عرض للطباعة
قال ابن أبي شيبة في "المصنف":
23435- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ - هو ابن الجراح -، عَنْ مِسْعَرٍ ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ ، عَنْ شُرَيْحٍ ، قَالَ : إنَّمَا الْقَضَاءُ جَمْرٌ ، فَادْفَعَ الْجَمْرَ عَنْك بِعُودَيْنِ يَعْنِي الشَّاهِدَيْنِ.
وأخرجه محمد بن خلف - الملقب بــ: وكيع - في أخبار القضاة" (2/288) عن مسعر به.
وأخرجه أيضا (2/289) عن عبد الله بن الإمام أحمد، عن أبيه، عن وكيع بن الجراح به.
وإسناده صحيح.
أبو حصين هو عثمان بن عاصم بن حصين، قال ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (38/ 397) في ترجمة عثمان بن عاصم بن حصين أبو حصين الأسدي الكوفي:"وسمع ... وشريح بن الحارث القاضي..". ومما يثبت سماعه من شريح القاضي ما أخرجه وكيع في "أخبار القضاة" (2/ 289) قال: حَدَّثَنَا الرمادي، قال: [حدثنا يزيد بن أبي حكيم] حَدَّثَنَا سُفْيَان، عَن أبي حصين، قال:" خاصمت إِلَى شريح، في مكاتب ترك مالاً، وبقي عليه من مكاتبته بقية، فأعطاني شريح ما بقي عليه من كتابته؛ وجعل لابنيه الثلثين، وجعل أبا حصين عصبته فورثه ما بقى". وما بين معكوفتين سقط من المطبوع، والرمادي وهو أحمد بن منصور لا يروي عن سفيان وهو الثوري إلا بواسطة يزيد بن أبي حكيم، وفي "التقريب" :"صدوق".
لكن أبو حصين قال الحافظ في "التقريب" "ثقة ربما دلس". فهل يقال على هذا الأثر كقولكم: إسناده صحيح"، على أن وصفه بالتدليس لا يضر، لقلته أو أن وصفه بالتدليس لا يثبت، فلذلك أهمل؟ أو يقال: إسناده صحيح إن كان أبو حصين وهو عثمان بن عاصم الكوفى سمعه من شريح القاضي فإنه موصوف بأنه ربما دلس. هذا ما وقفت عليه فعرضته عليكم للظفر بفائدة. والله ولي التوفيق.
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم.
نعم أعلم أن أبا حصين وصفه ابن حجر بأنه ربما دلس، وعندما قلت: إسناده صحيح، لأنني لم أر أحدا من أهل العلم المحققين من وصفه بالتدليس، وربما وقف الحافظ ابن حجر على بعض تدليس له، لكن ليس هذا الأصل، فتحمل روايته على الاتصال والسماع ما لم يأت دليل - أو قرينة - على عكس ذلك.
وله ترجمة في "تهذيب الكمال" وغيره، وذكر ممن روى عنهم أبو حصين شريحًا القاضي.
ومما يثبت سماعه أيضا - وهناك أدلة أخرى - ما أخرجه وكيع في "أخبار القضاة"(2 /261):
حَدَّثَنَا سعدان؛ قال:حَدَّثَنَا غسان، عَن سُفْيَان، ذكره عَن ابن حصين، عَن الشعبي، قال: سمعت شريحاً يقول: ذهب الرهان بما فيها.
كذا قَالَ: أَبُو بكر هكذا قال عَن أبي حصين، عَن الشعبي، قال: حَدَّثَنَاه في الجامع.
حَدَّثَنَاه الصغاني، قال:حَدَّثَنَا أَبُو نعيم، قال:حَدَّثَنَا سُفْيَان، عَن أبي حصين؛ قال: سمعت شريحاً يقول.
قَالَ: أَبُو بكر (هو وكيع): هَذَا هو الصواب، رواه جماعة عَن أبي حصين، عن، شريح نفسه.
فيما جاء عن وصف ابن حجر له بالتدليس كان قولكم :"لم أر أحدًا من أهل العلم المحققين من وصفه بالتدليس، وربما وقف الحافظ ابن حجر على بعض تدليس له". السؤال ما هو تفسير ما جاء في ترجمة أبي حصين :قال أبو معاوية عن الأعمش كان أبو حصين يسمع مني ثم يذهب فيرويه".
كما في "تاريخ دمشق" لابن عساكر (38/ 413)، ونقل في تهذيب الكمال، وتهذيب التهذيب، وسير أعلام النبلاء.
قد يحمل هذا على القراءة، وكان وكيع يقول: كان أبو حصين يقول: أنا أقوى من الأعمش وكان في مسجد بني كاهل فقال الأعمش لرجل يقرأ عليه اهمز الحوت فهمزه فلما كان من الغد قرأ أبو حصين في الفجر نون فقرأ كصاحب الحوت فهمزها فلما صلى قال الأعمش: يا أبا حصين كسرت ظهر الحوت فكان ما بلغكم والذي بلغنا أنه قذفه فحلف الأعمش ليحدنه فكلمه بنو أسد فأبى فقال: خمسون منهم والله ليشهدن أن أمه كما قال فحلف أن لا يساكنهم وتحول إلى بني حرام.
على أن العبارة المنقولة ليس فيها تصريح بتدليس، ففيها أن الأعمش قال:كان أبو حصين يسمع مني ثم يذهب فيرويه.
أي أنه يأخذ منه العلم والقراءة ثم يرويه عنه، وهذا أمر طبيعي أنه يسمع منه ثم يرويه، ولم يقل: يسمع من غيري ثم يرويه عني.
وأمر آخر أن ابن حجر قال: ربما.
فالأصل صحة روايته واتصالها، ما لم يأت دليل على خلافه، كما ذكرت لك - وفقك الله -آنفا.
سددك الله قولك: على أن العبارة المنقولة ليس فيها تصريح بتدليس، ففيها أن الأعمش قال:كان أبو حصين يسمع مني ثم يذهب فيرويه".
أي أنه يأخذ منه العلم والقراءة ثم يرويه عنه، وهذا أمر طبيعي أنه يسمع منه ثم يرويه، ولم يقل: يسمع من غيري ثم يرويه عني.
جزاك الله على توجيهك لهذه العبارة.
أحببت أن أعرض عليك ما ليس بغائب عنك، ذلك ما ذكره العجلي في "الثقات" (ص/ 328) في ترجمة أبي حصين حيث قال:"وهو أعلى سنًّا من الأعمش، وكان الذي بينه وبين الأعمش متباعدًا وقع بينهما شر حتى تباعد الأعمش عنه إلى بني حرام".
وقول ابن الجزري في "غاية النهاية في طبقات القراء" (1/ 505- 506):"عثمان بن عاصم أبو حصين الأسدي الكوفي ثقة ثبت، أخذ القراءة عرضًا عن يحيى بن وثاب، روى عنه القراءات سليمان الأعمش". وقول الذهبي في "تاريخ الإسلام" (3/ 461):"قال أبو عمرو الداني: أخذ عنه القراءة الأعمش، كذا قال أبو عمرو".
على ما سبق هو أسن من الأعمش ونقل أن الأعمش أخذ عنه القراءة فيحتمل أن الأعمش أراد الثناء على أبي الحصين بقوله: "كان يسمع مني ثم يذهب فيرويه"، أي يرويه عني من باب رواية الأكابر عن الأصاغر، فلا يمنعه ذلك من الرواية عني. ويحتمل أنه يذم صنيعه هذا بأنه يسمع منه لكن عند الرواية يسقطه ولا يذكره، وهذا بالنظر إلى ما وقع بينهما من شر.
وعليه هل لو فسرت العبارة على هذا المعنى يظهر التدليس. هذه مجرد مذاكرة. والله أعلم.
نعم هذا احتمال لكنه أقرب بالقراءة أكثر منه برواية الحديث، نفع الله بك.
ولو فرضنا أنه يتعلق بالحديث أيضا سيكون على الأقل في حديث الأعمش، وتدليسه عن غيره يحتاج إلى دليل، فيبقى أثرنا على ما ذكرنا، والله أعلم.
شكر الله لك مدارستك النافعة، وفي انتظار فوائدك.
نفع الله بهذا الموقع المبارك وبأهله جميعا
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم.
جزاك الله خيرًا على هذا الاستظهار،:"نعم هذا احتمال لكنه أقرب بالقراءة أكثر منه برواية الحديث". وهذا الذي وقع عندي من البداية، وتركته حتى أجد ما يؤيده، ولعل عدم ذكر ابن عساكر في "تاريخ دمشق"، والمزي في "تهذيب الكمال"، الأعمش في الرواة عن أبي حصين، وكذا عدم ذكر عثمان بن عاصم فيمن روى عنهم الأعمش، مع وصف الإمام أحمد له كما في "سير أعلام النبلاء" (5/ 414)
:"وكان قليل الحديث، صحيح الحديث". وأيضًا: قيل له:-أي الإمام أحمد-:" أيهما أصح حديثًا، هو أو أبو إسحاق؟
قال: أبو حصين أصح حديثًا؛ لقلة حديثه". كما أن الوقوف على رواية له عن الأعمش يحتاج إلى بحث لتعذر الوقوف على ذلك الآن!! فكل ما ذكر بينهما يتعلق بالقراءة. وعليه فإن قولكم :"ولو فرضنا أنه يتعلق بالحديث أيضا سيكون على الأقل في حديث الأعمش، وتدليسه عن غيره يحتاج إلى دليل".
أما قولكم:"فيبقى أثرنا على ما ذكرنا، والله أعلم". نعم هو إسناده صحيح، ولم أنازعك في ذلك، ويكفينا قول الإمام أحمد:"صحيح الحديث"، إنما أردت مناقشة وصف الحافظ له :"ربما دلس"، وذكرت ما قد يحتمل أن يقال، وتركت لك ما ظهر لك، فجاء قولكم:"لكن ليس هذا الأصل، فتحمل روايته على الاتصال والسماع ما لم يأت دليل - أو قرينة - على عكس ذلك." على ما يظهر من صنيع المتقدمين من الأئمة النقاد، كما هو معلوم من المناقشات في ذلك، وعدم ذكري جعلك تنبهني إليه مرة أخرى بقولكم:"فالأصل صحة روايته واتصالها، ما لم يأت دليل على خلافه، كما ذكرت لك"، فأقبل منك ما أردت التنبيه عليه، أما مسألة الأصل وطبقات المدلسين للحافظ، والإعلال بعدم التصريح بالسماع أو التحديث فلو أخرجت ما عندك فيها بالأمثلة التي وقعت لك تطبيقًا عمليًا فتكون إضافة لما سبق طرحة، فجزاك الله خيرًا. على ما تبذله من حسن الإشراف، وتحرير الفوائد.
أحسن الله إليك وشكر لك على أدبك الجم وفوائدك النافعة.