ثقافة التفاؤل وأثرها في إدارة الصراع (2)
أبو يونس العباسي
- أحبتي في الله : إن احدا لن يصنع لنا التفاؤل إن لم نصنعه , وإن الأمر كما كان يعلمنا أساتذتنا في المدرسة : من جد وجد ومن زرع حصد ومن سار على الدرب وصل , وتظهر هذه الحقيقة قوية جلية , في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم قال :" المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولاتعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان" , حقا إخوتاه من تأمل هذا الحديث , فسيتبين له : أن أحدا لن يصنع لنا التفاؤل , إن لم نصنعه نحن , ولكن بالتوكل على الله , والاستعانة به , نصنعه بحول الله تعالى .
- أحبتي في الله : ولعل البعض يريد مزيدا من التوضيح فيقول : كيف أصنع التفاؤل ؟ فأقول له : اصنع التفاؤل بتعاملك الحكيم مع الأحداث وذلك بردها للكتاب والسنة , ليكون مسيرك على نور من الله تعالى , ولذلك فقد جاء عند ابن حبان , وحسنه الألباني : أن رسول الله كان إذا رأى ما يسره قال : الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات , وإذا رأى ما يسوؤه قال : الحمد لله على كل حال " , لا زلت تسألني : كيف أصنع التفاؤل ؟ اصنع التفاؤل بحسن مظهرك , فإن الله جميل يحب الجمال , والتجمل والتزين مطلب شرعي , قال الله تعالى :" يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" , والاستمتاع بالدنيا ليس حراما طالما لا تستخدمه في الحرام , ولا يلهيك عما أمرك به ربك , قال الله تعالى :" قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" , وهنا لا بد أن يعلم أن تلكم المشية التي تظهر صاحبها وكأنها أتعس أهل الأرض , لا يجوز للمسلم أن يمشيها , قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يوما لرجل قد تماوت في مشيته : " يا هذا ارفع رأسك , متى أمت علينا ديننا " , وإننا ونحن نواجه أعداء الله تبارك وتعالى " عربا وعجما " , لا يجوز لنا أن نظهر لهم الجزع واليأس والضضعف والتشاؤم , ولذلك فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه في عمرة القضاء : " رحم الله امرءا أراهم من نفسه قوة " , وقال في حق أبي دجانة لما مشى بين الكافرين مختالا :" إن الله يكره هذه المشية إلا في هذا الموطن " .
- أحبتي في الله : وإننا نستطيع أن نصنع التفاؤل بنشر البسمة في المجتمع الذي نحيا فيه , فإننا لن نسع الناس بأموالنا فلنسعهم بأخلاقنا , ببسمتنا , بطلاقة وجوهنا , أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال : "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق", وعند الترمذي من حديث أبي ذر وصححه الألباني : أن رسول الله قال : " تبسمك في وجه أخيك صدقة " , إن من نافلة القول أن نقول : بأن مجتمعا ينتشر فيه التفاؤل من الصعب أن يقهر , من الصعب أن ينكسر , من الصعب أن يخضع أو يخنع , والأمر كما يقول الشاعر : وتصغر في عين العظيم كبارها *** وتكبر في عين الصغير الصغائر, وإنما تصغر الأمور العظام بالتفاؤل , وتكبر الصغائر بالتشاؤم , وكذلك بالنظرة السلبية لما يحيط بالإنسان .
- اصنع التفاؤل بمرافقة المتفائلين , فإن الصاحب ساحب كما يقال , أخرج أبو داوود في سننه وصححه الألباني من حديث أبي هريرة : ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" المرء على دين خليله , فلينظر أحدكم من يخالل " , اصنع التفاؤل بتلكم النظرة الإيجابية للكون وما فيه , لا بتلكم النظرة السوداوية القاتمة الحالكة , انظر دائما إلى الجانب المشرق من الأحداث , وأهمل الجانب المظلم , انظر إلى الكأس الممتلئ من الزجاجة , وأهمل الفارغ , أخرج أبو داوود في سننه وصححه الباني من حديث أبي هريرة : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال :" إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم " , عندما تبتلى , انظر إلى إيجابيات البلاء , واعلم ان كل ما قدر الرحمن محمود , وان قضاء الله وقدره كله خير للعبد , علم ذلك أم لم يعلم , ولا بد ان نتذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في هذه الأمة , كما عند أحمد وصححه الألباني : "مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره" ,اصنع الفأل بالكلمة الطيبة , أخرج الترمذي في سننه , وصححه الألباني عن أنس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" لا عدوى ولا طيرة , وأحب الفأل , قالوا يا رسول الله وما الفأل ؟ قال : الكلمة الطيبة , أما الكلمة التي تنشر الجزع والخوف والتثبيط فهي كلمة لا تصدر إلا عن منافق , قال الله تعالى :" لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُون َ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا *** مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا *** سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا " , والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول كما في الصحيح من حديث ابي هريرة :" ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر , فليقل خيرا أو ليصمت " , ولا ننسى هنا ان نقول كذلك : بأن الكلمة الطيبة صدقة , فعند ابن خزيمة من حديث أبي هريرة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم قال :" الكلمة الطيبة صدقة , وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة " , اصنع التفاؤل : بالثقة بالله , بالتوكل عليه , بإشغال نفسك بما ينفعك , بالقراءة في سير الصالحين , بقراءة القرآن , بالدعاء , بالصبر ...... وغيرها من الوسائل الكثيرة التي تعينك على صناعة التفاؤل ,
- أحبتي في الله : ومن الجدير ذكره هنا : أن التشاؤم واليأس والقنوط , ليست صفة لعبد مؤمن , إنما هي من صفات الكافرين الفاجرين , قال الله تعالى :" يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ " , وقال ربنا سبحانه وتعالى :" ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون " , أن كلمة مستحيل وغير ممكن , كلمة لا توجد في أجندة رجل العقيدة , قالت امرأة في يوم ما : "لو أسلم حمار الخطاب لأسلم عمر بن الخطاب " , فأسلم عمر وأصبح أميرا للممؤمنين , وأصبح أفضل هذه الأمة بعد نبيها وأبي بكر, وهكذا كان الكثيرون فهداهم الله تعالى , لأن الله على كل شيئ قدير , وكل شيئ عليه يسير .
- أحبتي في الله : إن الصعاب لن تدوم , سيغيرها الله , وسيفرجها الله تعالى , قال الله تعالى :" فإن ع العسر يسرا *** إن مع العسر يسرا *** فإذا فرغت فانصب *** وإلى ربك فارغب " , ويقول الرحمن الرحيم :" حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ" , ويقول جل شأنه :" وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ" .
أحبتي في الله : لن يغلب عسر يسرين , ولو كان العسر في جحر ضب للحقه اليسر , وإن أشد الأوقات حلكة هي الساعة التي تسبق طلوع الفجر , قال الشاعر : ضاقت حتى إذا استحكمت حلقاتها *** فرجت وكنت أظنها لا تفرج
أحبتي في الله : سنرفع رايات التوحيد فوق قبة الصخرة والمسجد الأقصى , سترفع الرايات فوق البيت الأبيض , وسنحوله لمسجد يسجد ويركع فيه لرب العالمين , إنهم يرونه بعيدا , ونراه قريبا , وإنا لصادقون .