-
مسار لتصويب التاريخ
مسار لتصويب التاريخ
القاهرة - إسلام لطفي وعبدالله شريف
«اقرأوا التاريخ، إذ فيه العبر.. ضل قوم ليس يدرون الخبر». دائما وأبدا وكلما واجهت أمتنا نازلة نجد من يهمس في آذاننا أن اقرأوا التاريخ، فمآسي الماضي هي عبر المستقبل، وسنن الله لا تتغير ولا تتبدل. وعدوك قديما هو ذاته عدوك الآن وغدا، مهما تلون وتقنع، فإذا كانت قراءة التاريخ أمرا لا غنى عنه، فكيف بتدوين التاريخ ذاته وتأصيله وتصويبه من الدخل والشوائب.. هذا ما ينبه إليه عديد من الخبراء وأساتذة التاريخ التقتهم «الوعي الإسلامي» ليضعونا أمام مسار صحيح في تدوين التاريخ وتصويبه، فإليهم.
بداية، يؤكد د. بسام شماع، مؤرخ وعالم مصريات، أن لتدوين التاريخ أهمية كبيرة في حياة البشرية، فإذا قرأنا التاريخ واستوعبناه لن نكرر أخطاء وكوارث الماضي، فمن التاريخ وتوصيفه وتوثيقه نستطيع أن نقرأ عن عقيدتنا وعن نشأة دولة الإسلام، وأن نسير على ذات الطريق الذي بنيت من خلاله نهضتها وحضارتها التي أنارت الغرب والشرق، فكيف نكون أمة اقرأ ونحن لا نقرأ؟!
وأضاف شماع أن تدوين التاريخ يضعنا أمام مواطن القوة والضعف، ومن ثم يمكننا من تنمية أسس القوة وتجنب عوامل الضعف، فعلى سبيل المثال: حضارة الأندلس كانت نبراسا للحضارات في زمن من الأزمنة، ولنعرف أسباب سقوطها لابد أن نبحث عن المتشابه من الأحداث في الكتب والمخطوطات التي رسمت حول تلك الفترة، فنجد أن هناك عدوا داخليا وخارجيا وصراعات ومعارك طاحنة بدأت بينهم ساعدت على الانهيار. ومن هنا ندرك أن التدوين تذكرة للجميع: كيف كنا وكيف أصبحنا، فبدونه لم نكن نعرف شيئا عن حضاراتنا، وفي حالة غياب شخصيات قيادية في دولة الإسلام وغياب شخصيات تواجه أعداء الإسلام كان لابد من وجود تذكرة لقادة الدول الإسلامية عن انتصاراتنا وكيف بنيت الحضارات بالقوة لا الوهن، والبعض يقلق من مقارنة التاريخ بالحاضر ويؤرق نومهم ذلك الوهن الذي أصبحنا عليه الآن.
رموز تاريخية
وأضاف شماع: بنظرة حقيقية في تدوين التاريخ نجد إعلاء قيمة العمل ونتذكر كيف تصدرنا الحضارات وكيف كانت للعمل قيمة مهمة في تاريخنا، وفي أغلب الأمثلة التاريخية نجد الشباب تصدروا الموقف وهم من أعلوا مكانة الحضارة الإسلامية، وكان ذلك في أوائل أعمارهم، فنجد محمد الفاتح الذي فتح القسطنطينية وهو في العشرينيات، ومحمد بن القاسم من فتح بلاد السند وكان عمره 18 عاما، وعمر بن عبدالعزيز الذي حكم سنتين و5 شهور وبضعة أيام وحقق فيها الاكتفاء الذاتي في كل شيء، فلم نجد وقتها شابا غير قادر على الزواج أو أسرة جائعة أو رجلا محتاجا، وهذه الأمثلة ينبغي أن تكون نموذجا للقادة في الوقت الحالي، وألا يقللوا من دور الشباب المتحمس الذي لا يحتاج فقط إلا للفرصة، وليس للتنقيص والتحييد، ولديه استعداد لقيادة الأمة الإسلامية بأسرها.
أيضا من أبرز الأمثلة التاريخية: الدمشقي الذي اخترع سائلا أحرق به أبراج الصليبيين وكان البرج يحمل 500 جندي صليبي، وكانت الأبراج في وقتها صعبة الاختراق، لكن الاستفادة من عقول الشباب وهممهم وإرادتهم وإعطاءهم الفرصة وإيمان القادة الكبار وقتها في عزيمتهم كانت وراء نجاح تلك الحضارات في وقتها، فبقراءة التاريخ نستطيع أن نستفيد منه في الوصول إلى أهمية الشباب وكيفية الاستفادة من هذه القيمة الكبيرة في بناء الحضارات.
وعن تحري الحقيقة في التدوين، أضاف أنه من أعظم مميزات تاريخنا المخطوطات التاريخية أمثال الرازي وابن سينا والجزري والبيروني، فالحضارة الإسلامية موثقة بالمخطوطات التي تمكننا من تنقيح حضارتنا.
واقترح عالم المصريات إنشاء مؤسسة تضم علماء من مختلف الدول الإسلامية من غير ذوي الاتجاهات أو الأجندات الخاصة بهم، يكون أساسها الإخلاص للمادة التي يكتبونها وفي النهاية يخرجون مجلدا تاريخيا محترما وموثقا بأيد إسلامية وبلغة يسهل فهمها، لفئة عمرية أقل من 15 عاما، بحيث يتم تنقيح المحتوى ليصل المستوى العلمي المطلوب تلك الفئة العمرية ثم إخراج المجلد لفئة عمرية أقل من 8 أعوام عن طريق ألعاب وصور وألغاز، بحيث تحبب للطفل فكرة قراءة التاريخ ومعرفة حضاراته السابقة بشكل يسهل فهمه ويتم تربية النشء على إعلاء قيمة الحضارة التاريخية.
وتابع: «من المؤسف أننا لم نقدر بعد القيمة من وراء حضارتنا الإسلامية في ظل احترام الآخر لها، فنجد على سبيل المثال أن الصهاينة أنشأوا متحفا للفن الإسلامي داخل القدس المحتلة من بين ما يحويه مخطوطة الجزري التي توثق اختراعه للساعة المائية الأوتوماتيكية، ونحن هنا ماذا فعلنا لمخطوطة الجزري؟!».
وقال: إذا تطرقنا لفكرة المستشرقين وكتابتهم للتاريخ فنجد مجموعة من الأسماء للمستشرقين الموثوق فيهم، من وجهة نظري المتواضعة، على سبيل المثال: جورج فارسون صاحب مجلد تاريخ العلم والذي تطرق فيه إلى الحضارات الإسلامية بكافة تطوراتها، أيضا زيغريد هونكه صاحبة مجلد «الله ليس كمثله شيء» و«شمس الله تشرق على الغرب» وغيرهما من المستشرقين الموثوق فيهم والأقرب إلى الموضوعية والأوقع في نقل التاريخ، فنجد للمستشرق أيضا أهمية بالغة، فكتابات المستشرقين تفسر رؤية الآخر عنا، فنعرف إلى أي مدى اعترف بحضاراتنا وبأهمية تلك الحضارات. ولكن، تكمن خطورة المستشرق في اتجاهاته أثناء كتابة التاريخ، حيث التزييف، ومن المفترض ألا يؤرخ التاريخ وبشكل عام في خضم الفترة الزمنية التي يكتب عنها حتى نضمن كتابة التاريخ بشكل سليم ويسري في مساره الصحيح بعيدا عن أي تنويهات شخصية أو اتجاهات. ولذلك علينا الحذر في قراءتنا للمستشرقين.
وأشار إلى كارثة حلت بنا في الزمن الحالي وهي عدم الأمانة في نقل الوقائع، وكثرة التهويل، ودس الأكاذيب، وغياب الذمم، وكان القدماء يعملون على تنقيح المعلومة خوفا من ضياعها واهتموا كثيرا بالدقة في المعنى والوصف عن الزمن الحالي.
المسار الصحيح للتدوين
من جانبه، أكد أستاذ التاريخ والفكر الإسلامي المعاصر د. مصطفى معوض ضرورة تنقيح التاريخ من خلال ما يعرف بعلم «المقارنة التاريخية»، فيجب الاطلاع على أكثر من مؤرخ والمقارنة بينهم في المعلومات بل وفي حياتهم وطرق تجميعهم المعلومات، ومن ثم الأخذ بالأقرب إلى العقل.
وتابع: «الاعتماد على العقل وعلم المقارنة وتحري الحقائق الأقرب للعقل هما الطريق الأسلم للمسار الصحيح في تدوين التاريخ وتأريخه وتوصيفه على الشكل الذي كان عليه، وينقح التاريخ أيضا من خلال باحثين ثقات من ذوي الخبرة والمعتمد عليهم. ولكتابة الفترة التاريخية المؤرخ لها يجب مرور فترة من الممكن أن يقدر لها بمرور جيل كامل.
وعن دور المستشرقين في النقل، أكد أن هناك عددا لا بأس به من المستشرقين الموثوق فيهم، وعلى سبيل المثال «جولد تسيهر» الذي أرخ لمذاهب التفسير إلى حد كبير من الموضوعية رغما عن وجود نقد له في كتابه إلا أنه يعد من المؤرخين الأقرب للحيادية ومن الممكن الرجوع لهذا الكتاب للاعتماد عليه في معرفة هذه الفترة التاريخية.
خريطة المستقبل
بدوره، أكد المؤرخ وأستاذ التاريخ الحديث والمعاصر د. زكي البحيري أن مناقشة موضوع تدوين التاريخ، وخاصة العربي والإسلامي، شائكة جدا، حيث نتحدث في أنظمة حكم مختلفة وطرق كانت بدائية تطورت شيئا فشيئا.
وأضاف أن هناك أخطاء كثيرة في طريقة التدوين وأهداف التدوين تسبب كثير منها في ضياع التاريخ وتشوهه، ولابد من وقفة حقيقية لمواجهة هذه الجرائم التي أثرت على أجيال طويلة وأخفت حقائق متعددة.
وعن أهمية التدوين، أكد أنه بمثابة خريطة للمستقبل تسير عليها الأجيال، فإذا كانت الخريطة كاذبة عاش من سار خلفها في التيه، وتفرقت أحلامه، وضعفت أساساته.
وأشار إلى أن أحداثا كثيرة سقطت من التاريخ، بل وصلت في بعض الأمر إلى سنوات طويلة، والتاريخ في الغالب يجمع ويؤرخ ويجمع من مصادر ومراجع وموارد مختلفة، ففي التاريخ المعاصر يعتمد المؤرخ والمدون على المراسلات والمؤتمرات والمستندات والدساتير والمجالس النيابية وضبطيات «المجالس النيابية» والصحافة بشكل عام ومكاتبات الشهر العقاري والوثائق الخاصة بالملكيات والأراضي وبيعها وشرائها ودار الوثائق بالوزارات المختلفة والمحاكم والقرارات الصادرة من المحاكم التي تكتب وتحفظ كالحوادث المختلفة، بالإضافة إلى وثائق سرية عسكرية كأعداد الجيش والأسلحة ووثائق اجتماعات القادة العسكريين وتكتيكاتهم، وتظل سرية لفترة معينة (كما في بريطانيا) وتحدد فترة لإعلانها.
وتابع: «فترات كتابة التاريخ في العصر الإسلامي كانت تعتمد على مدونين كالطبري وابن حوقل وابن خلدون والإدريسي والمقريزي وابن كثير وابن خلدون والذهبي وابن الشماع وابن عساكر وابن منظور وعبدالرحمن الجبرتي وغيرهم، ومن أبرز المشاكل التي واجهها المؤرخ القديم غياب الوثائق، فمنها من كان يأخذ صفة السرية، وغياب وسائل التواصل كان له تأثير كبير على دقة المعلومة، وغطى جزءا من ذلك المخطوطات، مثل التي جمعت في دار الوثائق القومية، والهيئة العامة للكتاب.
وأشار إلى أن التاريخ الإسلامي والعربي لم يخل من بعض المدونين وكتاب التاريخ الذين روجوا للحاكم، سواء كان خليفة أو أميرا أو حاكما في فترة زمنية معينة، وكانوا يستخدمون التهويل والمبالغة وانتقاء الأحداث التي ترضي الحكام، كي يزيدوا من المبالغ المدفوعة، ويستبعدون بعض الأحداث المهمة.
وأضاف أن التأريخ الفعلي بدأ في العصر العباسي ولكن البداية كانت غير دقيقة أيضا، فالمؤرخ كان يكتب ما شاهده وما رآه في فترة زمنية معينة وربما غلب عليه النسيان.
وتابع أن من أهم الفترات التي اعتدلت فيها الدفة نوعا ما هي القرن الثالث مع بداية ترسخ فكرة كتابة تاريخ إسلامي، وساعد في ذلك عدد كبير من المؤرخين، منهم محمد بن جرير الطبري وأبوحنيفة الدينوري واليعقوبي.
وأضاف أن ذلك لا يعني أن فترة الصحابة لم يكن فيها تدوين، لكنه لم يكن علما بعد، مشيرا إلى بداية التاريخ الهجري على يد عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" وبداية كتابة 10 سنوات وقصص الصحابة مع الرسول " صلى الله عليه وسلم" وعملية «العنعنة» وتاريخ الفرس والروم، وهذه الخطوة كانت نقلة هائلة في بداية التاريخ الإسلامي، ومن أبرز روادها عبدالملك بن هشام المؤرخ العربي، ومن أهم أعماله «السيرة النبوية».
وأشار إلى أن مقولة «التاريخ يكتبه المنتصرون» حقيقية جدا، ومن أبرز الحلول لتنقيح التاريخ إعادة كتابته من أجل الأجيال المقبلة التي تأثرت بمبادئ الغرب، ويجب عقد مؤتمرات عنوانها تنقية التاريخ وإيجاد تاريخ عربي مشترك.
وتابع أنه لتنقية التاريخ مما جاء فيه من أخطاء من المدونين أو المستشرقين فلابد من عقد مؤتمرات وورش كبيرة يكون هدفها خدمة الأمة وليس التحصل على مكاسب شخصية، مشيرا إلى أن عملية التنقية في منتهى الصعوبة وتحتاج جهدا ووقتا وبحثا هائلا.
وأشار إلى أن المستشرقين على أحوال مختلفة، فبعضهم عرف عنه الدقة وآخرون جاءوا للإضرار بل لتخريب التاريخ وكان بعضهم عبئا على التدوين.
تاريخ العرب مظلوم
أما د. محمد عفيفي، المؤرخ ورئيس قسم التاريخ بجامعة القاهرة، فأكد أن تدوين التاريخ أساس لحياة الإنسان، حيث يعد حفظا لذاكرته، وكلما زاد وعي الإنسان زاد حرصه على تدوين التاريخ وفهمه والاستفادة منه، لذلك نجد أن العرب أقل الشعوب قراءة للتاريخ، وبالتالي لديهم مشكلات تتكرر أخطاؤها والوقوع فيها، ونجد أن الديمقراطية والوعي الثقافي والتنمية تزيد من الحرص على قراءة التاريخ.
واستطرد قائلا: التاريخ مظلوم مع العرب والمسلمين، وإذا رأينا المساحة المعطاة للتاريخ في وسائل الإعلام أو في حجم الكتب التي تصدر فسنجدها قليلة، أو حتى في صناعة القرار، فمن يصنع القرار ومن حوله يجب أن يكونوا قارئين جيدين للتاريخ حتى يعرفوا السبل الصحيحة.
وعن المصاعب في رحلة البحث عن المعلومات الصحيحة، أكد أنها مشكلة في العالم العربي، لعدم إتاحة المعلومات والوثائق، وفرص الرأي والرأي الآخر في كتابة التاريخ، وإذا وجدنا ذلك فستكون هناك سهولة في كتابة التاريخ بوجهات نظر مختلفة وسهولة في الاستفادة منه لرسم خطوات المستقبل.
وعن وجود تواريخ منسية تعزز من دور أمتنا الحضاري أكد أن هناك أشياء كثيرة جدا، ويجب استقراء التاريخ للاستفادة من الأخطاء.
إعادة نظر
بينما أكد المؤرخ الإسلامي د. مجاهد الجندي أن المؤرخ ينبغي أن يكون أمينا في نقله للحدث التاريخي، عكس ما يفعله البعض ممن يميلون إلى الحكومات والحكام ولا يكتبون التاريخ الحقيقي للأحداث، لافتا إلى أن التاريخ ظلم بسبب بعض المؤرخين الذين يميلون ميلة واحدة مع الحاكم، كما أنه ظلم من الدول نفسها لأنها لا تفرج عن الوثائق إلا بعد ما يقرب من 100 عام، لأن أصحاب الأحداث يكونون على قيد الحياة، والمؤرخ قد يصيبه الضرر أو الموت نتيجة كتابته عن هؤلاء الأشخاص الذين أفسدوا في الأرض.
وشدد على أنه لابد من إعادة النظر في كتابة التاريخ مرة أخرى، حيث أصبحت الوثائق والأرشيفات أيسر من ذي قبل، ومن ثم يمكن إعادة كتابة التاريخ بصورة أفضل، لكن لابد من اختيار المؤرخين الذين سيقومون بذلك بدقة، ولا ينبغي أن يكتب التاريخ غيرهم، لاسيما ضرورة الاستفادة من الأحداث التاريخية وما فيها من جمال وقوة المسلمين وعظمتهم في الفتوحات الإسلامية، مثل الحروب الصليبية وانتصار المسلمين، والفتوحات الإسلامية في الأندلس وبلاد المغرب والمشرق وآسيا الوسطى، فكلها أحداث في غاية الأهمية في التاريخ الإسلامي، ولابد من التركيز عليها، لأن المستشرقين أعداء الإسلام كتبوا عن التفكك الإسلامي وفي أشياء تضر تاريخ المسلمين، فيجب تنقية التاريخ من هذه الشوائب.
وأضاف: هناك أحداث كثيرة ينبغي التوقف عندها، فهناك معركة عين جالوت وكيف انتصر المسلمون فيها على التتار لأنه لو هزم المسلمون لضاع الإسلام وتغير التاريخ، وانتصار المسلمين في هذه المعركة جعل الأعداء يدخلون الإسلام، وأصبحوا من الذين يدافعون عنه، وهناك فتن حدثت في التاريخ الإسلامي، مثل الفتنة الكبرى، وأيضا قتل علي بن أبي طالب وعثمان ابن عفان رضي الله عنهما.
بدوره، يوضح د. عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث بكلية الآداب جامعة حلوان، أن تسجيل التاريخ مهم لأنه يسجل وقائع وتاريخ الشعوب، حيث يتم التسجيل دون تدخل المدون بالتعليق، منوها بأن من يكتب التاريخ يرجع إلى تسجيل من سبقه حتى يربط بين الأحداث بعضها البعض.
وشدد على ضرورة كتابة جميع الوقائع صغيرة كانت أو كبيرة، فعندما تتراكم هذه الأحداث التي تسجل يوما بعد يوم تصبح مجالا للبحث في الفترة التي تكتب فيها عن طريق الرجوع إلى الوثائق، وعلى الباحث أن يربط بين الجزئيات بعضها البعض، وأنه إذا لم تسجل أي واقعة تكون ضاعت على الزمن.
وأكد أن تحري الأمانة والدقة شرط أساسي في مهنة المؤرخ والباحثين في التاريخ، إذ إن من لا يتحرى الأمانة والدقة يخرج من زمرة الباحثين، فهذه المهنة لا تعتمد على الجانب الأخلاقي وعدمه، حيث يسجل الحدث كما وقع، إما أن يقول «شاهدت أو رأيت أو سمعت»، لكن لا يمكن ذكر أحداث دون ذلك السند، وهناك فرق بين المؤرخ والباحث في التاريخ الذي يعتمد في إعادة بناء صورة الحدث من خلال ما كتبه المؤرخون الذين سجلوا الوقائع، سواء في خطابات شخصية أو مذكرات أو غيرها.
كيفية التصدي للمستشرقين
أما د. عبدالمقصود باشا، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر، فأكد أن التاريخ مهم جدا في حياة الأمم، مشيرا إلى أنه لا يمكن تأكيد صحة كل ما كتب عن تاريخ أي دولة، إذ إن المؤرخ لا يستطيع أن يكتب التاريخ مجردا، حيث ترك بصمته، مما ينبهنا بضرورة البحث عما هو سليم وما هو خطأ، غير ما سجله القرآن الكريم وأحاديث رسولنا الكريم سيدنا محمد " صلى الله عليه وسلم" .
وتطرق إلى كيفية التصدي للمستشرقين غير المنصفين بضرورة تعلم لغات أهل الأرض، حيث سبقنا إلى ذلك رسول الله " صلى الله عليه وسلم" بأمره بعض أتباعه بتعلم لغات الناس في عصره، فتعلم بعضهم اللغة الفارسية والعربية وغيرها من اللغات، علاوة على سيدنا عمرو بن العاص "رضي الله عنه" الذي كان يجيد لغة الحبش في إفريقيا إضافة إلى إجادته للغة العربية وكذلك اللغة القبطية الخاصة بأهل مصر، واللغة الرومانية التي كان يتحدث بها الرومان في بلاد الشام، هو وغيره من الصحابة.
وأضاف: يجب أن نتعلم لغات الدول الأخرى إذا أردنا أن نقف على فكر هؤلاء المستشرقين، حيث نجدهم تفوقوا علينا في الكتابة عن تاريخنا وعن تفسير آيات القرآن الكريم وسنة النبي " صلى الله عليه وسلم" لإجادتهم اللغة العربية الفصحى وفهموها وتأولوا عليها.
واستطرد قائلا إن هناك أيضا المفسدين الذين استفاد منهم العرب، ولابد أن نخاطبهم من موقعهم من حيث فكرهم ويكون الرد على الثقافة بثقافة، واللغة بلغة، لكن كثيرا من هؤلاء لم يفقهوا دقائق اللغة العربية، لأن لها دقائقها البعيدة التي لا يفهمها المستعربون بل لا يفهمها إلا كبار المتخصصين.
وتابع: لابد من الاستفادة من المفسدين والمصلحين، ومن الضروري معاملة الناس بفكرهم، ورغم أن اللغة الإنجليزية هي المسيطرة والمهيمنة على العالم، فإنه من الأفضل أن يتعلم المؤرخ لغة أهل البلد التي سيؤرخ بها.