بسم الله الرحمان الرحيم
الحافظ ابن حجر بين الإقرار بإمامته و تبرير أخطائه
التعقيب على التعقيب (حوار علمي الاخوة الكرام )
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيد المرسلين،وبعد.... .
فقد اطلعت على تعقيبات و استدراكات الإخوة الأفاضل على مقالي (براءة ابن تيمية من مطاعن ابن حجر في الدرر الكامنة)، وما استتبعها من نقاش ربما خرج عن الموضوع في بعض فصوله.
وفي ظني وقف بعضهم عند القشور، و غفل عن المعاني، فلم يفهم القصد من كتابة هذا المقال، ومن ثم تعلق بحجج ضعيفة نزع إليها وهمه، ثم رجم بالغيب.
و الذي أود قوله في هذا الشأن قبل الإجابة على تعليقات إخواني أن هذه المسألة كباقي المسائل العلمية من هذا النوع خاضعة للبحث، و كل يدلي بدلوه، و نستفيد من بعضنا البعض،لأن مواقفنا منها ليست من ثوابت الشريعة، و يمكن للواحد منا أن يرجع عن موقفه كلية أو جزئيا،ومن يملك الحقيقة فليدل غيره عليها.
فهل يمكن أن نختلف بدون تصادم أم أن التصادم حتمية وقدر كتب علينا فلا نعلق على المخالف لنا إلا وقد نلنا منه بعض الشيء؟!
وكلنا بدون استثناء يقدر على اللمز و الغمز إلا من منعه حلمه وعلمه، فلنقتصر على ذكر الدليل بدون توسع في التأويل فبه تقوم الحجة، وهي لا تحتاج إلى التهويل بذكر الكلمات الكبيرة التي لا هوية لها، يحتج بها المصيب و المخطئ، كقول الأخ أمجد الفلسطيني :
" صار بعض الناس لا يستطيع أن يدافع عن شيخ الإسلام ابن تيمية إلا بالطعن بأهل الفضل والعلم،فيطعن من أجل ذلك ويشتم الجويني والغزالي تارة والسبكي وغيره تارة أخرى
وحتى انتقص بعضهم من الذهبي وابن رجب
واليوم الحافظ ابن حجر، وكل هذا من التعصب الممقوت للشيخ رحمه الله". فقد جانبه الصواب جملة وتفصيلا، بل لم يحسن التمثيل بالأئمة المطعون فيهم بزعمه، وقد يفهم من كلامه أنه لا يناضل عن الأئمة الذين سماهم إقرارا بمحاسنهم و فضائلهم و إقامة لأعذارهم، ولكنه يناضل عن عقائدهم و مناهجهم التي انحرفوا بها عن السنة، لأنه لم يظهر في تعقبه على مقالي التفريق الواضح بين وجوب أو جواز نقد آراء العلماء، وبين إقامة الأعذار لهم، و حسن الظن بهم.
كما لم يظهر التفريق بين مراتب العلماء، و أنهم و إن انتموا إلى طائفة واحدة فليسوا في الحق ولا في الخطأ سواء، ولا أعذارهم من جنس واحد.
ولم يظهر التفريق و التمييزبين المذاهب العلمية وحقيقتها، بين ماهو من البدع الظاهرة و الغليظة، وما هو من البدع الخفية.
بين مخالفة أهل السنة مخالفة ظاهرة صريحة، و مخالفتهم فيما دون ذلك.
بين المجتهد اجتهادا سائغا أو له أسباب موضوعية والمجتهد في باطل معلوم البطلان.
و بين مجتهد في بدعته باجتهاده، و مجتهد فيها بالتقليد.
ومن أين له أن الغزالي و السبكي من أهل الفضل و العلم، في منزلة ابن حجر أو ابن رجب و الذهبي، و الأول مقالاته وكتبه موغلة في الضلال .
و الثاني منحرف عن السنة و أهلها،مدافع عن البدعة و أهلها، متحامل بالتعصب و التحريف على شيخ الإسلام ابن تيمية و الذهبي ، وعلى سائر أهل السنة المحضة الذين انتقدوا من كان يحسن الظن بهم، و يتعصب لهم.
ولماذا التوقف عند الجويني و السبكي و الغزالي، و بمنطقه: يجري على هؤلاء ما يجري على محي الدين بن عربي، و الحلاج، و ابن سبعين، و ابن الرومي، و ابن الفارض ، و السهروردي المقتول،و هشام الفوطي، و ابن رشد، و ابن باجة و حتى ابن سينا، والقائمة طويلة.
فإن فرقَ بينهم فما موجب التفريق، وما علته، وما حدوده؟!
و بأذن الله تعالى أجيب الأخ عن كل واحد ممن مثل بهم إجابة تبيّن أنه مزج في دفاعه عن هؤلاء بين الحق و الباطل.
وهذا يوهم الناس أنه يدافع عن عقائد باطلة، ويزين للناس ضلالات غليظة، بتزيين علماء ذمهم أهل السنة ذما قاطعا،لا يجوز بحال مدحهم للناس إلا بالقيود السابقة، صيانة للأمة من الضلالات التي انزلقوا خلفها، و التي لن تروج على أهل السنة مهما استروح بعضهم إلى التأويلات الباردة.
فإن لم يفرق الأخ بين ترجمة العلماء التي من باب العدل نذكر فيها محاسنهم و أخطاءهم، وبين نقدهم في آرائهم العلمية، فقد فاته الكثير في معرفة السنة منهجا وطريقة.
أما إدخاله ابن رجب و الذهبي في القائمة فهو تشويش على الحقيقة العلمية، و تلبيس في الكلام لأن هذين لم يطعن فيهما إلا مبتدع ظاهر البدعة، معروف التوجه ،و أولهم السبكي فيما يخص الطعن في الذهبي،وقد ذمه العلماء على ذلك بمن فيهم الحافظ ابن حجر كما في (لسان الميزان) و سيأتي.
وعليه، فإن رفع لافتة "الطعن في الأئمة و التعصب لابن تيمية" فوق أي تعقيب على علماء الأشعرية أو غيرهم هو من باب التنفير من الموضوع أو الترحيل للنقاط السوداء في تاريخنا العلمي ، ومعها نرحل الخلاف إلى الأجيال القادمة !
قد تكون أسباب الأخ أمجد الفلسطيني وجيهة، ولها اعتبارات صحيحة لو قصد حسن قصد بعضهم،أو صدق طلبه، ولكنه لم يفعل؟
فليس في ما ذكرته ـ ما اعتبره طعنا ـ في الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ نعم هناك عتاب، له أسباب موضوعية بينّتها في المقال إما بطريق النقض أو الإثبات،لم يقف عندها الأخ وخرج عن الموضوع كلية، كأنما الناس يكتبون ما لا معنى له، ويقولون ما لا قصد من ورائه!
و الموضوع الجوهري في هذه القضية هو هل تثبت تلك المطاعن في ابن تيمية أم لا؟
ومن استفاد منها؟
وهل يعذر ابن حجر في ذكرها دون الإشارة إلى بطلانها ،و الحط على قائلها أم لا؟!
لا الطعن في ابن حجر، فجر البحث و النقاش إلى هذا الفرع لا يخدم قضية الأصل.
ولو كنت أقصد الطعن في ابن حجر لقلت :
1 ـ هذه المطاعن الباطلة عندما يحتج بها من يحسبهم الناس علماء، و يتشبث بها و يمضغها في الكتب و التلفزيون، فإن العامة وهم صنفان:
عامة محضة، و عامة في الدين ،خاصة في غيره، كالسياسة و الأدب، و غيرها من علوم وفنون، من أصحاب الوجهات و النفوذ، يعتقدون موجبها، و أنها لو لم تكن حقا لما ذكرها ابن حجر و الكوثري وحسن السقاف و أشياعهما ،فيصير اسم شيخ الإسلام ابن تيمية منبوذا، و يحاربه كل من صدق بهذه المطاعن.
ولولا مثل هذا الضعف في الترجمة لما وقع ما وقع لكثير من أئمة الإسلام من الرمي بالزندقة و النفاق و التكفير و الشرك و الضلال و التكذيب و غيرها.
وكم من رجل ضل بهذه المطاعن فبها استدرج إلى الرفض، فمع شيء قليل من استخراج اللوازم الباطلة من كلام ابن تيمية و تضخيمها، ثم الاستشهاد بكلام الحافظ و السبكي و الكوثري تصبح الأكاذيب حقيقة يضل بها الناس، فإن أسهل شيء لاستدراج الناس للبدع الغليظة، وهذا أدركه الشيعة هو نسف ابن تيمية، ومن هو في منزلته .
2 ـ كون ابن حجر حكاها عن غيره فهذه حجة ضده، وليست له،خاصة إذا عرفنا عمن أخذها، فكان الأجدر به الطعن في قائلها لا حكايتها عنه، و إن لم يكن ابن حجر منشئا لها ـ في مكان ما ـ قد لا يعرفه أكثر من يسمع هذه المطاعن.
فهذا يشبه أن أحكي لشخص ما حكاية مكذوبة سنة 32 ثم أرجع عنها لشخص آخر سنة35 ثم ألتقي الشخص الأول سنة 37 ولا أرجع عنها!
3 ـ هذا الطعن لم يحكه رجل مغمور أو غير مشهور بالعلم أو غير مبتوع بل هو علم في الباب ، و ابن تيمية من كبار أئمة السنة ، الطعن فيه ليس كالطعن فيمن هو دونه ،من جميع الجهات،فٍأسلوب ( حكاية كل ما قيل) قد يغتفر في المغمورين ومن ليس لهم أتباع ،أما في المشاهير فهو خطأ و تقصير.
4 ـ التأويل لابن حجر بأن ذلك منهجه و أسلوبه لا يشفع له لأن أعراض العلماء ومذاهبهم، و الحقائق العلمية لا تتوقف على المناهج و الأساليب، ولكن على مطابقتها الواقع، فلا يجوز لي أن اتهم غيري باطلا،أو أحكي عنهم مستشنع الكلام و أعتذر بأنه أسلوبي ومنهجي ، هذا يصلح في الدراسات الفيلولوجية و المكتبية لا في تراجم العلماء.
5 ـ تشبث أعداء السنة بهذه المطاعن و استفادتهم منها دليل على أنه لم يوفق في أسلوبه ومنهجه، إذ الحق لا يستفاد منه في الباطل .
و ابن حجر حينما يحكي مثل هذه الأباطيل يعلم أنها أخبار، و الأخبار إما صادقة وإما كاذبة، وقد كذبها باللزوم جملة في تقريظه (الرد الوافر) وحكاية الكذب أو التحامل دون الإشارة إلى أنه كذب و تحامل، هل يجوز؟
وهل يبرره الأسلوب العلمي؟
ومع فرض انتفاء قصد الإيذاء هل نصفه بالتقصير أم بالكمال و الرقي ؟!
6 ـ لو افترضنا أنه حين تدوينها في ( الدرر الكامنة) ظن أنها صحيحة أو لها أصل صحيح أو غلبه كثرة الكذب على شيخ الإسلام و كثرة أعدائه، ولكن هذا لا يمنع من معرفة الحق بيقين أو حتى بظن غالب لأننا نقدر علم الحافظ وتجربته في الجرح و التعديل، وقدرته الفائقة على تمييز الصدق و الكذب.
لم ندافع عن ابن تيمية بالطعن في ابن حجر، و لكن بانتقاد منهجه في (الدرر الكامنة) لأنه لا يليق بمنزلته، وما عرف به من تحقيق و إنصاف،فإن اعتبر بعضهم النقد العلمي المدلل عليه طعنا فهذا اصطلاحهم الخاص بهم.
7 ـ ما نقله الحافظ من مطاعن في ابن تيمية، ولم يجب عنها، هي إما كذب محض و إما قول محرف بالزيادة و النقصان أخرج مخرج الذم و القدح، و هذا يستلزم لا محالة أن الأول نقص في الدين يستحل به الكذب، و الثاني نقص في العلم يمزج بين الصدق و الكذب.
كذلك أقول: و إن كان الاستغفار للجميع عملا طيبا صالحا ،ولكن بعد إحقاق الحق ورده إلى نصابه، أما ترك التهم الباطلة و الزائفة معلقة ثم الاستغفار للجميع فنفهم منه أنهم في مستوى واحد من الذم أو العتاب، أو قد صحت تلك المطاعن أو بعضها، فهذا لا يجوز بحال،فقد يقصد بالاستغفار استغفال الناس و الظهور بمظهر الموضوعي و المحايد و المدافع عن القواعد العلمية لا أشخاص العلماء.
ومهما يكن فالنقد كان موجها لجزئية واحدة هي تلك المطاعن التي ذكرها الحافظ في (الدرر الكامنة) ولم يفندها كما فعل ـ مجملا ـ في تقريظه للرد الوافر فالاستدراك علي في غير هذه الجزئية أمر خارج الموضوع،لأن نقدي كان واضحا مقيدا لم أقل فيه : مطاعن ابن حجر،بل أضفت إليها قيدا هو قولي (في الدرر الكامنة).
وقد يقول بعضهم هي ليست من أقواله إنما حكاها و نقلها؟
فأقول: (الدرر الكامنة) ليس كتابا منحولا فننسبه لمجهول، ومتى لم ينسب الحافظ الأقوال إلى أهلها فيحمل جزءا من تبعاتها،ولا يشفع له أنه ذكر مصدره في كتاب آخرأو فصل آخر،لأن ما يوجد في (الدرر الكامنة) يناقض ما يوجد في مواضع أخرى،قد يعتبره بعضهم شاهد نفي، ويعتبره آخرون شاهد إثبات.
فليس كل الناس يعرف ترجمة ابن تيمية الصحيحة، و ليس كل الناس يعرف كل كتب الحافظ، و أنه أنصف الشيخ في مواطن أخرى، خاصة إذا عرفنا أنه ألف (الدرر الكامنة) سنة 830 هـ ثم رجع إليه مضيفاً ومكملاً إلى سنة 837هـ.
و قرظ (الرد الوافر) في التاسع من شهر ربيع الأول عام خمسة وثلاثين وثمان مئة.
فكان يمكنه التصحيح عند الرجوع و التكميل للدرر الكامنة .
و إذا قدر بعضهم أن هذا الجزء قد يكون من زيادات طلبته بعد موته، وهذا قد أشار إليه بعضهم دون تحديد هذه الزيادات، فهذا توجيه مهم يليق بعلم الحافظ ومنصبه وعنايته بمصنفاته ، و سعيه الدائم للدقة .
وعليه،فإن نقدي جاء في سياق صيانة منزلة الحافظ ابن حجر من خلال تبرئة ابن تيمية من تلك المطاعن ،فلا يعود هذا المصنف(الدرر الكامنة) مرجعا لكل من يريد الطعن في شيخ الإسلام،من الشيعة و المعتزلة و الأشاعرة و القبوريين.
ومعلوم أن المسائل الشنيعة المنسوبة إلى العلماء التي لم تثبت عنهم أو ثبت ما يخالفها ، ليس لنا أن نحكيها عنهم إن لم يكن الغرض إبطالها و نفيها ، لأن حكايتها على عهدة المجهول،أو الضعيف فيه قدح فيهم ،وهي ضرب من الطعن فيهم، و الدليل على ذلك أن كثيرا من المبطلين يلهفون عليها ،و يلبسون على الناس في مجالسهم ودروسهم بقولهم: قد طعن فيه ابن حجر، و ذكرها ابن حجر في (الدرر الكامنة)!
فإذا لم يجز لنا أن نحكي عليهم المسائل العلمية الشاذة الباطلة التي لا تليق بعلمهم ومنصبهم في الأمة فكيف بمستشنع الأقوال و الأكاذيب؟!
وفي خلال نقدي لم أطالب الحافظ بمدح شيخ الإسلام أو نفي هذه المطاعن بالظنون و التشهي، ولكن كان عليه أن يثبتها بدليل أو ينفيها بدليل،إلا أن بعض الإخوة غفلوا عن تلكم الإلزامات، ووقفوا حيث اشتهوا.
أرجو أن يجد إخواني الأفاضل في هذا التعقيب توضيحات مقنعة و إلا فهذا الجهد و بارك الله في الجميع من استفدنا منه، ومن لم نستفد منه.
قال أحد الإخوة:
((أسلوب ابن حجر هو ذاته في ما نعرفه في كافة كتبه..ينقل آراء الموافق و المعارض على طريقة ناقلي المقالات...))
الجواب:
1 ـ الحقائق العلمية لا تتوقف على أسلوب العلماء و مناهجهم في كتبهم،هذا فضلا عن أعراض العلماء حين ننقل مثالبهم دون أن نشير إلى أنها غير ثابتة عنهم،فإن حكاية المطاعن دون عزو إلى قائلها أو التحقيق فيها فيه هضم لحق من قيلت فيه.
وكونها طريقة ناقلي المقالات فهذا ليس بحجة ولا بعذر.
2 ـ الحافظ لم يلتزم بمنهجه كما يزعم الأخ في كل كتبه، فإنه في (لسان الميزان) (134/3) انتقد السبكي على الحط على الذهبي فقال:
(( وقد بالغ التاج السبكي في الحط على الذهبي في ذكره السيف الآمدي والفخر الرازي في هذا الكتاب، وقال: هذا مجرد تعصب، وقد اعترف الفخر بأنه لا رواية له، وهو أحد أئمة المسلمين، فلا معنى لإدخاله في الضعفاء، وعدل عن تسميته إلى لقبه فذكره في حرف الفاء، فهذا تحامل مفرط، وهو يقول: انه يروى من الهوى في هذا الميزان ثم اعتذر عنه بأنه يعتقد أن هذا من النصيحة لكونه عنده من المبتدعة))
وكان قد انتقد قبل هذا الذهبي(423/1) بما انتقده السبكي فقال:
((والعجب من ترك المؤلف لذكره في كتابه هذا مع ذكره للسيف الآمدي )).
إذا عندما يريد الحافظ التعقيب يعقب، وعندما يريد المخالفة يخالف،لم يكن مربوطا أو مهددا عندما كتب (الدرر الكامنة)!
كما أنه قال في ترجمة نصر بن سلمان المنبجي من (الدرر الكامنة) أنه كان يحط على ابن تيمية من أجل حطه على ابن العربي، ولكنه كان لا يعرف ما يعاب به ابن العربي إلا لكونه منسوباً إلى الزهد )) فرد حط هذا الرجل ببيان جهله بما أخذ على ابن عربي ،فقد ناقض منهجه في نفس الكتاب، وعن نفس الشخصية؟!
3 ـ ومما يدلك على أنه لم يلتزم بمعايير موحدة مقدمته للرد الوافر التي يحتج بها بعض الإخوة فإنه سلك فيها منهج الإنصاف، وهو منهج مغاير لمنهجه في ( الدرر الكامنة) فيما يخص ترجمة ابن تيمية، وهذا واضح.
و إن لم يكن (الرد الوافر) كتابه، فإن التقريظ كلامه، وهناك أسباب أخرى سأذكرها عندما أتكلم عن أسباب هذا التقريظ ودوافعه، و أين ناقضه الحافظ ابن حجر، أو لم يعمل بموجبه، كل هذا في موضعه.
فما قد يعتبره الأخ إنصافا من الحافظ في مقدمة (الرد الوافر) قد يعتبره آخر تناقضا مع صنيعه في ( الدررالكامنة)،أ تراجعا.
قال الأخ:
(( متجنبا ان يدلي برأي في الغالب و تاركا للقارئ ان يستخلص أفكاره بنفسه..))
قلت: هذا هو المشكل لأننا عندما نأتي إلى منارة في العلم اختصم فيها الناس و انقسموا إلى موافق ومخالف، وننقل فيه من المطاعن ما لا يوجد في كتبه الكثيرة التي ننقل منها فتاويه و مذاهبه في كتبنا،ولم يذكره إمام معتبر كما فعل الحافظ مع ابن تيمية فإننا نوهم القارئ أنها ثابتة،خاصة و أن (الدرر الكامنة) كتاب تراجم لا كتاب مقالات، قد يقرأه من ليس له اطلاع على بقية الكتب.
وقد يقرأه من لا يفرق بين مناهج العلماء، وقد يقرأه مغرض كما فعل الكوثري و حسن السقاف في مقدمة (شرح العلو للعلي الغفار) وغيرهما.
و ترك القارئ يستخلص أفكاره من طرق التعليم في المواد البرهانية لا النقلية التي عليك أن تذكر له السند ثم تتركه يستخلص الأفكار،وعليه ليست من طرق كتابة التراجم.
كذلك مما يبطل هذا التعليل أن شخصية الحافظ العلمية أقوى من كثير ممن يطالع كتابه فسيتأثر به حتما، وقد حصل هذا بحيث أن عالما مثل الكوثري يستشهد بها فما بالك بطلبة العلم و العوام.
وقد يقال:إن الكوثري كان منحرفا عن ابن تيمية متحاملا عليه ، يستشهد بما يعلم بطلانه فأقول: و لم أترك الفرصة لهؤلاء، و أنا من علماء الجرح و التعديل الذين خبروا هذا الأمر أكثر من غيرهم، و ممن لا يقبل الجرح المجمل في المشاهير فضلا عن الحكايات التي أعلم أنها مكذوبة مصنوعة ؟!
وهناك التوجيه عن طريق التأثير الخفي أو غير المباشر الذي لا يمكن تجنبه إلا من خلال النظر في مرجعين مختلفين، الأمر المنتفي في هذا التعليل.
فهذه الطريقة هي طريقة الأخباريين بالمعنى المذموم لا طريقة أهل الحديث و الأخباريين الموثوقين، فمثلا ما يميز المحدثين عن فقهاء الحديث هو تحصيل العوالي و تمييز العالي من النازل ونحو ذلك من فنونهم بينما محدثو الفقهاء يعتنون بفقه الحديث و ألفاظه و معانيه.
ويعلم الأخ ما في كتب الإخباريين من الكذب و الباطل، فيجب التفريق بين عمل القصاص والأخباريين، و بين عمل المحدثين و أئمة الإسلام.
ووصفك الحافظ بأن طريقته طريقة ناقلي المقالات ليس دقيقا، ومهم يكن الناقل فإننا إن لم نتهمه فيجب أن ننظر عمن نقل، فالناقل إذا سلم من الطعن لا يقبل كلامه حتى يكون ما حكاه مقبولا غير منكر.
فالناس فيهم من يقدر على تمييز الصحيح من الضعيف وفيهم من لا يقدر.
و الحافظ ابن حجر من أصدق الناس و أثبتهم في صناعته، لكن الشأن في هذه القضية في المنقول عنه، كما أن الصدق و علو المنزلة في بعض العلوم لا يمنع التحامل الكثير أو القليل.
وهنا يفرض علينا السؤال التالي: لم عول الحافظ ـ رحمه الله ـ على مثل الأقشهري، و نقل عنه في كتبه كثيرا، وهو يعلم أن من ترجموا شيخ الإسلام أمثال ابن سيد الناس، و اليعمري، و الذهبي، و ابن كثير وغيرهم أوثق و أعلى منزلة منه ؟
لم نقل أخبارا مرسلة من جنس الشائعات عن قصاص، ولم يبذل أي جهد لتحقيقها ولو مجملا، وقد كانت كتب شيخ الإسلام بين يديه ينقل منها في كتبه، لم يكلف نفسه الرجوع إليها؟!
ومعلوم أن النقل في مثل هذه الأمور لا يمثل إلا وجهة نظر الناقل لأنه يصوغه وفق تصوره، ووفق أهدافه منه، ولكن التحليل لهذا النقل هو ما يظهر الحقيقة و يكشفها، ويبين المقاصد الخفية.
وعندما تترجم شخصا ما فإذا ذكرت التعديل والتجريح وجب عليك الترجيح على أن يكون التجريح في مستوى التعديل توثيقا ومصدرا، فلا نقابل تعديل أئمة الإسلام بتجريح المقلدة أو المخلطين في العلم، والعكس صحيح.
وهناك أئمة كبار لا ينقلون في كتبهم أو لا ينسبون إلى الناس إلا ما يعتقدون صحته فيما بينهم وبين الله تعالى.
ومن هنا كان العتاب للحافظ صحيحا لأنه محدث عارف، عمدة في التراجم و الجرح و التعديل، وليس بإخباري تالف ينقل ما يجافي العقل.
وقد انتقد بعض أهل العلم و التاريخ الطبري على روايته في (تاريخه) ما وجده عند مختلف الأخباريين.
و أي عمل علمي ـ بخلاف الأدب وما في معناه ـ يرتكز على التحقق من صحة المعلومات، و خلوها من العوامل العرضية كالتعصب و التحامل و الأسباب غير العلمية ، هذا هو الفرق بين العلم الناتج عن البحث و الدراسة، و العلم المتلقى بالحكاية عارية عن أسانيدها و أدلتها.
فإما نعتبر التراجم علما له أصوله و مقاصده، و إما نعتبره مادة للسمر و التسلية.
قال الأخ:
((و لا يخفى ما في هذا الأسلوب من الرقي العلمي ..))
قلت: تسمية ذكر المطاعن دون إعمال قلم التحقيق فيها، خاصة و أنها تتعلق بمشاهير الإسلام بالأسلوب الراقي و الرقي العلمي استعمال للعبارات في غير مظانها ولا مواردها، فغاية ما يوصف به صنيع الحافظ في (الدرر الكامنة) ـ أنه تقصير فادح.
وقد وقع مثل هذا من بعض الأوجه في كتب التاريخ كتاريخ الطبري، فإنه ذكر فيه بعض مثالب الصحابة، و أبرأ عهدته بذكر الأسانيد، ولكن ذاك زمان وهذا زمان،ذاك زمان كانت الثقافة الحديثية منتشرة، و الكتب قليلة الانتشار، قد لا يطلع عليها إلا العلماء،و بمجرد النظر في السند يعرفون أن القصة موضوعة.
لكن تغيرت الأزمان فجاء كتاب و منسبون للعلم ممن ليس له دراية كافية بعلم الحديث ،و بدأ ينقل منه مثالب الصحابة ظنا منه أن مجرد رواية الطبري لها إثبات لها.
وعليه فإن الأمة الآن تحتاج إلى الكتب المحققة و تقبل عليها لهذا الغرض.
فالرقي و الارتقاء بالعلم و المعرفة ، لا يكون بالإجمال و لكن بالتفصيل، بحيث يكون كل عملنا التحقيقي اليوم أحسن مما قبله ، وهذا يقتضي التحسين باستمرار، بإضافة المكنات الجديدة التي تزيد في وضوح الحقيقة ،و تصفي هذه الكتب من النعرات المذهبية و العصبية ، وتوسع أفق طالب العلم، وتزيده موضوعية و إنصافا و اهتماما بالموضوع أكثر من الشكل.
فلو أن الأخ أضاف إلى ملاحظته على المقال إبطال التهم الباطلة التي نسبت لابن تيمية لكان أفضل، و لكنه غفل عن أصل المشكل الذي هو ذكر مطاعن باطلة في ابن تيمية، و اقتصر دفاعه عن ابن حجر مع أني كنت منصفا مع الحافظ ، وتعاملت مع صنيعه ومنهجه في (الدرر الكامنة) بمنهج علمي، ولو كان قصدي الطعن عليه كما زعم بعضهم فإن عندي ما أطعن به عليه في مسائل أخطر من هذه بكثير.
و لكن الأسلوب الذي انتهجته معه هو التفريق بين مقام الكلام عن أخطاء العلماء و نقدهم بنزاهة، مع ذكر الأدلة، و مقام إقامة الأعذار لهم، و الإقرار لهم بإمامتهم في صناعتهم.
و الظاهر أن بعض الإخوة لا يفرق بين هذا و ذاك، و جمع الكل في سلة واحدة كما جميع بين العلماء الذي لهم أخطاء كبيرة ومعروفة في العقائد و غيرها، و لهم مساع مشكورة، و جهاد في الدفاع عن الدين في بعض المجالات، كما لهم إسهامات في علوم أخرى، و بين آخرين أصولهم باطلة غاية ما يقوله المنصف عنهم أن أحوالهم كانت إيمانية و لكن أقوالهم بدعية، ومن شر البدع.
ولعلني أشارك إخواني قريبا بحوثا عن هؤلاء العلماء تناولت جميع مراحل حياتهم و جميع مصنفاتهم بالتفصيل.
إن المطاعن التي سطرت في الكتب دون عزو إلى قائلها أو دون التحقيق فيها قد تضر بالإيحاء، و إحقاق الحق يلزمنا تفنيدها.
كما ننبه الأخ الفاضل أن ناقلي المقالات عندما تتعلق بالمشاهير أو بالمقالات الكبرى يعلقون عليها كما تجده في ( الفصل في الملل والنحل) و ( الملل و النحل) و( مقالات الإسلاميين) و غيرها فكتب المقالات ليست جنسا واحدا.
كما يجب التفريق بين نقل المقالات تعريفا بقائلها و بالطوائف الإسلامية، و بين نقلها في سياق الطعن و إبراز الأخطاء، فشتان بين المنهجين.
ومعلوم أنه إذا تعلق الأمر بشخصية مفصلية محورية في التراث العلمي الإسلامي بما له من ردود على طوائف كثيرة مثل ابن تيمية، فإن همم الناس و دواعيهم تتوافر على نفي الأباطيل عنهم أو نسبتها لهم و استخراجها من كتبهم لو كانت صحيحة، بحسب موقع الشخص منهم حبا أو بغضا ، موافقة و مخالفة.
و المقالات قبل أن تكون مقالات علمية هي نقل يخضع للتصديق و التكذيب،و عندما لا نعزوه لمصدره أو لا نبين حالته، فإما سببه السهو و الغفلة ،أو النقل من الذاكرة و تعذر الرجوع إلى المصادر، و إما عدم ثقتنا بالمصدر، و إما اعتقاد صحة أصله، مع اعتباره من قبيل الأخطاء العلمية!
وعليه،فإن وصف منهج ( جمع ما قيل في العلماء دون تمحيص ) بالأسلوب الراقي مجازفة بالألفاظ، فالأولى أن نقول إن الأمانة العلمية و منهج التحقيق يقتضي منا عزو الأقوال إلى أصحابها مقرونة بالنص المنقول عنهم في أقل الأحوال.
و أما الرقي فهو النظر فيها بموضوعية و حيادية، ودون أحكام مسبقة، و مقابلتها مع غيرها، و التحقق منها من كتب ابن تيمية، هذا هو الرقي العلمي الإثبات أو النفي بدليل.
أما التعليق فهو يشبه من بعض الأوجه الغيبة التي ظاهرها المدح و باطنها القدح،لا أقول هذا طعنا في الحافظ، ولكن من باب التشبيه لتقريب الفهم كمن يجرح عنده شخص فيقول :اتركوا الرجل غفر الله له ،فعندما يجب البيان لا يستحسن السكوت، أو الترحم لأن الباطل إذا أطلق ولم ننبه عليه علق بالأذهان، وقد يغتر به العلماء فضلا عن العوام.
وقد زعم ابن حجر في (فتح الباري) في مسألة بدء الخلق أن مذهب ابن تيمية فيها من مستشنع المسائل التي نسبت إليه، و ناقشه فيها بغير موضوعية علمية، حتى في ترجيح ألفاظ الحديث، فرجح بالمعاني الكلامية ولم يرجح بالألفاظ التي ثبت أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يستعملها في كلامه، ومن ثم اغتر به بعضهم حتى من المنسوبين للسنة فظن أن ابن تيمية يقول بقول الفلاسفة، وقد علم من هو دونه في العلم أن المسألة فيها ثلاث أقوال، و ليس قولين .
الأسلوب الراقي هو طلب أعذار الأئمة، و التأول لهم التأويل الحسن فيما صح عنهم، و تكذيب ما نسب لهم زورا، لا توهين التوثيق بالحكايات المكذوبة ولو من غير قصد.
و قد سأل البرهان الطرابلسي التقي الحصني وكان يحط على ابن تيمية عن شيوخه فلما سماهم له قال له: شيوخك عبيد ابن تيمية أو عبيد من أخذ عنه فكيف تحط أنت عليه؟! فما وسع الرجل إلا أخذ نعله و الانصراف.
إن التشويه و التحامل الذي تعرض له ابن تيمية لم يكن ليستغله بعض المغرضين لولا الكتب التاريخية التي كتبت بدون نقد وتحقيق.
وعليه، فتعقبي الحافظ ابن حجر على هذه المطاعن في (الدرر الكامنة) من باب قطع الطريق أمام الطعن الخفي في ابن تيمية، و استرواح المغرضين إلى ما لا يصح، لا الطعن في ابن حجر،و إن كان لازما بالضد بسبب التقصير، ولكن الرجل قد يقول قولا لا يقصد ضده، ولا يقع بخلده ،ودورنا نحن قطع هذه الشبهة لا تركها مادة جاهزة للاستغلال.
و إن كان أحد ملاما على هذه المطاعن فمن رواها ولم يفندها، لا من تعقبه على هذا التضييع في حق ابن تيمية.
كما إني أعلم أنه توجد أسباب وجيهة وموضوعية و مصالح شرعية كبرى في الدفاع عن مكانة ابن حجر العلمية و صيانتها مما قد يخرمها من باب أنه حصن من حصون السنة في مجال الصناعة الحديثية ،الحفاظ عليه من الحفاظ على مصادرنا الأصلية التي نتلقى منها شريعتنا، و التي أصبحت غرضا لهجمات شديدة وشرسة، روج لها بعض أهل الحق بغفلتهم و حسن ظنهم.
ولكن هذا ليس بعذر لهذر حق من هو أجل منه في هذا الباب، ولا بعذر لعدم البحث و استقصاء الحقائق.
قال الأخ:
((فنسبة المطاعن الى نفس ابن حجر و الافتئات عليه بأنه يقول بها...-فيما يبدو لي -قصور واضح في فهم مقاصد الشيخ و الرقي الى مرتبته النقدية ..فلو عبر عنها بالمطاعن التي نقلها ابن حجر..و أخرج الحافظ منها لكان حسنا))
قلت: 1 ـ لم أقل أبدا أنه يقول بها، و لكنه وظفها لغاية، بعض الناس يقول هذا منهجه أي خدمة القارئ ليقرأ كل ما قيل في الرجل بغض النظر عن صحته، ولو قبلنا منهم هذا التأويل لكان تنقيصا من قدر ابن حجر لأنه يعلم أن مثل هذه الحكايات توهن التوثيق، وليس كل الناس قد يقف على مصدرها الذي لم يسمه ابن حجر، حيث كان لازما عليه بحكم المقتضى تسميته، فإبهام اسمه يقف خلفه غرض ابن حجر شاء من يعتذر له أو أبى.
ولو نقلت هذه المطاعن من غير كتب الحافظ أو نسبت إليه ما لم تسطره يداه لكنت قد افتريت عليه،ولكن ما نقلته مدون في كتابه فتعقيب الأخ في غير محله.
وأذكر الأخ أن الله تعالى ذم من يروج عليه الكذب،وذم من يصدق بالكذب،فعندما تنقل ما قاله الناس في أحدهم من الأباطيل دون بيان فأنت تروج لها و تشاركهم فيها،فليس حجة لك أن تذكر كل ما قيل لك، و خير لك أن تذكرها مصدقا لها ولو كانت كاذبة من أن تذكرها لا مصدقا لها ولا مكذبا.
وما صنعه الحافظ في ترجمة ابن تيمية في ( الدرر الكامنة) لا يوجد فيه مقاصد علمية تخدم الحقيقة لا ظاهرة و لا خفية ،ليس فيه إلا إظهار سعة الإطلاع، وهذا أمر شخصي لا علمي.
وأية مقاصد في هذا الصنيع، عندما ننقل مطاعن لا نعتقد ثبوتها بما نصنعه في كتب أخرى، ولا نشير إلى أنها غير ثابتة ،ولا نسمي مصدرها لأنه تالف ،قد يفهم غيرك أن القصد غير صالح مثل مسايرة التيار الغالب،أومراعاة أمور تقوم في النفس،ومثل هذا يستشعر منه الناس نوعا من اللمز.
أما بخصوص العنوان فهذا فكرت فيه قبل إنزال المقال فقلت في نفسي: لو ذكر مصادره لعنونته ( براءة ابن تيمية من مطاعن الدرر الكامنة) ولكنه لم يذكر القائل أو ذكره بعيدا بصفحات عن محل الخلاف، فيتحمل العهدة.
و قولنا : "قيل ، و قال بعضهم، ومنهم من نسبه" ، لا يبرر الخطأ في باب المطاعن، فهذا يصلح في باب المقالات العلمية لأنه لا يترتب عليه تضليل العلماء ورميهم بالنفاق و الزندقة ، لا في باب التراجم و المطاعن في العلماء.
ومع ذلك في نفسي شيء من العنوان الذي اخترته فربما ما يقترحه الأخ أكثر عدلا و إنصافا و رعاية لمختلف المصالح.
قال أخ آخر:
((هذا خطأ مطلق! وغفلة عن عظيم منزلة شيخ الإسلام عند ابن حجر وأصحابه!))
قلت: على هذا الكلام استفهامات نطرحها على الأخوة بطريقة يفهمون منها قصدي فأقول:
1 ـ لاشك أن ما ذكره الحافظ ابن حجر عن ابن تيمية في تقريظه (الرد الوافر) يؤكد قولهم، فإنه مدحه ودافع عنه، ولكنه قال:
((وقد قام على الشيخ تقي الدين جماعة من العلماء مرارا بسبب أشياء أنكروها عليه من الأصول والفروع وعقدت له بسبب ذلك عدة مجالس بالقاهرة ودمشق ولا يعلم عن أحد منهم أنه أفتى بزندقته ولا حكم بسفك دمه مع شدة المتعصب عليه حينئذ من أهل الدولة.))
و قوله هذا يتناقض مع قوله في(الدرر الكامنة) : ((ومنهم من ينسبه إلى الزندقة لقوله أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يستغاث به وأن في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم النبي صلّى الله عليه وسلّم وكان أشد الناس عليه في ذلك النور البكري فإنه لما له عقد المجلس بسبب ذلك قال بعض الحاضرين يعذر فقال البكري لا معنى لهذا القول فإنه إن كان تنقيصاً يقتل وإن لم يكن تنقيصاً لا يعذر.))
بل نقل هو وغيره ما أفتى به القاضي المالكي ابن مخلوف حتى قال الشوكاني في (البدر الطالع) : ((ولقد أحسن المترجم له رحمه الله بالتصميم على عدم الإجابة عند ذلك القاضي الجريء الجاهل الغبي، ولو وقعت منه الإجابة لم يبعد الحكم بإراقة دم هذا الإمام الذي سمح الزمان به وهو بمثله بخيل، ولا سيما هذا القاضي من المالكية الذي يقال له ابن مخلوف فإنه من شياطينهم المتجرئين على سفك دماء المسلمين بمجرد أكاذيب وكلمات ليس المراد بها ما يحملونها عليه وناهيك بقوله أن هذا الإمام قد استحق القتل وثبت لديه كفره ولا يساوى شعرة من شعراته بل لا يصلح لأن يكون شسعا لنعله.))
قلت: فهذا يناقض ما قاله في تقريظه من حيث النقل.
2 ـ أما من حيث العمل فقد قال في التقريظ: ((بل من أطلق على من سماه شيخ الإسلام الكفر وليس في تسميته بذلك ما يقتضي ذلك فإنه شيخ مشايخ الإسلام في عصره بلا ريب والمسائل التي أنكرت عليه ما كان يقولها بالتشهي ولا يصر على القول بها بعد قيام الدليل عليه عنادا وهذه تصانيفه طافحة بالرد على من يقول بالتجسيم والتبري منه.
وتلقيبه بشيخ الإسلام باق إلى الآن على الألسنة الزكية ويستمر غدا لما كان بالأمس ولا ينكر ذلك إلا من جهل مقداره وتجنب الإنصاف فما أكثر غلط من تعاطى ذلك وأكثر غباره.))
ولكننا بالعودة إلى كتبه خاصة التي تناولت مسائل متنوعة كـ(فتح الباري) نجده لا يذكره إلا بنسبته مجردة "ابن تيمية" وربما ذكره مرة واحدة بـ "العلامة ابن تيمية" ويذكر البلقيني و الحافظ العراقي بشيخ الإسلام ،بل يذكر إسماعيل الهروي باسم شيخ الإسلام رغم أنه ينسبه إلى الزيادة في الإثبات.
فإذا أطلق على هؤلاء هذا اللقب وهم أهل له فمن طريق أولى أن يطلقه على ابن تيمية، فما وجه هذا التجاذب و التضاد بين القول و العمل؟!
و إذا أقر الحافظ (في الرد الوافر) لابن تيمية أنه شيخ مشايخ الإسلام في عصره ،وقد ذكره في كتبه عشرات المرات، ولم يسمه بهذا اللقب، فلابد أن هناك مانعا صرفه عن تلقيبه بشيخ الإسلام أقله مسايرة التيار، فلم الاستياء ممن ذكر هذه الحقيقة؟!
3ـ من المعلوم أن ابن ناصر الدمشقي كتب هذا الكتاب (الرد الوافر) للرد على العلاء البخاري الحنفي الذي كفر ابن تيمية و كفر من يلقبه بشيخ الإسلام .
ومعلوم كذلك أن ابن حجر كان مخاصما للعلاء البخاري، ناقما عليه، بحيث لم يترجمه كما قال السخاوي في (الضوء اللامع) : ((وما رأيت شيخنا ولا المقريزي ولا غيرهما ممن وقفت عليه ذكروه مع جلالته ))،لأنه :(( انحرافه عن الحديث وأهله بحيث كان ينهى عن النظر في كلام النووي ويقول هو ظاهر ويحض على كتب الغزالي))،ولهذا كان الداعي إلى مخالفته قويا ومؤثرا في كتابة التقريظ.
قال هذا الأخ :
((وجميع تلكم المغامز المسطورة في(الدرر الكامنة ) ليست من كيس الشهاب ولا جعبته!
وإنما نقلها الحافظ برمتها من ( فوائد الرحلة) للأقشهري.
وقد صرح الحافظ بذلك هناك في صدر تلك المغامز!
قلت: ذمني في مصر ومدحني في قصر،ما منعه من التصريح هنا كما صرح هناك؟!
قال هذا الأخ:
ومع ذلك يصرُّ البعض على أن يرمي بها الشهاب دون خشية أن يلفحه من شرارات الشهاب ما أصاب قبله ابن الأمين المصري؟!
والأقشهري هذا: رحالة متصوف كان يطوف البلدان وينزل الوديان! وقد جمع في ( رحلته ) كل غث وثمين يمكن أن يلتقطه كل سائح مغامر!
ومثله لا يعتمد عليه فيما يقول، فضلا عن كون كلامه مرسلا ليس بينه وبين مصاعد حقيقته اتصال!
وهذا الشيخ السائح: لست أعرفه بجرح ولا تعديل! وليس في ترجمته ما يدل على ذلك صراحة!
ومثله في عماية الحال، وانقطاع المقال: لا ينبغي أن يلتفتَ إليه، أو يعول ولو بفضول قلب عليه، بل يُضْرَبُ بينه وبين ناشدي الحقائق بحجاب، وتُغْلَق في وجوه الناعقين بكلامه الأبواب!
قلت: 1 ـ اعتبار حكاية الأكاذيب دون الإشارة إلى كونها أكاذيب، رميا هو الرمي على غير مرمى.
2 ـ من ينقل الغث و الثمين نقل عنه الحافظ كثيرا في كتبه، ومنها (الدرر الكامنة) حيث نقل قوله مسندا إليه : ((وقال الأقشهري في رحلته في حق ابن تيمية بارع في الفقه والأصلين والفرائض والحساب وفنون أخر وما من فن إلا له فيه يد طولى وقلمه ولسانه متقاربان)) فعند المدح سماه، وفي الذم أبهمه.
3 ـ ثم إن الحافظ ترجم الأقشهري في (الدرر الكامنة) ولم يذكر فيه شيئا، فدائما عندنا يقوم المقتضى لا يؤدي ما عليه،بل اعتمد عليه كثيرا، ونقل عنه تارة من كتابه وتارة بالإسناد .
4 ـ وبعض الإخوة لم يفهم لحد الآن أن العتاب يلحق الحافظ من جهتين من جهة عدم تسمية الناقل في موضعها، ومن جهة ثانية عدم مقابلة كلامه بما في مصنفات المترجم له كما أشار إلى ذلك في تقريظه (الرد الوافر) فإن سلم من واحدة غرق في الأخرى.
5 ـ المسألة بسيطة عقدتها التأويلات الباردة ، أخطأ الحافظ في حكايته تلك المطاعن أولا.
ثانيا: إن لزم الحال كان عليه تسمية القائل في موضع الذم و القدح وترجمته بما يليق به.
ثالثا: ردها بما ثبت عنده وصرح به في تقريظه.
رابعا: علينا نحن تفنيدها واحدة بعد واحدة بمنهج علمي موضوعي، من خلال استخراج كلام ابن تيمية من كتبه فنقطع الطريق على كبار المغرضين وصغارهم.
6 ـ قد عول عليه الحافظ في عدة من كتبه كـ (الإصابة) و (الدرر الكامنة) وغيرها، ولم يذكره بقبيح قول، ولا ذمه بشيء.
7ـ يرد على كلام الأخ قول الحافظ في التقريظ :
(( فالواجب على من يلتبس بالعلم، وكان له عقل أن يتأمل كلام الرجل من تصانيفه المشهورة أو من السند من يوثق به من أهل النقل فيفرد من ذلك ما ينكر فليحذر منه قصد النصح ويثني عليه بفضائله فيما أصاب من ذلك كدأب غيره من العلماء الأنجاب))
فليته فعل حيث قام المقتضى،فتأمل كلام ابن تيمية من تصانيفه المشهورة، ولم ينقل حكايات تالفة دون أن يبين حال ناقلها و يسميه في موضعها، أو يردها كدأب غيره من العلماء الأنجاب.
رد قول آخر:
أما قول أحد الإخوة: إن الألوسي لم يقصد في النص المنقول عنه ابن حجر الحافظ العسقلاني و إنما قصد الهيثمي صاحب (الزواجر من الكبائر)، و أن مرجع هذا الخلط الاعتماد على الحاسب الآلي فلنا عليه مآخذ أصلية وفرعية منها:
1 ـ مقالي لا يعتمد في صياغته ولا في حجيته على كلام نعمان الألوسي إنما ذكر من باب التعضيد لا الاعتماد، و إلا فإنه قد حوى عشرات الأدلة القاطعة، و الوقوف عند هذه المسألة لرد المقال كله تقصير في معرفة أنواع الحجج، و تعمية عن الموضوع الأصلي،فكل متعقب يقف عند جزئية ينفيها، ويظن بذلك أنه نفى الموضوع برمته.
2 ـ ما ذكره النعمان الألوسي من كون ناقل هذه المطاعن لم يسم مصدره، وأن ما نسب لابن تيمية من مطاعن في الصحابة الكرام لا يصح ينطبق على كل ناقل لهذه المطاعن، فما الفرق حينئذ بين العسقلاني و الهيثمي إلا في الشكل.
ومن عنده نسخة من (الدرر الكامنة) فيها تسمية المصدر في النص الذي نسبت فيه المطاعن إلى ابن تيمية أو صح عنده طعنه في الصحابة الكرام فليفدنا به.
3 ـ قد علم صغار طلبة العلم فضلا عن كبارهم أن العلماء لا يزالون يهمون ويتوهمون في العلم فينسبون هذا لذاك، و يخطئون في الألقاب والأسماء و الكنى فشعبة عرف بالخطأ في أسماء الرجال، و النسائي تكلم عن أحمد بن صالح في الفلسفة غير أحمد بن صالح الذي قصده ابن معين، و الحاكم توهم في بعض مستدركاته وتوهم بعده الذهبي ، و الأشبيلي توهم في أحكامه فتعقبه ابن القطان الذي تعقبه الذهبي،بل الحافظ نفسه وهم في مواضع عديدة.
فلا يوجد تقريبا من لم يهم في هذا الباب ،فهل نقول عنهم أن مرجع هذا الوهم كان سببه الحاسب الطوبي؟!
نقل الألوسي نقد الهيثمي وقال : (( انتهى ما قاله ، ونقله ((ابن حجر)) عليه الرحمة))
ثم قال: (( (أقول) : كان ينبغي من ((ابن حجر)) أن يعزو هذا الكلام إلى الكتاب الذي نقله منه ونسبه إلى ابن تيمية )) .
فقوله : (انتهى ما قاله) يقصد الهيثمي حتما ثم استئناف الكلام بقوله : (( ونقله ابن حجر عليه الرحمة))، هذا السياق يقتضي المغايرة كما هو ظاهر، فإن الرسالة التي ذكرها الهيثمي و أنها أرسلت لابن تيمية وفيها ذكر المطاعن عليه ذكرها العسقلاني في (الدرر الكامنة) وهذا الفصل هو سبب اعتقادي أنه يقصد ابن حجر العسقلاني فأنه يستغرب من مثله أن يقول: ((انتهى ما قاله ونقله ابن حجر عليه الرحمة)) لان الأولى أن يقول انتهى كلام ابن حجر، أما الفصل بين القول و النقل فهو سبب الوهم إن كان وهما، فإن العسقلاني نقل نفس الكلام ومثل الهيثمي لم يعزو إلى المصدر، فلا فرق ـ في ظني ـ حينئذ.
أما النقل الثاني فهو وهم مني لأنه سبقه بقوله الشيخ ابن حجر وهذا لقب يطلقه على الهيثمي لا على العسقلاني، هذا من ناحية تحقيق النسبة.
أما من ناحية الموضوع فالمعنى ينطبق على العسقلاني تماما فهو كذلك نقل مسألة طعن ابن تيمية في الصحابة الكرام ولا يصح من ذلك شيء إلا بطريق التوليد.
وعليه أقول :يجب اجتناب السطحية في النقد العلمي بالاكتفاء بنقد ما لا يؤثر في أصل الموضوع، و تناول الموضوع من كل جوانبه فإن الوقوف عند دليل واحد وهو من أدلة التعضيد، و التغافل عن بقية الأدلة خاصة أدلة الاعتماد، و الإحجام عنها ثم إسقاط الحكم الجزئي على المجموع، فهذا من السطحية في العلم التي لا تغني في مثل هذه المواضع.
فالوقوف عند هوامش الأدلة ولوازم البرهان قبل نقض البرهان نفسه،و دون تجاوز ذلك إلى الحقائق العلمية التي يدل عليها التعليل و الاستقراء و الاستنباط،هو سبب ضعف بعض هذه التعقيبات، و قصورها في فهم النسق العام.
وهذا يجعل نظرتنا لعمق الموضوع نظرة زائفة بمجرد تحليل مضمونها تفقد كل قوتها.
إننا حينما ندخل هذا الباب تراجم العلماء ترجمة علمية تميط مخلفات السنين والقرون من التعصب العلمي الحقيقي الذي تدل عليه الأدلة كما سقتها و بينتها لا التعصب كمصطلح في الخطاب الدعوي نغطي به الحقائق و نطمس البراهين الجلية أو نرحل به تجلية الحقائق حفاظا على أكاذيب أو أخطاء تلبست بها كتبنا لا يجب أن يقوم فكرنا على حزمة كبيرة وكم ضخم من المشاعر المبنية عند الفحص الدقيق على عقد النقص أو سوء الفهم .
فهذا المنهج الذي يسمي كل تحقيق علمي موضوعي ـ قد يمس بشخصية علمية بارزة ـ تعصبا يجد نفسه ناقصا قاصرا أمام الحقائق العلمية لما تقذف في وجهه و حينئذ لا ينفعه الإنكار ولا الإهمال أو الترحيل تحت غطاء " هذا تعصب، وهذا طعن و ....".
إن الخطأ كخطأ ابن حجر في هذه القضية يجب تفسيره ورده، و ممكن تبريره عند من يحب الحافظ أكثر من غيره، لكن لا يجب أبدا طمسه أو تجاهله أو جعله صوابا وهو خطأ فادح واضح، ربما كلما تقدمنا في هذا النقد ازداد وضوحا و استخرجنا منه صورا أخرى لم تظهر لحد الآن في مجالات أخرى.
لقد تكلمت في هذه المسألة دون أن أقلل من قدر الحافظ في علمه ومنزلته بين العلماء، وربما وصفته بما لم يصفه من يظن أنه يدافع عنه، ولكن بعض الإخوة لا يقدر أن يفصل مشاعره عن موضوعيته و حياده في العلم.
إن كل كلام في هذه المسألة و غيرها لا يقوم أولا على إثبات أسانيد النقل و تحليل المعطيات العلمية بحيث نميز تمييزا واضحا بين ما ثبت وما لم يثبت، بين استقطاع الأدلة الجدلية من سياقها الجدلي على أنها أدلة إثبات هو عمل خطابي الغرض منه الدعاية و توجيه العقول، وهو التعصب في حد ذاته.
إن تحقيق الأقوال و فحصها لإثبات صدقها أو كذبها بواسطة معايير الحقيقة الحديثية و الأصولية و التاريخية لا يجعل من عمل الحافظ في (الدرر الكامنة) في هذه المسألة صوابا بل يؤكد أنه أخطأ في تعليقه تلك الخرافات.
وكون بعض الإخوة يعتبر ذلك من أسلوب الحافظ فهو في أحسن الأحوال تقدير يعبر عن لبس في تصور المسألة، لأنه يعبر عن رأيه في موضوع ما لا يرقى إلى مستوى التعليل العلمي لهذه الحقيقة المزعجة وهي أن الحافظ قد تحامل على ابن تيمية في هذا الموطن،وفي مواطن أخرى في مخالفته العقدية في (فتح الباري) ولكن هذه لا تضر فهي خلاف علمي مهما كان الحال.
ومن يتتبع تراجم الحافظ لأصحاب ابن تيمية ولمن كان يدافع عنه أو ينتصر لمقالاته في (الدرر الكامنة) و (أنباء الغمر) يجد أنه قلما نجى أحدهم من وصمه له بالتعصب لابن تيمية، ولم يكن هؤلاء متعصبة،بل فضلاء في العلم و العمل، نصروا الحق الذي اعتقدوه، و دافعوا عن ابن تيمية تماما كما يفعل العلماء ، ومع ذلك يصفهم بالتعصب،وهناك عشرات الأمثلة.
لقد تأثر الحافظ بخلفيته العلمية أو بموقف بعض مشيخته أو بما أشاع خصوم ابن تيمية عنه فكان عمله هذا حكما مسبقا لا غير.
فمن لم يكن له نقد و تمييز من المسلمين قد يتأثر بما دونه الحافظ في (الدرر الكامنة) فالكتب التي تضر الناس هي الكتب التي فيها الكذب في الرواية،أو الضلال في الآراء، ولذلك كره تلقي العلم من القصاص ،وهذه الترجمة التي في هذا الكتاب من جنس أخبار القصاص.
و إن كان الحافظ من أقدر الناس على التمييز بين المنقول الصحيح و المنقول الضعيف، و بين الآراء الواقعة ضمن الاستنباط و الاستقراء من كلام العلماء وبين الآراء التي هي محض افتراء و محاولة للإيذاء فإن من يقرأ له ليس بهذه المثابة إلا القليل..
وعليه فإنه وقد أفاد بعض الإخوة في تعقيباتهم إلا أنهم لم يلتزموا صحة الاستدلال على جوهر الموضوع، ولا بينوا القوانين التي تقتضيها الترجمة، ولا حللوا الموضوع تحليلا يسمح لهم بالانتقال الصحيح من اللازم إلى الملزوم، لأنهم فعلوا العكس وهو الانتقال من لوازم الأقوال "التعصب ، الطعن" إلى أصل ثبوتها.
و الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين.
أرزيو/ الجزائر في 05/05/2010
مختار الخضر الطيـباوي