تفريغ "ساعة حوار: فوضى الفتوى" - لقاء مع سماحة المفتي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخوة الكرام وفقنا الله وإياكم لكل خير..
مشاركة أخرى أقدمها لكم وأيضا ودائماً مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي المملكة العربية السعودية في لقاء على قناة المجد وفي برنامج "ساعة حوار".
تكلم فيه سماحة المفتي عن "فوضى الفتوى" وما يحدث من مشاكل على الساحة الإسلامية والإعلامية بسبب المفتين الذين لا يلتزمون بقواعد الإفتاء وتعدي بعض طلاب العلم إلى مجالات ليسوا أهلاً لها، كما رد على المخالفين بأسلوب الأب الراعي لأبناءه المشفق عليهم فجزاه الله خير الجزاء.
أترككم مع قراء الحلق مفرغة من اجتهادي وأرجو أن تكون مفيدة لكم وشكراً.
((علماً أن الملف الصوتي أخذته من منتدى برنامج "ساعة حوار"))
----------------------
د. فهد بن عبد العزيز السنيدي
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء
الدكتور سعد بن مطر العتيبي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود
بسم الله الرحمن الرحيم
مشاهدي الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، طابت أوقاتكم جميعاً بكل خير وأهلاً وسهلاً بكم إلى ساعة حوار.
في هذه الأزمنة المتأخرة انتشرت فتاوى غريبة عارض أصحابها أقوال كبار العلماء، وليست الخطورة هنا؛ بقدر أن تنقل إلى الناس دون آلياتٍ أو معرفة للمآلات.
مسألةٌ أخرى تسببت في إحراجٍ شديد للرأي العام وقد كانت في السابق قد عصفت بالرأي العلمي في الأزهر إلا أنه تصدّى لها.
هناك أيضاً من يفتي وآخر يحل المعضلات وثالث يعبث بالثوابت في ظاهرةٍ عجيبةٍ أصابت الناس بالذهول والاستغراب!
لما هذا العبث؟ ما أسبابه وكيف نتصدى له؟ هل من الخلق الشرعي أن يواجَهَ عالمٌ مجتهد أو طالب علمٍ أو حتى مخطئ ومتسرّع؛ هل من الأخلاق أن يواجه بهذا الهجوم والعبث اللفظي الذي لا يعرف في أخلاق الإسلام وليس من تعامل أبناءه؟
ما موقف سماحة المفتي؛ ومفتي السماحة من المخالف؟ ألا يمكن لؤلئك العابثين في كتاباتهم ورسائلهم أن يتعلموا منه الخلق؟
دعونا نعيش معه؛ فإذا خالف مخالفٌ وأفتى بفتوى لا تناسبنا؛ أو حتى لا نحبها، كيف نتعامل معه؟ هل التعامل الصحيح ما شهدناهُ من قراءاتٍ لا تمت إلى أخلاق الإسلام بصلة؟ ورسائل وصلت للبرنامج تنم عن مستوى تفكير قلّة؛ ولكنهم مع الأسف الشديد ربما يكون الواحد منهم مؤثر!
هذه الأخلاق هي المهمة قبل أن نتعرض لخطر الفتاوى، يسرنا أن يكون معنا سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتي العام، لنعيش وإياكم معه حول هذا الحوار، ثم نعود بإذن الله لنعلق على آليات هذا الحوار وبعض النقاط الهامة فيه مع ضيفنا في الأستوديو الدكتور سعد بن مطر العتيبي عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء أهلاً بك.
د. سعد العتيبي: أهلاً بكم.
د. فهد السنيدي: أنا أشرُف أن أكون في ضيافة سماحة المفتي العام وأجزم أنك معي.
د. سعد العتيبي: كلنا نشرف بضيافته جزاه الله.
د. فهد السنيدي: إذاً اسمح لي أن أنتقل وإياك لمشاهدة اللقاء مع سماحته ونعود. تابعونا أرجوكم وعيشوا مع أخلاق سماحته حتى تتعاملوا مع المخطئ بمثل هذه الأخلاق، تابعونا.
[ ينتقل اللقاء إلى سماحة المفتي والمقدم فهد السنيدي في غرفة تحيطها مكتبة جدارية من كل جانب بعلو متر ونصف ]
بسم الله الرحمن الرحيم؛ الحمد لله رب العالمين؛ وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
د. فهد السنيدي: أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً ومرحباً بكم إلى هذا اللقاء الطيب المبارك الذي نسعد وإياكم فيه باستضافة سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، باسمكم جميعاً نرحب بسماحته ونشكر له قبول دعوة البرنامج.
أهلاً ومرحباً بكم سماحة الشيخ.
سماحة المفتي: حياكم الله.
د. فهد السنيدي: حياكم الله، سماحة الشيخ أنا أرجع وإياك بالذاكرة قليلاً إلى أكثر من موضع في خطبة عرفة، رصدّت خطبة عرفة على مدى سنوات وكنتم في كل عام تحذرون من التسرّع في الفُتيا وخطر ذلك على الأمّة.
تحدثتم مثلاً في العام الماضي والذي قبله عن مخاطر هذا الأمر هل تشعرون بهذا الخطر هل ينبغي أن نؤكد على هذا الأمر أكثر من مرة؟ أحسن الله إليكم.
سماحة المفتي: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم ومبارك على سيد الأولين والآخرين وإمام المتقين محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه أبداً دائماً إلى يوم الدين.
خطبة عرفة هي خطبة جامعة موجهة إلى العالم الإسلام من عرفة زادها تشريفاً وتعظيما هذه الخطبة لابد أن تعالج مشاكل الأمة، وأن تبحث المشاكل التي تقع الأمة فيها لعلاجها والتحذير من الخطأ والتحذير من الانحراف عن المنهج في ذلك.
فلما كان الحج فيه فتاوى أحياناً يفتي بعض قاصر العلم في مناسك الحج بفتوى تخالف جمهور الأمة بل ما عليه الإجماع، فكان من المناسب تحذير المُفْتُون في الحج.. تحذير المُفتين في الحج أن يلزموا الحد ويتقوا الله ربهم.
وفي ضمن ذلك تنبيه عموماً أن يتقوا الله بشأن الفتوى، حتى نقل لنا منذ عامين نقله أحد طلاب العلم، أن إنسانً سُئل عمن ترك طواف الإفاضة وذهب إلى بلده: قال طواف الإفاضة سنةٌ من أتى به أثيب ومن تركه فلا شيء عليه. مع أن هذا قول خاطئ لأن جمهور المسلمين على أن الطواف ركن من أركان الحج.
الطواف ركن من أركان الحج، فأركان الحج: نية الإحرام لدخول النسك، والوقوف بعرفة والطواف والسعي. فالذين زعموا أن الطواف في البيت سنةٌ؛ الطواف يعني طواف الإفاضة، من أداه فقد أدى الحج ومن تركه فلا شيء عليه؛ هذا خطير.
يعني يأتي مفرد أو قارن ولم يأتي البيت إلا يوم النحر نقول يعني إذا وقفت بعرفة وبت في مزدلفة اذهب ولا شيء عليك فلا طواف عليك ولا سعي عليك.
د. فهد السنيدي: الله المستعان
سماحة المفتي: هذا قول يهدم أركان الحج كلها ويقضي عليها، فلهذا نوصي في الحج أن لا يفتي في المناسك إلا في ما يعلمه يقيناً ويترك عنه الفتوى في شواذ المسائل التي وإن قال فيها بعض العلماء إلا أنه لا ينبغي أن نشهر مسألة مهجورة عند العلماء ونرفع لواءها لكي نغير مناسك الحج.
وما ابتلي المسلمون في عباداتهم ومعاملاتهم إلا بالفتاوى الخارجة عن المنهج القويم.
د. فهد السنيدي: أحسن الله إليكم معنى ذلك أن الأمة الآن تشعر بمشكلة؛ مشكلة التسرّع في الفتيا وتصدي من ليس أهلاً للفتيا؛ للفتيا. هذا خطأ؟
سماحة المفتي: بلا شك، تشكو الأمة من تسرع الفتوى ومن تصدي من لا علم عنده ولذلك جاء في الأثر عن ابن عمر: "يهدم الإسلام زلة العالم وجدال المنافق في القرآن". زلة العالم! فالعالم الذي يستفتى يتقي الله في نفسه ويراقب الله ويتضرع بين يدي الله وإذا سئل عن مسألة يعلمها يعلم دليلها من الكتاب والسنة أفتى بها، وإن كان يجهل ذلك أو الأمر ملتبسٌ عليه أو لا يحيط بقضية المسألة فليتق الله وليمسك عما لا يعلم. فليس ذلك عيباً وإنما كمالٌ ورفعةٌ له.
د. فهد السنيدي: قبل أيام أحسن الله إليكم، تحدثتم عن الفتيا وقلتم: "الجرأة على الفتيا أمر خطير جداً على دين الله، ذلك الذي تجرأ على الله وتكلم بغير علمٍ أو بهوى وهي خطيرةٌ أيضاً على المجتمع المسلم إذ تكون سبباً في تفككه وبعده عن الدين".
اللي حاصل الآن أحسن الله إليكم، أن بعض الفتاوى حققت ما حذرتم منه؟ سبب تشكك؛ سبب تفتت في المجتمع المسلم!
سماحة المفتي: نسأل الله أن يهدي المخطأ ويردُه إلى الصواب، ولا شك إن شاء الله أن المفتي قد لا يكون قصده سيئاً يعني قصده حسن، لكن مع حسن قصده يقصره النظر البعيد للمسائل، فإن هناك أمران: هناك يعني مآلات الأمور وعواقبها وما يترتب على ذكرها من آثار، وهناك ذات الفتوى.
فقد تكون ذات الفتوى صحيحة في نفسها لكن وقتها غير مناسب وزمنها غير مناسب، أو الأشخاص الذين سألوا عنها ليس الأمر من صالحهم وليس لهم ضرورة في ذلك، فالمفتي ينظر إلى مآلات الأمور وعواقب الأمور ولعله في ذلك أن يوفق للصواب.
د. فهد السنيدي: المفتي تقصد المؤهل للفتوى سماحة الشيخ؟
سماحة المفتي: نعم المؤهل للفتوى.
د. فهد السنيدي: طيب إذا خرج لنا من ليس مؤهلاً للفتوى؟
سماحة المفتي: إذا خرج لنا مَن ليس مؤهلاً للفتوى نوقفه عند حده ونمنعه من التجرؤ على الله، ونوقفه عند حده، حتى لا يحسن الظن به فيقلد في خلاف الشرع، قال ابن القيم رحمه الله: "إذا كان الطبيب الجاهل يُمنع من العلاج؛ فكيف بالعالم الجاهل.. فكيف بالمفتي الجاهل الذي يفتي الناس بغير علم؟ هذا أحق أن يمنع".
د. فهد السنيدي: يمنع كيف أحسن الله إليك
سماحة المفتي: يعني يحجر عليه ويمنع من الفتيا ويقال له: قف عن حدك أنت لست مؤهلاً، قف عند حدك.
د. فهد السنيدي: هل سيصدر شيء عن المرجع الأعلى؛ مؤسسة الفتوى المملكة بحق هؤلاء يا شيخ؟
سماحة المفتي: هيئة كبار العلماء عالجوها بعدة وسائل، ولعل الله أن ييسر أمراً ينفع الله به، وهو أن يكون المفتون تحت رأي وسمع.. تحت عين وأذن الإفتاء، بمعنى أن لا يتقدم إلا مؤهلٌ يعلم أهليته للفتوى.
ليس القصد تحجر على الناس وليس منعاً والتحكم والحجر عليهم كلا، ولا اعتقاد الكمال لجهة دون جهة ليست واردة، وإنما الهدف التنظيم ومنع استمرار الفتاوى غير المؤصلة. وإلا فمن عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الكل يفتي، فالمسائل الفردية تسأل.. يسأل عنها أي عالم فيفتي؛ ((فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)).
لكن المسائل ذات الشأن الكبير والتي جرى الخلاف فيها قديماً وحديثاً والتي يعني.. لم يتفق يعني.. الجمهور على خلاف كثير منها، فلا ينبغي تجاهل جمهور العلماء وكبار العلماء وجمهور أهل العلم ونفتي في مسائل الجمهور على خلافها ونستخف باتفاقهم، ونجعل أنفسنا في مصافّهم، بمعنى أن نتسرّع إلى شيءٍ هم يرون خلافه.
د. فهد السنيدي: كان في مشروع أحسن الله إليكم، أشير إلى إعداد مفتين في المناطق يتبعون لسماحة المفتي العام، هل ما زال فكرة هذا المشروع قائمة؟
سماحة المفتي: والله لا تزال ونرجو أن يحقق ما فيه الخير.
د. فهد السنيدي: نعم
سماحة المفتي: إلا أن الإفتاء والحمد لله، فيه اتصالات هاتفية موجودة والإخوان في الإفتاء موجودون وأرقام منازلهم موجودة، وفي برامج نور على الدرب وفي التلفزيون السعودي وقناة المجد والدليل الشيء الكثير الذي ينفع وإني أوصي إخواني طلاب العلم جميعاً أن يتقوا الله في أنفسهم. نحن وإياهم جميعاً ينبغي أن نتقي الله في أنفسنا وأن لا نقدم إلا على شيء نعلم أنه حق لا غبار عليه.
يجب علينا أن نتزود لأنفسنا وأن لا نتكامل أنفسنا ((وفوق كل ذي علم عليم))، ((وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)).
يا إخواني أحياناً يعرض للإنسان مسألةٌ في الطهارة أو في الصلاة يحارُ فيها ويحتاج إلى المراجعة وتذكير معلوماته. الأمر صعب، كل من يتكامل نفسه ويدّعي أنه أي مسألة من أهل العلم هو سيفتي فيه، بحق أو بباطل هذه مصيبة عظيمة. يجب على طلاب العلم أن يتقوا الله في أنفسهم وأن يكون الرقيب عليهم رب العالمين، لا يهمهم يعني أي راقب عليهم ولكن يجب على أهل العلم أن يتصورا عظمة الله واطّلاعه عليهم وعلمه بسرائرهم وعلانيتهم ويتذكروا قوله: (( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)).
د. فهد السنيدي: ألا ترون أنه يا سماحة الشيخ إذا ظهرت فتوى سببت بلبلة عند الناس والعامة وخالفت ما عليه جمهور الأمة، أن يصدر فتوى من سامحة المفتي أو من اللجنة الدائمة لصد هذا وأمثاله؟
سماحة المفتي: هو الأمر هذا قد يكون، ولكن التصدي دائماً لمن أفتى وهو غير عالم وغير مؤهل قد يعطيه أحياناً مكانة أكبر من حجمه، ولهذا تصدر الفتاوى من اللجنة في نور على الدرب وعبر البرامج وفي فتاوى الهاتف ما يبطل هذا الشيء. ولو أن كل من تكلم رُدّ عليه أخشى أن يأخذ حجماً أكثر من حجمه وهو ليس أهلاً لذلك.
د. فهد السنيدي: نعم، ولكن أحياناً الناس في الخارج يعتقدون أن هذا تابع لمؤسسة في المملكة وهم لا يعرفون فلان وفلان؟
سماحة المفتي: الواقع يا شيخ أن الإفتاء تواجه من خلال الهاتف أسئلة من أنحاء العالم الإسلامي ومن العالم كله، نُسأل أحياناً من أقطار الدنيا فالإفتاء وأعضاء الإفتاء يفتون دائماً وأبدا، لا تنقطع هواتفهم بالاتصالات في المنزل أو في المكتب ولله الحمد أدّوا قسماً كبيراً، وفتاويهم مطبوعة الآن وتوزع بصفةٍ عامة وهذا مما أثرى الناس وأعطاهم تصوراً صحيحاً عنهم.
وموقع الإفتاء الإلكتروني الآن ينشر المعلومات وبإمكان السائل وطالبي الفتوى السؤال وأخذ الرأي منه.
د. فهد السنيدي: ما ترون أحسن الله إليكم إذاً حسب كلامكم أنه إذا صدرت فتوى، يبين الموقف الشرعي ويبين أيضاً الموقف من الشخص أنه ليس أهلاً للفتوى وليس من أهل العلم، ألا ترون هذا؟
سماحة المفتي: لا.. لا.. لا يلزم ذلك، إنما إذا صدرت فتوى فالعلماء يجيبون عليها في جميع الميادين؛ في المسجد في الهاتف في نور على الدرب ونحو ذلك؛ يعني يخففوا المسألة ويصوروا للناس الخطأ.
د. فهد السنيدي: الأزهر؛ لما أفتى أحدهم بالرضاعة، كان موقف الأزهر رفض الفتوى ورفض الشخص؛ أنه لا يتبع للأزهر، لأنهم يرون أن المساس بالأزهر عند عامة الناس في العالم الإسلامي قد يشكك في موقفه. فأنتم لا ترون مثلاً تقولون أن فلان وفلان مثلاً لا يتبع لهيئة الإفتاء وليس من العلماء المعتبرين، ما ترون هذا يا سماحة الشيخ؟
سماحة المفتي: الظاهر أن هذا معروف عند الجميع.
د. فهد السنيدي: معروف.. يعني ما يحتاج؟
سماحة المفتي: نعم
د. فهد السنيدي: الاحتساب على الفتيا أو على المفتين كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، الناس يتساؤلون: الذي أفتى بجواز الغناء بكل صوره وأشكاله وقال: "أن بعض العلماء مفتون بالمنع وإغلاق الباب على الناس ويحب التحريم دائماً". الاحتساب على هذا كيف يكون؟
سماحة المفتي: والله هذه كلمة خطيرة؛ لأن العلماء لا يحرّمون بأهوائهم ولا بآرائهم، ويحرمون ما يحرمون بالدليل من الكتاب والسنة. فلما رأوا أن نصوص السنة على ذم الغناء وما يدخل في مسائل الغناء، والقرآن في ظاهره كذلك، كما قال ابن مسعود: "والله الذي لا إله غيره إن لهو الحديث الغناء"، والسنة في معاقبة الله لهؤلاء المغنون؛ مستحلي الغناء، هذه أمور واضحة وجلية.
فالعلماء الذين حرّموا الغناء ما حرّموه رأياً، ولكن معتمدين على أدلة، ولابن قيم الجوزية في إغاثة اللهفان أصول متعددة ذكر فيها شبهة المبيحين والمحرمين وأدلتهم جميعاً وبيّن الحق من الباطل، ولا يعني.. المسلم الذي يؤمن بالله يسمع بعض الأغاني التي ألفاظها وقحة شنيعة فيها من الفحش والقبح ما يصد الإنسان عن سماعها، فالإنسان إذا تأمل الأغاني وألفاظها لا يتصور.. لعلم حقاً أن الإسلام لا يجيز هذا.
د. فهد السنيدي: نعم، سماحة الشيخ خلينا ندخل أيضاً في تفاصيل لكن دون الأشخاص، عندما يأتي طالب علم أو قارئ أو داعية من الدعاة ويتصدر للفتوى أليس هناك صفات ينبغي أن توجد في أمثال هؤلاء ليقال بأن له حق في الفتوى شرعاً؟
سماحة المفتي: هو المسلم الذي يخاف الله ويتقيه هو الذي يناقش نفسه ويعلم آليته، هل هو مؤهل أم لا، لكن مِن الناس مَن يتجاوز ذلك ويعلم مِن نفسه العجز وعدم العلم، لكن لا يبالي، يُقحم نفسه فيما ليس هو أهل له، ويرى أن هذه شجاعة وجرأة وقدرة وأنه يستطيع أن يأتي بهذا، وهذا كله خطأ، لابد لطالب العلم أن يتأدب ويتربى أن يراقب الله فيما يقول ويعمل.
د. فهد السنيدي: الله المستعان، بعضهم يقول: إذا كان الدليل محتملاً فإن للمفتي أن يأخذ بأسهل الأقوال من باب التسهيل، هل هذا صحيح؟
سماحة المفتي: يا أخي من أراد هذا قد يجعل كل دليل يفهم منه ما يؤيد كلامه وقوله ولو كان خطأً. العلماء السابقون وشُرَّاح الحديث أدرك وأعلم منا وأدرى منا بمحتملات الألفاظ وقرروا ذلك وبينوه فلا ينبغي أن نتجاهلهم لابد أن نرجع إليهم.
د. فهد السنيدي: الله المستعان، سماحة الشيخ موقف الهيئة واللجنة أيضاً بالذات اللجنة الدائمة، ألا ترون أن في مثل هذه النوازل أن يصدر أو تصدر فتوى تفصيلية للآراء الشاذّة التي يتأولها أولئك تجمع و...
سماحة المفتي: [مقاطعاً] هو فتاوى اللجنة المطلوبة لو اجتهد الطالب السؤال لرأى... ولرأى الجواب الصحيح والشبه الخاطئ وكلام الجمهور عنها.
د. فهد السنيدي: الموقف الأسلم أحسن الله إليك مع من يخالف الإجماع أو من يشذ بالفتوى سواء كان موقف الأفراد أو موقف العلماء من.. مع مثل هؤلاء؟
سماحة المفتي: والله الموقف الطيب: أن الذين تصدر عنهم الفتاوى الشاذة لا دليل عليها ولا اعتماد عليها من كتاب ولا سنة، أن يمنع. لكن إن شاء الله أن طلاب العلم أرجو أن يكون عندهم بصيرة في أمرهم وتفكر في واقعهم وأن يحالوا أن يتقوا الله ويحذروا من تضليل الأمة
د. فهد السنيدي: لكن يمنع ممن أحسن الله إليك؟ الوالي؟
سماحة المفتي: المانع لا شك أنه من الوالي، وهناك وفقهم الله يعني أهل خيرٍ وصلاح وتمسكٌ بهذه العقيدة وحمايةً لها، زادهم توفيقاً وهداية.
د. فهد السنيدي: هل في شيء منكم سماحة الشيخ لأشخاص معينين، نقول والله أنه بالتحرك لإيقاف بعضهم!
سماحة المفتي: والله هو الإفتاء عندهم تنظيم للفتوى بأن يكون المفتي لابد أن يعرف حاله لدى الإفتاء ولعل هذا الشيء سيساهم في تصحيح هذه الأمور.
وإن كنا نثق أن طلاب العلم على بصيرة ومستوى ما يحتاج للشيء هذا.
د. فهد السنيدي: الله المستعان، سماحة الشيخ النصيحة لأولئك الذين تصدّروا للفتوى أمر مهم أيضاً، هم إخواننا وهم أبناء هذه البلاد..
سماحة المفتي: [مقاطعاً] والله نحبهم ونحب الخير لهم ولسنا قادحين ولا متشمتين فيهم، ولا فرحين بالزلات، لكن يسيئنا ما يصدر، والإصرار على الخطأ، وإلا كل إنسان يخطئ ما في أحد ما يخطئ، يفتي ويخطئ هذا ما فيه إشكال، لكن كونه يستمر في الخطأ ويدافع عن الخطأ ويتهم من خالف قوله المخطئ بكذا وكذا هذه مصيبة، وإلا الإنسان يخطئ ويخطئ هذا ما فيها أمل.. ما فيها عقاب، عمر -رضي الله عنه- قال أخطأ... "أصابت امرأةٌ وأخطأ عمر".
ما فيه شك الخطأ منا يقع، وكل العلماء يتراجعون عن أخطائهم، لكن المصيبة إذا أخطأ وصمّ أذنيه عن سماع الحق ودافع عن باطله واستمر عليه، هذه مصيبة. وإلا الخطأ موجود من الإنسان ما أحد منا معصوم كنا خطّاء وخير الخطّائين التوابون.
نخطئ دائماً لكن يجب على من أخطأ إذا ذُكّر بالخطأ وبُصّر بالخطأ ونُبّه عن الخطأ أن يقف عند حدّه ويحمد الله على ذلك.
د. فهد السنيدي: هل في تواصل أحسن الله إليك؟ هل تبعث.. سماحتكم يبعث أحد لمناصحة هؤلاء، سبق شيء من هذا؟
سماحة المفتي: والله نتصل أحياناً بهم، ونستدعيهم ولكن أرجو من الله أن يمُنّ على الجميع بالهداية.
د. فهد السنيدي: اللهم آمين. أنتقل إلى موضوع آخر، صدر لسماحتكم فتوى مسموعة قبل أيام حول إرضاع الكبير فقلتم: إنها قضية عينٍ لا عموم لها وحذّرتُم من عاقبة الفتوى وليس الفتوى، وقلتم مآلات الفتوى ينبغي للمفتي أن ينظر إلى مآلاتها ومقصود الشارع بها، لعلنا نتحدث عن هذه القضية التي سببت ضجة في الخارج والداخل.
سماحة المفتي: يا إخوان هي قضية قديمة ما هي بحديث اليوم، ففي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن الرسول لامرأة أبي حذيفة -سهلة- أن ترضع سالم مولى أبي حذيفة، لكونهم كانوا متبنينه في الجاهلية وأنه أصبح واحدّ منهم؛ أُذِن بإرضاعه في هذه الحاجة الضرورية بالذات، وسالم هذا ممن حفظ القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وممن قال فيهم عمر: "لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لاستخلفته"، وهو معروف بصلاحه وتقواه.
وهذه فتوى خاصة لشخص معين ولظروف معينة، وطالب العلم إذا.. يعني بحث الموضوع لا ينبغي أن يعلن للعموم، وإنما هذه قضايا خاصة، والجمهور على خلافه، زوجات النبي ما عدا عائشة كلهم على خلاف ذلك، وجمهور العلماء على خلافه، وهي قضية خاصة انتهت بانتهاء وقتها وقد تطبق على مثلها، ولكن أين التطبيق ومتى التطبيق وتحقيق المناط لذلك الأمر ليس بالسهل.
فكوني لا أرى.. أنا ما أقول: إن هذه الفتوى باطلة من أصلها فهي موجودة، لكن التطبيق على الجميع هي قضية الوقت، فينبغي على طالب العلم أن يتحرّى ذلك وأن يحذر من أن تفسر الأمور على غير ما هو يريد وإن كان يريد خيراً، لكن قد يفسرها الآخرون على أمور كثيرة مثل ما حصل الآن من بعض الكاريكاتوريات وأمثالها والتصويرات التي لا داعي لها.
كل هذا لأن عقول الناس لم تتحملها، فأرجو من إخواني طلاب العلم، وإن اقتنعوا بمسألة ألا يعلنوها إعلاناً يسبب البلبلة وأن يحتفظوا بها لظروفٍ خاصة، والمسائل ينبغي تقوى الله في ذلك.
د. فهد السنيدي: أحسن الله إليك أنت أشرت إلى الكاريكاتير، رصدنا قبل أن نأتي إلى سماحتكم أكثر من مئة كاريكاتير حول هذه القضية في الصحف العربية ليس في الخليجية فحسب بل حتى العربية التي تقدح في هذه البلاد وبخروج هذه الفتوى. ألا ترون أن هذه الفتوى أيضاً أحرجت المملكة وعلمائها؟
سماحة المفتي: بلا شك أنها أوقعت بلبلة، لا شك في ذلك، ونحن لا نتهم المفتي بسوء القصد ولا نتهمه كطالب علم لا حاجة لأن نتهمه بذلك، لكن أقول: هذه الفتوى لما صدرت وأُصِرَّ عليها وتكاثر القول عليها، لم تحقق الغرض المقصود بل للأسف الشديد أنها سبباً في السخرية بالشرع والسخرية بأحكام الشريعة وقدح من لا علم عنده بالشريعة وأنها تأتي بالعجائب، وأن شخصاً ابن أربعين سنة يمكن أن يُمكّن من ثدي امرأة ليرضع منها، وإن كان قال قائل قد يقول: لا أنه يرضع في إناءٍ إلى آخره. والمهم أن العقول ما تحملتها ولا استساغتها.
لهذا قال ابن مسعود: "ما أنت محدث قوم حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان عليهم فتنة"، ويقول علي رضي الله عنه: "حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يُكَذّبَ الله ورسوله".
د. فهد السنيدي: الله المستعان، عامة الناس أحسن الله إليك ربما يكون بعضهم وقع في بعض المنكرات ولكن عندما تصدر فتوى تجيز له شيئاً من هذه المنكرات يتعلق بالقول الفلاني، وقد صدر يعني بعض البيانات من منظمات.. يعني هيئات ومنظمات ومؤسسات غنائية تشكر لمن أفتى بإباحة الغناء بكل صوره.
وأصبح الناس يتناقلون الآن سنسمع فلان وفلانة ولا حرج ونشغل المسجل لـ.. المهم حتى العاهرات المعروفات بالعهر، ألا ترون أن هذا خطر حتى على المفتي نفسه؟
سماحة المفتي: هو بلا شك أنه إذا لم يُحتط لها ضرت ضرراً عظيما، والناس مستعدون لقبول بهذا في هذا الزمن، وهذا زمن ضعف الإيمان، كل شيء يحتاج.. كل شيء يعني يؤثر عليهم، فينبغي على طلاب العلم عموماً أن يتقوا الله في أنفسهم وأن لا يتسرّعوا في الأمور ولا.. ويعني كما قال الله تعالى: ((وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منعهم)).
فترك الأمور لأهل العلم والفضل أولى من أن ننشر رأياً لا نستشير فيه عالماً ولا فقيهاً وإنما ننخدع بأنفسنا فنجعل دوي هذه القضية على الأمة وتراثها هذا لا يصح.
د. فهد السنيدي: بعضهم يقول أن سماحتكم تتحدثون عن الفتاوى التي تتعلق بشأن الأمة أن يرجع فيها للهيئة ويجتمع لها أشخاص، أما الفتاوى البسيطة مثل الغناء لا دعوى للأمة بها...
سماحة المفتي: [مقاطعاً] لا..
د. فهد السنيدي: [متابعاً] هل هذا صحيح؟
سماحة المفتي: لا مو بصحيح، كوني أبيح أمراً جمهور العلماء على تحريمه وأن أُحلّه هذا.. هذا خطر عظيم.
د. فهد السنيدي: الله المستعان، سماحة الشيخ أيضاً الإعلام بكل صوره، الصحافة ربما تتناقل شيء من هذا وتسعى للإثارة وتفرح بمثل بعض البيانات أو التهكم ببيانات أخرى، ألا ترون أن الصحافة ينبغي أن تُسهم في رأب الصدع في المجتمع وجمعه على كلمةٍ سواء؟
سماحة المفتي: المصيبة عندنا والمشكلة عندنا أن الصحافة تتجارى أو تتسابق للإثارة وأنها ترى أن كل قضية فيها إثارة تجعلها في مقدمة العنوان، ويرون أن الإثارة تسوق الصحيفة، فالصحيفة اللي فيها إثارة لها سوق رائج وتسوق أعداد كثيرة فيفرحون لهذه القضية أو أي قضية ما يكون فيها اختلاف ويكون حولها مشاكل، فيفرحون بها ليبرزوها ويستفيدوا منها مادياً ويعلو قدر الصحيفة ويكون لها شأن.
هذه مشكلة والواجب علينا خلاف ذلك، الواجب أن تكون الصحافة تخدم التحام الكلمة وجمع الصف ووحدة.. والهدف وألا نتسارع في.. ينعي ما يسبب تصدع في بنائنا.
د. فهد السنيدي: الله المستعان، سماحة الشيخ تأخر الفتوى منكم في نازلةٍ معينة كما فهمت منكم أنكم تقولون لا نريد أن نعطي بعض الأشخاص أكبر من حجمهم، الفتاوى موجودة قديماً وهذا ليس أمر جديد فممكن يرجع لفتاوى اللجنة؛ لفتاوى سماحتكم موجودة، ولكن لا يمكن أن نرد على كل شخص كلما أثار قضية. هذا الفهم صحيح؟
سماحة المفتي: نعم، لأنه أنا ما أقول يعني.. الفتاوى موجودة كل شيء موجود الحمد لله، لكن كون الشخص الذي سيقتحم أمراً خلاف ذلك ما .. يعني ليس من المصلحة أن يكون هناك دائماً ردود لأن الشيء موجود والأمر واضح.
د. فهد السنيدي: لكن لو رد عليه طلبة العلم المعروفين والمقربين من سماحتكم
سماحة المفتي: [مقاطعاً] ما فيه شيء.. نحن لا.. لا تحجر واسعاً، لكن أقول ينبغي لطلاب العلم أن يكون.. التعاون على البر والتقوى ونتناصح فيما بيننا وإذا أخطأ واحد منا نتصل به ونناقشه، لكن المشكلة أن البعض لا يقبل منك نصيحةً ولا يقبل منك مناقشةً ولا يقبل منك مباحثة، وإنما يصر على رأيه، وهذه مصيبة.. مصيبة.
د. فهد السنيدي: الله المستعان، الفتوى في الهيئة أيضاً ألا ترون أنه نموذج فريد ينبغي أن يطبق كون أنه يجتمع مجموعة ويبحثون ولا تصدر الفتوى إلا بالأغلبية وبالدراسة!
سماحة المفتي: ولله الحمد نظام الهيئة؛ نظام فريد، وبالهيئة داخلها من التعاون بين أفراد الهيئة ومناقشة المسائل، يعني أحياناً تجلس مسألة أياماً في الجلسة نقاشاً هادفاً، كلٌ يبدي رأيه من غير تحفّظ، لأن الهدف هو الوصول إلى الحق.. الوصول إلى الحق فالهيئة ولله الحمد من ثقلها وثقل أعضاءها وتماسكهم وتعاونهم واهتمامهم؛ لا تخرج فتوى منهم إلا محققة منقّحة مدروسة دراسةً علمية ومقدمٌ لها بحوث قبل، ومعدّة إعداداً ولله الحمد، حتى لا تصدر الفتوى من الهيئة إلا على المنهج القويم, فلا ترى تناقضاً ولا اضطراباً في فتاويها بل ولله الحمد هي على خطة نظامية جيدة. غفر الله لمن مضى وعصم من بقي.
د. فهد السنيدي: اللهم آمين. هل جاءكم تساؤلات من جهات في العالم الإسلامي، من جهات فتوى بسبب إحراجات الفتاوى الأخيرة يا شيخ؟
سماحة المفتي: قد يصلني هاتف..
د. فهد السنيدي: جاءكم شي يعني
سماحة المفتي: نعم جا، ونجيبه بإجابة معتدلة لا نتّهم أحدا، لكن نقول هذا رأيه والحق كذا وكذا.
د. فهد السنيدي: يعني إذا.. إذا هي حتى سببت بلبلة في الخارج.
سماحة المفتي: لا شك أنها من المشكلات، ولكن إن شاء الله أن الأمور بتتسهل.
د. فهد السنيدي: هل ترون أن يتصدى مجموعة للكتابة إلى جهات معينة لإيقاف فلان أو فلان من الفتوى أو لا ترون هذا؟
سماحة المفتي: لا، إن شاء الله أرجو من طلاب العلم أن ينتبهوا من أنفسهم، وأن يكون الحاجز من ضمائرهم، لا من غيرهم.
د. فهد السنيدي: إذا استمر طالب العلم هذا وأخذ يرد على كبار العلماء فرد على أحد أعضاء هيئة كبار العلماء بشكل لا يليق؟
سماحة المفتي: هذا لا يضير ذلك العالم، إذا جاء الرد ممن ليس عنده علم فهذا لا يضير العالم، إذا جاء الرد ممن ليس عنده علم فهذا رفعة للعالم، ولا بد يا أخي من المخالفة، يعني الزمن.. يعني والإعلام الآن مفتوح لا بد من حصول خلاف فالإنسان.. يعني يروض نفسه أنه سيخالف, ما هو.. لن تستطيع في خضم هذا الإعلام المنفتح أن تسيطر على الكل، لكن على الإنسان بذل الجهد قدر الاستطاعة .
د. فهد السنيدي: اللجنة الدائمة يا شيخ هل ما زالت تجتمع مع قلة أعضاءها؟
سماحة المفتي: هي الآن.. نحن قريب الستة أشخاص نجتمع كل أحد وثلاثاء من الساعة التاسعة حتى الساعة الثانية عشر والنصف ونحو ذلك، نستعرض فيها مسائل اللجنة من الأفراد أو من المحاكم ونحو ذلك والحمد لله اتخذوا فيها حلول مناسبة. ولجنة الطلب تجتمع كل سبت واثنين وأربعاء لحل هذه المشاكل بين أفراد المجتمع.
ولله الحمد أعمال الإفتاء في الأمانة العامة ومسائل الطلاق كلها سائرة على نظامٍ دقيقٍ نسأل الله الإخلاص له في القول والعمل.
د. فهد السنيدي: أختم سماحة الشيخ بنصيحة توجهونها لعدم التسرّع في الفتوى وأن يتقي الله أولائك في الأمة الإسلامية.
سماحة المفتي: أنا أقول يا إخواني الطلاب، أنا وغيري علينا أن نتقي الله في أنفسنا وأن نحرص على موافقة الحق وإذا أخطأنا فلينصح بعضنا بعضا، وإذا علمنا الخطأ فنتراجع عنه ولا نُصرُّ على باطلٍ ونحن نعلم أنه باطل.
إذا أخطأ.. إذا واجهتنا فتوى وأخطأنا فيها فلا عيب علي أن أقول تراجعت عما قلته بالأمس وأخطأت فيما قلته بالأمس، هذا أمر لابد منه، حتى نكون على بصيرة.. على علم.
وأرجو على الإخوان التواصل فيما بينهم وأن يتعاونوا فيما بينهم وأن نتصل بعضنا بالبعض وأن لا ندع أخاً لنا تنهشه سهام الناس نقف معه في تأييده في الحق وتحذيره من الخطأ. هذا مطلوب منا نسأل الله التوفيق والسداد.
د. فهد السنيدي: إذاً نحن نخلص إلى أن: القول الذي عليه الجمهور وتفتون به في المملكة هو تحريم المعازف..
سماحة المفتي: [مقاطعاً] بلا شك.
د. فهد السنيدي: [متابعاً] بأشكالها وصورها، والغناء المصاحب لها محرم؟
سماحة المفتي: بلا شك.
د. فهد السنيدي: شكراً لكم أنت أيها الإخوة والأخوات على طيب المتابعة كنا مع سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ؛ تحدثنا عن الفتوى وخطرها وأسدى سماحته نصيحة لجميع من يتصدون للفتوى في عالمنا الإسلامي.
أسأل الله تعالى للجميع التوفيق والسداد والعون كما أسأله سبحانه وتعالى أن يصلح أحوالنا وأحوالكم ونياتنا ونياتكم وأقوالنا وأقوالكم إنه جوادٌ كريم.
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
[ ينتقل المشهد عائداً إلى الأستوديو ]
رد: تفريغ "ساعة حوار: فوضى الفتوى" - لقاء مع سماحة المفتي
أهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات مرةً أخرى، كُنّا في لقاءٍ مع سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ؛ تحدثنا معه عن العبث والفوضى التي تحدث أحياناً في عالمنا العربي والإسلامي حول الفتوى، ووجه سماحته نصائحه الأبوية الرائعة.
يسرنا أن يكون معنا للتعليق حول هذه الكلمات النيّرة فضيلة الدكتور سعد بن مطر العتيبي عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء؛ جامعة الإمام محمد بن سعود.
د. سعد العتيبي: أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم
د. فهد السنيدي: دكتور أنا سجلت بعض النقاط السريعة في كلام سماحته أرجو أن نمر عليها مروراً سريعاً لنأخذ رأيكم حولها.
تكلم أن العلماء لا يحرمون من عند أنفسهم، هناك اتهامات بأنهم رجال كهنوت كما يزعم البعض وأنهم يريدون منع الناس من كل شيء. هذه لفتة توقف عندها سماحته قبل قليل، تفضل..
د. سعد العتيبي: بدايةً؛ بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
العجيب يعني في القضية التي طرحتموها وهي قضية مهمة جداً، أن الآن الذي يتكلم هو سماحة المفتي، وله منصبه ومكانته عند الأمة ومكانته الرسمية. يعني هل هذا المنصب منصب عبثي أو منصب كهنوتي كما كان في أوروبا.
العجيب أنهم يطرحون هذا الطرح المستورد وهو ليس لهم الحقيقة حتى بين أبناء المسلمين ليس جديداً، هذا تقريباً له أكثر من 250 سنة، لكن عندنا عادةً يلوكون ما انتهى الآخرون منه.
فهذه القضية لا يمكن أن تطبّق، قد تطبق في دول الديانة فيها المحرفة النصرانية المحرفة ويراد أن تطبق على أهل الإسلام هذا أمر يعني.. لا يمكن أن يكون ولذلك الشيخ لما قال أنهم لا يحرّمون من عند أنفسهم لأن الله عز وجل جعل منزلة العلماء بمنزلة الأنبياء ولذلك يقول العلماء أن منصب الفتيا هو وراثة للمنصب النبوي ولقول الله عز وجل: (( وأنزلنا إليك الكتاب ذكرى لتبين للناس ))، وقول النبي صلى الله عليه وسلم أن العلماء ورثة الأنبياء، وأن الأنبياء لم يورِثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظٍ وافر.
فالواضح أن العلماء يبينون ذلك؛ قضية حلال وحرام؛ قضية أحكام، وهذه الأحكام حتى عند الغرب، ليتهم أخذوا هذه الفكرة من الغرب، قضية أن تقول للشيء يجوز أو لا يجوز هذه تسمى قانون. فإذاً هو رجل قانون في النهاية ليس رجل كهنوت كما يظنون، ليس واعظاً ولذلك نجد بعض الكُتّاب السُذجّ أو الذين يتأثرون بالكتابات الغربية؛ يكتب الواعظ فلان، يتكلم عن عالم فقيه.
فهذا يدل على أنه أخذ المصطلح ولا يعرف حقيقة الأمر الذي عنده، بل ونجد أن الغربيين أنفسهم يتحدّث عن الفقه الإسلامي وعن فقهاء المسلمين ومنصب الفتيا حتى في مؤلفات خاصة بمنصب شيخ الإسلام اللي هو مفتي الدولة العثمانية. فهذا للأسف شيء؛ محاولة إسقاط الثقافات الأخرى على الثقافة الإسلامية جهل في النهاية.
د. فهد السنيدي: سماحته دائماً يمكن؛ ولحظت أنا سجلت ست أو سبع مواقف قال نحن ونحوه ونحن وإياهم نخطئ والخطأ وارد والخطأ وارد، الصراحة اللفتة الجميلة أنه قد يقع الخطأ في الفتوى هذا أمر وارد وله أسباب. لكن التعامل مع هذا الخطأ هو الأهم!
د. سعد العتيبي: هذا فعلاً ملاحظة.. الشيخ حفظه الله يقول علينا نحن وإياهم يقدم علينا بأن نراقب الله عز وجل..
د. فهد السنيدي: نعم صحيح
د. سعد العتيبي: وهذا يؤكد أن القضية قضية ديانة وليست القضية هكذا.. يعني الإنسان عندما يتحدث؛ يتحدث مبلغاً عن الله، عندنا نحن أهل السنة والجماعة ليس عندنا شخصية معصومة أو ممكن لا تخطأ..
د. فهد السنيدي: وليّ أو مثل هذا..؟
د. سعد العتيبي: المعصوم هو الوحي
د. فهد السنيدي: نعم
د. سعد العتيبي: لكن لا يمكن أن يكون الأشخاص معصومين، ولذلك عندنا يعتبر المرجعية العليا هي الآن؛ هرم المرجعية الرسمية عندنا في الفتوى هو سماحة المفتي ويقول: "علينا نحن وإياهم"، يعني بعض الذين نتحدث عنهم من طلاب طلابه فهذه نظرته الجميلة وهذا علم بالوحي يفقهه من يفقهه..
لكن يرد الخطأ، إذا لم يكن هناك عصمة سيكون هناك خطأ، هذا الخطأ ما أسبابه؛ الحقيقة إذا رجعنا إلى شروط المفتي؛ المفتي منصب شرعي لا يحتاج أن يرسم فيه شخص بسلطة أو بغيرها، ولذلك حتى لدى الأقليات يوجد مفتي، في أي مكان في العالم يوجد مفتي، لا يشترط له المنصب الرسمي. المنصب الرسمي هذا تأكيد لمنهج الدولة، لديانة الدولة، هذا ظاهر..
د. فهد السنيدي: نعم، صحيح.
د. سعد العتيبي: لكن الأمر أن المنصب يحدده العلم الشرعي؛ مكانته في العلم الشرعي، ثم الأمة تصادق عليه، كأن القضية أشبه إن صح التعبير؛ بُمخْرَج انتخابي حُر، وهو قضية الأمة ترى هذا الشخص. هذا الشخص إذا كان غير معصوم.. يعني سنجد أن الخطأ له أسباب تعود إلى شروط المنصب ومدى توفر شروط المنصب.
منصب الفتيا وأي منصب في الدين؛ في الشريعة والمناصب الشرعية والولايات الدينية؛ يُشترط له شرطان رئيسيان:
الشرط الأول: القوة، ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية.
الشرط الثاني: الأمانة.
د. فهد السنيدي: [مقاطعاً] ((إن خير من استأجرت القوي الأمين))
د. سعد العتيبي: نعم، شرط القوة؛ سنجد أن القوة يراد بها العلم بالشيء.. بموضوع الولاية.. يعني العلم بالأحكام الشرعية..
د. فهد السنيدي: جميل، ((خذ الكتاب بقوة))
د. سعد العتيبي: العلم بالنسبة للمفتي له ثلاثة عناصر:
العنصر الأول: معرفة الأحكام الشرعية.
العنصر الثاني: معرفة الوقائع والمسائل التي يحكم فيها والتي يُسأل عنها ومعرفة واقعها.
العنصر الثالث: القدرة على تنزيل الحكم الذي يعلمه على الواقعة التي أمامه.
الخلل يأتي في إحدى هذه الأمور؛ إما أن المفتي.. الشخص الذي يتصدى للفتيا لم يكن لديه علم بالأحكام الشرعية أو علمه في هذه الجزئية لم يكن وافياً، ولما يقال العلم بالأحكام يُقصد به معرفة؛ ويشترط له العلماء معرفة الآيات...:
1- آيات الأحكام وتفسيرها
2- أحاديث الأحكام وشروحها
3- القواعد الأصولية والفقهية والمقاصدية
د. فهد السنيدي: نعم، جميل
د. سعد العتيبي: فهذه قد تنقص الشخص، إما عموماً فيكون ليس من أهل الفتيا أصلاً، أو جُزئياً فيقع..
د. فهد السنيدي: [مقاطعاً] فيقع الخطأ في هذه الجزئية؛ نعم.
د. سعد العتيبي: أحياناً يكون الحكم.. لديه معرفة في الأحكام ويعني مستعد أن يبين ويشرح، ولكن عندما يأتي للوقائع قد لا يكون عنده تصور كامل للواقعة التي يحكم فيها.
د. فهد السنيدي: آه.. نعم..
د. سعد العتيبي: فيكون هناك إشكالية.. خلل في موضوع، هو عالم لا شك في ذلك، لكن لم يستوعب القضية..
د. فهد السنيدي: لم يحقق المآل..
د. سعد العتيبي: أحياناً قد يستوعب القضية وقد يستوعب الحكم..
د. فهد السنيدي: طيب..
د. سعد العتيبي: ولكن لم يستطع أن يُنزّل الحُكم المناسب على الواقعة التي أمامه.
د. فهد السنيدي: كما قال سماحة الشيخ قبل قليل في مسألة الرضاعة، أشار إلى جُزءٍ منها: "أنها واقعة عين معينة".
د. سعد العتيبي: لأن معرفة الواقعة يشترط فيها معرفة.. لها أكثر من شرط، معرفة الواقع زماناً ومكاناً.
في قضية مهمة التفريق بين فقه المسألة وفقه الفُتيا في المسألة. فقه المسألة: معرفة حكمها، لكن فقه الفُتيا بها؛ متى نفتي بها؛ متى تتحقّق؛ هل يتحقق الحكم في الصورة هذا من فقه الفُتيا.
أحياناً قد يكون الحكم صحيح وبالإمكان تنزيل الواقع على الحكم لكن من الصعب أن يُفتى بها لسبب من الأسباب، لظرف مكاني؛ ظرف زماني.
مثل فقه الأقليات لا يمكن أن يفتى ببعض الفتاوى الموجودة عندنا في المملكة في بعض بلاد الأقليات؛ يختلف الأمر.
د. فهد السنيدي: جميل، طيب خليني آخذ اتصالات سريعة أيضاً لأن الحلق فقط للتعليق على ما تفضل به سماحة الشيخ.
معي اتصال أول:مرحباً بك شيخ محمد تفضل.
حياكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
د. فهد السنيدي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
يأتي تناول هذا الموضوع من زاوية معينة وهي قضية العلاقة بين الطعن في الدين كهدف لأهل النفاق وأعداء الدين مع هذه الحملة المتتابعة من الفتاوى الشاذّة والغريبة في عملية تحريف وتغيير وتبديل، بل وصلة إلى مرحلة السخرية بالأحكام الشرعية.
تميزت الحملة الأخيرة:
أولاً: حاجة أهل الباطل إلى سند شرعي لأن أسمائهم وأشكالهم لا تساعدهم في ترويج الباطل.
ثانياً: جاءت الحملة بعد رحيل ثُلّة من العلماء الذين كان لهم رسوخ القدم في الأمة وشورى وفضل وتلقّت الأمة فتاويهم بالقبول.
ثالثاً: جاءت الحملة منظّمة في نسق متوالي يُشعِرُك بمدى التخطيط ويستعمل فيها ابن شيخ وابن عم شيخ وأخو شيخ واحد من عائلة المشايخ.
رابعاً: يرافقها إذاعة وشيوع بواسطة الوسائل الحديثة صورةً وصوتاً ونصاً وعبر الأقلام والزوايا والمقالات.
طبعاً آثار هذه العملية، نعم نشأ عنها بعض التشكيك عند بعض الناس وصاروا يقولون أن ما.. يعني الشيء الذي كان حراماً كيف أصبح حلالاً؟ عمن نأخذ الفتوى؟ اضطربنا في الأحوال! هل الفتوى نابعة من السائد الاجتماعي أم ماذا؟.
طبعاً بعض الناس كانوا يعصون وهو يعلم أنه حرام، وهذا قريب من التوبة، لكن المؤامرة الآن في نزع تأنيب الضمير حتى لا يكون حراماً أصلاً.
زعزعة مصدر الفتوى بين جيلين، يعني صار الابن يقول لأبيه يا أبي أنت شيخك ابن باز وابن عثيمين أنا الآن عندي مشايخ آخرين فأنا هؤلاء بالنسبة لي هم المفتون فماذا تقول لي.
طبعاً شرعنة الباطل قضية كبيرة، الناس الذي ذهبوا إلى الخارج قطعاً سيعودون أيضاً بأشياء. هناك بعض الإيجابيات:
أولاً: استعادة الوعي بالحكم الشرعي نتيجة هذه الهجمة. يعني بعض الناس كان مقلداً صار الآن عنده فهم؛ بصيرة نتيجة تعرّض الحكم لهجوم ومعرفة الأدلة.
ثانياً: مزيد من الإطلاع على الحكم الشرعي.
ثالثا: إنعاش الذاكرة بتذُّكر أدلة لأحكام هذا الحُكمْ وترسيخ القضية.
رابعاً: ظهور طلبة علم جُدد وعلماء المستقبل.
وأخيراً: صار هناك وعي عند كثير من الناس بالفتاوى الرخيصة وهذا واضح لدي من خلال التعليقات في المواقع الإخبارية وغيرها، وصرت ترى حتى في بعض مواقع هؤلاء المفتين من أهل الشذوذ والغرائب ردوداً قوية من عامة الناس غيرةً على الدين وهذا في الحقيقة من الإيجابيات الطيبة.
أشكركم على الموضوع وعلى إتاحة الفرصة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د. فهد السنيدي: جميل، شكراً.. وعليكم السلام ورحمة الله، شكراً جزيلاً لك. أستاذ هاشم الشايع في دقيقتين أيضاً تفضل.
هاشم الشايع: نعم، بسم الله الرحمن الرحيم أقول حفاظاً على وقتكم بارك الله فيكم أقول مصدراً لهذه المداخلة بكلام جميل لمعاذٍ رضي الله عنه في تصوير وتحذير من هذه الظاهرة ومعالجةً لها؛ يقول رضي الله عنه: "أحذركم زيغة الحكيم فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلال على لسان الحكيم وقد يقول المنافق كلمة الحق"، فقيل لمعاذ: وما يدرينا أن الحكيم قد يقول كلمة الضلال وأن المنافق قد يقول كلمة الحق، قال: "اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال ما هذه ولا يثنيك ذاك عنه، فإنه لعله أن يراجع؛ وتلقى الحق إذا سمعته فإن على الحق نورا".
وأقول من أسباب بروز هذه الظاهرة ما ابتلي به بعض الدعاة من كثرة التحدُّث مع جودة البيان فتهافت عليهم أضواء الفضائيات وتسابقوا إليهم فاستجابوا لها وانساقوا، غافلين عن منهج السلف من الإقلال إلا لحاجة.
قال عمر رضي الله عنه: "من كثر حديثه كَثُر سقطُه"؛ وكثرت أخطائه. ويقول الشعبي: "كره الصالحون الأولون الإكثار من الحديث ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما حدّثتُ إلا بما أجمع عليه أهل الحديث".
السبب الثاني في نظري؛ أصيبت مقاتل كثير من الدعاة عن التثاقُل عن قول: لا أدري ولا أعلم، وإن.. فترى كثير منهم الإجابة في كل شيء وابن مسعود يقول رضي الله عنه: "إن الذي يفتي الناس في كل ما يسألون إنه لمجنون". وكان ابن عمر يقول.. يقول: "ها" ثم يقول: "يريدون أن يجعلوا ظهورنا جسراً لجهنم".
سببٌ ثالثٌ هو عندما ظنّ بعض الدعاة انبهاراً عاماً بدينهم ورأوا أن ذلك شهادةً لهم بالجودة بمجال الفتوى وليس ذاك بصحيح بل شهادةُ أهل العِلمِ لهم هي علامة الجودة، كما قال مالك رضي الله عنه ورحمه: "ما جلست للفتوى حتى شهد لي سبعون من علماء المدينة".
فلا نخلط بين الفُتيا وتعليم العامة ودعوتهم من الدعاة من تمّيز بالموعظة والبيان ولكنه في الفتوى ليس مبنياً على التأصيل العلمي والحجة والبرهان.
د. فهد السنيدي: طيب، شكراً الأستاذ هاشم الشايع، شكراً جزيلاً انتهت الدقيقتين شكراً لك.
أعود إليك إذا كان لك تعليق على ما تفضل به
د. سعد العتيبي: والله جزاه الله خير؛ هو أشار إلى قضية سبق أن تحدث عنها في سلسلة مقالات عن آليات تقرير راند لمحاولة توظيف مجموعات معيّنة؛ وهذا ظهر خارج المملكة بشكل كبير جداً، خرج أناس يفتون بفتاوى كثيرة وثبت أن لهم صلات بجهات أجنبية تعطيهم مبالغ في سبيل التحدث عن الثوابت ومحاولة التقليل من شأنها وبث هذا الفكر في أماكن أخرى.
أيضاً محاولة تحريك أو توظيف بعض الخيّرين في نفس المشروع إذا عجزوا أن يصلوا بشخصياتهم كما أشار الشيخ..
د. فهد السنيدي: يحتاجون إلى سند شرعي
د. سعد العتيبي: نعم، فيدخلون من خلالهم ويوظفون أشخاص ليسوا قاصدين لما يقصده أولئك طبعاً لكن استطاعوا أن..
د. فهد السنيدي: يشرعنوا البعض
د. سعد العتيبي: يراقبوا ويمسحوا ما عندهم من معلومات وأفكار سابقة ويُثيروها بطريقة أو بأخرى ويحدثوا نوع من الخلل أنا من الأشياء التي كنت سأتحدث عنها وكفانا مؤنتنا الشيخ محمد المنجد حفظه الله، قضية الآثار الإيجابية أيضاً، أنا في ظنّي..
د. فهد السنيدي: [مقاطعاً] في آثار إيجابية.. طيب خلينا نؤخرها قليلاً، أنا بكون أكثر صراحةً معك لأدخل في الشق الثاني الذي أشار إليه سماحة المفتي وهو موقف الدعاة وطلبة العلم بل بعض كبار طلبة العلم من القضية.
سب وشتم وكتابات في المنتديات ورسائل الحقيقة محزنة، خليني أقول وأكون أكثر صراحة؛ ما جاءنا في هذه الحلقة من رسائل هي لا تمثل؛ أنا أقول لا تمثل شريحة مشاهدينا نعم، ولا تمثل طلبة علم نعم، لكنها تُمثّل شريحة مع الأسف.
كيف يمكن أن نقبل أن هؤلاء يتكلمون على إخوانهم، أخطأ الشيخ فلان وأخطأ فلان، تأتي أنت تقول الموبوء كيف تستضيف الموبوء كيف تستضيف المدري إيش، والمفتي قبل قليل قال نحن لا نشك في نياتهم؛ إخواننا نتعامل معهم بالحق، فما قولك في هذه القضية أما أحزنتك؟
د. سعد العتيبي: هذه تحصل يعني، أنا أقطع أنه حصل، أنتم مثلاً استضفتم أشخاص مثلاً قد لا يرضى عنهم فئة قليلة.
د. فهد السنيدي: هذا صحيح.
د. سعد العتيبي: لكن لا يحق لهم أن يقولوا هذا القول، يعني في قضية مهمة جداً؛ إذا كان حديثنا عن قضية خطأ في فتوى فما يفعله هؤلاء خطأ في قضية قطعية.
د. فهد السنيدي: صح
د. سعد العتيبي: الله عز وجل يقول: ((والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا))
د. فهد السنيدي: يا سلام
د. سعد العتيبي: ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا.." الحديث.
د. فهد السنيدي: يا سلام
د. سعد العتيبي: يعني قضية المسلم وحرمته قضية خطيرة وقطعية لا يُختلف فيها، فالذي يتجاوز؛ تُشكر لهذا الشخص غيرته لكن لا تصل به إلى تجاوز الحد أيضاً والقدح والسب ومحاولة شخصنة القضية وإثارة قضايا عن الأشخاص.
في الحقيقة قضية التعامل إن أردت أن أدخل بها الآن في التعامل مع المفتي مباشرةً أو الخطأ لما يُخطئ، هناك عدّة وسائل، في وسائل تصحيح وفي وسائل تعامل في حالة الإصرار على الخطأ.
د. فهد السنيدي: تمام
د. سعد العتيبي: للتصحيح استخدموا العلماء السابقون قضية المناصحة قضية المناقشة والمحاورة، قضية عقد جلسات حوار.
د. فهد السنيدي: يا سلام، جميل
د. سعد العتيبي: يُشرف عليها علماء كبار، بل في الدولة العثمانية كان في شيء اسمه الحضرة، يأتي الخليفة بنفسه ويأتي بالعلماء الذين اختلفوا أمامه وكل فريق يقول ما عنده من الأدلة..
د. فهد السنيدي: ويردون على بعضهم.. يا سلام
د. سعد العتيبي: ثم يُخلَص بقول واحد هو الذي يتجه إليه الجمهور وهذه قضية رائعة جداً من تاريخ الدولة الإسلامية.
القضية.. طبعاً هناك قضية تفنيد الفتوى الخاطئة وهذه واضحة جداً، أما التعامل معها في حالة الإصرار ذكر العلماء عدة أشياء. الإمام النووي ذكر مقاطعة هذا الشخص، ما يستفتى.
د. فهد السنيدي: تمام
د. سعد العتيبي: يقول الإمام النووي رحمه الله: "لا يجوز للمفتي أن يتساهل في فتواه ومن عُرِفَ في ذلك لم يجز أن يُستفتى" هذه قضية، وتكلم عنها أكثر من عالم. أيضاً قضية عدم اعتماد فتوى خاطئة وأنه لا تبرأ الذمّة بتقليد المفتي المخطئ في خطأه مع العلم بتخطئته من أهل العلم.
الإمام الشاطبي له كلام جميل جداً ليجمع القضيتين يقول: "زلّة العالم لا يصح.."؛ هذا العالم طبعاً نحن لا نتكلم الآن عن الذي يفتي بغير علم.
د. فهد السنيدي: طبعاً
د. سعد العتيبي: نحن نتكلم عن العالم؛ "زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة ولا الأخذ به تقليلاً له وذلك لأنها موضوعةٌ على المخالفة للشرع ولذلك عُدّت زلة وإلا فلو كانت مُعتداً بها لم يُجعل لها هذه الرتبة ولا نُسب إلى صاحبها الزلل فيها، كما أنه لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير ولا أن يُشنّعَ عليه بها ولا يُنتَقصْ من أجلها أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتاً، فإن هذا كله خلاف ما تقضي رتبته في الدين".
د. فهد السنيدي: يا سلام
د. سعد العتيبي: كلام جميل جداً، أيضاً من الأشياء الأخرى في التعامل معها؛ لا يصح الاعتداد بها علمياً، يقول الشاطبي رحمه الله: "لا يصح اعتمادها خلافاً في المسائل الشرعية ، لأنها لم تصدر في الحقيقة عن اجتهاد ، و لا هي من مسائل الاجتهاد ، و إن حصل من صاحبها اجتهاد فهو لم يصادف فيه محلاً ، فصارت في نسبتها إلى الشرع كأقوال غير المجتهد , و إنما يُعد في الخلاف الأقوال الصادرة عن أدلة معتبرة في الشريعة ، كانت مما يقوى أو يضعف ، و أما إذا صدرت عن مجرد خفاء الدليل أو عدم مصادفته فلا ، فلذلك لا يصح أن يعتد بها في الخلاف ، كما لم يعتد السلف الصالح بالخلاف في مسألة ربا الفضل.." إلى آخره
د. فهد السنيدي: على كل حال أنا أشكر لك إتاحة الفرصة واللقاء بك وأتمنى لك التوفيق شكراً جزيلاً.
د. سعد العتيبي: شكراً لكم وجزاكم الله خيرا وإن شاء الله في موضوعات أخرى لعلها يسمح لها الفرصة.
د. فهد السنيدي: كانت هذه الحلقة أيها الإخوة والأخوات مع سماحة مفتي عام المملكة تحدث عن العبث بالفتاوى وعلّق معنا في الأستوديو فضيلة الدكتور سعد بن مطر العتيبي عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء، شكراً لطيب متابعتكم.
كانت خاتمة المسيرة مسك، من خلال اللقاء بسماحة مفتي عام المملكة؛ أعلن توقف هذا البرنامج خلال الفترة القادمة، كانت هذه آخر حلقة من حلقات هذا البرنامج في هذه الدورة.
أسأل الله تعالى أن يُيَسّر لي ولكم ولفريق البرنامج اللقاء بعد شهر رمضان المبارك بإذن الله تعالى إن أمدّ الله في العُمر.
تحية طيبة من فريق البرنامج ومن أعضاء منتدى ساعة حوار؛ سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
رد: تفريغ "ساعة حوار: فوضى الفتوى" - لقاء مع سماحة المفتي
رد: تفريغ "ساعة حوار: فوضى الفتوى" - لقاء مع سماحة المفتي
بارك الله فيك , كنت قد شاهدت طرفا من الحوار وأمتعنا الشيخ عبد العزيز كعادته بكلامه الهادئ , البعيد عن اللهجة الفظة والتشنجات الكلامية فجزاه الله خيرا , فهو - إن شاء الله - الرجل المناسب في المكان المناسب .
رد: تفريغ "ساعة حوار: فوضى الفتوى" - لقاء مع سماحة المفتي
جزاكم الله خيراً ووفقنا الله وإياكم ونسأله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه..