من علا على شيخه سقط على أم راسه
مَنْ علا على شيخه سقط
من فضل الله علينا أنه رفع من شأن العلم وأهله وجعلهم أئمة يُهتدى بهم قال تعالى (( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم )).
قال الإمام القرطبي –رحمه الله – هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء, فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن العلماء وقال في شرف العلم لنبيه صلى الله عليه وسلم ((وقل ربي زد ني علما )) فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله نبيه أن يسأله المزيد منه كما أمر أن يستزيده من العلم " تفسير القرطبي 4/41
وقال تعالى (( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )) قال ابن القيم –رحمه الله:"هذا كقوله ((لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة )) وهذا يدل على غاية فضلهم وشرفهم "مفتاح دار السعادة( 1/49 )وقال تعالى ((وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون )) قال ابن كثير –رحمه الله – ((أي وما يفهمها ويتدبرها إلا الراسخون في العلم المتضلعون فيه )) تفسير ابن كثير "3/414 "
وقال تعال: " يسألونك ماذا أُحل لهم قل أٌحل لكم الطيبات وما علَمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكنا عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب"
قال الإمام القرطبي-رحمه الله- " وفي هذه الآية دليل على أن العالم له من الفضيلة ما ليس للجاهل، لأن الكلب إذا عًلّم يكون له فضيلة على سائر الكلاب، فالإنسان إذا كان له علم أولى أن يكون له فضل على سائر الناس لاسيما إذا عمل بما علم" تفسير القرطبي ( 6/74).
وقال ابن القيم – رحمه الله -:"إن الله سبحانه جعل صيد الكلب الجاهل ميتة يحرم أكلها وأباح صيد الكلب المعلم, وهذا من شرف العلم أنه لا يباح إلا صيد الكلب العالم, أما الكلب الجاهل فلا يحل أكل صيده فدل على شرف العلم وفضله, ولولا مزية العلم والتعليم وشرفه لكان صيد الكلب المعلم والجاهل سواء" مفتاح دار السعادة (1/55).
وقال صلى الله عليه وسلم: " الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما ومتعلما".رواه الترمذي وحسنه شيخنا الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً )) رواه مسلم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله –: ((وكل أمة قبل مبعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم – فعلماؤها شرارها إلا المسلمين فإن علماءهم خيارهم ))رفع الملام(11).
ولقد كان السلف الصالح من هذه الأمة يحترمون علماءهم ويتأدبون معهم ويوقرونهم, فهذا عبد الله بن عباس – مع جلالته وعلو مرتبته – كان يأخذ بركاب زيد بن ثابت الأنصاري, وقال:" هكذا أمُرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا " رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وقال الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله – لخلف الأحمر:" لا أقعد إلا بين يديك أًُمرنا أن نتواضع لمن نتعلم منه " تذكرة السامع والمتكلم (88).
ولما جاء الإمام مسلم بن الحجاج –رحمه الله- إلى الإمام البخاري قَبَّل بين عينيه وقال: ((دعني حتى أقَبَّل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله ----))البداية والنهاية (11/340)
وبالرغم من كثرة الآيات والأحاديث وآثار السلف في فضل العلماء والحث على احترامهم وتوقيرهم إلا أن هناك من حدثاء الأسنان مَنْ استعلى على شيخه, فتسلل إليهم الكبر والغرور واحتقار غيرهم, فنظروا إلى أنفسهم نظرة إعجاب وعلو, فظنوا بأنفسهم أنهم قد بلغوا ذروة العلم, وصعدوا قمته, فهؤلاء قرأوا بغير فهم, وعبدوا بغير قلب سليم, لأنهم أخذوا العلم عن غير شيخ, فكانت نظرتهم الاستعلائية التي أنتجت أموراً خطيرة أججت نار الغلو والتطرف ومن أهمها:-
1. عدم قبول النصيحة لأنهم العلماء العاملون- زعموا, وغيرهم الجُهال, فلم يصغوا لقول أحد, فالصواب ما يرونه هم فهلكوا وأهلكوا غيرهم.
2. الإعراض عن العلماء, ورفض الاهتداء بما عندهم من حكمة ورجاحة عقل, لأنهم رجال وهم رجال –زعموا – فهؤلاء لم يعرفوا قدر أنفسهم, فأقحموها فيما لا قدرة لهم عليه.
3. أصابهم الكبر والحسد والعُجب واحتقار الناس, ولا يعلمون أن الكبر والعلم لا يجتمعان في قلب رجل مهما حمل أعلى الشهادات.
ولقد ذم الله الاستعلاء والكبر وأهله, قال تعالى:((تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين )).
وحذر النبي - صلى الله عليه وسلم – من الكبر وبيَّن عاقبة المتكبرين فقال:" لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " رواه مسلم.
وقد فسره النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال:" الكبر بطرُ الحق وغمط الناس " رواه مسلم، وبطرُ الحق هو: رد الحق, وغمط الناس:يعني احتقارهم.
4. نصَّبوا من أنفسهم علماء وزكوّها حتى يلتف حولهم الجهال من الناس بحجة أنهم هم العلماء, وقد حذر الله – عز وجل – هذا الصنيع فقال:" فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن أتقى ".
5. أصابهم الغرور بالنفس, فأوقعهم في التطاول على العلماء الربانين والقدح فيهم والطعن في العلماء ليس طعنا في ذواتهم, وإنما هو طعن في الرسالة الدعوية التي يحملونها ويدعون الناس إليها, وتناسوا فضل العلماء عليهم عندما كانوا يعلمونهم الفاتحة من القرآن بل كانوا يعلمونهم حروف الهجاء البدائية
قال الإمام ابن عساكر –رحمه الله -:" واعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته: أن لحوم العلماء –رحمة الله عليهم – مسمومة, وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة, لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم, والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع عظيم وخيم والاختلاف على من اختاره الله منهم لنشر العلم خلق ذميم "تبين كذب المفتري (28)
وهؤلاء ينطبق عليهم قول الشاعر:
أعلمه الرماية كل يــوم فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافيةُ هجانــــي
وطالب العلم إذا أصابه الغرور والكبر أصيبت مقاتله, فمثل هؤلاء أخذوا يثلبون أعراض الأحياء والأموات من المشهورين بالعلم, الذين قد اشتهرت مصنفاتهم, وانتشرت معارفهم, فنفّروا الناس من علم الشرع وهوّنوه في صدورهم, واستصغروا علوم الدين بأسرها, وجذبوا من يطعنون فيه إلى جهالاتهم وضلالاتهم
وهؤلاء جلبوا الكثير من الشر على العلم وأهله, فكيف بهم وهم يقدحون في الأئمة الأعلام كأمثال الشيخ ابن باز والألباني وابن عثيمين –رحمهم الله – وطلابهم الذين ما فارقوا العلماء حتى وفاتهم وهم يأخذون عنهم العلم.
6. الالتفاف حول حد ثاء الأسنان سفهاء الأحلام الذين تصاحبهم غالبا ًقلة العلم, وعدم سبر الأمور, بل رؤيتهم رؤية سطحية عاجلة, وذلك لقلة التجارب, ونقص الخبرة وهؤلاء يتميزون بالعاطفة, فإذا اجتمعت العاطفة وقلة العلم, ونقص التجربة, و الإعراض عن العلماء الربانيين, أثمر ذلك غلوّاً وتنطعاً وعقوقا واستعلاءً واعتقدوا في أنفسهم الصواب, وفي أئمة الهدى الخطأ, ولهذا تجدهم يكفر بعضهم بعضًا عند أقل نازلة تنزل بهم من دقائق الفُتيا وصغارها وبدّعوا بعضهم بعضاً لخلافات يسيرة, فهل بعد هذا السقوط من سقوط.
فنسأل الله السلامة والعافية, وأن يوفقنا للتواضع للعلم وأهله, كما نسأله أن يصرف عنا الاستعلاء على علمائنا الربانيين.
بتصرف من مقال للمبحوح...
رد: من علا على شيخه سقط على أم راسه
أحسنت أخي الحبيب بارك الله فيك