إخواني السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لي الشرف أن أُعلِّق على ما قَدَّمتموه مشاركات، سائلا الله عز وجل أن لا يجعل للشيطان بيننا نصيب.
وأحب أن أبدأ بأخي العضو المشارك باسم "الورقات"، فأنا أحيي فيه هذه الروح العالية في التقبل، فيقول بأنه يحب الشيخ (ونحن أيضا نحب الشيخ)، وفي نفس الوقت هو يقول بأنه مستعد للمناقشة والحوار بإنصاف لا بتعصب.
فأهلا بك أخي بيننا.
هذا وإنّي أرجو منك أخي أن تُقَارن بين ما نقلته في مشاركتي من أمثلة مع الكتاب الذّي قلت بأنّه عندك، وأن تُنَبِهني على الأخطاء الواردة، فجَلَّ من لا يخطأ، لنقدم مناقشة في مستوى يليق بالمجلس الذّي نحن أعضاء فيه.
فأما عن المسائل الثلاثة التّي اختارها إخواني من بين مجموعة الأمثلة المعروضة، فأقول:
مسألة تخصيص قنوت الفجر.
أنا نقلت أنّ الشيخ مشهور قال بأنّها بدعة، ولم أستغرب لذلك، لأنّ هناك من قال بها قديماً.
ولكن استغربت في طريقة حُكمه بالجزم على المسألة، فقلت بأنّه لم يكلّف نفسه أن يذكر بأنها خلافية.
قال الإمام النووي في شرحه على مسلم (2/ 482):
مذهبنا أنّه يُستَحب القنوت فيها – أي صلاة الصبح- سواء نزلت نازلة أو لم تنزل، وبها قال أكثر السلف، ومن بعدهم، أو كثير منهم، وممن قال به: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان، وعلي، وابن عباس، والبراء بن عازب رضي الله عنهم... وقال به من التابعين فمن بعدهم خلائق، وهو مذهب: ابن أبى ليلي، والحسن ابن صالح، ومالك، وداود".
وانظر أيضا مزيدا من النقل عن الأئمة القائلين باستحباب دعاء القنوت في صلاة الفجر عند الإمام الشوكاني في:
نيل الأوطار (4/ 193).
أمّا المسألة الثانية:
الإمساك عن الأكل والشرب احتياطاً.
فأنا لا أتكلم إخواني على الفعل الذّي يقوم به القائمون على شؤون المسلمين من تقديم الآذان الثاني، وإطفاء المصابيح، وعليه فلا حجة في كلام الإمام ابن حجر ررر
أنا أقصد مجرد الإمساك عن الأكل والشرب احتياطاً.
وأجد نفسي في هذه الحالة مضطراً أن أنقل شيئاً من كلام أئمة المذهب في أنّ الإمساك عن الطعام والشراب قبل الآذان للاحتياط.
قال ابن رشد في بداية المجتهد (1/ 430):
"هل يجوز أن يتصل الأكل في رمضان بطلوع الفجر ؟، والمشهور عن مالك، وعليه الجمهور أن الأكل يجوز أن يتصل بالطلوع.
وقيل: بل يجب الإمساك قبل الطلوع.
والحجّة للقول الأوّل ما في كتاب البخاري أظنّه في بعض رواياته قال النبي (ص): "وكلوا واشربوا حتىّ ينادي ابن أم مكتوم، فإنّه لا ينادي حتىّ يطلع الفجر، وهو نص في موضع الخلاف، أو كالنص، والموافق لظاهر قوله تعالى: (وكلوا واشربوا) الآية.
ومن ذهب إلى أنّه يجب الإمساك قبل الفجر، فَجَريًا على الاحتياط، وسدًّا للذريعة، وهو أورع القولين..". اهـ كلامه.
وهذا ابن العربي المالكي يعرض القول الأوّل كما فعل ابن رشد وأنّه اعتمد على حديث: "وكلُوا وَاشرَبوا حتَّى ينادي ابن أمِّ مكتُوم".
ثمّ قال: "وتأوَّله علماؤنا: قاربت الصَّباح، وقَاربت تَبَيُّن الخيط، وهو الأشبَه بوضع الشَّريعة وحُرمَة العِبَادة، لقوله (ص): يُوشِك من يرعَى حول الحِمى أن يقع فِيه". أحكام القرآن (1/ 175).
وقال ابن بَطَّال في شرحه على صحيح البخاري (4/ 27، 28):
"الصائم يلزمه اغتراف طرفي النهار، وذلك لا يكون إلاّ بتقدّم شيء وإن قَلَّ من السحر، وأخذ شيء من الليل، لأنّ عليه أن يدخل في إمساك أوّل جزء من اليوم بيقين، كما أنّ عليه أن يدخل في أوّل رمضان، والأكل مُنافٍ لأوّل جزء من الإمساك، فينبغي له أن يُقدِّم الإمساك ليتحقق له أنّه حصل في طلوع الفجر مُمسِكاً، ومن أكل حتىّ يتبين له الفجر ويَعلَمه فقد حصل أكلاً في أوّل اليوم".
ومن خلال هذه النُقُولات يتبين أنّ إمساك المرتابين عندنا من كبار السن، والشباب قبل طلوع الفجر ليس بدعة، بل هو نوع من الاحتياط وسد للذرائع التّي عُرِف بها المذهب المالكي.
وكل من له علم بشيء من علم الأصول يعلم أنّ التوسع في الأخذ بالاحتياط، والأخذ بمبدأ سد الذرائع من أصول المذهب المالكي.
فقد سُئِل مالك رحمه الله في مسألة صيام الست من شوال رغم أنّ فيها حديث، إلا أنّه قال بالمنع أخذا بمبدأ الاحتياط، حتى لا يظن الصائم أنها واجبة.
فهل نقول إنّ الإمام مالك خالف الحديث، وفعل شيئاً لم ينص عليه الدليل، تأمل.
أمّا المسألة الثالثة:
وهي مسألة تخصيص الإناء.
فقد قيدها أخي بن عبد الرحمن بالتعبد، ثم حاول أخونا العاصمي شرح كلامه فقال بأنّه يقصد أنّ المخصص للإناء يعتقد البركة.
فأقول إنّ الشيخ مشهور حفظه الله قال بأنّ تخصيص الإناء للوضوء بدعة، دون أن يكلف نفسه وضع هذه القيود التّي قدمها إخواننا.
فأنا مثلاً خصصت في بيتنا إناءً أتوضأ فيه، حتى لا يختلط بالإناء الذّي خصصته لبيت الخلاء، وحتى لا يختلط بالإناء المخصص للشرب.
فهل كل هذه الأواني المخصصة تكون بدعة ؟.
هذا واستسمح إخواني إن بَدَى منيّ ما لا يليق في المشاركة.
وأسأل الله أن يرينا الحق حقا، ويرزقنا اتباعه.
وجزى الله جميع إخواني خير الجزاء.