(المرابطون على ثغـورنا الفكرية)
الحمد لله تعالى والصلاة والسلام على رسول الله, وبعـدُ:
فلا شك أن الهيمنة الفكرية أمضى أثراً في الأمم من الاحتلال العسكري المباشر وهما أي احتلال (الأرض أو العقل) من وسائل الهيمنة وبسط النفوذ من ضمن وسائل وأدوات عديدة تتفاوت في مقدار النكاية والتأثير, وقد دل التاريخ أن مصير الاعتداءات العسكرية إلى زوال؛ لأن الشعوب تنظر إلى الجيوش المعتدية وكأنها جراثيمُ غريبة حلت بجسمٍ صحيح فلا يفتؤ يلفظها ويأباها, وهذا (ربما) يدل على أن الحروبَ المباشرة دوافعُها إما اقتصادية صِرفة أو أنه لمّا أعيت وسائل الاختراق الثقافي كانت البندقية والجندي آخر بديلٍ عن القلم والكتاب والصحيفة والقناة, ولا جرمَ بعد ذاك أن تحمي الأمم الحية أبناءَها من مخاطر الغزو الفكري بتحصينهم عقولَهم وتثقفَيها ومنعِ أي تسربٍ فكريٍ أجنبي أن يؤثر عليها؛ بل يُنظرُ إلى مثل هذه التسربات على أنها مخاطر تهدد الأمن القومي وصدقوا في ذلك؛ فهل تعلمون أن الصين -مثلاً- تفرض على شعبها طوقاً إعلامياً لتحميه من غائلة الإعلام الأجنبي؛ وفرقٌ كبير بين الانغلاق على الذات وبين حمايتها من الاقتحام, وكما أن حماية الثغور (الحدود) مسألة أمنٍ قومي تُستنفرُ لها قوى الدول, وأيُ اختراقٍ لها ولو بمقدار شبرٍ يُعتبرُ تعدياً صارخاً على هيبة الدولة مما قد يُؤذن بحروبٍ ماحقة تُسترخص فيها النفوس والأموال, وعندنا -معشر المسلمين- أن الرباط على الثغور عبادةٌ ورد فيها من الثواب والأجر ما تهشُ له النفوس المؤمنة ومن ذلك -مثلاً- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رباطُ يومٍ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها " (رواه البخاري وغيره) وارجعوا – إن شئتم- إلى كتب الحديث حتى تروا فضلَ الرباط في سبيل الله فضلاً عما ورد له في إشاراتٍ في كتاب الله, ومعلومٌ –أيضاً- أن شأن الثغور الفكرية أعظم لأن اختراقها أخطر؛ وهذا يعني أنها أولى بالعناية؛ وأن الأجر للمرابطين عليها –من باب أولى-أعظم؛ فقد يهون الخطب لاحتلال جزءٍ يسيرٍ من الأرض إن سلم دينُ أهلها ودنياهم؛ ولكن أي بقاءٍ لأناسٍ هُددت عقيدتهم وانتُقصت من أطرافها؛ وأيُ معنى للدنيا بأسرها إن فُـقدَ الدينُ والإيمان, ووالله إن سُكنى القبور -عند ذاك- خيرٌ من سُكنى فاخر القصور, وتاللهِ إن مجاورة رمم الموتى أكرم من مساكنة عبيد الأعدى (الأعداء).
والمقصود أن وسائل وأدوات وأساليب هذا الاحتلال الفكري الخبيث كثيرة يبدعُها المكر الكُبّار والعداءُ المستحكم -سيما- لأمةٍ أعظمُ ذنوبها أنها رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولاً " وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد "؛ ومنها –أي من تلك الوسائل المشار إليها- (الابتعاث) الذي نراه يقذفُ بأبنائنا -وهم في غرارة الصبا وضعف الإدراك- إلى الأعداء, وهم –طبعاً- قد أَعدو للأمر عدتَه وجهزوا برامجَ متقنَة لإعادة صياغة هؤلاء الوافدين الجُدد وإن شئتَ قلت: الصيد السهل؛ حتى يعودوا إلباً على أُمتهم وخنجراً بيد أعدائهم, ولقد قام على إعداد تلك البرامج أعتى شيوخ الكفر وأذكى دهاة الفكر؛ كلٌ حسبَ تخصصه؛ فيتسللوا خفيةً ليسرقوا إيمانَ الواحد منهم ثم يلقوا مكانه بذرةَ الزندقة, وتعلمون-رعاكم الله- أن أساطين الكفر والتبعية من بني جلدتنا أكثرهم من أبناء البعثات إلى الغرب؛ لذلك فأنا أرى أن من ساق نعاجه إلى أودية الضباع ليس بأغبى ممن أخذ ثمرة فؤاده وأذكى ابنائه حتى وضع زمامهم في كف عدوه ثم راحَ ليغط في مراقد البلاهة ويحلم بالتنمية الشاملة والنهضة المرتقبة.
والحاصلُ أن سُعارَ الابتعاث شبَ عندنا ونشطت أياديه في رمي أبنائنا في أفواه الأفاعي الشقر لا لتبتلعهم فحسب بل لتعيد انتاجهم أفاعيَ مثلها تنهشُ في جسد أُمتنا المنهك, وإني على قناعة راسخة بأننا نستطيع –بإذن الله-مقاومة هذه الفتنة أو التخفيف من شرها وثمتَ اقتراحاتٌ لعلها تنير الطريق لمن أراد أن يبذل جهده, وتذكروا –أيها الإخوة- قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " ولا تحقرن من المعروف شيئاً " (رواه مسلمٌ وغيره),كما أنني لا اعترض على أصل فكرة الابتعاث لأننا بحاجةٍ ملحةٍ إلى كثيرٍ من العلوم التي برعَ فيها القوم؛ ولكن أن يكون ذلك على حساب الفكر والمعتقد أو ذريعةً إلى ذلك؛ فلا بد إذن من ضبطٍ لذلك وأن يُنظر إلى الأمر بأنها ضرورةٌ تقدّرُ بقدرها؛ أما أن تندفع (أو تُدفع)الجموعُ من أبنائنا زرافاتٍ ووحدان لتخصصاتٍ لا نحتاجها -في الوقت الحالي- أو هي موجودةٌ عندنا في حين أن الأموال المبذولة في ذلك تكفي لإنشاء جامعاتٍ على أحدث طراز وبأعلى مستوى وأن تُستقطبَ لها أعيان العلماء بكافة التخصصات فنقي الأجيال مخاطر الإغتراب, والمال متوفرٌ –بحمد الله- وكلكم يعلم أن عائدات النفط قد طفحت بها البنوك العالمية, وأحقُ ما بُذلت فيه الأموال هو التعليم الراقي وصون عقول وقلوب الأجيال, وبما أن المعركة فكرية بامتياز فلا ينبغي أن نعجز عن مقارعة الفكر بالفكر وبحمد الله فكثيرٌ من ميادين الصراع مفتوحة لمن أراد؛ ومنها الكتابة في الصحف وعلى (النت) والخطب والكلمات في المساجد وفي الأماكن العامة, ومعلومٌ أن خوض هذا المعترك يوجب استعداداً وتمكناً وما لا يتمُ الواجب إلا به فهو واجب وكذا ما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب, ولابد من التحذير العام وتنبيه الناس لهذه المخاطر وحشدهم -مثلاً- لمطالبة ولاة الأمر-وفقهم الله- لإيقاف هذه الفتنة فإن للمطالبات (المكثفة) والإلحاح ضغوطاً طالما أثمرت؛ ومعلومٌ أن حشد الناس هو ثمرةُ توعيتهم بالمخاطر وتبصيرهم بآثارها, ومن ابتلي إما بابتعاثه أو ابتعاث قريبٍ أو صديقٍ له فلا أقلَ من أن يدله وينصحه بأن يكون على صلةٍ بمشارع الخير من قنوات فضائية إلى مواقع جيدة إلى كتب مفيدة تسهمُ كلها في حمايتهم وتساعدهم على أن يُكوّنوا لأنفسهم سدوداً ذاتية تمنع أي اختراقٍ محتملٍ؛ فإن دواء الشبهة العلم والوعي الجيد وما أشرت إليه من تلك المشارع هي مظنة العلم والهدى.
وفي الخاتم فأنا انتظر من الإخوة –وفقهم الله- أن يضيفوا مزيداً من الاقتراحات ويبدعوا حلولاً لنجَابِه هذه الفتنة ونقوم بواجبنا أمام الله تعالى كلٌ حسب إمكانه؛ وتذكروا أن مشاركاتكم سيستفيد منها كثيرٌ من الناس إما لتصور أصل المشكلة أو لمزيد معرفة لأبعادها أو الوقوف على حلولٍ يستفيد منها,فرحم الله من نصر الحق ولو بشطر كلمة ولن يضيع ربنا أجر من أحسن عمل.
- بالمناسبة للدكتور عبدالكريم بكار كتابٌ مفيد بعنوان (الحصانة الفكرية).
رد: (المرابطون على ثغـورنا الفكرية)
بارك الله فيكم على هذا الطرح الهام ..
و حسب خبرتي الطويلة - و لا فخر - في هذه الميادين فإن الفائدة المدهشة العظمى هي عندما تستطيع مخاطبة اللطائف البشرية كلها معاً .... و هذا باب عريض إلى آفاق واسعة ..... فللحديث بقيات !؟
رد: (المرابطون على ثغـورنا الفكرية)
جزاك الله خير وهي دعوه دائمه للمخلصين وفقهم الله للايضاح ورد الفتن بما تيسر وحسبنا الله ونعم الوكيل
وأرجو من الأخ خلوصي ان يتفضل علينا بكيفية مخاطبة اللطائف البشريه كلها معا اسأل الله ان يبارك له فيماعلم وعلم والله اعلم
رد: (المرابطون على ثغـورنا الفكرية)
نعم .. جميل , أخي ( فهد النميري ) .
مسألة ( المقاومة ) و ( الاستثمار ) .. بالنسبة لأطروحات الغربيين وموقفنا منها .. تحتاج إلى تنويه !
وأيضاً :
المنازلة في الساحة ( الفكرية ) و ( الدعوية ) .. وطرح الحلول و محاسن النظريات السياسية الإسلامية .
وهنا تكمن أهمية ( المقاصد ) ... التي كنّا نتحدث عنها !
كذلك , أهمية ( ظاهرة التدين ) .. وقوتها وضعفها في التعامل مع الشؤون الإنسانية كافة !
يعني : ليكن لإسلامنا وتديننا ومفاصلتنا ( لكل ما هوَ " مخالف " ) وضوح على الساحة !
و قضية : ( تكلف المغايرة ) التي هيَ في عقولنا .. تأتي في ( اللاشعور ) من ( العقل الباطن ) مباشرةً , في تعاملنا مع الأطروحات !
ولنضرب ذلك مثالاً : إذا وافق اجتهاد أحد الفقهاء في مسألة ( مالية ) مع نتاج ( الفكر الغربي ) .. نحاول التبرير أو التراجع !
باختصار : ليكن لنا ( الثقل ) في ( الساحة ) , بمفاصلة واضحة و أطروحات مقنعة !
أنت الآن : لا تستطيع أن تجبر الناس على الأخلاق بل ... يجب إقناعهم .
لأن زمن ( الترهيب ) و ( الترغيب ) قد ذهب , لأن التسليم للنصوص قد طار من ( أذهاننا ) !!
وحياكم الله