موقف أهل السنة من الفتن الفكرية / د.عابد السفياني
إن من المعلوم أن مجرد بقاء الوحي – كتاباً وسنة- بلا تحريف ولا تبديل لرسمه ، لم هو الذي بنى الجيل الأول والقرن الذي يليه والقرن الذي يليه ، ولم يكن أيضاً مجرد الانتساب ، بل كان وراء ذلك فهم متوازن متكامل للعقيدة على منهج أهل السنة ، وتطبيق حي واقعي لأحكام الإسلام ، وكنهج تربوي يحفظ هذا المجتمع على الصورة الصحيحة للإسلام فكراً وعملاً ، ومن ثم كان ذلك الجيل هو الحجة علينا وعلى البشرية جمعاء وسبيله هو السبيل الوحيد لإقامة الحق والخير في هذه الأمة وفي البشرية بإذن الله ، ومما تميز به ذلك الجيل الأمور التالية :
- التسليم للنص الشرعي ، والمحافظة على الأسماء الشرعية والدفاع عنها ونشرها وتعليمها للناس كافة ، ودعوتهم إلى الإذعان لحاكمية الشريعة الإسلامية ، وبناء المنهج الإصلاحي على هذا الأساس .
- التحذير من المصطلحات الحادثة التي ابتدعها الناس ، وكشف زيفها وبيان حكم الشرع فيها .
- التأكيد على تجديد الأصول والأسماء الشرعية دائماً ، وإبراز خصائص هذه الأمة واستقلالها ، والدفاع عنها .
ولهذا لم يكن أهل السنة يقبلون أنصاف الحلول من أهل البدع والمصطلحات الفاسدة ، بل كان منهجهم في جميع العصور وفي حالات الضعف والقوة هو حماية الثوابت والمُحكمات الشرعية ، وإحياء منهج العلم الشرعي وضبط الفتوى ، والالتزام بخصوصية هذه الأمة وتجديد الاعتصام بالكتاب والسنة ، والتحذير من نفاة الثوابت والمُحكمات المحرفين لمدلولاتها .
إن نفاة المُحكمات والثوابت هم الذين يريدون أن يعطلوا الأحكام الشرعية ، ويحولوا الإسلام إلى وجهة نظر بحجة الرأي والرأي الآخر يعملون لكي تحل المصطلحات الحادثة والمفاهيم الغريبة محل الأسماء الشرعية ، والأهواء محل العلم الشرعي ، والجهال محل العلماء .
وما زالوا يستغلون الفتن المعاصرة ، والتغيرات العالمية ، والتقنية والتطور لإقناع المسلمين بالخروج عن شريعتهم ومحكماتهم وثوابتهم .
ومن الفتن الفكرية التي زينوها للناس ما يلي :
- تحكيم المتغيرات في الثوابت.
- تقديم المصطلحات والمفاهيم الغربية الحادثة على الأسماء الشرعية .
- توسيع دائرة الحرية وإطلاق الرأي والرأي الآخر المخالف للاجتهاد الشرعي ، وتسويغ الفتوى بفير علم .
- إنكار خصوصية وثوابت هذه الأمة .
- دعوى أن الخصوصية والثوابت الشرعية تنافي التطور والأخذ بالتقنية وأسباب النهضة .
*وهذه الأساليب والمفاهيم التي تبناها نفاة الثوابت اليوم استنكرها أهل السنة بالإجماع .
فنلاحظ من خلال الاستعرض التاريخي لبعض الفتن الفكرية أنها تقوم على أساس المصطلحات الحادثة المخالفة للأسماء الشرعية ، ومن ثم كانت سبباً لتغيير المفاهيم والعقائد ، وسبباً لتفكيك العالم الإسلامي ، والدولة الإسلامية .
ومن أبرز النتائج الخطيرة لهذه المصطلحات الحادثة ما يلي :
1/ تغيير الاسم الشرعي = ( التشريع البشري )
2/ محاولة تفكيك تجمع المسلمين وتغيير محكماتهم وثوابتهم وعزلهم عن شريعتهم وعقيدتهم .
3/ محاولة إعادة تجميع المسلمين على فتن بدعية أو شركية تقوم على مصطلحات حادثة مخالفة للأسماء الشرعية.
4/ تفكيك الدولة الإسلامية والعالم الإسلامي .
والنتيجة الثانية والثالثة مشتركة مع تخطيط الأعداء من الكفار من الخارج العالم الإسلامي والمنافقين من داخله وإن اختلفت الأساليب .
إن أخطر ما يواجه الإصلاح الحقيقي اليوم هو تلك الفتنة الفكرية التي يروج لها الغرب وينخدع بها كثير من المسلمين باسم الإصلاح والتجديد والتطوير ، والواجب على العلماء والدعاة والمصلحين الحقيقيين التحذير من هذه الفتن الفكرية ، وجمع الأمة على : الاعتصام بالكتاب والسنة ، وتجديد وإحياء أصول أهل السنة، ولزوم الأسماء الشرعية والمصطلحات العلمية التي التزم بها أهل العلم في مجال العقيدة والعبادة والمعاملة والسياسة والأخلاق والدعوة ، وهؤلاء هم أئمة أهل السنة والجماعة الذين حفظ الله بهم العلم ومنهج التلقي ، حتى أصبحت الأسماء الشرعية والمصطلحات العلمية لأهل السنة ثابتة في جميع العصور ، لا يضرها كيد الكائدين ولا حقد الحاقدين ولا تأويلات المتأولين ولا تبديل المبدلين :( وتمت كلمت ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم )
وإذا أردنا أن نستفيد من منهج أهل السنة في العلم والدعوة والتربية فلا بد من إدراك واقع هذه الفتنة وخطورتها ،ومعرفة العلاج الذي يقدمه أهل العلم في كل عصر ، وهو التعريف بالأسماء الشرعية وإحياء حاكمية الشريعة والعلم الشرعي ، وفي الوقت نفسه التحذير من المصطلحات الفاسدة والعقائد الباطلة ، وتحديد الموقف الشرعي على هذا الأساس .
[align=left] د. عابد بن محمد السفياني / من كتاب : موقف أهل السنة والجماعة من المصطلحات الحادثة ودلالاتها .[/align]