هل الرسول -صلى الله عليه وعلى آله مسلم - سيد الخلق أجمعين ؟؟
باسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
* سئل الشيخ الألباني رحمه الله تعالى - السؤال التالي :
هل هناك دليل أنَّ محمدًا -صلى الله عليه وسلم - خير خلق الله ؟
**فأجاب رحمه الله تعالى قائلًا :
(((- هناك حديث يُشعر بأن الملائكة هم خيرة الله من عباده وهو في كتاب: ( الترغيب والترهيب )للحافظ المنذري مصححٌ من قِبَلي :
عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -أنه قال :
{هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله عز وجل ؟ . قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : الفقراء المهاجرون الذين تسد بهم الثغور ، وتتقى بهم المكاره ، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء ، فيقول الله عز وجل لمن يشاء من ملائكته : ائتوهم فحيوهم ، فتقول الملائكة : ربنا نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك ، أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء ، فنسلم عليهم ؟ قال : إنهم كانوا عبادا يعبدوني ، ولا يشركون بي شيئا ، تسد بهم الثغور ، وتتقى بهم المكاره ، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء . قال : فتأتيهم الملائكة عند ذلك ، فيدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار }
هذا نص الحديث وقاله على لسان الملائكة نحن سكَّان سمائك ، (وخيرتك من خلقك ) دليل أن جنس الملائكة أفضل من جنس البشر ، وليس عندي نص فيما أذكر أو أعلم ينافي هذا إلا الحديث المشهور : [أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر...] وهذا لا ينافي أنه أُرسل رحمة للعالمين ، هذا شيء وكونه أفضل المخلوقات كلها شيء آخر ، فلا ينافي كون الرسول رحمة للعالمين أن يكون جنس الملائكة أفضل من جنس البشر كما ذكرنا....
ثم قال الشيخ : جاء في كتاب الزهد طبعة منير طه الدمشقي ج4 /ص : 86
((أن الملائكة خيرة الخلق وساق الحديث سابق الذكر والذي فيه أن الملائكة يجزمون بأنهم خيرة الله من خلقه ، وهو أعلم فقالوا : (نحن سكَّان سمائك وخيرتك من خلقك ) هل هناك شك أنهم سكَّان السماء ؟ لا ما فيه شك ؛ إذن لا شك في الأخرى فهم خيرة الله في خلقه.)) انتهى
**هذه مسألة عقدية لذلك نحن ندور ونلف ؛ حتى لا نتكلم بغير علم ، فكيف بالملائكة الذين من طبعهم أنهم : [ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ] يتكلمون بغير علم وفي مسألة اعتقادية وخطيرة وواسعة ، فيقولون بغير علم :(نحن خيرتك من خلقك ) فهذا أبعد ما يكون عن طبيعة الملائكة من جهة ، ومن جهة أخرى ربنا -عزّ وجلّ - أفقرهم على ذلك ....
-ثم ردَّ -رحمه الله - على من استدل بالعقل على أفضلية البشر بأنهم يجاهدون شهواتهم ليطيعوا الله فيتكبدون في ذلك المشقات ويعملون على مغالبة النفس و الهوى ...قائلًا :-
هناك قاعدة عند العلماء تقول : {{ قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل }}
-ومن جهل الناس بهذه القاعدة تَرِد عليهم بعض الشبهات ، خاصة من بعض الفرق الكافرة فمثلًا :-
يقول النصارى : أنتم تعتقدون إن نبيكم عليه السلام مات ، ومن جهة أخرى تعتقدون : إن عيسى عليه السلام ما مات؟!! وأنه حي في السماء ، والحي أفضل من الميت ؟ إذن عيسى أفضل من محمد !!
هذا رده : أنه قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل .
*يقولون : عيسى أحيا الميت ، نبيكم ما أحيا الميت ؛ إذن عيسى أفضل من محمد عليه السلام !!
نعم عيسى من هذه الزاوية قد يكون أفضل ، ولكن محمدًا عليه السلام من زاوية بل من زوايا أخرى أفضل بكثير
فإذا كان عيسى عليه السلام أحيا ميتًا ، فإن محمد عليه السلام أحيا ملايين من الأمرات معنويًا ، والحياة المعنوية أعظم بكثير من الحياة المادية .
***والقصد : أن وجود خصلة في شخص أو في جماعة ، لا يستلزم تفضيله على شخص آخر تفضيلا عامٍا مطلقًا، ولكن مثل ما قيل : أيهما أفضل الغني الشاكر أم الفقير الصابر؟-وهذه المسألة معروفة في القياس عند الفقهاء-
-والقضية فيها خلاف وما حل الإشكال إلا شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حين قال : أفضلهما أتقاهما لله عزّ وجلّ .............................. .)))
انتهى النقل بتصرف من تفريغ شريط - قديم عندي - للألباني في سلسلة شرحه كتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنذري .
**وجدير بالذكر أني لم أنقل لكم جواب الشيخ رحمه الله مفصَّلًا ؛ لشدة طوله ، وكثرة محاورت الحضور معه حول هذه المسألة ؛ إلا إنني استعضت عن ذلك بنقل بحث لابن أبي العزّ فصّل -رحمه الله - فيه المسألة وفنّدها بشكل أظنه عظيم الفائدة ، فلم يخرج ما أجاب به و ناقشه شيخنا الألباني مع سائليه عما أورده ابن أبي العز ، بل كان فيه الزيدة.
وهــــاكـــم نــص كلامــــــــــه :
[[ المفاضلة بين الملائكة وبين الأنبياء وصالحي البشر ]]
**قال ابن أبي العز :-
((وقد تكلم الناس في المفاضلة بين الملائكة وصالحي البشر، وينسب إلى أهل السنة تفضيل صالحي البشر والأنبياء فقط على الملائكة، وإلى المعتزلة تفضيل الملائكة. وأتباع الأشعري على قولين: منهم: من يفضل الأنبياء والأولياء، ومنهم: من يقف ولا يقطع في ذلك قولاً. وحكي عن بعضهم ميلهم إلى تفضيل الملائكة. وحكي ذلك عن غيرهم من أهل السنة وبعض الصوفية. وقالت الشيعة: إن جميع الأئمة أفضل من جميع الملائكة. ومن الناس من فصل تفصيلاً آخر. ولم يقل أحد ممن له قول يؤثر: إن الملائكة أفضل من بعض الأنبياء دون بعض.
وكنت ترددت في الكلام على هذه المسألة، لقلة ثمرتها، وأنها قريب مما لا يعني، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
والشيخ رحمه الله لم يتعرض إلى هذه المسألة بنفي ولا إثبات، ولعله يكون قد ترك الكلام فيها قصداً، فإن الإمام أبا حنيفة رضي الله عنه وقف في الجواب عنها على ما ذكره في مآل الفتاوى، فإنه ذكر مسائل لم يقطع أبو حنيفة فيها بجواب، وعدّ منها: التفضيل بين الملائكة والأنبياء. وهذا هو الحق، فإن الواجب علينا الإيمان بالملائكة والنبيين، وليس علينا أن نعتقد أي الفريقين أفضل، فإن هذا لو كان من الواجب لبين لنا نصاً. وقد قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3]، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم:64]، فالسكوت عن الكلام في هذه المسألة نفياً وإثباتاً والحالة هذه أولى. ولا يقال: إن هذه المسألة نظير غيرها من المسائل المستنبطة من الكتاب والسنة، لأن الأدلة هنا متكافئة، على ما أشير إليه، إن شاء الله تعالى.
وحملني على بسط الكلام هنا: أن بعض الجاهلين يسيئون الأدب بقولهم: كان الملك خادماً للنبي صلى الله عليه وسلم! أو: أن بعض الملائكة خدام بني آدم!! يعنون الملائكة الموكلين بالبشر، ونحو ذلك من الألفاظ المخالفة للشرع، المجانبة للأدب. والتفضيل إذا كان على وجه التنقص أو الحمية والعصبية للجنس لا شك في رده، وليست هذه المسألة نظير المفاضلة بين الأنبياء، فإنّ تلك قد وجد فيها نص، وهو قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة:253] الآية. وقوله تعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} [الإسراء:55]. وقد تقدم الكلام في ذلك عند قول الشيخ: وسيد المرسلين، يعني النبي صلى الله عليه وسلم. والمعتبر رجحان الدليل، ولا يهجر القول لأن بعض أهل الأهواء وافق عليه، بعد أن تكون المسألة مختلفاً فيها بين أهل السنة. وقد كان أبو حنيفة رضي الله عنه يقول أولاً بتفضيل الملائكة على البشر، ثم قال بعكسه، والظاهر أن القول بالتوقف أحد أقواله. والأدلة في هذه المسألة من الجانبين إنما تدل على الفضل، لا على الأفضلية، ولا نزاع في ذلك.
وللشيخ تاج الدين الفزاري رحمه الله مصنَّف سماه: (الإشارة في البشارة ):في تفضيل البشر على الملك، قال في آخره: [اعلم أن هذه المسألة من بدع علم الكلام، التي لم يتكلم فيها الصدر الأول من الأمة، ولا من بعدهم من أعلام الأئمة، ولا يتوقف عليها أصل من أصول العقائد ، ولا يتعلق بها من الأمور الدينية كبير من المقاصد . ولهذا خلا عنها طائفة من مصنفات هذا الشأن ، وامتنع من الكلام فيها جماعة من الأعيان ، وكل متكلم فيها من علماء الظاهر بعلمه ، لم يخل كلامه عن ضعف واضطراب ]. انتهى والله الموفق للصواب
رد: هل الرسول -صلى الله عليه وعلى آله مسلم - سيد الخلق أجمعين ؟؟
(1)-فمما استدل به على تفضيل الأنبياء على الملائكة: أن الله أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم ، وذلك دليل على تفضيله عليهم ، ولذلك امتنع إبليس واستكبر (قال تعالى - حكايةً عنه -): {أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} [الإسراء:62] .
-قال الآخرون: إن سجود الملائكة كان امتثالاً لأمر ربهم ، وعبادة وانقياداً وطاعة له ، وتكريماً لآدم وتعظيماً ، ولا يلزم من ذلك الأفضلية ، كما لم يلزم من سجود يعقوب لابنه عليهما السلام تفضيل ابنه عليه ، ولا تفضيل الكعبة على بني آدم بسجودهم إليها امتثالاً لأمر ربهم . وأما امتناع إبليس ، فإنه عارض النص برأيه وقياسه الفاسد بأنه خير منه ، وهذه المقدمة الصغرى ، والكبرى محذوفة ، تقديرها: والفاضل لا يسجد للمفضول ! وكلتا المقدمتين فاسدة: أما الأولى: فإن التراب يفوق النار في أكثر صفاته ، ولهذا خان إبليس عنصره ، فأبى واستكبر ، فإن من صفات النار طلب العلو والخفة والطيش والرعونة ، وإفساد ما تصل إليه ومحقه وإهلاكه وإحراقه ، ونفع آدم عنصره ، في التوبة والاستكانة ، والانقياد والاستسلام لأمر الله ، والاعتراف وطلب المغفرة ، فإن من صفات التراب الثبات والسكون والرصانة ، والتواضع والخضوع والخشوع والتذلل ، وما دنا منه ينبت ويزكو ، وينمي ويبارك فيه ، ضد النار. وأما المقدمة الثانية ، وهي: أن الفاضل لا يسجد للمفضول -: فباطلة ، فإن السجود طاعة لله وامتثال لأمره ، ولو أمر الله عباده أن يسجدوا لحجر لوجب عليهم الامتثال والمبادرة ، ولا يدل ذلك على أن المسجود له أفضل من الساجد ، وإن كان فيه تكريمه وتعظيمه ، وإنما يدل على فضله . قالوا: وقد يكون قوله: هذا الذي كرمت علي ، بعد طرده لامتناعه عن السجود له ، لا قبله ، لينتفي الاستدلال به .
(2)-ومنه: أن الملائكة لهم عقول وليست لهم شهوات ، والأنبياء لهم عقول وشهوات ، فلما نهوا أنفسهم عن الهوى ، ومنعوها عما تميل إليه الطباع ، كانوا بذلك أفضل .
- وقال الآخرون: يجوز أن يقع من الملائكة من مداومة الطاعة وتحمل العبادة وترك الونى والفتور فيها ما يفي بتجنب الأنبياء شهواتهم ، مع طول مدة عبادة الملائكة . ومنه: أن الله تعالى: جعل الملائكة رسلاً إلى الأنبياء ، وسفراء بينه وبينهم .
وهذا الكلام قد اعتل به من قال: إن الملائكة أفضل ، واستدلالاتهم به أقوى، فإن الأنبياء المرسلين ، إن ثبت تفضيلهم على المرسل إليهم بالرسالة ، ثبت تفضيل الرسل من الملائكة إليهم عليهم ، فإن الرسول الملكي يكون رسولاً إلى الرسول البشري .
(3)-ومنه: قوله تعالى:{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا} [البقرة:31] ، الآيات .
-قال الآخرون: وهذا دليل على الفضل لا على التفضيل، وآدم والملائكة لا يعلمون إلا ما علمهم الله ، وليس الخضر أفضل من موسى، بكونه عالم ما لم يعلمه موسى ، وقد سافر موسى وفتاه في طلب العلم إلى الخضر ، وتزود لذلك ، وطلب موسى منه العلم صريحاً ، وقال له الخضر: إنك على علم من علم الله ، إلى آخر كلامه . ولا الهدهد أفضل من سليمان عليه السلام ، بكونه أحاط بما لم يحط به سليمان عليه السلام علماً .
(4)-ومنه: قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75].
-قال الآخرون: هذا دليل الفضل لا الأفضلية ، وإلا لزم تفضيله على محمد صلى الله عليه وسلم . فإن قلتم: هو من ذريته ؟ فمن ذريته البر والفاجر ، بل يوم القيامة إذا قيل لآدم: ابعث من ذريتك بعثاً إلى النار ، يبعث من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار ، وواحداً إلى الجنة. فما بال هذا التفضيل سرى إلى هذا الواحد من الألف فقط.
(5)- ومنه: قول عبدالله بن سلام رضي الله عنه: ((ما خلق الله خلقاً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم)) ، فالشأن في ثبوته وإن صح عنه فالشأن في ثبوته في نفسه ، فإنه يحتمل أن يكون من الإسرائيليات .
(6)-ومنه: حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الملائكة قالت: يا ربنا ، أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون ويلبسون، ونحن نسبح بحمدك ، ولا نأكل ولا نشرب ولا نلهو، فكما جعلت لهم الدنيا فاجعل لنا الآخرة؟ قال: لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له: كن فكان)) ... وأخرج عبدالله بن أحمد بن محمد بن حنبل عن عروة بن رويم ، أنه قال: أخبرني الأنصاري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة قالوا ، الحديث ، وفيه: ((وينامون ويستريحون ، فقال الله تعالى: لا ، فأعادوا القول ثلاث مرات ، كل ذلك يقول: لا))
والشأن في ثبوتهما ، فإن في سنديهما مقالاً ، وفي متنهما شيئاً ، فكيف يظن بالملائكة الاعتراض على الله مرات عديدة ؟ وقد أخبر الله تعالى: عنهم أنهم لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ؟ وهل يظن بهم أنهم متبرمون بأحوالهم ، متشوفون إلى ما سواها من شهوات بني آدم ؟ والنوم أخو الموت ، فكيف يغبطونهم به ؟ وكيف يظن بهم أنهم يغبطونهم باللهو ، وهو من الباطل ؟ قالوا: بل الأمر بالعكس ، فإن إبليس إنما وسوس إلى آدم ودلاه بغرور ، إذ أطمعه في أن يكون ملكاً بقوله: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين. فدل أن أفضلية الملك أمر معلوم مستقر في الفطرة ، يشهد لذلك قوله تعالى - حكايةً عن النسوة اللاتي قطعن أيديهن عند رؤية يوسف -: {حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف: 31] . وقال تعالى:{قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام:50] . قال الأولون: إن هذا إنما كان لما هو مركوز في النفس: أن الملائكة خلق جميل عظيم ، مقتدر على الأفعال الهائلة ، خصوصاً العرب ، فإن الملائكة كانوا في نفوسهم من العظمة بحيث قالوا إن الملائكة بنات الله ، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً .
(7)-ومنه قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران:33] .
-قال الآخرون: قد يذكر العالمون ، ولا يقصد به العموم المطلق ، بل في كل مكان بحسبه ، كما في قوله تعالى: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان:1] {قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ} [الحجر:70] {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:165] . {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الدخان:32].
(8)-ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة:7] . والبرية: مشتقة من البرء ، بمعنى الخلق ، فثبت أن صالحي البشر خير الخلق .
-قال الآخرون: إنما صاروا خير البرية لكونهم آمنوا وعملوا الصالحات ، والملائكة في هذا الوصف أكمل ، فإنهم لا يسأمون ولا يفترون ، فلا يلزم أن يكونوا خيراً من الملائكة . هذا على قراءة من قرأ البريئة ، بالهمز وعلى قراءة من قرأ بالياء ، إن قلنا: إنها مخففة من الهمزة ، وإن قلنا: إنها نسبة إلى البرى وهو التراب ، كما قاله الفراء فيما نقله عنه الجوهري في (الصحاح) -: يكون المعنى: أنهم خير من خلق من التراب ، فلا عموم فيها - إذاً - لغير من خلق من التراب.
(9)- قال الأولون: إنما تكلمنا في (تفضيل) صالحي البشر إذا كملوا ، ووصلوا إلى غايتهم وأقصى نهايتهم ، وذلك إنما يكون إذا دخلوا الجنة ، ونالوا الزلفى ، وسكنوا الدرجات العلى ، وحباهم الرحمن بمزيد قربه ، وتجلى لهم ليستمتعوا بالنظر إلى وجهه الكريم .
-وقال الآخرون: الشأن في أنهم هل صاروا إلى حالة يفوقون فيها الملائكة أو يساوونهم فيها ؟ فإن كان قد ثبت لهم أنهم يصيرون إلى حال يفوقون فيها الملائكة سلم المدعى ، وإلا فلا .
رد: هل الرسول -صلى الله عليه وعلى آله مسلم - سيد الخلق أجمعين ؟؟
(10)-ومما استدل به على تفضيل الملائكة على البشر قوله تعالى: {لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ } [النساء:172]
- وقد ثبت من طريق اللغة أن مثل هذا الكلام يدل على أن المعطوف أفضل من المعطوف عليه ، لأنه لا يجوز أن يقال. لن يستنكف الوزير أن يكون خادماً للملك ، ولا الشرطي أو الحارس ! وإنما يقال: لن يستنكف الشرطي أن يكون خادماً للملك ولا الوزير . ففي مثل هذا التركيب يترقى من الأدنى إلى الأعلى ، فإذا ثبت تفضيلهم على عيسى عليه السلام ثبت في حق غيره ، إذ لم يقل أحد إنهم أفضل من بعض الأنبياء دون بعض .
-أجاب الآخرون بأجوبة ، أحسنها ، أو من أحسنها: أنه لا نزاع في فضل قوة الملك وقدرته وشدته وعظم خلقه ، وفي العبودية خضوع وذل وانقياد ، وعيسى عليه السلام لا يستنكف عنها ولا من هو أقدر منه وأقوى وأعظم خلقاً ، ولا يلزم من مثل هذا التركيب الأفضلية المطلقة من كل وجه . (11)-ومنه قوله تعالى:: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام:50] . ومثل هذا يقال بمعنى: إني لو قلت ذلك لادعيت فوق منزلتي ، ولست ممن يدعي ذلك .
-أجاب الآخرون: إن الكفار كانوا قد قالوا: مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق . فأمر أن يقول لهم: إني بشر مثلكم أحتاج إلى ما يحتاج إليه البشر من الاكتساب والأكل والشرب ، لست من الملائكة الذين لم يجعل الله لهم حاجة إلى الطعام والشراب ، فلا يلزم حينئذ الأفضلية المطلقة .
(12)- ومنه ما روى مسلم بإسناده، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير)) . ومعلوم أن قوة البشر لا تداني قوة الملك ولا تقاربها .
- قال الآخرون الظاهر أن المراد المؤمن من البشر- والله أعلم - فلا تدخل الملائكة في هذا العموم.
(13)-ومنه ما ثبت في (الصحيح) عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يرويه عن ربه عز وجل ، قال: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم)) ، الحديث . وهذا نص في الأفضلية .
قال الآخرون: يحتمل أن يكون المراد خيراً منه للمذكور لا الخيرة المطلقة .
(14)-ومنه ما رواه إمام الأئمة محمد بن خزيمة ، بسنده في كتاب (التوحيد) عن أنس رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بينا أنا جالس إذ جاء جبرائيل ، فوكز بين كتفي ، فقمت إلى شجرة مثل وكري الطير ، فقعد في إحداها ، وقعدت في الأخرى ، فسمت وارتفعت حتى سدت الخافقين ، وأنا أقلب بصري ، ولو شئت أن أمس السماء مسست ، فنظرت إلى جبرائيل كأنه حلس لاطىء، فعرفت فضل علمه بالله علي)) .
- قال الآخرون: في سنده مقال فلا نسلم الاحتجاج به إلا بعد ثبوته.
وحاصل الكلام: أن هذه المسألة من فضول المسائل . ولهذا لم يتعرض لها كثير من أهل الأصول، وتوقف أبو حنيفة رضي الله عنه في الجواب عنها ، كما تقدم . والله أعلم بالصواب.))
انتهى النقل من كتاب : ( شرح العقيدة الطحاوية )لابن أبي العز الحنفي / المجلد الواحد / من ص :301- إلى ص : 311.
***قلت :- وبعد ما سيق من تفصيل ، عُلِم أن المسألة فيها نزاع بين أهل العلم ، فالأولى بنا والأحرى تجنب مسائل النزاع ما استطعنا إلى ذلك سبيلا ، فما دامت السبيل ميسرة لاجتناب محل النزاع ، فالأجدر بنا التمسك بما لا خلاف ولا نزاع عليه مما جاء ت به النصوص الصحيحة الصريحة غير محتملة الدلالة ؛ اجتنابا للمؤاخذات والمسائل التي تُعد من المشتبهات ، فلا نعلم نزاعًا بين أهل العلم الأثبات على صحة وصف رسولنا الكريم بأنه :
سيد ولد آدم ، أو خير المرسلين ، أو سيد الورى والأنام ؛ لأن الأثر صح بلفظة بعضها ،ولم يخرج الباقي عن معناها.
-فليس أسلم لديننا من العمل بقول السلف : ((إذا صح الحديث فهو مذهبي))
هذا والله تعالى أعلى وأعلم.