الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على المصطفى، وعلى كل من على نهجه سار واقتفى.
أما بعد:
كثيرة هي الأدلة و الأسباب الماسة إلي وعظ الناس و دعوتهم إلى الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح من الأمة.
فدعوة الناس إلى التوحيد وتعليمهم الدين، حيث ما كانوا وحيث ما وجدوا، دون أن يقتصر ذلك بزمان أو مكان، هو منهج الأنبياء والمرسلين عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
أما الأسباب فهي أكثر من أن تعد أو أن تحصى.
ـــ فالموعظة في الأعراس عندنا تقتضيها الحاجة و المصلحة.
تعريف المصالح المرسلة(01):
<< المصالح: هي الأوصاف التي تلائم الشارع ومقاصده، ولكن لم يشهد لها دليل معين من الشرع بالاعتبار أو الإلغاء.
ويحصل من ربط الحكم بها جلب مصلحة أو دفع مفسدة عن الناس.
المرسلة: سميت مرسلة لعدم وجود ما يوافقها أو يخالفها في الشرع.>>
وللفقهاء طريقان:
1: أن يفعل ذلك ما لم ينه عنه، (وهو قول القائلين بالمصالح المرسلة).
2: أن ذلك لا يفعل ما لم يؤمر به، (وهو قول من لا يرى إثبات الأحكام بالمصالح المرسلة).
قال الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه العجاب (الموافقات 3 / 74):
<< ....لأن ما سكت عنه في الشريعة على وجهين:
أحدهما: أن تكون مظنة العمل به موجودة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يشرع له أمر زائد على معنى فيه، فلا سبيل إلى مخالفته، لأن تركهم لما عمل بيه هؤلاء مضاد له، فمن استأنفه صار مخالفا للسنة.
الثاني: أن لا يوجد مظنة العمل بيه ثم توجد، فيشرع له أمر زائد يلائم تصرفات الشرع في مثله، وهي المصالح المرسلة، وهي من أصول الشريعة المبني عليها، إذ هي راجعة إلى أدلة الشرع حسبما تبين في علم الأصول، فلا يصح إدخال ذلك تحت جنس البدع.... >>.
فالموعظة في الأعراس مطلوبة خاصة في بلادنا ومن كان حاله كحالنا.
خاصة أن هناك أصناف من المسلمين اليوم حالهم كحال الكفار، لا الصلاة يوصلون(02) و لا الدروس في المساجد يحضرون.
فما هو الطريق الموصل إلى دعوة هؤلاء؟ وما هو السبيل إلى انتشالهم من الشر الذي هم فيه؟
فلم نجد سبيلا إلى ذلك سوى الأعراس، التي أصبحت تجمعهم، لأننا لا نستطيع دعوتهم في المساجد فهم لا يصلون، ولا الذهاب إلى أوكارهم التي هم فيها، و بها يعتصمون، فلا قدرة لنا على ذلك.
وفي نفس الوقت نحن مطالبون بنصحهم و دعوتهم إلي الله.
فكم من عائد إلى الله بسبب تلك المواعظ، وكم من عريس كان يحلم أن يحتفل في يوم عرسه بالمغني الفلاني، ولكن بعد حضوره لتلك المواعظ أصبح عرسه قدوة ومثالا و الحمد لله.
هذا من جهة الناس الحضور، أما من جهة العادات فحدث ولا حرج.
فهناك مثلا في بعض الأماكن من بلادنا، أن العرسان لا بد أن يمروا علي قبر الوالي الفلاني حتى يدوم زواجهما و يكون مباركا، وكل من لا يمر عليه لا يدوم زواجه.
كما هناك أيضا من يضع للعروسة بيضة عند عتبة باب بيت زوجها عند دخوله، حتى تبيض لها الأيام.
فمن يعلم هؤلاء التوحيد ؟
الأئمة عندنا صوفيون(إلا من رحم ربك و قليل ما هم)، وكثير من طلاب العلم ليس لهم منابر، زد على ذلك الجهل و إتباع العادات و التقاليد التي أكثرها مخالف للشرع.
وزد على ذلك ما توارثته الناس من الموسيقى و الرقص والاختلاط، مع العلم أن هذا الأخير لم يكن عندنا في السنوات الماضية، لكن اليوم الله المستعان.
وليس يخفى على عاقل حال الأعراس اليوم من:
ـ الاختلاط و المجون.
ـ العادات و التقاليد المخالفة لإسلام، ومنها ما هو شرك أكبر.
ــ التشبه بالبغايا والفاجرات.
ـ فكم من الأموال في الفسق وللفسق صرفت؟
ـ وكم من عرض من أعراض المسلمين انتهك
حتى أصبحنا في حال يندب له الجبين و تذرف له العين، حيث أضحى الرقص و الفحش سنة تتبع، وأصبحت الشهرة (في التبذير والمجون)خصلة محمود يتنافس عليها المتنافسون.
وبعضها أصبح (أي الأعراس)معرضا لأنواع الخمور والمخضرات، نهيك عن المتاجرة بالبغايا و الفاجرات، فإلى الله المشتكى إلى ما صار إليه أبناء وبنات المسلمين اليوم.
فهذا غيض من فيض.
وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
فليس هناك سبيل إلى دعوة هؤلاء والاحتكاك بهم، سوى الأعراس.
أذكر مرة أني ألقيت كلمة في عرس، فتكلمت عن حكم تارك الصلاة، لأني رأيت أن أكثر الحضور كم الشباب، إن لم أقل كلهم،
وفي الغد جاءني بغض الشباب وقالوا لي : أن معظم من حضر البارحة هم من أصحاب المخضرات، وأنهم لا يصلون، بل فيهم بعض قطاع الطرق.
فالله المستعان فهم لا يصلون، والناس لا ينصحونهم لأنهم يخافون منهم.
فهل بعد كل هذا يقول قائل ليس في وعظ الناس في الأعراس من حاجة!!!
ــ ونحن لم نجد غير ذلك بديلا.
ــ والقنوات والإذاعات و رفقاء السوء مع الجهل والبعد عن الدين لم يتركوا لنا البديل.
ولقد سمعت أحد الأفاضل سئل عن الموعظة في الأعراس فقال:
<< لم تكن على عهد السلف و لسنا بحاجة إليها >>.
فأقول أن هذا راجع إلى حسب الحاجة و المصلحة.
فإن كان هناك ما يغني عن هذه الموعظة (كأن يكون الناس الحضور من أهل الدين والاستقامة ) فلا حاجة إليها.
أما إذا كان الحضور من أهل الفسق و المجون فلا حرج في نصحهم ووعظهم، فهذا يرجع إلى حسب الحال والمكان.
فالمملكة السعودية مثلا: كثير علمائها، كثير دعاتها، ولعل في هذا كله تكفي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أما عندنا فهناك من إذا وجعه رأسه فسئل الناس عن الدواء أرشدوه إلى مشعوذ ذو خبرة.
فالدعاة عندنا قليلون، والدعوة متعثرة، و القبوريون كثر، خاصة في بعض الأماكن التي تعاني من ندرة من يعلمهم الدين الصافي من البدع والخرافات.
فالمصلحة تقتضي تعليم الناس وعدم تركهم مع لأشباه المشايخ(الطلبة عندنا).
فهؤلاء كل شئ جائز عندهم حتى ولو كان الاستغاثة بالأموات أو الطواف بالقبور ماداما الغاية واضحة وهى عدم مخالفة الأعراف و الاجداد وتكثير سواد الناس عليهم
هذا ما تيسر لي جمعه و كتابته، فما كان فيه الصواب فبفضل الله،وما كان فيه من تقصير أو نسيان فمني ومن الشيطان
كما أرجوا من كل من يقرأ هذه الرسالة أن لا يبخل علينا بالنصح والرشاد، والله ولي التوفيق والسداد.
01: أصول الفقه الإسلامى(2/ 757) وهبة الزحيلي
02: إذا قلنا بعدم تكفير تارك الصلاة