اشتباه المحرم بالمباح ـ عند ابن تيمية ـ رحمه الله ـ
اشتباه المحرم بالمباح:
تكلم شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ على حكم المحرم إذا اشتبه و اختلط بالمباح، من حيث وجوب اجتنابهما، أو عدم ذلك، و أنه ليس كل اشتباه و اختلاط بينهما يوجب اجتنابهما، بل إن في ذلك تفصيلا و تقسيما.
و ذلك أن المحرم إذا ختلط و اشتبه بالمباح فهو على نوعين:
النوع الأول: أن يكون تحريم المرحم لعينه.
النوع الثاني: أن يكون تحريمه لكسبه.
أما النوع الأول: فيؤخذ من كلام الشيخ ـ رحمه الله ـ عند بيانه لأحكام هذه النوعع أنه ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يختلط المحرم بالمباح على وجه لا يمكن تميزه؛ و ذلك بتداخل أجزائهما، كالنجاسة إذا خالطت الماء، و غيره من الطهارات.
فهذا القسم إن ظهر أثر المحرم في المباح، كما لو غيرت النجاسة طعم الماء، أو لونه، أو ريحه، وجب اجتناب المباح و حرم استعماله و تناوله؛ و ذلك لأنه إذا استعمله لزم استعمال المحرم قطعا، و ذلك لا يجوز.
و إن لم يظهر أثر المحرم في المباح، كما لو وقعت نجاسة في ماء و لم تغير أحد أوصافه السابقة. فلا يجب اجتناب المباح، و لا يحكم بنجاسته.
القسم الثاني: أن يختلط المحرم بالمباح على وجه الاشتباه و الخفاء؛ و ذلك بأن تكون أجزاؤهما غير متداخلة، و لكن يحصل اشتباه، والتباس أحدهما بالآخر، فلا تعلم العين المحرمة من العين المباحة.
كما لو اشتبهت الأخت من الرضاع بالأجنبية، أو المذكاة بالميتة.
و هذا القسم ذكر فيه شيخ الإسلام التفصيل الآتي:
أنه إن اشتبه المحرم بما لا ينحصر من المباح، فهنا يسقط حكم المحرم حينئذ، كما لو اشتبهت أخت الإنسان بنساء بلدة كبيرة، فلا يحرم عليه نساء تلك البلدة.
و إن اشتبه المحرم بما ينحصر، حرم الجميع، و وجب الكف عنه.
فلو اشتبهت ميتة بمذكاة حرم على الإنسان الأكل منهما. و لو اشتبهت الأخت بالأجنبية حرم عليه نكاحهما.
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ مبينا أحكام هذا القسم: ”الحرام إذا اختلط بالحلال فهذا نوعان:
أحدهما: أن يكون محرما لعينه؛ كالميتة، و الأخت من الرضاعة.
فهذا إذا اشتبه بم لا يحصر لم يحرم، مثل أن يعلم أن في البلدة الفلانية أختا له من الرضاعة و لا يعلم عينها. أو فيها من يبيع ميتة لا يعلم عينها. فهذا لا يحرم عليه النساء، و لا اللحم.
و أما إذا اشبتهت أخته بأجنبية، أو المذكى بالميت، حرما جميعا“ [الفتاوى 276/29]
و قال أيضا ـ رحمه الله ـ مبينا علة وجوب الاجتناب فيما إذا اشتبه الحرام بما ينحصر من المباح: ” لو اشتبه الحلال بالحرام، كاشتباه أخته بأجنبية، أو الميتة بالمذكاة، اجتنبهما جميعا..؛ لأنه إذا استعملهما لزم استعمال الحرام قطعا و ذلك لا يجوز، فهو بمنزلة اختلاط الحلال بالحرام على وجه لا يمكن تمييزه، كالنجاسة إذا ظهرت في الماء، و إن استعمل أحدهما من غير دليل شرعي كان ترجيحا بلا مرجح، و هما مستويان في الحكم، فليس هذا بأولى من هذا فيجتنبان جميعا“ [الفتاوى 76/21]
و قد ذكر شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أنه فيما إذا اشتبه المحرم بما ينحصر، كالميتة بالمذكاة، فالمحرم حقيقة، و باطنا، إحداهما. أما الآخرى فهي محرمة ظاهرا لا باطنا؛ و ذلك لأنه لا يتم ترك المحرم في الباطن إلا بذلك فحرم.
و لهذا لو خالف و أكل الميتة و المذكاة لم يعاقب على أكل ميتتين، بل يعاقب عقوبة من أكل ميتة و احدة.
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ ”إذا اشتبهت الميتة بالمذكى، فإن المحرم الذي يعاقب على فعله إحداهما، بحيث إذا أكلهما جميعا لم يعاقب عقوبة من اكل ميتتين، بل عقوبة من أكل ميتة واحدة، و الأخرى وجب تركها وجوب الوسائل“ [الفتاوى 533/10]
و في موضع آخر بيَّن شيخ الإسلام ـ رحمه لله ـ أنه يعاقب كذلك على المخاطرة و الإقدام بلا علم على تناول الأخرى؛ فيعاقب عقوبتين لمعينيين مختلفين.
و أما النوع الثاني: من أنواع المحرم؛ وهو: المحرم لكسبه.
فهذا النوع من المحرمات الأعيان فيه غير محرمة في الأصل، و لكن التحريم يكون بسبب ما إذا كسبها الإنسان بطريق محرم؛ كالغصب، و السرقة، أو بعقد محرم؛ كالربا، و الميسر.
و قد بيَّن شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ حكم هذا النوع من المحرمات فيما إذا اشتبه و اختلط الحرام بالحلال، كما لو غصب الإنسان شيئا و خلطه بماله، و أن ذلك لا يوجب تحريم الجميع، بل الواجب أن يخرج من ماله بقدر المحرم، و يصرفه لمستحقه، و يكون باقي المال لصاحبه.
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: ”لو اختلطت الأعيان التي يملكها بالأثمان التي غصبها و أخذها حراما، ... فإن هذا الاختلاط لا يوجب تحريم ماله عليه؛ لأن المحرمات نوعان:
محرم لوصفه و عينه..
و محرم لكسبه، كالنقدين، و الحبوب، و الثمار، و أمثال ذلك، فهذه لا تحرم أعيانها مطلقا بحال، و لكن تحرم على من أخذها ظلما، أو بوجه محرم.
فإذا أخذ الرجل منها شيئا و خلطه بماله، فالواجب أن يخرج من ذلك القَدْرَ المحرمَ، و قدرُ مالِهِ حلال له“ [الفتاوى 261/29]
المصدر: حصول المأمول من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في علم الأصول
تأليف: عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن الأمير
دار الوطن للنشر
رد: اشتباه المحرم بالمباح ـ عند ابن تيمية ـ رحمه الله ـ
جزاك الله خير وزادكم علما
رد: اشتباه المحرم بالمباح ـ عند ابن تيمية ـ رحمه الله ـ
جزاني و إياك خير الجزاء أختي الكريم، و لك بالمثل.