بشرى : قريبا سينشر لي : عنابر المسك : وفيه عنبر الشعر وعنبر الخاطرة والذكرى والقصة
هذه قصة حقيقية لم يمض عليها إلا أسابيع ....
عن الموت أكتب أم عن الحياة . فكلاهما التقيا وافترقا عندها ، حنت الحياة عليها كثيرا ، حتى تحسب أ نها حملت كل شيء جميل فيها ودقت بابها وآثرتها بهذه العطايا ، فكانت مرآة من مرايا الحسن يتفتق الجمال من جنباتها يوما عن يوم تبدو كمن تدفعه فيدفعها ويستقر ومهما غضضت بصرك عنها خاتلك وتحين الفرصة ليستل خيطا من حبائل حسنها ،
إذا ابتسمت تداعى الحزن والألم والغبن ولو للحظات ، وإذا انقبضت اكفهر وجه السماء حتى يعود الأنس لقليبها
ربيعها السابع عشر وأحلامها تركن للصمت ،هي لا تحلم لأن أحلامها تينع قبل أن تبذر وتنتش وتنمو، عاشت ترفل في الحلل في صدفتها ترقد تنعم تفتح صدفتها بانتظام يزداد بريقها ، رحلت منها وهي طفلة وكانت سعيدة لأنها عاشت ككل الصغيرات في كتاب الحي تتلمذت على يد شيخ وانبرت لحفظ القرآن تحت عيون أبيها ، فأبهرت الشيخ بنصاعة حافظتها وإقبالها غير المسبوق على العلم ، فكانت دعاء تتردد على الكتاب أوقات فراغها من الدروس
فتحفظ حتى كان ربيعها الثاني عشر وأحست بنداء الصدفة ، وكرهت أن تعود إلى ما كانت عليه ، كادت تنهي حفظ المصحف كاملا وما بقي يفصلها عن هذا الشرف إلا ربعه .
كأنها أول غصة تتلقفها في دنياها ، لكنها بداخلها أدركت أنها بزت أترابها ،
كأن القرآن رفعها بل رفعها فظلت الأولى في صفها ما سبقها طالب قط .
بدأت الأنثى فيها تكبر وبدأت تنظر إلى الضفة الأخرى ، لكن رجليها ظلتا مسمرتين في ضفتها ليس فقط لأنها تدرك أن العاقلة والحرة تقدر و لا تتهور لكن لأنها ايضا محاطة برجال ليسوا ككل الرجال فوالدها رغم ثراءه الفاحش ورغم أملاكه التي أضحى لا يعدها بقي متشبثا بالملك الذي يراه أبقى وأصلح
الشرف والسمعة . فيه ملامح الرجل الريفي القروي الذي يغلب الدنيا ولا تغالبه
يتخفف من مراسيم المال وضريبة الثراء بشدة وغلظة وحزم لا يخالطهم تفريط في العادات والتقاليد . لذلك كان يحنو على دعاء يدللها يربت على كتفيها ينيخ ناقة الدنيا أمام رجليها وسوطه في يده ،
أما إخوانها فما هم إلا نسخ من والدها لكنهم اشد غلظة وحرصا عليها كيف لا وهي وحيدة بينهم تشرئب كل الأعناق نحوها وتطمع كل النفوس إليها لأنها من فرائد النساء جمالا ومالا وذكاء وجاها .
دعاء تحب الآخرين تحب أن يكون لها وسط البنات صديقات تسر لهن بأسرارها تخاصمهن ثم تصالحهن تغضب تعود تهاديهن ويهادينها ، تجتمعن تنسى نفسها تعود إلى البيت تعاتبها أمها تغضب تحنو عليها تحرمها من تلك وتحبب لها صحبة هذه ، لكن الأمر ماكان ، وعاشت دعاء غريبة وحيدة
تأويها صدفة تضيق ولا تتسع تحجب عنها النور ولا تحضنه ،
غربتها تزداد وتتسع , لا تجد في الشطآن يدا تلوح لها .
بينها وبين أمها بياض و ضباب بل رواق طويل ما التقيا فيه البتة ..
كانت تحس أنها تمنحها كل شيء إلا الحب والعطف .. منحتها الخوف والقلق و الشك ورفضت هذه العطايا ..
أرادتها صديقة . لكنها ماكانت . أرادتها قريبة لكنها ما دنت
وظلت دعاء تجدف تجدف لوحدها ...
حتى كان ذالك اليوم تناولت هاتفها النقال أخبرت ابنة الخالة في رسالة قصيرة أنها سترحل :
نورة , انقذيني اليوم سأخرح من بيتنا ...
اقفلت نورة هاتفها وضحكت مع أخواتها :
دعاء تعاني الفراغ .. قرأت عليهم الرسالة ضحكن .. عرسها اليوم والخالة ما أخبرتنا ..
كانت تعد العدة .. لأمر لا تعرفه إلا هي .. الموت أو تمثيلية موت تجعل أهلها يدركون أن ما يحسبونه نعيما هو سجنها الناعم وجلادها البغيض ..
خرجت وفي كفها كوب سألتها أمها
فقالت حتى الماء تسألونني عنه أطلقت زفرات متتابعة ودلفت إلى غرفتها ..
سويعة بعدها سمع صراخ .. دعاء وضعت حدا لحياتها تناولت السم وحين التقى الموت فيها بالحياة أرادت ضفة الحياة ... خذوني إلى المشفى كانت تصرخ ...
هل أرادت ان تعيش لحظات حب فما اختارت كلمات الغزل المناسبة ؟؟؟
هل أرادت دعاء أن تحس بعطف أمها فاختارت الموت لتحريك العاطفة ؟؟
رحلت دعاء هكذا فجأة .. بصمت وبصراخ وبأمل .. لم تدر .. لعبة الموت خطيرة
أنا لم أبك دعاء . بل بكيت مآل دعاء تضرعت إلى الله يا رب سرها عندك وحدك ... ويارب رحمتك