موقف ابن حزم من ظاهرة الإلحاد ومحاريته للملحدين
كان يمثل ظاهرة الإلحاد فى عصر ابن حزم طائفة كبيرة تنشر أفكارها وتدافع عنها ، وقد خص ابن حزم بعضهم بالذكر مثل عبدالله بن شنيف ، وثابت الجرجانى ( 1) ، ، كما انتشر سب النبى (ص) بين طائفة تزعمها رجل يدعى ( ابن حاتم الطليطلى) استهزأ بالنبى (ص) وقال عنه إنه يتيم قريش وختن حيدرة ( 2) .
لقد سلك ابن حزم عدة طرق لمجابهة هذه الظاهرة وهى :-
أولا: أفتى فى نوازله بأن كل من آذى رسول الله (ص) فهو كافر مرتد يقتل ، وأطال فى هذه النازلة من العرض لآراء الفقهاء والاستشهاد بالقرآن والسنة بما يوحى بخطورة هذا الأمر وضرورة حسمه ( 3) . وبالفعل أخذ هذا الرأى مأخذ الجد إذ بعد وفاته بسنة حكم على ابن حاتم الطليطلى بالقتل ، وبعد عدة عقود أفتى ابن رشد فى نوازله بقتل رجل من جيان سب الرسول (ص) ، وهو ما يوضح أثر ابن حزم الفكرى والعملى (4 ) .
ثانيا: رصد ابن حزم الأسباب التى أفضت ببعض الأندلسيين إلى الإلحاد تبصيرا لغيرهم بتجنبها ، ومنها الإقبال على كتب الأوائل والفلاسفة دون أن يكون مع المقبلين قوة فى العقل وصفاء فى النظر لكى يميزوا بين ما هو حق وما هو باطل ، ومنها عدم العناية بالعلوم الدينية خاصة القرآن الذى جمع علوم الأولين والآخرين ، وضعف العلماء فى التصدى للملاحدة ووقوفهم موقف المتخاذل مما أثروه من آراء ، والاعتماد على الخرافات والأكاذيب التى وضعها الزنادقة تدليسا على الإسلام وأهله ( 5) .
ثالثا : جمع الشبهات التى أثارها الملاحدة واعترضوا بها على جهلة المسلمين ورد عليها بحجج وبراهين مقنعة ، لتجنب وقوع عامة الأندلسيين فيما وقع فيه الملاحدة من قبل ، وإبطالا لها من ناحية أخرى ، لعل أصحابها يتخلون عنها ، ومن هذه الشبهات قولهم أن الأرض على حوت والحوت على قرن ثور والثور على صخرة والصخرة على عاتق ملك والملك على الظلة والظلة على ما لا يلمه إلا الله ، وقلهم بفهم الكواكب وتدبيرها للكون (6) .
رابعا : مناظرة ابن حزم للملاحدة أنفسهم فيما اعتقدوه ، كمناظرته لعبدالله بن خلف بن مروان الأنصارى ، وعبدالله بن محمد السلمى الكاتب ، ومحمد بن على بن أبى الحسين الأصبحى الطبيب حول قولهم – أن للعالم خالقا لم يزل وأن الزمان المطلق لم يزل موجود وهو غير محدث - ، وقد ذكر ابن حزم رده عليهم فى كتابه ( الرد على زكريا الرازى فى كتابه العلم الإلهى ) وهو من الكتب المفقودة ، ومن ثم لم نعرف رده عليهم لأنه لم يضمنه أيا من كتبه التى بين أيدينا ، ومن هذه المناظرات مناظرته لشيخه ثابت الجرجانى حول – بقاء الله عز وجل ومحدودية الزمان إليه – وقد انتهى ابن حزم فى آخر المناظرة ابن حزم دورا هاما فى التصدى لهذه الظاهرة ، خاصة وأنه لم يسبقه إلى ذلك أحد من الأندلسيين ، بل لم يذكر أحد منهم هذه الفرقة على الإطلاق ( 7) .
ــــــــــــ
( 1 ) أنظر : الفصل ، 1/30-32،38،350.
( 2 ) ابن سهل ، ثلاث وثائق فى محاربة أهل الأهواء والبدع فى الأندلس ، دراسة محمد عبدالوهاب خلاف وآخرين ، المركز العربى للدول للإعلام ، ط1/1981م ، ص50-84.
( 3 ) أنظر : المحلى ، 12/431-444.
( 4 ) ابن سهل ، مصدر سابق ، ص50-84 ؛ وانظر ابن رشد ، الفتاوى ، 1/342،343 ؛ الونشريسى ، المعيار ، 2/328،329.
( 5 ) أنظر : الأصول والفروع ، ص215-218 ؛ الفصل ، 1/345-347.
( 6 ) أنظر : الأصول ، ص215-231 ؛ الفصل ، 1/345-351.
( 7 ) نفسه ، 1/38.
رد: موقف ابن حزم من ظاهرة الإلحاد ومحاريته للملحدين
بارك الله فيكم وزادكم من العلم والفضل .
رد: موقف ابن حزم من ظاهرة الإلحاد ومحاريته للملحدين