هل من معين في شرح هذه المقولة: "إن أسر القلب أعظم من أسرالبدن.."؟
وقال: "إن أسر القلب أعظم من أسرالبدن، واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن... وأما إذا كان القلب الذي هو ملكالجسم رقيقا مستعبداً متيّما لغير الله فهذا هو الذل والأسر المحض والعبوديةالذليلة لما استعبد القلب. وعبودية القلب وأسره هي التي يترتب عليها الثوابوالعقاب... فالحرية حرية القلب كما أن الغنى غنىالنفس"[1]
هل ممكن احد أن يشرحهـا لي .. تقريبا لفهمي البسيط ولمن سأشرح لهم ..
[1]مجموع الفتاوي ، لابن تيميه ، ج 5 ، صـ274 ـ 277.
رد: هل من معين في هذه المقوله ..
أختي الفاضلة.. لعل شيخ الإسلام نفسه يجيبك لمرادك؛ فقد تكلم عن هذا الموضوع في موضع آخر أكثر توضيحاً وأبسط _ بمعناها الأصلي الواسع _ عبارة؛ فقال:
(وكلما قوي طمع العبد في فضل الله ورحمته ورجائه لقضاء حاجته ودفع ضرورته = قويت عبوديته له وحريته مما سواه، فكما أن طمعه في المخلوق يوجب عبوديته له؛ فيأسه منه يوجب غنى قلبه عنه. كما قيل: استغن عمن شئت تكن نظيره، وأفضل على من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره.
فكذلك طمع العبد في ربه ورجاؤه له = يوجب عبوديته له، وإعراض قلبه عن الطلب من غير الله والرجاء له = يوجب انصراف قلبه عن العبودية لله؛ لا سيما من كان يرجو المخلوق ولا يرجو الخالق، بحيث يكون قلبه معتمدا إما على رئاسته وجنوده وأتباعه ومماليكه، وإما على أهله وأصدقائه، وإما على أمواله وذخائره، وإما على ساداته وكبرائه؛ كمالكه وملكه وشيخه ومخدومه وغيرهم ممن هو قد مات أو يموت.
قال تعالى: {وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا}، وكل من علق قلبه بالمخلوقات أن ينصروه أو يرزقوه أو أن يهدوه = خضع قلبه لهم وصار فيه من العبودية لهم بقدر ذلك، وإن كان في الظاهر أميرا لهم مدبرا لهم متصرفا بهم، فالعاقل ينظر إلى الحقائق لا إلى الظواهر، فالرجل إذا تعلق قلبه بامرأة ولو كانت مباحة له يبقى قلبه أسيرا لها، تحكم فيه وتتصرف بما تريد، وهو في الظاهر سيدها لأنه زوجها؛ وفي الحقيقة هو أسيرها ومملوكها، لا سيما إذا درت بفقره إليها وعشقه لها وأنه لا يعتاض عنها بغيرها، فإنها حينئذ تحكم فيه بحكم السيد القاهر الظالم في عبده المقهور الذي لا يستطيع الخلاص منه بل أعظم؛ فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن، واستعباد القلب مستريحا من ذلك مطمئنا، بل يمكنه الاحتيال في الخلاص.
وأما إذا كان القلب الذي هو الملك = رقيقا مستعبدا متيما لغير الله؛ فهذا هو الذل والأسر المحض والعبودية لما استعبد القلب، وعبودية القلب وأسره هي التي يترتب عليها الثواب والعقاب، فإن المسلم لو أسره كافر أو استرقه فاجر بغير حق لم يضره ذلك إذا كان قائما بما يقدر عليه من الواجبات، ومن استعبد بحق إذا أدى حق الله وحق مواليه = له أجران، ولو أكره على التكلم بالكفر فتكلم به وقلبه مطمئن بالإيمان = لم يضره ذلك، وأما من استعبد قلبه فصار عبدا لغير الله فهذا يضره ذلك ولو كان في الظاهر ملك الناس، فالحرية حرية القلب والعبودية عبودية القلب كما أن الغنى غنى النفس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس الغنى عن كثرة العرض وإنما الغنى غنى النفس".
وهذا لعمري إذا كان قد استعبد قلبه صورة مباحة؛ فأما من استعبد قلبه صورة محرمة امرأة أو صبي؛ فهذا هو العذاب الذي لا يدان فيه، وهؤلاء من أعظم الناس عذابا، وأقلهم ثوابا، فإن العاشق لصورة إذا بقي قلبه متعلقا بها مستعبدا لها = اجتمع له من أنواع الشر والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد، ولو سلم من فعل الفاحشة الكبرى فدوام تعلق القلب بها بلا فعل الفاحشة أشد ضررا عليه ممن يفعل ذنبا ثم يتوب منه ويزول أثره من قلبه). انتهى
رد: هل من معين في هذه المقوله ..
لو سمحت استاذي ممكن أنو توضح لـي ايم ذكر هذا التوضيح .. يعني ماهو اسم كتابه الذي اخذت منه هذا التوضح...
وشكرا لك ..
رد: هل من معين في هذه المقوله ..
العفو أخيتي..
انظريه رحمك الله في (الفتاوى الكبرى 2/381) طبعة دار المعرفة.
رد: هل من معين في شرح هذه المقولة: "إن أسر القلب أعظم من أسرالبدن.."؟
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله : (( المحبوس من حُبس قلبه عن ربه و المأسور من أسره هواه ))
و عندما دخل رحمه الله السجن و أغلقوا عليه الأبواب تلى قول الله تعالى : (( فضُرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب ))
و لما خيره حكام مصر في زمانه بين ترك التأليف و المحاضرة و السجن اختار رحمه الله السجن و كان يقول : (( ماذا يفعل أعدائي بي أنا سجني خلوه و قتلي شهادة و إخراجي من بلدي سياحه ... أنا بستاني في صدري أنا رحت فهو معي ))
وكان رحمه الله يجلس يوميا من بعد صلاة الفجر يذكر الله تعالى لانتصاف النهار وذات مرة التفت على تلميذه ابن قيم الجوزية رحمه الله و قال له : (( هذه غدوتي لو لم أتغدها لسقطت قواي ))
وقال : (( إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ))
ما ذكرته سابقا هو تفسير عملي على الكلام الذي ذكره شيخ الاسلام سابقا في نقلك الكريم