حرب إسقاط ( الرموز ) للعلامة أبي إسحاق الحويني - حفظه الله - ( مهم )
قال الشيخ أبو إسحاق الحويني في مقدمة كتابه الماتع تنبيه الهاجد إلى ما وقع من النظر فى كتب الأماجد - (1 / 20):
اعلم - أيها المسترشد - أنني قدَّمت هذا الكلام لأبيِّن الدافع إلى تصنيفي كتاب ( الثمر الداني في الذب عن الألباني ) ، وهو ذبٌّ على وجه الإنصاف ،وحمية محمودة لا تعد بحمد الله من حمية الجاهلية ،
فإن حرب " إسقاط الرموز " قائمة على قدم وساق ، وهى حرب خسيسة خبيثة ، يستخدم فيها أصحابها ما لا يخطر علي بالك من الكذب ، والنفاق ، وسوء الأخلاق .
و حرب " إسقاط الرموز " حرب قديمة وما حديث الإفك منك ببعيد . ولم يمر بالمسلمين محنة قط هي أعظم و أشد عليهم من حادث الإفك . ودعني أبين لك الأمر .
فقد أخرج البخاري في (كتاب النكاح ) ( 9/278 - 279 ) ، ومسلم في ( الطلاق ) ( 1479/ 34 ) من طريق الزُّهْرِيِّ ، قَالَ أَخْبَرَنِي عبيد الله بْنُ عبد الله بْنِ أَبِي ثَوْرٍ ، عَنْ عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهمَا قَالَ : " لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فيهما: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) ، فقال عمر في هذا الحديث : " قَالَ كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ الْأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ ، وَهُمْ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ ، وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا ، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِمَا حَدَثَ مِنْ خَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْوَحْيِ أَوْ غَيْرِهِ ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ. . . ثم قال عمر : " وَكُنَّا قَدْ تَحَدَّثْنَا أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ الْخَيْلَ لِغَزْوِنَا ، فَنَزَلَ صَاحِبِي الْأَنْصَارِيُّ يَوْمَ نَوْبَتِهِ فَرَجَعَ إِلَيْنَا عِشَاءً فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا وَقَالَ أَثَمَّ هُوَ ؟ فَفَزِعْتُ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ : قَدْ حَدَثَ الْيَوْمَ أَمْرٌ عَظِيمٌ قُلْتُ مَا هُوَ أَجَاءَ غَسَّانُ قَالَ لَا بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَهْوَلُ طَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ ... "
إلى أن قال عمر : " فَخَرَجْتُ فَجِئْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ فَإِذَا حَوْلَهُ رَهْطٌ يَبْكِي بَعْضُهُمْ فَجَلَسْتُ مَعَهُمْ. . . الحديث " .
قُلْتُ : فأنت تري في هذا الحديث أن من الصحابة من كان يعتقد أن استيلاء غسَّان على المدينة أهون من تطليق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه مع أن الطلاق مباح ، بل جلس بعضهم يبكى حول المنبر لتكدُّر خاطره صلى الله عليه وسلم مع أنه لو طلقت بنت أحدهم لما بكى ، فإذا كان الأمر كذلك ، فكيف إذا اتهمت زوجة نبيهم صلى الله عليه وسلم بالزنى ؟!
وهذا يدلك على ما كان الصحابة عليه من مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغاية القصوى .
فإذا نظرتَ إلى ما حدث في الإفك من رَمْى العفيفة المؤمنة أمِّ المؤمنين ، حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثر نسائه عنده بهذه الداهية الدهياء ، والفاقرة العظيمة ، علمت ما حلَّ بالمجتمع المسلم كلِّه من البلاء العظيم والخطب الفادح ، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم كرُب له ، وطفق يستشير خاصته في أمر عائشة بعد أن استلبث الوحي فسأل أسامة بن زيد فأشار على النبي صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة عائشة وقال : يا رسول الله ! أهلُك ، وما نعلمُ إلا خيراً ، وأما على بن أبى طالب فقال : يا رسول الله! لم يضيق الله عليك ، والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة ، فقال : أي بريرةُ ! هل رأيت من شيء يريبُك ؟ قالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق، ما رأيت عليها أمراً
أغِمصُه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن ، تنام عن عجين أهلها فتأتى الداجن تأكلُهُ . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبى بن سلول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر : يا معشر المسلمين ! من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهل بيتي ؟ فوالله ما علمتُ على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلاَّ خيراً ، وما كان يدخل بيتي إلاَّ معى . فقام سعد بن معاذ الأنصاري ، فقال : يا رسول الله ! أنا أعذرك منه ، إن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك . فقام سعد بن عبادة وهو سيِّدُ الخزرج فاحتملته الحمية ، فقال لسعد ابن معاذ : كذبت لعمر الله ! لا تقتلُهُ ، ولا تقدر على قتله ، فقام أسيد بن حضيرٍ - وهو ابن عم سعد بن معاذ - فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله! لنقتلنَّهُ ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، فتساور الحيًّان الأوس والخزرج حتى همُّوا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخَفِّضُهم حتى سكتوا وسكت ..)) . وفى حديث ابن عمر : " وقام سعد بن معاذ فسلَّ سيفه " .
قُلْتُ : فهذا التوتر الشديد الذي وقع بين الصحابة حتى كادوا أن يقتتلوا - مع أنهم ضربوا أروع الأمثلة في المحبة والوفاء والإيثار- يدلك على حجم المحنة التي عانوها ، ولم يكن المقصود الأوَّل في هذه المحنة هو اتهام عائشة رضى الله عنها ، بقدر ما كان طعنا على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن تحته امرأة يزن بها ، ومع أن الزنى دون الشرك في الإثم، إلا أن الزنا عار،ولذلك لا يُعَيَّرُ أحدٌ بأن أباه كافر، أو ابنه، فقد كان والد إبراهيم عليه السلام كافراً، ولم يعير به، وكان ابنُ نوح وامرأته كافرين، ولم يعير بهما، وكانت امرأة لوط كافرة، ولم يعير بها ، بخلاف الزنى فإنه عار وشنار على أهله في الدنيا قبل الآخرة .
إن إسقاط ((الرمز)) أقلُّ مؤنةٍ على المنافقين من إحداث الشَّغَبِ في المجتمع كلِّه ،
لأن إسقاط الرمز فيه إهدارٌ لكل المبادئ التي يدعو إليها والمثل العليا التي يدندن حولها . وبعد هذا المعنى الذي جَلَّيتُه لك ، تستطيع أن تدرك لما ثار علماءُ المسلمين في تركيا لما فرض كمال أتاتورك - قاتله الله - القبعة بدلا من العمامة ؟ وقد جرت محاكمات لعلماء المسلمين ، فكان مما حدث أنَّ قاضي المحكمة قال لأحد العلماء : ما أَتْفَهَكُم يا علماء الدين ، لِمَ هذه الثورة ؟ أَمِنْ أجل أننا استبدلنا القبعة بالعمامة ؟ وما الفرق بينهما ، فهذا قماش وهذا قماشٌ . فقال له العالم : أيها القاضي ! إنك تحكم علىَّ وخلفك عَلَمُ تركيا ،فهل تستطيع أن تستبدله بٍعَلَمِ إنجلترا وهذا قماش ، وهذا قماش ؟! فبهت القاضي الظالم ، ولم يُحِرْ جواباً . ولو تأملت الطواف حول الكعبة ، والسعي بين الصفا والمروة ورمى الجمار ، فهذا كلُّه إحياءٌ للرمز ، لنأخذ منه العبرة . ومما يجدر أن نلفت النظر إليه ، وهو يتعلق بقضية (( الرمز )) ، وفيه عبرةٌ - أيما عبرة - أن شيخنا الألباني حفظه الله كان قد سئل منذ سنتين من بعض شباب فلسطين ، قالوا له : إننا نلقى شدة وعنتا في عبادة الله مع وجود اليهود في أرضنا ، حتى أن الواحد منا لا يكاد يصلى من الخوف على نفسه ، فما الحلُّ ؟ قال الشيخ : (اخرجوا من بلادكم إلى أماكن أخرى تقيمون فيها دين الله عز وجل ، وأعدوا أنفسكم لترجعوا إلى بلادكم فاتحين)، فاستغلَّ جماعة من أهل الأهواء هذه الإجابة وأشاعوا بين العوام الطغام أن الشيخ يوجب على أهل فلسطين من العرب المسلمين أن يخرجوا ويتركوا أرضهم لليهود ، وقامت الدنيا ولم تقعد زماناً طويلاً ، وكاد الشيخ أن يطرد من " عمان " بسبب هذه الفتوى التي حرفوها ، وتلقفت هذه الفتوى المحرفة إذاعة إسرائيل ، فقدم المذيع ترجمة للشيخ الألباني وذكر أنه أكبر محدث في العالم الإسلامي وقد أفتى بكذا وكذا ، فسمع بعض إخواننا ممن كنت أظنه من أهل التحري هذا الثناء والفتوى من إذاعة إسرائيل ثم جاءني وقال:
أنا عاتبٌ على الشيخ الألباني كيف أفتى بكذا وكذا ؟ فقلت له : ومن أين سمعت الفتوى ؟ قال : من إذاعة إسرائيل !
قلت : سبحان الله ! أيتهم الشيخ الثقة العدل عندك بنقل يهوديّ ؟ ما لكم ، وأين ذهبت عقولكم ؟ وكان ينبغي ألاَّ تتوقف في تكذيب اليهودي ، ثم تنظر إلى حقيقة الأمر ، هذا هو الأصل ، وقد قال الله تعالى : ? إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا? فكيف بالكافر المحارب ، الذي يستغل مثل هذا التحريف الذي تولى كبره نفرٌ ممن ينتسبون إلى بعض الأحزاب الإسلامية ، ليسقط (( الرمز )) ؟وماذا يكون لو أسقطنا الشيخ الألباني ، والشيخ ابن باز ومن على شاكلتهما من العلماء العاملين ، هل يريدون أن تكون أمَّتُنَا ثُلَّةً من الغلمان بلا رُءوس ؟ ويرحم الله أبا حنيفة إذ مر على جماعة يتفقهون ، فقال : ألهم رأسٌ ؟ قالوا : لا . قال : إذن لا يفلحون أبدا .
أخرجه الخطيب في " الفقيه والمتفقه " ( 790 )
ولله درُّ القاضي عبد الوهاب بن على المالكي رحمه الله إذ يقول :
متى يصلُ العِطاشُ إلى ارتواءٍ *** إذا استَقَتِ البحارُ من الرَّكايَا
ومن يُثْنِى الأصاغِرَ عن مُرادٍ *** إِذا جلس الأكابرُ في الزَّوايَا
وإنَّ تَرَفُّعَ الوضَعَاء يوماً *** على الرُّفَعَاء من إحدى الرَّزَايَا
إذا استوتِ الأسافلُ والأعالي *** فقد طابت مُنَادَمَةُ المَنَاياوأخرج قاسم بنُ أصبغُ في " مصنفه " (1) بسندٍ صحيح - كما قال الحافظ في " الفتح " ( 1/ 301 - 302 ) عن عمر بن الخطاب قال : " فسادُ الدين إذا جاء العلمُ من قبل الصغير ، استعصى عليه الكبيرُ ، وصلاحُ الناس إذا جاء العلم من قِبَل الكبير ، تابعه عليه الصغير " .
وأخرج ابن عبد البر في " جامع العلم " ( 1 / 159 ) عن ابن مسعود قال:" إنكم لن تزالوا بخيرٍ ما دام العلم في كباركم ، فإذا كان العلم في صغاركم سفَّه الصغير الكبير " ، وجاء هذا المعنى عن غير واحد من الصحابة . اهـ كلامه حفظه الله تعالى
رد: حرب إسقاط ( الرموز ) للعلامة أبي إسحاق الحويني - حفظه الله - ( مهم )
اخي ابو حزم لله درك على نقل الموضوع الرائع والذي لا يقدر بثمن
وحفظ الله الشيخ ابو اسحاق الحويني والذي مارايت مثله في الجمع بين العلم الغزير والاسلوب السهل الميسر
رد: حرب إسقاط ( الرموز ) للعلامة أبي إسحاق الحويني - حفظه الله - ( مهم )
جزاك الله خيرا أخانا الفاضل ( ماجد )
ومن هنا نحذر الغلاة، نحذرهم من زلة العالم ( وهم رواد ذلك ) ونحذرهم من الوقوع فيه ، وتهجينه ( وهم أبعد من ذلك )
يقول العالم الفقيه المقاصدي الأصولي إبراهيم بن موسى الشاطبي
رحمة الله عليه
زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة ولا الأخذ بها تقليدا له وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع ولذلك عدت زلة وإلا فلو كانت معتدا بها لم يجعل لها هذه الرتبة ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها كما أنه لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير ولا أن يشنع عليه بها ولا ينتقص من أجلها أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتا فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين وقد تقدم من كلام معاذ بن جبل حيث قال ( وكان معاذ بن جبل يقول فى خطبته كثيرا وإياكم وزيغة الحكيم فإن الشيطان قد يتكلم على لسان الحكيم بكلمة الضلالة وقد يقول المنافق الحق فتلقوا الحق عمن جاء به فإن على الحق نورا قالوا وكيف زيغة الحكيم قال هى كلمة تروعكم وتنكرونها وتقولون ما هذه فاحذروا زيغته ولا تصدنكم عنه فإنه يوشك أن يفئ وأن يراجع الحق )
رد: حرب إسقاط ( الرموز ) للعلامة أبي إسحاق الحويني - حفظه الله - ( مهم )
رد: حرب إسقاط ( الرموز ) للعلامة أبي إسحاق الحويني - حفظه الله - ( مهم )
رد: حرب إسقاط ( الرموز ) للعلامة أبي إسحاق الحويني - حفظه الله - ( مهم )
حفظ الله شيخنا ، وجزاكم الله خيرًا على هذا الاختيار الموفق ..