جزاك الله عنا في كل خير أخي في الله فيصل على هذه المشاركة اللطيفة والتي حتما جميعنا كآباء وامهات نحتاجها لأبناءنا, واسمح لي أخي الفاضل بهذه المشاركة التي تصبّ في نفس البوتقة.
من لم يربيه والديه فالشيطان كفيل بتربيته
يقول المولى تبارك وتعالى في محكم تنزيله الكريم في سورة التحريم 6:
يا أيها الذين آمنوا قو أنفسَكُمْ وأهليكُمْ ناراً وَقودُها الناسُ والحجارةُ عليها ملائكةٌ غلاظٌ لا يعصونَ اللهَ ما أمرهُمْ ويفعلونَ ما يُؤمَرون
لقد حرصت جميع الأديان السماوية على أن تنأى بالناس عن الشهوات الحيوانية والأخلاق الشيطانية, والنفس البشرية بطبيعتها كثيرة التقلب والتلون, ولأننا بشر تؤثر فينا المؤثرات وتعصف بنا الأهواء, فقد حذرنا الله تبارك وتعالى من مغبة اتباع الشهوات, فالنفس البشرية مجبولة على الشهوات, والنفس بطبيعتها امارة بالسوء والنفس الامارة بالسوء دائما تلقي بصاحبها في بحور من الظلام, لذا كان حريّا على الانسان أن يلجُمها بلجام من التقوى, حتى لا تـُلقي بصاحبها في متاهات الحياة, والنفس ان أطلقنا لها العنان فسَدَت, وان فسدت أهلكتنا, وهي لا تحيد عن ثلاث طرق: ان أغويناها غوت, وان فوّضنا اليها الأمر أساءت, وان حمَلناها على أمر حسن صلـُحت, والناظر بعين البصر والبصيرة في عالم اليوم يرى حقيقة ما وصل اليه أبناء هذا العصر من تسيّب وحريّة خاصة بعد الاكتشافات العلمية الباهرة بكتنولوجياتها, والانجازات الحضارية, القادمة من بلاد الحريّة والتي تبيح كل شيء حرّمه الله عزوجل, ولأننا أخذنا منهم قشور حضارتهم وتركنا لهم ثمارها, فقد تهنا في متاهات الحياة حتى بات الحليم منا حيران.
ولأننا أسأنا استثمار التكنواوجيا والاختراعات الغربية , نجد أنفسنا وقد تهنا في بحور الظلام وتاه معنا أبناءنا وبناتنا, وألقت بنا في جبٍّ عميق بلا قرار, وعلى سبيل المثال لا الحصر, الأطباق الفضائية, والانترنت, والهواتف بنوعيها السلكية واللاسلكية, كل هذه الاختراعات العلمية اخترعها العلماء لتكون نعمة, وهي كذلك فيما لو استخدمناها لما وجدت لها وبما يرضي الله تبارك وتعالى , ولكن لأننا استخدمناها لغير أهدافها فقد انقلبت نقمة علينا وعلى أبناءنا, وقس على ذلك , أجهزة الفيديو وكاميراته وأجهزة التفلزة, والأجهزة الخيلوية المعروفة بالموبايلات, وما الى ذلك من وسائل الترفيه على مختلف أنواعها, والتي وجدت أساسا لتعين الانسان على الحياة, لا لتنقلب عليه, ولأنّ القائمين عليها لم يحسنوا التعامل معها وسخروها لتخدم مصالحهم الدنيوية فقد أهلكونا فيها عندما أثاروا من خلالها مكامن الشهوة فينا وبأبناءنا وبناتنا, فخمّروا بها عقولنا وأفسدوا علينا أرواحنا بنشرهم للأغاني الساقطة, ومسلسلات الحب المدبلجة الوافدة على مجتمعاتنا سواء المكسيكية منها أم التركية,, ناهيك عن الأفلام الآثمة والقصص الداعرة, وأشاعة الفاحشة بنشر بواعث الشهوة ومثيراتها في بيوتنا وغرف أبناءنا المغلقة, وساعدنا بناتنا على الخروج من بيوتهنّ كاسيات عاريات مائلات مميلات مقتنيات موبايلات, وبعضهنّ يمضغن اللبان في الشوارع والأماكن العامة وكأنّ مضغ اللبان بات موضة , نرى كل تلك السلبيات على بناتنا دون أن نبالي أو نخشى الله فيهنّ وكأنهنّ لسن من بقيّة أهلنا , وكل ذلك بدعوى الحرية والحضارة والمدنية.
هذا هو واقع الأمة المرير, وهذا هو يسعى اليه الغرب وينادي به, ولقد قالها أحد الغربيين الحاقدين على الاسلام جملة على احدى شاشات التلفزة الغربية لا زال صداها يتردّد في كل مكان: كأس وغانية تفعلان بأمة الاسلام مالا يفعله ألف مدفع رشاش, ولن يستقيم حال الشرق أبدا, ولن يفيق من غفوته أبدا, طالما أننا نستطيع اخراج نساء المسلمين من بيوتهنّ سافرات.
وللحق فقد تمكن هؤلاء من تحقيق هذه النظرية, وخرجت نساءنا سافرات عاريات ولعلّ الشواطىء البحرية, والنوادىء والمراقص التي تغص بها مدننا شاهدة على ذلك, ناهيك عن مسابقات الجمال والعروض التلفزيونية المختلفة والتي تكاد تشمل جميع العواصم العربية والاسلامية الا من رحم ربي.
انّ الحرية من أنبل الكلمات وأرق المعاني وأسمى المشاعر, ذلك أنها تدفع بالانسان ليكون عبدا لله وحده عزوجل وحده لا شريك له, بكل صدق دون قلق أو اضطراب., وهي منبع للسعادة الحقيقية, وسبيل لتحقيق الغايات ونيل الأماني, وهي الكلمة المضيئة التي تبدد الظلام وتكشف الخفايا والأسرار, لتنهض بالمجتمعات والأوطان نحو العلياء والمجد.
نعم انها ابراز لشخصية الانسان, والغوص في مجاهل النفس الانسانية واخراج ما بداخلها من نيران تكاد تحرقها, لأنّ في اخراجها طعما للحياة, وفي كبتها الممات والدمار, ومن سُلب الحرية سلبت حياته, ومن امتلكها فكأنما امتلك الدنيا كلها.
ان مفهوم الحرية الذي نقصده لا يخرج عن مفهوم الحرية التي نادى به الشارع الحكيم مما يحفظ كرامتنا وأعراضنا من الامتهان, لا الحرية المائعة الخارجة تماما عن منهج الله عزوجل, وما خسراننا لبناتنا وأبناءنا الا لأننا تماشينا مع أسلوب الحرية المائعة الشاذة.
أين نحن من تلك الجاهلية التي كانت تئد البنات خوفا على أعراضها؟ وهل ضاعت أعراضنا الا بعد أن تهنا في زحمة المادة ولهثنا وراء الموضة والتقنيّة؟ فأي حال كان أفضل؟ حال الجاهلية الأولى أبناء القرون الماضية بكل ما كان يكتنفها من تخلف مع احتفاظها بالشرف؟ أم جاهليتنا نحن أبناء القرن الواحد والعشرين بكل ما يكتنفنا من تقدّم مع اضاعتنا للشرف؟
انّ الله تبارك وتعال حين خلق الذكر والأنثى أوكل لكل منهما مهام محددة, وأوكل لهما مهمة مشتركة كتربية الأبناء, والتي لا تعطي نتائج طيبة الا اذا تعاونا عليها, ومن قال أنّ الأم تعوّض الأبناء في حال غياب الأب فالى حد ما قد قال الصواب, لأنّ العكس ليس صحيحا, ولكن تكاثفهما معا يـُخرج لنا جيلا نموذجيا كما أقتضته سنة الله عزوجل.
ذلك أن التربية هي تلك الوظيفة الأصعب والأشق في رحلة الانسان الدنيوية, والتي هي من أشرف وأنبل وأسمى وظيفة حملها الانسان وكان بها ظلوما جهولا.
فالحياة لا يمكن أن تمضي الا أن يكون فيها الرجل رجلا, والمرأة امرأة, وان قلنا غير ذلك نكون قد خالفنا سنة الله الكريم في خلقه, والله تبارك وتعالى مُذ خلق الذكر والأنثى وقد جعل لكل منهما مهام يقوم بها كي يتكامل العمل في الحياة الدنيا, وحتى يؤدي كل منهما دوره في الحياة, فجعل المرأة وعاء للطفل, تحمل به وتضعه وتطعمه حتى يشب, وترك للرجل مهمة الكد والسعي في جنبات الأرض لتأمين الحياة الكريمة لها ولأبناءها, وان كانت المرأة اليوم قد خرجت الى العمل ونافست الرجل في الحياة, فهذا لا يعني أن تتجاهل واجباتها كأم, بل يجب ألا يمنعها عملها عن آداء واجباتها تجاه ربها وتجاه أسرتها, وان خالفت ذلك أصبح عملها حراما.
أن نركن الى تعاليم الغرب ونداءاته بتساوي المرأة مع الرجل في كل شيء , ونخالف سنة الله تبارك وتعالى في خلقه, ونفسّر ما يعنيه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله أن النساء شقائق الرجال بمفهوم خاطىء فهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلا.
ان شعار المساواة بين الرجل والمرأة شعارا خاطئا ومخالفا تماما لسنة الله وتشريعه, ذلك أنّ الله تبارك وتعالى قد ساوى بينهما في كل شيء عدا القوامة والميراث والشهادة ولحكمة جليلة وحده سبحانه من يعملها.
ان مسئولية المرأة الأولى في الحياة هي تربية الأبناء ورعاية زوجها, وهذه الأمانة هي التي ستُسأل عنها أمام الله عزوجل, أما أن نترك تربية الآبناء للمربيات, يتحكمون في أبناءنا وبناتنا حتى يغدو الأبناء تحت سيطرتهم يوجهونهم كيف يشاؤون اجتماعيا ودينيا وخلقيا وسلوكيا, ويغدو الآباء لا يعلمون كيف أولادهم ينشئون, ولا في أي صفّ يتعلمون, ولا أي نهج ينتهجون, ولا ماذا يدور داخل غرفهم المغلقة من مخالفات شرعية واجتماعية وخلقية, فهذا أمر يخالف سنه الله تبارك وتعالى, ويخالف سنة نبيه صلى الله عليه وسلم بما يخصّ الجانب التربوي الذي هو من أجلّ واجبات المرأة المسلمة.
أن نزرع الخدم والطباخين والسائقين في بيوتنا وتنكشف عليهم عورات النساء فلا, لأن المرأة مكلفة شرعا بأن تكون أما وخادمة ومربية لأبناءها, والأب مكلفا بأن يكون أبا وعائلا وسائقا لأولاده.
ان شعار مساواة المرأة بالرجل في كل شيء هو مبدأ وشعار علماني , من شأنه أن يجعل المرأة المسلمة تماما كالمرأة الغربية , تتخذ عشيقا لها كنوع من التغيير , أو يجعل الأبناء ينفصلون عن آبائهم بمجرّد دخولهم سن البلوغ , بحيث لا يكون للآباء أي حق في التسلط على أبناءهم متى بلغوا سن الثامنة عشرة , وهذا أمر ينادي به الغرب عموما وهو مناف تماما لشرع الله تبارك وتعالى.
ان الغرب يـُصرّ وبشكل واضح على العالم الاسلامي بأن يُساوي بين الرجل والمرأة في كل شيء, ونجده يعمل بدأب على أن ينزع عنها حجابها وعفتها كي يـُبيح لها الاختلاط بالرجال, وعندما فشل الى حد ما في تحقيق ذلك, لجأ الى استقطاب العقول الاسلامية المهاجرة الى بلدانه واغراءهم واغراقهم في حقوق مادية تفوق حقوق مواطنيهم, كل ذلك من أجل تذويبهم في مجتمعاته التي تبيح كل شيء حرّمه الله تبارك وتعالى, ولعل أكبر شاهد على ذلك الحقوق التي ينالها المسلمون في الدول الاسكندنافية والتي تفوق حقوق مواطنيهم بدرجات كبيرة ومتفاوتة.
ان الغباء والجهل الذي يعيشه مسلموا هذه الأيام من قـَبولهم فكرة الهجرة لدول الغرب وحصولهم عى معونات تلك الدول وجنسياتها, ما هي الا بداية النهاية لتلك الأجيال الصاعدة نحو الدمار الشامل للأسرة المسلمة, والغرب يرنو الى الأجيال القادمة والتي ستولد على أراضيه ليـُذيبـُها ذوبانا كاملا في مجتمع غربي بحت خلال عدة سنوات قادمة, فتغدو البنت منسلخة تماما عن والديها وعن دينها وكذلك الشاب, وكما أنّ أول من سنّ القتل يتحمـَّل وِزر كل نفس بريئة تُقتلُ الى يوم القيامة, كذلك مَن كان سبباً في ضلال وشذوذ أولاده وأحفاده وخروجهم عن دينهم فعليه وزرهم الى يوم القيامة, ذلك لأن رسالة الأبناء أمانة في أعناق الآباء, والأمانة مسئولة يوم القيامة, حتى أنّ الشهيد في سبيل الله سيكون مرهوناُ عن دخول الجنة بأمانته ان كان عليه أمانة في الدنيا وأدركه الموت قبل أن يؤديها أن يؤديها, كما ورد الحديث الشريف , وما خروج أطفال المسلمين في دول الغرب عن ذويهم ووقوف بعض الآباء والأمهات موقف المتفرجين بدعوى القوانين, الا سُنة سيئة يسنُّها الآباء ويتحمّلون وزرها ووزر ما يترتب عليها من آثار سلبية الى يوم القيامة, ولا أُشجع أبدا أي مسلم له ذرية بالهجرة الى دول الغرب ان لم يكن واثقا 100% بأنه سيسيطر على زمام أمور أسرته, ولن يستطيع بسبب قوانين الغرب المخالفة لسنة الله عزوجل في خلقه.
أن تنسلخ العفة والمروءة والطهارة من النفوس بدعوى الحرية والمدنية, وبدعوى اختلاف المكان والعصر والزمان, فهده أمور رفضها ديننا الحنيف رفضا قاطعا, وكل حرية بعيدة عن منهج الله تبارك وتعالى فهي مرفوشة, لأنها حتما ستدفع بسالكها الى ارتكاب المعاصي وستقوده الى الهاوية.
وأختم مقالتي هذه بالقول بأنّ من لم يربيه والديه فالشيطان كفيل بتربيته, فلا تكونوا أيها الآباء والأمهات عونا للشيطان على أبناءكم