية ذلك برمضان فأما من يرغب في ذلك لما جاء فيه فلم ينهه.) ا.هـ تهذيب السنن 6/88
وقال ابن عبد البر المالكي رحمه الله تعالى " وَأما صِيَامُ السِّتةِ الأيامِ مِنْ شَوالٍ عَلى طَلَبِ الفضْلِ وَعَلى التأْوِيلِ الَّذِي جَاءَ بِهِ –حديث- ثَوْبان رضي الله عنه فَإِنَّ مَالِكاً لا يكْرَهُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لأنَّ الصوْمَ جُنةٌ وَفَضْلُهُ مَعْلُومٌ )ا.هـ الاستذكار 3/372
قال المواق المالكي رحمه الله تعالى " قال مطرف : إنما كره مالك صيام ستة أيام من شوال لذي الجهل لا من رغب في صيامها لما جاء فيها من الفضل. وقال المازري عن بعض الشيوخ: لعل الحديث لم يبلغ مالكاً ومال اللخمي لاستحباب صومها . " ا.هـ التاج والإكليل 3/329
وقال الخرشي المالكي رحمه الله تعالى " صَوْمِ (سِتةٍ) مِنْ الأَيامِ (مِنْ شَوالٍ) فَيُكْرَهُ لِمُقْتَدًى بِهِ مُتصِلَةً بِيَوْمِ الْعِيدِ مُتَتَابِعَةً مُظْهرَةً مُعْتَقِدًا سُنِّيَّةَ وَصْلِهَا وَإِلا فَلا يُكْرَهُ انْتَهَى.
الْعَدَوِيُ : قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لا يُكْرَهُ لِغَيْرِ الْمُقْتَدَى بِهِ وَلَوْ خِيفَ اعْتِقَادُهُ وُجُوبَهُ وَإِنَّهُ إنْ أَخْفَاهُ لا يُكْرَهُ, وَلَوْ اعْتَقَدَ سُنِّيةَ الاتِّصَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيهِمَا فَالأَوْلَى أَنْ يُكْرَهَ لِمُقْتَدًى بِهِ وَلِمَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ اعْتِقَادُ وُجُوبِهِ إنْ وَصَلَهَا وَتَابَعَهَا وَأَظْهَرَهَا وَلِمَنْ اعْتَقَدَ سُنِّيةَ اتِّصَالِهَا " ا.هـ منح الجليل 1/384 فهذه أقوال علماء المالكية وتنصيصهم على مشروعية صيامها ولكن لو خشي أن تلحق بالفرض تركت من مُقتَدى به لا من غيره ولهذا كان مالك رحمه الله تعالى مع نهيه كان يصومها كما ذكرته سابقا قال ابن مازة رحمه الله تعالى " فلفظ مالك ولفظ أبي يوسف دليل على أن الكراهة في حق الجهال الذين لا يميزون "ا.هـ المحيط البرهاني 2/393
وقال ابن رشد المالكي رحمه الله تعالى " وأما الست من شوال، فإنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «من صام رمضان، ثم أتبعه ستاًّ من شوال، كان كصيام الدهر» إلا أن مالكاً كره ذلك إما مخافة أن يُلحق الناس برمضان ما ليس في رمضان، وإما لأنه لعلّه لم يبلغه الحديث، أو لم يصح عنده، وهو الأظهر " ا.هـ بداية المجتهد 1/372
ومع ذلك لم يرتض علماء المالكية ولا الحنفية هذا القول وترك صيام هذه الأيام كما ذكرته أعلاه كما رده غيرهم قال الصنعاني رحمه الله تعالى بعد ذكره قول مالك " الجواب أنه بعد ثبوت النص بذلك لا حكم لهذه التعليلات وما أحسن ما قاله ابن عبد البر: إنه لم يبلغ مالكاً هذا الحديث يعني حديث مسلم. " ا.هـ سبل السلام 2/896
وقال الشوكاني " وقال أبو حنيفة ومالك: يكره صومها، واستدلا على ذلك بأنه ربما ظُنّ وجوبها وهو باطل لا يليق بعاقل، فضلاً عن عالم نصب مثله في مقابلة السنة الصحيحة الصريحة، وأيضاً يلزم مثل ذلك في سائر أنواع الصوم المرغب فيها ولا قائل به. واستدل مالك على الكراهة بما قال في الموطأ من أنه ما رأى أحداً من أهل العلم يصومها، ولا يخفى أن الناس إذا تركوا العمل بسنة لم يكن تركهم دليلاً ترد به السنة." ا.هـ نيل الأوطار 4/306
أما قول الكاتب في ره للحديث الصحيح " والعلة الثانية ـ وهي ثالثة الأثافي!! ـ أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو ذاته لم يصمها، ولا صامها أحد من الصحابة من بعده ولا أحد من التابعين "ا.هـ فلا يخفى على أحد وهن هذا القول وذلك لأن السنة التشريعية إما قولية وهي الأقوى – وصيام ست من شوال منها- وإما فعلية وإما تقريرية وهناك عدد من السنن التقريرية لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أقر أصحابه على فعلها ومع ذلك لم يردها أحد من العلماء بذلك وعدوها من السنن النبوية .
اللهم اجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم موافقا لسنة نبيك الكريم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه
د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي في المحكمة العامة بالرياض
رد: « ردود أهل العلم على جميل خيّاط حول قوله ببدعية صيام السّت من شوال » !
فائدة
(( القول ببدعية صوم الست قول باطل )) !
سُئلَ الإمام ابن بازٍ ـ رحمه اللَّـهُ تعالى ـ :
ما رأي سماحتكم فيمن يقول أن صوم الست من شوال بدعة وأن هذا رأي الإمام مالك ، فإن احتج عليه بحديث أبي أيوب : (( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر )) قال : في إسناده رجل متكلم فيه ؟
الجواب : هذا القول باطل ، وحديث أبي أيوب صحيح ، وله شواهد تقويه وتدل على معناه .
والله ولي التوفيق ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
المصدر : (( مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ الإمام ابن باز )) (ج15/ ص 390)
رد: « ردود أهل العلم على جميل خيّاط حول قوله ببدعية صيام السّت من شوال » !
جزاك الله خيرا على هذه الفوائد، ومما أعجبني من كلمة سماحة المفتي حفظه الله تعالى:
[والعلم بعد توفيق الله إنما يكون بلزوم حلق العلم، والأخذ عن أهل العلم المعتبرين، لأن في ذلك مأمنا من أن ينزلق المتعلم فيما لا يدرك أبعاده من فهم خاطئ أو تصور ناقص.
ولا يؤخذ العلم من بحث سريع في مواقع إلكترونية، أو برامج حاسوبية، أو مطالعة عابرة للكتب من غير معرفة بأصول الاستدلال، ولا إلمام بكلام أهل العلم واصطلاحاتهم، ومدارك أنظارهم، ووجه انتزاعهم للدلالة من الدليل، إلى غير ذلك مما يتطلب مدة طويلة وصبراً على طريق طلب العلم.]
رد: « ردود أهل العلم على جميل خيّاط حول قوله ببدعية صيام السّت من شوال » !
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا لك اخي الفاضل سلمان أبو زيد وبارك الله فيك .على هذه النقول الرائعة ..
رد: « ردود أهل العلم على جميل خيّاط حول قوله ببدعية صيام السّت من شوال » !
جزاك الله خيراً أيها الأخ الفاضل / سليمان أبو زيد
في الحقيقة تجميعك لهذه الردود في مكان واحد جهد مبارك تستحق عليه الشكر
لدي اقتراح:
طالما جمعتَ الردود على الكاتب /جميل خياط في مسألة إنكاره صيام الست من شوال
فأتمنى عليك ـ وفيك الخير ـ أن تجمع الردود على الشيخ عدنان عبد القادر وهو من المشايخ السلفيين في الكويت الذي نحبه ونجله ، لكن الحق أحب إلينا، فقد أخطأ الشيخ عفا الله عنه في هذه المسألة العلمية،، وردّ عليه مجموعة من المشايخ الفضلاء، مثل :
الشيخ حاي الحاي
والشيخ محمد النجدي
والشيخ أحمد الكوس
وهذ هو الرابط : http://6shwwal.blogspot.com/2007/10/blog-post.html
رد: « ردود أهل العلم على جميل خيّاط حول قوله ببدعية صيام السّت من شوال » !
شكر اللَّـهُ لكم ، وبارك فيكم .
رد: « ردود أهل العلم على جميل خيّاط حول قوله ببدعية صيام السّت من شوال » !
جزى اللَّـه المشايخ خيرًا.
رد: « ردود أهل العلم على جميل خيّاط حول قوله ببدعية صيام السّت من شوال » !
الحمد لله وحده..
بقطع النظر عن الكاتب المردود عليه ومدى علمه أو أمانته = فإن في هذه الردود مبالغة في التشنيع ،وتقصير في نقل الخلاف المعتبر و تحقيق مواطن النزاع والوفاق..
وبيانه :
1- القول بتضعيف حديث الست من شوال وأنه لا يثبت مرفوعاً = قول قديم لأهل العلم وهو قول سائغ معتبر قاله ابن عيينة ومال إليه أحمد كما نص ابن رجب ،وعليه فمن ضعف رفعه ومال إلى أنها عبادة لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فالتعبد بها بدعة = كان قوله سائغاً معتبراً وإن كان خطأ.
2- ((قال يحيى وسمعت مالكا يقول في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان إنه لم ير أحدا من أهل العلم والفقه يصومها ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف وإن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم ورأوهم يعملون ذلك )).
ومن تأمل عبارة مالك -رحمه الله- وكان فقيهاً بعبارات السلف = لم يحصل له ريب أن قول مالك -أو على الأقل حكايته عن بعض أهل العلم- هو المنع من صيام الست وخوف أن تكون بدعة.
والقول بكراهتها ذكره أبو يوسف وحكاه غيره عن أبي حنيفة ،وحمله على كراهة التحريم أشبه بلسان السلف.
وإذا كان ذلك = لم يجز التشنيع على من اطمئن لذلك القول من المتأخرين وفهم عن أولئك السلف المنع والبدعية بل كان قوله سائغاً وإن رأى مجتهد خطأه = رده بالحجة والبرهان ،لا أن يعامل قائله معاملة من افترع مالم يُقل به.
3- القول بعدم استثناء صلاة التراويح من كون الصلاة في البيت أفضل = قول سائغ معتبر بل يساعد عليه سياق بعض روايات حديث وهي رواية البخاري
عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ : ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ حُجْرَةً- قَالَ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ - مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الْمَكْتُوبَة)).
فقد ذكر الخبر في سياق الكلام عن قيام رمضان وفي هذا حجة لا تخرج عن السواغ لمن قال إن الخبر عام في قيام رمضان وغيره.
4- أما الكلام عن صلاة التهجد فلعل الكاتب اشتبه عليه كلام السلف في التعقيب وكراهة بعضهم له،فكان الأولى بيان الفرق بين التعقيب وبين التهجد ،أما سوق أدلة صلاة التراويح فهو حيدة عن محل النزاع.
رد: « ردود أهل العلم على جميل خيّاط حول قوله ببدعية صيام السّت من شوال » !
بارك الله فيك ياأخ سلمان , وجزاك الله خيرا على هذه النقولات الطيبة , وأخص بالذكر رد سماحة المفتي الذي ملأه أدبا ولطفا قبل أن يملأه علما وفقها , ولقد كدت أنسى هذا النوع من الردود وذلك لما يجري في الساحة اليوم -والأمس وقبله - من سفه وشغب عجيبين تكاد معهما تنسى السبب الذي من أجله كتب الرد والله المستعان , أسأل الله أن يوفقك لتكون من أهل العلم الذين أحببتهم ودافعت عنهم ونقلت للناس كلامهم ياأخ سلمان ,وماذلك على الله بعزيز ,ولاحول ولاقوة إلا بالله .