خذ نسختك من شرح الشيخ صالح السحيمي حفظه الله للقصيدة اللامية المنسوبة إلى شيخ الإسلام
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ؛ أما بعد : فهذا تفريغ آخر - وفقني الله - سبحانه وتعالى - لتفريغه ، وهأنذا أقوم بتنزيله ابتغاء حصول النفع من ورائه .
وهناك عدة تفريغات يسر الله إتمامها ومراجعتها - سأقوم بتنزيلها على الشبكة ، وغيرها من الشبكات ؛ ليعم النفع ، والآن مع الشرح :
شَرْحُ فَضِيلَةِ الشَّيْخِ صّالِحٍ السُّحَيْمِيِّ
لِلْقَصِيدَةِ اللَامِيَّةِ
الْـمَنْسُوبَةِ إِلى شَيْخِ الإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةِ – رَحِمَهُ اللهُ –
بسم الله الرحمان الرحيم
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا .
من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .
وأشهد أن محمدا عبدُه ورسولُه – صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه أجحمعين .
ثم أما بعد :
فقد رأى بعض الإخوة أن نشرح - في هذين اليومين ، أو لعلنا ننتهي منها اليوم : الصباح والليلة المغرب - قصيدة اللامية لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – حول بعض مسائل العقيدة ، وهي قرابة ستة عشر بيتا ، لعلنا أن نجتهد في أن نخلص ، أو ننهيها الليلة العشاء - إن شاء الله - .
ودراسة كتب السلف والمتون الشرعية لها فوائد عظيمة تربط طالب اللعم بالسنة . بهدي النبي – صلى الله عليه وسلم - ؛ ولذلك فإن التركيز على مثل هذه المتون = نافع جدا للمسلمين عامة ، ولطلبة العلم خاصة .
ونبدأ مباشرة – إن شاء الله – في هذه القصيدة اللامية ، ونجتهد في شرحها باختصار – إن شاء الله تعالى - .
المقدمة
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، وعلى آله وأصحابه ومن والاه – فهذه قصيدة اللامية لشيخ الإسلام ابن تيمية ، وهي زهرة من بستانه اليانع بالأزهار ؛ ليشم عبقها وعبيرها أهل السنة والآثار ، وهي شوكة وغصة وسهم من كنانيته في حلوق أهل الزيغ والضلال ، يعلن فيها عن مذهبه واعتقاده ليستنار ، ويخصم بها كل مشبه ومعطل وجبار .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - يرحمه الله – في قصيدته اللامية .
(( المتن ))
يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي /// رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسْأَل
(( الشرح ))
بدأ الشيخ – رحمه الله تعالى - بهذا البيت :
يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي ///رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسْأَل
بدأ – رحمه الله تعالى – بمخاطبة إخوانه المسلمين الذين يسألونه عن مذهبه ، وعقيدته ؛ لأن البعض يشكك ، ولا سيما أولئك الذين ابتلوا بالانحراف في العقيدة ، بالوقوع في البدع والخرافات ، بل وربما أحيانا في الشركيات ؛ فإنه أراد أن يبين لهم معتقده هذا ؛ حتى يتضح أنه موافق لهدي النبي – صلى الله عليه وسلم – .
والعقيدة هو ما يعقد عليه القلب ، قد تكون عقيدة فاسدة ، وقد تكون صالحة ؛ ولذلك فإنها تتضح من خلال توجه صاحبها ، فمن اعتقد منهج أهل السنة والجماعة وسار على ذلك = فهي العقيدة الصحيحة السُّـنية السلفية ، ومن حاد عن ذلك = فهي عقيدة خرافية ، بغض النظر عن قربها ، أو بعدها من هدي الإسلام ، بحسب حال صاحبها ، والمذهب هو المنهج الذي يسير عليه المرءُ : في الفقه ، في السلوك ، في التعامل ، في العبادة ، في الحدود ، في الأحكام ؛ فالمذهب هو الطريقة ، ولا يلزم إذا قيل : مذهب فلان كذا من السلف ، أو مذهب أهل السنة كذا ؛ أن يكون مذهبا يختص به دون غيره من أهل السنة ، وإنما المراد أنه يتمذهب ويسير على طريقة أهل السنة والجماعة : قولا ، وعملا ، واعتقادا ، فلا يحيد عن ذلك قِـيدَ أُنملة ، يلزم السنة ، يتمسك بها ، يعض عليها بالنواجذ ، بكل ما يستطيع .
وشيخ الإسلام : أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن يتيمة المتوفى سنة ثمان وعشرين وسبع مئة = معروف بجهاده : بلسانه ، وقلمه ، ونفسه ؛ فقد شارك في الجهاد ضد التتار والمغول ، وشارك بجهاده في الذب عن العقيدة ، وتقرير عقيدة السلف ، ودحض شبه المشبهين ، كما شارك بقلمه السيال في إثراء المكتبة الإسلامية بما صفا ، وطاب من منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة ، والفقه ، والسلوك ، ومن ذلك : هذه القصيدة .
ثم بعد أن نادى سائله ليبين له عقيدته ، بـيَّـن أن مَـن رُزِقَ الفقه في الدين = هو االذي يهدى – يهديه الله إلى عقيدة السلف الصالح ، ويسأل عنها ؛ ليعض عليها بالنواجذ ، وليسير عليها ، وليلزمها ؛ لأنه طريق الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين َ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } النساء : 69 { ومن شذ عن هذا المنهج فهو متبع لغير سبيل المؤمنين ، قال الله – عز وجل - وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}النساء :115 {.
ولذلك :
فإن كل خير في اتباع من سلف /// وكل شر في اتباع من خلف
(( المتن ))
اسمَعْ كَلامَ مُحَقِّقٍ في قَـولـِه /// لا يَنْـثَني عَنـهُ ولا يَتَبَـدَّل
(( الشرح ))
يبين لمخاطَـبه بأن كلامه الذي سيقوله = هو الكلام الحق الذي لا مرية فيه ، وأنه ثابت عليه ثبوت الجبال الراسيات ، وهذا هو الذي يجب أن يكون عليه كل مؤمن ، بأن يتمسك بالعقيدة الصافية المستمدة من كتاب الله – جل وعلا – ، وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم - وفق منهج السلف الصالح ؛ فهو يقول : أيها الأخ المسلم الذي تبحث عن الحق عليك أن تسمع ما أقوله ، والذي أخذته من كتاب الله – جل وعلا - وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – والذي لا يثنيني عنه أي ثانٍ ، ولا يمنعني من سلوكه – طالما توكلت على الله - جل وعلا - ، واعتمدت عليه ، واستعنت به وحده ؛ فإنني أسير على هذا المنهج الحق الذي عليه النبي - صلى الله عليه وسلم – وأصحابُه ، وهكذا ينبغي – بل يجب – أن يكون هذا شأن كل مسلم ، يجتهد في اتباع منهج السلف ، بعد أن يتعلم ، ويتفقه في دين الله ؛ لأن الفقه في دين الله = يحمي الله به المؤمن من الإفراط والتفريط ؛ لأنه المنهج الوسط الذي كان عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابُه أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ } الأنعام : 90 { .
فعليك – يا عبدَ اللهِ ! – أن تلزم هذا المنهج ، وأن تسير عليه ، وسنبين طريق السير عليه ، كيف يكون ، وما أسبابه - بإذن الله – تبارك وتعالى – .
وأن لا يثنيه عنه أيُّ أمر إلى أن يلقى الله – تبارك وتعالى – وهو على ذلك ؛ وذلك بالاعتماد على الله ، والتوكل عليه ، وسؤاله الثبات على الحق ؛ ولذلك أمرنا أن نسأل الله الثبات في السجود ( اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينتك ) وقال – صلى الله عليه وسلم – أيضا - : ( إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابيع الرحمان يقلبها كيفما شاء ) .
فعلى المسلم أن يجتهد في السير على منهج السلف الصالح ، بعيدا عن الإفراط والتفريط ؛ لأن هذا هو الطريق السوي الذي يقرب إلى الله – عز وجل - ، وهو طريق النجاة ، وهو طريق الفرقة الناجية ، والطائفة المنصورة ، والجماعة المؤمنة التي تسعى أن تكون ثابتة على هدي النبي – صلى الله عليه وسلم - .
فنسأل الله أن يثبتنا وإياكم عليها .
(( المتن ))
حُبُّ الصَّحابَةِ كُـلِّهُمْ لي مَذْهَبٌ /// وَمَوَدَّةُ القُرْبى بِها أَتَوَسّــل
(( الشرح ))
من المعلوم في الشرع أن أحد أنواع التوسل المشروعة هي التوسل بالعمل الصالح ؛ لأن التوسل – كما تعلمون – رحمني الله وإياكم – على ثلاثة أقسام :
الأول : التوسل بأسماء الله وصفاته ؛ كقول النبي – صلى الله عليه وسلم – ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ) .
الثاني : التوسل إلى الله بالعمل الصالح كقول الله – سبحانه وتعالى – حكاية عن الحورايين رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } آل عمران : 53 { .
وقول النبي – صلى الله عليه وسلم – عندما سمع رجلا يدعو قائلا : اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ) قال – صلى الله عليه وسلم - : لقد دعا اللهَ باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي به أجاب .
وقد جمع في هذا الدعاء بين التوسل بأسماء الله وصفاته ، والتوسل بالأعمال الصالحة .
والعمل الصالح الذي يتوسل به لابد له من شرطين :
- أن يكون خالصا لوجه الله .
- أن يكون موافقا لهدي النبي – صلى الله عليه وسلم - .
الثالث : التوسل إلى الله – تعالى – بدعاء المسلم الصالح الحي القادر على الدعاء ، كما جاء في حديث استسقاء الصحابة – رضوان الله عليهم - بدعاء عمر بن الخطاب ، وفي حديث الرجل الذي في الصحيحين الذي جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال : يارسول الله ! هلكت الأموال ، وتقطعت السبل ، فادع الله أن يغيثنا ، وغير ذلك من أدلة التوسل إلى الله بدعاء المسلم الصالح .
وكانوا في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – يتوسلون بدعائه ، وبعد وفاته – عليه الصلاة والسلام – يختارون من يتوسمون فيه الصالح ؛ فيطلبون منه الدعاء في الاستسقاء وغيره ، ولم يتوسلوا به بعد وفاته – صلى الله عليه وسلم – ؛ لعلمهم أن المقامَ مقامُ دعاءٍ .
فهنا : شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى - يتوسل بأمرين ، يتقرب إلى الله بأمرين :
الأمر الأول : حب أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ؛ لأنه من الأعمال الصالحة ، من أعمال القلوب ؛ حب أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وهو من أعمال القلوب .
الأمر الثاني : حب آل البيت ؛ لأنهم لهم ميزة خاصة على غيرهم ؛ فيجب أن يُـحَـبَّ المؤمن منهم محبة خاصة ؛ فلذلك هو يتوسل إلى الله بهذين الأمرين ، والتوسل إلى الله بالأعمال الصالحة = من أنواع التوسل المشروع ؛ ولذلك يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : آية الإيمان حب الأنصار ، وآية النفاق بغض الأنصار .
الصحابة الكرام !
والصحابي : هو كل من لقي النبي – صلى الله عليه وسلم – مؤمنا ] به [ ، ومات على ذلك ، ولو تخللت ذلك ردة على الصحيح .
وأصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – كلهم عدول ، يجب توليهم ، والترضي عنهم ، وحبهم ، واعتقاد عدالتهم ، وتفضيلهم على كل الناس بعد رسول – صلى الله عليه وسلم – ، والأنبياء .
فهم صحبه الكرام ، لا نفرق بين أحد منهم ، كما فعل ذلك أهل الزيغ والبدع والضلال ، وإنما نتولاهم جميعا بلا استثاء ، وعلى رأسهم العشرة المبشرون بالجنة ، وعلى رأس هؤلاء العشرة الخلفاء الراشدون : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي – رضي الله عنهم - .
وبعد العشرة يأتي أهل بدر .
ثم المهاجرون .
ثم الأنصار .
ثم أهل بيعة شجرة الرضوان .
ثم من أسلم قبل الفتح .
ثم من أسلم بعد الفتح .
فيجب توليهم جميعا ، وقد تجاوزا مئة وعشرين ألفا يوم حجة الوداع .
ولا يجوز أن نفرق بينهم ، كما يفعل أهل الزيغ والضلال ، وأهل البدع والانحلال ، بل الصحابة كلهم عدول = يجب توليهم جميعا .
ومن كفرهم جميعا = فهو كافر .
ومن اعتقد ارتداتهم = فهو المرتد .
ومن سب أحدا منهم = فهو المسبوب .
ومن نال من أحد منهم = فهو مبتدع ضال مارق .
رضي الله عنهم ، وأرضاهم ، وأخزى الله من أبغضهم وقلاهم .
ولذلك شيخ الإسلام – هنا – يبين - في هذا البيت - أنه يتقرب إلى الله بحبهم ، والتقرب بحب الصالحين = عمل صالح ، ليس المراد بالتقرب : التمسح بالصالحين ، أو التعلق بهم من دون الله ، أو دعائهم ، أو الاستغاثة بهم ، لا الصحابة ، ولا غير الصحابة ، ولا الأنبياء .
حتى الأنبياء لا يستغاث بهم ، ولا يدعون من دون الله ، ولا الصحابة ، ولا الصالحون ، ولا الأولياء ؛ فالاستغاثة بهم ، أو دعاؤهم من دون الله = شرك أكبر = يخرج من حظيرة الإسلام ، لكننا نتوسل إلى الله بحبهم ، وهو التوسل المشروع ، وحبهم = عمل صالح من أعمال القلوب الصالحة ؛ ولذلك يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : من السبعة الذين يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله : رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه .
ويقول – صلى الله عليه وسلم – : ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار .
تنبهتم إخوتي ؟!
ولذلك فإن حب جميع المسلمين المخلصين ، أهل السنة = عبادة ، وعمل يقرب إلى الله – سبحانه وتعالى – .
فيجب أن نحب المسلمين أهل السنة لإسلامهم ، المسلمين : أهل السنة ، المستقيمين على طاعة الله ، السائرين على هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وعلى رأسهم – كما ذكرنا – أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ؛ الذين بهم قام القرآن ، وبه قاموا ، وبهم نطق القرآن ، وبه نطقوا = أولئك الأفذاذ الذين نضَّرَ الله وجوههم بصحبة النبي – صلى الله عليه وسلم – ، والتلقي عنه مباشرة ، فهم نقلة السنة ، وهم نقلة القرآن ، وهم نقلة الإسلام ؛ فالنيل منهم = نيل من الإسلام كله ، وتنقصهم تنقص للدين كله ، وسبهم سب للدين ، وتوليهم تولي لدين الله ؛ فيجب أن نواليهم ، وأن نوالي من يواليهم ، وأن نحبهم ، وأن نحب من يحبهم ، وأن نبغض من يبغضهم ؛ رضوان الله عليهم أجمعين ، وقاتل الله من نال منهم ، أو سبهم ، أو شتمهم ، ولعن الله من كفرهم – أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – : أعلام الهدى ، ومصابيح الدجى .
اسمع بعض ما ورد في فضلهم من آيات القرآن الكريم :
قال الله – عز وجل - في حق المهاجرين لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} الحشر : 8 {هؤلاء المهاجرون .
وقال في الأنصار وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الحشر : 9 {
ثم قال في حق بقية الصحابة وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } الحشر : 10 { .
ومما يجدر التنبيه له : الكف عما شجر بينهم ، ومما حصل من فتن ، بسبب من اندسوا في الإسلام من أمثال عبد الله بن سبأ اليهدوي – قاتله الله - ، وغيره من المندسين ؛ فحدثت فتن في عهد الصحابة ؛ فلا يجب أن نلوك أعراضهم ، ولا يجوز أن نستغل هذه الأحداث للنيل من أحد منهم ، سواء ما جرى في وقعة الجمل بين علي ، وطلحة ، والزبير – رضي الله عنهم أجمعين - ، وأم المؤمنين الطاهرة المطهَّرة ، الصدِّيقة بنت الصديق عائشة – رضي الله عنها - ، أو ما جرى بين علي ، ومعاوية ، وعمرو بن العاص – رضي الله عنهم أجمعين – في صفين ، وفي غير صفين ، بل يجب أن نكف عن الخوض في هذه القضايا ، إلا بقدر ما تذكر الواقعة ؛ لبيان الواقع ؛ للتحذير من الفتن ، ثم الكف عن ذلك بعدُ ، ولا يجوز أن نعتمد على روايات المسعودي ، واليعقوبي الرافضيين فيما يتعلق بما جرى بين الصحابة ؛ فإن أكثر ما ينسب ، وينسج في هذين الكتابين ، من روايات الواقدي ، والكلبي ، وغيرهما = كله لا يصح ، وإنما هي من مخترعات أهل البدع والزيغ والضلال ؛ فيجب أن نحذر من ذلك ، وأن نكف عما شجر بين الصحابة .
يقول علي – رضي الله عنه – بعد انتهاء موقعة الصفين والجمل ، وغيرهما ، وبعد أن ندم الصحابة على ما جرى بسبب بعض المندسين ، يقول علي – رضي الله عنه - : إني لأرجو أن أكون أنا ، وطلحة ، والزبير ، ومعاوية ؛ ممن قال الله فيهم وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ } الحجر : 34 { .
ونزعنا ما صدورهم من غل – رضي الله عنهم ، وأرضاهم ، وأخزى الله من أبغضهم وقلاهم - .
يقول عمر بن عبد العزيز – رحمه الله - : أولئك قوم طهر الله أيدينا ، وسيوفنا من دمائهم ؛ فلنطهر ألسناتنا من أعراضهم .
وأكثر الروايات التاريخية التي تتداول في مدارسينا – ويا للأسف ! – أكثرها غير صحيحة ؛ ولذلك يجب على المسلم أن يأخذ الروايات المحقـقَّـة الصحيحة ؛ ويكاد قسم التاريخ في الجامعة الإسلامية – ولله الحمد والمنة – بالمدينة النبوية ، أن يغطي كلَّ هذه الأحداث مع الدقة في البحث عن الروايات الصحيحة ، وتفنيد الروايات الباطلة ، ولا سيما ما نسجه المبتدعون ، والمنحلون حول قضية التحكيم ، وما زيد فيها ، ونقص ، وما حيك حولها من حكايات باطلة لا تصح ، ولا تثبت عن الصحابة ، ومن أراد التوسع في هذا فليقرأ كتاب ( العواصم من القواصم ) لابن العربي ، وليس النكرة ابن عربي ! ابن العربي المالكي الإشبيلي المعارفي القرطبي أبو بكر – رحمه الله تعالى - في كتابه المعروف بـ ( العواصم من القواصم ) ، واقرأوا من الكتب الحديثة كتاب ( الانتصار للصحب والآل في الرد على السماوي الضال ) لأخينا فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم الرحيلي – حفظه الله – .
وكثير من الكتب في الرد على المبتدعة في هذا الباب ؛ فينبغي للمسلمين أن يتنبهوا .
أغرب ما مر عليّ في هذا الباب أن باحثا أكادميا ، أستاذا جامعيا أرسل إليَّ بحثا من بلد ما من بلاد المسلمين يريد أن أقومه له ؛ ليترقى به إلى درجة أستاذ مشارك ، وهي درجة معروفة عند الأكادميين ، والجامعيين ، الكتاب بعنوان ( خدعة التحكيم ) تصوروا ماذا في هذا الكتاب – عباد الله ! – ماذا في هذا الكتاب ؟
ليس في هذا الكتاب إلا سب معاوية وعمرو بن العاص – رضي الله عنهما - ، لا يوجد في الكتاب شيء غير ذلك – أبدا – ما فيه إلا السب لهذين ، ولكن أبشركم – ولله الحمد – أن الرجل قد اهتدى ورجع .
كتبتُ له جوابا على بحثه يكاد أن يكون مثل بحثه ، يزيد عن ثلاثين صفحة ، وصححت مفهومه ، وهو اعتمد – فقط – على هذين الكتابين : اليعقوبي ، والمسعودي ، وهي من أشهر كتب الضلال في التاريخ ، حتى كتب التاريخ الأخرى لم تسلم ، ولكن هذه كلها ضلال ، فلا يجوز الاعتماد عليهما .
ولا تلتفتوا – يا إخواني ! – إلى بعض شطحات الكُـتَّـاب المعاصرين الذين وقعوا ، وولغوا في أعراض الصحابة ؛ فمنهم من كفر معاوية وعمرا ، ومنهم من كفر عليا – رضي الله عنهم أجمعين - ، ومنهم من كفر كلَّ من شارك في صفين والجمل ، ومنهم من وصف معاوية وعمرا بشراء الذمم ، وبالظلم ، وبالكفر ، ونحو ذلك ، وكل هذا = قلدوا فيه إخوان القردة والخانزير ، بل إن إخوان القردة والخنازير لو سئلوا عن أفضل قومهم ؛ لقالوا : أصحاب عيسى ، ولو سئل النصارى عن أفضل أمتهم – بعد عيسى – ؛ قالوا : أصحاب عيسى ، ولو سئل هؤلاء القوم الضالون عن شر قومهم – أو عن شر الأمة - ؛ لقالوا : أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – ، عليهم من الله ما يستحقون .
فانتبهوا ! واحذروا من هذا المسلك .
هؤلاء الكُتَّاب – ويا للأسف ! – أنهم محسبون على أهل السنة ، ومع ذلك يغتر بعض الناس بكتاباتهم ، ويسميهم شهداء ! فانتبه !
الصحابة لا نسمي شهيدًا إلا من شهد له النبي – صلى الله عليه وسلم – ، أما من قتل ولم يشهد له النبي – صلى الله عليه وسلم – ؛ فنقول : نرجو الله أن يكون شهيدا ، أما نأتي إلى كُتَّاب ، سبوا أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وكفروهم ، ونصفهم بالشهادة ! فهذه مصيبة من المصايب ، نعم نحن نترك مآلهم إلى ربهم – سبحانه وتعالى - ، ونكل مصيرهم ؛ لأنهم جهلة ، قد يعذرون بجهلهم ، الله أعلم بحالهم ، أمرهم إلى الله – سبحانه وتعالى - ، لكن هل نسكت عن كتاباتهم ، في سب الصحابة ، وتكفيرهم ؟ لا ! فالساكت عن ذلك = شيطان أخرص ، فنتبه يا عبدَ الله !
حب الصحابة = قربة ، يقرب إلى لله – عز وجل - ؛ ولذلك بـيَّـن – رحمه الله – هنا – في هذا البيت : أنه يتوسل ويتقرب إلى الله بحبهم ، لا بالتعلق بأشخاصهم ، لا بالتبرك بأجسامهم ، لا بعبادتهم ، لا بدعائهم ، لا بسؤالهم شيئا من دون الله كما يفعل كثير من المشركين في هذا العصر ، لا بالاستغاثة بهم ، وإنما نتوسل إلى الله بمحبتهم ، ومحبة كل مسلم صالح ؛ لأن هذا من الأعمال الصالحة ، ثم بـيَّـن توسله بذوي القربى ؛ من هم ؟ آل البيت المؤمنين الصالحين ، وعلى رأسهم : علي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، والعباس ، وغيرهم من بني هاشم ، وبني المطلب .
وكذلك أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – = كلهم يعتبرون من آل البيت يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } الأحزاب : 33 { .
فأزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – يعتبرن – أيضا – مـن أهـل البيت ؛ فيجب محبتهن ، واعتقاد أنهن أمهات المؤمنين وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } الأحزاب : 6 { .
ولا يجوز أن ننال من أحد منهن ، ولا من آل البيت الطاهرين الطيبين ، كما تفعل النواصب والخوارج ؛ فنحن نبتعد – في هذا - عن منهج الروافض المارقين ، وعن منهج النواصب الخوارج المارقين ؛ فنكون وسطا في محبة أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وفي محبة آل بيته على المنهج الذي قرره أهل السنة والجماعة ، ونرى أن ذلك عمل صالح يقرب إلى الله ، كما بـيَّـن الشيخ – هنا – رحمه الله تعالى - .
(( المتن ))
وَلِكُلِّهِمْ قَـدْرٌ علا وَفَضائلٌ /// لكِنَّما الصِّديقُ مِنْهُمْ أَفْضَـل
(( الشرح ))
الآن يبين فضله من حيث الدرجات ؛ فالصحابة كلُّـهم فاضلون ، على نحو ما بينا قبل قليل ، وكـلُّـهم عدول ، وكـلُّـهم تجب محبتهم ، وكـلُّـهم يجب اعتقاد عدالتهم ، ويجب اعتقاد أنهم أفضل الأمة بعد نبيها – صلى الله عليه وسلم – ، ولا نفرق بين أحد منهم ، لكن لا شك أن بعضهم يفضل بعضا ، فأفضلهم – على الإطلاق – الصديق أبو بكر – رضي الله عنه وأرضاه – رفيق النبي – صلى الله عليه وسلم – في الغار ، والذي قال فيه : ما طلعت على أفضل من أبي بكر .
وقال – صلى الله عليه وسلم – : ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا .
وكثيرا ما كان يردد – صلى الله عليه وسلم – ويقول : جئت أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر ؛ فهذا هو الصديق أفضل هذه الأمة بعد نبيها – صلى الله عليه وسلم – ، أول من أسلم من الرجال - رضي الله عنه وأرضاه - ، والحديث عن فضله يطول ، لكننا نريد شرح هذه الأبيات باختصار .
(( المتن ))
وَلِكُلِّهِمْ قَـدْرٌ علا وَفَضائلٌ /// لكِنَّما الصِّديقُ مِنْهُمْ أَفْضَـل
(( الشرح ))
يعني كل الصحابة لهم فضائل ، وكـلُّـهم عدول – كما بينا - .
وأفضلهم – كما بين النبي – صلى الله عليه وسلم – هو أبو بكر الصديق – رضي الله عنه وأرضاه - ، فمن نال منه = فإنما ينال من هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وينال من القرآن ، وقد أثنى الله عليه في كتابه كما قال – جل وعلا - وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى } الليل : 19-21 { .
وأثنى عليه في سورة الأنفال فقال إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا } التوبة : 40 { فمن هو هذا الثاني ؟
أبو بكر – رضي الله عنه وأرضاه ، وأخزى الله من أبغضه وقلاه - .
(( المتن ))
وأقول في القُرآنِ ما جاءَتْ بِـه /// آياتُـهُ فَهُوَ الكريم المُنْـزَلُ
(( الشرح ))
يعني يقف في اعتقاده تجاه القرآن كما جاء في القرآن ، وكما جاء في السنة من أنه كلام الله الحق ، الذي تكلم به حقيقة ، والذي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } فصلت : 42 { .
كتاب الله نزل به الروح الأمين على قلب نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – بلسان عربي مبين ، ويجب أن نفهم ما يلي ؛ حتى نسلم من الذين حرفوا في كلام الله ، وبدلوا ، ووصفوه بأنه مخلوق ، أو أنه الكلام النفسي ، أونحو ذلك ، ولا يتسع الوقت للرد على كلامهم ، وتفنيده ، لكن سنقرر عقيدة أهل السنة في هذا الباب ؛ ولذلك يجب مراعاة الأمور الآتية في معتقدك تجاه القرآن المنزل من عند الله – سبحانه وتعالى - :
أولاً : أن نعتقد أنه كلام الله : لفظه ومعناه ، لم يعبر به أحد عن الله ، ولم يتلكم به أحد نيابة عن الله ، بل هو كلام الله الذي تكلم به حقيقة وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ } التوبة : 6 { .
ثانيا : يجب أن نعتقد أن جبريل سمعه من الله مباشرة ، أنه كلام الله المسموع ، بأن الله يتكلم بصوت وحرف مسموعين .
ثالثا : يجب أن نعتنقد أنه تكلم به بحرف وصوت ؛ خلافا لمن يزعم أنه عبارة عن كلام الله ؛ ولذلك ألف الإمام السجزي من تلاميذ الإمام أحمد كتابا بعنوان ( الحرف والصوت ) .
ليس ككلامنا ، وليس كنطقنا لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } الشورى : 11 { .
ولا يتبادر إلى ذهنك التشبيه الذي تبادر إلى أذهان الجهمية ؛ فاضطروا إلى نفي صفات الله – جل وعلا - ، لكن نقول : تكلم به كما يليق بجلاله وعظمته ، سمعه منه جبريل كما يليق بجلاله وعظمته ، بصوت وحرف كما يليق بجلاله وعظمته .
رابعا : أنه كلام الله المنزل غير مخلوق ، لماذا قيدنا بكلمة ( غير مخلوق ) ؟
لأن الجهمية ، والمعتزلة ، والرافضة ، والخوارج ، وغيرَهم من الفرق الضالة ، كلهم يَـدَّعون أن القرآن مخلوق .
وقد التحق بهم طوائف أخرى ، ولكن أخطر هذه الأقوال : هو قول القائلين : بأن القرآن مخلوق كسائر المخلوقات ، ونحن نقول : إنه كلام الله الذي تلكم به حقيقة ، وأنزله على رسوله – صلى الله عليه وسلم – بواسطة رسوله ، وسفيره بينه وبين رسله : جبريل – عليه السلام - .
خامسا : أن يعتقد المؤمن أن القرآن المتلوَّ بالألسن = هو كلام الله .
سادسا : أن نعتقد أن القرآن المحفوظ في الصدور = هو كلام الله .
سابعا : أن نعتقد أن القرآن المكتوب في المصحف = هو كلام الله .
ثامنا : يقال إن المداد الذي هو الحبر ، والورق مخلوقة كما قال ابن القيم – رحمه الله – : ومداده والرق مخلوقان .
أما ما تقدم من الأوصاف ؛ فإنه بتلك الأوصاف غير مخلوق .
لماذا قيدنا بهذه القيود : أن القرآن المتلوَّ ، أن القرآن المحفوظ ، أن القرآن المكتوب = هو كلام الله ، لماذا قيدنا ؟
لأن هناك من يعتقد أنه عبارة ، أو حكاية عن كلام الله .
(( المتن ))
وجميعُ آياتِ الصِّفاتِ أُمِرُّهـا ///حَقـاً كما نَقَـلَ الطِّرازُ الأَوَّلُ
(( الشرح ))
المقصود بهذا البيت أن ما ثبت في كتاب الله – جل وعلا – من الأسماء والصفات يمرها كما جاءت على مراد الله – تبارك وتعالى – دون أن يخوض فيها بأي تأويل ، أو تعطيل ، أو تكييف ، أو تمثيل ، أو تشبيه ، أو تأويل ، على حد قوله – تعالى – لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الشورى : 11 {.
وقوله ( كما قال الطراز الأول ) أي كما قال السلف الصالح ؛ لأنه من المعلوم أن كل خير في اتباع من سلف ؛ فالسلف ، والطراز الأول ، والقرون الأولى الذين قعَّدوا هذه القواعد وفق هدي النبي - صلى الله عليه وسلم – هم الذين يجب أن نتبع هديهم ، وأن نسير على منهاجهم ، وأن نحذو حذوهم كما قال الله – جل وعلا - وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه } التوبة : 100 { .
وقال تعالى أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} الأنعام : 90 { .
وقال – جل وعلا - وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } النساء : 115 { .
يقول حذيفة – رضي الله عنه - : عليكم بالعتيق .
ويقول ابن مسعود – رضي الله عنه - : من كان متأسيا ؛ فليتأس بأصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبكل حال .
ومذهبهم في الأسماء والصفات أنهم يمرونها كما جاءت بلا كيف ، نقلت هذه العبارة عن عشرات من السلف الصالح ، لاسيما في القرون – القرنين : الثاني والثالث ، بعد أن كثر اللغط والتأويل والتعطيل في أسماء الله وصفاته ؛ فقالوا عبارتهم المشهورة ( أمروها كما جاءت بلا كيف ) قالها مالك ، والأوزاعي ، وقالها مكحول ، وقالها الليث ، وقالها غيرث واحد من السلف ( أمروها كما جاءت بلا كيف ) ، بمعنى أن كلَّ ما ورد في الكتاب والسنة من الأسماء والصفات يجب إمراره ، والإيمان به على مراد الله – جل وعلا - ولا نأوله ، ولا نعطله ، ولا نحرفه ، ولا نشبهه ، ولا نمثله ، ولا نكيفه ، والميزان في ذلك قول الله – سبحانه وتعالى - لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } الشورى : 11 {.
فإذا أخبر الله – جل وعلا – عن نفسه بصفة وجب إثباتها ، والإيمان بمعناها وآثارها ، كما قال الإمام مالك – رحمه الله – في الاستواء ( الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ) ، وكذا نقول في سائر الصفات .
اليد معلومة ، والكيف مجهول ، والإيمان بها واجب ، والسؤال عن الكيفية بدعة .
وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } الرحمان : 27 { .
الوجه معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عن الكيفية بدعة .
وكما قال - تبارك وتعالى - وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } الفجر : 22 { .
نقول : المجيء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ؛ فنتجنب – بذلك - مزالق الجهمية ، والمعتزلة ، والخوارج ، والرافضة ، ومن نهج نهجهم من الفرق الأخرى .
(( المتن ))
وأَرُدُّ عُهدتها إلى نُقَّالِهـا ///وأصونُها عـن كُلِّ ما يُتَخَيَّلُ
(( الشرح ))
وأرد عهدتها يعني : أرد معناها إلى أولئك النَّـقَـلَة الذين نقلوها لنا بكل صدق وأمانة ، ولا نتجاوز ما هم عليه من الإيمان بها ، وبمعانيها على الوجه الذي يليق بجلال الله وعظمته ؛ فلا نكيف ، ولا نمثل ، ولا نعطل ، ولا نتجاوز مواقفهم : بإفراط ، أو تفريط ، بتشبيه ، أو تعطيل ؛ وبهذا الأمر كان أهل السنة وسطا بين المشبهة والمعطلة ، كانوا وسطا في باب الصفات بين المشبهة والمعطلة ، فهو يقول : أنا لا أتحول عن منهج السلف في باب الأسماء والصفات ؛ فأثبت لله ما أثبت لنفسه ، وما أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم – ، وأنفي عنه ما نفى عن نفسه ، أو نفاه عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم – ، ولا أتحول عن هذا المبدأ الذي كان عليه السلف الصالح .
(( المتن ))
قُبْحاً لِمَنْ نَبَذَ القرآن وراءَهُ /// وإذا اسْتَدَلَّ يقولُ قالَ الأخطَلُ
(( الشرح ))
قُبْحاً لِمَنْ نَبَذَ القرآن وراءَه ، ويجوز تسهيل الهمزة ؛ فنقول : القران ، وأصلا ( القرآن ) وتسهل فيقال : القران .
من هو الأخطل ؛ حتى نعرف أصحاب هذه العقيدة ؟
الأخطل شاعر نصراني في الصدر الأول في عهد الدولة الأموية ، وهذا الأخطل نصراني ، وهو معروف بسكره وفجره ؛ فضلا عن كونه كافرا نصرانيا .
هناك فرقتان بالأحرى تفرعتا عن الجهمية والمعتزلة ، وهما أقرب الناس إلى أهل السنة ، وهم مسلمون ، لكنهم مبتدعة في هذا الباب ، أي باب الأسماء والصفات ، هاتان الفرقتان يقولون في الصفات بخلاف ما قرره القرآن ، والشيخ – هنا – يقول : أنا أقرر ما قرره القرآن ، ولا أقرر من الأخطل ؛ لأن الأشاعرة ، والماتريدية - نسأل الله لنا ولهم الهداية ، والعودة إلى الصواب - ماذا يقولون في القرآن ؟ إنه عبارة عن كلام الله ! أو حكاية عن كلام الله ، طيب يا مساكين ! لماذا قلتم هذا ؟
قالوا : لأنا لو قلنا : إن القرآن كلام الله على الحقيقة ، للزم من ذلك التجسيم ، والتشبيه ؛ لأن الكلام لا يصدر إلا من لسان ، وأسنان ، وشفتين ، وحنجرة ، وبلعوم ، وحبال صوتية !
أول ما خطر ببالهم التشبيه – والعياذ بالله – ؛ فلما خطر ببالهم التشبيه = انتقلوا إلى بيت الأخطل ، وقالوا : الكلام هو المعنى القائم بالنفس ، وإن الله لا يتكلم حقيقة ، وإنما يتكلم كلاما نفسيا ؛ فإن كان الكلام باللغة العربية سمي قرآنا ، وإن كان بالسريانية سمي إنجيلا ، وإن كان بالعبرية سمي توراة .
طيب ! سؤال يا مساكين ! تعالوا !
أنتم تقولون : عبارة عن كلام الله ؛ من الذي عبر عن الله ؟ أهو رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، أم جبريل – عليه السلام - ؟
يلزمكم أحد أمرين :
إما أن تقولوا بقول المعتزلة ، وأن الله خلقه في الهواء ، وسمعه جبريل من الهواء ، أو النبي – صلى الله عليه وسلم – من الهواء .
وإما أن ترجعوا إلى قول أهل السنة ، وهو أنه كلام الله الذي تكلم به حقيقة على الوجه اللائق بجلاله وعظمته .
هم قالوا : نحن لو قلنا : بأنه الكلام الحقيق لزم منه كذا ، وكذا ، وكذا ، مما ذكرتُه قبل قليل .
طيب ما الحل ؟
قالوا : الحل نقول : إنه حكاية ، أو عبارة عن كلام الله .
القرآن حكاية عن كلام ، أو عبارة عن كلام الله !! من الذي ناب عنه ؟
وهل هو عاجز عن الكلام حتى يُـعَـبَّـر عنه ؟ - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - .
ما زادوا في هذا على أن شبهوا الله بالأخرص الذي لا يستطيع الكلام - تعالى الله عما يقولون علوا كبير - .
وهذه العقيدة من أفسد العقائد ، وكأنهم ينسبون الله إلى العجز ، والخرص ، وعدم القدرة على الكلام ، وهذا أمر في غاية الخطورة .
طيب ! لماذا يا مساكين ؟!
قالوا : يلزم منه كذا ، وكذا ، طيب ! ما دام قلتم : إنه يلزم من الكلام كذا ، وكذا ، يلزم من عدم الكلام ماذا ؟
الخرص ، وعدم القدرة على الكلام ؛ فأنتم فررتم مما تصورتم أنه تشبيه بالموجود ؛ فشبهتم الله بالمعدوم ؛ ولذلك يقول أهل السنة : إن المعطلة يعبدون عدما ، وإن المشبهة يعبدون صنما .
المشبهة - كاليهود - يعبدون أصناما ، الذين قالوا : إن طوله كذا ، وعرضه كذا ، وأنه يستوي كما نستوي ، ويتكلم كما نتكلم ؛ هؤلاء شبهوه بالأصنام ، المعطلة الذين نفوا الصفات شبهوه بالعدم ؛ فأصبحوا يعبدون عدما .
الآن : أنا أسأل سؤالا : يعين لو جاءنا واحد من المعاتيه ، فقال : فلان من الناس ، زيد من الناس ليس في الحرم ، ولا خارج الحرم ، لا فوق الأرض ، ولا تحت الأرض ، ولا في السماء ، ولا في الأرض ، ولا في الشرق ، ولا في الغرب ، ولا أمام لاو خلف ، ولا يمين ، ولا شمال ، ولا فوق ، ولا تحت ؛ النتيجة ماذا ؟ العدم . أن هذا الشيء ما هو إلا أمر خيالي ، وجوده وجود ذهني ، ليست له حقيقة في واقع الأمر ، وهذا ما انتهت إليه المعتزلة في نهاية المطاف ؛ عندما قالوا : لا نقول موجود ، ولا معدوم ، ولا متصل ، ولا منفصل ، ولا فوق العالم ، ولا تحت العالم ، ولا فوق ، ولا شمال ، ولا جنوب ، ولا يمين ، ولا ... إلى آخره .
إذًا النتيجة ماذا ؟ تصبح العنقاء أقرب منه وجودا – المستحيلة – تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا - ، وأصبح قولهم قريبا من قول فرعون مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي } القصص : 38 { .
فإذًا القضية خطيرة جدا ، هم لا يدركون هذه الحقيقة ؛ ولذلك لو سألتهم من الذي عبر عن القرآن : جبريل ، أم محمد ؟
سيسكتون ، لا يجيبون .
إذًا قولكم ، واستدلالكم ببيت الأخطل = استدلال فاسدٌ ، باطلٌ .
ما هو بيتُ الأخطلِ ؟
قال :
إن الكلام لفي الفؤاد /// وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
أولا : هذا البيت لا يثبت في ديوان الأخطل المعروف ، نعم ، الأخطل يقال : إنه من آخر من يحتج بشعرهم في باب اللغة ، والنحو ، لا في باب العلم الشرعي ، يعني في باب اللغة العربية ، ومع هذا فإن هذا البيت لا يوجد في دواوينه .
ثانيا : الأخطل رجل نصراني يعتقد اتحاد اللاهوت بالناسوت ، ومعنى ذلك أن الإله اتحد مع الناس ؛ فلا فرق – حينئذ – بين الإنسان والله – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - ، وهذه ما سرت إلى عقيدة بعض المتصوفة أتباع ابن عربي القائلين بأن :
العبد رب والرب عبد /// فليت شعري من المكلف
إذًا عقيدة نصرانية ، وهو لا يفرق بين الصفة والموصوف ، ولا بين الخالق والمخلوق – حينئذ - ؛ فهل يعتد ، أو يحتج بشعر من كان هذا معتقده ؟!
ثالثا : أن الذي يروى في المشهور :
إن البيان ، وليس : إن الكلام ...
إن البيان لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
يعني يبدأ بفكرة في الفؤاد ، ثم توضح بالكلام ؛ فأصبح - بهذه الرواية – لا حجة فيه لهم .
رابعا : من المعلوم أن الكلام في الصلاة محرم أليس كذلك ؟
ومن تكلم في الصلاة متعمدا = بطلت صلاته ، طيب ! من وسوس ، أو حدثته نفسه ، تبطل صلاته ، أو لا تبطل ؟
لا تبطل ، ومعنى كلامهم – أننا لو قلنا بهذا - الكلام في الفؤاد ؛ لقلنا : كل من حدثته نفسه بشيء بطلت صلاته ؛ لأنه يعتبر متكلما ، يعتبر متكلما بهذا المعنى الفاسد ، وقد أجمع أهل السنة على أن الذي تحدثه نفسُـه ، أو تهجم عليه بعض الوسوسة في صلاته ؛ فإن صلاته صحيحة ؛ لأنه لم يتلكم ، لقول النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( إن هذه الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الناس ) .
فلذلك بطل استدلالهم ببيت الأخطل . فيقرر شيخ الإسلام : إنني أعتقد ما جاء في القرآن من أن الله يتكلم متى شاء ، إذا شاء ، كيف شاء ، وأن القرآن كلام الله الذي تكلم حقيقة : لفظه ، ومعناه - المكتوب في المصاحف ، والمحفوظ في الصدور ، والمتلوُّ بالألسن = كـلُّه كلام الله غير مخلوق ، ولا أقرر ما يقرره الأخطل النصراني ، كما يستدل على ذلك بعض المبتدعة .
(( المتن ))
والمؤمنون يَـرَوْنَ حقـاً ربَّهُمْ /// وإلى السَّمـاءِ بِغَيْرِ كَيْفٍ يَنْزِلُ
(( الشرح ))
قرر في هذا البيت – رحمه الله – مسألتين :
المسألة الأولى : مسألة رؤية الباري – سبحانه وتعالى - ؛ فهو يعتقد – كما يعتقد سائر أهل السنة – أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر ، أو كما يرون الشمس ليس دونها سحاب ، وهذا هو معتقد أهل السنة قاطبة ، وخالف في هذا المعتقد أربع طوائف ، وبعض الطوائف توافقهم – أحيانا - ، وتخالفهم - أحيانا أخرى - .
الطوائف التي أنكرت الرؤية هم : الجهمية ، والمعتزلة ، والرافضة ، والخوارج ، وحري بمن أنكر رؤية الباري – سبحانه وتعالى – يوم القيامة في الجنة أن يحرم منها . يقول الإمام الشافعي – رحمه الله – في معنى قول الله – سبحانه وتعالى – كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } المطفيفين : 15 { ؛ بما أن هؤلاء قد حجبوا عن الله – تعالى - حال السخط ؛ فإن المؤمنين يرونه حال الرضا ، أو كما قال – رحمه الله تعالى - .
فهذه عقيدة أهل السنة والجماعة : أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة رؤية حقيقة ، وقد دلت عليها النصوص من الكتاب ، والسنة ، وإجماع الأمة : أعني إجماع أهل السنة ؛ لأن تلك الفرق لا يعتد برأيها ، ولا بآرائها ، ولا بأقوالها ، ومن شذ شذ في النار .
إذًا أجمع أهل السنة على أن المؤمنين يرون ربهم ، وسنذكر دليلا واحدا من الكتاب ، ومن السنة ، وبيان إجماع الأمة ونمضي .
استدل أهل السنة بأدلة كثيرة من القرآن ، منها قول الله - تعالى – وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } القيامة : 22 – 23 { وجه الاستدلال من الآية من ثلاثة وجوه :
الوجه الأول : أن الله عبر بالوجوه التي هي محل النظر ؛ لأن موقع العينين في الوجه ، والعينان هما محل النظر .
الوجه الثاني : أن الله – تبارك وتعالى – عدى الفعل بحرف ( إلى ) ( إلى ربها ناظرة ) ، الأولى ( ناضرة ) بالضاد ، المقصود : فرحة ، مسرورة ، منبسطة ، نضرة ( نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ؛ فأداها كما سمعها ) .
فـ( إلى ربها ناظرة ) الثاني تعديته الفعل ( نظر ) بحرف ( إلى ) .
الوجه الثالث : خلو الفعل ، أو خلو السياق من قرينة تصرف عن هذا المعنى الذي هو الرؤية الحقيقة إلى معنى آخر .
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } القيامة : 22 – 23 { كما استدلوا بقول الله تعالى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} يونس : 26 { ؛ وهذه الآية فسرها رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ؛ فعن صهيب – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ينادي الله أهل الجنة ، إذا دخل أهل الجنة نادى منادٍ : يا أهل الجنة ! إن لكم موعدا سوف ننجزكموه ؛ فيقولون :
يا ربنا ! ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة ؟ ألم تزحزنا عن النار ؟
قال : بلى ؛ إن لكم موعدا لن تخلفوه ؛ فيتجلى لهم ؛ فيرونه ، وينظرون إليه ، وهذا أفضل نعيم يراه المؤمنون ؛ حيث ينسون كل شيء مع هذه الرؤية ، وأما الأحاديث فهي كثيرة ومنها قول النبي – صلى الله عليه وسلم - : إنكم سترون ربكم ، كما ترون القمر ليلة البدر لا تُـضَـامون في رؤيته ، وفي رواية لا تُـضُأرُّونه ، وفي رواية لا تَـضَامُون أي لا تتزاحمون .
كل كأنه ينظر إليه وحده ، وهم يرونه جميعا ، لكن كل واحد كأنه ينظر إليه مستقلا ، وهذا فضل من الله ، ومنة الله – سبحانه وتعالى - .
فانتبه لهذا ! وانتبه لهذا الاستدلال العظيم !
وهذا محل إجماع بين أهل السنة .
المسألة الثانية : أن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى الثلث الأخير من الليل ؛ فماذا يقول الناس ؟ أو ماذا ينبغي أن يفعلوا في مثل تلك اللحظات ؟
عندما يتجلى ؛ فينزل إلى السماء الدنيا ؛ فيتجلى لعباده ، وينادي : من يدعوني فأستجيب له ، من يستغفرني فأغفر له ، من يسألني فأعطيه .
فأهل السنة يؤمنون بأنه ينزل نزولا يليق بجلاله وعظميته .
كيف ينزل ؟
ينزل كيف يشاء .
متى ينزل ؟
حين يبقى الثلث الأخير من الليل ؟
ما الطريقة التي ينزل بها ؟
الله أعلم .
هل يخلو منه العرش ، أو لا يخلو ؟
الله أعلم .
هذا علمي غيبي .
كيف يأتي والسماوات طباقا ؟
الله أعلم .
استبعد كلمة ( كيف ) فإنها خطيرة ، لو أدخلت نفسك في كلمة ( كيف ) = لما انتهيت إلى الأبد ؛ ولذلك لو قال لنا قائل :
ما دليل النزول ؟
قول النبي – صلى الله عليه وسلم – في الأحاديث المتواترة ( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى الثلث الأخير من الليل ؛ فيقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يستغفرني فأغفر له ، من يسألني فأعطيه ) هو حديث يبلغ حد التواتر المعنوي ؛ ولذلك يجب الإيمان به ، وعدم تكييفه ، أو تفويضه ، نقول : ينزل نزولا يليق بجلاله وعظمته ، مثل الاستواء ، نقول : النزول معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عن الكيفية بدعة = هذا هو ما يجب اعتقاده في نزول الرب – سبحانه وتعالى - ، ولسنا مكـلَّـفين أن نبحث كيف ينزل ؟ ولا كيف يكون ذلك ؟ مع أن النزول عندنا – الآن - غير النزول في أمريكيا ، أو في اليابان شرقا - مثلا - .
إذًا المقصود أن نؤمن بكل ما جاء في الكتاب والسنة ، ولا نناقش بغير دليل ؛ فيجب الإيمان بصفة النزول .
رد: خذ نسختك من شرح الشيخ صالح السحيمي حفظه الله للقصيدة اللامية المنسوبة إلى شيخ الإ
(( المتن ))
وأُقِرُ بالميـزانِ والحَوضِ الذي /// أَرجـو بأنِّي مِنْـهُ رِيًّا أَنْهَـلُ
(( الشرح ))
انتهى المصنف – رحمه الله تعالى – من تقريره للكلام على الأسماء والصفات ، ثم بدأ هذا البيت بتقرير ما يتعلق بمسائل لها علاقة باليوم الآخر ، وهما : الحوض والميزان ؛ فقال :
وأُقِرُ بالميـزانِ والحَوضِ الذي /// أَرجـو بأنِّي مِنْـهُ رِيًّا أَنْهَـلُ
المقصود – يا عبدَ الله – أنه يقرر – رحمه الله تعالى – أنه يؤمن بالحوض والميزان ، والمقصود بذلك الإقرار بكل ما جاء في اليوم الآخر ، من الإيمان بيوم القيامة ، وما جاء في القرآن والسنة من ما يقع فيه من أمور .
ومن بينها : الإيمان بالميزان ، والميزان هو الذي توزن به الأعمال عند الله – سبحانه وتعالى - وهو حق آمن أهل السنة والجماعة ، وخالفت فيه : الجهمية ، والمعتزلة ، وبعض الفرق الأخرى ، وزعموا أن الميزان ، أنه مؤول ، وأولوه بتأويلات فاسدة ، أولوه بالعدل ، ولم يقروا بالميزان ، وأهل السنة والجماعة دائما أسعد بالدليل ؛ لأنهم يقفون عند حدود النصوص ، فيؤمنون بما جاء في الكتاب والسنة ، وقد أجمع أهل السنة على أن الميزان حق ، وأنه يكون في عرصات القيامة ، وأنه توزن فيه الأعمال ، والله أعلم بكيفية الوزن ، لكن نؤمن بأنها توزن ، بأان الأعمال توزن ، أما الكيفية والكُنْهُ فنكله إلى الله - سبحانه وتعالى - .
قال الله جل وعلا – وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } الأنبياء : ٤٧ { .
وقال تعالى فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ } القارعة : 6 -11 { .
وقال – جل وعلا – فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } المؤمنون : 102 – 103 { .
وغير ذلك من الآيات الدالة على ثبوت الميزان ، بل هي موازين ، وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من حديث أبي مالك الأشعري الذي جاء فيه ( .. والحمد تملأ الميزان ) .
وقال – صلى الله عليه وسلم – وهو آخر حديث في صحيح الإمام البخاري : كلمتان خفيفتان على اللسان ، حبيبتان إلى الرحمان ، - الشاهد أين هو ؟ - : ثقيلتان في الميزان .
وثبت من حديث البطاقة أنه توضع ( لا إله إلا الله ) في كفة ، وسجلات الذنوب في كفة ؛ فتطيش السجلات ، وتثقل البطاقة ، التي كتبت عليها ( لا إله إلا الله ) فيدخل الجنة .
وقـول الله – سبحـانه وتعـالى – فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } الزلزلة : 7 - 8 { .
وأهل السنة – كما قلنا – مجمعون على أن الميزان حق ، كغيره مما يقع في عرصات القيامة .
وأنكرتِ المعتزلةُ ومن لَـفَّ لفهم ذلك ، وقالوا : لا يوجد ميزان إلا ميزان الفَوَّالِ ، والبَقَّالِ – والعياذ بالله - ، وأنكروا النصوص الشرعية الثابتة من كتاب الله – عز وجل – وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – ، وأوَّلُوها كما هي عاداتهم .
ثم ذكر الشيخ – رحمه الله – إيمانه بالحوض ، وهذا – أيضا – قد أنكرته المعتزلةُ ؛ لأنهم يُخْضِعُونَ النصوصَ لعقولِهم الفاسدة ، وآرائهم الكاسدة ، ولا يعملون النصوص الشرعية ؛ فإن كانت سنة ردوها ، وإن كانت قرآنا أوَّلُوه – والعياذ بالله - .
فهنا يقرر الإيمان بالحوض ، وهو حوض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، الحوض العظيم الذي طوله مسافة شهر ، وعدد آنيته عدد نجوم السماء ، وهو أشدُّ بياضًا من اللبن ، وأبردُ من الثلج ، وأحلى من العسل ، من شرب منه شربة = لا يظمأُ بعدها أبدًا ؛ ولذلك دعا في آخر البيت أن يسقيه الله – تعالى – منه شربة ترويه بحيث لا يظمأُ بعدها أبدًا ، كما وعد النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – المؤمنين بذلك .
أحاديث الحوض متواترة ، وهو حوض يصب فيه الكوثر - يشخب فيه إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ } الكوثر : 1 – 3 { .
ولكل نبي حوض ، وأكبرها وأعظمها حوض نبينا – صلى الله عليه وسلم – .
ثبت في الصحيح أنه يدفع عنه أقوام ، ويذاذون عنه ، ويختلجون دونه ؛ فيقول الني – صلى الله عليه وسلم – : ربي ! أمتي ، أمتي .
فيقال : إنهم ليسوا من أمتك . إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ؛ إنهم غيروا وبدلوا .
فيقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : سحقا ! سحقا ! لمن غَيَّرَ ، وبَدَّلَ .
ومعنى ( سحقا ) أي : بُعْدًا ، بُعْدًا لمن غَيَّرَ ، وبَدَّلَ .
وتزعم طائفة الرافضة أن بعض الروايات التي جاء فيها ( أصحابي ! أصحابي ! فيذاذون عنه ) أن المراد بذلك أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ؛ الذين عاصروه ؛ وهذا دجل وقلة حياءٍ في حق الصحابة – رضوان الله عليهم أجمعين - ، ومن وصف الصحابة بذلك = فهو أوْلَى بالرد عن الحوض ، والذوذ عنه ، والاختلاج دونه ؛ لأن الصحابة – كما بَيَّنا – هم أفضل هذه الأمة بعد نبيها – صلى الله عليه وسلم – :
فمن تنقصهم = فهو المُتَنَقَّصُ .
ومن كفرهم = فهو الكافر .
ومن اعتقد ارتدادهم = فهو المرتد .
ومن حط من أحد منهم ، أو تنقصه = فهو أحق بالحطَّ والتنقص .
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : أنا فرطكم على الحوض .
معنى فرطكم أي : أسبقكم إليه ، والـفَـرَطُ هو الذي يسبق غيرَه ؛ ولذلك يسمى الطفل الذي يموت صغيرا : فَرَطًا ؛ ولذلك جاء في دعاء الجنازة في الصلاة على الطفل : اللهم اجعله فَرَطًا ، وشفيعا ، وذخرًا لوالده .
فمسألة الحوض متواترة روي عن أكثر من سبعين صحابيا ، ولا ينكره إلا مُلْحِدٌ .
(( المتن ))
وكذا الصِّراطُ يُمَدُّ فوقَ جَهَنَّمٍ ///فَمُسَلَّمٌ نَـاجٍ وآخَـرَُ مُهْـمَـلُ
(( الشرح ))
يقرر – في هذا البيت – وجوب الإيمان بالصراط ، والصراط هو جسر ينصب على متن جهنم – كما سمعنا قبل قليل في آيات مريم - وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} مريم : 71 – 72 { ، وهو جسر صغير في حجمه ، لكنَّ المؤمنين يثبتون عليه ، ودعاءُ الأنبياء أثناء المرور على الصراط ( اللهم سلم سلم ) ، والناس يمرون عليه بحسب أعمالهم : فمنهم من يمر كالبرق الخاطف ، ومنهم من يمر كأجاود الخيل ، ومنهم من يمر كالريح ، ومنهم من يعدو عدوًا ، ومنهم من يركض ركضًا ، ومنهم يزحف زحفا ، ومنهم من يريد العبور ؛ فتتخطفه كلاليب جهنم فيكردس فيها – والعياذ بالله - .
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يتجاوز الصراط بسلام ؛ انتبهوا دعاء الأنبياء كيف ؟ ( اللهم سلم سلم ) .
فالصراط حق يجب الإيمان به ، وقد جاء بيانه في القرآن وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا } مريم : 71 { أي المقصود المرور عليها ؛ لأن هذا الجسر يقسم جهنم نصفين ، فيمر الناس عبره ، أو من خلاله على حسب أعمالهم .
وكذلك : هذا أنكرته المعتزلة ، وأنكرته بعض الطوائف الضالة ، والحق أنه جسر ثابت ينصب على متن جهنم ، يمر الناس من فوقه ، ولا يضر المؤمنين ؛ فإنهم يمرون كصلاة يؤديها أحدُنا ، وأما الكافرون فإنهم يكردسون في النار ، يلقون فيها ، ولا يستطعون المرور على الصراط ، نسأل الله أن يقينا وإياكم أهوال ذلكم اليوم .
(( المتن ))
والنَّارُ يَصْلاها الشَّقيُّ بِحِكْمَةٍ ///وكذا التَّقِيُّ إلى الجِنَانِ سَيَدْخُلُ
(( الشرح ))
في هذا بيان أن الشيخ يؤمن – كما يؤمن أهل السنة قاطبة – بأن المؤمنين سيدخلون الجنة ، وأن الكفار سيدخلون النار ، وأن الناس تتفاوت دراجاتهم ، في ذلك ، كما أن دركات أهل النار تتفوت ، والجنة حق ، والنار حق ، يجب الإيمان بهما ، وأنهما مخلوقتان موجودتان - الآن - ، وأن الله قد أقسم أنَّ لكل واحدة منها مِلْأََهَا لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } هود : 119 { و } السجدة : 13 { .
فلكل عليه ملؤها ، كما وعد – سبحانه وتعالى - وهو لا يخلف المعياد .
فأما الجنة فيدخلون إلى الرحمان وفدا ، وكلمة وفد تشعر بالهدوء ، والطمأنينة ، والاستقرار ، والكافرون يحشرون إلى جهنم وردا كناية عن السرعة ، وسرعةالانغماس فيها – والعياذ بالله – والتكردس فيها ؛ ولذلك قال عن أهل الجنة حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } الزمر : 73 { .
انتبهت ؟! الواو تدل على الطمأنينة ، والهدوء ، والأمن ، لكن الكفار قال :حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } الزمر : 71 { – والعياذ بالله - نعوذ بالله وإياكم من هذا المصير - . ما فيه إمهال ؛ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا } الزمر : 71 { .
إذًا الجنة والنار حق مخلوقتان موجودتان - الآن - ، ومن أنكرهما كفر ؛ لأنهما ضمن الإيمان باليوم الآخر الذي هو أحد أركان الإيمان الستة ، ومن أدلة وجود الجنة – الآن - قول الله - عز وجل - ﭽأُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} آل عمران : 133 – 134 { ، وكذا قول الله - عز وجل - أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} الحديد : 21 { ، ومن السنة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( لقيت ليلة أسري بي إبراهيم ؛ فقال : اقرئ أمتك مني السلام ، وأخبرهم بأن الجنة قيعان ، وأنها طيبة التربة ، وأن غراسها : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر .
وقول النبي – صلى الله عليه وسلم – ( اطلعت على الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، واطللعت على النار فرأيت أكثر أهلها النساء ) .
ووصفه – صلى الله عليه وسلم – للمجاهدين الخُـلَّص وبشارتهم بالجنة في القرآن وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } آل عمران : 169 { . الذين جاهدوا لتكون كلمة الله هي العليا ، وليس أصحاب المطامع ، ولا أصحاب التوجهات الذين يكفرون عباد الله الصالحين ، ويزعمون أنهم على الحق ، وغيرهم على الباطل .
وكذلك ما جاء في وصف نعيم القبر(*) ، وما أعد الله للمتقين من نُزُل ومن ذلك قول الله – تعالى - إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ } فصلت : 30 – 32 { .
كل هذه أدلة على أن الجنة موجودة مخلوقة ، وكذلك النار قال الله – تعالى - إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا } النبأ : 21 { ، وقال – تعالى - ﭽوَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } آل عمران : 131 { ، وقال – تعالى – في شان آل فرعون النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِﭼ } غافر : 46 { ، وما رآه النبي – صلى الله عليه وسلم – من أهوال ليلة أسري به ، وما رآه من خندق من النار يوم أن كسفت الشمس ، وما أخبر به – صلى الله عليه وسلم – عندما مَـرَّ بقبرين فقال : إنهما ليعذبان .
وقوله – صلى الله عليه وسلم – : لو ترون ما أرى لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا ، وغير ذلك من الدلائل على وجود النار – الآن – خلافا لمن تزعمه المعتزلة من أن الجنة والنار لم تخلقا بعدُ .
وقد سمعنا الأدلة على ذلك ، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل – كما يقال - .
(( المتن ))
ولِكُلِّ حَيٍّ عاقـلٍ في قَبـرِهِ ///عَمَلٌ يُقارِنُـهُ هنـالك وَيُسْـأَلُ
(( الشرح ))
والمقصود وجوب الإيمان بأن القبر أول منازل الآخرة ؛ ولذلك هناك عبارة خطيرة يتناقلها الناس عندما يموت أحد من الناس عندما يقولون : ( قد نقل إلى مثواه الأخير ) !!
هذا عند من لم يؤمن بالبعث ، أما المؤمنون فلا يسمون ذلك المثوى الأخير ، بل هو أول منازل الآخرة ، ومن مات فقد قامت قيامته ، وهو أول منازل الآخرة ، وهو إما أن يكون روضة من رياض الجنة – جعلني الله وإياكم من أهلها - ، وإما أن يكون حفرة من حفر النار – عافاني الله وإياكم منها – ؛ لذلك فإنه يجب الاستعداد ليوم المعاد ، الاستعداد ليوم التناد ، الاستعداد لذلكم اليوم الذي تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } الحج : 2 { ؛ فلا بد من الاستعداد لذلك اليوم بالعمل الصالح الذي يقرب إلى الله – سبحانه وتعالى – .
هذا هو خلاصة ما يتعلق بتقرير الشيخ الإيمان بالجنة والنار ، وأن ذلك أمر ثابت ، وأن المؤمنين سيدخلون الجنة ، حتى ولو كانوا من أهل المعاصي - في نهاية المطاف سيدخلون الجنة بعد تطهير وتمحيص ، وأما الكفار فليس لهم نصيب إلا النار - والعياذ بالله - .
(( المتن ))
هذا اعتقـادُ الشافِعيِّ ومالكٍ /// وأبي حنيفـةَ ثم أحـمدَ يُنْقَـلُ
(( الشرح ))
يبين الشيخ – رحمه الله تعالى – أنَّ مَا تَقَدمَ من تقرير عقيدة السلف من الإيمان بالقرآن والسنة ، والإيمان بحب الصحابة أجمعين ، والإيمان بأسماء الله وصفاته ، والإيمان بالقرآن ، وأنه كلام الله ، والإيمان بالرؤية : رؤية ربهم يوم القيامة ، والإيمان باليوم الآخر ، وما أعده الله للمتقين ، وما أعده للكافرين ، كل ذلك عقيدة السلف الصالح أجمعين : أهل السنة والجماعة ، لايحيدون عنها يمينا ، ولا شمالا ، وذكر منهم الأئمة الأربعة : أبو حنيفة النعمان المتوفى سنة مئة وخمسين ، والإمام مالك المتوفى سنة تسع وسبعين ومئة ، والإمام الشافعي المتوفى سنة أربع ومئتين ، وأحمد بن حنبل المتوفى إحدى وأربعين ومئتين ، وغيرهم ممن هم على منهجهم من أهل السنة والجماعة .
فهذه عقيدة أهل السنة قاطبة ، التي يجب أن يثبت عليها المرء المسلم ؛ ولذلك هو يقول : ما سمعتم ، وما قررتُه في هذه القصيدة من عقيدة = إنما هي عقيدة السلف الصالح ، وعلى رأسهم الأئمة الأربعة الْـمُـتَّـبَعو ن الذين يقتدي بهم المسلمون ، ويقتدون بغيرهم من أئمة الهدى والدين ، وليس المراد أن ذلك قاصر على هؤلاء الأربعة ، لكن هؤلاء الأربعة – رحمهم الله – ممن بارك الله في فقههم ، وجعل لهم مكانة خاصة بين المسلمين ؛ لما هم عليه من اجتهاد فقهي ؛ ولما هم عليه من خير ؛ فلذلك هذه عقيدتهم ، وهذا هو منهجهم الذي يسيرون عليه ، ونسأل الله وإياكم الثبات عليه إلى أن نلقى الله – سبحانه وتعالى - ، وفي هذا إشارة إلى أن الأئمة الأربعة ليس بينهم اختلاف في باب العقيدة ، ليس بينهم أي خلاف في العقيدة ، وهم ضد من يعتقد خلاف الحق ، ضد من يتبين له أنه على خلاف الحق ، وهم على قلب رجل واحد ، وهم لم يفرقوا الأمة إلى أربع طوائف كما يتصوره البعض ، يأتيك واحد جاهل مسكين يقول : يا أخي أنا كيف أطوف وأنا على مذهب الشافعي ، والإمام الشافعي يرى أن من مس المرأة فقد انتقض وضوؤه ، وأنا مضطر أن أمسك بزوجتي ، أو أختي ، أو بنتي ، أو أمي ؟
فالأمر ميسور ؛ الصحيح أن اللمس لا ينقض الوضوء في أرجح أقوال أهل العلم .
إذًا يجب أن نسير على منوالهم ، وأن ننهج نهجهم أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ } الزمر : 18 { .
(( المتن ))
فإِنِ اتَّبَعْتَ سبيلَهُمْ فَمُوَفَّقٌ /// وإنِ ابْتَدَعْتَ فَما عَلَيْكَ مُعَـوَّلُ
(( الشرح ))
يشير بهذا إلى أن من اتبع سبيل الأئمة الفضلاء في القرون المفضلة = فهو الناجي ، وهو السالم من الهلاك ، إن اتبعت سبيل هؤلاء المؤمنين = فأنت على خير . قال الله – عز وجل – وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } النساء : 115 { .
وقال تعالى أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ } الزمر : 18 { .
وقال تعالى وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} الحشر : 10 { .
فمن سار على نهجهم واتبع سبيلهم = فهو على خير ، ومن حاد عن سبيلهم = فقد حاد عن سبيل المؤمنين ، وبذلك يوليه اللهُ ما تولى ، ويصليه جهنم وساءت مصيرا .
فانتبه – يا عبدَ الله ! – وسِرْ على نهجهم ، أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ } الأنعام : 90 { ، فَلْنَسِرْ على هديهم ، ولنجتهد في سلوك طريقهم ، حيث اتخذوا القرآن والسنة : عقيدةً ، وشرعةً ، وأحكامًا ، وآدابًا ، وحدودًا ، وعبادةً ، ومعاملةً ، ومنهجَ حياة .
بهذا – أيها الإخوة – نختم هذه اللامية القصيرة في مبناها ، والعظيمة في معناها ، وحبذا لو أننا جميعا حفظناها ؛ فحفظها لا يصعب ، وهي تلخص لك بعض معتقدات السلف التي يجب التنبه لها ، واعتقادها ، والتي خالف الكثيرُ من الطوائف فيها ، واتبعوا غيرَ سبيل المؤمنين ، وسار البعض على مخالفة هؤلاء الأئمة الذين يؤمنون بالقرآن ، ويعملون به ، ويؤمنون بالسنة ويعملون بها ، ويطبقون ذلك في نواحي الحياة كافةً : في سلوكهم ، في عقيدتهم ، في عبادتهم ، معاملاتهم ، في سائر سؤون حياتهم .
وهم السائرون على منهج الصحب الكرام كما قال عبد الله ابن مسعود – رضي الله عنه – ( من كان مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ) ، يعني بذلك أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – فإنهم ( أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، وأحسنها حالا ) .
أولئك الصحاب الكرام الذين قال فيهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ( لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه ) .
والتي تُقَدَّمُ أقوالهم على أقوال من سواهم بعد قول الله ، وقول رسول – صلى الله عليه وسلم - .
فلنجتهد ولنتأس بهم ، أعلام الهدى ، ومصابيح الدجى ، أولئك الذين ذاقوا حلاوة الإيمان الحق ؛ حيث جالسوا وشافهوا وتلقوا مباشرة الوحيَّ غضا طريا من فِيّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم - .
فلنتأس بهم ، ولنقتدِ بأقوالهم وأفعالهم ، ولْنَسِرْ على منوالهم ؛ فإن أحدَنا لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مدَّ أحدهم ، ولا نصيفه .
وأحث الإخوة على حفظ مثل هذه المتون .
وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقني وإياكم إلى ما فيه رضاه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
انتهت
تنبيهات :
1 - إذا ذكر الشيخ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر الصلاة والسلام ؛ فإني أذكرها بصيغة – صلى الله عليه وسلم – .
2 - إذا أعاد الشيخ البيت كاملا في أول الشرح ؛ فإني لا أذكره ، بل أذكر الشرح مباشرة ؛ إلا أول بيت فقد أعدته .
3 - يعيد القارئ في بداية كل درس الأبيات التي تم شرحها ؛ فلم أثبت ذلك .
4 - حذفت البسملة والحمدلة وما أشبه ذلك من بداية كل درس إلا الدرس الأول .
5 - يوجد اختلاف في بعض الأبيات ؛ لاختلاف النسخ ؛ فاكتفيت بما قرأه القارئ على الشيخ .
6 - حذفت بعض الكلام ! كأن يسأل الشيخ سؤالا ، أو يريد أن يذكر شيئا ؛ فيذكر بعضه ، ثم يعرض عنه ، أو يذكره لاحقا .
قال ( أشرف ) : انتهيتُ من تفريغ هذه المادة وتصحيحها ، ومراجعتها بعد منتصف ليلة الأربعاء المسفر صبحها عن (25/المحرم/لعام1430 هجرية ) الذي يوافقه من التاريخ الصليبي (21/1/2009) .
ومن هنا على ملف بي دي إف
والحمد لله رب العالمين .
.[/SIZE][/FONT] [FONT="Comic Sans MS"][SIZE="6"]بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ؛ أما بعد : فهذا تفريغ آخر - وفقني الله - سبحانه وتعالى - لتفريغه ، وهأنذا أقوم بتنزيله ابتغاء حصول النفع من ورائه .
وهناك عدة تفريغات يسر الله إتمامها ومراجعتها - سأقوم بتنزيلها على الشبكة ، وغيرها من الشبكات ؛ ليعم النفع ، والآن مع الشرح :
شَرْحُ فَضِيلَةِ الشَّيْخِ صّالِحٍ السُّحَيْمِيِّ
لِلْقَصِيدَةِ اللَامِيَّةِ
الْـمَنْسُوبَةِ إِلى شَيْخِ الإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةِ – رَحِمَهُ اللهُ –
بسم الله الرحمان الرحيم
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا .
من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .
وأشهد أن محمدا عبدُه ورسولُه – صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه أجحمعين .
ثم أما بعد :
فقد رأى بعض الإخوة أن نشرح - في هذين اليومين ، أو لعلنا ننتهي منها اليوم : الصباح والليلة المغرب - قصيدة اللامية لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – حول بعض مسائل العقيدة ، وهي قرابة ستة عشر بيتا ، لعلنا أن نجتهد في أن نخلص ، أو ننهيها الليلة العشاء - إن شاء الله - .
ودراسة كتب السلف والمتون الشرعية لها فوائد عظيمة تربط طالب اللعم بالسنة . بهدي النبي – صلى الله عليه وسلم - ؛ ولذلك فإن التركيز على مثل هذه المتون = نافع جدا للمسلمين عامة ، ولطلبة العلم خاصة .
ونبدأ مباشرة – إن شاء الله – في هذه القصيدة اللامية ، ونجتهد في شرحها باختصار – إن شاء الله تعالى - .
المقدمة
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، وعلى آله وأصحابه ومن والاه – فهذه قصيدة اللامية لشيخ الإسلام ابن تيمية ، وهي زهرة من بستانه اليانع بالأزهار ؛ ليشم عبقها وعبيرها أهل السنة والآثار ، وهي شوكة وغصة وسهم من كنانيته في حلوق أهل الزيغ والضلال ، يعلن فيها عن مذهبه واعتقاده ليستنار ، ويخصم بها كل مشبه ومعطل وجبار .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - يرحمه الله – في قصيدته اللامية .
(( المتن ))
يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي /// رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسْأَل
(( الشرح ))
بدأ الشيخ – رحمه الله تعالى - بهذا البيت :
يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي ///رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسْأَل
بدأ – رحمه الله تعالى – بمخاطبة إخوانه المسلمين الذين يسألونه عن مذهبه ، وعقيدته ؛ لأن البعض يشكك ، ولا سيما أولئك الذين ابتلوا بالانحراف في العقيدة ، بالوقوع في البدع والخرافات ، بل وربما أحيانا في الشركيات ؛ فإنه أراد أن يبين لهم معتقده هذا ؛ حتى يتضح أنه موافق لهدي النبي – صلى الله عليه وسلم – .
والعقيدة هو ما يعقد عليه القلب ، قد تكون عقيدة فاسدة ، وقد تكون صالحة ؛ ولذلك فإنها تتضح من خلال توجه صاحبها ، فمن اعتقد منهج أهل السنة والجماعة وسار على ذلك = فهي العقيدة الصحيحة السُّـنية السلفية ، ومن حاد عن ذلك = فهي عقيدة خرافية ، بغض النظر عن قربها ، أو بعدها من هدي الإسلام ، بحسب حال صاحبها ، والمذهب هو المنهج الذي يسير عليه المرءُ : في الفقه ، في السلوك ، في التعامل ، في العبادة ، في الحدود ، في الأحكام ؛ فالمذهب هو الطريقة ، ولا يلزم إذا قيل : مذهب فلان كذا من السلف ، أو مذهب أهل السنة كذا ؛ أن يكون مذهبا يختص به دون غيره من أهل السنة ، وإنما المراد أنه يتمذهب ويسير على طريقة أهل السنة والجماعة : قولا ، وعملا ، واعتقادا ، فلا يحيد عن ذلك قِـيدَ أُنملة ، يلزم السنة ، يتمسك بها ، يعض عليها بالنواجذ ، بكل ما يستطيع .
وشيخ الإسلام : أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن يتيمة المتوفى سنة ثمان وعشرين وسبع مئة = معروف بجهاده : بلسانه ، وقلمه ، ونفسه ؛ فقد شارك في الجهاد ضد التتار والمغول ، وشارك بجهاده في الذب عن العقيدة ، وتقرير عقيدة السلف ، ودحض شبه المشبهين ، كما شارك بقلمه السيال في إثراء المكتبة الإسلامية بما صفا ، وطاب من منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة ، والفقه ، والسلوك ، ومن ذلك : هذه القصيدة .
ثم بعد أن نادى سائله ليبين له عقيدته ، بـيَّـن أن مَـن رُزِقَ الفقه في الدين = هو االذي يهدى – يهديه الله إلى عقيدة السلف الصالح ، ويسأل عنها ؛ ليعض عليها بالنواجذ ، وليسير عليها ، وليلزمها ؛ لأنه طريق الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين َ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } النساء : 69 { ومن شذ عن هذا المنهج فهو متبع لغير سبيل المؤمنين ، قال الله – عز وجل - وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}النساء :115 {.
ولذلك :
فإن كل خير في اتباع من سلف /// وكل شر في اتباع من خلف
(( المتن ))
اسمَعْ كَلامَ مُحَقِّقٍ في قَـولـِه /// لا يَنْـثَني عَنـهُ ولا يَتَبَـدَّل
(( الشرح ))
يبين لمخاطَـبه بأن كلامه الذي سيقوله = هو الكلام الحق الذي لا مرية فيه ، وأنه ثابت عليه ثبوت الجبال الراسيات ، وهذا هو الذي يجب أن يكون عليه كل مؤمن ، بأن يتمسك بالعقيدة الصافية المستمدة من كتاب الله – جل وعلا – ، وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم - وفق منهج السلف الصالح ؛ فهو يقول : أيها الأخ المسلم الذي تبحث عن الحق عليك أن تسمع ما أقوله ، والذي أخذته من كتاب الله – جل وعلا - وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – والذي لا يثنيني عنه أي ثانٍ ، ولا يمنعني من سلوكه – طالما توكلت على الله - جل وعلا - ، واعتمدت عليه ، واستعنت به وحده ؛ فإنني أسير على هذا المنهج الحق الذي عليه النبي - صلى الله عليه وسلم – وأصحابُه ، وهكذا ينبغي – بل يجب – أن يكون هذا شأن كل مسلم ، يجتهد في اتباع منهج السلف ، بعد أن يتعلم ، ويتفقه في دين الله ؛ لأن الفقه في دين الله = يحمي الله به المؤمن من الإفراط والتفريط ؛ لأنه المنهج الوسط الذي كان عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابُه أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ } الأنعام : 90 { .
فعليك – يا عبدَ اللهِ ! – أن تلزم هذا المنهج ، وأن تسير عليه ، وسنبين طريق السير عليه ، كيف يكون ، وما أسبابه - بإذن الله – تبارك وتعالى – .
وأن لا يثنيه عنه أيُّ أمر إلى أن يلقى الله – تبارك وتعالى – وهو على ذلك ؛ وذلك بالاعتماد على الله ، والتوكل عليه ، وسؤاله الثبات على الحق ؛ ولذلك أمرنا أن نسأل الله الثبات في السجود ( اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينتك ) وقال – صلى الله عليه وسلم – أيضا - : ( إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابيع الرحمان يقلبها كيفما شاء ) .
فعلى المسلم أن يجتهد في السير على منهج السلف الصالح ، بعيدا عن الإفراط والتفريط ؛ لأن هذا هو الطريق السوي الذي يقرب إلى الله – عز وجل - ، وهو طريق النجاة ، وهو طريق الفرقة الناجية ، والطائفة المنصورة ، والجماعة المؤمنة التي تسعى أن تكون ثابتة على هدي النبي – صلى الله عليه وسلم - .
فنسأل الله أن يثبتنا وإياكم عليها .
(( المتن ))
حُبُّ الصَّحابَةِ كُـلِّهُمْ لي مَذْهَبٌ /// وَمَوَدَّةُ القُرْبى بِها أَتَوَسّــل
(( الشرح ))
من المعلوم في الشرع أن أحد أنواع التوسل المشروعة هي التوسل بالعمل الصالح ؛ لأن التوسل – كما تعلمون – رحمني الله وإياكم – على ثلاثة أقسام :
الأول : التوسل بأسماء الله وصفاته ؛ كقول النبي – صلى الله عليه وسلم – ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ) .
الثاني : التوسل إلى الله بالعمل الصالح كقول الله – سبحانه وتعالى – حكاية عن الحورايين رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } آل عمران : 53 { .
وقول النبي – صلى الله عليه وسلم – عندما سمع رجلا يدعو قائلا : اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ) قال – صلى الله عليه وسلم - : لقد دعا اللهَ باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي به أجاب .
وقد جمع في هذا الدعاء بين التوسل بأسماء الله وصفاته ، والتوسل بالأعمال الصالحة .
والعمل الصالح الذي يتوسل به لابد له من شرطين :
- أن يكون خالصا لوجه الله .
- أن يكون موافقا لهدي النبي – صلى الله عليه وسلم - .
الثالث : التوسل إلى الله – تعالى – بدعاء المسلم الصالح الحي القادر على الدعاء ، كما جاء في حديث استسقاء الصحابة – رضوان الله عليهم - بدعاء عمر بن الخطاب ، وفي حديث الرجل الذي في الصحيحين الذي جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال : يارسول الله ! هلكت الأموال ، وتقطعت السبل ، فادع الله أن يغيثنا ، وغير ذلك من أدلة التوسل إلى الله بدعاء المسلم الصالح .
وكانوا في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – يتوسلون بدعائه ، وبعد وفاته – عليه الصلاة والسلام – يختارون من يتوسمون فيه الصالح ؛ فيطلبون منه الدعاء في الاستسقاء وغيره ، ولم يتوسلوا به بعد وفاته – صلى الله عليه وسلم – ؛ لعلمهم أن المقامَ مقامُ دعاءٍ .
فهنا : شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى - يتوسل بأمرين ، يتقرب إلى الله بأمرين :
الأمر الأول : حب أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ؛ لأنه من الأعمال الصالحة ، من أعمال القلوب ؛ حب أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وهو من أعمال القلوب .
الأمر الثاني : حب آل البيت ؛ لأنهم لهم ميزة خاصة على غيرهم ؛ فيجب أن يُـحَـبَّ المؤمن منهم محبة خاصة ؛ فلذلك هو يتوسل إلى الله بهذين الأمرين ، والتوسل إلى الله بالأعمال الصالحة = من أنواع التوسل المشروع ؛ ولذلك يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : آية الإيمان حب الأنصار ، وآية النفاق بغض الأنصار .
الصحابة الكرام !
والصحابي : هو كل من لقي النبي – صلى الله عليه وسلم – مؤمنا ] به [ ، ومات على ذلك ، ولو تخللت ذلك ردة على الصحيح .
وأصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – كلهم عدول ، يجب توليهم ، والترضي عنهم ، وحبهم ، واعتقاد عدالتهم ، وتفضيلهم على كل الناس بعد رسول – صلى الله عليه وسلم – ، والأنبياء .
فهم صحبه الكرام ، لا نفرق بين أحد منهم ، كما فعل ذلك أهل الزيغ والبدع والضلال ، وإنما نتولاهم جميعا بلا استثاء ، وعلى رأسهم العشرة المبشرون بالجنة ، وعلى رأس هؤلاء العشرة الخلفاء الراشدون : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي – رضي الله عنهم - .
وبعد العشرة يأتي أهل بدر .
ثم المهاجرون .
ثم الأنصار .
ثم أهل بيعة شجرة الرضوان .
ثم من أسلم قبل الفتح .
ثم من أسلم بعد الفتح .
فيجب توليهم جميعا ، وقد تجاوزا مئة وعشرين ألفا يوم حجة الوداع .
ولا يجوز أن نفرق بينهم ، كما يفعل أهل الزيغ والضلال ، وأهل البدع والانحلال ، بل الصحابة كلهم عدول = يجب توليهم جميعا .
ومن كفرهم جميعا = فهو كافر .
ومن اعتقد ارتداتهم = فهو المرتد .
ومن سب أحدا منهم = فهو المسبوب .
ومن نال من أحد منهم = فهو مبتدع ضال مارق .
رضي الله عنهم ، وأرضاهم ، وأخزى الله من أبغضهم وقلاهم .
ولذلك شيخ الإسلام – هنا – يبين - في هذا البيت - أنه يتقرب إلى الله بحبهم ، والتقرب بحب الصالحين = عمل صالح ، ليس المراد بالتقرب : التمسح بالصالحين ، أو التعلق بهم من دون الله ، أو دعائهم ، أو الاستغاثة بهم ، لا الصحابة ، ولا غير الصحابة ، ولا الأنبياء .
حتى الأنبياء لا يستغاث بهم ، ولا يدعون من دون الله ، ولا الصحابة ، ولا الصالحون ، ولا الأولياء ؛ فالاستغاثة بهم ، أو دعاؤهم من دون الله = شرك أكبر = يخرج من حظيرة الإسلام ، لكننا نتوسل إلى الله بحبهم ، وهو التوسل المشروع ، وحبهم = عمل صالح من أعمال القلوب الصالحة ؛ ولذلك يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : من السبعة الذين يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله : رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه .
ويقول – صلى الله عليه وسلم – : ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار .
تنبهتم إخوتي ؟!
ولذلك فإن حب جميع المسلمين المخلصين ، أهل السنة = عبادة ، وعمل يقرب إلى الله – سبحانه وتعالى – .
فيجب أن نحب المسلمين أهل السنة لإسلامهم ، المسلمين : أهل السنة ، المستقيمين على طاعة الله ، السائرين على هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وعلى رأسهم – كما ذكرنا – أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ؛ الذين بهم قام القرآن ، وبه قاموا ، وبهم نطق القرآن ، وبه نطقوا = أولئك الأفذاذ الذين نضَّرَ الله وجوههم بصحبة النبي – صلى الله عليه وسلم – ، والتلقي عنه مباشرة ، فهم نقلة السنة ، وهم نقلة القرآن ، وهم نقلة الإسلام ؛ فالنيل منهم = نيل من الإسلام كله ، وتنقصهم تنقص للدين كله ، وسبهم سب للدين ، وتوليهم تولي لدين الله ؛ فيجب أن نواليهم ، وأن نوالي من يواليهم ، وأن نحبهم ، وأن نحب من يحبهم ، وأن نبغض من يبغضهم ؛ رضوان الله عليهم أجمعين ، وقاتل الله من نال منهم ، أو سبهم ، أو شتمهم ، ولعن الله من كفرهم – أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – : أعلام الهدى ، ومصابيح الدجى .
اسمع بعض ما ورد في فضلهم من آيات القرآن الكريم :
قال الله – عز وجل - في حق المهاجرين لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} الحشر : 8 {هؤلاء المهاجرون .
وقال في الأنصار وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الحشر : 9 {
ثم قال في حق بقية الصحابة وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } الحشر : 10 { .
ومما يجدر التنبيه له : الكف عما شجر بينهم ، ومما حصل من فتن ، بسبب من اندسوا في الإسلام من أمثال عبد الله بن سبأ اليهدوي – قاتله الله - ، وغيره من المندسين ؛ فحدثت فتن في عهد الصحابة ؛ فلا يجب أن نلوك أعراضهم ، ولا يجوز أن نستغل هذه الأحداث للنيل من أحد منهم ، سواء ما جرى في وقعة الجمل بين علي ، وطلحة ، والزبير – رضي الله عنهم أجمعين - ، وأم المؤمنين الطاهرة المطهَّرة ، الصدِّيقة بنت الصديق عائشة – رضي الله عنها - ، أو ما جرى بين علي ، ومعاوية ، وعمرو بن العاص – رضي الله عنهم أجمعين – في صفين ، وفي غير صفين ، بل يجب أن نكف عن الخوض في هذه القضايا ، إلا بقدر ما تذكر الواقعة ؛ لبيان الواقع ؛ للتحذير من الفتن ، ثم الكف عن ذلك بعدُ ، ولا يجوز أن نعتمد على روايات المسعودي ، واليعقوبي الرافضيين فيما يتعلق بما جرى بين الصحابة ؛ فإن أكثر ما ينسب ، وينسج في هذين الكتابين ، من روايات الواقدي ، والكلبي ، وغيرهما = كله لا يصح ، وإنما هي من مخترعات أهل البدع والزيغ والضلال ؛ فيجب أن نحذر من ذلك ، وأن نكف عما شجر بين الصحابة .
يقول علي – رضي الله عنه – بعد انتهاء موقعة الصفين والجمل ، وغيرهما ، وبعد أن ندم الصحابة على ما جرى بسبب بعض المندسين ، يقول علي – رضي الله عنه - : إني لأرجو أن أكون أنا ، وطلحة ، والزبير ، ومعاوية ؛ ممن قال الله فيهم وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ } الحجر : 34 { .
ونزعنا ما صدورهم من غل – رضي الله عنهم ، وأرضاهم ، وأخزى الله من أبغضهم وقلاهم - .
يقول عمر بن عبد العزيز – رحمه الله - : أولئك قوم طهر الله أيدينا ، وسيوفنا من دمائهم ؛ فلنطهر ألسناتنا من أعراضهم .
وأكثر الروايات التاريخية التي تتداول في مدارسينا – ويا للأسف ! – أكثرها غير صحيحة ؛ ولذلك يجب على المسلم أن يأخذ الروايات المحقـقَّـة الصحيحة ؛ ويكاد قسم التاريخ في الجامعة الإسلامية – ولله الحمد والمنة – بالمدينة النبوية ، أن يغطي كلَّ هذه الأحداث مع الدقة في البحث عن الروايات الصحيحة ، وتفنيد الروايات الباطلة ، ولا سيما ما نسجه المبتدعون ، والمنحلون حول قضية التحكيم ، وما زيد فيها ، ونقص ، وما حيك حولها من حكايات باطلة لا تصح ، ولا تثبت عن الصحابة ، ومن أراد التوسع في هذا فليقرأ كتاب ( العواصم من القواصم ) لابن العربي ، وليس النكرة ابن عربي ! ابن العربي المالكي الإشبيلي المعارفي القرطبي أبو بكر – رحمه الله تعالى - في كتابه المعروف بـ ( العواصم من القواصم ) ، واقرأوا من الكتب الحديثة كتاب ( الانتصار للصحب والآل في الرد على السماوي الضال ) لأخينا فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم الرحيلي – حفظه الله – .
وكثير من الكتب في الرد على المبتدعة في هذا الباب ؛ فينبغي للمسلمين أن يتنبهوا .
أغرب ما مر عليّ في هذا الباب أن باحثا أكادميا ، أستاذا جامعيا أرسل إليَّ بحثا من بلد ما من بلاد المسلمين يريد أن أقومه له ؛ ليترقى به إلى درجة أستاذ مشارك ، وهي درجة معروفة عند الأكادميين ، والجامعيين ، الكتاب بعنوان ( خدعة التحكيم ) تصوروا ماذا في هذا الكتاب – عباد الله ! – ماذا في هذا الكتاب ؟
ليس في هذا الكتاب إلا سب معاوية وعمرو بن العاص – رضي الله عنهما - ، لا يوجد في الكتاب شيء غير ذلك – أبدا – ما فيه إلا السب لهذين ، ولكن أبشركم – ولله الحمد – أن الرجل قد اهتدى ورجع .
كتبتُ له جوابا على بحثه يكاد أن يكون مثل بحثه ، يزيد عن ثلاثين صفحة ، وصححت مفهومه ، وهو اعتمد – فقط – على هذين الكتابين : اليعقوبي ، والمسعودي ، وهي من أشهر كتب الضلال في التاريخ ، حتى كتب التاريخ الأخرى لم تسلم ، ولكن هذه كلها ضلال ، فلا يجوز الاعتماد عليهما .
ولا تلتفتوا – يا إخواني ! – إلى بعض شطحات الكُـتَّـاب المعاصرين الذين وقعوا ، وولغوا في أعراض الصحابة ؛ فمنهم من كفر معاوية وعمرا ، ومنهم من كفر عليا – رضي الله عنهم أجمعين - ، ومنهم من كفر كلَّ من شارك في صفين والجمل ، ومنهم من وصف معاوية وعمرا بشراء الذمم ، وبالظلم ، وبالكفر ، ونحو ذلك ، وكل هذا = قلدوا فيه إخوان القردة والخانزير ، بل إن إخوان القردة والخنازير لو سئلوا عن أفضل قومهم ؛ لقالوا : أصحاب عيسى ، ولو سئل النصارى عن أفضل أمتهم – بعد عيسى – ؛ قالوا : أصحاب عيسى ، ولو سئل هؤلاء القوم الضالون عن شر قومهم – أو عن شر الأمة - ؛ لقالوا : أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – ، عليهم من الله ما يستحقون .
فانتبهوا ! واحذروا من هذا المسلك .
هؤلاء الكُتَّاب – ويا للأسف ! – أنهم محسبون على أهل السنة ، ومع ذلك يغتر بعض الناس بكتاباتهم ، ويسميهم شهداء ! فانتبه !
الصحابة لا نسمي شهيدًا إلا من شهد له النبي – صلى الله عليه وسلم – ، أما من قتل ولم يشهد له النبي – صلى الله عليه وسلم – ؛ فنقول : نرجو الله أن يكون شهيدا ، أما نأتي إلى كُتَّاب ، سبوا أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وكفروهم ، ونصفهم بالشهادة ! فهذه مصيبة من المصايب ، نعم نحن نترك مآلهم إلى ربهم – سبحانه وتعالى - ، ونكل مصيرهم ؛ لأنهم جهلة ، قد يعذرون بجهلهم ، الله أعلم بحالهم ، أمرهم إلى الله – سبحانه وتعالى - ، لكن هل نسكت عن كتاباتهم ، في سب الصحابة ، وتكفيرهم ؟ لا ! فالساكت عن ذلك = شيطان أخرص ، فنتبه يا عبدَ الله !
حب الصحابة = قربة ، يقرب إلى لله – عز وجل - ؛ ولذلك بـيَّـن – رحمه الله – هنا – في هذا البيت : أنه يتوسل ويتقرب إلى الله بحبهم ، لا بالتعلق بأشخاصهم ، لا بالتبرك بأجسامهم ، لا بعبادتهم ، لا بدعائهم ، لا بسؤالهم شيئا من دون الله كما يفعل كثير من المشركين في هذا العصر ، لا بالاستغاثة بهم ، وإنما نتوسل إلى الله بمحبتهم ، ومحبة كل مسلم صالح ؛ لأن هذا من الأعمال الصالحة ، ثم بـيَّـن توسله بذوي القربى ؛ من هم ؟ آل البيت المؤمنين الصالحين ، وعلى رأسهم : علي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، والعباس ، وغيرهم من بني هاشم ، وبني المطلب .
وكذلك أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – = كلهم يعتبرون من آل البيت يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } الأحزاب : 33 { .
فأزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – يعتبرن – أيضا – مـن أهـل البيت ؛ فيجب محبتهن ، واعتقاد أنهن أمهات المؤمنين وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } الأحزاب : 6 { .
ولا يجوز أن ننال من أحد منهن ، ولا من آل البيت الطاهرين الطيبين ، كما تفعل النواصب والخوارج ؛ فنحن نبتعد – في هذا - عن منهج الروافض المارقين ، وعن منهج النواصب الخوارج المارقين ؛ فنكون وسطا في محبة أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وفي محبة آل بيته على المنهج الذي قرره أهل السنة والجماعة ، ونرى أن ذلك عمل صالح يقرب إلى الله ، كما بـيَّـن الشيخ – هنا – رحمه الله تعالى - .
رد: خذ نسختك من شرح الشيخ صالح السحيمي حفظه الله للقصيدة اللامية المنسوبة إلى شيخ الإ
(( المتن ))
وَلِكُلِّهِمْ قَـدْرٌ علا وَفَضائلٌ /// لكِنَّما الصِّديقُ مِنْهُمْ أَفْضَـل
(( الشرح ))
الآن يبين فضله من حيث الدرجات ؛ فالصحابة كلُّـهم فاضلون ، على نحو ما بينا قبل قليل ، وكـلُّـهم عدول ، وكـلُّـهم تجب محبتهم ، وكـلُّـهم يجب اعتقاد عدالتهم ، ويجب اعتقاد أنهم أفضل الأمة بعد نبيها – صلى الله عليه وسلم – ، ولا نفرق بين أحد منهم ، لكن لا شك أن بعضهم يفضل بعضا ، فأفضلهم – على الإطلاق – الصديق أبو بكر – رضي الله عنه وأرضاه – رفيق النبي – صلى الله عليه وسلم – في الغار ، والذي قال فيه : ما طلعت على أفضل من أبي بكر .
وقال – صلى الله عليه وسلم – : ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا .
وكثيرا ما كان يردد – صلى الله عليه وسلم – ويقول : جئت أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر ؛ فهذا هو الصديق أفضل هذه الأمة بعد نبيها – صلى الله عليه وسلم – ، أول من أسلم من الرجال - رضي الله عنه وأرضاه - ، والحديث عن فضله يطول ، لكننا نريد شرح هذه الأبيات باختصار .
(( المتن ))
وَلِكُلِّهِمْ قَـدْرٌ علا وَفَضائلٌ /// لكِنَّما الصِّديقُ مِنْهُمْ أَفْضَـل
(( الشرح ))
يعني كل الصحابة لهم فضائل ، وكـلُّـهم عدول – كما بينا - .
وأفضلهم – كما بين النبي – صلى الله عليه وسلم – هو أبو بكر الصديق – رضي الله عنه وأرضاه - ، فمن نال منه = فإنما ينال من هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وينال من القرآن ، وقد أثنى الله عليه في كتابه كما قال – جل وعلا - وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى } الليل : 19-21 { .
وأثنى عليه في سورة الأنفال فقال إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا } التوبة : 40 { فمن هو هذا الثاني ؟
أبو بكر – رضي الله عنه وأرضاه ، وأخزى الله من أبغضه وقلاه - .
(( المتن ))
وأقول في القُرآنِ ما جاءَتْ بِـه /// آياتُـهُ فَهُوَ الكريم المُنْـزَلُ
(( الشرح ))
يعني يقف في اعتقاده تجاه القرآن كما جاء في القرآن ، وكما جاء في السنة من أنه كلام الله الحق ، الذي تكلم به حقيقة ، والذي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } فصلت : 42 { .
كتاب الله نزل به الروح الأمين على قلب نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – بلسان عربي مبين ، ويجب أن نفهم ما يلي ؛ حتى نسلم من الذين حرفوا في كلام الله ، وبدلوا ، ووصفوه بأنه مخلوق ، أو أنه الكلام النفسي ، أونحو ذلك ، ولا يتسع الوقت للرد على كلامهم ، وتفنيده ، لكن سنقرر عقيدة أهل السنة في هذا الباب ؛ ولذلك يجب مراعاة الأمور الآتية في معتقدك تجاه القرآن المنزل من عند الله – سبحانه وتعالى - :
أولاً : أن نعتقد أنه كلام الله : لفظه ومعناه ، لم يعبر به أحد عن الله ، ولم يتلكم به أحد نيابة عن الله ، بل هو كلام الله الذي تكلم به حقيقة وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ } التوبة : 6 { .
ثانيا : يجب أن نعتقد أن جبريل سمعه من الله مباشرة ، أنه كلام الله المسموع ، بأن الله يتكلم بصوت وحرف مسموعين .
ثالثا : يجب أن نعتنقد أنه تكلم به بحرف وصوت ؛ خلافا لمن يزعم أنه عبارة عن كلام الله ؛ ولذلك ألف الإمام السجزي من تلاميذ الإمام أحمد كتابا بعنوان ( الحرف والصوت ) .
ليس ككلامنا ، وليس كنطقنا لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } الشورى : 11 { .
ولا يتبادر إلى ذهنك التشبيه الذي تبادر إلى أذهان الجهمية ؛ فاضطروا إلى نفي صفات الله – جل وعلا - ، لكن نقول : تكلم به كما يليق بجلاله وعظمته ، سمعه منه جبريل كما يليق بجلاله وعظمته ، بصوت وحرف كما يليق بجلاله وعظمته .
رابعا : أنه كلام الله المنزل غير مخلوق ، لماذا قيدنا بكلمة ( غير مخلوق ) ؟
لأن الجهمية ، والمعتزلة ، والرافضة ، والخوارج ، وغيرَهم من الفرق الضالة ، كلهم يَـدَّعون أن القرآن مخلوق .
وقد التحق بهم طوائف أخرى ، ولكن أخطر هذه الأقوال : هو قول القائلين : بأن القرآن مخلوق كسائر المخلوقات ، ونحن نقول : إنه كلام الله الذي تلكم به حقيقة ، وأنزله على رسوله – صلى الله عليه وسلم – بواسطة رسوله ، وسفيره بينه وبين رسله : جبريل – عليه السلام - .
خامسا : أن يعتقد المؤمن أن القرآن المتلوَّ بالألسن = هو كلام الله .
سادسا : أن نعتقد أن القرآن المحفوظ في الصدور = هو كلام الله .
سابعا : أن نعتقد أن القرآن المكتوب في المصحف = هو كلام الله .
ثامنا : يقال إن المداد الذي هو الحبر ، والورق مخلوقة كما قال ابن القيم – رحمه الله – : ومداده والرق مخلوقان .
أما ما تقدم من الأوصاف ؛ فإنه بتلك الأوصاف غير مخلوق .
لماذا قيدنا بهذه القيود : أن القرآن المتلوَّ ، أن القرآن المحفوظ ، أن القرآن المكتوب = هو كلام الله ، لماذا قيدنا ؟
لأن هناك من يعتقد أنه عبارة ، أو حكاية عن كلام الله .
(( المتن ))
وجميعُ آياتِ الصِّفاتِ أُمِرُّهـا ///حَقـاً كما نَقَـلَ الطِّرازُ الأَوَّلُ
(( الشرح ))
المقصود بهذا البيت أن ما ثبت في كتاب الله – جل وعلا – من الأسماء والصفات يمرها كما جاءت على مراد الله – تبارك وتعالى – دون أن يخوض فيها بأي تأويل ، أو تعطيل ، أو تكييف ، أو تمثيل ، أو تشبيه ، أو تأويل ، على حد قوله – تعالى – لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الشورى : 11 {.
وقوله ( كما قال الطراز الأول ) أي كما قال السلف الصالح ؛ لأنه من المعلوم أن كل خير في اتباع من سلف ؛ فالسلف ، والطراز الأول ، والقرون الأولى الذين قعَّدوا هذه القواعد وفق هدي النبي - صلى الله عليه وسلم – هم الذين يجب أن نتبع هديهم ، وأن نسير على منهاجهم ، وأن نحذو حذوهم كما قال الله – جل وعلا - وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه } التوبة : 100 { .
وقال تعالى أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} الأنعام : 90 { .
وقال – جل وعلا - وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } النساء : 115 { .
يقول حذيفة – رضي الله عنه - : عليكم بالعتيق .
ويقول ابن مسعود – رضي الله عنه - : من كان متأسيا ؛ فليتأس بأصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبكل حال .
ومذهبهم في الأسماء والصفات أنهم يمرونها كما جاءت بلا كيف ، نقلت هذه العبارة عن عشرات من السلف الصالح ، لاسيما في القرون – القرنين : الثاني والثالث ، بعد أن كثر اللغط والتأويل والتعطيل في أسماء الله وصفاته ؛ فقالوا عبارتهم المشهورة ( أمروها كما جاءت بلا كيف ) قالها مالك ، والأوزاعي ، وقالها مكحول ، وقالها الليث ، وقالها غيرث واحد من السلف ( أمروها كما جاءت بلا كيف ) ، بمعنى أن كلَّ ما ورد في الكتاب والسنة من الأسماء والصفات يجب إمراره ، والإيمان به على مراد الله – جل وعلا - ولا نأوله ، ولا نعطله ، ولا نحرفه ، ولا نشبهه ، ولا نمثله ، ولا نكيفه ، والميزان في ذلك قول الله – سبحانه وتعالى - لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } الشورى : 11 {.
فإذا أخبر الله – جل وعلا – عن نفسه بصفة وجب إثباتها ، والإيمان بمعناها وآثارها ، كما قال الإمام مالك – رحمه الله – في الاستواء ( الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ) ، وكذا نقول في سائر الصفات .
اليد معلومة ، والكيف مجهول ، والإيمان بها واجب ، والسؤال عن الكيفية بدعة .
وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } الرحمان : 27 { .
الوجه معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عن الكيفية بدعة .
وكما قال - تبارك وتعالى - وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } الفجر : 22 { .
نقول : المجيء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ؛ فنتجنب – بذلك - مزالق الجهمية ، والمعتزلة ، والخوارج ، والرافضة ، ومن نهج نهجهم من الفرق الأخرى .
(( المتن ))
وأَرُدُّ عُهدتها إلى نُقَّالِهـا ///وأصونُها عـن كُلِّ ما يُتَخَيَّلُ
(( الشرح ))
وأرد عهدتها يعني : أرد معناها إلى أولئك النَّـقَـلَة الذين نقلوها لنا بكل صدق وأمانة ، ولا نتجاوز ما هم عليه من الإيمان بها ، وبمعانيها على الوجه الذي يليق بجلال الله وعظمته ؛ فلا نكيف ، ولا نمثل ، ولا نعطل ، ولا نتجاوز مواقفهم : بإفراط ، أو تفريط ، بتشبيه ، أو تعطيل ؛ وبهذا الأمر كان أهل السنة وسطا بين المشبهة والمعطلة ، كانوا وسطا في باب الصفات بين المشبهة والمعطلة ، فهو يقول : أنا لا أتحول عن منهج السلف في باب الأسماء والصفات ؛ فأثبت لله ما أثبت لنفسه ، وما أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم – ، وأنفي عنه ما نفى عن نفسه ، أو نفاه عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم – ، ولا أتحول عن هذا المبدأ الذي كان عليه السلف الصالح .
(( المتن ))
قُبْحاً لِمَنْ نَبَذَ القرآن وراءَهُ /// وإذا اسْتَدَلَّ يقولُ قالَ الأخطَلُ
(( الشرح ))
قُبْحاً لِمَنْ نَبَذَ القرآن وراءَه ، ويجوز تسهيل الهمزة ؛ فنقول : القران ، وأصلا ( القرآن ) وتسهل فيقال : القران .
من هو الأخطل ؛ حتى نعرف أصحاب هذه العقيدة ؟
الأخطل شاعر نصراني في الصدر الأول في عهد الدولة الأموية ، وهذا الأخطل نصراني ، وهو معروف بسكره وفجره ؛ فضلا عن كونه كافرا نصرانيا .
هناك فرقتان بالأحرى تفرعتا عن الجهمية والمعتزلة ، وهما أقرب الناس إلى أهل السنة ، وهم مسلمون ، لكنهم مبتدعة في هذا الباب ، أي باب الأسماء والصفات ، هاتان الفرقتان يقولون في الصفات بخلاف ما قرره القرآن ، والشيخ – هنا – يقول : أنا أقرر ما قرره القرآن ، ولا أقرر من الأخطل ؛ لأن الأشاعرة ، والماتريدية - نسأل الله لنا ولهم الهداية ، والعودة إلى الصواب - ماذا يقولون في القرآن ؟ إنه عبارة عن كلام الله ! أو حكاية عن كلام الله ، طيب يا مساكين ! لماذا قلتم هذا ؟
قالوا : لأنا لو قلنا : إن القرآن كلام الله على الحقيقة ، للزم من ذلك التجسيم ، والتشبيه ؛ لأن الكلام لا يصدر إلا من لسان ، وأسنان ، وشفتين ، وحنجرة ، وبلعوم ، وحبال صوتية !
أول ما خطر ببالهم التشبيه – والعياذ بالله – ؛ فلما خطر ببالهم التشبيه = انتقلوا إلى بيت الأخطل ، وقالوا : الكلام هو المعنى القائم بالنفس ، وإن الله لا يتكلم حقيقة ، وإنما يتكلم كلاما نفسيا ؛ فإن كان الكلام باللغة العربية سمي قرآنا ، وإن كان بالسريانية سمي إنجيلا ، وإن كان بالعبرية سمي توراة .
طيب ! سؤال يا مساكين ! تعالوا !
أنتم تقولون : عبارة عن كلام الله ؛ من الذي عبر عن الله ؟ أهو رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، أم جبريل – عليه السلام - ؟
يلزمكم أحد أمرين :
إما أن تقولوا بقول المعتزلة ، وأن الله خلقه في الهواء ، وسمعه جبريل من الهواء ، أو النبي – صلى الله عليه وسلم – من الهواء .
وإما أن ترجعوا إلى قول أهل السنة ، وهو أنه كلام الله الذي تكلم به حقيقة على الوجه اللائق بجلاله وعظمته .
هم قالوا : نحن لو قلنا : بأنه الكلام الحقيق لزم منه كذا ، وكذا ، وكذا ، مما ذكرتُه قبل قليل .
طيب ما الحل ؟
قالوا : الحل نقول : إنه حكاية ، أو عبارة عن كلام الله .
القرآن حكاية عن كلام ، أو عبارة عن كلام الله !! من الذي ناب عنه ؟
وهل هو عاجز عن الكلام حتى يُـعَـبَّـر عنه ؟ - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - .
ما زادوا في هذا على أن شبهوا الله بالأخرص الذي لا يستطيع الكلام - تعالى الله عما يقولون علوا كبير - .
وهذه العقيدة من أفسد العقائد ، وكأنهم ينسبون الله إلى العجز ، والخرص ، وعدم القدرة على الكلام ، وهذا أمر في غاية الخطورة .
طيب ! لماذا يا مساكين ؟!
قالوا : يلزم منه كذا ، وكذا ، طيب ! ما دام قلتم : إنه يلزم من الكلام كذا ، وكذا ، يلزم من عدم الكلام ماذا ؟
الخرص ، وعدم القدرة على الكلام ؛ فأنتم فررتم مما تصورتم أنه تشبيه بالموجود ؛ فشبهتم الله بالمعدوم ؛ ولذلك يقول أهل السنة : إن المعطلة يعبدون عدما ، وإن المشبهة يعبدون صنما .
المشبهة - كاليهود - يعبدون أصناما ، الذين قالوا : إن طوله كذا ، وعرضه كذا ، وأنه يستوي كما نستوي ، ويتكلم كما نتكلم ؛ هؤلاء شبهوه بالأصنام ، المعطلة الذين نفوا الصفات شبهوه بالعدم ؛ فأصبحوا يعبدون عدما .
الآن : أنا أسأل سؤالا : يعين لو جاءنا واحد من المعاتيه ، فقال : فلان من الناس ، زيد من الناس ليس في الحرم ، ولا خارج الحرم ، لا فوق الأرض ، ولا تحت الأرض ، ولا في السماء ، ولا في الأرض ، ولا في الشرق ، ولا في الغرب ، ولا أمام لاو خلف ، ولا يمين ، ولا شمال ، ولا فوق ، ولا تحت ؛ النتيجة ماذا ؟ العدم . أن هذا الشيء ما هو إلا أمر خيالي ، وجوده وجود ذهني ، ليست له حقيقة في واقع الأمر ، وهذا ما انتهت إليه المعتزلة في نهاية المطاف ؛ عندما قالوا : لا نقول موجود ، ولا معدوم ، ولا متصل ، ولا منفصل ، ولا فوق العالم ، ولا تحت العالم ، ولا فوق ، ولا شمال ، ولا جنوب ، ولا يمين ، ولا ... إلى آخره .
إذًا النتيجة ماذا ؟ تصبح العنقاء أقرب منه وجودا – المستحيلة – تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا - ، وأصبح قولهم قريبا من قول فرعون مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي } القصص : 38 { .
فإذًا القضية خطيرة جدا ، هم لا يدركون هذه الحقيقة ؛ ولذلك لو سألتهم من الذي عبر عن القرآن : جبريل ، أم محمد ؟
سيسكتون ، لا يجيبون .
إذًا قولكم ، واستدلالكم ببيت الأخطل = استدلال فاسدٌ ، باطلٌ .
ما هو بيتُ الأخطلِ ؟
قال :
إن الكلام لفي الفؤاد /// وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
أولا : هذا البيت لا يثبت في ديوان الأخطل المعروف ، نعم ، الأخطل يقال : إنه من آخر من يحتج بشعرهم في باب اللغة ، والنحو ، لا في باب العلم الشرعي ، يعني في باب اللغة العربية ، ومع هذا فإن هذا البيت لا يوجد في دواوينه .
ثانيا : الأخطل رجل نصراني يعتقد اتحاد اللاهوت بالناسوت ، ومعنى ذلك أن الإله اتحد مع الناس ؛ فلا فرق – حينئذ – بين الإنسان والله – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - ، وهذه ما سرت إلى عقيدة بعض المتصوفة أتباع ابن عربي القائلين بأن :
العبد رب والرب عبد /// فليت شعري من المكلف
إذًا عقيدة نصرانية ، وهو لا يفرق بين الصفة والموصوف ، ولا بين الخالق والمخلوق – حينئذ - ؛ فهل يعتد ، أو يحتج بشعر من كان هذا معتقده ؟!
ثالثا : أن الذي يروى في المشهور :
إن البيان ، وليس : إن الكلام ...
إن البيان لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
يعني يبدأ بفكرة في الفؤاد ، ثم توضح بالكلام ؛ فأصبح - بهذه الرواية – لا حجة فيه لهم .
رابعا : من المعلوم أن الكلام في الصلاة محرم أليس كذلك ؟
ومن تكلم في الصلاة متعمدا = بطلت صلاته ، طيب ! من وسوس ، أو حدثته نفسه ، تبطل صلاته ، أو لا تبطل ؟
لا تبطل ، ومعنى كلامهم – أننا لو قلنا بهذا - الكلام في الفؤاد ؛ لقلنا : كل من حدثته نفسه بشيء بطلت صلاته ؛ لأنه يعتبر متكلما ، يعتبر متكلما بهذا المعنى الفاسد ، وقد أجمع أهل السنة على أن الذي تحدثه نفسُـه ، أو تهجم عليه بعض الوسوسة في صلاته ؛ فإن صلاته صحيحة ؛ لأنه لم يتلكم ، لقول النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( إن هذه الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الناس ) .
فلذلك بطل استدلالهم ببيت الأخطل . فيقرر شيخ الإسلام : إنني أعتقد ما جاء في القرآن من أن الله يتكلم متى شاء ، إذا شاء ، كيف شاء ، وأن القرآن كلام الله الذي تكلم حقيقة : لفظه ، ومعناه - المكتوب في المصاحف ، والمحفوظ في الصدور ، والمتلوُّ بالألسن = كـلُّه كلام الله غير مخلوق ، ولا أقرر ما يقرره الأخطل النصراني ، كما يستدل على ذلك بعض المبتدعة .
(( المتن ))
والمؤمنون يَـرَوْنَ حقـاً ربَّهُمْ /// وإلى السَّمـاءِ بِغَيْرِ كَيْفٍ يَنْزِلُ
(( الشرح ))
قرر في هذا البيت – رحمه الله – مسألتين :
المسألة الأولى : مسألة رؤية الباري – سبحانه وتعالى - ؛ فهو يعتقد – كما يعتقد سائر أهل السنة – أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر ، أو كما يرون الشمس ليس دونها سحاب ، وهذا هو معتقد أهل السنة قاطبة ، وخالف في هذا المعتقد أربع طوائف ، وبعض الطوائف توافقهم – أحيانا - ، وتخالفهم - أحيانا أخرى - .
الطوائف التي أنكرت الرؤية هم : الجهمية ، والمعتزلة ، والرافضة ، والخوارج ، وحري بمن أنكر رؤية الباري – سبحانه وتعالى – يوم القيامة في الجنة أن يحرم منها . يقول الإمام الشافعي – رحمه الله – في معنى قول الله – سبحانه وتعالى – كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } المطفيفين : 15 { ؛ بما أن هؤلاء قد حجبوا عن الله – تعالى - حال السخط ؛ فإن المؤمنين يرونه حال الرضا ، أو كما قال – رحمه الله تعالى - .
فهذه عقيدة أهل السنة والجماعة : أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة رؤية حقيقة ، وقد دلت عليها النصوص من الكتاب ، والسنة ، وإجماع الأمة : أعني إجماع أهل السنة ؛ لأن تلك الفرق لا يعتد برأيها ، ولا بآرائها ، ولا بأقوالها ، ومن شذ شذ في النار .
إذًا أجمع أهل السنة على أن المؤمنين يرون ربهم ، وسنذكر دليلا واحدا من الكتاب ، ومن السنة ، وبيان إجماع الأمة ونمضي .
استدل أهل السنة بأدلة كثيرة من القرآن ، منها قول الله - تعالى – وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } القيامة : 22 – 23 { وجه الاستدلال من الآية من ثلاثة وجوه :
الوجه الأول : أن الله عبر بالوجوه التي هي محل النظر ؛ لأن موقع العينين في الوجه ، والعينان هما محل النظر .
الوجه الثاني : أن الله – تبارك وتعالى – عدى الفعل بحرف ( إلى ) ( إلى ربها ناظرة ) ، الأولى ( ناضرة ) بالضاد ، المقصود : فرحة ، مسرورة ، منبسطة ، نضرة ( نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ؛ فأداها كما سمعها ) .
فـ( إلى ربها ناظرة ) الثاني تعديته الفعل ( نظر ) بحرف ( إلى ) .
الوجه الثالث : خلو الفعل ، أو خلو السياق من قرينة تصرف عن هذا المعنى الذي هو الرؤية الحقيقة إلى معنى آخر .
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } القيامة : 22 – 23 { كما استدلوا بقول الله تعالى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} يونس : 26 { ؛ وهذه الآية فسرها رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ؛ فعن صهيب – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ينادي الله أهل الجنة ، إذا دخل أهل الجنة نادى منادٍ : يا أهل الجنة ! إن لكم موعدا سوف ننجزكموه ؛ فيقولون :
يا ربنا ! ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة ؟ ألم تزحزنا عن النار ؟
قال : بلى ؛ إن لكم موعدا لن تخلفوه ؛ فيتجلى لهم ؛ فيرونه ، وينظرون إليه ، وهذا أفضل نعيم يراه المؤمنون ؛ حيث ينسون كل شيء مع هذه الرؤية ، وأما الأحاديث فهي كثيرة ومنها قول النبي – صلى الله عليه وسلم - : إنكم سترون ربكم ، كما ترون القمر ليلة البدر لا تُـضَـامون في رؤيته ، وفي رواية لا تُـضُأرُّونه ، وفي رواية لا تَـضَامُون أي لا تتزاحمون .
كل كأنه ينظر إليه وحده ، وهم يرونه جميعا ، لكن كل واحد كأنه ينظر إليه مستقلا ، وهذا فضل من الله ، ومنة الله – سبحانه وتعالى - .
فانتبه لهذا ! وانتبه لهذا الاستدلال العظيم !
وهذا محل إجماع بين أهل السنة .
المسألة الثانية : أن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى الثلث الأخير من الليل ؛ فماذا يقول الناس ؟ أو ماذا ينبغي أن يفعلوا في مثل تلك اللحظات ؟
عندما يتجلى ؛ فينزل إلى السماء الدنيا ؛ فيتجلى لعباده ، وينادي : من يدعوني فأستجيب له ، من يستغفرني فأغفر له ، من يسألني فأعطيه .
فأهل السنة يؤمنون بأنه ينزل نزولا يليق بجلاله وعظميته .
كيف ينزل ؟
ينزل كيف يشاء .
متى ينزل ؟
حين يبقى الثلث الأخير من الليل ؟
ما الطريقة التي ينزل بها ؟
الله أعلم .
هل يخلو منه العرش ، أو لا يخلو ؟
الله أعلم .
هذا علمي غيبي .
كيف يأتي والسماوات طباقا ؟
الله أعلم .
استبعد كلمة ( كيف ) فإنها خطيرة ، لو أدخلت نفسك في كلمة ( كيف ) = لما انتهيت إلى الأبد ؛ ولذلك لو قال لنا قائل :
ما دليل النزول ؟
قول النبي – صلى الله عليه وسلم – في الأحاديث المتواترة ( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى الثلث الأخير من الليل ؛ فيقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يستغفرني فأغفر له ، من يسألني فأعطيه ) هو حديث يبلغ حد التواتر المعنوي ؛ ولذلك يجب الإيمان به ، وعدم تكييفه ، أو تفويضه ، نقول : ينزل نزولا يليق بجلاله وعظمته ، مثل الاستواء ، نقول : النزول معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عن الكيفية بدعة = هذا هو ما يجب اعتقاده في نزول الرب – سبحانه وتعالى - ، ولسنا مكـلَّـفين أن نبحث كيف ينزل ؟ ولا كيف يكون ذلك ؟ مع أن النزول عندنا – الآن - غير النزول في أمريكيا ، أو في اليابان شرقا - مثلا - .
إذًا المقصود أن نؤمن بكل ما جاء في الكتاب والسنة ، ولا نناقش بغير دليل ؛ فيجب الإيمان بصفة النزول .
(( المتن ))
وأُقِرُ بالميـزانِ والحَوضِ الذي /// أَرجـو بأنِّي مِنْـهُ رِيًّا أَنْهَـلُ
(( الشرح ))
انتهى المصنف – رحمه الله تعالى – من تقريره للكلام على الأسماء والصفات ، ثم بدأ هذا البيت بتقرير ما يتعلق بمسائل لها علاقة باليوم الآخر ، وهما : الحوض والميزان ؛ فقال :
وأُقِرُ بالميـزانِ والحَوضِ الذي /// أَرجـو بأنِّي مِنْـهُ رِيًّا أَنْهَـلُ
المقصود – يا عبدَ الله – أنه يقرر – رحمه الله تعالى – أنه يؤمن بالحوض والميزان ، والمقصود بذلك الإقرار بكل ما جاء في اليوم الآخر ، من الإيمان بيوم القيامة ، وما جاء في القرآن والسنة من ما يقع فيه من أمور .
ومن بينها : الإيمان بالميزان ، والميزان هو الذي توزن به الأعمال عند الله – سبحانه وتعالى - وهو حق آمن أهل السنة والجماعة ، وخالفت فيه : الجهمية ، والمعتزلة ، وبعض الفرق الأخرى ، وزعموا أن الميزان ، أنه مؤول ، وأولوه بتأويلات فاسدة ، أولوه بالعدل ، ولم يقروا بالميزان ، وأهل السنة والجماعة دائما أسعد بالدليل ؛ لأنهم يقفون عند حدود النصوص ، فيؤمنون بما جاء في الكتاب والسنة ، وقد أجمع أهل السنة على أن الميزان حق ، وأنه يكون في عرصات القيامة ، وأنه توزن فيه الأعمال ، والله أعلم بكيفية الوزن ، لكن نؤمن بأنها توزن ، بأان الأعمال توزن ، أما الكيفية والكُنْهُ فنكله إلى الله - سبحانه وتعالى - .
قال الله جل وعلا – وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } الأنبياء : ٤٧ { .
وقال تعالى فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ } القارعة : 6 -11 { .
وقال – جل وعلا – فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } المؤمنون : 102 – 103 { .
وغير ذلك من الآيات الدالة على ثبوت الميزان ، بل هي موازين ، وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من حديث أبي مالك الأشعري الذي جاء فيه ( .. والحمد تملأ الميزان ) .
وقال – صلى الله عليه وسلم – وهو آخر حديث في صحيح الإمام البخاري : كلمتان خفيفتان على اللسان ، حبيبتان إلى الرحمان ، - الشاهد أين هو ؟ - : ثقيلتان في الميزان .
وثبت من حديث البطاقة أنه توضع ( لا إله إلا الله ) في كفة ، وسجلات الذنوب في كفة ؛ فتطيش السجلات ، وتثقل البطاقة ، التي كتبت عليها ( لا إله إلا الله ) فيدخل الجنة .
وقـول الله – سبحـانه وتعـالى – فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } الزلزلة : 7 - 8 { .
وأهل السنة – كما قلنا – مجمعون على أن الميزان حق ، كغيره مما يقع في عرصات القيامة .
وأنكرتِ المعتزلةُ ومن لَـفَّ لفهم ذلك ، وقالوا : لا يوجد ميزان إلا ميزان الفَوَّالِ ، والبَقَّالِ – والعياذ بالله - ، وأنكروا النصوص الشرعية الثابتة من كتاب الله – عز وجل – وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – ، وأوَّلُوها كما هي عاداتهم .
ثم ذكر الشيخ – رحمه الله – إيمانه بالحوض ، وهذا – أيضا – قد أنكرته المعتزلةُ ؛ لأنهم يُخْضِعُونَ النصوصَ لعقولِهم الفاسدة ، وآرائهم الكاسدة ، ولا يعملون النصوص الشرعية ؛ فإن كانت سنة ردوها ، وإن كانت قرآنا أوَّلُوه – والعياذ بالله - .
فهنا يقرر الإيمان بالحوض ، وهو حوض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، الحوض العظيم الذي طوله مسافة شهر ، وعدد آنيته عدد نجوم السماء ، وهو أشدُّ بياضًا من اللبن ، وأبردُ من الثلج ، وأحلى من العسل ، من شرب منه شربة = لا يظمأُ بعدها أبدًا ؛ ولذلك دعا في آخر البيت أن يسقيه الله – تعالى – منه شربة ترويه بحيث لا يظمأُ بعدها أبدًا ، كما وعد النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – المؤمنين بذلك .
أحاديث الحوض متواترة ، وهو حوض يصب فيه الكوثر - يشخب فيه إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ } الكوثر : 1 – 3 { .
ولكل نبي حوض ، وأكبرها وأعظمها حوض نبينا – صلى الله عليه وسلم – .
ثبت في الصحيح أنه يدفع عنه أقوام ، ويذاذون عنه ، ويختلجون دونه ؛ فيقول الني – صلى الله عليه وسلم – : ربي ! أمتي ، أمتي .
فيقال : إنهم ليسوا من أمتك . إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ؛ إنهم غيروا وبدلوا .
فيقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : سحقا ! سحقا ! لمن غَيَّرَ ، وبَدَّلَ .
ومعنى ( سحقا ) أي : بُعْدًا ، بُعْدًا لمن غَيَّرَ ، وبَدَّلَ .
وتزعم طائفة الرافضة أن بعض الروايات التي جاء فيها ( أصحابي ! أصحابي ! فيذاذون عنه ) أن المراد بذلك أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ؛ الذين عاصروه ؛ وهذا دجل وقلة حياءٍ في حق الصحابة – رضوان الله عليهم أجمعين - ، ومن وصف الصحابة بذلك = فهو أوْلَى بالرد عن الحوض ، والذوذ عنه ، والاختلاج دونه ؛ لأن الصحابة – كما بَيَّنا – هم أفضل هذه الأمة بعد نبيها – صلى الله عليه وسلم – :
فمن تنقصهم = فهو المُتَنَقَّصُ .
ومن كفرهم = فهو الكافر .
ومن اعتقد ارتدادهم = فهو المرتد .
ومن حط من أحد منهم ، أو تنقصه = فهو أحق بالحطَّ والتنقص .
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : أنا فرطكم على الحوض .
معنى فرطكم أي : أسبقكم إليه ، والـفَـرَطُ هو الذي يسبق غيرَه ؛ ولذلك يسمى الطفل الذي يموت صغيرا : فَرَطًا ؛ ولذلك جاء في دعاء الجنازة في الصلاة على الطفل : اللهم اجعله فَرَطًا ، وشفيعا ، وذخرًا لوالده .
فمسألة الحوض متواترة روي عن أكثر من سبعين صحابيا ، ولا ينكره إلا مُلْحِدٌ .
(( المتن ))
وكذا الصِّراطُ يُمَدُّ فوقَ جَهَنَّمٍ ///فَمُسَلَّمٌ نَـاجٍ وآخَـرَُ مُهْـمَـلُ
(( الشرح ))
يقرر – في هذا البيت – وجوب الإيمان بالصراط ، والصراط هو جسر ينصب على متن جهنم – كما سمعنا قبل قليل في آيات مريم - وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} مريم : 71 – 72 { ، وهو جسر صغير في حجمه ، لكنَّ المؤمنين يثبتون عليه ، ودعاءُ الأنبياء أثناء المرور على الصراط ( اللهم سلم سلم ) ، والناس يمرون عليه بحسب أعمالهم : فمنهم من يمر كالبرق الخاطف ، ومنهم من يمر كأجاود الخيل ، ومنهم من يمر كالريح ، ومنهم من يعدو عدوًا ، ومنهم من يركض ركضًا ، ومنهم يزحف زحفا ، ومنهم من يريد العبور ؛ فتتخطفه كلاليب جهنم فيكردس فيها – والعياذ بالله - .
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يتجاوز الصراط بسلام ؛ انتبهوا دعاء الأنبياء كيف ؟ ( اللهم سلم سلم ) .
فالصراط حق يجب الإيمان به ، وقد جاء بيانه في القرآن وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا } مريم : 71 { أي المقصود المرور عليها ؛ لأن هذا الجسر يقسم جهنم نصفين ، فيمر الناس عبره ، أو من خلاله على حسب أعمالهم .
وكذلك : هذا أنكرته المعتزلة ، وأنكرته بعض الطوائف الضالة ، والحق أنه جسر ثابت ينصب على متن جهنم ، يمر الناس من فوقه ، ولا يضر المؤمنين ؛ فإنهم يمرون كصلاة يؤديها أحدُنا ، وأما الكافرون فإنهم يكردسون في النار ، يلقون فيها ، ولا يستطعون المرور على الصراط ، نسأل الله أن يقينا وإياكم أهوال ذلكم اليوم .
(( المتن ))
والنَّارُ يَصْلاها الشَّقيُّ بِحِكْمَةٍ ///وكذا التَّقِيُّ إلى الجِنَانِ سَيَدْخُلُ
(( الشرح ))
في هذا بيان أن الشيخ يؤمن – كما يؤمن أهل السنة قاطبة – بأن المؤمنين سيدخلون الجنة ، وأن الكفار سيدخلون النار ، وأن الناس تتفاوت دراجاتهم ، في ذلك ، كما أن دركات أهل النار تتفوت ، والجنة حق ، والنار حق ، يجب الإيمان بهما ، وأنهما مخلوقتان موجودتان - الآن - ، وأن الله قد أقسم أنَّ لكل واحدة منها مِلْأََهَا لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } هود : 119 { و } السجدة : 13 { .
فلكل عليه ملؤها ، كما وعد – سبحانه وتعالى - وهو لا يخلف المعياد .
فأما الجنة فيدخلون إلى الرحمان وفدا ، وكلمة وفد تشعر بالهدوء ، والطمأنينة ، والاستقرار ، والكافرون يحشرون إلى جهنم وردا كناية عن السرعة ، وسرعةالانغماس فيها – والعياذ بالله – والتكردس فيها ؛ ولذلك قال عن أهل الجنة حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } الزمر : 73 { .
انتبهت ؟! الواو تدل على الطمأنينة ، والهدوء ، والأمن ، لكن الكفار قال :حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } الزمر : 71 { – والعياذ بالله - نعوذ بالله وإياكم من هذا المصير - . ما فيه إمهال ؛ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا } الزمر : 71 { .
إذًا الجنة والنار حق مخلوقتان موجودتان - الآن - ، ومن أنكرهما كفر ؛ لأنهما ضمن الإيمان باليوم الآخر الذي هو أحد أركان الإيمان الستة ، ومن أدلة وجود الجنة – الآن - قول الله - عز وجل - ﭽأُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} آل عمران : 133 – 134 { ، وكذا قول الله - عز وجل - أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} الحديد : 21 { ، ومن السنة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( لقيت ليلة أسري بي إبراهيم ؛ فقال : اقرئ أمتك مني السلام ، وأخبرهم بأن الجنة قيعان ، وأنها طيبة التربة ، وأن غراسها : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر .
وقول النبي – صلى الله عليه وسلم – ( اطلعت على الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، واطللعت على النار فرأيت أكثر أهلها النساء ) .
ووصفه – صلى الله عليه وسلم – للمجاهدين الخُـلَّص وبشارتهم بالجنة في القرآن وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } آل عمران : 169 { . الذين جاهدوا لتكون كلمة الله هي العليا ، وليس أصحاب المطامع ، ولا أصحاب التوجهات الذين يكفرون عباد الله الصالحين ، ويزعمون أنهم على الحق ، وغيرهم على الباطل .
وكذلك ما جاء في وصف نعيم القبر(*) ، وما أعد الله للمتقين من نُزُل ومن ذلك قول الله – تعالى - إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ } فصلت : 30 – 32 { .
كل هذه أدلة على أن الجنة موجودة مخلوقة ، وكذلك النار قال الله – تعالى - إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا } النبأ : 21 { ، وقال – تعالى - ﭽوَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } آل عمران : 131 { ، وقال – تعالى – في شان آل فرعون النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِﭼ } غافر : 46 { ، وما رآه النبي – صلى الله عليه وسلم – من أهوال ليلة أسري به ، وما رآه من خندق من النار يوم أن كسفت الشمس ، وما أخبر به – صلى الله عليه وسلم – عندما مَـرَّ بقبرين فقال : إنهما ليعذبان .
وقوله – صلى الله عليه وسلم – : لو ترون ما أرى لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا ، وغير ذلك من الدلائل على وجود النار – الآن – خلافا لمن تزعمه المعتزلة من أن الجنة والنار لم تخلقا بعدُ .
وقد سمعنا الأدلة على ذلك ، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل – كما يقال - .
(( المتن ))
ولِكُلِّ حَيٍّ عاقـلٍ في قَبـرِهِ ///عَمَلٌ يُقارِنُـهُ هنـالك وَيُسْـأَلُ
(( الشرح ))
والمقصود وجوب الإيمان بأن القبر أول منازل الآخرة ؛ ولذلك هناك عبارة خطيرة يتناقلها الناس عندما يموت أحد من الناس عندما يقولون : ( قد نقل إلى مثواه الأخير ) !!
هذا عند من لم يؤمن بالبعث ، أما المؤمنون فلا يسمون ذلك المثوى الأخير ، بل هو أول منازل الآخرة ، ومن مات فقد قامت قيامته ، وهو أول منازل الآخرة ، وهو إما أن يكون روضة من رياض الجنة – جعلني الله وإياكم من أهلها - ، وإما أن يكون حفرة من حفر النار – عافاني الله وإياكم منها – ؛ لذلك فإنه يجب الاستعداد ليوم المعاد ، الاستعداد ليوم التناد ، الاستعداد لذلكم اليوم الذي تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } الحج : 2 { ؛ فلا بد من الاستعداد لذلك اليوم بالعمل الصالح الذي يقرب إلى الله – سبحانه وتعالى – .
هذا هو خلاصة ما يتعلق بتقرير الشيخ الإيمان بالجنة والنار ، وأن ذلك أمر ثابت ، وأن المؤمنين سيدخلون الجنة ، حتى ولو كانوا من أهل المعاصي - في نهاية المطاف سيدخلون الجنة بعد تطهير وتمحيص ، وأما الكفار فليس لهم نصيب إلا النار - والعياذ بالله - .
(( المتن ))
هذا اعتقـادُ الشافِعيِّ ومالكٍ /// وأبي حنيفـةَ ثم أحـمدَ يُنْقَـلُ
(( الشرح ))
يبين الشيخ – رحمه الله تعالى – أنَّ مَا تَقَدمَ من تقرير عقيدة السلف من الإيمان بالقرآن والسنة ، والإيمان بحب الصحابة أجمعين ، والإيمان بأسماء الله وصفاته ، والإيمان بالقرآن ، وأنه كلام الله ، والإيمان بالرؤية : رؤية ربهم يوم القيامة ، والإيمان باليوم الآخر ، وما أعده الله للمتقين ، وما أعده للكافرين ، كل ذلك عقيدة السلف الصالح أجمعين : أهل السنة والجماعة ، لايحيدون عنها يمينا ، ولا شمالا ، وذكر منهم الأئمة الأربعة : أبو حنيفة النعمان المتوفى سنة مئة وخمسين ، والإمام مالك المتوفى سنة تسع وسبعين ومئة ، والإمام الشافعي المتوفى سنة أربع ومئتين ، وأحمد بن حنبل المتوفى إحدى وأربعين ومئتين ، وغيرهم ممن هم على منهجهم من أهل السنة والجماعة .
فهذه عقيدة أهل السنة قاطبة ، التي يجب أن يثبت عليها المرء المسلم ؛ ولذلك هو يقول : ما سمعتم ، وما قررتُه في هذه القصيدة من عقيدة = إنما هي عقيدة السلف الصالح ، وعلى رأسهم الأئمة الأربعة الْـمُـتَّـبَعو ن الذين يقتدي بهم المسلمون ، ويقتدون بغيرهم من أئمة الهدى والدين ، وليس المراد أن ذلك قاصر على هؤلاء الأربعة ، لكن هؤلاء الأربعة – رحمهم الله – ممن بارك الله في فقههم ، وجعل لهم مكانة خاصة بين المسلمين ؛ لما هم عليه من اجتهاد فقهي ؛ ولما هم عليه من خير ؛ فلذلك هذه عقيدتهم ، وهذا هو منهجهم الذي يسيرون عليه ، ونسأل الله وإياكم الثبات عليه إلى أن نلقى الله – سبحانه وتعالى - ، وفي هذا إشارة إلى أن الأئمة الأربعة ليس بينهم اختلاف في باب العقيدة ، ليس بينهم أي خلاف في العقيدة ، وهم ضد من يعتقد خلاف الحق ، ضد من يتبين له أنه على خلاف الحق ، وهم على قلب رجل واحد ، وهم لم يفرقوا الأمة إلى أربع طوائف كما يتصوره البعض ، يأتيك واحد جاهل مسكين يقول : يا أخي أنا كيف أطوف وأنا على مذهب الشافعي ، والإمام الشافعي يرى أن من مس المرأة فقد انتقض وضوؤه ، وأنا مضطر أن أمسك بزوجتي ، أو أختي ، أو بنتي ، أو أمي ؟
فالأمر ميسور ؛ الصحيح أن اللمس لا ينقض الوضوء في أرجح أقوال أهل العلم .
إذًا يجب أن نسير على منوالهم ، وأن ننهج نهجهم أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ } الزمر : 18 { .
(( المتن ))
فإِنِ اتَّبَعْتَ سبيلَهُمْ فَمُوَفَّقٌ /// وإنِ ابْتَدَعْتَ فَما عَلَيْكَ مُعَـوَّلُ
(( الشرح ))
يشير بهذا إلى أن من اتبع سبيل الأئمة الفضلاء في القرون المفضلة = فهو الناجي ، وهو السالم من الهلاك ، إن اتبعت سبيل هؤلاء المؤمنين = فأنت على خير . قال الله – عز وجل – وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } النساء : 115 { .
وقال تعالى أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ } الزمر : 18 { .
وقال تعالى وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} الحشر : 10 { .
فمن سار على نهجهم واتبع سبيلهم = فهو على خير ، ومن حاد عن سبيلهم = فقد حاد عن سبيل المؤمنين ، وبذلك يوليه اللهُ ما تولى ، ويصليه جهنم وساءت مصيرا .
فانتبه – يا عبدَ الله ! – وسِرْ على نهجهم ، أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ } الأنعام : 90 { ، فَلْنَسِرْ على هديهم ، ولنجتهد في سلوك طريقهم ، حيث اتخذوا القرآن والسنة : عقيدةً ، وشرعةً ، وأحكامًا ، وآدابًا ، وحدودًا ، وعبادةً ، ومعاملةً ، ومنهجَ حياة .
بهذا – أيها الإخوة – نختم هذه اللامية القصيرة في مبناها ، والعظيمة في معناها ، وحبذا لو أننا جميعا حفظناها ؛ فحفظها لا يصعب ، وهي تلخص لك بعض معتقدات السلف التي يجب التنبه لها ، واعتقادها ، والتي خالف الكثيرُ من الطوائف فيها ، واتبعوا غيرَ سبيل المؤمنين ، وسار البعض على مخالفة هؤلاء الأئمة الذين يؤمنون بالقرآن ، ويعملون به ، ويؤمنون بالسنة ويعملون بها ، ويطبقون ذلك في نواحي الحياة كافةً : في سلوكهم ، في عقيدتهم ، في عبادتهم ، معاملاتهم ، في سائر سؤون حياتهم .
وهم السائرون على منهج الصحب الكرام كما قال عبد الله ابن مسعود – رضي الله عنه – ( من كان مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ) ، يعني بذلك أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – فإنهم ( أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، وأحسنها حالا ) .
أولئك الصحاب الكرام الذين قال فيهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ( لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه ) .
والتي تُقَدَّمُ أقوالهم على أقوال من سواهم بعد قول الله ، وقول رسول – صلى الله عليه وسلم - .
فلنجتهد ولنتأس بهم ، أعلام الهدى ، ومصابيح الدجى ، أولئك الذين ذاقوا حلاوة الإيمان الحق ؛ حيث جالسوا وشافهوا وتلقوا مباشرة الوحيَّ غضا طريا من فِيّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم - .
فلنتأس بهم ، ولنقتدِ بأقوالهم وأفعالهم ، ولْنَسِرْ على منوالهم ؛ فإن أحدَنا لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مدَّ أحدهم ، ولا نصيفه .
وأحث الإخوة على حفظ مثل هذه المتون .
وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقني وإياكم إلى ما فيه رضاه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
انتهت
تنبيهات :
1 - إذا ذكر الشيخ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر الصلاة والسلام ؛ فإني أذكرها بصيغة – صلى الله عليه وسلم – .
2 - إذا أعاد الشيخ البيت كاملا في أول الشرح ؛ فإني لا أذكره ، بل أذكر الشرح مباشرة ؛ إلا أول بيت فقد أعدته .
3 - يعيد القارئ في بداية كل درس الأبيات التي تم شرحها ؛ فلم أثبت ذلك .
4 - حذفت البسملة والحمدلة وما أشبه ذلك من بداية كل درس إلا الدرس الأول .
5 - يوجد اختلاف في بعض الأبيات ؛ لاختلاف النسخ ؛ فاكتفيت بما قرأه القارئ على الشيخ .
6 - حذفت بعض الكلام ! كأن يسأل الشيخ سؤالا ، أو يريد أن يذكر شيئا ؛ فيذكر بعضه ، ثم يعرض عنه ، أو يذكره لاحقا .
قال ( أشرف ) : انتهيتُ من تفريغ هذه المادة وتصحيحها ، ومراجعتها بعد منتصف ليلة الأربعاء المسفر صبحها عن (25/المحرم/لعام1430 هجرية ) الذي يوافقه من التاريخ الصليبي (21/1/2009) .
ومن هنا على ملف بي دي إف
والحمد لله رب العالمين .
رد: خذ نسختك من شرح الشيخ صالح السحيمي حفظه الله للقصيدة اللامية المنسوبة إلى شيخ الإ
رد: خذ نسختك من شرح الشيخ صالح السحيمي حفظه الله للقصيدة اللامية المنسوبة إلى شيخ الإ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الفاضل : أرجوا توجيها حول تشكيكك في نسبة القصيدة لشيخ الاسلام نع ان الظاهر من كلام الشيخ أنه يصحح النسبة وشكراً
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أشرف السلفي
شَرْحُ فَضِيلَةِ الشَّيْخِ صّالِحٍ السُّحَيْمِيِّ
لِلْقَصِيدَةِ اللَامِيَّةِ
الْـمَنْسُوبَةِ إِلى شَيْخِ الإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةِ – رَحِمَهُ اللهُ –.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أشرف السلفي
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، وعلى آله وأصحابه ومن والاه – فهذه قصيدة اللامية لشيخ الإسلام ابن تيمية ، وهي زهرة من بستانه اليانع بالأزهار ؛ ليشم عبقها وعبيرها أهل السنة والآثار ، وهي شوكة وغصة وسهم من كنانيته في حلوق أهل الزيغ والضلال ، يعلن فيها عن مذهبه واعتقاده ليستنار ، ويخصم بها كل مشبه ومعطل وجبار .
.
رد: خذ نسختك من شرح الشيخ صالح السحيمي حفظه الله للقصيدة اللامية المنسوبة إلى شيخ الإ
جزاك الله خيرا
هل هناك شروح لكتب الاعتقاد مطروحة بهذه الطريقة؟ حتى أحملها على جهازي لأن الجوال معي لا يقرأ إلا ما كان صفحة نت