استحباب التراويح بعشرين ركعة، وقيام الليل بأي عدد مختار الجزء1
بسم الله وبعد:
فقد ذهب قوم من المتأخرين إلى بدعية قيام الليل بأكثر من إحدى عشرة ركعة مستدلين بحديث عائشة رضي الله عنها قالت:" ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة", مع حديث مالك:" صلوا كما رأيتموني أصلي", وليس في هذا حجة لما قالوه أصلا, لأن حديث مالك إنما هو في الصلوات المقيدة العدد, وفي الهيئات, وليست جميع أفعاله عليه السلام في الصلاة واجبة بإجماع السلف, فمنها الواجب والمسنون والمستحب والجائز, أما حديث عائشة فقد حمله الشافعية وغيرهم من أهل العلم على صلاة الوتر, فكان عليه السلام لا يزيد فيها على هذا العدد, وهو القائل:" فمن شاء فليوتر بخمس ومن شاء فليوتر بثلاث..", وبذلك بوب النسائي وأبو بكر وعبد الرزاق وغيرهم, وخرج النسائي1727 عن أم سلمة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة ركعة فلما كبر وضعف أوتر بتسع", يؤيد ذلك ما خرجه مسلم في الصحيح (139) عن زرارة أن سعد بن هشام... وفيه: فقلت ـ لعائشة ـ أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ألست تقرأ يا أيها المزمل؟ قلت: بلى, قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة, قال: قلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة...", وهو نص صريح في التفريق بين قيام الليل وأنه غير مقيد بعدد, وبين الوتر الذي يصلى على الأكثر إحدى عشرة ركعة استحبابا, ولا يفسر مراد عائشة إلا بما فسرته هي في هذا الحديث, وحتى لو حُمل على صلاة القيام لما كان لهم فيه أدنى حجة, ذلك أن هذا الحديث مجرد فعل رأته أمنا رضي الله عنها, لا يصح أصوليا أن يطلق عنه أنه تقييد, وقد رآه غيرها يصلي أكثر من ذلك ثلاث عشرة ركعة ورآه بعضهم يصلي بتسع أو سبع, وقد قال الترمذي:" وأكثر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر وأقل ما وصف من صلاته بالليل تسع ركعات", ألا فليمنعوا من الإنقاص عن تسع أو سبع ويقولوا أنه بدعة كما فعلوه في الزيادة, وطذا ما صح من طريق عاصم عن على رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالنهار ست عشرة ركعة", ألا فليمنعوا من الزيادة عليها ويبدعوها, وأخشى أن يفعلوا فكل تبديع عندهم ممكن, أما المعلوم عند الأصوليين وعامة العلماء أن مجرد الفعل لا يدل على وجوب ولا تحريم أصلا, لأن من صيغ التحريم النهي الجازم, فأنى لهم النهي من هذا الحديث, إذ النبي صلى الله عليه وسلم صلى أحد عشرة ركعة لكنه لم ينه أمته من الزيادة على ذلك أصلا, بل أرشدها إلى مطلق القيام ولم يضيق عليهم في هذا الباب أصلا، وثبت عنه:" أنه كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة"، وإن كان هو يختار الأمر اليسير القليل حتى لا يحرج أمته، ألا ترون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حج قارنا وهذا من فعله, بينما حث أمته قوليا على التمتع, لذلك أجمع العلماء على جواز القيام من غير عزيمة ولا تحديد لعدد, نقل ذلك كثير من أهل العلم, وقال الشافعي:" وليس في شئ من هذا ضيق، ولا حد ينتهى إليه لأنه نافلة"، وقال ابن تيمية كما في الفتاوى (2/114):" كما أن نفس قيام رمضان لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم فيه عددا معينا بل كان هو صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة لكن كان يطيل الركعات فلما جمعهم عمر على أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث...", فإن قالوا: قد جاءت أخبار قولية عامة تدل على جواز الإنقاص من تسع, قلنا لهم أن هذه الأخبار نفسها لأدل على جواز الزيادة من دلالتها على جواز الإنقاص كما سيتبين:
إذ من المعلوم أن رمضان له خصوصيه زائدة عن غيره في الإكثار من العبادات، ونوافل الصلوات، فقد ثبت عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر يجتهد فيها مالا يجتهد في غيرها"، وفي الصحيح عنها:" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله", وعن علي مثله, وفيهما دليل واضح على أنه كان يزيد في العشر الأواخر على عادته، يؤكد ذلك ما خرجه الترمذي (794) عن عيينة بن عبد الرحمن حدثني أبي قال: ذكرت ليلة القدر عند أبي بكرة فقال: ما أنا ملتمسها لشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في العشر الأواخر فإني سمعته يقول:" التمسوها في تسع يبقين أو في سبع يبقين أو في خمس يبقين أو في ثلاث أواخر ليلة", قال: وكان أبو بكرة يصلى في العشرين من رمضان كصلاته في سائر السنة فإذا دخل العشر اجتهد", هذا وقد جاءت عدة سنن قولية تؤكد أن صلاة القيام من النوافل المطلقة التي لا عد فيها ولا عزمة:
فخرج مسلم 174 عن أبي هريرة قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول:" من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه, فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر على ذلك",
وعن عبد الله بن سلام وابن عمرو وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام»،
وعن أبي أمامة الباهلي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« عليكم بقيام الليل ، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو مقربة لكم إلى ربكم، ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم »
وخرج مسلم من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي قال:كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتيه بوضوئه وحاجته فقال لي: سل, فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة, قال: أو غير ذلك ؟ قلت هو ذاك, قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود", وخرج نحوه من حديث ثوبان وأبي الدرداء وزاد:" فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة".
ولأبي داود (1314) عن عائشةأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" مامن امرىء تكون له صلاة بليل يغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة", وللنسائي 1785 عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من كانت له صلاة صلاها من الليل فنام عنها كان ذلك صدقة تصدق الله عز وجل عليه وكتب له أجر صلاته", وهو صحيح.
ولابن ماجة 1344 عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه و سلم:" من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم فيصلي من الليل فغلبته عينه حتى يصبح كتب له ما نوى, وكان نومه صدقة عليه من ربه", ولعل الموقوف أصح.
وعن عمر مرفوعا: من نام عن حزبه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل", والموقوف أصح.
وصح عن أم حبيبة أم المؤمنين تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من صلى ثنتي عشرة ركعة في ليله ونهاره غير المكتوبة بنى الله له بيتا في الجنة".
وعن أبي أمامة قال: جاء رجل إلى النبي فقال: أي الصلاة أفضل؟ فقال:" جوف الليل الأوسط", قال: أي الدعاء أسمع؟ قال: دبر الصلوات المكتوبات",
وقد زعم زاعمون أن حديث عائشة رضي الله عنها السابق مقيد لهذه الأحاديث فيحمل المطلق على المقيد وهذا خطأ بين لوجوه: أحدها أنه لم يقل بهذا أحد من السلف ولا فهم أحد منهم بهذا الفهم وما كان هذا شأنه فحريّ أن لا يُلتفت إليه, والوجه الثاني أن لفظ الحديث جاء بصيغة الشرطية:" من قام رمضان.. من أتى فراشه.., وهذا من صيغ العموم باتفاق الأصوليين, ولفظ القيام شامل لركعة فما فوقها بلا حصر, وقد روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام الليل حتى قال ولو بركعة", فعُلم بهذا أن حديث عائشة في الإحدى عشرة ركعة إنما هو جزء من أفراد العموم, فلا يعد تخصيصا له اتفاقا, لأنه مجرد فعل رأته أمنا رضي الله عنها, وقد حدثت بما رأت, وحدث غيرها بأكثر, وجاءت أحاديث أخرى تؤكد صحة مذهب السلف وهي صريحة في المطلوب, وكلها تحث عموم الأمة على مطلق القيام, وإن كان ذاك فعله,
فخرج ابن نصر عن عائشة رضي الله عنها عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يوتر قبل أن ينام فإذا قام من الليل صلى مثنى مثنى حتى يفرغ مما يريد أن يصلي", وصله بقي بن مخلد كما قال ابن حجر في التلخيص (2/23) قال بقي حدثنا محمد بن رمح ثنا الليث عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن أبا بكر وعمر تذاكرا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: فأنا أصلي ثم أنام على وتر فإذا استيقظت صليت شفعا حتى الصباح, فقا ل عمر: لكني أنام على شفع ثم أوتر من السحر, فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: حذر هذا, وقال لعمر: قوي هذا", تابعه ابن بكير عن الليث، ورواه عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن شهاب مثله مرسلا, وقد وصله بعضهم كما قال الدارقطني:" رواه محمد بن يعقوب الزبيري عن ابن عيينة وقال فيه عن أبي هريرة, وغيره يرويه عن ابن عيينة ولا يذكر أبا هريرة يرسله عن سعيد وهو الصواب", ولم يتفرد بوصله الزبيري فقال أبو نعيم في الحلية أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة، حدثني أبو الطيب محمد ابن حمدان النصيبي، حدثنا أبو الحسين الرهاوي ثنا يحيى بن آدم عن مسعر عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضى الله تعالى فذكر نحوه، ثم قال: هذا حديث غريب من حديث مسعر وسعد عنهما متصلا، ورواه شعبة عن سعد عن أبي سلمة وسعيد مرسلا، وقد رواه مصعب بن المقدام عن مسعر عن سعد عن سعيد عن أبي عبد الرحمن مرسلا"، وحتى لو كان الصواب فيه الإرسال، فإن مراسيل ابن المسيب قوية عندهم، كيف ومعه أبو سلمة، وله شواهد أخرى كما قال ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (2/354):" و وَقد روى من طَرِيق غير هَذَا الطَّرِيق، مِنْهَا صَحِيح وَمِنْهَا مَا لَا يَصح ، فَمن صحيحها حَدِيث أبي قَتَادَة ، ذكره أَبُو دَاوُد... عَن أبي قَتَادَة أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فذكر الحديث"، ثم قال ابن القطان: وَمن الحسان فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث ابْن عمر، قَالَ الْبَزَّار : حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم نا مُحَمَّد بن عباد ثنَا يحيى بن سليم عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ لأبي بكر : " مَتى توتر ؟ " قَالَ : أوتر ثمَّ أَنَام ، قَالَ : " بالحزم أخذت"، وَقَالَ لعمر:" مَتى توتر ؟ " قَالَ : أَنَام ثمَّ أقوم من اللَّيْل فأوتر ، قَالَ : " بِالْقُوَّةِ فعلت "، قَال البزار : وَلَا نعلم رَوَاهُ عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر إِلَّا يحيى بن سليم ، قال ابن القطان: وَيحيى بن سليم وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَمن ضعفه لم يَأْتِ بِحجَّة ، وَهُوَ صَدُوق عِنْد الْجَمِيع"، وقال ابن نصر (46) حدثنا محمد بن عباد المكي ثنا يحيى بن سليم مثله.
ثم ذكر ابن القطان بعض الشواهد التي فيها ضعف يسير ومنها قوله: حَدِيث عقبَة بن عَامر ، ذكره ابْن سنجر من رِوَايَة ابْن وهب عَن ابْن لَهِيعَة عَن الْحَارِث بن يزِيد عَن أبي المصعب الْمعَافِرِي عَن عقبَة أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم سَأَلَ أَبَا بكر: " مَتى توتر ؟ " قَالَ: أُصَلِّي مثنى مثنى ، ثمَّ أوتر قبل أَن أَنَام ، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم :" مُؤمن حذر " ، وَقَالَ لعمر:"مَتى توتر ؟ " قَالَ : أُصَلِّي مثنى مثنى ، ثم أَنَام حَتَّى أوتر من آخر اللَّيْل ، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:" مُؤمن قوي "، ورواية ابن وهب عن ابن لهيعة فيها قوة فصح الحديث مع ما مضى، وقد سمعه ابن لهيعة من أبي مصعب نفسه، فخرج الروياني نا ابن إسحاق نا ابن أبي مريم نا ابن لهيعة نا مشرح بن هاعان المعافري أنه سمع عقبة بن عامر فذكره سواءا، وفي الباب عن جابر، وفي هذا الحديث الصحيح سنة تقريرية منه عليه السلام لأبي بكر وعمر في أنهما كانا يقومان من الليل ما يشاءان ، ثم يوتر أبو بكر ثم يقوم الليل مرة أخرى شفعا شفعا حتى الصباح, والله المستعان على من زعم أنه بدعة.
وقد خرجا في الصحيح من حديث القاسم عن عبد الله بن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم:"صلاة الليل مثنى مثنى فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة توتر لك ما صليت", قال القاسم: ورأينا أناسا منذ أدركنا يوترون بثلاث وإن كلا لواسع أرجو أن لا يكون بشيء منه بأس", واللفظ للبخاري(948), وقد ذكره في باب كيف صلاة الليل وكم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل", وقال ابن حجر:" أنه الأفضل في حق الأمة لكونه أجاب به السائل وأنه صلى الله عليه وسلم صح عنه فعل الفصل والوصل", وجاء التخيير في العدد عن راوي الحديث وهو أفهم لما روى, قال ابن حجر(2/481):" وروى محمد بن نصر من طريق سعيد بن الحارث أنه سأل بن عمر عن ذلك فقال: إذا كنت لا تخاف الصبح ولا النوم فاشفع ثم صل ما بدا لك ثم أوتر وإلا فصل وترك على الذي كنت أوترت", ومن طريق أخرى عن ابن عمر أنه سئل عن ذلك؟ فقال: أما أنا فأصلي مثنى فإذا انصرفت ركعت ركعة واحدة فقيل: أرأيت ان أوترت قبل أن أنام ثم قمت من الليل فشفعت حتى أصبح قال ليس بذلك بأس",
وجاء الحث على مطلق القيام بلفظ أصرح من هذا: فخرج أبو داود 1277 من حديث عمرو بن عبسة السلمي أنه قال: قلت يارسول الله أي الليل أسمع؟ قال:" جوف الليل الآخر فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح ثم أقصر حتى تطلع الشمس...", وللنسائي:" قلت يا رسول الله هل من ساعة أقرب إلى الله عز وجل من أخرى قال نعم جوف الليل الآخر فصل ما بدا لك حتى تصلي الصبح ثم انته", والحديث صحيح, وهذا نبي الله يحبّب لأمته أن يصلوا كما يشاء, وهم يقولون: لا تصل ما تشاء, والحمد لله على توسيعه لما ضيقوا.
وخرج مسلم(183) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا أم أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء", وفي لفظ:" فليطل صلاته ما شاء", وهو عام شامل للتطويل في القيام وفي عدد الركعات.
قال محمد بن نصر في قيام الليل ص 127 وابن المنذر في الأوسط ثنا طاهر بن عمرو بن الربيع بن طارق ثنا أبي ثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا توتروا بثلاث تشبهوا بصلاة المغرب و لكن أوتروا بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة ركعة أو أكثر من ذلك", قال الشوكاني في النيل(3/42): قال العراقي: إسناده صحيح", وصححه ابن القيم في إعلام الموقعين(2/373), فإنه لما ذكر حديثا في الوتر قال: وله شاهد آخر بإسناد صحيح, ثنا أبو العباس..", فذكره, ثم قال ابن القيم محتجا بالحديث:" فردت هذه السنن بحديثين باطلين وقياس فاسد..", أما الحاكم فلم يذكر حكمه عنه في النسخة الموجودة, إلا أن يكون قد صححه كما في النسخة التي عند ابن القيم والله أعلم, وقد خرجه البيهقي (3/31) عن أبي العباس محمد بن يعقوب ثنا أبو الحسين طاهر بن عمرو فذكره سواءا ثم قال البيهقي: ورواه ابن بكير عن الليث, أخبرنا أبو عبد الله الحافظ نا عبد الصمد بن علي بن مكرم البزار ببغداد ثنا عبيد بن شريك ثنا يحيى بن بكير ثني الليث ثني جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن أبي هريرة قال: لا توتروا بثلاث, قال: فذكر نحوه موقوفا", ولعله الصواب لأن طاهر بن عمرو قد روى عنه الثقات منهم أبو عوانة في صحيحه, ولا أدري من وثقه والله أعلم.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زار جابرا فقال له:" صل ما استطعت", فليبحث عنه, وأنا بريئ من عهدته.
وجاء من فعله أنه عليه السلام صلى أكثر من إحدى عشرة ركعة: فخرج البخاري1117عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين", ولمسلم 195عن زيد بن خالد الجهني نحو ذلك, وفي الباب عن أم سلمة وجابر رضي الله عنهم.
وقال عبد الله كما في المسند (1/145) حدثني العباس بن الوليد ثنا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة قال: سئل علي رضي الله عنه عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كان يصلي من الليل ست عشرة ركعة", رجاله ثقات, وقد توبع أبو عوانة: فقال عبد الله ثنا أبو عبد الرحمن بن عمر ثنا عبد الرحيم الرازي عن العلاء بن المسيب عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن على رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ست عشرة ركعة سوى المكتوبة", رجاله ثقات, وأبو عبد الرحمن هو عبد الله مشكدانة الحافظ, وعبد الرحيم بن سليمان هو الأشل الرازي ثقة, وأبو إسحاق قد سمع هذا الحديث من عاصم, وهكذا قال فيه أبو عوانة والعلاء وهما ثقتان:" يصلي من الليل", وخالفهما شريك ومعمر وسفيان وأبو إسرائيل فقالوا فيه:"من النهار" فإما أن يكون هذا هو الصواب, وإما أن تصح الروايتان, فيكون تطوعه من الليل ست عشرة ركعة مثل النهار والله أعلم, ولهذا شاهد قوي:
قال ابن المبارك في الزهد (1237) أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبع عشرة ركعة من الليل", هذا مرسل رجاله ثقات, فيكون قد صلى ست عشرة ركعة والوتر وكعة, والمجموع سبع عشرة ركعة.
وروى محمد بن المهاجر عن الحكم بن عتبة عن إبراهيم قال: قال علي: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة النصف من شعبان قام فصلى أربعة عشرة ركعة ثم جلس بعد الفراغ...",
وروي عن ابن عباس قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر", ولم يصح, رواه الناس عن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان وهو ضعيف عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس, وخرج السهمي في تاريخ جرجان( 75 و 276 ) ثنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد القصري الشيخ الصالح رحمه الله حدثنا عبد الرحمن بن عبد المؤمن العبد الصالح قال أخبرني محمد بن حميد الرازي حدثنا عمر بن هارون حدثنا إبراهيم بن الحناز عن عبد الرحمن عن عبد الملك بن عتيك عن جابر بن عبد الله قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في رمضان فصلى بالناس أربعة وعشرين ركعة وأوتر بثلاثة", وهذا إسناد مظلم مجهول لا عبرة به, ومحمد بن حميد الرازي حافظ ضعيف عند الأكثر, ووثقه ابن معين وبعضهم, وعمر بن هارون تركه الأكثر, وقال الترمذي سمعت محمدا يقول:عمر بن هارون مقارب الحديث قال: ورأيته حسن الرأي فيه", وكان أبو رجاء قتيبة يطريه ويوثقه, وذكر عن وكيع أنه ذكره فقال:كان يروي بالحفظ", وأثنى على روايته ابن مهدي.
وجاء عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الصلاة بأي عدد مختار وهم خير الناس:
فخرج ابن نصر عن عائشة رضي الله عنها عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يوتر قبل أن ينام فإذا قام من الليل صلى مثنى مثنى حتى يفرغ مما يريد أن يصلي", وقد مضى مثله.
وذكر ابن نصر: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:" الوتر ثلاثة من شاء أوتر أول الليل فكفاه ذاك فإن قام وعليه ليل فإن شاء صلى ركعة وسجدتين فكانت شفعا لما بين يديها ثم صلى ما بدا له ثم أوتر إذا فرغ, ومن شاء أخر وتره إلى آخر الليل", وصله الشافعي كما في مسنده قال نا ابن علية عن أبي هارون الغنوي عن حطان بن عبد الله قال علي رضي الله عنه: الوتر ثلاثة أنواع فمن شاء أن يوتر من أول الليل أوتر ثم إن استيقظ فشاء أن يشفعها بركعة ويصلي ركعتين ركعتين حتى يصبح ثم يوتر فعل وإن شاء صلى ركعتين حتى يصبح وإن شاء أوتر آخر الليل"، وخرجه البيهقي (3/37) عن شعبة عن أبي هارون الغنوي مثله ولعبد الرزاق نحوه، وهذا إسناد صحيح من حديث البصريين الثقات وهو صريح في أن يوتر المرء بركعات كما يشاء، ثم ينام ثم يصلي كما يشاء حتى يصبح والحمد لله.
وخرج البخاري 4086 ومسلم كما ذكر المزي في ترجمة محمد بن عباد عنه ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن فقال يسروا أو بشروا ولا تنفروا وأراه قال تطاوعا فلما ولي أبو موسى قال يا رسول الله إن لهم شرابا من العسل يطبخ حتى يعقد والمزر من الشعير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسكر عن الصلاة فهو حرام, فلما قدما اليمن نزلا فتناطرا قيام الليل فقال أبو موسى: أنا أقوم أول الليل وأنام آخره, فقال معاذ: وأنا أنام أول الليل وأقوم آخره فأحتسب نومي كما أحتسب قومي".
وخرج ابن نصر كما في المختصر من كتاب الوتر101 عن أبي مجلز أن ابن عباس رضي الله عنه قال: أما أنا فلو أوترت ثم قمت وعلي ليل لم أبال أن أشفع إليها بركعة ثم أصلي بعد ذلك ما بدا لي ثم أوتر بعد ذلك", وفي رواية:" إذا أوتر الرجل من أول الليل ثم أراد أن يصلي شفع وتره بركعة ثم صلى ما بدا له ثم أوتر من آخر صلاته", وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه بمعناه", وصلهما أبو بكر بأصح إسناد في الدنيا (2/82) فقال باب في الرجل يوتر ثم يقوم بعد ذلك: حدثنا وكيع عن عمران بن حدير عن أبي مجلز أن أسامة بن زيد وبن عباس قالا إذا اوترت من أول الليل ثم قمت تصلي فصل ما بدا لك واشفع بركعة ثم اوتر", قال: حدثنا حفص عن ابن جريج عن عطاء عن بن عباس قال من أوتر أول الليل ثم قام فليصل ركعتين ركعتين", ورواه عبد الرزاق عن الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عباس قال:" إذا أوترت من أول الليل فصل شفعا حتى تصبح". وفيه صلاة الوتر ثم القيام بعدها بما بدا له من الركعات,
ولابن نصر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار كلاهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قالا سأله رجل عن الوتر فقال:" أما أنا فإني إذا صليت العشاء الآخرة صليت ما شاء الله أن أصلي مثنى مثنى فإذا أردت أن أنام ركعت ركعة واحدة اوترت لي ما قد صليت فإن هببت من الليل فإردت أن اصلي شفعت بواحدة ما مضى من وتري ثم صليت مثنى مثنى فإذا أردت أن أنصرف ركعت ركعة واحدة فأوترت لي ما صليت", وقال أبو بكر حدثنا هشيم أنا حصين عن الشعبي عن ابن عمر أنه كان يفعل ذلك", أي مثل فعل ابن عباس, وهو صحيح, وخرج مالك في الموطإ عن نافع أنه قال: كنت مع عبد الله بن عمر بمكة والسماء مغيمة فخشي عبد الله الصبح فأوتر بواحدة ثم انكشف الغيم فرأى أن عليه ليلا فشفع بواحدة ثم صلى بعد ذلك ركعتين ركعتين فلما خشي الصبح أوتر بواحدة ", قال مالك: من أوتر أول الليل ثم نام ثم قام فبدا له أن يصلي فليصل مثنى مثنى فهو أحب ما سمعت إلي",
وذكر ابن نصر عن عمار بن ياسر وقد سئل عن الوتر فقال أما أنا فأوتر قبل أن أنام فإن رزقني الله شيئا صليت شفعا شفعا إلى أن أصبح", وصله أبو بكر بإسناد غاية من الصحة قال: حدثنا وكيع حدثنا شعبة عن قتادة عن خلاس بن عمرو الهجري عن عمار قال:" أما أنا فأوتر فإذا قمت صليت مثنى مثنى وتركت وتري الأول كما هو ", ولعبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار ثنا خلاس بن عمرو: قال كنت جالسا عند عمار بن ياسر فسأله رجل فقال يا أبا اليقظان كيف تقول في الوتر فقال عمار:" أما أنا فأوتر قبل أن أنام فإن رزقني الله شيئا صليت شفعا شفعا حتى الصبح".
وخرج ابن نصر عن أبي هريرة رضي الله عنه إذا صليت العشاء صليت بعدها خمس ركعات ثم أنام فإن قمت صليت مثنى مثنى وإن أصبحت أصبحت على وتر", وصله عبد الرزاق بأصح أسانيد المدنيين رواه عن مالك وابن زيد بن أسلم عن زيد بن أسلم عن أبي مرة مولى عقيل قال سألت أبا هريرة فقلت حدثني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر فسكت ثم سألته الثانية فسكت ثم سألته الثالثة فقال: إن شئت حدثتك عن أبي هريرة:" أما أنا فأوترها هنا بخمس ثم أرجع فارقد فإن استيقظت صليت شفعا حتى أصبح ", فأخبر حافظ الأمة أنه يوتر بخمس, ثم يستيقظ فيصلي شفعا شفعا حتى يصبح",
قال ابن نصر: وسئل رافع بن خديج رضي الله عنه عن الوتر فقال أما أنا فإني أوتر من اول الليل فإن رزقت شيئا من آخره صليت ركعتين ركعتين حتى أصبح", وصله عبد الرزاق عن معمر عن أبي عمرو الندبي سمعت رافع بن خديج يسأل عن الوتر فقال: أما أنا فإني أوتر من أول الليل فإن رزقت شيئا من آخره صليت ركعتين ركعتين حتى أصبح, أو قال: حتى يدركني الصبح", وقال أبو بكر حدثنا وكيع ثنا حماد بن سلمة عن بشر بن حرب أبو عمر قال سمعت رافع بن خديج قال: أما أنا فأوتر فإذا قمت صليت مثنى مثنى وتركت وتري", بشر بن حرب صدوق فيه لين.
وصح ذلك عن سعد بن أبي وقاص, فقال أبو بكر ثنا غندر عن شعبة عن إبراهيم بن المهاجر عن كليب الجرمي عن سعد قال: أما أنا فإذا أوترت ثم قمت صليت ركعتين ركعتين",
وخرج عبد الرزاق(3/20) عبد الرزاق عن معمر عن ثابت البناني قال صليت مع أنس وبت عنده قال فرأيته يصلي مثنى مثنى حتى إذا كان في آخر صلاته أوتر بثلاث مثل المغرب".
وخرج أبو يوسف في الآثار عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال:« صلاة الليل مثنى مثنى، تسلم في ركعتين إن شئت، وإن شئت صليت خمسين ركعة لم تسلم بينهن وسلمت في آخرهن..."،
وخرج عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج عن عطاء قال يجزيك التشهد وإن صليت مائة ركعة"، وخرج عبد الرزاق أيضا(3/26) عن ابن جريج قال قلت لعطاء: أفصل بين الوتر وبين ما قبله بتسليم؟ قال: كأنكم أعراب أو لست تسلم تسليم الفراق كل شيء فهو يكفيك، فإن شئت فصل مائة ركعة أو فلا تفصل بين الوتر وبين ما قبله من الركوع قال: قلت: والإمام أيضا كذلك في شهر رمضان؟ قال" نعم"، فمن ذا يترك سبيل الصحابة والتابعين، ويلتفت إلى غيرهم إلا كل خاسر مأبون متهم في دينه غير مأمون، والله المستعان.
وقد جاءت صلاة التراويح عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين ركعة, وهم أفضل الناس, روى ذلك عنهم كل من السَّائِبِ بْنِ يَزِيد وابن أبي ذباب وأبوالعالية وغيرهم كثير:
أما رواية السَّائِب بنِ يَزِيد, فقد حدث بها عنه كل من مُحَمَّد بْنِ يُوسُف ويزيد بن خصيفة لكن اختلف على محمد بن يوسف:
أما طريق محمد بن يوسف فقد اختلف عليه في ذكر العدد ... يتبع
كتبه أبو عيسى الزياني الجزائري
رد: استحباب التراويح بعشرين ركعة، وقيام الليل بأي عدد مختار الجزء1
جاء في الفتاوى الكبرى 2/250" تَنَازُعُ الْعُلَمَاءِ فِي مِقْدَارِ الْقِيَامِ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ أبي بْنَ كَعْبٍ كَانَ يَقُومُ بِالنَّاسِ عِشْرِينَ رَكْعَةً فِي قِيَامِ رَمَضَانَ وَيُوتِرُ بِثَلَاثِ . فَرَأَى كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ السُّنَّةُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ بَيْن الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ . وَاسْتَحَبَّ آخَرُونَ : تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْقَدِيمِ . وَقَالَ طَائِفَةٌ : قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً } وَاضْطَرَبَ قَوْمٌ فِي هَذَا الْأَصْلِ لَمَّا ظَنُّوهُ مِنْ مُعَارَضَةِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِمَا ثَبَتَ مِنْ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَعَمَلِ الْمُسْلِمِينَ . وَالصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ جَمِيعَهُ حَسَنٌ كَمَا قَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنَّهُ لَا يتوقت فِي قِيَامِ رَمَضَانَ عَدَدٌ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوَقِّتْ فِيهَا عَدَدًا وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ تَكْثِيرُ الرَّكَعَاتِ وَتَقْلِيلُهَا بِحَسَبِ طُولِ الْقِيَامِ وَقِصَرِهِ ."
استحباب التراويح بعشرين ركعة الجزء2
بسم الله وبعد: فهذا الجزء الثاني من البحث:
وصح ذلك عن سعد بن أبي وقاص, فقال أبو بكر ثنا غندر عن شعبة عن إبراهيم بن المهاجر عن كليب الجرمي عن سعد قال: أما أنا فإذا أوترت ثم قمت صليت ركعتين ركعتين",
وخرج عبد الرزاق(3/20) عبد الرزاق عن معمر عن ثابت البناني قال صليت مع أنس وبت عنده قال فرأيته يصلي مثنى مثنى حتى إذا كان في آخر صلاته أوتر بثلاث مثل المغرب".
وخرج أبو يوسف في الآثار عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال:« صلاة الليل مثنى مثنى، تسلم في ركعتين إن شئت، وإن شئت صليت خمسين ركعة لم تسلم بينهن وسلمت في آخرهن..."،
وخرج عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج عن عطاء قال يجزيك التشهد وإن صليت مائة ركعة"، وخرج عبد الرزاق أيضا(3/26) عن ابن جريج قال قلت لعطاء: أفصل بين الوتر وبين ما قبله بتسليم؟ قال: كأنكم أعراب أو لست تسلم تسليم الفراق كل شيء فهو يكفيك، فإن شئت فصل مائة ركعة أو فلا تفصل بين الوتر وبين ما قبله من الركوع قال: قلت: والإمام أيضا كذلك في شهر رمضان؟ قال" نعم"، فمن ذا يترك سبيل الصحابة والتابعين، ويلتفت إلى غيرهم إلا كل خاسر مأبون متهم في دينه غير مأمون، والله المستعان.
وقد جاءت صلاة التراويح عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين ركعة, وهم أفضل الناس, روى ذلك عنهم كل من السَّائِبِ بْنِ يَزِيد وابن أبي ذباب وأبوالعالية وغيرهم كثير:
أما رواية السَّائِب بنِ يَزِيد, فقد حدث بها عنه كل من مُحَمَّد بْنِ يُوسُف ويزيد بن خصيفة لكن اختلف على محمد بن يوسف:
أما طريق محمد بن يوسف فقد اختلف عليه في ذكر العدد على ثلاثة أقوال:
أولاها ما رواه مالك في الموطإ عَنْ مُحَمَّد بْنِ يُوسُف عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَال:" أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً, قَال: وَقَدْ كَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَّا فِي فُرُوعِ الْفَجْر", قال ابن عبد البر في الإستذكار (2/68):" هكذا قال مالك في هذا الحديث إحدى عشرة ركعة وغير مالك يخالفه فيقول في موضع إحدى عشرة ركعة, إحدى وعشرين... قال:" إلا أن الأغلب عندي في إحدى عشرة ركعة الوهم والله أعلم", وليس الوهم فيها من مالك لأنه قد توبع:
فقال إسماعيل بن جعفر في جزئه: نا محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد فذكر مثل حديث مالك.
وقال أبوبكر بن أبي شيبة(2/392) وابن شبة: حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن يوسف إن السائب أخبره إن عمر جمع الناس على أبيّ وتميم، فكانا يصليان إحدى عشرة ركعة",
وقال سعيد بن منصور في سننه: حدثنا عبد الله بن محمد ني محمد بن يوسف سمعت السائب بن يزيد يقول: كنا نقوم في زمان عمر بن الخطاب بإحدى عشرة ركعة"، كذا وجدته فيما جمعت من أوراق ولم أتحقق منه بعد، وعبد الله هذا هو الفروي والله أعلم.
هكذا قال مالك في رواية ويحيى وابن جعفر والفروي عن محمد بن يوسف, وخالفهم أبو ذكير وعبد الله بن عمر وأسامة بن زيد ومالك في رواية ابن وهب عنه لم يذكروا عددا أصلا، أما رواية أبي ذكير عن محمد بن يوسف فخرجها ابن شبة في تاريخه (2/713) قال: حدثنا أبو ذكير سمعت محمد بن يوسف الأعرج يحدث عن السائب بن يزيد قال: جاء عمر رضي الله عنه ليلة من ليالي رمضان، إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والناس متفرقون، يصلي الرجل بنفسه، ويصلي الرجل ومعه النفر، فقال: لو اجتمعتم على قارئ واحد كان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب.."، ولم يذكر عددا، وكذلك لم يذكره مالك مرة وعبد الله بن عمر وأسامة بن زيد عن محمد بن يوسف، فقال ابن شبة: حدثنا أحمد بن عيسى ثنا عبد الله بن وهب حدثني مالك وعبد الله بن عمر وأسامة بن زيد أن محمد بن يوسف حدثهم عن السائب بن يزيد قال: جمع عمر رضي الله عنه الناس على أبي بن كعب وتميم الداري، فكانا يقومان في الركعة بالمئين من القرآن، حتى إن الناس ليعتمدون على العصي من طول القيام، ويتنوط أحدهم بالحبل المربوط بالسقف من طول القيام، وكنا نخرج إذا فرغنا ونحن ننظر إلى بزوغ الفجر"، ورواه أبو بكر نا وكيع نا أسامة بن زيد عن محمد بن يوسف عن السائب قال عمر:" إنكم تدعون أفضل الليل آخره", ليس فيه العدد.
بينما رواه محمد بن إسحاق عن محمد بن يوسف فقال: ثلاث عشرة ركعة, خرج روايته محمد بن نصر في قيام الليل من طريق محمد بن إسحاق حدثني محمد بن يوسف عن جده السائب بن يزيد قال: كنا نصلى في زمن عمر ثلاث عشرة ركعة", قال ابن إسحاق: وما سمعت في ذلك هو أثبت عندي ولا أحرى من حديث السائب وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له من الليل ثلاث عشرة ركعة", وهذه الرواية تؤكد ضبط ابن إسحاق لحديثه, وأن الإضطراب صادر من محمد بن يوسف,
بينما روى داود بن قيس وغيره هذا الحديث أيضا عن محمد بن يوسف فقالوا فيه:"إحدى وعشرين ركعة"، خرج روايتهم عبد الرزاق7730 عن داود بن قيس وغيره عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أن عمر جمع الناس في رمضان على أبي بن كعب وعلى تميم الداري على إحدى وعشرين ركعة يقرؤون بالمئين وينصرفون عند فروع الفجر", وهذا إسناد صحيح وداود بن قيس هو الفراء ثقة فاضل, ومن طعن في حفظ الإمام عبد الرزاق فهو المخطئ، لأن هذا الحديث من كتابه وهو صحيح الكتاب باتفاق المسلمين, وقد رأيت القوم يكثرون من الطعن في هذا الإمام من غير معرفة، عندها استعنت الله على جمع ورد كل الشبه التي طعنوا فيها على إمامنا الحافظ عبد الرزاق، وكتبت ذلك في مبحث تصحيح تسمية الله بالمحسن والحمد الله, ولعلي أعيدها في الأسفل إن شاء الله، وإن في اختلاف الرواة على محمد بن يوسف لدليل واضح أن الإضطراب صادر منه بلا شك، ورواية داود بن قيس وغيره عنه أصح كما قال ابن عبد البر لموافقتها روايات سائر الثقات كما سيأتي:
أما عن رواية يزيد بن خصيفة عن السائب فلم يختلف عليه في العدد, فقد رواه عنه كل من ابن ابى ذئب ومحمد بن جعفر عن يزيد بن خصيفة بلفظ:"عشرين ركعة", وتابعه على ذلك ابن أبي ذباب وأبو العالية ثلاثتهم عن السائب بن يزيد بلفظ:" عشرين ركعة".
أما رواية ابن ابى ذئب فقد حدث بها عنه كل من على بن الجعد و يزيد بن هارون:
أما حديث ابن الجعد فخرجه البيهقي(2/496): اخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين بن فنجويه الدينورى بالدامغان ثنا احمد بن محمد بن اسحاق السنى انبأ عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ثنا على بن الجعد انبأ ابن ابى ذئب عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد قال كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنها في شهر رمضان بعشرين ركعة قال وكانوا يقرؤن بالمئين وكانوا يتوكؤن على عصيهم في عهد عثمان بن عفان رضى الله عنه من شدة القيام"، وقد ضعفه بعضهم بأن ابن فنجوية مجهول، وليس كما قالوا، فقد قال البنوري محقق نصب الراية(2/99): رجال هذا الاسناد كلهم ثقات ذكرها المحقق النيموي الهندي في آثار السنن (2/54) رجلا رجلا", وهو كما قال لأن ابن حجر ذكر في اللسان من ترجمة الحسن بن محمود عن الحافظ أبي سعد بن السمعاني قال: أما قوله ـ السقطي عن حديث: أدوا الزكاة ـ أن رجال الإسناد كلهم مجاهيل فليس كذلك, بل أكثرهم معروفون,.. والحسين بن عبد الله بن فنجويه حافظ كبير مصنف", وقال في تاج العروس مادة: فنج:" واستدرك شيخنا هنا ابن فَنْجُويَهْ أَحدُ المُحَدّثين، قال: وهو الحافِظُ أَبو عبد الله الحُسين بنُ محمّدِ...بن فَنْجُويَهْ الثَّقَفيُّ الدِّينَوَريّ ذكره عبدُ الغافرِ الفارسيّ في تاريخ نَيْسَابورَ وأثنى عليه"، وقال الذهبي في السير(17/ 383):" الشَّيْخُ الإِمَام المُحَدِّث المُفِيْد بَقِيَّةُ المَشَايِخ"، ونقل عن شِيْرَوَيْه فِي تَارِيْخِهِ قوله:كَانَ ثِقَةً صَدُوْقاً، كَثِيْرَ الرِّوَايَةِ لِلْمَنَاكِير"، أي للأفراد، وهو راوي كتاب السنن عن شيخه ابن السني المعروف، وحدث عنه بسنن النسائي وغيره، وقال محمد بن عبد الغني البغدادي في تكملته:" ثقة صدوق"، فصح الحديث وفيه دليل على استمرارية الصلاة بعشرين ركعة حتى في زمن عثمان رضي الله عنه, وقد خرج البغوي هذا الخبر في الجعديات(1/413)2387 قال: حدثنا علي أنا ابن أبي ذئب عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد قال:« كانوا يقومون على عهد عمر في شهر رمضان بعشرين ركعة ، وإن كانوا ليقرءون بالمئين من القرآن», وهذا إسناد صحيح مسلسل بالأئمة الثقات, وقد قرأته على شيخنا العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله تعالى فصححه وأعجبه جدا, وقد توبع علي بن الجعد متابعة تامة:
قال الفريابي في الصيام (1/86) حدثنا تميم بن المنتصر أنا يزيد بن هارون ثنا ابن أبي ذئب عن ابن خصيفة عن السائب بن يزيد قال:" كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب في رمضان عشرين ركعة، ولكن كانوا يقرءون بالمائتين في ركعة حتى كانوا يتوكئون على عصيهم من شدة القيام».
أما رواية محمد بن جعفر عن ابن خصيفة فقد خرجها البيهقي في الصغرى (1/235) وفي المعرفة(5409) قال: أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري نا محمد بن عبد الوهاب أنا خالد بن مخلد نا محمد بن جعفر حدثني يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد قال:« كنا نقوم في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعشرين ركعة والوتر», وقد جهل بعضهم بعض رواة السند فضعفه وليس كما قال، فقد قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَة: "إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وهو كما قال لأن رجاله ثقات أجمعهم, فأبو طاهر هو مسند نيسابور العلامة أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي قال عنه الخليلي: "ثقة متفق عليه", وأبو عثمان البصري قال عنه الذهبي في التذكرة:" مسند نيسابور"، وقال في السير (15/ 364):" هو الإِمَامُ القُدْوَة الزَّاهِد الصَّالِح أَبُو عُثْمَانَ عَمْرو بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ دِرْهَم النَّيْسَابُوْر ِيّ"، قَالَ الحَاكِمُ:لم أرزقِ السَّمَاع مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يحضُر منزلنَا وَأَنبسطُ إِلَيْهِ، وقَالَ لِي أَبِي:صحبته إِلَى رِبَاط فرَاوة وَمَا رَأَيْتُ مِثْل اجْتهَادِه حَضَراً وَسَفَراً"، ومحمد بن عبد الوهاب هو ابن حبيب ثقة, والبقية معروفون,
وأما متابعة ابن أبي ذباب لابن خصيفة فخرجها عبد الرزاق 7733 عن الأسلمي عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن السائب بن يزيد قال: "كنا ننصرف من القيام على عهد عمر وقد دنا فروع الفجر وكان القيام على عهد عمر ثلاثة وعشرين ركعة"، الأسلمي مهمل, وأظنه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي, وعامة أهل الحديث على تركه لم يوثقه غير الشافعي وابن عقدة وابن الأصبهاني وأثنى عليه ابن عدي.
وقد ذكر ابن عبد البر والبيهقي أن من ذكر عشرين ركعة فبغير عد الوتر, ومن ذكر ثلاثة وعشرين ركعة فبالوتر لرواية عطاء الآتية, ولما روى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عمران بن موسى أن يزيد بن خصيفة أخبرهم عن السائب بن يزيد عن عمر قال جمع الناس على أبي بن كعب وتميم الداري فكان أبي يوتر بثلاث ركعات", وبهذا تجتمع الأحاديث وتتفق, إلا ما جاء عن محمد بن يوسف, ووجه التوفيق بين روايته ورواية غيره على طريقتين لا ثالثة لهما:
فإما أن نسلك مسلك الجمع وهو على ثلاثة أقوال, أولاهما مسلك الجمع بالتدرج, وقد قال به البيهقي حيث قال (2/496) :" ويمكن الجمع بين الروايتين فإنهم كانوا يقومون بإحدى عشرة ثم كانوا يقومون بعشرين ويوترون بثلاث والله أعلم", وقال ابن عبد البر: إلا أنه يحتمل أن يكون القيام في أول ما عمل به عمر بإحدى عشرة ركعة ثم خفف عليهم طول القيام ونقلهم إلى إحدى وعشرين ركعة يخففون فيها القراءة ويزيدون في الركوع والسجود إلا أن الأغلب عندي في إحدى عشرة ركعة الوهم والله أعلم", وقال محمد عليش المالكي في منح الجليل على مختصرخليل:وهي ثلاث وعشرون ركعة بالشفع والوتر’وهذا الذي جرى به عمل الصحابة والتابعين، ثم جُعِلت في زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالىعنه بعد وقعة الحرة بالمدينة المنورة، فخففوا في القيام وزادوا في العدد لسهولتهفصارت تسعا وثلاثين بالشفع والوتر كما في بعض النسخ، وفي بعضها ستا وثلاثين ركعةغير الشفع والوتر، واستقر العمل على الأول",
والثاني مسلك الجمع بحسب تطويل القراءة وتخفيفها, حيث قال ابن حجر في الفتح (4/253): "والجمع بين هذه الروايات ممكن باختلاف الأحوال ويحتمل أن ذلك الاختلاف بحسب تطويل القراءة وتخفيفها فحيث يطيل القراءة تقل الركعات وبالعكس وبذلك جزم الداودي وغيره والعدد الأول موافق لحديث عائشة المذكور بعد هذا الحديث في الباب والثاني قريب منه والاختلاف فيما زاد عن العشرين راجع إلى الاختلاف في الوتر وكأنه كان تارة يوتر بواحدة وتارة بثلاث",
والثالث مسلك الجمع باختلاف الأفراد في القوة والنشاط وقد أنسيت من ذكره والله أعلم.
وإما أن نسلك في هذه الأحاديث الطريقة الثانية وهي طريقة الترجيح كما رجح ابن عبد البر حيث قال:" إلا أن الأغلب عندي في إحدى عشرة ركعة الوهم والله أعلم", وهذا هو الصواب لعدة أمور:
فلئن كان قد رجح بعضهم رواية محمد بن يوسف لأن ابن حجر قال: ثقة ثبت", ولأنه ابن أخت السائب, فليس هذا بشئ, لأن يزيد بن خصيفة قال عنه ابن عبد البر: هو الكندي ابن أخي السائب بن يزيد الكندي وكان ثقة مأمونا محدثا محسنا", وابن الأخ أقرب من ابن الأخت, وقد قال عنه ابن معين:ثقة حجة, وهي أرفع من ثقة ثبت, وأما قول أحمد فيه:" منكر الحديث", أي أن له أفرادا كما قال أهل الفن وليست بجرح, فقد قال عنه أحمد أيضا: ثقة, وهو قول كافة أهل الحديث ولا يجوز الطعن في الأئمة بتتبع الأقوال الشاذة وإلا فلن يسلم أحد من الجرح لا محمد بن يوسف ولا من هو أفضل منه.
ومن أوجه الترجيح لرواية يزيد بالعشرين أن محمد بن يوسف قد اختلف عليه في حديثه واضطرب فيه, فرواه عنه مالك وغيره بلفظ:" إحدى عشرة ركعة", ورواه عنه مالك في رواية أخرى هو وأسامة بن زيد وأبو ذكير والعمري كلهم عن محمد بن يوسف لم يذكروا عددا، ورواه عنه محمد بن إسحاق عن محمد بن يوسف فقال: ثلاث عشرة ركعة, ثم قال ابن إسحاق متثبتا:"هو أثبت عندي ولا أحرى من حديث السائب وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له من الليل ثلاث عشرة ركعة", بينما رواه عنه داود بن قيس وغيره عن محمد بن يوسف فقالوا فيه:"إحدى وعشرين ركعة", وهي الموافقة لرواية يزيد بن خصيفة الذي لم يختلف عليه في حديثه, ورواية من ضبط أولى من روايه من اختلف عليه في حديثه, فقد روى الحفاظ طريق يزيد بعشرين ركعة, ومع الوتر تصير ثلاثة وعشرين ركعة, كما ذكر البيهقي وابن عبد البر وغيرهما,
أما الوجه الثالث في ترجيح رواية يزيد أنه قد تابعه كل من ابن أبي ذباب وأبي العالية الرياحي, إضافة إلى كثير من الشواهد لها:
أما متابعة ابن أبي ذباب فقد خرجها عبد الرزاق وذكرها ابن عبد البر تعليقا كما مر.
وأما متابعة أبي العالية فخرجها الضياء المقدسي في المختارة (1/384) مصححا لها عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب أن عمر أمر أبيا أن يصلي بالناس في رمضان فقال:إن الناس يصومون النهار ولا يحسنون أن يقرؤوا فلو قرأت القرآن عليهم بالليل فقال : يا أمير المؤمنين هذا شيء لم يكن فقال : قد علمت ولكنه أحسن, فصلى بهم عشرين ركعة", وهذا حديث صحيح لغيره, لأن أبا جعفر الرازي أقل أحواله أن يكون صدوقا, فقد لينه بعض الحفاظ تليينا يسيرا, فقال ابن خراش: سيىء الحفظ صدوق, وقال أبو زرعة: يهم كثيرا, وقال النسائي:ليس بالقوي, بينما اختلف قول البعض فيه, فقال أحمد: ليس بقوي,وقال مرة : صالح الحديث, وقال الفلاس: فيه ضعف وهو من أهل الصدق سيىء الحفظ, (وقال الفلاس مرة أخرى ولست متأكدا: ثقة), وجعل الأكثرون حديثه في مرتبة الصحيح, فقال ابن عبد البر: هو عندهم ثقة عالم بتفسير القرآن, وقال الحاكم: هو ثقة, وقال أيضا: أبو جعفر الرازي لم يخرجا عنه وحاله عند سائر الأئمة أحسن الحال", فنقلا ذلك عن سائر الأئمة, وقال إسحاق بن منصور وعباس الدوري وابن الغلابي عن يحيى بن معين: ثقة, وقال أبو بكر بن خيثمة عن يحيى بن معين:صالح, وقال ابن أبي مريم عن ابن معين يكتب حديثه ولكنه يخطئ, وذكر أن يخطئ في حديث المغيرة فقط, وليس هذا منه, وقال علي بن المديني ومحمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وابن عدي و ابن سعد: ثقة, وقال أبو حاتم:ثقة صدوق صالح الحديث", وقال الهيثمي(4/74) :" عيسى بن أبي عيسى ماهان وهو ثقة وفيه كلام لا يضر", وجعله بعضهم في رتبة الحسن, فقال زكريا بن يحيى الساجي:صدوق ليس بمتقن", وخلاصة القول فيه ما قال ابن عدي:له أحاديث صالحة وقد روى عنه الناس وأحاديثه عامتها مستقيمة وأرجو انه لا بأس به", وهو من أروى الناس عن الربيع بن أنس وهذا صدوق ثقة لم يجرحه أحد, وهو من أروى الناس عن أبي العالية فصح الحديث, وهو أصح بشواهده الماضية والآتية:
فقد ذكر الهندي في كنز العمال(8/409):" عن أبى بن كعب أن عمر بن الخطاب أمره أن يصلى بالليل فى رمضان فقال: إن الناس يصومون النهار ولا يحسنون أن يقرأوا فلو قرأت عليهم بالليل، فقال: يا أمير المؤمنين هذا شىء لم يكن، فقال: قد علمت ولكنه حسن فصلى بهم عشرين ركعة", وعزاه إلى أحمد بن منيع في مسنده وأظنه مفقود, والطريق محل بحث.
وأما الوجه الرابع من الترجيح فإن لحديث ابن خصيفة مع أبي العالية وابن أبي ذباب شواهد أخرى كثيرة: فخرج أبو داود (1429) نا شجاع بن مخلد عن هشيم عن يونس بن عبيد عن الحسن أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب، فكان يصلي لهم عشرين ليلة, ولا يقنت بهم إلا في النصف الباقي،...", وذكره بعضهم بلفظ:" فكان يصلي لهم عشرين ركعة", ولم أتحقق ذلك, وإنما ذكرته ليبحث عنه, والذي وجدته هو ما قال ابن أبي الدنيا: ثنا شجاع بن مخلد ثنا هشيم قال منصور نا الحسن قال:" كانوا يصلون عشرين ركعة، فإذا كانت العشر الأواخر زاد ترويحة شفعين".
ومن الشواهد ما خرج ابن نصر عن محمد بن كعب القرظي قال:" كان الناس يصلون في زمن عمر في رمضان عشرين ركعة، يطيلون فيها القراءة, ويوترون بثلاث".
ومنها ما قال أبو بكر7764 حدثنا وَكِيع عَن مَالِك بْنِ أَنَس عَن يَحْيَى بْنِ سَعِيد أَنَّ عُمَر بْنَ الْخَطَّابِ أَمَرَ رَجُلاً يُصَلِّي بِهِمْ عِشْرِينَ رَكْعَة", هذا سند مدني رجاله ثقات لكنه منقطع وله شاهد مدني آخر منقطع:
فخرج مالِك عَن يَزِيد بْنِ رُومَانَ أَنَّهُ قَال: كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَة", هذا خبر منقطع وليس يذكر لابن رومان أنه روى عن ابن خصيفة حتى يحتمل أنه قد سمعه منه, وإن كان ذلك ممكنا, ومرسلات أهل المدينة من أصح المراسيل, ولها شواهد أخرى:
فقال أبو بكر7766 حَدثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن عَن حَسَن عَن عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْع قَال: كَانَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي رَمَضَانَ بِالْمَدِينَةِ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُ بِثَلاَث", وعبد العزيز ثقة مات سنة ثلاثين ويقال بعدها وقد جاوز التسعين, فيكون قد ولد حوالي سنة أربعين, وقد مات أبي بن كعب على الأكثر سنة اثنتين وثلاثين, وقيل قبلها, فالسند بذلك منقطع, وهو إسناد كوفي, غير ما سبق عن المدنيين, وكل هذه الأخبار لا تدع مجالا للشك في تقديم رواية العشرين, وقد قال ابن عبد البر في الإستذكار:" وهذا كله يشهد بأن الرواية بإحدى عشرة ركعة وهم وغلط وأن الصحيح ثلاث وعشرون وإحدى وعشرون ركعة والله أعلم", وقال:" وهو قول جمهور العلماء وبه قال الكوفيون والشافعي وأكثر الفقهاء, وهو الصحيح عن أبي بن كعب من غير خلاف من الصحابة", وقال الترمذي في سننه:"وَاخْتَلَف َ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يُصَلِّيَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ رَكْعَةً مَعَ الْوِتْرِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَهُمْ بِالْمَدِينَة, وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَكَذَا أَدْرَكْتُ بِبَلَدِنَا بِمَكَّةَ يُصَلُّونَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وقَالَ أَحْمَدُ رُوِيَ فِي هَذَا أَلْوَانٌ وَلَمْ يقض فِيهِ بِشَيْء, وقَال إِسْحاق: بَلْ نَخْتَار إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ رَكْعَةً عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ", والعجب أن بعضهم ذكر أن الترمذي والشافعي قد ضعفا أثر عمر، لأنهما قالا:" رُوي..", وليس كما توهموا أصلا لأمور: أحدها أن في زمانهم لم تستقر قواعد المصطلح ولا كانت كلها كقواعد يجب السير عليها, والثاني أن كثيرا من المتقدمين يطلقون :"رُوي على ما هو صحيح عندهم, ويحتجون به, مثل الذي مر سواءا, فقالوا: روي عن عمر ثم يحتجون به, ومن أمثلة ذلك حديث التشهد المشهور (289) فقد قال عنه الترمذي:" حديث ابن مسعود قد روي عن غير وجه, وهو أصح حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد", ولولا خشية التطويل لذكرت من ذلك أمثلة كثيرة في هذا, ثم ما بالهم في قول أحمد الماضي: رُوِيَ فِي هَذَا أَلْوَانٌ", ثم لم يقولوا أن أحمد قد ضعف رواية الإحدى عشر، التي تفرد بها محمد بن يوسف مخالفا بها سائر الرواة ومع ذلك اضطرب فيها كما مر ورواية العشرين عنه أصح, ومما يشهد لرواية العشرين أيضا أن ذلك ورد عن الصحابة رضي الله عنهم، ثم سار على ذلك التابعون:
فجاء نحو ذلك عن علي رضي الله عنه: قال البيهقي في سننه(2/496..): انا أبو الحسن بن الفضل القطان ببغداد انبأ محمد بن أحمد بن عيسى بن عبدك الرازي ثنا أبو عامر عمرو بن تميم ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ثنا حماد بن شعيب عن عطاء بن السائب عن أبى عبد الرحمن السلمى عن على رضى الله عنه قال دعا القراء في رمضان فأمر منهم رجلا يصلى بالناس عشرين ركعة, قال: وكان على رضى الله عنها يوتر بهم", فيه علتان, عطاء مختلط, وحماد بن شعيب ضعيف واختلف في قبول حديثه في الشواهد فقال يحيى بن معين:لا يكتب حديثه, وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه مع ضعفه, وهو الصواب لأنه لم يتهم, وقد قال البيهقي عن حديثه هذا: وروى ذلك من وجه آخر عن علي", وسيأتي, وقال ابن عبد البر في الإستذكار (2/70): وذكره أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي", أورده في معرض الإستدلال لعشرين ركعة, ولم أجده وابن عبد البر ثقة في نقله.
ولهذا الأثر متابعة من الحسن بن صالح الكوفي وهو ثقة رواها من وجهين: الأول عن أبى سعد البقال عن أبى الحسناء, والثاني عن عمرو بن قيس عن أبي الحسناء:
أما رواية الحسن بن صالح عن أبى سعد البقال فهي متصلة لأن طبقة الحسن بن صالح كالثوري وأبي أسامة قد سمعوا من البقال وكلهم كوفيون, وهو منهم, خرج روايته البيهقي قال: انبأ أبو عبد الله بن فنجوية الدينورى ثنا أحمد بن محمد بن اسحاق بن عيسى السنى انبأ احمد بن عبد الله البزاز ثنا سعدان بن يزيد ثنا الحكم بن مروان السلمى انبأ الحسن بن صالح عن أبي سعد البقال عن أبي الحسناء أن على بن ابى طالب أمر رجلا أن يصلى بالناس خمس ترويحات عشرين ركعة", قال:وفي هذا الاسناد ضعف والله اعلم", وفيه أبو سعد البقال وهو ابن المرزبان مختلف في توثيقه, فوثقه وكيع, وقال الترمذي في علله الكبير: قال البخاري: هو مقارب الحديث", وقال أبو زرعة : لين الحديث مدلس قيل: هو صدوق ؟ قال: نعم كان لا يكذب, وقال أبو أسامة: حدثنا أبو سعد البقال وكان ثقة, وقال ابن حجر في التلخيص عن حديث له في أخذ الجزية من المجوس: قال الشافعي وحديث علي هذا متصل وبه نأخذ, وهذا كالتوثيق منه لسعيد بن المرزبان وهو أبو سعد البقال", وقد ضعفه البخاري مرة وابن معين والفلاس, وقال يحيى القطان: لا أستحل الرواية عنه", وحاصل القول فيه ما قاله ابن عدي: وله من الحديث شيء صالح وهو في جملة ضعفاء الكوفة الذين يجمع حديثهم ولا يترك", وقد عنعن, لكنه قد توبع كما في:
الوجه الثاني: وهو رواية الحسن بن صالح عن عمرو بن قيس عن أبي الحسناء, فقد قال الآجري: حدثنا ابن مخلد ثنا عبيد الله بن جرير بن جبلة العتكي ثنا الحكم يعني ابن مروان ثنا الحسن بن صالح عن عمرو بن قيس عن أبي الحسناء أن عليا رضي الله عنه أمر رجلا أن يصلي بالناس في رمضان خمس ترويحات عشرين ركعة», توبع الحكم متابعة تامة: فقال أبو بكر: نَا وكيع عن حسن بن صَالح عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيس عَنِ أَبي الْحَسْنَاء أَنَّ عَلِيًّا أَمَرَ رَجُلاً يُصَلِّي بِهِمْ فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَة", وهذا حديث حسن وعمرو بن قيس هو الملائي الكوفي وفي طبقة ابن صالح الكوفي وهو ثقة, فصار المتفرد بهذا الحديث هو أبو الحسناء, وقد قال عنه الذهبي:لا يعرف, وقال الحافظ: مجهول, لكن قد حسن له الترمذي(1495)، وصحح له الحاكم فقال عن حديث له في التضحية(4/255):" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأبو الحسناء هذا هو الحسن بن الحكم النجعي", وهو شيخ لشعبة الذي كان لا يروي إلا عن الثقات, فإن قيل إن أبا الحسناء لم يدرك عليا لأنه روى حديث التضحية بواسطتين عنه, والجواب من وجهين: أحدهما أن هذا يحدث لكل الثقات فقد ينزل بعضهم عن شيخه بواسطتين بل أكثر كما هو معروف, والوجه الثاني وهو أم الأصل هو الإتصال إذا ثبتت المعاصرة مع إمكان اللقي, وهما متوفرين هنا, فأما المعاصرة فلما مضى من رواية أبي سعد البقال الكوفي عن شيخه عن أبى الحسناء, وقد أدرك البقال وهو التلميذ مولاه حذيفة رضي الله عنه, وسمع من أنس وأبي هريرة, فيكون شيخه أبو الحسناء قد أدرك طبقة أكبر من هذه بما فيهم علي رضي الله عنه, وأما إمكان اللقي فمتوفر أيضا لأن عليا نزل بالكوفة وأبو الحسناء كوفي فاتصل الحديث:
ثم إن البيهقي قوى أثر علي بأن ذاك جاء عن شتير بن شكل رضي الله عنه ـ وقد ذكر ابن حجر في الصحابة أن له رؤية ـ قال البيهقي: وروينا عن شتير بن شكل وكان من أصحاب على رضى الله عنها أنه كان يؤمهم في شهر رمضان بعشرين ركعة ويوتر بثلاث", خرج ذلك أبو بكر قال: باب كم يصلي فِي رَمَضَانَ مِنْ رَكْعَةٍ(7762) ثنا وَكِيع عَن سُفْيَان عَن أَبِي إِسْحَاق عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ شُتَيْر بْنِ شَكَل أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْر",
وجاء نحو ذلك عن سويد بن غفلة وكان سويد قد أدرك الجاهلية وأسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم, واختلف في رؤيته, لكن جاء ما يدل على صلاته معه:
قال البيهقي: نا أبو زكريا بن أبى اسحاق انبأ أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عبد الوهاب انبأ جعفر بن عون انبأ ابو الخصيب قال: كان يؤمنا سويد بن غفلة في رمضان فيصلى خمس ترويحات عشرين ركعة", هذا خبر صحيح كل رجاله ثقات, ويحيى بن أبي إسحاق هو مسند نيسابور في وقته, وقد توبع محمد بن عبد الوهاب بن حبيب على ثقته:
فقال البخاري من ترجمة أبي الخضيب: قال يحيى بن موسى نا جعفر بن عون سمع أبا الخضيب الجعفي: كان سويد بن غفلة يؤمنا في رمضان عشرين ركعة", هذا أثر صحيح, وأبو الخضيب ليس هو زياد بن عبد الرحمن المقبول, بل هو نفاعة بن مسلم الذي وثقه ابن معين وأبوحاتم وابن حبان,
وجاء نحو ذلك عن عبد الرحمن بن أبي بكرة وغيره: قال ابن عساكر في تاريخه(36/13) أخبرنا أبو غالب بن البنا أنا أبو محمد الجوهري أنا أبو عبد الله الحسين بن عمر بن عمران بن حبيش الضراب نا حامد بن محمد بن شعيب البلخي نا سريج بن يونس نا هشيم أنا يونس بن عبيد قال: شهدت وقعة ابن الأشعث وهم يصلون في شهر رمضان وكان عبد الرحمن بن أبي بكرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسعيد بن أبي الحسن وعمران العبدي فكانوا يصلون بهم عشرين ركعة ولا يقنتون إلا في النصف الثاني وكانوا يختمون القرآن مرتين", هذا خبر صحيح كل رجاله أئمة ثقات, أبو غالب هو أحمد بن الحسن بن البنا مسند بغداد كما قال عنه الذهبي, وقال في تاريخه: شيخ صالح كثير الرواية عالي السند, ووثقه تلميذه ابن الجوزي, وأبو محمد هو الحسن بن علي بن محمد الجوهري ثقة كبير من مشايخ الخطيب, والحسين الضراب وثقه الأزهري كما في تاريخ بغداد, وفيه التوثيق لحامد بن محمد, وسريج قال عنه صالح بن محمد جزرة الحافظ:" ثقة ثقة ثقة", وقد تابعه شجاع وهو ثقة مثله:
قاله ابن أبي الدنيا في فضائل رمضان: حدثنا شجاع ثنا هشيم نا يونس قال: "شهدت الناس قبل وقعة ابن الأشعث وهم في شهر رمضان ، فكان يؤمهم عبد الرحمن بن أبي بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسعيد بن أبي الحسن ومروان العبدي ، فكانوا يصلون بهم عشرين ركعة ، ولا يقنتون إلا في النصف الثاني، وكانوا يختمون القرآن مرتين",
وجاء نحو ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه: فخرج ابن نصر في قيام الليل قال أخبرنا يحيى بن يحيى أخبرنا حفص بن غياث عن الأعمش عن زيد بن وهب قال كان عبد الله بن مسعود يصلي لنا في شهر رمضان فينصرف وعليه ليل قال الأعمش كان يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث", ذكره العيني وهو منقطع.
فهؤلاء جماعة كبيرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون التراويح أمام الملإ من الصحابة والمسلمين, وسار على هديهم التابعون ومن بعدهم إلى يوم الدين لم ينكر ذلك أحد منهم, حتى اكتشف أخيرا في هذا الزمان أنهم كانوا على بدعة والله المستعان:
ولقد جاءت صلاة التراويح عشرين ركعة عن جميع الصحابة رضي الله عنهم, وهم أفضل الناس بتزكية الله ورسوله لهم مع إجماع الأمة على ذلك, أفكان لمسلم عاقل أن يقول أن ما فعلوه بدعة نعوذ بالله من الخذلان:
قال ابن أبي الدنيا في فضائل رمضان 49 حدثنا شجاع بن مخلد ثنا هشيم نا عبد الملك عن عطاء بن أبي رباح قال:« كانوا يصلون في شهر رمضان عشرين ركعة والوتر ثلاثا », عبد الملك ثقة ثبت عند عامة أهل الحديث لم يتكلم فيه غير شعبة, وأنكر عليه أهل الحديث صنيعه هذا, وقد توبع هشيم على ثقته:
فقال أبوبكر7770 حَدثَنَا ابْنُ نُمَير عَنْ عَبْدِ الْمَلِك عَنْ عَطَاء قَال: أَدْرَكْت النَّاسَ وَهُمْ يُصَلُّونَ ثَلاَثًا وَعشْرِينَ رَكْعَةً بِالْوِتْرِ", هذا أثر صحيح, والتابعي الكبير إذا أخبر عمن قبله فإنما هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد صح عن عطاء بن أبى رباح قال: أدركت مائتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وآله وسلم", وبمثل ما نقل عطاء من ذلك جاء مثله صحيحا عن الحسن وهو تابعي كبير:
قال ابن أبي الدنيا: ثنا شجاع بن مخلد ثنا هشيم قال منصور نا الحسن قال:" كانوا يصلون عشرين ركعة، فإذا كانت العشر الأواخر زاد ترويحة شفعين", رجاله ثقات.
وقال مالك عن داود بن الحصين أنه سمع عبد الرحمن بن هرمز الأعرج يقول:ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان قال فكان القارئ يقوم بسورة البقرة في ثمان ركعات, فإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف", فأخبر أن قراءة سورة البقرة في اثنتي عشرة ركعة يعد تخفيفا فدل على أنهم يصلون أكثر من ذلك بكثير.
فإذ تبين لك هذا فاعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يقومون الليل أول الأمر نحو قيامهم المعروف في شهر رمضان حتى خف ذلك عنهم _في الحكم والعددـ كما قال الطبري في قوله تعالى:" يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا...), ثم خرج من حديث ابن عباس قال: لما نزل أول المزمل كانوا يقومون نحوا من قيامهم في رمضان وكان بين أولها وآخرها قريب من سنة",
وعلى مذهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه سار التابعون:
فقال أبو بكر 7765 نا وَكِيع عنْ نَافِعِ بْنِ عُمَر قَال: كَانَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ يُصَلِّي بِنَا فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَيَقْرَأُ بِحَمْدِ الْمَلاَئِكَةِ فِي رَكْعَة".
قال أبو بكر7767 حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ حَجَّاج عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّ النَّاسَ فِي رَمَضَانَ بِاللَّيْلِ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُ بِثَلاَثٍ وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ".
قال أبو بكر7768 حَدثَنَا غُنْدَر عَنْ شُعْبَة عَنْ خَلَف عَنْ رَبِيعٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِي أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي خَمْسَ تَرْوِيحَاتٍ فِي رَمَضَانَ وَيُوتِرُ بِثَلاَثٍ".
قال أبو بكر7772 حَدثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْن عَن سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ رَبِيعَةَ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فِي رَمَضَانَ خَمْسَ تَرْوِيحَاتٍ وَيُوتِرُ بِثَلاَثٍ", ومن المعلوم أن كل تروبحة بأربع ركعات, فيكون قد صلى بهم عشرين.
وقال أبو بكر7773 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْل عَن وقَاء قَال: كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَؤُمُّنَا فِي رَمَضَانَ فَيُصَلِّي بِنَا عِشْرِينَ لَيْلَةً سِتَّ تَرْوِيحَات، فَإِذَا كَانَ الْعَشْرُ الأَخَرُ اعْتَكَفَ فِي الْمَسْجِدِ وَصَلَّى بِنَا سَبْعَ تَرْوِيحَات"، تابعه عبد الملك بن محمد الصنعاني نا ثابت بن عجلان :" كان سعيد بن جبير يصلي بنا في رمضان أربعة وعشرين ركعة ويوتر بثلاث"،
وبما أن الأمر واسع عند كل السلف فكان أكثرهم يصليها عشرين استحبابا, وبعضهم صلاها أربعين ركعة أو بين ذلك جوازا, لم يبدع أحد منهم قول الآخر, ومن بدع ما كان عليه الأمر واسعا عندهم كان هو المخالف لسبيل المؤمنين, إن لم يأت لقوله المحدث بسلف:
قال أبو بكر7769- حَدَّثَنَا حَفْص عَن الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ الله قال: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ يُصَلِّي بِنَا فِي رَمَضَانَ أَرْبَعِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُ بِسَبْع".
قال أبو بكر 7771حَدثَنَا ابْن مَهْدِي عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْس قَال: أَدْرَكْتُ النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ يُصَلُّونَ سِتَّة وَثَلاَثِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُونَ بِثَلاَث"، وذكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن داود بن قيس قال: "أدركت الناس بالمدينة في زمن عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان يصلون ستا وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث"، وبه قال الإمام مالك وذكر أنه الأمر القديم عندهم,
وروى ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة قال: أدركت الناس قبل الحرة يقومون بإحدى وأربعين ركعة يوترون منها بخمس", قال ابن أبي ذئب:فقلت: لا يسلمون بينهن؟ فقال: بل يسلمون بين كل ثنتين ويوترون بواحدة إلا أنهم يصلون جميعا",
مسألة: ذكر بعض أقوال العلماء في عدد الركعات, وأن الإختلاف إنما هو في الأفضل, والبيان أنه لم يقل أحد من السلف باستحباب أقل من عشرين ركعة: قال الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع:(فصل): وأما قدرها فعشرون ركعة في عشر تسليمات, في خمس ترويحات كل تسليمتين ترويحة وهذا قول عامة العلماء, وقال مالك في قول: ستة وثلاثون ركعة، وفي قول ستة وعشرون ركعة، والصحيح قول العامة لما روي أن عمر رضي الله عنه جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان على أبي بن كعب فصلى بهم في كل ليلة عشرين ركعة، ولم ينكر أحد عليه فيكون إجماعا منهم على ذلك", وقال الترمذي في سننه:"وَاخْتَلَف َ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يُصَلِّيَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ رَكْعَةً مَعَ الْوِتْرِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَهُمْ بِالْمَدِينَة, وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَكَذَا أَدْرَكْتُ بِبَلَدِنَا بِمَكَّةَ يُصَلُّونَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وقَالَ أَحْمَدُ رُوِيَ فِي هَذَا أَلْوَانٌ وَلَمْ يقض فِيهِ بِشَيْء, وقَال إِسْحاق: بَلْ نَخْتَار إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ رَكْعَةً عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ", وقال ابن قدامة:" والمختار عند أبي عبد الله (أحمد) رحمه الله فيها عشرون ركعة, وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي... وهو كالإجماع", فلم يذكر أحد منهم من قال باختيار أقل من العشرين, مع أن هذا الإختلاف إنما هو في الأفضل والمستحب, وإلا فالأمر واسع عند كل السلف, فقد قال الشافعي في الأم: فأما قيام شهر رمضان فصلاة المنفرد أحب إلى منه ورأيتهم بالمدينة يقومون بتسع وثلاثين، وأحب إلى عشرون لأنه روى عن عمر وكذلك يقومون بمكة ويوترون بثلاث"، وقال ابن عبد البر في التمهيد(8/113):" واختلف العلماء في عدد قيام رمضان فقال مالك تسع وثلاثون بالوتر, ست وثلاثون والوتر ثلاث, وزعم أنه الأمر القديم, وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وداود ومن اتبعهم: عشرون ركعة سوى الوتر لا يقام بأكثر منها استحبابا", وقال ابن رشد:"واختلفوا في المختار من عدد الركعات التي يقوم بها الناس في رمضان فاختار مالك في أحد قوليه وأبو حنيفة والشافعي وأحمد ودواد القيام بعشرين ركعة سوى الوتر, وذكر ابن القاسم عن مالك أنه كان يستحسن ستا وثلاثين ركعة والوتر ثلاث", ثم إنني لم أجد بعد بحث طويل عن أحد من السلف من أصحاب القرون الأربعة المفضلة الأولى, بل ولا من بعدهم بزمان ممن قال باستحباب التراويح بأقل من عشرين ركعة نصا, بل قد قال في الإقناع:" فصل التراويح عشرون ركعة, في رمضان يجهر فيها بالقراءة وفعلها جماعة أفضل ولا ينقص منها ولا بأس بالزيادة نصا", أي عن الإمام أحمد, بينما قال ابن تيمية في الفتاوى:" والتراويح إن صلاها كمذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد عشرين ركعة أو كمذهب مالك ستا وثلاثين, أو ثلاث عشرة أو إحدى عشرة فقد أحسن كما نص عليه الإمام أحمد لعدم التوقيف", وأحمد لم ينص على إحدى عشرة ركعة, بل لم يقض في ذلك بشيء, لأن الترمذي قال: وقَال أَحْمَد: رُوِيَ فِي هَذَا أَلْوَانٌ وَلَمْ يقض فِيهِ بِشَيْء", ثم أن الإمام أحمد رجع إلى استحباب العشرين كما ذكر أصحابه، أما استحباب صلاتها بأقل من عشرين ركعة فليس العمل عليه عند أحد أبدا، فقال ابن حزم في المحلى(2/223) :" ورووا(المالكية) أمر أبيا وتميما أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة في ليالي رمضان، فقالوا: ليس عليه العمل"، ثم قال:" ورووا أن الناس كانوا يقومون أيام عمر بثلاث وعشرين ركعة في ليالي رمضان، فقالوا: ليس عليه العمل، فخالفوا قضاء عمر وعمل أبي بن كعب وتميم الداري والمهاجرين والانصار بالمدينة لدعوى زائغة وعمل مجهول، وقالوا: العمل في القيام على تسعة وثلاثين ركعة"، وقد مر عمل أكثر السلف والمهاجرين والأنصار كما ذكر ابن حزم وغيره على استحباب عشرين ركعة، وبقي العمل على أحد عشرة ركعة عاريا من كل سلف، وكل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف، فإن قيل: قد ذكر الجوري الشافعي: عن مالك أنه قال: الذي جمع عليه الناس عمر بن الخطاب أحب إلي وهو إحدى عشرة ركعة, وهي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم, قيل له إحدى عشرة ركعة بالوتر ؟ قال : نعم وثلاث عشرة قريب, قال: ولا أدري من أين أحدث هذا الركوع الكثير", والجواب أن هذه الرواية موضوعة منكرة, لأن بين الجوري ومالك أكثر من ثلاثة قرون كاملة, ولا يدرى درجة ضبطه, وقد خالفه كل أصحاب مالك وهم أعلم به, فنقلوا عنه كما سبق: ستا وثلاثين, وقال ابن القاسم كما في المدونة(1/287):" قال مالك: بعث إلي الأمير وأراد أن ينقص من قيام رمضان الذي كان يقومه الناس بالمدينة, ـ قال ابن القاسم : وهو تسعة وثلاثون ركعة بالوتر, ست وثلاثون ركعة والوتر ثلاث ـ قال مالك : فنهيته أن ينقص من ذلك شيئا وقلت له : هذا ما أدركت الناس عليه وهذا الأمر القديم الذي لم تزل الناس عليه", وهذا من أصح الأسانيد عن الإمام مالك علوا واتصالا وثقة, مع الموافقة لسائر أصحاب مالك, وقد قال ابن عبد البر والباجي المالكيان:"وذكر ابن القاسم عن مالك تسع وثلاثون والوتر ثلاث", وكذلك نقله الترمذي ومعروف سنده عن الإمام مالك, وكذلك نقله سائر المالكية وغيرهم, والعجب كل العجب ممن يترك كل هذه الروايات, الصحيحة الثابتات, ثم يستدل بالغرائب الواهيات,
وفي الختام فإن منهجنا كتاب الله ورسوله على فهم السلف, لا يحل لأحد أيا كان أن يأتي بقول جديد, لم يقل به أحد من السلف الأولين المفضلين, كما قال إمام الجماعة أحمد: لا تقل في مسألة ليس لك فيها إمام", وقد ذكر ذلك كافة أهل العلم في الأصول في باب شروط المجتهد, وعليه فمن أراد أن يتكلم فبسلف عمن مضى, وإلا فكلامه عليه مردود, ولا عبرة به، وهو عليه حجة ووبال عند الله تعالى القائل في كتابه:" ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا", ونقول الإجماع كثيرة على جواز أي عدد من الركعات, وإنما اختلفوا في أي العدد أفضل، بينما أصر هؤلاء على تبديع ما كان عليه السلف مع مخالفتهم لسبيل كل المؤمنين, تقليدا منهم وعبادة لمجتهد معذور مخطئ في اجتهاده، أفكان يحل لهؤلاء مخالفة سبيل المؤمنين لخطإ بعض المتأخرين، ولئن كان هو معذورا في اجتهاده، فليس العذر مقبولا لهؤلاء حتى يخالفوا سبل المؤمنين، من الصحابة والتابعين، وأهل الفقه في الدين، وقد بوب شيخ الإسلام المجاهد التميمي بابا عظيما قال فيه:" باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرمه ، فقد اتخذهم أربابا من دون الله"، لكن الله هو وحده الهادي إلى سبيل السنة والرشاد .
كتبه أبو عيسى الزياني الجزائري
رد: استحباب التراويح بعشرين ركعة، وقيام الليل بأي عدد مختار الجزء1
السلام عليكم
لافض فوك أخي الجزائري على هذا السرد العلمي الرائع للمسالة وحبذا لو تلخص المسالة لنا في أهم الاراء التي وردت فيها وجزاك الله خيرا
رد: استحباب التراويح بعشرين ركعة، وقيام الليل بأي عدد مختار الجزء1
جزاك الله خيرا أخي الفاضل، لقد جمعت هذه الأحاديث في مدة طويلة منذ أن أن كنت طالبا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ولم يتيسر لي ترتيبها وإخراجها إلى الآن، وقد أصابني الإرهاق في جمعها لذلك أستسمحك في أنني لا أستطيع إعادة تلخيصها ولا اختصارها، وحاصل ما ذكرته في البحث هو التركيز على الدراسة الحديثية رواية ودراية، فذكرت فيه أحاديث وآثارا كثيرة تدل على مطلق القيام بغير حصر بعدد، ثم انتقلت إلى دراسة حديث السائب بن يزيد وبيان علل رواية محمد بن يوسف عنه وأن الصواب رواية العشرين لكثرة مرجحاتها، ثم في الأخير ذكرت باختصار الأدلة على أن الإختلاف في عدد الركعات إنما هو في الأفضل، وإلا فيجوز للمرء أن يصلي كما يشاء بإجماع السلف، وتظافر الأدلة في ذلك والله أعلم ، ولعل غيري قد ركز في هذه المسألة على سرد الأقوال فليرجع إليه وبالله نتأيد.
رد: استحباب التراويح بعشرين ركعة، وقيام الليل بأي عدد مختار الجزء1
ولي طلب للإخوة: فقد بقيت لي رواية اسماعيل بن أمية عن محمد بن يوسف والتي فيها تراجعه إلى رواية الإحدى والعشرين والله أعلم، وهي عند أبي بكر النيسابوري في فوائده، فمن وجد الكتاب فليكتب لنا الحديث كاملا سندا ومتنا وأجره على الله تعالى