وزادك الله عماً ويقينا... اللهم آمين
عرض للطباعة
الأخ أبو حازم الكاتب جزاك الله خيرا فقد استفدت كثيرا و أتمنى أن أعرف رأيك فيما يلي :
قد لاحظت أنّ بعض ما اعتمدت عليه في دعوى الإجماع كان مبنيا على كلام ابن المنذر و قد قلت ما يلي :
فأقول : الإجماع الذي دلّت على حجيّته النصوص ليس قول أكثرية المجتهدين و عليه فإذا كان ابن المنذر يرى هذا فلا يحتج به في دعوى الإجماعاقتباس:
ان يقال إن ابن المنذر يرى أن قول الأكثر إجماعاً ولا تضر مخالفة الواحد والاثنين عنده وهو مذهب جماعة من أهل العلم كابن جرير الطبري وأبي بكر الرازي الجصاص من الحنفية .
و بخصوص قولك :
أقول : لا إجماع بعد اختلاف كما ذهب إلى ذلك الشيخ محمد بن صالح العثيمين في بعض كتبه.اقتباس:
أو يقال إنه بعد ربيعة انعقد الإجماع على ذلك
و بالنسبة لقولك :
فأقول : إذا دخل الإحتمال على الدليل فيسقط الإستدلال به و خصوصا إذا لم نعلم ما رأي مدّعي الإجماع فيما يلي :اقتباس:
أن يقال إن الإجماع سابق على قول ربيعة وخلافه متأخر أو يقال إنه بعد ربيعة انعقد الإجماع على ذلك
- هل يعتّد بالإجماع بعد الإختلاف أو لا
- مقصوده بالإجماع
الأخ أبو حازم الكاتب شكرا جزيلا
أخي الكريم سراج بن عبد الله وفقني الله وإياك لكل علم نافع وعمل صالح وبعد :
كما ذكرتَ أخي بعض ما اعتمدت عليه هو من كلام ابن المنذر وإلا فالإجماع الأول والثاني لا نزاع فيهما ويدخل فيهما الاستحاضة والبول سواء كان كثيراً أو قليلاً .
وأما ما يتعلق بالإجماع الذي ذكره ابن المنذر رحمه الله فأنا اخي الحبيب لم أقل إن الإجماع ينعقد بقول الأكثر وإنما ذكرت توجيه نقل ابن المنذر للإجماع لسؤال الأخت عن ذلك ، وإلا فكما تفضلت أخي الإجماع لا ينعقد إلا باتفاق الكل على الصحيح .
وأما مسألة انعقاد الإجماع فكما تفضلت أخي لا ينعقد الإجماع بعد الخلاف عند الجمهور وليس هو قول الشيخ محمد العثيمين رحمه الله فحسب بل هي مسألة مشهورة عند الأصوليين .
واما قولك أخي : ( إذا دخل الإحتمال على الدليل فيسقط الإستدلال به ) فهذا ليس في هذا الموطن بارك الله فيك الاحتمال هنا هو توجيه لكلام ابن المنذر لا في صحة الإجماع وإلا فخلاف ربيعة موجود ومنقول عنه وليس هو مجال احتمال لكن كلامي هل الإجماع حصل قبله أو بعده في نظر ابن المنذر هذا ما أردت وفقني الله وإياك .
وللفائدة أذكر لك باختصار ما يتعلق بالمسألتين السابقتين وهي ضمن بحث لي في الإجماع لكن سأحذف ما لا يهم في ذلك اختصارا وبدون ذكر التوثيقات :
أما المسألة الأولى وهي مسألة هل ينعقد الإجماع بقول الأكثر :
وصورة المسألة : أنه لو خالف واحد أو اثنان أو عدد قليل من المجتهدين فهل مخالفتهم تضرّ ولا ينعقد الإجماع أو ينعقد الإجماع بقول الأكثر ولا تضرّ مخالفة هؤلاء ؟ اختلف في هذه المسألة على أقوال :
القول الأول : لا ينعقد الإجماع إلا بقول الكلِّ فلو خالف مجتهدٌ واحدٌ لم ينعقد ، ولا يكون قولهم إجماعاً ولا حجةً وهذا هو قول الجمهور .
القول الثاني : ينعقد الإجماع بمخالفة الواحد والاثنين فقط دون ما زاد على ذلك ويكون قول الأكثر إجماعاً وحجةً وهو قول أبي بكر الرازي ( الجصاص ) وأبي الحسين الخياط من المعتزلة وابن حمدان من الحنابلة ، ومال إليه أبو محمد الجويني وحكاه الباجي عن ابن خويز منداد من المالكية ، وحكاه الفخر الرازي عن ابن جرير الطبري ، وذكر ابن قدامة والطوفي وغيرهما أن الإمام أحمد أومأ إليه في رواية .
القول الثالث : إذا بلغ المخالفون عدد التواتر لم ينعقد الإجماع وإن كانوا دون ذلك لم تضرّ مخالفتهم وينعقد الإجماع عندئذٍ وذكر الباقلاني أن هذا هو قول ابن جرير وحكاه القاضي عبد الوهاب عن أبي الحسين الخياط . ( وذلك لأن ما دون عدد التواتر يعتبر شاذاً لا حكم له وهذا مبني على قول من أثبت الإجماع بالعقل وأنه يشترط في المجمعين بلوغ عدد التواتر كذا خرَّجه الطوفي )
القول الرابع : أن المخالفة تضرَّ إن كان المخالف قد خالف فيما يسوغ فيه الاجتهاد كمخالفة ابن عباس _ رضي الله عنهما _ في العول ، أما إذا كانت مخالفته لا يسوغ فيها الاجتهاد كأن يخالف نصاً فهنا لا عبرة بقوله وينعقد الإجماع وذلك كمخالفة ابن عباس _ رضي الله عنهما _ في ربا الفضل ، وبهذا قال أبو عبد الله الجرجاني والسرخسي وحكي عن الجصاص ( والحجة في ذلك أنه يعتبر شاذاً لا يلتفت لقوله إن كان خلافه لا يسوغ )
القول الخامس : أنه إذا خالف البعض فإن قول الأكثر لا يكون إجماعاً لكنه يكون حجةً وبهذا قال ابن الحاجب المالكي وابن بدران من الحنابلة . ( وذلك لأن إصابة الأكثر أكثر من خطئهم فيكون ظنياً كخبر الواحد والقياس )
القول السادس : أن قول الأكثر إجماع في غير أصول الدين أما في أصول الدين فلا بد من اتفاق الكل نقله القرافي عن ابن الأخشاد من المعتزلة .( وذلك لأن الخلاف في أصول الدين مؤثر ليس كالفروع )
أدلة الأقوال : ( الذي يهمنا من الأقوال السابقة القول الأول والثاني ولذا سنكتفي بذكر أدلتهما فقط وأما بقية الأقوال فقد سبق ذكر وجه الاحتجاج عندهم باختصار ) :
أدلة القول الأول : استدل الجمهور لاشتراط اتفاق الكل في الإجماع بأدلة منها :
1 – عموم أدلة حجيَّة الإجماع كقوله تعالى : ﴿ ومن يشاقق الرسول من بعد ماتبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين ﴾ وقوله (ص) : " لا تجتمع أمتي على ضلالة " ( الحديث لا تخلو أسانيده كلها من مقال وقد تكلمت عليها في أول البحث ) ، و الأكثر ليسوا كل المؤمنين ، وليسوا كل الأمة .
2 – أنه قد حصل مثل ذلك في زمن الصحابة وانفرد بعض الصحابة بأقوال خالفوا فيها الأكثر ولم ينكر أحدٌ ذلك عليهم بل سوَّغوا لهم الاجتهاد ، ولو كان قول الأكثر إجماعاً لأنكروا عليهم المخالفة ومن ذلك :
أ – انفرد ابن عباس _ رضي الله عنهما _ عن أكثر الصحابة في بعض المسائل كالقول بجواز المتعة وجواز ربا الفضل وبعض مسائل الفرائض كقوله بعدم العول ، وفي العمريتين ، وعدم حجب الأم بأقل من ثلاثة إخوة وغيرها .
ب – انفرد أبو موسى الأشعري ررر بقوله بعدم نقض الوضوء بالنوم ذكره ابن عبد البر وغيره .
ج – انفرد ابن مسعود ررر ببعض المسائل في الفرائض مثل : حجب الزوجين والأم بالولد والإخوة وإن كانوا عبيداً أو كفاراً أو قاتلين ، وجعل الباقي بعد فرض البنات لبني الابن دون بنات الابن وغيرها .
أدلة القول الثاني : استدلوا بأدلة منها :
1 – أن الكل يطلق في اللغة ويراد به الأكثر فـ( المؤمنون ) و( الأمة ) يصحُّ اطلاقهما على الأكثر كما يقال : بنو تميم يحمون الجار ويكرمون الضيف والمراد الأكثر ويقال : هذا ثور أسود وإن كان فيه شعرات بيض .
ويجاب عنه : بأن هذا الاطلاق هو من باب المجاز ، والأصل في الاطلاق الحقيقة فيجب حمل لفظ ( المؤمنين ) و ( الأمة ) عليها ، ولذلك لو شذ واحد عن الجماعة صح أن يقال عن البقية : ليس هم كل الأمة ولا كل المؤمنين .
2 – استدلوا بالنصوص التي تذم الشذوذ وتثني على الكثرة والجماعة نحو :
- قوله (ص) : " إن يد الله مع الجماعة فاتبعوا السواد الأعظم فإن من شذَّ شذَّ في النار " أخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن عمر رضي الله عنهما .
- وقوله (ص) : " الشيطان مع الواحد و هو عن الاثنين أبعد " أخرجه الترمذي والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما وأخرجه عبد الرزاق والبغوي في تفسيره عن عمر ررر .
وأجيب عنه بجوابين :
الأول : أن المراد بالسواد الأعظم جميع أهل العصر ، والجماعة الإمام ومن معه فالمراد بالشذوذ هو الخروج على الإمام كفعل الخوارج ، والشذوذ _ علماً أن زيادة " من شذ " ضعيفة _ هو المخالفة بعد الموافقة ولذلك يقال شذ البعير وندَّ إذا توحش بعد ما كان أهلياً .
الثاني : أنه قد ورد نصوص أخرى تذم الكثرة أيضاً كقوله تعالى : ﴿ وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ﴾ وقوله : ﴿ وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ﴾ .
3 - أن الأمة اعتمدت في خلافة أبي بكر ررر على انعقاد الإجماع عليه لما اتفق عليه الأكثرون ، وإن خالف في ذلك جماعة كعلي وسعد بن عبادة رضي الله عنهما ، ولولا أن إجماع الأكثر حجة مع مخالفة الأقل لما كانت إمامة أبي بكر ثابتة بالإجماع .
وأجيب عنه بجوابين :
الأول : عدم التسليم بأنه لم يحصل إجماع من الصحابة على خلافة أبي بكر ررر بل حصل الإجماع عليها ، ومن تأخر من الصحابة فهو لعذر مع إظهار الموافقة بعد ذلك .
الثاني : لا يشترط في انعقاد البيعة بالإمامة اتفاق الكل بل يكفي قول أهل الحل والعقد .
4 - أن خبر الواحد بأمر لا يفيد العلم وخبر الجماعة إذا بلغ عددهم عدد التواتر يفيد العلم فليكن مثله في باب الاجتهاد والإجماع .
وأجيب عنه بجوابين :
الأول : أنه إن كان صدق الأكثر فيما يخبرون به عن أمر محسوس مفيد للعلم فلا يلزم مثله في الإجماع الصادر عن الاجتهاد فالقياس مع الفارق والعلم الحاصل بالإجماع إنما هو باتفاق الكل لا الأكثر .
الثاني : لو كان كل من أفاد خبره العلم يكون قوله إجماعاً محتجا به _ كما تقولون _ لوجب أن يكون إجماع كل أهل بلد محتجاً به مع مخالفة أهل البلد الآخر لهم ؛ لأن خبر أهل كل بلد يفيد العلم .
5 - أن الكثرة يحصل بها الترجيح في رواية الخبر فليكن مثله في الاجتهاد .
وأجيب عنه : بأن هذا قياس مع الفارق إذ يلزم على قولكم أن يكون قول الواحد وحده إجماعاً كما أن روايته وحده مقبولة .
6 - أنه لو اعتبرت مخالفة الواحد والاثنين لما انعقد الإجماع أصلا ؛ لأنه ما من إجماع إلا ويمكن مخالفة الواحد والاثنين فيه إما سراً وإما علانية .
وأجيب عنه : بأن الاحتجاج بالإجماع إنما يكون حيث علم الاتفاق من الكل إما بصريح المقال أو قرائن الأحوال ، وذلك ممكن كما يمكنكم العلم باتفاق الأكثر ، وإلا لزم أن لا يقع اتفاق مطلقاً لا اتفاق الكل ولا الأكثر لعدم إمكان العلم بهما .
الترجيح : ما ذهب إليه الجمهور هو الراجح في هذه المسألة لقوة ما استدلوا به والله أعلم .
وأما المسألة الثانية وهي : هل ينعقد الإجماع بعد الخلاف ؟
بعضهم يجعل عنوان المسألة ( اتفاق أهل العصر الثاني على أحد قولي العصر الأول ) وبعضهم يجعل عنوانها ( هل يشترط في الإجماع أن لا يسبق بخلاف مستقر ؟ )
تحرير محل النزاع :
الاتفاق بعد الاختلاف لا يخلو من حالتين :
الحالة الأولى : أن يحصل الاختلاف والاتفاق في عصر واحد وهذا له صورتان :
الصورة الأولى : أن يختلف أهل العصر ثم يتفقون قبل أن يستقر الخلاف فهنا يكون إجماعاً عند الأئمة الأربعة وأتباعهم بل نقله البعض اتفاقاً إلا ما حكي عن الصيرفي ولعله محمول على الحالة الثانية .
ومثال هذه الحالة : اختلافهم في إمامة أبي بكر رضي الله عنه ثم اتفاقهم عليه ، واختلافهم في جمع المصحف ثم اتفاقهم عليه .
الصورة الثانية : أن يختلف أهل العصر ثم يتفقون بعد أن يستقر الخلاف فهنا يجوز الاتفاق عند من يشترط انقراض العصر .
أما من لا يشترط ذلك فاختلفوا على أقوال :
قيل : يجوز الاتفاق ويكون إجماعاً وهو اختيار الفخر الرازي ونقله الجويني عن أكثر الأصوليين .
وقيل : لا يجوز الاتفاق وهو اختيار الباقلاني والجويني والغزالي والشيرازي والآمدي والصيرفي ونقله ابن برهان عن الشافعي .
وقيل : يجوز إذا كان دليله الاجتهاد والأمارة ولا يجوز فيما كان دليله قطعياً .
الحالة الثانية : أن يحصل الاختلاف في عصر والاتفاق في العصر الذي بعده فهنا اختلف في جوازه عقلاً وحكمه شرعاً فذهب الآمدي وجماعة إلى إستحالته عقلاً وذهب الأكثر إلى جوازه عقلاً ثم اختلفوا في حكمه شرعاً على قولين :
القول الأول : لا يكون إجماعاً ولا يرتفع الخلاف وبه قال أكثر الحنابلة ونص عليه أحمد وهو ظاهر كلامه كما في رواية المرُّوذي وأبي الحارث ويوسف بن موسى قال : ينظر إلى أقرب القولين وأشبهها بالكتاب والسنة ، واختاره القاضي أبو يعلى وابن قدامة ، وبه قال أبو الحسن الأشعري وهو قول أكثر الشافعية كأبي بكر الصيرفي وأبي حامد المروزي والباقلاني والجويني والغزالي والآمدي والشيرازي من الشافعية وبه قال الأبهري وأبو تمام وابن خويز منداد من المالكية .
القول الثاني : يكون إجماعاً ويرتفع الخلاف به وهو قول أكثر الحنفية واختاره منهم السرخسي والشاشي وهو قول أكثر المالكية واختاره منهم الباجي والقرافي وابن جزي الغرناطي ، وهو اختيار أبي الخطاب والطوفي وابن بدران من الحنابلة ، وبه قال القفال الشاشي وابن خيران والفخر الرازي والنووي من الشافعية، ، وبه قالت المعتزلة كالجبائيين وأبي عبد الله البصري ، وحكاه الباقلاني عن أبي الحسن الأشعري .
أدلة القولين :
أدلة القول الأول : استدل من قال لا يكون إجماعاً ولا يرتفع الخلاف بأدلة منها :
1 – قوله تعالى : ﴿ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ﴾
وجه الاستدلال : أوجب الرد إلى كتاب الله تعالى عند التنازع وهو حاصل ؛ لأن حصول الاتفاق في الحال لا ينافي ما تقدم من الاختلاف فوجب فيه الرد إلى كتاب الله تعالى .
وأجيب عنه بجوابين :
الأول : أن التعلق بالإجماع ردٌّ إلى الله والرسول .
الثاني : أن أهل العصر الثاني إذا اتفقوا فهم ليسوا بمتنازعين فلم يجب عليهم الرد إلى كتاب الله ؛ لأن المعلق بالشرط عدم عند عدم شرطه .
2 - قوله (ص) : " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " .
وجه الاستدلال : أن ظاهره يقتضي جواز الأخذ بقول كل واحد من الصحابة ولم يفصل بين ما يكون بعده إجماع أو لا يكون .
وأجيب عنه بأجوبة :
الأول : أن هذا حديث ضعيف جداً بل حكم عليه بعضهم بالوضع ( الحديث أخرجه عبد بن حميد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيه حمزة النصيبي ضعيف جداً ، ورواه الدارقطني في غرائب مالك وفيه مجهولون ولا يثبت من حديث مالك ، ورواه البزار من حديث عمر رضي الله عنه وفيه عبد الرحمن بن زيد العمي كذاب ورواه القضاعي في مسند الشهاب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه جعفر بن عبد الواحد كذاب ، قال البزار : هذا الكلام لم يصح عن النبي (ص) ، وقال ابن حزم : هذا خبر مكذوب موضوع باطل ، وضعفه ابن تيمية وابن القيم والحافظ ابن حجر وقال الألباني موضوع ).
الثاني : أن هذا محمول على النقل لا على الرأي والفتيا كما قال المزني وابن عبد البر وغيرهما .
الثالث : أنه لا يجوز الاقتداء بالصحابة في ذلك بعد انعقاد الإجماع فكذلك هنا .
3 - أن الأمة إذا اختلفت على القولين واستقرَّ خلافهم في ذلك بعد تمام النظر والاجتهاد فقد انعقد إجماعهم على تسويغ الأخذ بكل واحد من القولين باجتهادٍ أو تقليدٍ ، وهم معصومون من الخطأ فيما أجمعوا عليه فلو أجمع من بعدهم على أحد القولين على وجه يمتنع على المجتهد المصير إلى القول الآخر ففيه تخطئة أهل العصر الأول فيما ذهبوا إليه .
4 - أنه قد ثبت أن أهل العصر الأول إذا اختلفوا على قولين لم يجز لمن بعدهم إحداث قول ثالث وأهل العصر الأول لما اختلفوا لم يكن القطع بذلك الحكم قولاً لواحد منهم فيكون القطع بذلك إحداثاً لقول ثالث وأنه غير جائز .
أدلة القول الثاني : استدل من قال يكون إجماعاً و يرتفع الخلاف بأدلة منها :
1 – أن هذا اتفاق جميع الأمة وجميع المؤمنين وعموم الأدلة تقتضي أنه إجماع ولا دليل على تخصيصه بما لم يسبقه خلاف .
وأجيب عنه بجوابين :
الأول : أن هذا يمكن أن يستدل به عليكم وذلك أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على جواز الاجتهاد في الحادثة وجواز تقليد كل واحد من الفريقين فمن قطع الاجتهاد فيه فقد ترك سبيل المؤمنين وكان الوعيد لاحقاً به .
الثاني : أن هذه النصوص عامة مخصوصة بإجماع الصحابة على تجويز الأخذ بالقولين ومنع الإجماع فيه على أحدهما ضمناً .
2 – حصوله فقد اتفق التابعون على ما اختلف فيه الصحابة ومن ذلك : المنع من بيع أمهات الأولاد بعد اختلاف الصحابة فيه على قولين : المنع والجواز ، وإجماع التابعين على تحريم المتعة بعد أن اختلف فيها الصحابة على قولين .
وأجيب بمنع حصول الاتفاق في بيع أمهات الأولاد بل هو مستمر وقد أخذ بقول علي _ رضي الله عنه _ داود وهو أحد قولي الشافعي .
الترجيح : الراجح ما ذهب إليه أصحاب القول الأول وهو أنه لا يكون إجماعاً ، ولا يرتفع به الخلاف علماً بأن حصول هذا الإجماع متعذر ، وذلك أن رجوع قوم وهم جم غفير إلى قول أصحابهم حتى لا يبقى على ذلك المذهب الثاني أحد ممن كان ينتحله لا يقع في مستقر العادة ؛ فإن الخلاف إذا رسخ ثم لم يظهر دليل جديد يجب الحكم بمثله فلا يقع في العرف اندثار مذهب طال الذبُّ والدفاع عنه ، وهذا ما مال إليه الجويني في آخر المسألة وهو يوافق ما ذكره ابن حزم والآمدي .
جزاك الله خيرا
* و هل توافق على كلامي هذا :
* و سؤال آخر : ما الدليل من الكتاب أو السّنة على أنّ البول من نواقض الوضوء؟ أم أنّ كون البول من نواقض الوضوء هو مسألة أجمع عليها العلماء لم ينقل لنا نص بخصوصها من الكتاب و السّنةاقتباس:
بأنّه لا يعتمد على خبر من يدّعي الإجماع إذا لم نعلم ما رأيه فيما يلي :
- هل يعتّد بالإجماع بعد الإختلاف أو لا
- مقصوده بالإجماع
نعم بارك الله فيك
إذا علم رأي ناقل الإجماع في هاتين المسألتين ينظر في :
1 - تعقب أهل العلم لما نلقه من إجماع من موافقة أو مخالفة .
2 - التأكد من وجود مخالف أو خلاف سابق مستقر .
فإن لم يوجد مخالف ولم يوجد خلاف سابق مستقر ولم يتعقبه أهل العلم بالإنكار فهو كنقل غيره من الأئمة الذين لا يخالفون في المسألتين المذكورتين .
أما كون البول ينقض الوضوء فلما يلي :
1 - قوله تعالى : ففف أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا ققق .
2 - حديث صفوان بن عسال ررر قال : أمرنا رسول الله (ص) إذا كنا سفراً ألا ننزع خفافنا إلا من جنابة ، ولكن من غائط و بول ونوم " أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود بإسناد حسن .
3 - الإجماع المتيقن وقد نقله ابن حزم وابن رشد وابن المنذر وابن قدامة وغيرهم
فضيلة الشيخ الآية التي ذكرت تتكلم عن الغائط و الغائط غير البول كما يدل على ذلك الحديث الذي وضعته أسفل الآية
و في الحديث الذي ذكرت كلام بأنّ الخفاف تنزع من الجنابة لأجل إعادة الوضوء بخلاف النوم و البول و الغائط فأين الدلالة من ذلك الحديث على أنّ البول من نواقض الوضوء ؟
جزى الله صاحب السؤال(الشاكر) خير الجزاء فقد فتح بسؤاله بابا من أبواب النجاسة وكيف التعامل معها
ونسأل الله أن يحفظ الشيخ (أبو حازم الكاتب) على التنوير والإفادة وأن ينفع بعلمه
بارك الله فيك
الغائط في الأصل هو المكان المنخفض وهو مكان قضاء الحاجة وجعل كناية عن قضاء حاجة الإنسان ؛ لأن العرب كانت تختار قضاء حاجتها في الغيطان فكثر ذلك منها حتى غلب عليهم ذلك فقيل لكل من قضى حاجته التي كانت تقضى في الغيطان حيث قضاها من الأرض : متغوط وجاء فلان من الغائط يعنى به : قضى حاجته التي كانت تقضى في الغائط من الأرض .
وهو يشمل الغائط والبول وهذا الذي يفهم من كلام العرب والقرآن يكني في هذه الأمور ، ولم يأت القرآن ليفصل دقائق الأمور في كل مسألة فلا حاجة أن يذكر نواقض الوضوء مفصلة تعداداً ، هذا بعيد ، ولو كان القرآن كذلك لأصبح بحجم المبسوط للسرخسي أو أكبر ، لكن القرآن نزل بلسان عربي مبين ، والعربي يفهم ذلك بمجرد السماع .
وأما كون الغائط غير البول كما في الحديث فنعم لكن الآية فيها جاء من الغائط وهو يشمل الأمرين كما يقال فلان جاء من الخلاء أو الحمام ، ومعلوم ان هذا هو مكان قضاء الحاجة ، ولا أدري كيف لا يفهم هذا عربي ؟! وأعتقد أن هذه ظاهرية حتى ابن حزم _ رحمه الله _ لا يصل إليها ؛ لأنها ظاهرية على غير لغة العرب .
وأما الحديث فأيضا واضح أي أن المسلم يمسح على خفيه إذا كان الحدث حدثا أصغر بسبب البول أو الغائط أو النوم فالحديث قسم الحدث قسمين :
1 - حدث أكبر وهو الجنابة ولا يمسح فيه على الخفين .
2 - حدث أصغر من الغائط أو البول أو النوم وهذا يمسح فيه على الخفين .
شكرا جزيلا فضيلة الشيخ
و هل الآية تدل على أنّ سلس البول من نواقض الوضوء ؟ فالمعلوم أنّ سلس البول ليس له مكان ليقضى الحاجة فيه بل يخرج بغير إرادة الإنسان بخلاف من يأتي من الغائطاقتباس:
الغائط في الأصل هو المكان المنخفض وهو مكان قضاء الحاجة وجعل كناية عن قضاء حاجة الإنسان ؛ لأن العرب كانت تختار قضاء حاجتها في الغيطان فكثر ذلك منها حتى غلب عليهم ذلك فقيل لكل من قضى حاجته التي كانت تقضى في الغيطان حيث قضاها من الأرض : متغوط وجاء فلان من الغائط يعنى به : قضى حاجته التي كانت تقضى في الغائط من الأرض .
وهو يشمل الغائط والبول وهذا الذي يفهم من كلام العرب والقرآن يكني في هذه الأمور ، ولم يأت القرآن ليفصل دقائق الأمور في كل مسألة فلا حاجة أن يذكر نواقض الوضوء مفصلة تعداداً ، هذا بعيد ، ولو كان القرآن كذلك لأصبح بحجم المبسوط للسرخسي أو أكبر ، لكن القرآن نزل بلسان عربي مبين ، والعربي يفهم ذلك بمجرد السماع .
وأما كون الغائط غير البول كما في الحديث فنعم لكن الآية فيها جاء من الغائط وهو يشمل الأمرين كما يقال فلان جاء من الخلاء أو الحمام ، ومعلوم ان هذا هو مكان قضاء الحاجة ، ولا أدري كيف لا يفهم هذا عربي ؟! وأعتقد أن هذه ظاهرية حتى ابن حزم _ رحمه الله _ لا يصل إليها ؛ لأنها ظاهرية على غير لغة العرب .
حديث صفوان بن عسال قال : أمرنا رسول الله إذا كنا سفراً ألا ننزع خفافنا إلا من جنابة ، ولكن من غائط و بول ونوم "اقتباس:
وأما الحديث فأيضا واضح أي أن المسلم يمسح على خفيه إذا كان الحدث حدثا أصغر بسبب البول أو الغائط أو النوم فالحديث قسم الحدث قسمين :
1 - حدث أكبر وهو الجنابة ولا يمسح فيه على الخفين .
2 - حدث أصغر من الغائط أو البول أو النوم وهذا يمسح فيه على الخفين .
و أيضا لم يتطرق فيه إلى كون الغائط أو البول أو النوم حدث ينقض الوضوء
فأرجو التوضيح يا شيخ وجه الدلالة ؟ و بارك الله فيك
بارك الله فيك
أولاً : المكان ليس شرطاً لاعتبار الناقض فلو فعل ما ينقض الوضوء من بول أو غائط أو ريح أو غير ذلك في أي مكان انتقض وضوءه وذكر المكان هنا هو باعتبار الغالب .
فالبول والغائط ناقضان بذاتهما لا بمكانهما ، وإلا فعلى قولك لو أن المرء بال في إناء أو قارورة ونحوهما وهو في غرفته أنه لا ينتقض وضوءه وهذا غير صحيح .
ثانياً : أما الحديث فظاهر ومعناه أمرنا النبي (ص) بالمسح على الخفين إذا كنا مسافرين في حال نقض الوضوء بغائط أو بول أو نوم فهو ذكر هذه الأمور لكونها مؤثرة ناقضة للوضوء وإلا كان ذكرها عبثاً كما لو قال ولكن من أكلٍ وشربٍ وكلامٍ ولبسٍ ونحو ذلك وهذا ينزه عنه الشرع ، فمفهوم الكلام يدل على أن هذه الأشياء هي التي تنقض الوضوء .
تقدير الكلام : وأمرنا أن ننزع خفافنا من جنابة ولا ننزع من غائط وبول ونوم وفي رواية النسائي " كان رسول الله (ص) يأمرنا إذا كنا مسافرين أن نمسح على خفافنا ولا ننزعها ثلاثة أيام من غائط وبول ونوم إلا من جنابة "