النداء لصلاة العيدين بـ "الصلاة جامعة " بدعة .
أخرج مسلم في "صحيحه "(886) من طريق ابن جريج ، عن عطاء ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ – رضي الله عنهم – قَالَا :
« لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلَا يَوْمَ الْأَضْحَى .
ثُمَّ سَأَلْتُهُ بَعْدَ حِينٍ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَنِي ، قَالَ : أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ أَنْ لَا أَذَانَ لِلصَّلَاةِ يَوْمَ الْفِطْرِ حِينَ يَخْرُجُ الْإِمَامُ ، وَلَا بَعْدَ مَا يَخْرُجُ ، وَلَا إِقَامَةَ ، وَلَا نِدَاءَ ، وَلَا شَيْءَ ؛ لَا نِدَاءَ يَوْمَئِذٍ وَلَا إِقَامَةَ » .
وقال الشافعي – رحمه الله – في الأم (1/269) :
« أخبرنا الثقة ، عن الزهري أنه قال : لم يؤذن للنبى - صلى الله عليه وسلم - ولا لإبي بكر ، ولا لعمر ، ولا لعثمان في العيدين حتى أحدث ذلك معاوية بالشام ، فأحدثه الحجاج بالمدينة حين أُمِّر عليها .
وقال الزهري : وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر في العيدين المؤذن أن يقول : الصلاة جامعة » .
وذكره البيهقي في السنن والآثار (1919) قال الشافعي : قال الزهري : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر في العيدين المؤذن فيقول : « الصلاة جامعة » .
وهذا الإسناد لا يصح ، الراوي عن الزهري ، شيخ الشافعي ، مبهم لا يعرف .
والشافعي – رحمه الله – وإن كان قد وثقه ، فقد لا يكون ثقة عند غيره من نقاد الحديث وأهله . كما هو الحال في إبراهيم بن أبي يحيى حيث وثقه الشافعي وضعفه عامة نقاد الحديث .
وقد ذكر الحافظ ابن حجر – رحمه الله – قاعدة في هذا ، فقال : « الشافعي ، عن الثقة ، عن الزهري : هو سفيان بن عيينه » ذكر ذلك في تعجيل المنفعة (2/627) .
وهذه القاعدة عرفت بالاستقراء ، لكن لا يمكن الجزم بها دائماً .
وبغض النظر عن هذا ، فالإسناد فيه علة ثانية ، وهي الإرسال .
ومراسيل الزهري ، من أضعف المراسيل كما هو مقرر عند أهل العلم . قال يحيى بن معين : مراسيل الزهري ليست بشيء . انظر جامع التحصيل ص (90) .
وقال الذهبي في الموقظة ص (40) :
« ومن أوهى المراسيل عندهم : مراسيلُ الحَسَن .
وأوهى من ذلك : مراسيلُ الزهري ، و قتادة ، وحُمَيد الطويل ، من صغار التابعين .
وغالبُ المحقَّقين يَعُدُّون مراسيلَ هؤلاء مُعْضَلاتٍ ومنقطِعات ، فإنَّ غالبَ رواياتِ هؤلاء عن تابعيٍّ كبير ، عن صحابي ، فالظنُّ بممُرْسِلِه أنه أَسقَطَ من إسنادِه اثنين » أهـ.
وذهب بعض العلماء إلى أنه ينادى لها بقول : "الصلاة جامعة" قياساً على صلاة الكسوف .
قال الحافظ في الفتح (2/452) : روى الشافعي عن الثقة عن الزهري قال : « كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر المؤذن في العيدين أن يقول : "الصلاة جامعة" . وهذا مرسل يعضده القياس » أهـ
فتعقبه الشيخ ابن باز – رحمه الله - في حاشية الكتاب بقوله :
« مراسيل الزهرى ضعيفة عند أهل العلم , والقياس لايصح اعتباره مع وجود النص الثابت الدال على أنه لم يكن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لصلاة العيد أذان ولا إقامة ولا شيء , ومن هنا يعلم أن النداء للعيد بدعة بأي لفظ كان , والله أعلم » أهـ.
قال ابن قدامة - رحمه الله – في " المغني " (2/234) :
« وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : يُنَادَى لَهَا : الصَّلاةُ جَامِعَةٌ . وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ . وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ » اهـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في "شرح العمدة "(4/99) : « و قال بعضهم لا يسن النداء للعيد ، ولا للاستسقاء ، و قد قال الإمام أحمد : صلاة العيد ليس فيها آذان ولا إقامة ، هكذا السنة ، إذا جاء الإمام قام الناس وكبر الإمام ، وظاهره موافق لهذا القول ؛ لأنه قد تكرر تعييده ، وقد استسقى ولم ينقل عنه فيه نداء كما نقل عنه في الكسوف ، مع أن صلاة الكسوف كانت أقل ، ولوكان ذلك معلوماً من فعله لنقل ، كما قد نقل غيره بالروايات المشهورة ، و القياس هنا فاسد الوضع والاعتبار ؛ لأنه موضوع في مقابلة النص ، و ذاك أن تركه - صلى الله عليه وسلم - سنة كما أن فعله سنة ، و ليست الزيادة على المسنون في المخالفة بدون نقصٍ من المسنون .
و أما فساد الاعتبار ، فإن النداء في قوله "الصلاة جامعة " إنما كان ليجمع الناس ويعلمهم بأنه قد عرض أمر الكسوف ، فلا يلحق بهذا إذ لم يستعدوا للاجتماع له ، فأما العيد فيوم معلوم مجتمع له ، وكذلك الاستسقاء قد أعدوا له يوماً فأغنى اجتماعهم له عن النداء ، ولم يبق للنداء فائدة إلا الإعلان بنفس الدخول في الصلاة ، وهذا يحصل بالتكبير و المشاهدة ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث المنادي في الطرقات للكسوف " الصلاة جامعة " ، وفي العيد و الاستسقاء لا يبعث منادياً ينادي في الطرقات وإنما ينادي عند اجتماعهم عند من يقول هي بمنزلة الإقامة للصلاة ، وهذا لا أصل له يقاس عليه ؛ لأن نداءه لصلاة الكسوف بمنزلة الأذان لا بمنزلة الإقامة ، ولهذا لا يشرع النداء للجنازة لأن ذلك لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه و سلم - ولا أصحابه ، إذ لو كان لنقل لكثرة وقوع الجنائز على عهده .
و كذلك أيضاً لا يشرع إن ينادي للتراويح بشيء في المنصوص عنه ، وقيل له : الرجل يقول بين التراويح : الصلاة ، قال : لا تقل الصلاة كرهه سعيد بن جبير ، وأبو قلابة . وكذلك قال :كثير من أصحابنا .
و قال القاضي ، والآمدي ، وغيرهما : ينادى لها كذلك ؛ لأنها عبادة محضة أو ذات ركوع وسجود تسن لها الجماعة فيسن لها النداء كالكسوف .
و الأول أصح ، حيث لم ينقل ذلك عن السلف الصالح ، ولا هو في معنى المنقول ، لأن التراويح تفعل بعد العشاء تبعاً فيكفيها نداء العشاء
، فأما ما لا يشرع له الاجتماع ، فلا يشرع فيه النداء بلا تردد » أهـ .
وقال ابن القيم في " زاد المعاد " (1/442) :
« وكان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلَّى، أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول: الصلاة جامعة، والسنة : أنه لا يُفعل شيء من ذلك » أهـ.
قال الصنعاني في " سبل السلام " (1/123) :
وأما القول بأنه يقال في العيد عوضا عن الأذان الصلاة جامعة فلم ترد به سنة في صلاة العيدين » ثم نقل كلام ابن القيم في الهدي ، إلى أن قال : « وبه يعرف أن قوله في الشرح : ويستحب في الدعاء إلى الصلاة في العيدين ، وغيرهما مما لا يشرع فيه أذان كالجنازة " الصلاة جامعة " ، غير صحيح ، إذ لا دليل على الاستحباب ، ولو كان مستحباً لما تركه - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدون من بعده . نعم ، ثبت ذلك في صلاة الكسوف ولا يصح فيه القياس ؛ لأن ما وجد سببه في عصره ولم يفعله فَفِعْلُه بعد عصره بدعة ، فلا يصح إثباته بقياس ولا غيره » أهـ.
وسئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله تعالى -: في " مجموع الفتاوى " (16/137) :
هل لصلاة العيد أذان وإقامة؟
فأجاب فضيلته بقوله : صلاة العيد ليس لها أذان ولا إقامة ، كما ثبتت بذلك السنة ، ولكن بعض أهل العلم رحمهم الله قالوا : إنه ينادى لها «الصلاة جامعة» ، لكنه قول لا دليل له ، فهو ضعيف . ولا يصح قياسها على الكسوف ، لأن الكسوف يأتي من غير أن يشعر الناس به ، بخلاف العيد فالسنة أن لا يؤذن لها ، ولا يقام لها ، ولا ينادى لها ، «الصلاة جامعة» وإنما يخرج الناس ، فإذا حضر الإمام صلوا بلا أذان ولا إقامة ، ثم من بعد ذلك الخطبة » أهـ.
هذا ، والله تعالى أعلم
رد: النداء لصلاة العيدين بـ "الصلاة جامعة " بدعة .