سُداسِيةُ* العِلم* الشافعية*...!
سُداسِيةُ* العِلم* الشافعية*...!
حمزة بن فايع الفتحي
•* لكل* مُنجَز* ومَنال* مقدمات* وعوامل* تبلّغ* إليه،* فالعلم* مثلا* لا* يحصل* بالأماني* ولا* الخيالات* أو* الأحلام،* وإنما* بأمور* إذا* استجمعها* الطالب* بلغ* مراده،* وحقّق* مقصوده*...!
•* واشتهر* بيتان* للإمام* محمد* بن* إدريس* الشافعي*(*٢٠٤ *)هـ* رحمه* الله،* ضمّنها* (سداسية* تحصيل* العلم*)،* يقول* فيهما* :
أخي* لن* تنال* العلم* إلا* بستةٍ* ...
* سأنبيك* عن* تفصيلها* ببيانِ*...
ذكاءٌ* وحرصٌ* واجتهادٌ* وبُلغةٌ*... وصحبةُ* أستاذٍ* وطولُ* زمانِ*..!
•* والإمام* هنا* رحمه* الله* يجعل* قانونا* سليما* لبلوغ* العلم،* ومقدمات* لابد* منها،* ومقومات* يتعين* ركوبها* وامتطاؤها،* وهي* مما* نص* عليه* حذاق* العلماء،* وربما* يخالفه* بعضهم* في* عدها* أو* أسمائها* ،* ولكنها* شبه* متفق* على* أكثرها* .
•* وهما* مع* اشتهارهما* ،* قليل* من* الطلاب* من* يمتثل* طريقها،* أو* يطبق* قانونها،* فيأخذها* بمأخذ* الجد،* ويشحذ* همته* للعمل* بموجبها،* لأن* العلم* أعلا* المراتب،* وأنبل* المقاصد،* ولا* يوصل* إليه* إلا* على* جسر* من* التعب،* ومطايا* من* النصب* والتصبر،* وفِي* الحديث* الصحيح* «ومن* يتصبر* يصبّره* الله» * . وهذه* العوامل* السداسية* أسس* الفوز* والبلوغ* والتحصيل* ....! قال* أبو* تمام* الطائي* : َ* بصرتَ* بالراحة*ا لكبرى* فلم* ترها*...تُنال* إلا* جسر* من* التعبِ*...!
فأولاها* : الذكاء* المولّد* : لليقظة* وسرعة* الفهم* وبُعد* البلادة،* بحيث* لا* يشق* المحفوظ،* ولا* يتعسر* المفهوم،* أو* يستبطئ* المدروس،* فمن* لم* يتوفر* له* حد* أدنى* من* الذكاء* والوعي* عز* عليه* العلم،* وانكشف* له* الحال،* بأن* العلم* ليس* مجاله،* ولا* محل* وجوده* وراحته* ...! ولكن* هذا* الذكاء* لا* يجدي* بلا* زكاء* وتقوى،* لأنه* قد* يورث* المهالك،* إذ* كم* من* ذكي* عمي* عن* الحق،* أو* خالطه* الهوى،* أو* كبّه* ذكاؤه* على* وجهه* في* مهاوي* الردى*...*! وقد* قال* الأئمة* في* أبي* العلاء* المعري* الشاعر* المعروف* ونظرائه* كان* ذكيا* ولَم* يكن* زكيا*...! والناظم* يستصحب* في* طالب* العلم* الشرعي* حصول* التقوى* ابتداء،* ثم* يرشده* إلى* الأسس* المادية،* والتي* لابد* منها* .
ثانيها* : حرص* بليغ*: على* جمع* العلم،* وحيازة* الكتب،* وصون* الوقت،* والتقاط* الفرائد،* ولمّ* الدرر،* اهتماما* ورغبةً،* بحيث* يقال* له* : فلان* حريص* ،* وشخص* جاد،* وعنصر* متوقد،* كما* قال* الحافظ* ابن* عقيل* وحمه* الله* في* كلمته* المشهورة*:( إني* لا* يحل* لي* أن* أضيع* ساعة* من* عمري،* حتى* إذا* تعطّل* لساني* عن* مذاكرة* ومناظرة،* وبصري* عن* مطالعة،* أعملتُ* فكري* في* حالة* راحتي* وأنا* منطرح،* فلا* أنهض* إلا* وقد* خطَر* لي* ما* أسطّره* )
وقال* أيضا*: أنا* أقصّر* بغاية* جهدي* أوقات* أكلي،* حتى* أختار* سف* الكعك* وتحسية* بالماء* على* الخبز،* لأجل* مابينهما* من* تفاوت* المضغ،* توفرا* على* مطالعة،* أو* تسطير* فائدة* لم* أدركها* فيه*.... فهنا* تلحظ* اغتنام* الأوقات،* وتخفيف* الأكل،* واختيار* ما* لا* يضيع* وقتا،* أو* يرهق* جسدا*...!
ثالثها*: اجتهاد* متين*: لا* يعرف* الكلل،* ولا* يطل* عليه* الملل،* فهو* في* دأب،* وجد* وسهر،* وسفر،*.... يؤثر* العلم* على* الراحة،* والتعب* على* الطرب،* والبحث* على* اللغو* والمزاح،* مستفرغا* الوسع،* وباذلا* بلا* تقصير،* قال* تعالى* : {خذوا* ما* آتيناكم* بقوة}
رابعها*: بُلغة* كافية*: تسد* الحاجة،* وتكف* السؤال،* وتمنع* الانشغال،* وتجعل* طلاب* العلم* في* مأمن* من* الشحاذة* والفقر* والاستجداء،* وتعين* على* القُنية* العلمية،* وقد* نص* الإمام* أحمد* رحمه* الله* في* أدب* المفتي*: على* الاستغناء* عن* الناس* ،* وقال* سفيان* الثوري* رحمه* الله* لما* شوهدت* الدنانير* في* يده،* كما* في* الحلية* وغيره* ،* أنه* جاءه* رجل* فقال* : يا* أبا* عبدالله* ! تُمسك* هذه* الدنانير*... ؟*!
فقال* : اسكُت* ،*.. لولا* هذه* الدنانير* لتمندل* أي* : لتمسح* بنا* هؤلاء* الملوك* ...! وقد* يفتقرون* أحيانا* بسبب* ضغوطات* الحياة* ومصاعبها* ،* فيصبرون،* وعلى* ربهم* يتوكلون،* ويعدون* الفقر* أسلم* وأعون* على* العلم* من* الغنى* والترف،* حتى* قال* القائل* :
•* قلت* للفقر* أين* أنت* مقيمٌ*...قال* في* عمائم* الفقهاءِ؟*!... إنّ* بيني* وبينهم* لإخاءً* ... وعزيز* عليّ* قطع* الإخاءِ*
وقال* ابن* القيم* في* اعلام* الموقعين* (4/204*) : وقد* كان* لسفيان* شيء* من* مال* ،* وكان* لا* يتروّى* في* بذله* ،* ويقول* : لولا* ذلك* لتمندل* بنا* هؤلاء .
فالعالم* إذا* مُنح* غناءً* فقد* أعين* على* تنفيذ* علمه* ،* وإذا* احتاج* الناسَ* فقد* مات* علمه* وهو* ينظر* ....! يقصد* أنه* مضطر* للعلم* والشغل* التجاري* الصارف* عن* التدريس* والمراجعة* ونفع* الخلائق* .
خامسها*: صحبة* أستاذ* : المتمثل* في* شيوخ* العلم،* وأقطاب* الفقه،* وصيارفة* المعرفة،* لأنهم* كالأطباء* تشخيصا،* والدلائل* طريقا،* والبراهين* إقناعاً،* والشموس* إضاءة،* قال* موسى* في* قصته* مع* الخضر* عليهما* السلام* { {هل* أتّبعك* على* أن* تُعلّمنِ* مما* عُلّمتَ* رُشدا} * [ سورة* الكهف] * . فهم* يعينون* على* الفهم،* ويثبّتون* على* الجادة،* ويذللون* الصعاب*. وقال* السلف* في* حكتمهم* الرائعة*: من* دخل* العلم* وحده،* خرج* وحده* . ومن* ثَم* حذّروا* من* اللياذ* بالكتب* دون* شيوخ،* ومن* حفظها* بلا* اتعاظ* وتفقه،* قال* الشافعي* رحمه* الله*: من* تفقه* من* بطون* الكتب،* ضيّع* الأحكام* ). واتسعت* المقولة* الأخرى* ( من* كان* شيخُه* كتابَه،* كان* خطؤه* أكثرَ* من* صوابه*...!
سادسها*: طول* زمان*: ويعنون* بها* الخبرة* والممارسة،* والتدريب* العلمي* على* الدرس* والإلقاء* والحوار،* وسرد* المطولات،* والمناظرات* والاستنباطات* والتأليفات* والكتابة* ،* بحيث* يتحقق* معها* النضج* وبلوغ* الحكمة،* وعدم* الحماس* والاستعجال* ،* قال* تعالى*: {وكان* الإنسان* عجولا} * سورة* الإسراء* . وقال* عليه* الصلاة* والسلام* لأَشجّ* عبد* القيس* : «إن* فيك* لخصلتين* يحبهما* الله*: الحلم* والأناة» *.
والدليل* على* ذلك* اختيارات* المرء* في* أول* حياته،* تغاير* اختياراته* بعد* سن* النضج* والدراية،* حتى* على* المستوى* الدنيوي،* فكيف* بالعلم* الأخروي* المقرب* إلى* الله* تعالى* ...؟*! واذا* انضاف* الى* ذلك* خب* ظهور* واعجاب* قبل* التمكن* والتحقق* كان* خيبة* على* صاحبه،* وقَالَ* سحنون* بْنُ* سَعِيدٍ* المالكي* رحمه* الله* : أَجْسَرُ* الناس* على* الْفُتْيَا* أقلّهم* علما* ،* يكون* عِنْدَ* الرجل* الْبَابُ* الواحد* مِنْ* الْعِلْمِ،* يظن* أَنَّ* الحق* كله* فيه.
وكم* من* عالم* وطالب،* تراجع* عن* كتب* وفتاوى* واختيارات* ومواقف،* بسبب* مرحلته* العمرية،* وتوقيعه* المبكر،* وحينما* بلغ* أشده،* ونال* رشده،* وأتم* عمقه* ،* ظهرت* له* تراجعات* وأحيانا* ندامات*...!!
ومن* ذلك* أئمة* أجلة* تأسفوا* من* استعجالهم،* أو* عدم* تحريرهم* بسبب* الضيق* والانشغال،* فكيف* بطلاب* زماننا*...؟*!
وعلى* سبيل* التمثيل* هنا*: تعقبات* العلامة* الذهبي* على* الحاكم* رحمهما* الله* في* تلخيصه* للمستدرك،* ورواجها* بين* طلاب* العلم،* وقد* أثنى* هو* وقسّم* الكتاب،* ثم* قال* كما* في* ترجمة* الحاكم* في* السير* وبكل* حال* فهو* كتاب* مفيد* قد* اختصرته* ،* ويعوز* عملا* وتحريرا*.
والحافظ* ابن* حجر* مع* كثرة* تصانيفه* فقد* قال* في* آخر* حياته* كما* نقله* تلميذه* السخاوي* رحمه* الله* : ( لستُ* راضياً* عن* شيء* من* تصانيفي؛* لأني* عملتها* في* (ابتداء* الأمر*)،* ثم* لم* يتهيأ* لي* مَنْ* يُحرِّرُها* معي،* سوى*: *«شرح* البخاري*»،* و* *«مقدمته*»،* و* *«المشتبه*» * و* *«التهذيب*» * و* *«لسان* الميزان*»،* وأما* سائر* المجموعات* فهي* كثيرة* العَدَد* واهية* العُدَد،* ضعيفةُ* القُوى،* ظامئة* الرُّوى* ). فهذان* نموذجان* تؤكدان* أهمية* الطول* الزماني* والخبرة* المعرفية* للمرء،* بحيث* يسلم* الاعتراض* والتذبذب* ،* وكثرة* الملام* ،* وقد* قيل*:( من* تعجل* شيئا* قبل* أوانه،* فقد* تصدى* لهوانه* ).* وفِي* معنى* ذلك* ومناحيه*: الفتاوى* المستعجلة،* والمواقف* الحماسية،* واندفاعات* الشباب* الصغار،* والنشرات* غير* المنقحة،* حتى* لو* زعموا* ما* زعموا،* وقد* بدا* عليها* ضعف* الاستدلال،* أو* قلة* الخبرة،* أو* شغل* حُطاب* الليل*...! لأن* العلم* عزيز* نفيس،* ولا* يحسن* يؤديه* إلا* الأعزة* الكَملة،* كما* قال* تعالى* :( فاسألوا* أهل* الذكر* إن* كنتم* تعلمون* )سورة* النحل* والأنبياء* .
وأهل* الذكر* هم* من* اكتملوا* علما* وفهما،* وأتقنوا* وعيا* ودراية*...! ومن* فائدة* طول* الزمان* العلمي*: (تحقيق* الملَكة*) في* العلوم* ،* وهي* التي* تعني* الهضم* واللم* وحسن* الدراية* والإحاطة* بفن* من* الفنون* رسوخا* وإبداعاً*...!
فجزى* الله* الإمام* الشافعي* رحمه* الله* على* حسن* التوجيه* ورسم* المسار،* ودلالة* الطريق،* ولكن* من* يتعظ* ويبادر* بلا* تردد* أو* اضطراب* ...؟*! والله* ولي* التوفيق*....