رد: وقفات: في بيان قواعد يجب مراعاتها قبل تطبيق قوله: "إذا صح الحديث فهو مذهبي".
القاعدة الثالثة:
أن ينتفي المعارض.
صحيح أنّ الأئمة مجمعون على حجية السنة، وأنّ قول النبي (ص) دليل من أدلة الأحكام الشرعية، لم يخالف في ذلك أحد منهم.
وهذا الأمر على عمومه، أمّا في حالات خاصة فقد يقدم على حديث رسول الله (ص) دليل آخر أقوى منه، لوجود مقابلة بينهما اقتضت الترجيح، لذلك يجب النظر في المعاريض.
وقبل أخي أن تنتفض وتقول:
"من استبانت له سنة رسول الله...."، أدعوك أن تستمر في القراءة.
قال الإمام شهاب الدِّين القرافي في شرح التنقيح:
"كثير من فقهاء الشافعية يعتمدون على هذا، ويقولون: مذهب الشّافعي كذا، لأنّ الحديث صح فيه، وهو غلط، فإنّه لابد من انتفاء المعارض".
وقال ابن عابدين الحنفي في حاشيته (1/ 258):
"ما صح فيه الخبر بلا مُعارِض فهو مذهب للمجتهد وإن لم ينص عليه".
وإذا فهمت هذا، وعَلَت بك هِمة، فهي نصيحة من قلبي أن تبحث عن معنى المعارض، وما يصلح أن يكون معارضاً، واعلم أنّ الأئمة قد اختلفوا في ذلك.
فهذا الإمام مالك رحمه الله نجم السنن يقدّم العمل على الخبر، وكان يقول:
"كان رجال من التابعين تبلغهم عن غيرهم الأحاديث فيقولون: ما نجهل هذا، ولكن مضى العمل على خلافه". الجامع لابن أبي زيد، ص: 117.
وقال ابن المعذّل:
"سمعت إنساناً سأل ابن الماجشون: لِم رويتم الحديث ثمّ تركتموه ؟، قال: لِيُعلَم أنّا على عِلم تركناه".
وقال إبراهيم النخعي:
"لو رأيت الصحابة يتوضؤون إلى الكوعين لتوضأت كذلك وأنا أقرأها إلى المرافق، وذلك أنّهم لا يُتهمون في ترك السنن، وهم أرباب العلم، وأحرص خلق الله على إتّباع رسول الله عليه السلام، فلا يظن ذلك بهم أحد إلاّ ذو ريبة في دينه".
فتأمل أحي الحبيب، ولا تحسبن أنّك أحرص على حديث رسول الله (ص)منهم، وأميل إليه من أقوالهم.
قال أبو يوسف:
"ما خالفت أبا حنيفة في شيء، فتدبرته إلاّ رأيت مذهبه الذّي ذهب إليه أنجى في الآخرة، وكنت ربّما مِلت إلى الحديث، فكان هو أبصر بالحديث الصحيح منّي".
وما أكثر المسائل التّي يدندن عليها بعض من حَفِظ هذه المقولة، وراح يُشغِّب على من يعمل بمسائل قال بها جماهير الأئمة.