بسم الله الرحمن الرحيم
(سبيل العزّة بنصائح الشعوب والحكّام والعلماء بسبب ما حدث في غزّة)
تنبيـه: لقد شرعتُ في كتابة هذه النصائح قبل إيقاف الحرب في غزّة، ولم يتيسّر لي إتمامها والنظر في تصحيحها ومراجعتها إلا بين حين وآخر، فلما انتهيت من ذلك فرَّج الله بإيقاف الحرب، فأسأل الله عز وجل أن يديم على غزة وبلاد المسلمين الأمان والرخاء، وأن يدفع عنها شرَّ كل ذي شر هو آخذ بناصيته، وقد تردَّدتُ كثيرًا خلال عدّة أيام في نشر ذلك؛ لانصراف همم كثير من طلاب العلم وغيرهم إلى أمور أخرى مستجدّة، ثم رأيت نشرها لعل الله ينفع ولو بكلمة من هذه النصائح، وما ذلك على الله بعزيز، فأسأل الله أن يصلح نيتي وعملي وأهلي وذريتي.
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:
فلا يخفى على بَرٍّ أو فاجر هَوْلُ هذا الحدَث في نفسه، وتداعياتُه وآثارهُ المتوقعةُ على المنطقة العربية على وجه الخصوص مستقبلاً، فلا بد من وقفات صادقة ـ يُراد بها المخرج لا المأزق ـ مع الحكام، والعلماء، وأهل الحل والعقد، وغيرهم، ولا يجوز استغلال بعض الطوائف هذا الحدَث وغيره لتوسيع رقعة الفتن، وزيادة الضحايا في كل قُطر، فإن ذلك مخالف لمقاصد الشريعة وكلّيّاتها، والله عز وجل يقول:[وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ] {الأنفال:25} وهذا المسلك هو واجب العقلاء جميعًا، وإلا غرقت السفينة، ولا دينًا أقمنا ولا دنيا أبقينا، وصدق من قال:
أرى خَلَلَ الرمادِ وميضَ نارٍ ***خليقٌ أن يكون له ضِـرامُ
فإن النار بالزَّنْدَيْن تُـورَى *** وإن الفعلَ يسبقه الكـلامُ
فإن لم يُطْفِها عقلاءُ قـومٍ *** يكون وقودَها جثثًُ وهامُ
إن المقام ليس مقام كَيْل التُّهَم والرْمي بالخيانة والعمالة ـ في وسائل الإعلام والشوارع ـ لحاكم أو لنظام؛ فإن ذلك لا يفيد القضية شيئًا، بل يضر، ولكن المقام مقامُ تذكيرٍ للجميع حكامًا ومحكومين بواجبهم تجاه هذه الأحداث الدامية في غزّة، ولفتِ نظرهم إلى أبعاد وأهداف المشروع الصهيوني الصليببي الصفوي في المنطقة، وتجييش العواطف الدينية ـ أو على الأقل الإنسانية ـ تجاه أي طائفة مسلمة تصيبها هذه النكبات، والتحذير من مغبة خذلانها أو الرضا بما يحدث لها ـ تحت أي تأويل ـ فإن ما أمسى عند جارك أصبح في دارك، ولنحذر من عاقبة سياسة: أُكِلْتُ يوم أُكِلَ الثورُ الأسود، مع التنبيه على أن التاريخ مُنْصِفٌ، ولا يظلم أحدًا ولا يُحابيه، وسينتهي كل شيء حولنا، والعز والذل لا يدومان، و"حقٌّ على الله عز وجل ما رَفَعَ شيئًا في هذه الدنيا إلا وَضَعَه" والتاريخ لا يُسجل كلام المتحاملين ولا المتزلفين، إنما يحمل بين دفَّتَيْه المواقف بما لها وما عليها، فمن الذي يرضى أن يلعنه تاريخ أمته وأجيالها اللاحقة؟ ومن ذا الذي يختار لنفسه حال الأسف والندم والخزي بين يدي ربه عز وجل[يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)]. {الشعراء} إن الأمر حقًا يحتاج إلى صِدْقٍ مع الله تعالى وصِدْقٍ مع الأمة، وصدق أمام التاريخ والأجيال اللاحقة، وإلا فما هي إلا سنوات قلائل ويخلفنا آخرون، وتدوم بعد ذلك الحسرات والآهات، لكن ماذا تغني الندامة من رجل قذفت به الأحداث إلى أسفل السافلين؟!!
إن جراح الأمة كثيرة، وتنزف في كل مكان، ولم يرقأ لها دم، ولم يغمض لها جفن، ولم يطمئن لها فؤاد، فلا ترى على شاشات التلفاز إلا نساء المسلمين يبكين ويصرخن على أولادهن، أو أطفال المسلمين اليتامى يبكون فَقْد من يعولهم، أو هُدِم بيتُهُم ومأواهم، ولا ترى مكان عبادة مهدومًا على من فيه إلا مساجد المسلمين:
أنَّى اتجهت إلى الإسلام في بلد *** تجده كالطير مقصوصًا جناحاه
وهذا مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حديث ثوبان: "يُوشِكُ أن تَدَاعَى الأممُ عليكم كما تَدَاعَى الأكَلَةُ إلى قَصْعَتِها" قالوا: أمن قلّة نحن يا رسول الله؟ قال: "بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غُثَاءٌ كغثاءِ السَّيْل، ولينزعنَّ اللهُ من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنّ في قلوبكم الوهن" قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: "حُبُّ الدنيا، وكراهية الموت"!!
ولعل الله عز وجل يريد من وراء ذلك خيرًا بعباده المؤمنين [وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ] {آل عمران:141} [أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ] {البقرة:214} والمنح تُولَد مِنْ أرحام المحن في كثير من الحالات، فلعل الله عز وجل يريد أن يُصفِّي قلوبنا من التعلق بغيره، أو الاغترار بغير طريقه؛ فقد شطحت الأمة في الاتجاهات القومية، واليسارية، والرأسمالية، والديمقراطية دهرًا، وهرولت وراء بريق منظمات دولية لم ترفع بقضيتها ـ خلال سنوات طويلة ـ رأسًا، فما كان للمسلمين من حقوق كالشمس في رائعة النهار؛ فالفيتو يُقَطِّعُهم حَسَرات، وإن صدرت قرارات فهي غير ملزمة، وإن كانت ملزمة فلا جدّية في تنفيذها، وما كان ضد المسلمين ـ وإن كانوا أبرياء مظلومين ـ فيُبرم الأمر في دقائق، وربما لم تعلم به هذه المنظمات الأممية أصلاً إلا بعد تطبيق، ولا زالت الأمة مفتونة بالزخارف وهذا السراب، فتحرث في الماء، وتزرع في الهواء، فيا لله العجب!! مع أن الأمر كما قيل:
ويُقْضَى الأمرُ حينَ تغيبُ تَيمٌ *** ولا يُستَأذنونَ وهمْ شُهودُ
فهل أمتنا تستجيب؟ أم أنه كما قيل: ما لجُرْحٍ بميتٍ إيلامُ؟!
وصدق من قال:
أُمَّتي هل لكِ بين الأممِ *** مـــنْبرٌ للسيـفِ أو للقَلَـمِ
أتلَقَّاك وطَرْفي مُطْـرَقٌ *** خَجَـلاً مـن أَمْسِك المنْصَـرِمِ
أمتي كَـمْ غَصَّةٍ داميـةٍ *** خَنَقَـتْ نَجْـوَى عُلاك في فمي
أَلإسرائيلَ تَعْلُـو رايــةٌ *** في حِمَـى المهْـدِ وظِلِّ الحرم!![1]
كيف أغْضَيتِ على الذلِّ ولَمْ *** تَنْفُضي عَنْـكِ غُبـارَ التُّهَم؟
أوَما كنتِ إذَا البغْي اعْتَـدَى *** موجـةً مِنْ لَهَبٍ أو (حُمَمِ)؟
إن فلسطين قد احتُلَّتْ منذ ستين عامًا ، وقد أدى الفلسطينيون واجبهم وزيادة، فلله دَرُّهم من شعب أبيٍّ وفيٍّ لدينه ووطنه وقضيته ودماء شهدائه، ولسان حالهم يقول:
ولسْتُ بخالعٍ دِرعي وسيفي *** إلى أن يخلع الليلُ النهار
وإن أصابهم من التفرق مؤخرًا ما أصابهم، فأسأل الله عز وجل أن يجمع كلمتهم على الهدى، وأن يجنبهم الفتن وسُبُلَ الردى، والمراد: لوكان عند الأمة مشروع عملي إسلامي صادق لتحرير فلسطين، وكانت تسير فيه بصدق ولو سيْر السلحفاة؛ لكانت ظِلاله منذ وقت سابغة ممدودة، وثمراته بادية مشهودة، ولكن للأسف فما تزداد الأمة يومًا بعد يوم إلا وهنًا وتفككًا، ولا يزداد مشهدها أمام العالم إلا خزيًا وعارًا، وما ذاك إلا لأنهم أعرضوا عن منهج الله في رَدِّ الأمرِ إلى نصابه، والسيفِ إلى جِرَابه، والحق إلى صوابه [فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ] {المائدة:52} [وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ] {البقرة:216}وصدق من قال:
لا يُفْزعنّك هَوْلُ خَطْبٍ دامسٍ *** فلعلَّ في طيّاته مـا يُسْعِـدُ
لـو لَمْ يَمُدَّ الليلُ جُنْحَ ظلامـهِ *** في الخافقين لما أضاء الفَرْقَدُ
إن نصيحتي هذه أُلخّصها في نقاط:
البقية تجدونها لطولها هنا:
http://marebe.net/showthread.php?p=8347#post8347